اذهبي الى المحتوى
عروس القرءان

|| صفحة مدارسة التفسير|| ..~ ليدبروا آياته ~..

المشاركات التي تم ترشيحها

akhawat_islamway_1426467939____.png

قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ (83)}

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

وهذه الشرائع من أصول الدين, التي أمر الله بها في كل شريعة, لاشتمالها على المصالح العامة, في كل زمان ومكان, فلا يدخلها نسخ, كأصل الدين،

ولهذا أمرنا بها في قوله: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } إلى آخر الآية.

 

فقوله: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } هذا من قسوتهم أن كل أمر أمروا به, استعصوا؛ فلا يقبلونه إلا بالأيمان الغليظة, والعهود الموثقة

 

{ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ } هذا أمر بعبادة الله وحده, ونهى عن الشرك به، وهذا أصل الدين, فلا تقبل الأعمال كلها إن لم يكن هذا أساسها, فهذا حق الله تعالى على عباده,

 

ثم قال: { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } أي: أحسنوا بالوالدين إحسانا، وهذا يعم كل إحسان قولي وفعلي مما هو إحسان إليهم، وفيه النهي عن الإساءة إلى الوالدين, أو عدم الإحسان والإساءة، لأن الواجب الإحسان, والأمر بالشيء نهي عن ضده.

 

وللإحسان ضدان:

الإساءة, وهي أعظم جرما،

وترك الإحسان بدون إساءة, وهذا محرم,

لكن لا يجب أن يلحق بالأول، وكذا يقال في صلة الأقارب واليتامى, والمساكين، وتفاصيل الإحسان لا تنحصر بالعد, بل تكون بالحد, كما تقدم.

 

ثم أمر بالإحسان إلى الناس عموما فقال: { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } ومن القول الحسن أمرهم بالمعروف, ونهيهم عن المنكر, وتعليمهم العلم, وبذل السلام, والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب.

 

ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله, أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق, وهو الإحسان بالقول, فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار, ولهذا قال تعالى: { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }

 

ومن أدب الإنسان الذي أدب الله به عباده, أن يكون الإنسان نزيها في أقواله وأفعاله, غير فاحش ولا بذيء, ولا شاتم, ولا مخاصم، بل يكون حسن الخلق, واسع الحلم, مجاملا لكل أحد, صبورا على ما يناله من أذى الخلق, امتثالا لأمر الله, ورجاء لثوابه.

 

ثم أمرهم بإقامة الصلاة, وإيتاء الزكاة

لما تقدم أن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود,

والزكاة متضمنة للإحسان إلى العبيد.

 

{ ثُمَّ } بعد هذا الأمر لكم بهذه الأوامر الحسنة التي إذا نظر إليها البصير العاقل, عرف أن من إحسان الله على عباده أن أمرهم بها,, وتفضل بها عليهم وأخذ المواثيق عليكم

 

{ تَوَلَّيْتُمْ } على وجه الإعراض، لأن المتولي قد يتولى, وله نية رجوع إلى ما تولى عنه، وهؤلاء ليس لهم رغبة ولا رجوع في هذه الأوامر، فنعوذ بالله من الخذلان.

 

وقوله: { إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ } هذا استثناء, لئلا يوهم أنهم تولوا كلهم، فأخبر أن قليلا منهم, عصمهم الله وثبتهم.

-------------- --------------

* من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

وقوله تعالى ( لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله وبالوالدين إِحْسَاناً . . . ) إلى قوله تعالى ( ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ . . . ) بيان للميثاق وتفصيل له .

 

وجاء التعبير بقوله تعالى ( لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله ) في صورة الخبر المنفي

والمراد منه النهي عن عبادة غير الله ،

لإِفادة المبالغة والتأكيد ،

فكأن الأمر والنهي قد امتثلا فيخبر بوقوعهما ،

أو أنهما لأهميتهما يخبر عنهما بأنهما سيتلقيان بحسن الطاعة حتما ، فينزل ما يجب وقوعه منزلة الواقع ، ويخبر عن المأمور بأنه فاعل لما أمر به ومجتنب لما نهى عنه في الحال ، وفي ذلك ما فيه من إفادة المبالغة في وجوب امتثال الأمر والنهي .

وقد تضمنت الآية الكريمة لوناً فريداً من التوجيه المحكم الذي لو اتبعوه لحسنت صلتهم مع الخالق والمخلوق ،

لأنها ابتدأت بأمرهم بأعلى الحقوق وأعظمها وهو حق الله - تعالى - عليهم ، بأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ،

ثم ثنت ببيان حقوق الناس فبدأت

بأحقهم بالإِحسان وهما الوالدان لما لهما من فضل الولادة والعطف والتربية ،

ثم الأقارب الذين تجمع الناس بهم صلة قرابة من جهة الأب والأم ، ورعايتهم تكون بالقيام بما يحتاجون إليه على قدر الاستطاعة ،

ثم باليتامى لأنهم في حاجة إلى العون بعد أن فقدوا الأب الحاني ،

ثم بالمساكين لعجزهم عن كسب ما يكفيهم ،

ثم بالإِحسان إلى سائر الناس عن طريق الكلمة الطيبة ، والمعاملة الحسنة ، لأن الناس إن لم يكونوا في حاجة إلى المال ، فهم في حاجة إلى حسن المقال ،

ثم أرشدتهم إلى العبادات التي تعينهم على إحسان صلتهم بالخالق والمخلوق فأمرتهم بالمداومة على الصلاة بخشوع وإخلاص ، وبالمحافظة على أداء الزكاة بسخاء وطيب خاطر ،

ولعظم شأن هاتين العبادتين البدنية والمالية ذكرتا على وجه خاص بعد الأمر بعبادة الله ، تفخيماً لشأنهما وتوكيداً لأمرهما ، وكان من الواجب على بني إسرائيل أن ينتفعوا بهذه الأوامر الحكيمة ، لكنهم عموا وصموا عنها فوبخهم القرآن الكريم بقوله : ( ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ ) .

أي : ثم توليتم - أيها اليهود - عن جميع ما أخذ عليكم من مواثيق فأشركتم بالله وعققتم الوالدين ، وأسأتم إلى الأقارب واليتامى والمساكين وقلتم للناس أفحش الأقوال ، وتركتم الصلاة ، ومنعتم الزكاة ، وقطعتم ما أمر الله به أن يوصل .

وقوله تعالى : ( إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ ) إنصاف لمن حافظ على العهد منهم ، حيث إنه لا تخلو أمة من المخلصين الذين يرعون العهود ، ويتبعون الحق ، وإرشاد للناس إلى أن وجود عدد قليل من المخلصين في الأمة ، لا يمنع نزول العقاب بها متى فشا المنكر في الأكثرين منها .

وقوله تعالى : ( وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ ) جملة حالية تفيد أن الأعراض عن الطاعة ، وعدم التقيد بالمواثيق التي أقروا بها ، عادة متأصلة فيهم ووصف ثابت لهم ، وسجية معروفة منهم .

يتبع بإذن الله ...

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (84)}

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

تفسير الأيات من 84 : 86

وهذا الفعل المذكور في هذه الآية, فعل للذين كانوا في زمن الوحي بالمدينة،

وذلك أن الأوس والخزرج - وهم الأنصار - كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم مشركين, وكانوا يقتتلون على عادة الجاهلية، فنزلت عليهم الفرق الثلاث من فرق اليهود, بنو قريظة, وبنو النضير, وبنو قينقاع، فكل فرقة منهم حالفت فرقة من أهل المدينة. فكانوا إذا اقتتلوا أعان اليهودي حليفه على مقاتليه الذين تعينهم الفرقة الأخرى من اليهود, فيقتل اليهودي اليهودي, ويخرجه من دياره إذا حصل جلاء ونهب، ثم إذا وضعت الحرب أوزارها, وكان قد حصل أسارى بين الطائفتين فدى بعضهم بعضا.

والأمور الثلاثة كلها قد فرضت عليهم،

- ففرض عليهم أن لا يسفك بعضهم دم بعض,

- ولا يخرج بعضهم بعضا،

- وإذا وجدوا أسيرا منهم, وجب عليهم فداؤه،

فعملوا بالأخير وتركوا الأولين,

 

فأنكر الله عليهم ذلك فقال: { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ } وهو فداء الأسير { وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } وهو القتل والإخراج.

 

وفيها أكبر دليل على أن الإيمان يقتضي فعل الأوامر واجتناب النواهي، وأن المأمورات من الإيمان، قال تعالى: { فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } وقد وقع ذلك فأخزاهم الله, وسلط رسوله عليهم, فقتل من قتل, وسبى من سبى منهم, وأجلى من أجلى.

{ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ } أي: أعظمه { وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

 

ثم أخبر تعالى عن السبب الذي أوجب لهم الكفر ببعض الكتاب, والإيمان ببعضه فقال: { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ } توهموا أنهم إن لم يعينوا حلفاءهم حصل لهم عار, فاختاروا النار على العار، فلهذا قال: { فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ } بل هو باق على شدته, ولا يحصل لهم راحة بوقت من الأوقات، { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } أي: يدفع عنهم مكروه.

 

-------------- --------------

* من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

بعد أن بين - سبحانه - في الآية السابقة أن الله - تعالى - قد أخذ على بني إسرائيل عهداً بأن بعبدوه ويؤدوا فرائض الله ، إلا أنهم نقضوا هذا العهد وتولوا عنه سوى قليل منهم بعد ذلك بين في هذه الآية الكريمة أنه - سبحنه - أخذ علهيم عهداً آخر ولكنهم نقضوه كما هو دأبهم .

وملخص هذا العهد الذي ذكرته الآيات الكريمة ،

أن الله تعالى أخذ عليهم الميثاق ألا يقتل بعضهم بعضاً ، وألا يخرج بعضهم بعضاً من داره ، وأنهم إذا وجدوا أسيراً منهم في يد غيرهم فإن عليهم أن يبذلوا أموالهم لفدائه من الأسر ، وتخليصه من أيدي أعدائهم ،

ثم لما نشبت الحرب بين قبيلتي الأوس والخزرج ، الأوس والخزرج ، وصارت كل طائفة من طوائف اليهود تقاتل بجانب أبناء ملتهم المنضمين إلى حلفئهم الآخرين فإذا وضعت الحرب أوزارها ، بذل جميع اليهود أموالهم لتخليص الأسرى من أعدائهم كما أمرهم - تعالى - وبهذا يكونون قد آمنوا ببعض الكتاب وهو بذل الفداء لتخليص الأسرى ، وكفروا ببعضه وهو تحريم سفك دماء إخوانهم وإخراجهم من ديارهم ، ويحيكى التاريخ أن العرب كانوا يعيرونهم فيقولون لهم : كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم بأموالكم؟ فكان اليهود يقولون : قد حرم علينا قتالهم ولكنا نستحي أن نخذل حلفاءنا وقد أمرنا أن نفتدي أسرانا .

