اذهبي الى المحتوى
أَمَةُ الله

مشاركتي في دورة ❤. كُلُنَا دَاعِيات لِربِّ البَرِيات .❤

المشاركات التي تم ترشيحها

"بسم الله الرحمن الرحيم"

 

 

الحمد لله على تمام فضله وإكرامه، وعلى سابغ إحسانه وإنعامه، وهو الذي بنعمته تتم الصالحات، وببركة عونه تتكامل الأعمال والحسنات، وهو ذو الجلال والإكرام، وذو الطول والإنعام، فله الحمد واجبًا، وله الدين واصبًا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وسفيره بينه وبين عباده، المبعوثُ بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمةً للعالمين، وإمامًا للمتقين، وحجةً على الخلائق أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

 

 

السلام عليكن ورحمة الله وبركاته.

 

حياكن الله أخواتي الحبيبات.

أُقدم لكن مشاركتي في دورة ((كلنا داعيات لرب البريات)) / لمشرفتنا الحبيبة مقصرة دومًا، وهي عبارة عن تفريغ نَصِّي لسلسلة من الحلقات الصوتية لبرنامج ((هو الله)) / لفضيلة الشيخ صالح المغامسي.

وقد بَيَّن الشيخ -حفظه الله- في أُولى الحلقات مقصده من تقديم هذا البرنامج المبارك، بقوله: [ وهذه اللِّقاءاتُ المتتابعة تُقرِّبُ المؤمن من معرفةِ ما للهِ تبارَكَتْ أسماؤه وجَلَّ ثناؤه مِن أسماءَ حُسنى ] .

وقد تناول (38) اسمًا من أسماء الله الحسنى موزعةً على (28) حلقة.

 

 

وقبل أن أبدأ بعرض الحلقات وتفريغها، أرى أنه من الأفضل ذكر بعضًا من الأمور أو العناصر كتمهيد -إنْ صَحَّ التعبير- لمعرفة الرب بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.

 

 

 

 

أسأل الله الإخلاص والقبول.

تم تعديل بواسطة أَمَةُ الله
  • معجبة 2

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وهذه هي العناصر التي سأعتمدها كتمهيدٍ قبل البدء بالتفريغ -بإذن الله تعالى- :

 

 

* الطريقُ إلى معرفةِ أسماءِ اللهِ وصفاتِهِ:

 

مقتبس من كتاب/ أسماء الله وصفاته في معتقد أهل السنة والجماعة. للمؤلف/ عمر بن سليمان الأشقر.

:بتصرفٍ يسيرٍ جدًا:

..........................................

 

* أهميةُ العلمِ بأسماءِ اللهِ وصفاتِهِ:

منسوخ من موقع/ الإسلام سؤال وجواب. للشيخ/ محمد صالح المنجد.

..........................................

 

* بعضُ الآثارِ الإيمانيةِ العامةِ للأسماءِ والصفاتِ:

منسوخ من موقع/ الدرر السنية.

..........................................

 

 

 

يُتبع بإذن الله تعالى في المشاركات التالية.

تم تعديل بواسطة أَمَةُ الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

* الطريق إلى معرفة أسماء الله وصفاته:

 

 

إن الله -تبارك وتعالى- غيبٌ لم نشاهده، ولم نَرَهُ، وقد أُمرنا بالإيمان به، وخشيته بالغيب، وطريقة معرفة الغيب الخبر الصادق عن الله تعالى وتقدَّس.

ولا يجوز أن نتحدث عن الغيب بغير دليلٍ ولا برهان { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } [سورة الإسراء : آية 36] ، وقد ذمَّ الله قومًا زعموا أن الملائكة إناثًا، وجعل هذه المقالة منهم شهادة سيسألهم عنها عندما

يوقفهم بين يديه: { وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } [سورة الزخرف : آية 19].

 

 

فإذا كان القول بغير علم في الملائكة هذا شأنه، فكيف بالقول على الله بغير علم، إنَّ القول على الله بغير علمٍ جريمةٌ تُوضع في مَصَافِّ الجرائم الكبرى في

ميزان الحق وشرعه: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [سورة الأعراف : آية 33].

 

إنَّ الطريق الآمن الذي يقودنا إلى معرفة الباري -جل وعلا- هو طريق الوحي الذي جلَّى لنا هذا العلم أعظم تجلية، وهذا السبيل سبيلٌ نَيِّرٌ مأمون العواقب؛

لأن مصدره العليم الخبير ورسوله الكريم.

ولا يوجد أحدٌ أعلمُ بالله من الله، كما لا يوجد في خلق الله أحدٌ أعلمُ بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولذا فإن معرفتنا لأسماء الله وصفاته لا تكون إلا من خلال النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية.

 

..........................................

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

* أهمية العلم بأسماء الله وصفاته:

 

 

لمعرفة أسماء الله تعالى أهمية كبيرة لأجل ما يلي:

1- أن العلم بالله وأسمائه وصفاته أشرف العلوم وأجلها على الإطلاق ، لأن شرف العلم بشرف المعلوم ، والمعلوم في هذا العلم هو الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله ، فالاشتغال بفهم هذا العلم ، والبحث التام عنه ، اشتغال بأعلى المطالب ، وحصوله للعبد من أشرف المواهب ، ولذلك بينه الرسول صلى الله عليه وسلم غاية البيان ، ولاهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم ببيانه لم يختلف فيه الصحابة رضي الله عليهم كما اختلفوا في الأحكام.

 

2- أن معرفة الله تدعو إلى محبته وخشيته ، وخوفه ورجائه ، وإخلاص العمل له ، وهذا هو عين سعادة العبد ، ولا سبيل إلى معرفة الله ، إلا بمعرفة أسمائه الحسنى ، والتَّفَقُّهِ في فهم معانيها.

 

3- أن معرفة الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى ، مما يزيد الإيمان ، كما قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: ( إن الإيمان بأسماء الله الحسنى ومعرفتها يتضمن أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية ، وتوحيد الإلهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، وهذه الأنواع هي روح الإيمان ورَوحه " الروح : هو الفرح ، والاستراحة من غم القلب " ، وأصله وغايته ، فكلما زاد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه وقوي يقينه ) التوضيح والبيان لشجرة الإيمان للسعدي ص 41 .

 

4- أن الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ، وهذا هو الغاية المطلوبة منهم ، لأنه كما يقول ابن القيم رحمه الله: ( مفتاح دعوة الرسل ، وزبدة رسالتهم ، معرفة المعبود بأسمائه وصفاته وأفعاله ؛ إذ على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها ) . الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم ( 1/150-151 ) فالاشتغال بمعرفة الله ، اشتغال بما خُلِقَ له العبد ، وتركه وتضييعه إهمال لما خُلِقَ له ، وليس معنى الإيمان هو التلفظ به فقط دون معرفة الله ، لأن حقيقة الإيمان بالله أن يعرف العبد ربه الذي يؤمن به ، ويبذل جهده في معرفة الله بأسمائه وصفاته ، وبحسب معرفته بربه يزداد إيمانه.

 

5- أن العلم بأسماء الله الحسنى أصل للعلم بكل معلوم ، كما يقول ابن القيم رحمه الله: ( إن العلم بأسماء الله الحسنى أصل للعلم بكل معلوم ، فإن هذه المعلومات سواه إما أن تكون خلقاً له تعالى أو أمراً ، إما علم بما كوَّنه ، أو علم بما شرعه ، ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى ، وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه .. وإحصاء الأسماء الحسنى ، أصل لإحصاء كل معلوم ، لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها ... )

 

..........................................

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

* الآثار الإيمانية العامة للأسماء والصفات:

إن للتعبد بالأسماء والصفات آثارا كثيرة على قلب العبد وعمله، قال العز بن عبد السلام: (اعلم أن معرفة الذات والصفات مثمرة لجميع الخيرات العاجلة والآجلة، ومعرفة كل صفة من الصفات تثمر حالا علية، وأقوالا سنية، وأفعالا رضية، ومراتب دنيوية، ودرجات أخروية، فمثل معرفة الذات والصفات كشجرة طيبة أصلها – وهو معرفة الذات – ثابت بالحجة والبرهان، وفرعها – وهو معرفة الصفات – في السماء مجدا وشرفا تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ من الأحوال والأقوال والأعمال بِإِذْنِ رَبِّهَا [إبراهيم: 25] وهو خالقها إذ لا يحصل شيء من ثمارها إلا بإذنه وتوفيقه، منبت هذه الشجرة القلب الذي إن صلح بالمعرفة والأحوال صلح الجسد كله) (1) .

وهذه إشارة موجزة إلى بعض تلك الآثار؛ إذ تقصي تلك الآثار أمر في غاية العسر، ويجزئ منها ما يبلغ القصد:

 

 

أولاً: محبة الله.

ثانياً: الذل والتعظيم.

ثالثاً: الخشية والهيبة.

رابعاً: اليقين والسكينة والطمأنينة.

خامساً: الرضا.

سادساً: التوكل.

سابعاً: الدعاء.

ثامناً: الإخلاص.

تاسعاً: التلذذ بالعبادة.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ((شجرة المعارف والأحوال)) (ص: 14-15) .

تم تعديل بواسطة أَمَةُ الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أولاً: محبة الله.

 

من تأمل أسماء الله وصفاته وتعلق قلبه بها طرحه ذلك على باب المحبة، وفتح له من المعارف والعلوم أمورا لا يعبر عنها (2) ، وإن من عرف الله أورثه ذلك المحبة له سبحانه وتعالى، قال ابن الجوزي: (فينبغي الاجتهاد في طلب المعرفة بالأدلة، ثم العمل بمقتضى المعرفة بالجد في الخدمة لعل ذلك يورث المحبة... ذلك الغنى الأكبر، ووافقراه) (3) .

 

 

ومراده أن من عرف الله أحبه، ومن أحب الله أحبه الله، وذلك والله هو الفوز العظيم والجنة والنعيم، والمحبة هي المنزلة التي (فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبوب وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال، والتي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه) (4) .

 

 

 

حب الله هو الفطرة:

وحب الله هو فطرة القلب التي فطر عليها، قال ابن تيمية: (والقلب إنما خلق لأجل حب الله تعالى، وهذه الفطرة التي فطر الله عليها عباده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء))، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرأوا إن شئتم: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم: 30] أخرجه البخاري ومسلم (5) ، فالله سبحانه فطر عباده على محبته وعبادته وحده فإذا تركت الفطرة بلا فساد كان القلب عارفا بالله محبا له عابدا له وحده) (6) .

 

ومن سلك طريق التأمل في الأسماء والصفات ولاحظ نعم الله عليه كيف لا يكون حب الله تعالى أعظم شيء لديه، قال أبو سليمان الواسطي: (ذكر النعم يورث المحبة) (7) ، وقال ابن القيم: (فإذا انضم داعي الإحسان والإنعام إلى داعي الكمال والجمال لم يتخلف عن محبة من هذا شأنه إلا أردأ القلوب وأخبثها وأشدها نقصاً وأبعدها من كل خير، فإن الله فطر القلوب على محبة المحسن الكامل في أوصافه وأخلاقه، وإذا كانت هذه فطرة الله التي فطر عليها قلوب عباده، فمن المعلوم أنه لا أحد أعظم إحساناً منه سبحانه وتعالى، ولا شيء أكمل منه ولا أجمل، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعه سبحانه وتعالى، وهو الذي لا يحد كماله ولا يوصف جلاله وجماله، ولا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه بجميل صفاته وعظيم إحسانه وبديع أفعاله، بل هو كما أثنى على نفسه وإذا كان الكمال محبوباً لذاته ونفسه وجب أن يكون الله هو المحبوب لذاته وصفاته؛ إذ لا شيء أكمل منه، وكل اسم من أسمائه وصفة من صفاته وأفعاله دالة عليها، فهو المحبوب المحمود على كل ما فعل وعلى كل ما أمر؛ إذ ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة والمصلحة والعدل والفضل والرحمة، وكل واحد من ذلك يستوجب الحمد والثناء والمحبة عليه، وكلامه كله صدق وعدل، وجزاؤه كله فضل وعدل، فإنه إن أعطى فبفضله ورحمته ونعمته، وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته

ما للعباد عليه حق واجب **** كلا ولا سعي لديه ضائع

إن عذبوا فبعدله أو نعموا **** فبفضله وهو الكريم الواسع (8)

 

 

 

سرور القلب بمحبة الله:

وإذا شمر العبد إلى تلك المنزلة ورام الوصول إليها وعرف الله بأسمائه وصفاته التفت القلب إلى الله وخلى عن كل ما عداه فـ (لم يكن شيء أحب إليه منه، ولم تبق له رغبة فيما سواه إلا فيما يقربه إليه ويعينه على سفره إليه) (9) .

قال يحيى بن أبي كثير: (نظرنا فلم نجد شيئاً يتلذذ به المتلذذون أفضل من حب الله تعالى وطلب مرضاته) .

فكأن لسان الحال يقول:

كل محبوب سوى الله سرف **** وهموم وغموم وأسف

كل محبوب فمنه خلف **** ما خلا الرحمن ما منه خلف (10)

 

 

 

 

وقال ابن تيمية: (وليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله والتقرب إليه بما يحبه، ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة لا إله إلا الله) (11) .

 

 

 

محبة الله باعث التوحيد والطاعة:

ولذا كانت محبة الله مقتضية لعدم التشريك بينه وبين غيره فهي باعث التوحيد، ألا ترى أن القلب له وجه واحد: مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب: 4]، فإذا مال إلى جهة لم يمل إلى غيرها، وليس لأحد قلبان يوحد بأحدهما ويشرك بالآخر (12) .

 

قال صديق حسن: (محبة الله إذا استغرق بها القلب واستولت عليه لم تبعث الجوارح إلا إلى مراضي الرب، وصارت النفس حينئذ مطمئنة بإرادة مولاها عن ماردها وهواها، يا هذا اعبد الله لمراده منك لا لمرادك منه)، وقال: (من امتلأ قلبه من محبة الله لم يكن فيه فراغ لشيء من إرادة النفس والهوى) (13) .

 

 

فإلى من ابتلي بهواه حتى ألم به من جوانبه وأعياه هذا هو الدواء لكل داء والبلسم للشفاء، تأمل في أسماء الخالق العظيم وصفاته لتتلمس محبته وما يقربك إليه.

 

 

وإذا أردت كمال العبودية فاعلم أنه تابع لكمال المحبة، وذلك تابع لكمال المحبوب في نفسه، ولما أن كان الله تعالى له الكمال المطلق من كل وجه بحيث لا يعتريه توهم النقص فإن القلوب السليمة والفطر المستقيمة والعقول الحكيمة لا تلتفت إلا إليه ولا تريد أحداً سواه ولا تقبل بحبها إلا إليه سبحانه، وحينذاك فلا تقبل إلا لما تقتضيه تلك المحبة من عبوديته وطاعته وأتباع مرضاته واستفراغ الجهد في التعبد له والإنابة إليه.

 

 

قال ابن القيم: (وهذا الباعث أكمل بواعث العبودية وأقواها حتى لو فرض تجرده عن الأمر والنهي والثواب والعقاب استفرغ الوسع واستخلص القلب للمعبود الحق) (14) .

 

 

وإياك أن يخلو قلبك من الحب لله تعالى أو أن تملئه من محبة غيره فإن الله تعالى يغار على قلب عبده أن يكون معرضاً عن حب، فالله تعالى خلقك لنفسه واختارك من بين خلقه، ولتعلم أن الله تعالى إذا أراد بعبده خيراً سلط على قلبه إذا أعرض عنه واشتغل بحب غيره أنواع العذاب حتى يرجع قلبه إليه وإذا اشتغلت جوارحه بغير طاعته ابتلاها بأنواع البلاء (15) .

 

 

وبعد هذا اللهج بقولك: اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، وحب عمل يقرب على حبك (16) ، فقد كان هذا من دعاء سيد المحبين صلى الله عليه وسلم، فأكثر منه لعل الله تعالى أن يفتح لك الباب، فإن من أكثر الطرق ولج بإذن الله تعالى.

 

 

............

 

 

 

ثانياً: الذل والتعظيم.

من تحقق بمعاني الأسماء والصفات شهد قلبه عظمة الله تعالى فأفاض على قلبه الذل والانكسار بين يدي العزيز الجبار.

 

 

سجود القلب:

ولا شك أن تمام العبودية لا يتم إلا بتمام الذل والانقياد لله، وأكمل الخلق عبودية أكملهم ذلا وافتقارا وخضوعا بحيث يحصل للقلب انكسار خاص لا يشبهه شيء فهو يرى حينئذ أنه لا يصلح للانتفاع إلا بجبر جديد من خالقه وربه ومولاه، وحينئذ يستكثر القليل من الخير على نفسه كأنه لا يستحقه، ويستكثر قليل معاصيه لعظمة الله تعالى في قلبه، وذلك هو سجود القلب، سئل بعض العارفين أيسجد القلب؟ قال: نعم يسجد سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء.

 

 

ومن سجد هذه السجدة سجدت معه جميع جوارحه، وعنا الوجه للحي القيوم، ووضع خده على عتبة العبودية التي يقول عنها ابن تيمية: (من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية)...

 

 

وإذا تأمل العبد ذلك ألا يدعوه إلى تعظيم الخالق العظيم، فلا يستصغر في حقه معصية قط مهما صغرت، ولا يستعظم في حقه طاعة قط مهما عظمت.

 

 

قال القرافي في سر تحريم العجب: (إنه سوء أدب على الله تعالى، فإن العبد لا ينبغي له أن يستعظم ما يتقرب به إلى سيده، بل يستصغره بالنسبة إلى عظمة سيده لا سيما عظمة الله تعالى، ولذلك قال الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزُّمر: 67] أي ما عظموه حق تعظيمه) (17) .

فانظر وفقك الله كيف يثمر التأمل في الأسماء والصفات والتعبد بها من معرفة عظمة الله تعالى، وما يثمره ذلك من الأدب مع الله والذل بين يديه واحتقار كل عمل يتقرب به إليه إذ هو قليل في حق عظمته تعالى، وما يثمره ذلك من الخوف منه والبعد عن معاصيه؛ إذ كل عظيم يخشى من مخالفة أمره والوقوع في نهيه فكيف بأعظم عظيم جل وعلا.

 

 

............

 

 

ثالثاً: الخشية والهيبة.

قال ابن القيم: (كلما ازدادت معرفة العبد بربه ازدادت هيبته له وخشيته إياه، كما قال الله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ [فاطر: 28] أي العلماء به، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنا أعرفكم بالله وأشدكم له خشية)) (18) (19) .

وفي قول تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ يقول البحر ابن عباس في معنى الآية: (إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وسلطاني) (20) .

 

وقال ابن كثير: (إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل كانت الخشية له أعظم وأكثر) (21) .

 

 

وكيف لا يخشع القلب ويهاب إذا امتلأ بالحب والتعظيم والمعرفة بالخالق العظيم، فإن من عرف الله صفا له العيش، وطابت له الحياة، وهابه كل شيء، وذهب عنه خوف المخلوقين، وأنس بالله وحده (22) .

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) انظر: ((مفتاح دار السعادة)) (1/286) .

(3) ((صيد الخاطر)) (ص: 70) .

(4) ((مدارج السالكين)) (3/6-7) .

(5) رواه البخاري (1358) ومسلم (2658) .

(6) ((مجموع الفتاوى)) (10/134-135) .

(7) ((المحبة لله سبحانه)) لإبراهيم بن الجنيد (ص: 24) .

(8) ((طريق الهجرتين)) (ص: 520-521) .

(9) ((روضة المحبين)) (ص: 406) .

(10) ((المحبة لله سبحانه)) لإبراهيم بن الجنيد (ص: 101،44) .

(11) ((مجموع الفتاوى)) (28/32) .

(12) لاحظ ((روضة المحبين)) (ص: 295) .

(13) ((الدين الخالص)) (1/167) .

(14) ((مفتاح دار السعادة)) (2/88-89) .

(15) انظر ((روضة المحبين)) (ص: 310) .

(16) رواه الترمذي (3235)، وأحمد (5/243) (22162)، والطبراني (20/109) (216)، والحاكم (1/702، رقم 1913). من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال ابن العربي في ((أحكام القرآن)) (4/73): صحيح.

(17) ((الفروق)) (4/227) .

(18) رواه البخاري (6101)، ومسلم (2356). بلفظ: ((إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية)). من حديث عائشة رضي الله عنها.

(19) ((روضة المحبين)) (ص: 406) .

(20) ((زاد المسير)) (6/486) .

(21) ((تفسير القرآن العظيم)) (3/561) .

(22) لاحظ ((روضة المحبين)) (ص: 406) .

تم تعديل بواسطة أَمَةُ الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

رابعاً: اليقين والسكينة والطمأنينة.

 

من عبد الله بأسمائه وصفاته وتحقق من معرفة خالقه جل وعلا، وعظمه حق تعظيمه فإنه ولا شك يصل إلى درجة اليقين.

قال ابن القيم: (فاليقين هو الوقوف على ما قام بالحق من أسمائه وصفاته ونعوت كماله وتوحيده) (23) .

 

وباليقين مع الصبر تنال الإمامة في الدين، قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة: 24].

 

وتلك المنزلة العالية الرفيعة هي روح أعمال القلوب التي هي أرواح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصديقية، ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراقا وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط وغم وامتلأ محبة لله وخوفا منه ورضى به وشكرا له وتوكلا عليه وإنابة إليه، قال أبو بكر الدقاق: (اليقين ملاك القلب وبه كمال الإيمان، وباليقين عرف الله، وبالعقل عقل عن الله).

 

وإذا تيقن القلب نزلت السكينة، وهي الطمأنينة والسكون الذي ينزل في القلب عند اشتداد المخاوف والبلاء، فيزداد ذلك القلب إيماناً وثباتا، ويكسو الجوارح خشوعا ووقارا، ويضفي على اللسان حكمة وصوابا (24) .

 

 

............

 

 

خامساً: الرضا.

والرضا من ثمرات المعرفة بالله، فمن عرف الله بعدله وحكمه وحكمته ولطفه أثمر ذلك في قلبه الرضا بحكم الله وقدره في شرعه وكونه فلا يتعرض على أمره ونهيه ولا على قضائه وقدره، بل تراه: (قد يجري في ضمن القضاء مرارات يجد بعض طعمها الراضي، أما العارف فتقل عنده المرارات لقوة حلاوة المعرفة، فإذا ترقى بالمعرفة إلى المحبة صارت مرارة الأقدار حلاوة كما قال القائل:

عذابه فيك عذب **** وبعده فيك قرب

وأنت عندي كروحي **** بل أنت منها أحب

حسبي من الحب أني **** لما تحب أحب (25)

 

وقد كان من سؤال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ((أسألك الرضا بعد القضا)) (26) .

وإنما يرضى المؤمن العارف بأسماء الله وصفاته بحكم الله وقضائه؛ لأنه يعلم أن تدبير الله له خير من تدبيره لنفسه، وأنه تعالى أعلم بمصلحته من نفسه، وأرحم به من نفسه، وأبر به من نفسه، ولذا تراه يرضى ويسلم، بل إنه يرى أن هذه الأحكام القدرية الكونية أو الشرعية إنما هي رحمة وحكمة، وحينئذ لا تراه يعترض على شيء منها، بل لسان حاله: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، وذلك والله محض الإيمان.

 

 

............