وقد توعدهم - سبحانه - بالخزي في الدنيا والآخرة ، جزاء نقضهم لعهوده ، وتفريقهم بين أحكامه .

 

وقوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ) معناه : اذكروا حين أخذنا العهد عليكم يا بني إسرائيل ألا يسفك أحد منكم دم غيره ، وألا يخرجه من دياره .

على حد قوله : ( فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ ) أي فليسلم بعضكم على بعض .

وفائدة هذا التعبير ، التنبيه إلى أن الأمة المتواصلة بالدين ، يجب أن يكون شعورها بالوحدة قوياً وعميقاً ، بحيث يكون قتل الرجل لغيره قتلا لنفسه ، وإخراجه له من داره إخراجاً لها .

قال صاحب المنار : ( وقد أورد - سبحانه - النهي عن سفك بعضهم دم بعض ، وإخراج بعضهم بعضا من ديارهم وأوطانهم ، بعبارة تؤكد وحدة الأمة ، وتحدث في النفس أثراً شريفاً ، يبعثها على الامتثال إن كان هناك قلب يشعر ، ووجدان يتأثرفقال تعالى (لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ ) فجعل دم كل فرد من أفراد الأمة كأنه دم الآخر عينه حتى إذا سفكه كان كأنه بخع نفسه وانتحر بيده . وقال تعالى : ( وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ) على هذا النسق ، وهذا التعبير المعجز ببلاغته خاص بالقرآن الكريم .

 

وقوله تعالى : ( ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ) تسجيل عليهم بأنهم قد قبلوا العمل بالميثاق والتزموا به ، إذ المعنى . ثم اعترفتم بهذا الميثاق - أيها اليهود - ولم تنكروه ، فكان من الواجب عليكم أن تفوا به ، فماذا كان موقفهم بعد هذا الإقرار والإِشهاد؟

 

 

 

يتبع بإذن الله مع أختي الحبيبة زُلفى ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

 

 

نُتابع تفسير الآيات من (سورة البقرة)

 

 

قال الله تعالى: { ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } (85)

 

 

من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

لقد بين القرآن الكريم بعد ذلك أنهم نقضوا عهودهم، وارتكبوا ما نهوا عن ارتكابه،

فقال تعالى: { ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ.. }

أي: ثم أنتم- يا معشر اليهود- بعد اعترافكم بالميثاق، والتزامكم به، نقضتم عهودكم، وارتكبتم في حق إخوانكم ما نهيتم عنه، من القتل والإخراج، وفعلتم ما لا يليق بالعقلاء، ومن يحترم المواثيق.

 

ولما كان قتل بعضهم لبعض، وإخراجهم من أماكنهم يحتاج إلى قوة وغلبة،

بين- سبحانه- أنهم يرتكبون ذلك وهم متعاونون عليه بالشرور ومجاوزة الحدود،

فقال تعالى: { تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ }

تظاهرون: من التظاهر وهو التعاون، وأصله من الظهر، كأن المتعاونين يسند كل واحد منهم ظهره إلى الآخر.

والمعنى: تتعاونون على قتل إخوانكم وإخراجهم من ديارهم مع من ليسوا من أقاربكم وليسوا من دينكم، وأنتم مرتكبون ذلك الإثم والعدوان.

 

وقوله تعالى: { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ } بيان لتناقضهم وتفريقهم لأحكام الله تعالى.

وأسارى: جمع أسير بمعنى مأسور، وهو من يؤخذ على سبيل القهر فيشد بالإسار وهو القد- بكسر القاف-،

والقد: سير يقد من جلد غير مدبوغ.

وتفادوهم: تنقذوهم من الأسر بالفداء، يقال: فاداه وفداه: أعطى فداءه فأنقذه.

 

أي: أنتم- يا معشر اليهود- إن وجدتم الذين قاتلتموهم وأخرجتموهم من ديارهم أسرى تسعون في فكاكهم، وتبذلون عرضا لإطلاقهم، والشأن أن قتلهم وإخراجهم محرم عليكم كتركهم أسرى في أيدى أعدائكم، فلماذا لم تتبعوا حكم التوراة في النهى عن قتالهم وإخراجهم كما اتبعتم حكمها في مفاداتهم؟

 

وصدرت الجملة الكريمة «وهو محرم عليكم إخراجهم» بضمير الشأن،

للاهتمام بها، والعناية بشأنها، وإظهار أن هذا التحريم أمر مقرر مشهور لديهم، وليس خافيا عليهم.

 

وقوله تعالى: { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } توبيخ وتقريع لهم على تفريقهم بين أحكام الله.

والمعنى: أفتتبعون أحكام كتابكم في فداء الأسرى، ولا تتبعونها في نهيكم عن قتال إخوانكم وإخراجهم من ديارهم؟

فالاستفهام للإنكار والتوبيخ على التفريق بين أحكامه- تعالى- بالإيمان ببعضها والكفر بالبعض الآخر.

وبعض الكتاب الذي آمنوا به هو ما حرم عليهم من ترك الأسرى في أيدي عدوهم، وبعضه الذي كفروا به ما حرم عليهم من القتل والإخراج من الديار، فالإنكار منصب على جمعهم بين الكفر والإيمان.

 

قال فضيلة المرحوم للشيخ محمد الخضر حسين:

«وإنما سمى- سبحانه- عصيانهم بالقتل والإخراج من الديار كفرا لأن من عصى أمر الله- تعالى- بحكم عملي معتقدا أن الحكمة والصلاح فيما فعله، بحيث يتعاطاه دون أن يكون في قلبه أثر من التحرج، ودون أن يأخذه ندم وحزن من أجل ما ارتكب. فقد خرج بهذه الحالة النفسية عن سبيل المؤمنين، وفي الآية الكريمة دليل واضح على أن الذي يؤمن ببعض ما تقرر في الدين بالدليل القاطع ويكفر ببعضه، يدخل في زمرة الكافرين لأن الإيمان كل لا يتجزأ» .

 

ثم بين- سبحانه- العقاب الدنيوي والأخروي الذي استحقه أولئك المفرقون لأحكامه فقال تعالى: { فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

اسم الإشارة (ذلك) مشار به إلى القتل والإخراج من الديار، اللذين نقضوا بهما عهد الله بغيا وكفرا.

 

والخزي في الدنيا هو الهوان والمقت والعقوبة ومن مظاهره: ما لحق اليهود بعد تلك الحروب من المذلة بإجلاء بني قينقاع والنضير عن ديارهم، وقتل بني قريظة وفتح خيبر، وما لحقهم بعد ذلك من هوان وصغار، وتلك سنة الله في كل أمة لا تتمسك بدينها ولا تربط شئونها بأحكام شريعتها وآدابها.

 

ولما كان البعض قد يتوهم أن خزيهم في الدنيا قد يكون سببا في تخفيف العذاب عنهم في الأخرى، نفى- سبحانه- هذا التوهم، وبين أنهم يوم القيامة سيصيرون إلى ما هو أشد منه.

لأن الله- تعالى- ليس ساهيا عن أعمالهم حتى يترك مجازاتهم عليها.

 

فالمراد من نفي الغفلة نفي ما يتسبب عنها من ترك المجازاة لهم على شرورهم.

وفي ذلك دليل على أن الله- تعالى- يعاقب الحائدين عن طريقه المستقيم، بعقوبات في الدنيا، وفي الآخرة، جزاء طغيانهم، وإصرارهم على السيئات.

 

 

 

يُتبع بإذن الله.

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

 

 

 

 

قال الله تعالى: { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ } (86)

 

 

من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

ثم أكد- سبحانه- هذا الوعيد الشديد وبين علته فقال تعالى: { أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُون }

والمعنى: أولئك اليهود الذين فرقوا أحكام الله، وباعوا دينهم بدنياهم، وآثروا متاع الدنيا على نعيم الآخرة قد استحقوا غضب الله فلا يخفف عنهم العذاب يوم القيامة، ولا يجدون من دون الله وليا ولا نصيرا.

 

 

 

يُتبع بإذن الله.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

 

 

 

 

قال الله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } (87)

 

 

من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

يمتن تعالى على بني إسرائيل أن أرسل لهم كليمه موسى, وآتاه التوراة, ثم تابع من بعده بالرسل الذين يحكمون بالتوراة, إلى أن ختم أنبياءهم بعيسى ابن مريم عليه السلام، وآتاه من الآيات البينات ما يؤمن على مثله البشر،

 

{ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ } أي: قواه الله بروح القدس.

 

قال أكثر المفسرين: إنه جبريل عليه السلام,

وقيل: إنه الإيمان الذي يؤيد الله به عباده.

 

ثم مع هذه النعم التي لا يقدر قدرها, لما أتوكم { بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ } عن الإيمان بهم، { فَفَرِيقًا } منهم { كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } فقدمتم الهوى على الهدى, وآثرتم الدنيا على الآخرة، وفيها من التوبيخ والتشديد ما لا يخفى.

 

----------------

 

من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

ثم ذكرهم - سبحانه - بعد ذلك بلون آخر من ألوان جناياتهم ، فقال تعالى:

( وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى الكتاب وَقَفَّيْنَا . . . )

ففي هاتين الآيتين تذكير لبني إسرائيل بضرب من النعم التي أمدهم الله بها ثم قابلوها بالكفر والإجرام.

 

والمراد بالكتاب الذي أعطاه الله لموسى التوراة، فقد أنزلها عليه لهدايتهم ولكنهم حرفوها وبدلوها وخالفوا أوامره وأولوها تأويلا سقيما.

 

ومعنى { وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ } أردفنا وأرسلنا من بعد موسى رسلا كثيرين متتابعين، لإرشاد بني إسرائيل، وإخراجهم من الظلمات إلى النور.

 

يقال: قفا أثره يقفوه قفوا وقفوا، إذا تبعه.

وقفى على أثره بفلان إذا أتبعه إياه.

وقفيته زيدا وبه: أتبعته إياه.

واشتقاقه من: قفوته إذا أتبعت قفاه، والقفا مؤخر العنق، ثم أطلق على كل تابع ولو بعد الزمن بينه وبين متبوعه.

 

والرسل: جمع رسول بمعنى مرسل، وقد أرسل الله- تعالى- رسلا بعد موسى- عليه السلام-: منهم: داود، وسليمان، وإلياس، واليسع، ويونس، وزكريا، ويحيى- عليهم الصلاة والسلام-.

 

 

فمن مظاهر نعم الله على بني إسرائيل،

أنه لم يكتف بإنزال الكتب لهدايتهم، وإنما أرسل فيهم بجانب ذلك رسلا متعددين، لكي يبشروهم وينذروهم، ولكن بني إسرائيل قابلوا نعم الله بالجحود والكفران، فقد حرفوا كتب الله، وقتلوا بعض أنبيائه.