 

 

سادساً: التوكل.

إن من أجل ما يثمره التعبد بالأسماء والصفات أن يعتمد القلب على الله ويخلص في تفويض أمره إليه، وذلك حقيقة التوكل على الله.

 

والتوكل من أعظم العبادات تعلقا بالأسماء والصفات، ذلك أن مبناه على أصلين عظيمين.

الأول: علم القلب، وهو يقينه بعلم الله وكفايته وكمال قيامه بشأن خلقه، فهو القيوم سبحانه الذي كفى عباده شئونهم، فبه يقومون وله يصمدون.

والثاني: عمل القلب، وهو سكونه إلى العظيم الفعال لما يريد وطمأنينته إليه وتفويض أمره إليه ورضاه وتسليمه بتصرفه وفعله؛ إذ كل شيء يمضي ويكون فبحكمه وحكمته وقدره وعلمه، لا ينفذ شيء في الأرض ولا في السماء عن قدرته، فله الحكم كله، وإليه يرجع الأمر كله (27) .

 

ومتى ما أخلص القلب ذلك لله علما وعملا كان من سابقي المتوكلين وصادقي المفوضين والمستسلمين، وإنه والله لغاية الأنس والعز أن يعتمد الإنسان في جميع أمره وشأنه على الله تعالى.

 

ولما أن كان هذان الأمران إنما ينبنيان على العلم بهذا الباب العظيم باب الأسماء والصفات قال بعض العلماء مفسرا التوكل بأنه المعرفة بالله، وإنما أراد أنه بحسب معرفة العبد بالله تعالى وبأسمائه الحسنى وصفاته العليا وتعبده بها وعلمه بقدرة الله وكفايته وتمام علمه وقيوميته وصدور الأمور عن مشيئته يصح له التوكل ويتم له ويتحقق، قال ابن القيم: (كلما كان بالله أعرف كان توكله عليه أقوى)، ولذا قال ابن تيمية: (لا يصح التوكل ولا يتصور من فيلسوف ولا من القدرية النفاة القائلين بأنه يكون في ملكه ما لا يشاء ولا يستقيم أيضا من الجهمية النفاة لصفات الرب جل جلاله ولا يستقيم التوكل إلا من أهل الإثبات) (28) .

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(23) ((مدارج السالكين)) (2/419-420) وانظر لليقين منه (1/413 وما بعدها) .

(24) انظر: ((مدارج السالكين)) (32/525-527) .

(25) ((صيد الخاطر)) (ص: 69) .

(26) رواه أحمد (5/191) (21710)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (1/34)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (426)، والحاكم (1/697)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/314). من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه. والحديث صح وثبت بالإسناد الثابت الصحيح عند ابن خزيمة -كما أشار إلى ذلك في المقدمة- وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الألباني في (تخريج كتاب السنة لابن أبي عاصم) .

(27) انظر: ((طريق الهجرتين)) (ص: 426) .

(28) ((مدارج السالكين)) (2/123) وانظر ((طريق الهجرتين)) (ص: 423) .

تم تعديل بواسطة أَمَةُ الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ما شاء الله تبارك الله مُشاركة رائعة منك يا حبيبة ()

التأمل في هذه الكليمات حقًا يبعث على الطمأنينة

سأعود لإكمال القراءة بإذن الله واصلي بارك الرحمن فيك

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

سابعاً: الدعاء.

إن من تأمل شيئا من أسماء الله وصفاته فإنها بلا شك ستقوده إلى أن يتضرع إلى الله بالدعاء ويبتهل إليه بالرجاء، فمن تأمل قرب الله تعالى من عبده المؤمن، وأن الله تعالى هو القريب المجيب والبر الرحيم والمحسن الكريم فإن ذلك سيفتح له باب الرجاء وإحسان الظن بالله وسيدفعه إلى الاجتهاد في الدعاء والتقرب إلى الله به.

 

 

بل إن من تأمل وتعبد بالأسماء والصفات لا يقتصر على مجرد الدعاء، بل سيفيض عليه ذلك الأمر حضور القلب وجمعيته بكليته على الله تعالى فيرفع يديه ملحا على الله بالدعاء والسؤال والطلب والرجاء.

 

 

وإنما كان الدعاء من أجل ثمرات العلم بالأسماء والصفات، وكان هو سلاح المؤمن، وميدان العارف، ونجوى المحب، وسلم الطالب، وقرة عين المشتاق، وملجأ المظلوم لما فيه من المعاني الإلهية العظيمة، ولذا قال ابن عقيل مبينا شيئا من هذه المعاني: (قد ندب الله تعالى إلى الدعاء، وفي ذلك معان:

أحدها: الوجود، فإن من ليس بموجود لا يدعى.

الثاني: الغنى، فإن الفقير لا يدعى.

الثالث: السمع، فإن الأصم لا يدعى.

الرابع: الكرم، فإن البخيل لا يدعى.

الخامس: الرحمة، فإن القاسي لا يدعى.

السادس: القدرة، فإن العاجز لا يدعى) (29) .

 

 

............

 

 

 

ثامناً: الإخلاص.

إن إدراك معاني الأسماء والصفات على التحقيق يحمل العبد على إفراد الله بالقصد والابتعاد عن صرف شيء من العبادة لغيره تعالى، ولذا كان من أعظم ما يخلص العبد من دنس الرياء ملاحظة أسماء الله وصفاته، فمن لاحظ من أسماء الله الغني دفعه ذلك إلى الإخلاص لغنى الله تعالى عن عمله وفقره هو إلى الله عز وجل قال الله تبارك وتعالى: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)) (30) .

 

ومن تأمل اسم الله العليم فإنه يعلم أن ما أخفاه عن أعين الناس من ملاحظة الخلق لا يخفى على الله لعلمه التام بكل شيء، ومن تأمل اسم الله الحفيظ حمله ذلك على ترك الرياء؛ لأن كل ما يفعله العبد محفوظ عليه سيوافى به يوم القيامة.

 

 

وإذا صنع ذلك كان عمله كله لله، فحبه لله، وبغضه لله، وقوله لله، ولحظه لله، وعطاؤه لله، ومنعه لله، فلا يريد من الناس جزاء أو شكورا، ولسان حاله: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 9]

 

وإن تقصير العبد في إخلاصه ووقوعه في الرياء أو قصد غير الله إنما هو بسبب جهله بأسماء الله وصفاته، ولذا قال ابن رجب: (ما تظاهر المرائي إلى الخلق بعمله إلا بجهله بعظمة الخالق) (31) .

 

ذلك أن من امتلأ قلبه بعظمة الله فإنه يستصغر كل من سواه ... ولم يتعلق بغير الله، والله تعالى له الأمر كله، فلا يكون في الكون شيء إلا بأمره وعلمه.

 

............

 

 

تاسعاً: التلذذ بالعبادة.

إن من أعظم المنح الربانية منحة التلذذ بالعبادة، فإذا قام العبد بالعبادة وجد لها من اللذة كما يجد المتذوق طعم الحلاوة في فمه ووجد في قلبه من الأنس والانشراح والسعادة ما لا يجده في وقت آخر، وحينئذ تكون العبادة راحة نفسه وطرب قلبه فيكون لسان حاله أرحنا بالعبادة يا بلال، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصلاة: ((قم يا بلال فأرحنا بالصلاة)) (32) ، فتكون الصلاة لما فيها من القرب لله والمناجاة له والتلذذ بكلامه والتذلل له والتعبد بأسمائه قرة العين وسلوة الفؤاد، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((وجعلت قرة عيني في الصلاة)) (33) .

قال ابن تيمية: (فإن اللذة والفرحة والسرور وطيب الوقت والنعيم الذي لا يمكن التعبير عنه إنما هو في معرفة الله سبحانه وتعالى وتوحيده والإيمان به وانفتاح الحقائق الإيمانية والمعارف القرآنية كما قال بعض الشيوخ: لقد كنت في حال أقول فيها إن كان أهل الجنة في هذه الحال إنهم لفي عيش طيب، وقال آخر: لتمر على القلب أوقات يرقص فيها طربا، وليس في الدنيا نعيم يشبه نعيم الآخرة إلا نعيم الإيمان والمعرفة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أرحنا بالصلاة يا بلال))، ولا يقول أرحنا منها كما يقوله من تثقل عليه الصلاة كما قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ [البقرة: 45]، والخشوع: الخضوع لله تعالى والسكون والطمأنينة إليه بالقلب والجوارح) (34) .

 

 

خفة العبادة بسبب لذتها:

وبتحصيل هذه اللذة يخف ثقل العبادة على القلب، بل قد تزول تلك المشقة فتكون العبادة بردا وسلاما على القلب، قال الشاطبي: (والضرب الثاني شأنه أن لا يدخل عليه ذلك الملل ولا الكسل لوازع هو أشد من المشقة أو حاد يسهل به الصعب، أو لما له في العمل من المحبة ولما حصل له فيه من اللذة حتى خف عليه ما ثقل على غيره، وصارت تلك المشقة في حقه غير مشقة بل يزيده كثرة العمل وكثرة العناء فيه نورا وراحة أو يحفظ عن تأثير ذلك المشوش في العمل بالنسبة إليه أو إلى غيره كما جاء في الحديث: ((أرحنا بها يا بلال)) (35) .

 

 

تأمل الأسماء والصفات طريق للذة العبادة:

وإذا تبين ذلك فإن من أعظم ما يحصل به لذة العبادة هو تأمل الأسماء والصفات وتعبد الله بها ومراعاتها في كل عبادة يأتي بها العبد أو يتركها.

 

فإذا تصدق العبد بالقليل مستشعرا أن الله شكور لا يضيع عمله، بل يبارك له فيه ولو كان قليلا كان ذلك مدخلا على قلبه الفرح والسرور بربه ووجد في قلبه حلاوة عظيمة لعمله.

 

ومن صلى لله تعالى متذكرا حينما قام لله صافا قدميه قيومية الله تعالى وأن الله قائم بذاته وعباده لا يقومون إلا به سبحانه وتعالى، ثم إذا كبر ورفع يديه استشعر أن الله أكبر من كل شيء، وشاهد كبرياء الله وعظمته وجلاله، ثم إذا قرأ دعاء الاستفتاح استشعر ما فيه من تنزيه الرب عن كل نقص، وإذا استعاذ وبسمل التجأ بقلبه إلى الركن الركين وتبرأ من كل حول واعتصم بالله من عدوه واستعان به لا بغيره، ثم إذا قرأ الفاتحة استشعر ما فيها من استحقاق الله لكل المحامد وألوهيته وربوبيته ورحمته بخلقه وملكه لكل شيء، واستحضر أنه يناجي ربه وأن ربه يجيبه على مناجاته كما في الصحيح: ((قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قال: مجدني عبدي، فإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)) (36) .

 

 

ثم تذكر عظمة الله وعلوه، وتذكر خضوعه وتذللـه بين يدي ربه بركوعه وسجوده وانكساره، وتأمل ذلك وهو يقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى، إذا صنع ذلك في صلاته كيف لا يصلي صلاة مودع، وكيف لا يتلذذ بصلاته وعبادته (37) ...

 

 

وما سبق هو جنس من العبادة، وكل عبادة يقدم عليها العبد مستشعرا هذه المعاني، وقد امتلأ قلبه بالحب للخالق العظيم فإنه ولا بد يحصل لذتها والأنس بها، وفي الحديث: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)) (38) . (39)

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(29) ((شرح العقيدة الطحاوية)) لابن أبي العز (ص: 678) .

(30) رواه مسلم (2985) . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(31) ((تحقيق كلمة الإخلاص)) (ضمن مجموعة رسائل له، ت: العزازي: 53) .

(32) رواه أبو داود (4986). من حديث صهر لمحمد بن الحنفية. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (14/167): كلام صحيح معقول، وقال الزيلعي في ((تخريج الكشاف)) (1/63): إسناده على شرط البخاري.