 

والمراد بالبينات في قوله: { وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ } الحجج والبراهين والآيات الدالة على صدقه وصحة نبوته،

فتشمل كل معجزة أعطاها الله لعيسى كإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، والإخبار ببعض المغيبات، وغير ذلك من المعجزات التي أيد الله بها عيسى- عليه السلام-.

 

وخص القرآن عيسى بالذكر لكونه صاحب كتاب هو الإنجيل، ولأن شرعه نسخ أحكاما من شريعة موسى- عليه السلام-.

 

وفي إضافة عيسى إلى أمه إبطال لما يزعمه اليهود من أن له أبا من البشر.

 

وقوله: { وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ } أي: قويناه مأخوذ من الأيد وهو القوة.

وروح القدس هو جبريل- عليه السلام-، قال- تعالى-:

{ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ } ،

والإضافة فيه من إضافة الموصوف إلى الصفة، أي: الروح المقدس.

ووصف بالقدس لطهارته وبركته.

وسمي روحا لمشابهته الروح الحقيقي في أن كلا منهما مادة لحياة البشر.

 

فجبريل من حيث ما يحمل من الرسالة الإلهية تحيا به القلوب.

والروح تحيا به الأجسام.

 

أي: أننا أعطينا عيسى بن مريم الحجج الدالة على صدقه في نبوته وقويناه على ذلك كله بوحينا الذي أوحيناه إليه عن طريق جبريل- عليه- السلام-.

 

ثم وبخ الله اليهود على أفعالهم القبيحة فقال: { أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }

أي: أفكلما جاءكم يا بني إسرائيل رسول بما لا تحبه أنفسكم الشريرة استكبرتم عن اتباعه والإيمان به وأقبلتم على هؤلاء الرسل ففريقا منهم كذبتم، وفريقا آخر منهم تقتلونه غير مكتفين بالتكذيب:

 

وتهوى: من هوى إذا أحب

«والهوى يكون في الحق ، ويكون في الباطل كما في هذه الآية.

 

واستكبرتم: تكبرتم،

والتكبر ينشأ عن الاعجاب بالنفس الذي هو أثر الجهل بها.

وهو من الصفات التي متى تمكنت في النفس أوردتها المهالك، وساقتها إلى سوء المصير.

 

وقدم تكذيبهم للرسل على قتلهم إياهم، لأن التكذيب أول ما يصدر عنهم من الشر.

 

وعبر في جانب القتل بالفعل المضارع فقال: { تَقْتُلُونَ} ولم يقل قتلتم كما قال كذبتم،

لأن الفعل المضارع كما هو المألوف في أساليب البلاغة، يستعمل في الأفعال الماضية التي بلغت من الفظاعة مبلغا عظيما.

 

ووجهه أن المتكلم يعمد بذلك الفعل القبيح كقتل الأنبياء،

ويعبر عنه بالفعل المضارع الذي يدل بحسب وضعه على الفعل الواقع في الحال.

فكأنه أحضر صورة قتل الأنبياء أمام السامع، وجعله ينظر إليها بعينه، فيكون إنكاره لها أبلغ، واستفظاعه لها أعظم.

 

 

 

 

يُتبع بإذن الله مع أختي الحبيبة عروس القرآن.

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

نتابع تفسير الآيات منــ{ سورة البقرة}

 

قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ (88) }

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

أي: اعتذروا عن الإيمان لما دعوتهم إليه, يا أيها الرسول, بأن قلوبهم غلف,

أي: عليها غلاف وأغطية, فلا تفقه ما تقول، يعني فيكون لهم - بزعمهم - عذر لعدم العلم, وهذا كذب منهم

فلهذا قال تعالى: { بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ }

أي: أنهم مطرودون ملعونون, بسبب كفرهم، فقليلا المؤمن منهم, أو قليلا إيمانهم، وكفرهم هو الكثير.

-------------- --------------

 

* من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

ثم حكى القرآن بعض الدعاوى الباطلة التي كان يدعيها اليهود في العصر النبوي ورد عليها بما يدحضها فقال :

( وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ )

أي : قال اليهود الذين كانوا في العهد النبوي : قلوبنا يا محمد مغطاة بأغطية حسية مانعة من نفوذ ما جئت به فيها .

ومقصدهم من ذلك ، إقناطه صلى الله عليه وسلم من إجابتهم لدعوته حتى لا يعيد عليهم الدعوة من بعد .

والغلف : جمع أغلف ، وهو الذي جعل له غلاف ، ومنه قيل للقلب الذي لا يعى ولا يفهم ، قلب أغلف ، كأنه حجب عن الفهم بالغلاف .

قال ابن كثير : وقرأ ابن عباس - بضم اللام - وهو جمع غلاف .

أي : قلوبنا أوعية لكل علم فلا نحتاج إلى علمك .

وقد رد الله - تعالى - على كذبهم هذا بما يدحضه ويفضحه فقال :

( بَل لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ )

أي : أن قلوبهم ليست غلفاً بحيث لا تصل إليها دعوة الحق بل هي متمكنة بأصل فطرتها من قبول الحق ، ولكن الله أبعدهم من رحمته بسبب كفرهم بالأنبياء واستحبابهم العمى على الهدى .

والفاء في قوله : ( فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ ) للدلالة على أن ما بعدها متسبب عما قبلها

و ( مَّا ) في قوله ( فَقَلِيلاً مَّا ) لتأكيد معنى القلة .

والمعنى: أن الله لعنهم وكان هذا اللعن سبباً لقلة إيمانهم فلا يؤمنون إلا إيماناً قليلا ، وقلة الإِيمان ترجع إلى معنى أنهم لا يؤمنون إلا بقليل مما يجب عليهم الإِيمان به .

 

وقد وصفهم الله - تعالى - فيما سبق بأنهم كانوا يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.

ثم نبه القرآن المؤمنين إلى نوع آخر من رذائل اليهود ويتجلى هذا النوع في

- جحودهم الحق عن معرفة وعناد

- وكراهتهم الخير لغيرهم يدافع الأنانية والحسد

- وتحولهم إلى أناس يتميزون من الغيظ إذا ما رأوا نعمة تساق لغير أبناء ملتهم .

 

 

 

يتبع بإذن الله ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)}

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

أي: ولما جاءهم كتاب من عند الله على يد أفضل الخلق وخاتم الأنبياء, المشتمل على تصديق ما معهم من التوراة, وقد علموا به, وتيقنوه حتى إنهم كانوا إذا وقع بينهم وبين المشركين في الجاهلية حروب, استنصروا بهذا النبي, وتوعدوهم بخروجه, وأنهم يقاتلون المشركين معه، فلما جاءهم هذا الكتاب والنبي الذي عرفوا, كفروا به, بغيا وحسدا, أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده، فلعنهم الله, وغضب عليهم غضبا بعد غضب, لكثرة كفرهم وتوالى شكهم وشركهم.

{ وللكافرين عذاب مهين }

أي: مؤلم موجع, وهو صلي الجحيم, وفوت النعيم المقيم، فبئس الحال حالهم, وبئس ما استعاضوا واستبدلوا من الإيمان بالله وكتبه ورسله, الكفر به, وبكتبه, وبرسله, مع علمهم وتيقنهم, فيكون أعظم لعذابهم.

-------------- --------------

* من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

استمع إلى القرآن وهو يصور كل ذلك بأسلوبه البليغ الحكيم فيقول :

( وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ . . . )

روى المفسرين في سبب نزول الآية الأولى من هاتين الآيتين آثارا متعددة ،

من ذلك ما جاء عن عاصم بن عمرو بن قتادة الأنصاري عن رجال من قومه

قالوا : مما دعانا إلى الإِسلام مع رحمة الله وهداه ، أنا كنا نسمع من رجال يهود حين كنا أهل شرك وكانوا أهل كتاب ، عندهم علم ليس عندنا ، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور ، فكنا إذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : قد تقارب زمان نبي يبعث الآن ، نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ، فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم رسولا من عند الله أجبنا حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه ، فآمنا به وكفروا به ، ففينا وفيهم نزل قوله - تعالى - ( وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله ) . . . . إلخ الآية " .

ومعنى الآيتين الكريمتين :

ولما جاء إلى اليهود محمد صلى الله عليه وسلم ومعه القرآن الكريم وهو الكتاب الذي أوحاه الله إليه ، مصدقاً لما معهم من التوراة فيما يختص ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ونعته ، وكانوا قبل ذلك يستنصرون به على أعدائهم ، لما جاءهم النبي المرتقب ومعه القرآن الكريم جحدوا نبوته ، وكذبوا كتابه ( فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافرين ) .

 

بئس الشيء الذي باعوا به أنفسهم . والحسد الذي خالط قلوبهم ، وكراهية لأن ينزل الله وحيه على محمد العربي صلى الله عليه وسلم فباءوا بسبب هذا الخلق الذميم ، بغضب مترادف متكاثر من الله - تعالى -

( وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) جزاء كفرهم وحسدهم .

والمراد بالكتاب في قوله تعالى ( وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ ) القرآن الكريم ، وفي تنكيره زيادة تعظيم وتشريف له ، وفي الأخبار عنه بأنه من عند الله ، إشارة إلى أن ما يوحى به - سبحانه - جدير بأن يتلقى بالقبول وحسن الطاعة لأنه صادر من الحكيم الخبير

والذي مع اليهود هو التوراة ، ومعنى كون القرآن مصدقاً لها ، أنه يؤيدها ويوافقها في أصول الدين ، وفيما يختص ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم وصفته .

وفي وصف القرآن الكريم بأنه مصدق لما معهم ، زيادة تسجيل عليهم بالمذمة لأنهم لم يكفروا بشيء يخالف أصول كتابهم وإنما كفروا بالكتاب الذي يصدق كتابهم .

وقوله تعالى : ( وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ ) .

بيان لحالتهم قبل البعثة المحمدية

فإن اليهود كانوا عندما يحصل بينهم وبين أعدائهم نزاع ، يستنصرون عليهم بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته فيقولن اللهم انصرنا عليهم بالنبي الذي نجد نعته في التوراة .

والاستفتاح معناه : طلب الفتح وهو الفصل في الشيء والحكم فيه ، كما في قوله تعالى : ( رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق )

ويستعمل بمعنى النصر لأن فيه فصلا بين الناس

قال تعالى : ( إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الفتح ) أي : إن تستنصروا فقد جاءكم النصر ، فالمراد به الآية الاستنصار .

ثم بين - سبحانه - حقيقة حالهم بعد أن جاءهم الكتاب والرسول

فقال تعالى : ( فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ )

أي : فلما جاءهم ما كانوا يستفتحون به على أعدائهم ويرتقبونه جحدوه كفروا به .

وقال - سبحانه ( فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ ) ولم يقل فلما جاءهم الكتاب أو الرسول ، ليكون اللفظ أشمل ، فيتناول الكتاب والرسول الذي جاء به لأنه لا يجيء الكتاب إلا عن طريق رسول .

ومعرفتهم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه حاصلة بانطباق العلامات والصفات الواردة في التوراة عن النبي صلى الله عليه وسلم فكان من الواجب عليهم أن يؤيدوا هذه المعرفة بالإِيمان به ،

ولكن خوفهم على زوال رياستهم وأموالهم ، وفوات ما كانوا يحرصون عليه من أن يكون النبي المبعوث منهم لا من العرب ، ملأ قلوبهم غيظاً وحسداً ، وأخذ هذا الغيظ والحسد يغالب تلك المعرفة حتى غلبها ، وحال بينها وبين أن يكون لها أثر نافع لهم لعدم اقترانها بالقبول والتصديق .

ولقد حاول رئيسهم ( عبد الله بن سلام ) - رضي الله عنه - أن يصرفهم عن العناد وأقسم لهم بأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو الحق المصدق لما معهم أن يتبعوه ولكنهم عموا وصموا وتنقصوه ولذا لعنهم الله تعالى ، وأبعدهم عن رحمته كما قال تعالى : ( فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافرين ) .

وقال - سبحانه - ( عَلَى الكافرين ) ولم يقل عليهم ، للإِشعار بأن حلول اللعنة عليهم كان بسبب كفرهم .

 

 

يتبع بإذن الله ...

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

قوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90)}

 

* من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

ثم ذكر - سبحانه - أنهم بكفرهم قد باعوا أنفسهم بثمن بخس .

فقال تعالى : " بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله "

أي : بئس الشيء الذي باع به اليهود أنفسهم كفرهم بما أنزل الله بغياً وحسداً أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده .

وجمهور المفسرين على أن ( اشتروا ) هنا بمعنى باعوا ، لأن أولئك اليهود ، لما كانوا متمكنين من الإِيمان الذي يفضي بهم إلى السعادة الأبدية بعد أن جاءهم ما عرفوا من الحق فتركوه ، واستمروا على كفرهم بغياً وحسداً وحباً في الرياسة وتعصباً لجنسيتهم لما كانوا كذلك ، صار اختيارهم للكفر على الإِيمان ، بمنزلة اختيار صاحب السلعة ثمنها على سلعته ، فكأنهم بذلوا أنفسهم التي كان باستطاعتهم الانتفاع بإيمانها ، وقبضوا الكفر عوضاً عنها فأنفسهم بمنزلة السلعة المبيعة وكفرهم بمنزلة ثمنها المقبوض ، فبئس هذا الثمن الذي أوردهم العذاب الأليم .

 

وعبر - سبحانه - عن كفرهم بصيغة المضارع ( أَن يَكْفُرُواْ )

وعن بيعهم لأنفسهم بالماضي ( اشتروا )

للدلالة على أنهم صرحوا بكفرهم بالقرآن الكريم من قبل نزول الآية ، وإن بيعهم أنفسهم بالكفر طبيعة فيهم مستقرة منذ وقت بعيد ، وأنهم مازالوا مستمرين على تلك الطبيعة المنحرفة .

 

وقوله تعالى : ( بَغْياً أَن يُنَزِّلُ الله مِن فَضْلِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ )

تعليل لكفرهم وبيان للباعث عليه ، أي كفروا بما أنزل الله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بدافع من البغي والحقد ، وكراهة أن ينزل الله الوحي من فضله على من يشاء من عباده ،

فالبغي هنا مصدر بغي يبغى إذا ظلم . والمراد به ظلم خاص هو الحسد ،

وإنما عد الحسد ظلما ،

لأن الظلم معناه المعاملة التي تبعد عن الحق وتجافيه ،

والحسد معناه تمنى زوال النعمة عن الغير

والظالم والحاسد قد جانب كل منهما الحق فيما صنع ، والحاسد لن يناله نفع من زوال نعمة المحسود ، كما أنه لن يناله ضر من بقائها ، وما دام كذلك فالحاسد ظالم للمحسود بتمنى زوال النعمة وصدق الشاعر في قوله .

وأظلم خلق الله من بات حاسداً - لمن بات في نعمائه يتقلب - .

فاليهود قد كفروا بما أنزل الله ، من أجل حسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم على النبوة ولأنه لم يكن منهم وكان من العرب ، وكراهية لأن ينزل الله الوحي على من يصطفيه للرسالة من غيرهم ، فعدم إيمانهم بما عرفوه وارتقبوه سببه أنانيتهم البغيضة ، وأثرتهم الذميمة التي حملتهم على أن يحسدوا الناس على ما آتاهم الله من فضله ، وأن يتوهموا أن النبوة مقصورة عليهم ، فليس لله - تعالى - في زعمهم ، - أن ينزعها من ذرية إسحاق ليجعلها في ذرية إسماعيل عليهما السلام - .

ولم يصرح - سبحانه - بأن المحسود هو النبي صلى الله عليه وسلم لعلم ذلك من سياق الآيات الكريمة وللتنبيه على أن الحسد في ذاته مذموم كيفما كان حال المحسود .

 

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما آل إليه أمرهم من خسران مبين

فقال تعالى (فَبَآءُو بِغَضَبٍ على غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ )

باء بإثمه يبوء أي : رجع

أي : فرجعوا من أجل كفرهم وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم بغضب مضموم إلى غضب آخر كانوا قد استحقوه بسبب كفرهم بعيسى - عليه السلام - وبسبب تحريفهم للكلم عن مواضعه ، وتضييعهم لأحكام التوراة .

فهم بسبب كفرهم المستمر الذي تعددت أسبابه ، يصيبهم غضب كثير متعاقب من الله - تعالى - .

ويصح أن يكون معنى قوله : ( فَبَآءُو بِغَضَبٍ على غَضَبٍ ) أنهم رجعوا بغضب شديد مؤكد ، لصدوره من الله - تعالى - .

 

(وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ )

وعبر عنهم بهذا العنوان للتنبيه على أن ما أصابهم من عذاب مذل لهم كان بسبب كفرهم ،

ويصح أن يراد بالكافرين : كل كافروهم يدخلون فيه دخولا أولا؛ وإنما كان لهم العذاب المهين لأن كفرهم لما كان سببه البغي والحسد والتكبر والأنانية ، قوبلوا بالإِهانة والصغار .

وبذلك تكون الآيتان الكريمتان قد كشفتا عن لون من صفات اليهود الذميمة وهو

- إعراضهم عن الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي كانوا يستنصرون به على أعدائهم قبل بعثته ،

- وبيعهم الإِيمان الذي كان في مكنتهم الظفر به بالكفر بما أنزل الله من دين قويم ،

- وكتاب كريم إرضاء لغريزة الحقد الذي استحوذ على قلوبهم ، وتمشياً مع أثرتهم التي أبت عليهم أن يؤمنوا بنبي ليس من نسل إسرائيل ولو جاءهم بالحق المبين ،

فحق عليهم قول الله - تعالى - : ( فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ ولكن الظالمين بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ )

 

ثم حكى القرآن بعد ذلك بعض المعاذير الكاذبة التي كان اليهود يعتذرون بها عندما يدعون إلى الدخول في الإسلام

فقد كانوا يقولون إننا مكلفون ألا نؤمن إلا بكتابنا التوراة ، فنحن نكتفي بالإِيمان به دون غيره ، استمع إلى القرآن - وهو يعرض دعاواهم الكاذبة ثم يقذفها بالحق فيدمغها - حيث يقول :

( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ . . . )

 

 

وسنعرف ذلك مع أختي الحبيبة زُلفى بإذن الله ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

 

 

نُتابع تفسير آيات (سورة البقرة)

 

قال الله تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (91)

 

 

من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

أي: وإذا أمر اليهود بالإيمان بما أنزل الله على رسوله, وهو القرآن استكبروا وعتوا, و { قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ } أي: بما سواه من الكتب، مع أن الواجب أن يؤمن بما أنزل الله مطلقا, سواء أنزل عليهم, أو على غيرهم, وهذا هو الإيمان النافع, الإيمان بما أنزل الله على جميع رسل الله.

وأما التفريق بين الرسل والكتب, وزعم الإيمان ببعضها دون بعض, فهذا ليس بإيمان, بل هو الكفر بعينه, ولهذا قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا }

ولهذا رد عليهم تبارك وتعالى هنا ردا شافيا, وألزمهم إلزاما لا محيد لهم عنه,

فرد عليهم بكفرهم بالقرآن بأمرين

فقال: { وَهُوَ الْحَقُّ } فإذا كان هو الحق في جميع ما اشتمل عليه من الإخبارات, والأوامر والنواهي, وهو من عند ربهم, فالكفر به بعد ذلك كفر بالله, وكفر بالحق الذي أنزله.

ثم قال: { مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ } أي: موافقا له في كل ما دل عليه من الحق ومهيمنا عليه.

فلم تؤمنون بما أنزل عليكم, وتكفرون بنظيره؟

هل هذا إلا تعصب واتباع للهوى لا للهدى؟

وأيضا, فإن كون القرآن مصدقا لما معهم, يقتضي أنه حجة لهم على صدق ما في أيديهم من الكتب, فلا سبيل لهم إلى إثباتها إلا به،

فإذا كفروا به وجحدوه, صاروا بمنزلة من ادعى دعوى بحجة وبينة ليس له غيرها, ولا تتم دعواه إلا بسلامة بينته,

ثم يأتي هو لبينته وحجته, فيقدح فيها ويكذب بها; أليس هذا من الحماقة والجنون؟

فكان كفرهم بالقرآن, كفرا بما في أيديهم ونقضا له.

ثم نقض عليهم تعالى دعواهم الإيمان بما أنزل إليهم بقوله: { قُلْ } لهم: { فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } ـ

 

-----------------

 

من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

ومعنى الآيات الكريمة.

أن اليهود المعاصرين للعهد النبوي كانوا إذا عرض عليهم الإيمان بما أنزل الله من القرآن على محمد صلّى الله عليه وسلّم أجابوا بقولهم:

نؤمن بما أنزل علينا

وهو التوراة التي أنزلها الله- تعالى- على موسى، ويجحدون غيرها وهو القرآن الكريم المصدق لها في الأمر باتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم

 

ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يكذبهم في دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم فقال: { قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } بالتوراة فإنها تنهاكم عن قتلهم

 

ثم كذبهم القرآن الكريم مرة أخرى فقال: { وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ } أي: بالآيات الواضحات الدالة على صدقه،

ولكنكم { اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ } أي: من بعد ذهابه لميقات ربه { وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ } لعبادتكم غير الله تعالى.