(33) رواه أحمد (3/128) (12315)، والنسائي (7/61)، وأبو يعلى (6/237)، (3530)، والحاكم (2/174)، والبيهقي (7/78) (13232). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وقال البيهقي: له متابعة، ورواه جماعة من الضعفاء عن ثابت، وقال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (2/177): إسناده قوي.

(34) ((مجموع الفتاوى)) (28/31) وهي رسالة يتحدث فيها عن نعم الله عليه وهو في السجن.

(35) ((الموافقات)) (2/240) وحديث عن أضرب الناس في تأثرهم من خوضهم في العمل الشاق، وانظر ((كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة)) (مع مجموعة رسائل لابن رجب ت: عاجل العزازي، ص: 108) .

(36) رواه مسلم (395). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(37) انظر كتاب ((الصلاة)) لابن القيم (ص: 171) وما بعدها.

(38) رواه البخاري (16) ومسلم (43). من حديث أنس رضي الله عنه.

(39) المصدر:

:: التعبد بالأسماء والصفات لمحات علمية إيمانية لوليد بن فهد الودعان - بتصرف - ص: 64

 

 

 

..........................................

تم تعديل بواسطة أَمَةُ الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

"بسم الله الرحمن الرحيم"

 

 

 

سلسلة حلقات برنامج (هو الله)

لفضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي –حفظه الله- .

 

 

 

 

الحلقة الأولى،، بعنوان/ الاسم العلم (الله) .

مدتها: حوالي 10 دقائق.

............................

 

 

 

 

للاستماع:

 

 

 

الـــتـــــــفـــريـــــــغ:

 

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يُحب ربنا ويرضى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شِعارُ ودِثارُ ولِواءُ أهلِ التقوى، وأشهدُ أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، بلَّغَ عن الله رسالاته، ونصحَ له في برياته، فجزاه اللهُ بأفضل ما جزى به نبيًا عن أمته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسانٍ إلى يوم الدين.

فإن اللهَ يقولُ وقوله الحق: { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [سورة الأعرف:آية 180].

 

 

وهذه اللِّقاءاتُ المتتابعة تُقرِّبُ المؤمن من معرفةِ ما للهِ تبارَكَتْ أسماؤه وجَلَّ ثناؤه مِن أسماءَ حُسنى.

 

قال عنهن صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ )) .

 

والقرآنُ العظيم وصفَ ونعتَ أسماءَ اللهِ بأنها حُسنى في أربعةِ مواضع.

- قال الله جلَّ وعلا في سورة الأعراف: { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }.

- وقال تباركَتْ أسماؤه وجَلَّ ثناؤه في سورة الإسراء: { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } .

- وقال تبارَكَتْ أسماؤه وجَلَّ ثناؤه في سورة طه: { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } .

- وقال جَلَّ وعلا في الموضع الرابع والأخير في سورة الحشر: { هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } .

 

 

وفي هذه اللقاءات بإذن الله تعالى سنُلقي الضوء على هذه الأسماءِ العِظَام لِرَبِّنا الملكِ العَلَّام -جَلَّ جلاله- ، وبَدَهِيٌّ أن نبدأ بلفظ الجلالة، علم الأعلام (اسم الله) تبارك وتعالى.

 

فهذا الاسم، أي: (الله) مِن أعظم ما دَلَّ عليه: أنه لم يُطلق على أيِّ أحدٍ غير الله، وهذا يُبين لكَ أَيُّهَ الأخُ المبارك كمال قدرة الله، وجليل عظمته، في أن الله تباركت أسماؤه وجل ثناؤه لم يُهيِّء لأحد، ولم يصرف قلب ولا عقل أحدٍ إلى أن يُطلقَ هذا الاسم على غيره، وهذا هو المعنى الحق لقول الله تعالى: { رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } ، ثم قال جل وعلا في أسلوب استفهامٍ: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [سورة مريم : آية 65] ، أي: لم يُؤتى أحد، ولم يُكتب لأحد، ولم يُقدَّر لأحد أن يُسمى باسم الرب تبارك وتعالى، وهذا من دلائل قدرة الله جل وعلا على خلقه، وأنه تبارك وتعالى يحول بين المرء وقلبه.

 

 

والحديث عن هذا الاسم العظيم، الذي كلُّ اسمٍ يُضاف إليه، فلا يُقال: إن من أسماء الرحمن والرحيم والكريم (الله) ، بل العكس، يُقال: إن من أسماء (الله) الرحمن الرحيم الكريم الجبار المنتقم، وهذا يدل كما قال العلماء من قبل: على أن لفظ الجلالة هو الاسم الأول، أو بتعبيرٍ أصح هو الاسم الأصل، وغيره يُضاف إليه ويتبعه.

 

 

وذكر أهلُ الصناعة النَّحويَّة والإعلامية –أي توثيقَ ما قد سلف- ذكروا أن سيبويه -الإمام النَّحَوِيَّ المشهور -رحمه الله تعالى- في كتابه الشهير (الكتاب) والذي ضَمَّنَهُ قضايا نحوية عدة- ذكروا فيه: أنه قَسَّمَ المعرفةَ إلى ستةِ أقسام، وجعلَ العلم أولَ أقسامها، ثم لَمَّا بدأ يَسْرِدُ الأعلام، يقولون: إنه جعل لفظ الجلالة (الله) هو علم الأعلام.

ثم ذُكِرَ أن سيبويه أفضى إلى ما قَدَّم وانتقل إلى رحمة ربه، فرآه بعض الصالحين في المنام، فقال له: ما فَعلَ بِكَ رَبُّك؟ ، قال: إنَّ ربي أكرمني، وغفر لي؛ لأنني جعلتُ اسمه علم الأعلام.

 

 

مِن هنا يَتضح ما كنا قد حَرَّرْنَاهُ سابقًا، مِن أن لفظ الجلالة (الله) هو عَلمُ الأعلام بلا شك، وقد صرف الله جل وعلا عن كل الذين ادَّعوا الألوهية أن يَتَسَمَّوا بهذا الاسم كما حَرَّرْنَاهُ آنِفًا، قال الله جَلَّ وعلا: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }.

 

 

نَزْدَلِفُ أَيُّهَا المبارك بعد ذلك إلى معرفة الفرق بين اسم (الله) ومتى نقول: (الرَّب) ؟.

ونحن نلتزم في هذه اللقاءات المتتابعة أن نُفَسِّرَ بالقرآن.

فَلْنَزْدَلِفْ إلى خبر كليم الله وصفيه موسى ابن عمران -عليه السلام- .

موسى ابن عمران لَمَّا خرج من أرضِ مَدْيَن، وأتى أرضَ سَيْنَاء، وناداه ربه تبارك وتعالى. في أول المقام آوَاهُ ربه، وأذهبَ الرَّوْعَ عنه، والخوفَ عن قلبه، قال الله جل وعلا: { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا } أي: النار { نُودِيَ يَا مُوسَى } .

مَن الذي ناداه؟ ناداهُ ربه. لكن نلاحظ كيف عَرَّفَ الله جل وعلا بذاته العَليَّة، قال الرَّبُّ تبارك وتعالى: { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ } ولم يقل له: إنني أنا الله ؛ لأن الله أراد في هذا المقام أن يُبين رعايته وعنايته ولُطفه بهذا العبد الصالح موسى ابن عمران، فأمره أن يخلع نعليه؛ لِيَنَالَ بركة الوادي كلها { فاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى }

فاستخدام القرآن هنا لِلَفْظِ (الرَّب) ؛ لأن كلمة (رب) تعني بمعنى: مَن يقوم بعناية مَن هُمْ مَرْبُوبُونَ له.

ثم قال الرب تبارك وتعالى له: { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } [سورة طه:آية 13].

 

 

الآن لاحظ كيف أنَّ الخطابَ القرآنيَّ تغير، قال الله جل وعلا: { فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ } ، ولم يقل له: إنني أنا ربك، كما قالَ في المقامِ الأول؛ للفصلِ بين الأمرين؛ لأنَّ في قوله جَلَّ شأنُه وتباركتْ أسماؤه: { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ } بيانٌ لما هو مطلوب مِن موسى عليه الصلاة والسلام؛ فلهذا قال الله بعدها: { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } [سورة طه:آية 14].

 

 

فذكر التكاليف الشرعية، فأَجْمَلَ وفَصَّل، فقال جل وعلا: { فَاعْبُدْنِي } ، والمقصودُ بالعبادة جملةُ الدِّين، ثم قال: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } ، وهذا مِن عطفِ الخاصِّ على العام.

 

 

والمقصود مِن ذلك أن الله جل وعلا فَرَّقَ في كتابه بين لفظِ (الرَّبِّ) ولفظ الجلالة (الله) ، وإن كان كلاهما يدلُّ على الرَّبِّ تباركَ وتعالى وحدهُ دونَ سواه، فتعدد الأسماءِ العِظَام شرفٌ للمسمى كما هو معلوم، لكنه هنا في مقام الله جل وعلا أسماءُ حُسنى لا يَعتريها النقص بأي حال.

 

 

قال الله جل وعلا: { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } فأخبره بعد ذلك بالوحي، ومن هنا نَلْحَظْ أنَّ لفظَ الجلالةِ كما قالَ العلماء: يحتوي مقاماتِ التوحيدِ كلها؛ ولهذا ذهب بعض الفضلاء من العلماء، [كالطَّحَاوِيّ، وابن القيم] إلى أن لفظ الجلالة هو اسم الله الأعظم، الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى -تبارك وتعالى- .

 

 

ولا يوجدُ فصلُ خطابٍ في القضية، لكن هذا ما تَرَجَّح عند جمعٍ من العلماء، ويُؤيِّده أننا إذا أردنا أن نُنادي وندعوَ ربنا –تبارك وتعالى- باسمٍ غير اسم لفظ الجلالة، فإننا نحذف الألفَ واللَّامَ منه.

 

 

فمن أسماء الله جل وعلا (الرحمن) لكننا إذا دعوناه –تبارك وتعالى- نقول: يا رحمن، ونقول: يا كريم ، ونقول: يا غفور، ونقول: يا ودود، وهكذا.

لكننا لا نقول: يالرحمن، ولا نقول: يالغفور، ولا نقول: يالكريم.

فلابد من حذف الألفِ واللام؛ لأنَّ قواعدِ اللغةِ أصلًا تقتضي أنَّ حرفَ النِّداء لا يأتي معه الألف واللَّامُ بعده مباشرةً.

لكن في لفظ الجلالة هنا نقول: (يا الله) ونُبقي على الألفِ واللَّام.

 

 

وفي كَيْنُونَةِ وجودِ الألفِ واللَّامِ دُونَ حذفٍ، مع سماعها في لغةِ العرب، وإقرارها في السُّنَّة، وقيامِ الأخيارِ بها خلفًا بعدَ سَلَف، يدلُّ على شيءٍ مِن الإشارة على أنَّ لفظ الجلالة اسمًا يختلفُ اختلافًا كثيرًا عن بقيةِ الأسماء، ولعلَّ في هذا توكيد لمن قالَ مِن قبلُ: إنَّ لفظ الجلالة هو اسمُ اللهِ الأعظم، الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى.

 

 

ننتقل أيُّها المبارك إلى حقيقةٍ أخرى، وهي قضية تعامل القلب المؤمن مع لفظِ الجلالة.

 

لا يمكنُ أنْ تَسمعَ كلمةً أعظمَ مِن لفظِ الرَّبِّ تبارك وتعالى، لكنَّ لفظَ الجلالةِ وحدهُ لا يُذكر به اللهُ جل وعلا، أي: لا يُقال: (الله) فقط، كما لا يُقال: (هو) فقط، وإنما يُذكرُ في جملةٍ تامةٍ ذاتِ معنى. وأعظمُ كلمةٍ حَوَتْ لفظَ الجلالة، هي: [لا إله إلا الله] ، فإنَّ اللهَ أنزلَ مِن أجلِ هذه الكلمةِ الكتب، وبَعثَ اللهُ –تبارك وتعالى- من أجلِ هذه الكلمة الرُّسُل، ومِن أجلِ هذه الكلمة خُلِقَتِ السمواتُ والأرض، ولأجلها كانَ الحسابُ والعرض، كما بيَّنَ علماءُ الأُمَّة.

 

 

المؤمن فيصلُ الأمرِ عندهُ في أنْ يعرفَ الفرق بينه وبين غيرهِ، في كيف حالُهُ إذا ذُكِرَ (الله) ؟ ، وهذه الغايةُ من هذه الحلقةِ كُلِّها.

 

قال الله: { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [سورة الزمر:آية 45].

وقال جل وعلا في غافر، يَنْعَى أهلَ الكفرِ كفرهم: { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ }.

 

فينبغي أيُّها المبارك أن يُشرح صدرَك، ويَتَّسع قلبُك، بل وتفرح وتخشع وتخضع إذا ذُكِرَ العليُّ الأكبر، لا إله إلا هو.

 

 

هذا ما تَيَسَّرَ إيرادُه، وتهيَّأَ إعدادُه، وأَعانَ اللهُ على قولِه.

والحمدُ للهِ رَبِّ العالمين.

 

 

***

تم تعديل بواسطة أَمَةُ الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

مشاركة رااااائعة اللهم بارك

جزاكِ الله خيرًا وجعلها في موازين حسناتك

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة الثانية،، بعنوان/ اسم الله {القُدُّوس} .

 

مدتها: (12.22) دقيقة.

............................

للاستماع:

............................

 

 

 

الـــتـــــــفـــريـــــــغ:

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أحسنَ كلَّ شيءٍ خلقَهُ وبدأ خَلْقَ الإنسانِ مِن طين، وأشهد أن لا إله إلا الله ربُّ العالمين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدهُ ورسولُه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

 

 

 

هذا لقاءٌ مُباركٌ مُتجدَّد عن أسماءِ اللهِ الحسنى في ما ثبتَ مِن أسماءِ اللهِ -تبارك وتعالى- ، والاسمُ الذي نحنُ بِصَدَدِ الحديثِ عنهُ اليوم هو اسم (القُدُّوس) .

 

 

اسمُ (القُّدُّوس) وَرَدَ في القرءانِ مرتين:

 

- في قولِ الرَّبِّ -تبارك وتعالى- في خاتمةِ سورةِ الحشر: { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ } .

- ومرةً أخرى وَرَد في قولِ اللهِ -تبارك وتعالى- في فاتحةِ سورةِ الجُمُعة: { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ } .

 

 

قبلَ أَنْ نَزْدَلِفْ إلى التعريفِ بهذا الاسمِ العظيمِ المبارك مِن أسماءِ اللهِ الحسنى نُحّرِّر أولًا لُغَوِيًا معنى كلمة (قُدُّوس) ؛ لأن كلمةَ (قُدُّوس) غيرُ شائعةٍ ذائعةٍ بين الناس فلا يتداولونها، فتحريرُ معناها خطوةٌ أُولَى في الوصول إلى معناها بعدَ ذلكَ شرعًا.

 

أهلُ الحجاز كانوا يُسَمُّونَ الإناءَ الذي يَجعلونَ فيهِ الماء فيغتسلون منه، يُسَمُّونهُ (قَدَسْ) بفتحِ الدَّال.

هذا الاسمُ نَجَمَ عنهُ التَّطهير، بمعنى أنهم يَرْجُونَ بذلكَ الماء أَنْ يَتَطَهَّرُوا.

فـالاشتقاقَ اللُّغَوِيّ في أحدِ مَعَنَيَيْ كلمة (قُدُّوس) المُتَطَهِّر أو المُطَهَّر.

 

ومنهُ حَمَلَ العلماء قولَ الرَّبِّ تبارك وتعالى حكايةً عن الملائكة أنهم قالوا: { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } [سورة البقرة : آية 30].

 

 

فيُصبح على هذا المعنى اللُّغَويِّ الذي حَرَّرْناه معنى قولهم: (وَنُقَدِّسُ لَكَ) أي: ونَتَطَهَّرُ لَك.

 

 

إذًا (القُدُّوس) في أحدِ مَعنييه المُطَهَّر. ومنهُ يُقال: أرضٌ مُقَدَّسة، أي: أرضٌ مُطَهَّرة.

المعنى الآخر لكلمةِ (القُدُّوس) البَرَكَة. ومنهُ قولُ الرَّبِّ -تبارك وتعالى- : { ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } [سورة المائدة : آية 21] ، أي: الأرضَ المُباركة.

 

ويُؤَيِّدُ هذا المعنى أنَّ اللهَ وَصَفَ الشَّامَ والدِّيار التي حولهُ بأنها أرضٌ مُبَارَكَة، قال اللهُ جلَّ وعلا : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا } [سورة الإسراء : آية 1] .

 

 

تَحَرَّر مِن هذا أنَّ معنى كلمة (قُدُّوس) يَدورُ بينَ معنيين: التَّطْهِير، وَالبَرَكَة.

 

 

أمَّا علاقةُ هذا المعنى اللُّغَوِي بما سمَّى اللهُ جلَّ وعلا بهِ ذَاتَهُ العَلِيَّة، فيمكن أن يُقال كما قال العلماءُ الأَكَابرُ مِن قبلِنا: أنَّ اسمَ (القُّدُّوس) يعني: أنَّ اللهَ -تباركَ وتعالى- هو المحمود، أي: بمعنى أنَّ المَحَامِدَ كلَّها تَلِيقُ بهِ -تبارك وتعالى- ، فهو -جلَّ وعلا- لهُ الحمدُ المُطْلَقْ.

 

 

مِن هنا نَتَاَتَّى إلى مَسْلَكٍ آخر في فَهْمِ معنى اسمِ (القُدُّوس) لربنا -تبارك وتعالى- .

 

تَعْلَمُ أيُّها المُبارك أنَّ القرآنَ سُوَر ، وهذه السُّوَر ثَمَّةَ طَرَائِق في افتتاحِها.

فَتَارَةً السُّورة تُفْتَتَحْ بالشَّرط: { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } [سورة التكوير] ، { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا } [سورة الزلزلة] ، { إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ } [سورة الواقعة] .

تَارَةً تُستَفْتَحْ بالاستفهام: { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ } [سورة الإنسان] ، { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [سورة الشرح] ، { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } [سورة الغاشية] .

وتَارَةً تُسْتَفْتَحْ بالحروفِ المُتَقَطِّعَة: { الم } ، { الر } ، { المص } ، إلى غيرِ ذلك مِن الآيات.

 

 

مِن طرائقِ افتتاحِ القرءان فواتحِ السور: أَنْ يُؤْتَى بتنزيه اللهِ عمَّا لا يَليقُ بهِ، وبمدحِ اللهِ -جلَّ وعلا- .

هذان الطريقان: تنزيهُ الله عمَّا لا يليقُ بهِ، أو مدحُ الله بما هو أهلُهُ مِن المَحَامِد، كلاهما يندرج في تَقْدِيسِ الله.

 

 

ومِن هنا نُقَرِّب المفهومَ لك، في معنى كلمة (القُدُّوس) ، فاللهُ جلَّ وعلا يقول: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } ، ويقول: { سَبَّحَ لِلَّهِ } ، ويقول: { يُسَبِّحُ لِلَّهِ } ، هذه كلُّها في تَنزيهِ اللهِ عمَّا لا يَليقُ بهِ، وهي إحدى طَرَائق تقديسِ الله.

 

الطريقُ الآخر، وهو: حَمْدُ اللهِ -جلَّ وعلا- بما هو أهله. { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } فاتحة الأنعام، { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ } فاتحة الكهف، وكذلك الفاتحة في أول القرآن { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، فاتحة سبأ، فاتحة فاطر، هذه كلها محامد.

 

 

مِن هذين الطريقين يَنْجُمْ أنَّ الله -جل وعلا- ينبغي أنْ يُنزَّه ويُقدَّس عما لا يليقُ به -تبارك وتعالى- .

وأعظم ما يُنزَّه الله -جل وعلا- عنه اتخاذُ الصَّاحِبَةِ والوَلَد.

 

 

هذا -اتِّخاذِ الصَّاحِبَةِ والوَلَد- مما زَعَمَتْهُ العَرَب الوثنيون، ومما زَعَمَتْهُ النصارى واليهود مِن قبل.

واللهُ -جل وعلا- مُنَزَّهٌ عن الصَّاحِبَةِ، مُنَزَّهٌ عن الوَلَد.

 

اليهود زعمتْ أنَّ للهِ ولدًا هو عُزَيْر، والنصارى زعمت أنَّ للهِ ولدًا هو المسيح، والعرب جعلت الملائكة بناتِ الله -تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا- .

 

 

نحنُ المؤمنين إذا أردنا أنْ نفقه معنى اسم الله العظيم (القُدُّوس) نُنَزِّهُ الله عما لا يليقُ بهِ، ومِن تنزيهِنا لله -تبارك وتعالى- عما لا يليقُ بهِ، أن نقول: مُحَالٌ أنْ يُنسبَ للهِ الولد أو يُنسبَ للهِ الشَّرِيك، أو يُنسبَ للهِ النِّد، أو يُنسب للهِ الصاحبة.

 

 

ألا ترى الجبال؟! ، الجبال صَخْرَاء، صَمَّاء، صَلْدَاء، ومع ذلكَ قال الله إنَّ هذه الجبال تُنكر نُكرانًا عظيمًا لمَن زَعَم أنَّ للهِ وَلدًا، قال الله جل وعلا في مريم: { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا }.

 

فالجبالُ على أنها صَمَّاء، صَلْدَاء، إلا أنها تُنكر أن يكون للرَّبِّ -تبارك وتعالى- وَلَد.

هذا كلُّهُ مِن تقديسِ هذه الجبال بالطريقةِ التي آتاها اللهُ إياها لربها -تبارك وتعالى- أن يكونَ لهُ وَلَد.

 

 

إذًا فَقِهْنَا مِن هذا أنهُ يجبُ علينا أنْ نُؤمن أنْ نُنَزِّهَ الله -جل وعلا- عما لا يَليقُ بهِ، كذلكَ يجبُ علينا أنْ نُعظِّمَ الله، ونُثني عليه، ونَمدحُهُ -تبارك وتعالى- بما مَدحَ بهِ نفسَهُ، أو بما مدحَهُ بهِ رسولُنا -صلى الله عليه وسلم- .

 

 

أم المؤمنين عائشة تقول: أنها دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدَ أنْ فَقَدَتْهُ مِن فِراشِها ذات ليلة، فوجدته في المسجد قد انْتَصَبَتْ قَدَمَاه، يقول في سجوده: اللهم إني أعوذُ برضاكَ مِن سَخطِكَ، وأعوذُ بمُعافاتِكَ من عقوبتِكَ، وأعوذُ بكَ منكَ، لا أُحصي ثناءً عليكَ أنتَ كما أَثنيتَ على نَفسِكَ.

فتَأمَّل قولَها تَحْكِي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دعائه: أنتَ كما أَثنيتَ على نفسِك، فمن تقديسِ النبي -صلى الله عليه وسلم- لربِّه أنَّهُ أخبرَ أنَّهُ لا يَبلغُ مَحَامِدَ اللهِ أحد؛ فاللهُ -جل وعلا- لا يَبلغُ مِدحتَهُ قولُ قائل، ولا يَجْزي بآلائِهِ أحد، ولا يُنْعَتْ ولا يُمدَح إلا بما مَدَحَ بهِ ذاتَهُ العَليَّة تبارك وتعالى.