 

ثم كذبهم القرآن الكريم- في دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم- بصورة أخرى سوى ما سبقها

فقال تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ }

وقلنا لكم: { خُذُوا ما آتَيْناكُمْ } - من التوراة- { بِقُوَّةٍ } أي بجد وحزم وَاسْمَعُوا ما أمرتم به فيها سماع تدبر وطاعة.

 

ولكن أسلافكم الذين أنتم على شاكلتهم قالوا لنبيهم: «سمعنا» قولك «وعصينا» أمرك.

 

وخالط حب العجل قلوبهم كما يخالط الماء أعماق البدن،

 

وكل هذه الأفاعيل منكم لا تناسب دعواكم الإيمان بما أنزل إليكم،

وإذا فبئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين بالتوراة كما تزعمون،

فالواقع أن التوراة بريئة من أعمالكم، وأنتم بعيدون عن الإيمان بها.

 

وقوله تعالى: { وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا } تصوير لنوع آخر من قبائح اليهود، وإخبار عن إعراضهم عن الحق بدعوى أنهم مكلفون بعدم الإيمان إلا بما أنزل الله على موسى وهو التوراة.

 

والمقصود { بِما أَنْزَلَ اللَّهُ } القرآن الكريم.

 

ولم يذكر المنزل عليه وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم

للعلم به أو للتنبيه على أن وجوب الإيمان بالكتاب، يكفي فيه العلم بأنه منزل من عند الله- تعالى-

ومتى استقر في النفس أن القرآن الكريم من عند الله، استتبع ذلك استحضار أنه أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم.

 

وقولهم: { نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا } معناه: نؤمن بالتوراة التي أنزلها الله على نبينا موسى دون غيرها مما أنزله الله عليك- يا محمد-،

وجوابهم هذا يدل على غبائهم وعنادهم.

لأن الداعي لهم إلى الإيمان، يطلب منهم أن يؤمنوا بكل ما أنزل الله من الكتب السماوية،

ولكنهم قيدوا أنفسهم بالإيمان ببعض ما أنزل الله وهو ما أنزل عليهم،

فلم يكن إيمانهم مطابقا لما أمر الله به وهو التصديق بجميع الكتب السماوية،

ولا شك أن من آمن ببعض الكتب السماوية وكفر ببعضها يكون كافرا بجميعها.

 

وقوله تعالى: { وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ } قصد به بيان التصريح بكفرهم بالقرآن الكريم بعد أن لمحوا بذلك في قولهم: { نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا }

والضمير في { وَراءَهُ } يعود على { بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا } المكنى به عن التوراة،

أي: قالوا نؤمن بما أنزل علينا

والحال أنهم يكفرون بما سوى التوراة أو بما بعدها وهو القرآن الكريم.

 

 

قال ابن جرير- رحمه الله-: «وتأويل وراء في هذا الموضع: سوى،

كما يقال للرجل المتكلم بالحسن، ما وراء هذا الكلام الحسن شيء.

يراد به: ليس من عند المتكلم به شيء سوى ذلك الكلام،

 

فكذلك معنى قوله تعالى: { وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ } أي بما سوى التوراة، وبما بعده من كتب الله التي أنزلها على رسله» .

 

والضمير «هو» في قوله تعالى: { وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ } يعود إلى القرآن الكريم المكنى عنه بقوله «بما وراءه» .

والحق: الحكم المطابق للواقع.

ووصف به القرآن الكريم لاشتماله على الأحكام المطابقة للواقع.

 

 

ومعنى كون القرآن مصدقا لما مع اليهود وهو التوراة، أنه يدل على نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم.

 

 

قال صاحب الكشاف: وفي قوله تعالى: { وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ } رد لمقالتهم { نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا } لأنهم إذ كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها» .

 

 

ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يوبخهم ويبطل دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم بدليل إلزامي فقال تعالى: { قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }

 

والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء اليهود الذين إذا دعوتهم إلى الإيمان بك قالوا. { نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا } قل لهم: إن كنتم حقا مؤمنين بما أنزل عليكم وهو التوراة، فلأي شيء تقتلون أنبياء الله مع أن التوراة تحرم عليكم قتلهم، بل هي تأمركم باتباعهم وتصديقهم وطاعتهم لأنه أرسلهم لهدايتكم وسعادتكم.

 

إن قتلكم لهم أكبر دليل على أنكم لم تؤمنوا لا بما أنزل عليكم ولا بغيره وأنكم كاذبون في مدعاكم لأن جميع ما أنزل الله من وحي يحرم قتل الأنبياء، ويأمر الناس باتباعهم وطاعتهم.

 

 

ويرجع معنى الآية إلى نفي فعل الشرط، وهو كونهم مؤمنين،

إذ لا وجه لقتلهم الأنبياء إلا عدم إيمانهم بالتوراة،

وهذا كما تريد أن تنفي عن رجل العقل لفعله ما ليس من شأنه أن يصدر من عاقل،

فتقول له: إن كنت عاقلا فلم فعلت كذا؟ أي أنت لست بعاقل.

 

ولقد حاول اليهود المعاصرون للعهد النبوي قتل الرسول صلّى الله عليه وسلّم ولكن الله- تعالى- عصمه منهم، ونجاه من مكرهم.

 

وأضاف سبحانه- الأنبياء إليه فقال: { أَنْبِياءَ اللَّهِ }

للتنبيه على شرفهم العظيم،

وللدلالة على فظاعة عصيان اليهود واجتراحهم المنكر، إذ قابلوا بالقتل من يجب عليهم أن يقابلوهم بالتصديق والتوقير والطاعة.

 

 

 

 

يُتبع بإذن الله.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

 

 

 

قال الله تعالى: { وَلَقَدْ جَاءَكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ } (92)

 

 

من تفسير الإمام ابن كثير -رحمه الله- :

( ولقد جاءكم موسى بالبينات ) أي: بالآيات الواضحات والدلائل القاطعة على أنه رسول الله ، وأنه لا إله إلا الله.

والبينات هي: الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والعصا ، واليد ، وفلق البحر ، وتظليلهم بالغمام ، والمن والسلوى ، والحجر ، وغير ذلك من الآيات التي شاهدوها

 

( ثم اتخذتم العجل ) أي: معبودا من دون الله في زمان موسى وآياته.

 

وقوله ( من بعده ) أي: من بعد ما ذهب عنكم إلى الطور لمناجاة الله كما قال تعالى: ( واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ) [ الأعراف : 148 ] ،

 

( وأنتم ظالمون ) [ أي وأنتم ظالمون ] في هذا الصنيع الذي صنعتموه من عبادتكم العجل ، وأنتم تعلمون أنه لا إله إلا الله ، كما قال تعالى: ( ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ) [ الأعراف : 149 ] .

 

 

 

 

يُتبع بإذن الله.

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

 

 

 

 

 

قال الله تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (93)

 

من تفسير الإمام القرطبي -رحمه الله- :

قوله تعالى : وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين

قوله تعالى : وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا تقدم الكلام في هذا . ومعنى اسمعوا أطيعوا ، وليس معناه الأمر بإدراك القول فقط ، وإنما المراد اعملوا بما سمعتم والتزموه ، ومنه قولهم : سمع الله لمن حمده ، أي قبل وأجاب . قال :

دعوت الله حتى خفت ألا يكون الله يسمع ما أقول

أي يقبل ، وقال الراجز :

والسمع والطاعة والتسليم خير وأعفى لبني تميم

قالوا سمعنا وعصينا اختلف هل صدر منهم هذا اللفظ حقيقة باللسان نطقا ، أو يكونون فعلوا فعلا قام مقام القول فيكون مجازا ، كما قال :

امتلأ الحوض وقال قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني

وهذا احتجاج عليهم في قولهم : نؤمن بما أنزل علينا .

قوله تعالى : وأشربوا في قلوبهم العجل أي حب العجل والمعنى : جعلت قلوبهم تشربه ، وهذا تشبيه ومجاز عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم . وفي الحديث : تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء . . . . الحديث ، خرجه مسلم . يقال أشرب قلبه حب كذا ، قال زهير :

فصحوت عنها بعد حب داخل والحب تشربه فؤادك داء

وإنما عبر عن حب العجل بالشرب دون الأكل لأن شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها ، والطعام مجاور لها غير متغلغل فيها . وقد زاد على هذا المعنى أحد التابعين فقال في زوجته عثمة ، وكان عتب عليها في بعض الأمر فطلقها وكان محبا لها :

تغلغل حب عثمة في فؤادي فباديه مع الخافي يسير

تغلغل حيث لم يبلغ شراب ولا حزن ولم يبلغ سرور

أكاد إذا ذكرت العهد منها أطير لو ان إنسانا يطير

وقال السدي وابن جريج : إن موسى عليه السلام برد العجل وذراه في الماء ، وقال لبني إسرائيل : اشربوا من ذلك الماء ، فشرب جميعهم ، فمن كان يحب العجل خرجت برادة الذهب على شفتيه . وروي أنه ما شربه أحد إلا جن ، حكاه القشيري .

قلت : أما تذريته في البحر فقد دل عليه قوله تعالى : ثم لننسفنه في اليم نسفا ، وأما شرب الماء وظهور البرادة على الشفاه فيرده قوله تعالى : وأشربوا في قلوبهم العجل والله تعالى أعلم .

قوله تعالى : قل بئسما يأمركم به إيمانكم أي إيمانكم الذي زعمتم في قولكم : نؤمن بما أنزل علينا . وقيل : إن هذا الكلام خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أمر أن يوبخهم ، أي قل لهم يا محمد : بئس هذه الأشياء التي فعلتم وأمركم بها إيمانكم . وقد مضى الكلام في ( بئسما ) والحمد لله وحده .

 

 

 

يُتبع بإذن الله.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

 

 

مكرر: تفسير الآية (93) بالتنسيق.

 

 

 

قال الله تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (93)

 

 

من تفسير الإمام القرطبي -رحمه الله- :

قوله تعالى: { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا } تقدم الكلام في هذا.

ومعنى اسمعوا أطيعوا ،

وليس معناه الأمر بإدراك القول فقط ،

وإنما المراد اعملوا بما سمعتم والتزموه ،

ومنه قولهم: سمع الله لمن حمده ، أي قبل وأجاب. قال:

دعوت الله حتى خفت ألا يكون الله يسمع ما أقول

أي يقبل ،

وقال الراجز:

والسمع والطاعة والتسليم خير وأعفى لبني تميم

 

 

قالوا سمعنا وعصينا اختلف

هل صدر منهم هذا اللفظ حقيقة باللسان نطقا ،

أو يكونون فعلوا فعلا قام مقام القول فيكون مجازا ، كما قال:

امتلأ الحوض وقال قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني

 

وهذا احتجاج عليهم في قولهم: نؤمن بما أنزل علينا.

 

 

قوله تعالى: { وأشربوا في قلوبهم العجل } أي حب العجل

والمعنى: جعلت قلوبهم تشربه ، وهذا تشبيه ومجاز عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم.