 

فالمؤمنونَ الخُلَّص يُنَزِّهونَ ربَّهُم -تبارك وتعالى- عن ذلك.

 

ثُمَّ إنها، أي: عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- نَقَلَتْ إلينا قِيامَ اللَّيل، قيامَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلَّيلِ كيف يكون؟. وهذا بابُهُ كتبُ الفقه، لكن ما الذي يَعْنِينَا نحنُ؟، ونحنُ نُبيِّن ونَعرِض اسمَ اللهِ (القُدُّوس) .

 

يعنينا أنها ذَكَرَتْ -رضي الله عنها وأرضاها- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا فَرَغَ مِن وِتْرِهِ يقول: سُبحانَ المَلكِ القُدُّوس.

وهذا أيضًا ذكرَهُ أُبَيُّ بن كعب -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كانَ إذا فَرَغَ من وِترِهِ يقول بعدَ أنْ يُسَلِّم: سُبحانَ المَلكِ القُدُّوس.

 

 

هل هناكَ علاقة بين الإثنين؟ الذي يبدو والعلمُ عندَ الله، أنَّ هذا النبي الخاتم والعبدَ الصالح -صلى الله عليه وسلم- لًمَّا ازْدَلَفَ بينَ يدي مولاه، وسيدِهِ، وخالقِهِ، ورازقِهِ، ومَنْ أكرمهُ بالنبوة، وسجد لله، وختم صلاتَهُ بوِتْرٍ، واللهُ وِتْرٌ يُحب الوِتْر ذكرَ الله، فجعل الذِّكرَ المناسب أننا كأنه يقول -عليه الصلاة والسلام- في لسانِ الحال: أننا مهما عبدنا ربَّنا وقُمنا بما شرعَهُ اللهُ -جل وعلا- لنا مِن أمرِ ديننا فَنَبْقَى في فَلَكِ التَّقصير؛ لأنَّ الرَّبَّ -تبارك وتعالى- لا يُكافئُهُ على آلائِهِ أحد.

 

فَهُنَا أرادَ النبي -صلى الله عليه وسلم- أنْ يُنَزِّهَ ربَّهُ، فقال: سُبحانَ المَلكِ القُدُّوس، وجاءَ في بعضِ الروايات: يرفعُ بها صوتَهُ -صلوات الله وسلامه عليه- .

 

 

و(سبحان) لفظٌ لا يُطلق إلا على الله -تبارك وتعالى- ، فلا يجوزُ لأحدٍ أن يقول سبحان في حقِّ غيرِ الله.

كما أنَّ مِن الألفاظِ التي لا تُقال في غيرِ حقِّ الله -وهذا استطرادٌ علميٌّ معرفيّ- الفعل (تبارك) ، فالفعلُ (تبارك) فعلٌ ماضٍ، غيرُ مُتَصَرِّفٍ، أي: جامد، لا يأتي منهُ أمرٌ، ولا مضارعٌ، ولا مصدر، وإنما يكونُ مُقتصرًا في خطابِنا أنْ نقولَهُ على غيرِ ربِّنا -تبارك وتعالى- ، فلا نقولُهُ إلا على ربِّنا، أي: لا يُخاطب إلا به الله، أي: بتعبيرٍ أوضح لا يُسْنَدْ إلا لله.

 

نقول: تَباركَ الله، تَباركَ الرحمن، كما قال اللهُ في كلامه، لكننا لا نقولُ لأحدٍ مِن الخلقِ أنهُ تبارك. كذلك التسبيح.

 

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- هنا يقول: سُبحانَ المَلِكِ القُدُّوس.

 

 

وَمَن عَلِمَ يقينًا أنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عن الصاحبةِ والولد، وأنَّ اللهَ لم يَلِد ولم يُولَد، وأنَّ اللهَ لم يكن لهُ كُفوًا أحد، هذا مِن قَرَائِن تَعظيمِ العبدِ لربِّهِ -جل وعلا- ، وتعظيمُ العبدِ لربِّهِ -تبارك وتعالى- في قلبِهِ طريق إلى الوصولِ إلى تحقيقِ مقامٍ عظيمٍ مِن مقامِ العبودية.

 

 

قال عليه الصلاة والسلام : مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُعْرِجَ بِي بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ، قُلْتُ: مَا هَذِهِ الرِّيحُ يَا جِبْرِيل؟. قَالَ: هَذِهِ رِيحُ مَاشِطَةِ اِبْنَةِ فِرْعَوْن. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا مَاشِطَةُ اِبْنَةِ فِرْعَوْن؟. قَالَ: إِنَّ مَاشِطَةَ اِبْنَةِ فِرْعَوْنَ كَانَتْ تَمْشِطُ لِابْنَةِ فِرْعَوْنَ شَعْرَهَا، فَسَقَطَ اَلْمِشْطُ مِنْ يَدِهَا، فَهَمَّتْ لِتَتَنَاوَلَهُ، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللهِ. فَقَالَتْ لَهَا اِبْنَةُ فِرْعَون: أَهَذَا أَبِي؟. قَالَتْ: لا ، بَلْ رَبِّي ، وَرَبُّكِ ، وَرَبُّ أَبِيكِ. فَقَالَتِ الفَتَاةُ: لَأُخْبِرَنَّ أَبِي. قَالَتْ: أَخْبِرِيهِ. فَأَخْبَرَتْهُ، فَأَقْدَمَهَا فِرْعَوْنُ بَيْنَ حَرَسِهِ وَوُزَرَائِهِ، قَالَ لَهَا: أَلَكِ رَبٌّ غَيْرِي؟. قَالَتْ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ. فَلَمَّا قَتَلَهَا فِرْعَوْنُ آوَاهَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِين، وَأَحْيَاهَا فِي البَرْزَخِ حَيَاةً لَهَا رِيحٌ طَيِّبَةٌ، وَجَدهَا سيدُ الخلقِ محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- .

 

 

هذا كله في فَلَكِ تقديسِ الله، ولا يمكن أنْ يُقَدَّسَ الله إلا إذا عُرِفَ حقَّ المعرفة.

جعلني اللهُ وإياكم ممن عَلِمَ أسماءَهُ الحسنى وعَمِلَ بها.

 

 

 

هذا ما تَيَسَّرَ إِيرادُه، وتَهَيَّأَ إِعْدادُه، وأَعانَ اللهُ على قولِه.

والحمدُ للهِ رَبِّ العالمين.

 

 

***

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة الثالثة،، بعنوان/ اسم الله {الرَّؤُوف} .

 

مدتها: 11.16 دقيقة.

 

 

............................

 

للاستماع:

 

............................

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمدُ لله خالقِ الكونِ بما فيه، وجامِعِ الناسِ ليومٍ لا ريبَ فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدهُ ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائرِ مَن اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسانٍ إلى يومِ الدين. أما بعد:

 

 

فهذا لقاءٌ مُتجدِّد حولَ أسماءِ اللهِ الحسنى، والاسمُ العظيم الذي سنعرضُ للحديثِ عنه في هذا اللقاءِ المبارك هو اسم {الرَّؤُوف} .

 

 

والرَّأفةُ أيُّها المُبارك أَخَصُّ مِن الرَّحمة، أي: أنه كما أنَّ مِن أسماءِ اللهِ الحسنى (الرحيم) فإنَّ مِن أسماءِ اللهِ الحسنى (الرَّؤوف) ، واسمُ اللهِ (الرَّؤوف) هو موضوعُ لقائِنا هذا.

 

قُلنا: إنَّ الرَّأفةَ أَخَصُّ مِن الرَّحمة، بمعنى أنَّ الرحمةَ أشملُ وأَعمّ.

 

 

الرحمةُ قد يكون ظاهرُ حالِها غيرُ حَسَن، لكنَّ الاعتبارَ بالمَآل، أما الرَّأفة فتكون مآلُها وحالُها كلاهما حَسَن، ولهذا قال اللهُ جل وعلا لما ذكر رجم الزناة: { وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } [النور : 2] ، ولم يَقُلْ: ولا تأخذكم بهما رحمةٌ في دين الله؛ لأنَّ الرحمةَ حاصلةٌ باعتبار ما سيكون، فإن في جلدِهِما بلا شك تطهيرٌ لهما عما اقترفا.

لكنه لما قال سبحانه: { وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ } فإن الرَّأفةَ أَرَقُّ، ولو أخذتنا بهما رأفة لما جلدناهما.

هذا كلُّه في حقِّ العباد.

 

 

وهنا نَسْتَصْحِبُ قاعدةً عظيمةً جليلة عندما نتكلم عن وصفِ أسماءِ اللهِ الحسنى، هذه القاعدة يجب أن تكون معنا في سائرِ لقاءاتِنا، وحَرَجٌ علينا أن نكررها كلَّ مرة.

 

لكن ينبغي لمن أرادَ أنْ يعرفَ أسماءَ اللهِ الحسنى وصفاتِهِ العلى أنْ يَستصحبَها في كلِّ حال:

الأول: أنَّ الله -تبارك وتعالى- إنما يُسمى ويُوصَف بما سمى بهِ نفسهُ، وبما وصفَ بهِ -جل وعلا- ذاتَهُ العلية، كما يُسمى ويُوصف بما سماهُ بهِ ووصفهُ بهِ رسولنا -صلى الله عليه وسلم- .

الثاني: أنَّ صفاتَ اللهِ وأسماءَهُ الحسنى غيرُ مُشابهةٍ لأسماءِ وأوصافِ المخلوقين مِن أي وجهٍ كان.

والأمر الثالث: أنَّ الإنسانَ يقطعُ الطَّمع في كيفيةِ العلمِ بأوصافِ اللهِ -جل وعلا- ، قال الله جل وعلا: { وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } [طه : 110].

 

 

نَؤُوب أيُّها المُبارك إلى وصفِ اللهِ -تبارك وتعالى- وتسميةِ ذاتِهِ العَلِيَّة بأنه رؤوفٌ رحيم.

 

كلمة (رؤوف) يسمى بها غيرُ الله، قالَ اللهُ جل وعلا في حقِّ نبيه: { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [التوبة : 128] ، وقال جل وعلا في حقِّ ذاتهِ العلية: { إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة : 117].

 

 

فَعَلَى هذا بَيَّنَّا في التَّقْعِيدِ قبلَ قليل، أنه فرق ما بين رأفةِ النبي -صلى الله عليه وسلم- باعتبارِهِ مخلوق، وبين رأفةِ اللهِ -جل وعلا- باعتبارِهِ -تبارك وتعالى- خالق، لا خالقَ إلا هو.

 

 

على هذا نقول: سنضربُ مثلًا يُبين لك أيُّها المؤمن عظيمَ رأفةِ الله:

اللهُ جل وعلا يقول في حق المجاهدين: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ } [التوبة : 111].

 

الآن أَنِخِ المَطَايَا وتَأَمَّل هذا السِّيَاقَ القرآني لتعرف معنى الرَّأفة هنا.

هناك مُشتَرِي، وهناك مُشتَرَى، وهناك ثَمَن.

- فالمُشتَرِي هنا هو الله، اللهُ يقول: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى }.

- وهناك مُشتَرَى، وهو نفسُ المؤمن وماله.

- وهناك ثمن، وهو ماذا؟ ، هو الجنة.

 

 

لو تأمَّلتَ الحقيقة، الجنة مُلْكٌ لِمَن؟ مُلْكٌ لله، والنفسُ والمال مُلْكٌ لِمَنْ؟ مُلْكٌ لله، ليست مُلْكًا للعبد؛ فاللهُ -تبارك وتعالى- يشتري منا مُلْكَهُ "وهو النفسُ والمال" بمُلكِهِ -تبارك وتعالى- "وهو الجنة"، وهذا مِن رأفتِهِ -جل وعلا- بعباده.

 

 

وقد حَرَّرْنَا أنَّ الرَّأفةَ أخصُّ مِن الرَّحمة، فالرحمة يمكن أنْ تشملَ الكافرَ، والمؤمنَ، والبَرَّ، والفَاجِر، لكنَّ الرَّأفةَ لا تشملُ إلا عبادَ اللهِ المؤمنين.

 

ومِن رأفتِهِ -تبارك وتعالى- بعبادِه أنه يُهَيِّءُ لهم أسبابَ التوبة، ثم بعد ذلك يَمُنُّ عليهِم خالِقُهُم -جل جلاله- بما وَصَفَ بهِ نفسه مِن الرَّأفة أنهُ يقبلُ منهم تلكَ التوبة.

 

 

ألَا ترى إلى الثَّلاثة الذين خُلِّفُوا عن غزوةِ العُسْرَة، فإنهم خُلِّفُوا بقَدَرِ الله، ثم إن اللهَ -جل وعلا- غَرَسَ في قلوبهم الإيمان، والصدق، والتوبة، والأَوْبَة، وقَدِمُوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبروا أنهم لا عُذرَ لهم، واعترفوا بذنبهم وتقصيرِهِم، وأنهم فَرَّطُوا في جنبِ الله -تبارك وتعالى- .

 

فَمَنِ الذي أَلْهَمَهم هذا اللَّوْمَ والعِتَاب، وتَقْرِيعَ النفس؟ ، رَبُّهُم -تبارك وتعالى- .

 

ثم ساقهم -جل وعلا- رأفةً بهم إلى أنْ يتوبوا، فأعلنوا توبتهم، ثم إنهُ -جل وعلا- تَوَّجَ عَطَايَاهُ لهم بأنْ قَبِلَ منهم تلك التوبة.

وهذا غايةُ ما يُريدُهُ العبد، قال الله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } [الشورى: 25] .

لهذا خَتَمَ الله -جل وعلا- هذه الآيات بقوله: { إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } .

 

 

فانظر إلى التَّنَاسُب ما بين قولِهِ تبارك وتعالى: { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا } [التوبة : 118] ، أي: هَيَّأ لهم أسباب التوبة، وقَبِلَ منهم التوبة، ثم ختم الآيات بقوله: { إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } ، فهذا مُجْمَلُ ما دَلَّ عليه القول مِن أنَّ الرَّأفةَ أَخَصُّ مِن الرَّحمة.

 

 

كذلك أيها المؤمن مِن رأفةِ الرَّبِّ -تبارك وتعالى- بعباده المؤمنين، أنه -جل وعلا- تَحَدَّثَ عن سُوقِ الناس في بيعِهِم لأنفسِهِم، قال: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ } ، ثم قال { وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } [البقرة : 207] ، قبلها قال جَلَّ ذِكرُه: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ } [البقرة : 204-205].

 

 

فَقَارِنْ بين رجلين، رَجُلٌ يُظهر ما لا يُبطِن، ويسعى في الأرضِ فسادًا، كيف ختم الله عز وجل الآياتَ بقوله: { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ } .

 

وقد ذَكَرَ المُفَسِّرون أنَّ النموذج الأول له صُهيب، وأيًّا كان الأمرُ صهيبٌ أو غيرُه -فالعبرةُ بعمومِ اللَّفظِ لا بخصوصِ السَّبب- فمن الناس مَن يشري نفسه، أي: يبيعُها مِن أجلِ الرَّبِّ -تبارك وتعالى- .

 

والناسُ عندما يخرجون مِن بيوتِهِم صباحًا ومساءًا إنَّما هُمْ في سوقِ عَمَل، سوقُ عَمَلٍ للآخرة.

 

فمَن عَرَفَ حالَ نفسِهِ واشترَى ما عندَ اللهِ -تبارك وتعالى- فهذا الذي حُقَّتْ عليهِ رأفةُ اللهِ -جل وعلا- به؛ لأن توفيقَهُ للعملِ الصالح مِن رأفةِ الرَّبِّ -تبارك وتعالى- به.

 

 

ولهذا قال الله في حقِّ صُهيبٍ ومَن تَبِعَ صُهيبَ قال: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } .

 

 

كيف يكونُ اللهُ رؤوفٌ بالعباد؟

يكونُ اللهُ رؤوفًا بالعباد بأنْ يُوفقَهم للعملِ الصالح، والتوفيقُ للعملِ الصالح مِن رأفةِ الرَّبِّ -تبارك وتعالى- بعبدِه.

 

وإذا أرادَ العبدُ أنْ يَعرف أين هو مِن رأفةِ اللهِ -جل وعلا- به؟ فلينظر أين هو مِن العملِ الصالح؟.

 

فكلما ازْدَلَفْتَ، ودَنَوْتَ، واقْتَرَبْتَ مِن العملِ الصالحِ، وطاعةِ ربِّك، وأُلْهِمْتَ الاستغفارَ على تقصيرِك فأنتَ في رأفةِ الرَّبِّ -تبارك وتعالى- .

 

ولا يمكن أن يُقال هذا عن الرَّحمة عمومًا؛ لأن الرحمةَ إذا أُطْلِقَتْ -كما حّرَّرْنَا- تُطْلَق على البَرّ، والفاجر.

 

فاللهُ -جل وعلا- مثلًا سَمَّى الغَيْثَ رحمة: { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } [الأعراف : 57] ، ومعَ ذلك هذا الغَيْث الذي هو رحمة يَنزِلُ على دِيَارِ الكفر، فلا يكون بهم رحمةٌ خاصة، لكن الرَّأفةَ لا تكونُ إلا لأهلِ الطاعة، إلا لأهلِ الإيمان، إلا لأهلِ التقوى.

 

ومِن رَأفةِ اللهِ -جل وعلا- بعبدِه أن يوفقَهُ للعملِ الصالح.

 

 

وقد قُلْنَا إنَّ الرَّأفةَ خيرٌ كلُّها، باعتبارِ حالِها، واعتبارِ مآلِها، أما الرَّحمة فقد تكونُ ممزوجةً، مخلوطةً، مقرونةً بالبلاءِ عادةً، لكن مآلَها -إذا قُلنا الرحمةَ الخاصة- مآلُها إلى العفو، إلى الصَّفْح، إلى الغفران، إلى أَعالي الجِنَان.

 

 

هذا الاسمُ العظيم به يُدعى الرَّبُّ -تبارك وتعالى- ، ويَتأكَّدُ الدعاءُ به في حالٍ يَغلبُ على الظَّن مِن المَرْء أنه في كربٍ عظيم، فتُصيب أحيانًا الإنسانَ حالةَ جَزَعْ لا ينتظرُ معها رحمةً مقرونةً ببلاء، وإنما يريد أنْ يَخُلُصْ مِن الكَرْبِ الذي هو فيه، فيكون التأكيد بدعاءِ اللهِ -جل وعلا- بأنه رؤوف أَوْكَدْ وأحْرَى في المقامِ مِن غيرِهِ مِن الأسماء.

 

 

وحتى يَتَحَقَّقَ لنا أنْ نَصِلَ إلى هذه المِنْحَةِ الإلهية، والعَطِيَّةِ الرَّبَّانية، يجبُ أنْ نعلم أنَّ تَحقيقَ معنى العبودية مُعِينٌ على ذلك؛ لأن اللهَ تبارك وتعالى قال: { وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } ، فتحقيقُ معنى العبودية يَنْجُمُ عنهُ رأفةُ اللهِ -جل وعلا- بنا، ورأفةُ الله -جل وعلا- بنا إذا حَقَّقْنا معنى العبودية، مَقَامُها أو مَبْنَاها على أنْ نعرف معنى العبودية، نُجْمِلُها في كلماتٍ ثلاث:

 

محبةُ الله، الخوفُ منه، الرجاء فيما عندَه.

 

فهذه الثلاث إذا حَقَّقَها العبدُ حَقَّقَ معنى العبودية، وتحقيقُ معنى العبودية يَسُوقُ لنا مِنْحَةً إلهيةً، وعَطِيَّةً ربَّانية، بناءً على وَعْدِهِ القُرآنيّ في قوله جل ذكره: { وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } .

 

 

والمؤمنُ أيُّها المُبارك متى أَحسَنَ الظن بالله، وعَلِمَ أنَّ اللهَ -جل وعلا- أرحمُ بهِ مِن نفسِه، وأنهُ أعلمُ بما يُصلحُه، حُقَّ لهُ بعدَ ذلكَ أنْ يَطْمَئِنَّ قلبُه:

وَإِذَا العِنَايَةُ لَاحَظَتْكَ عُيُونُهَا *** نَمْ فَالْمَخَاوِفُ كُلُّهُنَّ أَمَانْ

 

 

والرَّبُّ -تبارك وتعالى- إذا رَأَفَ بعبدِه، ورَحِمَهُ، ما كان أبدًا أنْ يَصِلَ أحدٌ بأذًى أو بسوء، اللهم إلا أذًى أو سوءًا يَنْجُمُ عنهُ بعد ذلك فضلٌ كبير، قد يُخْفَى ويَتَوارَى عن العبد، لكن العبرةَ بالمآل، العبرة بتحقيقِ المقصود، ولا مقصودَ أعظم مِن أنْ نعبدَ اللهَ -جل وعلا- على النَّحْوِ الأَتَمِّ والوَجْهِ الأكمل.

 

 

 

وَفَّقَنَا اللهُ وإِيَّاكم لما يُحبُّهُ ويَرضى، وأَلْبَسَنَا اللهُ وإِيَّاكم لِبَاسَيّ العافيةِ والتقوى. هذا والعلمُ عند الله.

والحمدُ للهِ رَبِّ العَالمِين.

 

***

 

 

* التَّقْعِيد:

تقْعيد: ( اسم ) مصدر قَعَّدَ.

 

قَعَّدَ: ( فعل ) قعَّدَ يُقعِّد ، تقْعيدًا ، فهو مُقَعِّد ، والمفعول مُقَعَّد.

قَعَّدَ القَاعِدَةَ: وَضَعَ لَهَا أُصُولَهَا.

قعَّد اللُّغةَ ونحوَها: وضع لها قواعدَ يعمل بموجبها.

تم تعديل بواسطة أَمَةُ الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحلقة الرابعة،، بعنوان/ اسم الله {العَلِيم} .

 

 

مدتها: 12.01 دقيقة.

 

............................

 

للاستماع:

 

 

............................

 

 

الـــتـــــــفـــريـــــــغ:

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد.

 

 

هذا لقاءٌ مُتجدِّدٌ عن أسماءِ اللهِ الحسنى، والاسمُ العظيم المبارك الذي سنتكلم عنهُ في هذا اللقاءِ المبارك هو اسم {العليم} .

 

 

وقبلَ أن نُحرِّرَهُ نَزْدَلِفْ إليهِ بِخبرٍ يَسُوقُنا إليه.

ذلك أنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- بعثَ نبيهُ وصَفيَّهُ وكليمهُ موسى ابن عمران إلى فرعون.

بين يدي فرعون: عندما أرادَ موسى أنْ يُبلِّغَ رسالةَ ربه تَمَّت محاورة، هذه المحاورة ساقها اللهُ -جل وعلا- في كتابه العظيم.

 

نقف عند جزئيةٍ مِن هذه المحاورة، تَسُوقُنا إلى اسم اللهِ الكريم، ألا وهو اسم الله (العليم) .

 

بين يدي فرعون، أرادَ فرعون أنْ يُشتِّتَ الخِطاب، وأنْ يَذهب بموسى مذاهبَ شتَّى، فقال مُستفهمًا مُستنكرًا: { فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى } [طه:51] .

ماذا أجابَ الكليمُ موسى؟ قال: { عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى } [طه:52] .

 

عند هَذيْنِ القَيْدَيْنِ اللَّذيْنِ ذكرهما كليمُ اللهِ موسى سَنَقِفْ.

 

تحدَّثَ موسى عن علمِ ربه فقال: { لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى } .

ما معنى لا يضل؟ معنى لا يضل لا يجهل. ومعنى لا ينسى ظاهر؛ فالنسيانُ معروف.

 

 

أيُّ علمٍ لأيِّ أحدٍ مِن المخلوقين سبقه ماذا أيها المبارك؟ سبقه جهل.

وهذا العلمُ بعد حصولِهِ بعد جهلٍ قابلٌ لأن يُنسى.

{ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } [الأعلى:6-7] .

 

أما علمُ ربِّنا -جل وعلا- فإنه لم يَسبِقْهُ جهلٌ، ولا يَلحقُهُ نسيان، كما قال الله جل وعلا حكايةً عن كليمه موسى: { قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى } [طه:52] .

 

 

 

نَزْدَلِفْ إلى اسمِ اللهِ العليم مِن هذا الخبر.

 

في موسى نفسِهِ -عليه السلام- تَوَجَّهَ بعد أن وقفَ خطيبًا في بني إسرائيل فأبكى الناس.

وبَدَهِيٌّ أنَّ أنبياءَ الله يُبكون الناسَ إذا تحدثوا.

فسألَهُ رجلٌ بعد أنْ فَرَغَ: يا نبيَّ الله، هل في الأرضِ أحدٌ أعلمَ منك؟.

بِقَدَرِ اللهِ نَسِيَ موسى أنْ يَنسِبَ العلمَ إلى الله، قال: لا.

فعاتبه ربه، وأوحى إليه أنَّ لي عبدًا هو أعلمُ منك.

فقال: يا رب، أنَّى لي به؟ ، فَنَعَتَ اللهُ -جل وعلا- لموسى كيف يَصِلُ إلى الخَضِر.

وَصَلَ موسى إلى الخَضِر، والخبرُ طويلٌ مَمتدّ -ليس هذا مقامه- ، لكن مقامهُ أنَّ موسى والخَضِر رَكِبَا في السفينة مِن غير نَوْلٍ، أي: مِن غير أُجرة، مِن غير عطاء؛ لأن أصحابَ السفينةِ عرفوا الخَضِر.

في هذه الأثناء أرادَ اللهُ أنْ يُعَلِّمَ موسى.

فجاء عصفور، وقف على حَافَّةِ السفينة، نَقَرَ في البحرِ نقرتينِ، فَعَقَّبَ الخَضِرُ مُعلِّقًا على هذا الحدث الذي يراهُ بين عينيه، قال: يا موسى، ما بلغ علمي وعلمُكَ مِن علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور أو نقر في البحر.

 

 

هنا نزدلف أيها المبارك إلى اسم الله (العليم) الذي تَمَدَّحَ اللهُ به، فَعِلْمُ اللهِ -جل وعلا- وَسِعَ كل شيء، { إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا } [طه:98] ، { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ } [الحجر:86] ، قال الله قبلها: { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } [الحجر:87] .

 

 

المقصود، أنَّ الرب -تبارك وتعالى- عليمٌ بكل شيء، فرحمةُ الله وسعت كل شيء، وعلمُ الله وسع كل شيء.

قال الله تبارك وتعالى: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [الأعراف:156] ، وقال: { إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا } [طه:98] .

 

 

 

 

هذا العليم -جل جلاله- يعلم ما كان، وما هو كائن، ويعلم ما سيكون، والرابعة أنه يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون.

 

- فأما علمه -جل وعلا- بما قد كان.

فمن صورِهِ أنه أخبر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأخبار القرون الأولى: { تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } [هود:49] .

 

- كذلك أخبر الله -جل وعلا- نبيه بما هو كائن.

فَصَرْعَى بَدْر مثلًا، أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهم مِن طريقِ وحيِ الله -جل وعلا- إليه.

 

- وأخبر -تبارك وتعالى- بما سيكون.

فالله -جل وعلا- أخبرنا في كتابه الكريم أنَّ الجبال سَتُنْسَف، وأنَّ الناس سيُحشرون، وهذا كله لم يقع، لكن الله -جل وعلا- أراده، وقدَّره، وشاءه، وكتبه، وعلمه، وأخبرنا عن بعضه قطعًا.

 

- بقيت الرابعة، ما الرابعة؟ أن الله يعلمُ ما لم يكن لو كان كيف يكون.

ومن صوره أن الله قال عن المنافقين: { لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا } [التوبة:47] ، مع أن المنافقين أيها المبارك تعلم أنهم لم يخرجوا.

والله جل وعلا يقول عن أهل النار: { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ } [الأنعام:28] ، وأنتَ تعلم قطعًا أن أهل النار لن يعودوا كَرَّةً أخرى إلى الدنيا، ولكن الله يُخبر في حال كونهم لو عادوا، ماذا سيكون منهم.

وهذا معنى قولنا: إن الله -تبارك وتعالى- يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون.

 

 

 

أمورٌ أُخَر أيها المبارك: أن الله أخبر أن هناك خمس مفاتح، تُعرف بمفاتح الغيب، لا يعلمهن إلا الله.

 

قال الله جل وعلا إجمالًا: { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [الأنعام:59] ، هذا إجمال.

فَصَّله في آخر لقمان: { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } [لقمان:34] .

 

هذه مفاتحُ الغيبِ الخمس التي لا يعلمهن إلا الرَّب -تبارك وتعالى- .

 

 

 

كيف نعرفُ عظمةَ ربِّنا العلمية؟ كيف نعرفُ عظمةَ هذه الصفة؟

مِن طرائق تعليمِ الله -جل وعلا- لعباده:

أنْ يُظهر الله لهم النقص، إما في أنفسهم، أو في مَن حولهم.

وإذا ظهرَ لك النقص في المخلوق جِبِلَّةً بَدِيهِيًا تصل إلى معرفة الكامل في الخالق.

 

 

وسأذكر لك أيها المبارك نماذجٌ على ذلك:

- خليل الله إبراهيم:

كان بمنزلةٍ عاليةٍ لا تخفى، ومع ذلك جاءتهُ الملائكةُ الكِرام في هيئة ضيوف على صور رجال، ولم يعرف وهو نبيُّ الله، وخليلُ الله، ونَسَبَ الله الملةَ إليه، لم يعرف أنهم ملائكة، فَبَادَرَ إلى خِيَارِ بَقَرِهِ، وذبح عِجْلًا، وقدَّمه إليهم، فلما رأى أيديهم لا تَصِلُ إليه نَكِرَهُمْ وأَوْجَسَ منهم خِيفَة.

فتأمل، هذا خليل الله، ومع ذلك عَجِز أنْ يعرف أنَّ هؤلاء ملائكة، وإلا لو عَلِمَ أنهم ملائكة لما ذبح لهم -صلوات الله وسلامه عليه- .

 

 

جاء بعده

- نبيُّ الله سليمان:

أعطاه الله -جل وعلا- الريح، قال الله تعالى: { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } [سبأ:12] ، وقال: { رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ } [ص:36] .

ومع ذلك على عُلُوِّ كعبه، ورفيع منزلته، ويُوحَى إليه -صلوات الله وسلامه عليه- ، مَلِكٌ ابنُ مَلِك، ونبيٌّ ابنُ نبي، خَفِيَت عليه مملكةٌ بأكملها، حتى وقف هُدْهُدٌ بين يديه ليقول: { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } [النمل:22] .

فلما رأينا النقص في عِلم سليمان فقهنا مِن ذلك الكمال في عِلم ربنا -تبارك وتعالى- .

 

 

وثالث النماذج والصور

- هذا سيد الخلق وأشرفهم نبينا -صلى الله عليه وسلم- :

يسكن المدينة، وبها جَمٌّ مِن المنافقين، ومع ذلك يأكلون مِن طعامه، ويأتون مسجده، ويُصلون معه، ويحضر بعضهم المشاهد معه، أي: الجُمَع والجماعات، على كسلٍ منهم، لكن مع ذلك خَفِيَ عليه -صلى الله عليه وسلم- مَن هُمْ؟، قال الله جل وعلا: { وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } [التوبة:101] .

 

فإذا جَازَ على نبيِّ الحق، وسيد الخلق، وصفوتهم -صلى الله عليه وسلم- أنْ يجهل أقوامًا كانوا يسكنون معه أنهم منافقون، فجهل غيره مِن بابِ أولى.

 

 

 

وكلُّ هذه السِّيَاقَات تَدُلُّكَ على أنَّ الله -جل وعلا- عليم، لا يبلغ أحدٌ علمه -تبارك وتعالى- .

والله يقول: { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا } [النحل:78] .

 

 

 

 

بعد ذلك نزدلف أيها المبارك، كيف نتعامل مع هذا الاسم العظيم المبارك، وهذه الصفة الجليلة لربنا -تبارك وتعالى- ؟.

إنَّ إدراكنا أنَّ الله -جل وعلا- لا تخفى عليه مِن عباده خافية، يَسُوقُنا للأدب مع ربنا -تبارك وتعالى- .

والإنسان إذا استحيا مِن الله، وعَلِمَ أنَّ الله -جل وعلا- يَعلم كل شيءٍ استحيا مِن ربه، وأَوْرَثَهُ ذلك حياءً مِن خالقه.

 

وقد ذكر أهل السِّيَر: أنَّ أَبَا موسى الأشعري -رضي الله عنه وأرضاه- كان إذا اسْتَحَمَّ (أراد أنْ يغتسل) لا يتناول ثيابه وهو مُنْتَصِبُ الجِذْع، أي: وهو قائم، وإنما يُبقي على نفسه مُنْثَنِيًا؛ حتى لا تنكشفَ عورته، ويتناول ثيابه، ثم بعد أنْ يلبسها، ويستر عورته، يَنْتَصِبُ واقفًا ويقوم.

كل ذلك حياءً مِن ربه؛ لعلمه -رضي الله عنه وأرضاه- أنَّ اللهَ -جل وعلا- مُطَّلِعٌ عليه.

 

 

ولِصفاتِ اللهِ الكاملة، ترى أنَّ هذا الحَدَثَ مِن أبي موسى الأشعري يَتَّفِقُ مع إدراكه بعلم الله، ويَتَّفِقُ مع إدراكه بأنَّ الله يراه، ويَتَّفِقُ مع إدراكه بأنَّ الله -تبارك وتعالى- لا تخفى عليه مِن عباده خافية.

 

 

 

وصِفَةُ العلم يجب تربيتُها للناشئة؛ ولهذا ذكر الله جل وعلا في وصايا لقمان: { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } [لقمان:16] .

 

فتأمَّل كيف أنَّ هذا الأَبَ الصالحَ لَمَّا أراد أن يُنشيءَ ابنه تنشئةً صالحةً بَيَّنَ له سِعَة عِلم ربه -تبارك وتعالى- .

لأن هذا الفتى إذا تَيَقَّن وعَلِمَ أنَّ الله -جل وعلا- يعلم كل شيء كما بَيَّنَّا آنفًا ازْدادَ أدبًا مع ربه.

 

وما الدينُ إلا الأدبُ مع الله.

 

فإنَّ عبادتنا لربنا -تبارك وتعالى- وحده دون سواه، هو تحقيقُ الأدب مع الله -جل وعلا- ، هو الدين كله، فالأدب مع الله بِمُجْمَلِهِ هو الدينُ كله.

 

ومَنْ وَرِثَ في قلبه، وتَيَقَّن أنَّ الله -جل وعلا- يعلم، تَأَدَّبَ مع الخلَّاق العليمِ -تبارك وتعالى- .

 

 

 

 

رزقني الله وإياكم الأدب معه ظاهرًا وباطنًا.

 

هذا ما تَيَسَّرَ إِيرادُه، وأَعانَ اللهُ على قولِه.

والحمدُ للهِ رَبِّ العالمين.

 

 

***

تم تعديل بواسطة أَمَةُ الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×