 

وفي الحديث: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء . . . . الحديث ، أخرجه مسلم.

 

يقال أشرب قلبه حب كذا ، قال زهير:

فصحوت عنها بعد حب داخل والحب تشربه فؤادك داء

 

 

وإنما عبر عن حب العجل بالشرب دون الأكل

لأن شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها ،

والطعام مجاور لها غير متغلغل فيها.

 

 

وقال السدي وابن جريج: إن موسى عليه السلام برد العجل وذراه في الماء ، وقال لبني إسرائيل: اشربوا من ذلك الماء ، فشرب جميعهم ، فمن كان يحب العجل خرجت برادة الذهب على شفتيه.

وروي أنه ما شربه أحد إلا جن ، حكاه القشيري.

 

قلت: أما تذريته في البحر فقد دل عليه قوله تعالى: { ثم لننسفنه في اليم نسفا } ،

وأما شرب الماء وظهور البرادة على الشفاه فيرده قوله تعالى: { وأشربوا في قلوبهم العجل } والله تعالى أعلم.

 

قوله تعالى: { قل بئسما يأمركم به إيمانكم } أي إيمانكم الذي زعمتم في قولكم: { نؤمن بما أنزل علينا }

وقيل: إن هذا الكلام خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أمر أن يوبخهم ، أي قل لهم يا محمد: بئس هذه الأشياء التي فعلتم وأمركم بها إيمانكم.

وقد مضى الكلام في ( بئسما ) والحمد لله وحده.

 

 

 

 

يُتبع بإذن الله مع أختي الحبيبة عروس القرآن.

تم تعديل بواسطة زُلفى
  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

نتابع تفسير الآيات منــ{ سورة البقرة}

 

قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (94) }

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

أي: { قُلْ } لهم على وجه تصحيح دعواهم: { إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ } يعني الجنة

{ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ } كما زعمتم, أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى, وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة، فإن كنتم صادقين بهذه الدعوى

{ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ } وهذا نوع مباهلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وليس بعد هذا الإلجاء والمضايقة لهم بعد العناد منهم, إلا أحد أمرين:

- إما أن يؤمنوا بالله ورسوله

- وإما أن يباهلوا على ما هم عليه بأمر يسير عليهم, وهو تمني الموت الذي يوصلهم إلى الدار التي هي خالصة لهم, فامتنعوا من ذلك.

فعلم كل أحد أنهم في غاية المعاندة والمحادة لله ولرسوله, مع علمهم بذلك،

ولهذا قال تعالى{وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}

 

-------------- --------------

 

* من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

ثم أمر الله - تعالى - نبيه " صلى الله عليه وسلم " أن يرد على اليهود في دعواهم أن الجنة لن يدخلها إلا من كان على ملتهم فقال - تعالى - :

( قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدار الآخرة . . . )

معنى الآيات الكريمة إجمالا :

قل - يا محمد - لأولئك اليهود الذين ادعوا أن الجنة لن يدخلها إلا من كان هودا : إن أتت الجنة مختصة بكم ، وسالمة لكم دون غيركم ، وليس لأحد سواكم فيها حق . فتمنوا الموت إن كنتم صادقين في دعواكم ، لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها وأحب الوصول إليها .

ثم أخبر الله أن هذا التمني لن يحصل منهم فقال :

( وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً ) أي الموت ( بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) أي بسبب ما ارتكبوه من كفر ومعصية ( والله عَلِيمٌ بالظالمين ) الذين وضعوا الأمور في غير موضعها ، فادعوا ما ليس لهم ، ونفوه عمن هو لهم

ثم أخبر القرآن بأن حرصهم على الحيباة لا نظير له ولا مثيل فقال :

( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حَيَاةٍ ) متطاولة ( وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ )

أي : وأحرص عليها - أيضاًٍ - من الذين أشركوا الذين لا يعرفون إلا الحياة الدنيا ( يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ )أي يتمنى الواحد من هؤلاء اليهود أن يعيش السنين الكثيرة ولو تجاوزت الحدود المعقولة لعمر الإِنسان والحال أنه ما أحد منهم بمزحزحه ومنجيه تعميره من العذاب ( والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُون ) أي : لا يخفى عليه أعمالهم ، فهو محاسبهم عليها ، ومجازيهم بما يستحقونه من عقاب .

 

وقوله تعالى : ( قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدار الآخرة عِندَ الله خَالِصَةً مِّن دُونِ الناس فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) رد على زعمهم الباطل أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هوداً ، والمراد بالدار الآخرة : الجنة ونعيمها ، ومعنى ( خَالِصَةً ) سالمة لكم مختصة بكم ، لا يشارككم فيها أحد من الناس .

وقوله تعالى : ( فَتَمَنَّوُاْ الموت ) التمنى هو ارتياح النفس ورغبتها القوية في الشيء . بحيث توده وتحب المصير إليه ، وهو يستعمل في المعنى القائم بالقلب كما بينا ، ويستعمل في اللفظ الدال على هذا المعنى ، كأن يقول الإِنسان بلسانه ، ليتني أحصل على كذا .

والاستعمال الثاني هو المراد بقول تعالى : ( فَتَمَنَّوُاْ الموت ) أي اذكروا بألسنتكم لفظاً يدل على أنكم تحبون الموت وترغبون فيه .

وإنما قلنا إن ذلك هو المراد من الآية لأن المعنى الكائن بالقلب لا يعرفه أحد سوى الله - تعالى - والتحدي لا يقع بتحصيل المعاني القائمة بالضمائر والقلوب .

ومعنى الآية الكريمة

قل يا محمد لليهود : إن كانت الجنة خاصة بكم ، ولا منازع لكم فيها ولا مزاحم كما تزعمون ، فتمنوا الموت بألسنتكم لكي تظفروا بنعيمها الدائم ، إن كنتم صادقين في دعواكم أنها خالصة لكم ، وإلا فإنكم لا تكونون صادقين في دعواكم ، إذ لا يعقل أن يرغب الإِنسان عن السعادة المحضة الدائمة المضمونة له في الآخرة ، إلى سعادة ممزجة بالشقاء في الدنيا .

قال الإِمام الرازي : ( وبيان هذه الملازمة أن نعم الدنيا قليلة حقيرة بالقياس إلى نعم الآخرة . ثم إن نعم الدنيا على قلتها كانت منغصة عليهم بسبب ظهور محمد صلى الله عليه وسلم ومنازعته معهم ، بالجدال والقتال ، ومن كان في النعم القليلة المنغصة . ثم تيقن أنه بعد الموت لابد أن ينتقل إلى تلك النعم العظيمة مطلوبة ولا سبيل إليها إلا الموت وحيث كان الموت يتوقف عليه المطلوب وجب أن يكون هذا الإِنسان راضياً بالموت متمنياً له ، فثبت أن الدار الآخرة لو كانت خالصة لهم ، لوجب أن يتمنوا الموت . ثم إن الله - تعالى - أخبر أنهم ما تمنوا الموت ، بل لن يتمنوه أبداً ، وحينئذ يلزم قطعاً بطلان ادعائها في قولهم : " إن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس " .

وتحديهم بتمنى الموت يكون بأن يقولوا بألسنتهم ليتنا نموت ، أو يقولوا ما في معنى هذه الكلمة كما أشرنا إلى ذلك سابقاً ، وهذا رأي جمهور المفسرين .

 

وروى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن ذلك يكون عن طريق المباهلة ، بأن يحضروا مع المؤمنين في صعيد واحد ، ثم يدعو الفريقان بالموت على الكاذب منهما .

ويبدو لنا أن الرأى الأول أرجح لأنه أقرب إلى موافقة اللفظ الذي نطقت به الآية وأقرب أيضاً إلى معناها .

إذ ليس في الآية إشارة ما إلى طلب المباهلة ، والقرآن حينما دعا إليها نصارى نجران ، جاء اللفظ بها صريحاً في قوله تعالى : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ العلم فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ الله عَلَى الكاذبين )

 

يتبع بإذن الله ..

تم تعديل بواسطة عروس القرآن

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

قوله تعالى: {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)}

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

{ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } من الكفر والمعاصي, لأنهم يعلمون أنه طريق لهم إلى المجازاة بأعمالهم الخبيثة، فالموت أكره شيء إليهم, وهم أحرص على الحياة من كل أحد من الناس, حتى من المشركين الذين لا يؤمنون بأحد من الرسل والكتب.

ثم ذكر شدة محبتهم للدنيا فقال: { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } وهذا أبلغ ما يكون من الحرص, تمنوا حالة هي من المحالات، والحال أنهم لو عمروا العمر المذكور, لم يغن عنهم شيئا ولا دفع عنهم من العذاب شيئا.

{ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } تهديد لهم على المجازاة بأعمالهم.

-------------- --------------

* من تفسيرالإمام ابن كثير-رحمه الله- :

ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة الجمعة :

( قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين * قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) [ الجمعة : 68 ]

فهم عليهم لعائن الله لما زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وقالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ، دعوا إلى المباهلة والدعاء على أكذب الطائفتين منهم ، أو من المسلمين .

فلما نكلوا عن ذلك علم كل أحد أنهم ظالمون ; لأنهم لو كانوا جازمين بما هم فيه لكانوا أقدموا على ذلك ، فلما تأخروا علم كذبهم .

وهذا كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران من النصارى بعد قيام الحجة عليهم في المناظرة ، وعتوهم وعنادهم إلى المباهلة ، فقال تعالى : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) [ آل عمران : 61 ]

فلما رأوا ذلك قال بعض القوم لبعض : والله لئن باهلتم هذا النبي لا يبقى منكم عين تطرف .

فعند ذلك جنحوا للسلم وبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، فضربها عليهم .

وبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح ، رضي الله عنه ، أمينا .

ومثل هذا المعنى أو قريب منه قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين : ( قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ) [ مريم : 75 ] ، أي : من كان في الضلالة منا أو منكم ، فزاده الله مما هو فيه ومد له ، واستدرجه ، كما سيأتي تقريره في موضعه ، إن شاء الله .

فأما من فسر الآية على معنى : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين )

أي : إن كنتم صادقين في دعواكم ، فتمنوا الآن الموت .

ولم يتعرض هؤلاء للمباهلة كما قرره طائفة من المتكلمين وغيرهم ، ومال إليه ابن جرير بعد ما قارب القول الأول ; فإنه قال : القول في تفسير قوله تعالى : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين )وهذه الآية مما احتج الله به لنبيه صلى الله عليه وسلم على اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره ، وفضح بها أحبارهم وعلماءهم ;

وذلك أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم إلى قضية عادلة بينه وبينهم ، فيما كان بينه وبينهم من الخلاف ، كما أمره أن يدعو الفريق الآخر من النصارى إذا خالفوه في عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، وجادلوه فيه ، إلى فاصلة بينه وبينهم من المباهلة .

 

فقال لفريق [ من ] اليهود : إن كنتم محقين فتمنوا الموت ، فإن ذلك غير ضار بكم إن كنتم محقين فيما تدعون من الإيمان وقرب المنزلة من الله ، بل أعطيكم أمنيتكم من الموت إذا تمنيتم ، فإنما تصيرون إلى الراحة من تعب الدنيا ونصبها وكدر عيشها ، والفوز بجوار الله في جناته إن كان الأمر كما تزعمون : من أن الدار الآخرة لكم خالصة دوننا . وإن لم تعطوها علم الناس أنكم المبطلون ونحن المحقون في دعوانا ، وانكشف أمرنا وأمركم لهم ، فامتنعت اليهود من الإجابة إلى ذلك لعلمها أنها إن تمنت الموت هلكت ، فذهبت دنياها وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها ، كما امتنع فريق [ من ] النصارى .

فهذا الكلام منه أوله حسن ، وأما آخره فيه نظر ;

وذلك أنه لا تظهر الحجة عليهم على هذا التأويل ، إذ يقال : إنه لا يلزم من كونهم يعتقدون أنهم صادقون في دعواهم أنهم يتمنون الموت فإنه لا ملازمة بين وجود الصلاح وتمني الموت ، وكم من صالح لا يتمنى الموت ، بل يود أن يعمر ليزداد خيرا وترتفع درجته في الجنة ، كما جاء في الحديث : " خيركم من طال عمره وحسن عمله " . [ وجاء في الصحيح النهي عن تمني الموت ، وفي بعض ألفاظه : " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، إما محسنا فلعله أن يزداد ، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب " ] .

ولهم مع ذلك أن يقولوا على هذا : فها أنتم تعتقدون أيها المسلمون أنكم أصحاب الجنة ، وأنتم لا تتمنون في حال الصحة الموت ; فكيف تلزمونا بما لا نلزمكم ؟

وهذا كله إنما نشأ من تفسير الآية على هذا المعنى ، فأما على تفسير ابن عباس فلا يلزم عليه شيء من ذلك ، بل قيل لهم كلام نصف : إن كنتم تعتقدون أنكم أولياء الله من دون الناس ، وأنكم أبناء الله وأحباؤه ، وأنكم من أهل الجنة ومن عداكم [ من ] أهل النار ، فباهلوا على ذلك وادعوا على الكاذبين منكم أو من غيركم ، واعلموا أن المباهلة تستأصل الكاذب لا محالة .

فلما تيقنوا ذلك وعرفوا صدقه نكلوا عن المباهلة لما يعلمون من كذبهم وافترائهم وكتمانهم الحق من صفة الرسول صلى الله عليه وسلم ونعته ، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ويتحققونه . فعلم كل أحد باطلهم ، وخزيهم ، وضلالهم وعنادهم عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .

[ وسميت هذه المباهلة تمنيا ; لأن كل محق يود لو أهلك الله المبطل المناظر له ولا سيما إذا كان في ذلك حجة له فيها بيان حقه وظهوره ، وكانت المباهلة بالموت ; لأن الحياة عندهم عزيزة عظيمة لما يعلمون من سوء مآلهم بعد الموت ] .

ولهذا قال تعالى : ( ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين)

 

 

يتبع بإذن الله ...

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

وهم أحرص على الحياة من كل أحد من الناس, حتى من المشركين الذين لا يؤمنون بأحد من الرسل والكتب.

ثم ذكر شدة محبتهم للدنيا فقال: { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } وهذا أبلغ ما يكون من الحرص, تمنوا حالة هي من المحالات، والحال أنهم لو عمروا العمر المذكور, لم يغن عنهم شيئا ولا دفع عنهم من العذاب شيئا.

{ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } تهديد لهم على المجازاة بأعمالهم.

 

 

يتبع بإذن الله مع أختي الحبيبة زُلفى ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

 

 

 

نُتابع تفسير آيات (سورة البقرة)

 

 

قال الله تعالى: { قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } (97)

 

 

 

من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

تفسير الآيتين 97 و98 :ـ

أي: قل لهؤلاء اليهود, الذين زعموا أن الذي منعهم من الإيمان بك, أن وليك جبريل عليه السلام, ولو كان غيره من ملائكة الله, لآمنوا بك وصدقوا،

إن هذا الزعم منكم تناقض وتهافت, وتكبر على الله،

فإن جبريل عليه السلام هو الذي نزل بالقرآن من عند الله على قلبك,

وهو الذي ينزل على الأنبياء قبلك,

والله هو الذي أمره, وأرسله بذلك, فهو رسول محض.

 

مع أن هذا الكتاب الذي نزل به جبريل مصدقا لما تقدمه من الكتب غير مخالف لها ولا مناقض, وفيه الهداية التامة من أنواع الضلالات, والبشارة بالخير الدنيوي والأخروي, لمن آمن به،

فالعداوة لجبريل الموصوف بذلك, كفر بالله وآياته, وعداوة لله ولرسله وملائكته،

فإن عداوتهم لجبريل, لا لذاته بل لما ينزل به من عند الله من الحق على رسل الله.

 

فيتضمن الكفر والعداوة للذي أنزله وأرسله, والذي أرسل به, والذي أرسل إليه, فهذا وجه ذلك.

 

-----------------

 

من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

ثم ساق القرآن بعد ذلك لوناً عجيباً من ألوان اليهود وهو مجاهرتهم بالعداوة لأمين الوحي جبريل - عليه السلام - فقال - تعالى - :

( قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ . . . )

فهاتان الآيتان تكشفان عن رذيلة غريبة حقا من رذائل اليهود

وهي عداوتهم لملك من ملائكة الله،

لا يأكل مما يأكلون، ولا يشرب مما يشربون وإنما هو من الملائكة المقربين، الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون،

وإذا فليس هناك مقتض لعداوته، فلماذا هذا التصريح منهم ببغضه وكراهيته؟

 

 

لقد سمعوا أن جبريل- عليه السلام- ينزل بالوحي من عند الله على محمد صلّى الله عليه وسلّم وهم يحسدونه على النبوة، فلج بهم الحقد والغيظ إلى أن أعلنوا عن عدائهم لجبريل- أيضا-

وهذه حماقة وجهالة منهم، لأن جبريل- عليه السلام- نزل بالخير لهم في دينهم وفي دنياهم.

 

ولكن الحقد والحسد إذا استوليا على النفوس جعلاها لا تفرق بين الخير والشر.

 

 

ومعنى الآيتين الكريمتين،

قل- يا محمد- لهؤلاء اليهود الذين أعلنوا عداءهم لجبريل أنه لا وجه لعداوته

لأنه لم ينزل بالقرآن من تلقاء نفسه وإنما نزل على قلبك بأمر الله

ليكون مؤيدا لما نزل قبله من الكتب السماوية وليكون هداية إلى طريق السعادة وبشارة للمؤمنين بالجنة،

وقل لهم كذلك من كان معاديا لله أو لملك من ملائكته أو لرسول من رسله، فقد كفر وباء بغضب من الله،

ومن غضب الله عليه، فجزاؤه الخزي وسوء المصير.

 

 

قال الإمام ابن جرير: (أجمع أهل العلم بالتأويل جميعا، على أن هذه نزلت جوابا ليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وميكائيل ولي لهم) .

 

 

وروى البخاري في صحيحه- عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: سمع عبد الله بن سلام بقدوم النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو في أرض يخترف- أى يجنى ثمارها- فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال له: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي،

فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ ، وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟

قال: أخبرني بهن جبريل آنفا قال: جبريل؟ قال: نعم قال ذلك عدو اليهود من الملائكة-

فقرأ النبي صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: { قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ ... } الآية ثم قال: أما أول أشراط الساعة، فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب! وأما أول طعام أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. يا رسول الله: إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: أي رجل فيكم عبد الله؟ قالوا: حبرنا وابن حبرنا، وسيدنا وابن سيدنا: قال «أرأيتم إن أسلّم عبد الله بن سلام؟ فقالوا: أعاذه الله من ذلك؟ فخرج عبد الله فقال: «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» ، فقالوا: شرنا وابن شرنا، وانتقصوه، قال: فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله «2» .

 

 

وأخرج الإمام أحمد عن ابن عباس: «أن اليهود بعد أن سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم أسئلة أجابهم عنها، قالوا صدقت فحدثنا من وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك.

قال: وليي جبريل، لم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه، قالوا: فعندها نفارقك، ولو كان وليك سواه من الملائكة لتابعناك وصدقناك، قال: فما يمنعكم أن تصدقوه؟ قالوا: إنه عدونا، فأنزل الله- تعالى- قوله: { قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ... }الآيات.

 

 

وفي حديث للإمام أحمد والترمذي والنسائي «قال اليهود للنبي صلّى الله عليه وسلّم بعد أن سألوه عن أشياء أجابهم عنها إنما بقيت واحدة وهي التي نتابعك إن أخبرتنا بها، إنه ليس من نبي إلا وله ملك يأتيه بالخبر، فأخبرنا من صاحبك؟ قال جبريل- عليه السلام- قالوا: جبريل ذلك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا، لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والقطر والنبات لكان.

فأنزل الله- تعالى-: { قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ } الآية.

 

 

فيؤخذ من هذه الأحاديث وما في معناها

- أن اليهود في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم كانوا يجاهرون بعداوتهم لجبريل- عليه السلام-

- وأن هذه المجاهرة بالعداوة، قد تكررت منهم في مواقف متعددة بينهم وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم

- وأن الذي حملهم على ذلك هو حسدهم له، وغيظهم من جبريل، لأنه ينزل بالوحي عليه.

 

 

قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: «ومن عجيب تهافت اعتقادهم أنهم يثبتون أنه ملك مرسل من عند الله، ومع ذلك يبغضونه، وهذا أحط درجات الانحطاط في العقل والعقيدة، ولا شك أن اضطراب العقيدة من أكبر مظاهر انحطاط الأمة لأنه ينبئ عن تضافر آرائهم على الخطأ والأوهام».

 

 

وفي أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بلفظ (قل) كي يرد على اليهود،

تثبيت له، وتطمين لنفسه، وتوبيخ لهم على معاداتهم لأمين الوحى، وهو جبريل- عليه السلام-.

 

 

وقوله تعالى: { مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ } ، شرط عام قصد الإتيان به ليعلموا أن الله- تعالى- لا يعبأ بهم ولا بغيرهم ممن يعادى جبريل، إن وجد معاد آخر له سواهم.

 

وقوله تعالى: { عَلى قَلْبِكَ } زيادة تقرير للتنزيل، ببيان محل الوحي، وإشارة إلى أن السبب في تمكنه صلّى الله عليه وسلّم من تلاوة القرآن الكريم، وإبلاغه للناس، ثباته في قلبه.

 

وقوله تعالى: { فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ } معناه: فلا موجب لعداوته.

لأنه نزل القرآن على قلبك يا محمد بإذن الله وأمره.

وإذا فعداوته عداوة لله في الحقيقة والواقع،

 

وقوله- تعالى-: { بِإِذْنِ اللَّهِ } أي بأمره، وهو توبيخ لهم على عداوتهم لجبريل، الذي أنزل بالقرآن بإذن الله، لا من تلقاء نفسه، وهذه حجة أولى عليهم.

 

وقوله تعالى: { مُصَدِّقاً } حال من الضمير العائد على القرآن الكريم، في قوله { نَزَّلَهُ } أي أنزله حالة كونه مؤيدا للكتب السماوية التي قبله ومن بينها التوراة، وهذه حجة ثانية عليهم.

 

ثم عززهما بثالثة ورابعة- فقال تعالى: { وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ } أي هذا القرآن الذي نزل مصدقا لكتبكم، هو هاد إلى طريق الفلاح والنجاح،

والعاقل لا يرفض الهداية التي تأتيه وتنقذه مما هو فيه من ضلالات ولو كان الواسطة في مجيئها عدوا له، وهو- أيضا- مبشر للمؤمنين برضا الله تعالى- عنهم في الدنيا والآخرة،

 

أما الضالون فقد أنذرهم بسوء العقبى فعليكم أن تتبعوا طريق الإيمان لتكونوا من المفلحين

وبذلك يكون القرآن قد أقام حججا متعددة على حماقتهم وعنادهم وجحودهم للحق بعد ما تبين.

 

 

وتكون الآية الكريمة قد مدحت القرآن بخمس صفات.

أولها: أنه منزل من عند الله وبإذنه.

وثانيها: أنه منزل على قلب النبي صلّى الله عليه وسلّم.

وثالثها: أنه مصدق لما نزل قبله من الكتب السماوية.

ورابعها: أنه هاد إلى الخير أبلغ هدى وأقواه.

وخامسها: أنه بشارة سارة للمؤمنين.

 

 

 

يُتبع بإذن الله.

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

akhawat_islamway_1426467939____.png

 

 

 

 

قال الله تعالى: { مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } (98)

 

 

 

 

من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

ثم بين- تعالى- حقيقة الأمر فيمن يعادي جبريل ، وأن عداوته عداوة لله- تعالى-

فإنه أمين وحيه إلى رسله ليس له في ذلك شيء إلا أن يبلغ ما أمر به فقال تعالى: { مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ }

 

والمعنى: أن عداوة جبريل عداوة لله، وأن عداوة محمد صلّى الله عليه وسلّم عداوة لله- أيضا-

فالإيمان بالله وملائكته ورسله وحدة لا تتجزأ فمن كفر بواحد منهم فهو كافر بالجميع.

 

ومعنى عداوة العبد لله: كفره به ومخالفته لأوامره ونواهيه

ومعنى عداوته لملائكته: إنكار فضلهم ووصفهم بما ينافي عصمتهم ورفعة منزلتهم.

ومعنى عداوته لرسله: تكذيبه لهم وتعمده إلحاق الأذى بهم

ومعنى عداوة الله لعبده: غضبه سبحانه- عليه، ومجازاته له على كفره.

 

 

وصدر- سبحانه- الكلام باسمه الجليل تفخيما لشأن ملائكته ورسله وإشعارا بأن عداوتهم إنما هي عداوة له- تعالى-.

 

وأفرد- سبحانه- جبريل وميكال بالذكر، مع اندراجهما تحت عموم ملائكته، لتصريح اليهود بعداوة جبريل وتعظيم ميكائيل،

فأفردهما بالذكر للتنبيه على أن المعاداة لأحدهما معاداة للجميع، وأن الكفر بأحدهما كفر بالآخر.

 

 

وقال- سبحانه- في ختام الآية الكريمة { فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ } ولم يقل فإن الله عدو له أو لهم،

ليدل على أنعداوة كل واحد ممن اشتملت الآية الكريمة على ذكرهم كفر وجحود،

وليكون اندراجهم تحت هذا الحكم العام من باب إثبات الحكم بالدليل،

وللإشعار بأن عداوة الله- تعالى- لهم سببها كفرهم

فإن الله لن يعادي قوما لذواتهم ولا لأنسابهم، وإنما يكره لهم الكفر ويعاقبهم عليه معاقبة العدو للعدو.

 

قال صاحب المنار: «فهذه الآية الكريمة وعيد لهم بعد بيان فساد العلة التي جاءوا بها،

فهم لم يدعوا عداوة هؤلاء كلهم، لكنهم كذلك في نفس الأمر،

فأراد أن يبين حقيقة حالهم في الواقع،

وهي أنهم أعداء الحق وأعداء كل من يمثله ويدعو إليه،

فالتصريح بعداوة جبريل كالتصريح بعداوة ميكائيل الذي يزعمون أنهم يحبونه.

وأنهم كانوا يؤمنون بالنبي صلّى الله عليه وسلّم لو كان هو الذي ينزل بالوحي عليه،

ومعاداة القرآن الكريم كمعاداة سائر الكتب الإلهية

لأن المقصود من الجميع واحد

فقولهم السابق وحالهم يدلان على معاداة كل من ذكر،

وهذا من ضروب إيجاز القرآن الكريم التي انفرد بها» .

 

 

وبهذا تكون الآيتان الكريمتان قد دمغتا اليهود بالكفر والجهالة، لمعاداتهم لجبريل وتكذيبهم لمحمد صلّى الله عليه وسلّم وبينتا ما عليه أمرهم من خزي وهوان بسبب هذه العداوة التي لا باعث عليها إلا الحسد، وكراهية أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده.

 

----------------

 

من تفسير الإمام القرطبي -رحمه الله- :

قوله تعالى: { من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين }

قوله تعالى: { من كان عدوا لله } شرط ، وجوابه فإن الله عدو للكافرين.

وهذا وعيد وذم لمعادي جبريل عليه السلام ، وإعلان أن عداوة البعض تقتضي عداوة الله لهم. وعداوة العبد لله هي معصيته واجتناب طاعته ، ومعاداة أوليائه.

وعداوة الله للعبد تعذيبه وإظهار أثر العداوة عليه.

فإن قيل: لم خص الله جبريل وميكائيل بالذكر وإن كان ذكر الملائكة قد عمهما؟

قيل له: خصهما بالذكر تشريفا لهما ، كما قال: { فيهما فاكهة ونخل ورمان }

وقيل: خصا لأن اليهود ذكروهما ، ونزلت الآية بسببهما ،

فذكرهما واجب لئلا تقول اليهود: إنا لم نعاد الله وجميع ملائكته ، فنص الله تعالى عليهما لإبطال ما يتأولونه من التخصيص.

 

 

 

يُتبع بإذن الله.

تم تعديل بواسطة زُلفى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

 

akhawat_islamway_1426467939____.png

 

 

 

 

 

 

 

قال الله تعالى: { وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ } (99)

 

 

 

 

 

من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

 

 

 

يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } تحصل بها الهداية لمن استهدى, وإقامة الحجة على من عاند,

 

 

 

وهي في الوضوح والدلالة على الحق, قد بلغت مبلغا عظيما ووصلت إلى حالة لا يمتنع من قبولها إلا من فسق عن أمر الله, وخرج عن طاعة الله, واستكبر غاية التكبر.

 

 

 

 

---------------

 

 

 

 

من تفسير الوسيط للإمام الطنطاوي -رحمه الله- :

 

 

 

ثم أخذ القرآن في تثبيت فؤاد النبي صلّى الله عليه وسلّم وتسليته عما يفعله معه اليهود فقال تعالى:

 

 

 

( وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ . . . )

 

 

 

أي: لقد أنزلنا إليك يا محمد علامات واضحات دالة على معانيها وعلى كونها من عند الله،

 

 

 

وبينا لك فيها علوم اليهود، ومكنونات سرائرهم وأخبارهم، وما حرفه أوائلهم وأواخرهم من كتبهم، وما بدلوه من أحكامهم قال تعالى:

 

 

 

{ إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

 

 

 

 

وإن هذه الآيات التي أنزلها الله إليك يا محمد، ما يكفر بها، ويجحد صدقها إلا المتمردون من الكفرة، الخارجون على حدود الله المنتهكون لحرماته.

 

 

 

 

 

 

 

يُتبع بإذن الله مع أختي الحبيبة عروس القرآن.

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

 

akhawat_islamway_1426463229___.png

 

نتابع تفسير الآيات منــ{ سورة البقرة}

 

 

 

 

قوله تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) }

 

 

 

 

* من تفسير العلامة السعدي -رحمه الله- :

 

 

 

وهذا فيه التعجيب من كثرة معاهداتهم, وعدم صبرهم على الوفاء بها.

 

 

 

فـ " كُلَّمَا " تفيد التكرار, فكلما وجد العهد ترتب عليه النقض، ما السبب في ذلك؟ السبب أن أكثرهم لا يؤمنون، فعدم إيمانهم هو الذي أوجب لهم نقض العهود،

 

 

 

ولو صدق إيمانهم, لكانوا مثل من قال الله فيهم: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ }

 

 

 

 

-------------- --------------

 

* من تفسيرالإمام ابن كثير-رحمه الله- :

وقال مالك بن الصيف حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرهم ما أخذ عليهم من الميثاق ، وما عهد إليهم في محمد صلى الله عليه وسلم : والله ما عهد إلينا في محمد صلى الله عليه وسلم ولا أخذ [ له ] علينا ميثاقا .

 

 

 

فأنزل الله : ( أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم )

 

 

 

وقال الحسن البصري في قوله : ( بل أكثرهم لا يؤمنون ) قال : نعم ، ليس في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه ونبذوه ، يعاهدون اليوم ، وينقضون غدا .

 

 

 

وقال السدي : لا يؤمنون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .

 

 

 

وقال قتادة : ( نبذه فريق منهم ) أي : نقضه فريق منهم .

 

 

 

وقال ابن جرير : أصل النبذ : الطرح والإلقاء ، ومنه سمي اللقيط : منبوذا ، ومنه سمي النبيذ ، وهو التمر والزبيب إذا طرحا في الماء

قلت : فالقوم ذمهم الله بنبذهم العهود التي تقدم الله إليهم في التمسك بها والقيام بحقها . ولهذا أعقبهم ذلك التكذيب بالرسول المبعوث إليهم وإلى الناس كافة ، الذي في كتبهم نعته وصفته وأخباره ، وقد أمروا فيها باتباعه ومؤازرته ومناصرته ، كما قال : ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) الآية [ الأعراف : 157 ]

 

 

 

 

 

 

 

يتبع بإذن الله ..

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×