اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

في رحاب التفسير..(متجددة)

المشاركات التي تم ترشيحها

فلسفة المصائب :

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾
مطلق الألم، أيُّ شيءٍ يؤلمك ؛ نقصٌ في المال، نقصٌ في الصحة، ذريةٌ ليست كما ترضى، زوجةٌ ليست كما ترضى، دخلٌ قليل، وضعٌ مهين، أي شيءٍ يؤلمك، أي شيءٍ يتعبك، أي شيءٍ تتحسَّر من أجله ؟ لمَ هذه الآلام ؟ لمَ لا تكون الحياة كلها أموالاً، وكلها جمالاً، وكلها راحة، وكلها أمناً ؟ لمَ الخوف ؟ لمَ الفقر ؟ لمَ المرض ؟ لمَ الموت ؟ لمَ الهم ؟ لمَ الحزن ؟

سؤال كبير في العقيدة :
السيارة لمَ صُنِعَتْ ؟ من أجل أن تسير، أليس فيها مكابح ؟ مكابحها تتناقض مع سبب صنعها ، صُنعت لتسير وفيها مكابح تمنع سيرها، هل المكابح شرٌ أم خير ؟ هي خير، المكابح من أجل سلامتها، وسلامة أصحابها، واستمرار عملها .
فإذا فهمنا أنّ الألم، مطلق الألم، أي شيءٍ يؤلمك، أية مصيبةٍ تزعجك، أي همٍ يسيطر على قلبك، أي خوفٍ، أي فقرٍ، أي فقد حريةٍ، أي بيتٍ مُتْعِب، أية زوجةٍ متعبة، أي ولدٍ متعب، أي خوفٍ ممن هو أعلى منك، مُجمل الآلام التي يعاني منها الإنسان هي بمثابة مكابح في مركبة، لولا هذه المكابح ما سَلمت لا هي ولا صاحبها، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾[ سورة لقمان الآية: 20 ]مكابح السيارة من أجل سلامتها .

مثل آخر، طفلٌ صغير، كل سعادته مع أمه، كل شبعه مع أمه، كل ريِّه مع أمه، كل أمنه مع أمه، كل نظافته مع أمه، كل ثيابه النظيفة مع أمه، كل شعوره بالسعادة إذا كان مع أمه، فإذا ترك يد أمه وشرد عنها، لا بد من كلبٍ ينبح عليه حتى يعيده إلى أمه، هذه حالة ثانية، هذه فلسفة المصائب .

 
المصيبة جزء أساسي من العقيدة :
قضية المصيبة جزء أساسي من العقيدة، إن لم تفهمها كما أرادها الله، أسأت الظن بالله عزَّ وجل، وسوء الظن بالله من الكبائر، فالكبائر نوعان ؛ كبائر ظاهرة، وكبائر باطنة، الكبائر الظاهرة مثلاً كشرب الخمر، السرقة، التولي من الزحف، الغيبة، النميمة، هذه كبائر ظاهرة، لكن كونها ظاهرة يمكن أن تتخلَّص منها، فهي واضحة . أما الكبائر الباطنة كسوء الظن بالله، الأمن من مكر الله، اليأس من روح الله، هذه كبائر باطنة، خطيرة جداً، فسوء الظن بالله سببه أن لا تفهم المصيبة على ما أرادها الله..

المصائب تهدي الناس إلى طريق الصواب :
لو ترك الله عزَّ وجل الناس على هواهم بلا مصائب !! يقول لك: لا توجد مياه، صحيح، المكاسب قليلة والمطالب كثيرة، صحيح، هناك في حياة المؤمن أحياناً مليون مشكلة، لو لم تحدث ولا مشكلة، واسترسل في الدنيا، ونسي الله، وغفل عنه، إلى أن قادته غفلته إلى جهنم، هذا أفضل أم أن يسوق الله للإنسان بعض المصائب ؟
المصائب رحمة مبطنة من الله :
المصيبة رحمةٌ من الله، لكنها رحمةٌ مبطَّنة، أما النعم الظاهرة فهي الصحة، والمال، والجمال، والزوجة، والأولاد، والمسكن الواسع، والمركب الوطيء، والرزق في بلدك، هكذا
الله عزَّ وجل نصب الكون ليدل عليه، وأرسل النبي ليبلغنا الرسالة، وأنزل كتاباً منهجاً لنا، وانتهى الأمر، فافعل ما تشاء، لو أن الناس شردوا عن الله واستحقوا النار، أهذا أفضل، أم أن يعاقبهم الله عزَّ وجل كلَّما أخطؤوا ؟ كلَّما أخطؤوا ساق لهم بعض المصائب كي يتوبوا، أيهما أفضل ؟!
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)
image.png.e49382bfe5532ef434298db2360c8063.png
 
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾

أنواع المصائب :
شيء آخر عن المصيبة والله أعلم، هناك مصائب الكفار، ومصائب المؤمنين، ومصائب الأنبياء.

1 ـ مصائب الأنبياء مصائب كشف :
مصائب المعصومين كشف، يوجد من نفسه كمال لا يبدو إلا بحالات نادرة جداً، إذا شخص مثلاً ـ لا سمح الله ولا قدَّر ـ قال لزوجته: أحبك حباً لا حدود له، فمرضت، ثم تغيرت أخلاقه، تبرَّم، تكلَّم كلاماً قاسٍ، غاب عن البيت، معنى هذا أنه لا يحبها، هو كان يحب نفسه، فلما كانت في خدمته عبَّر لها عن محبته، فلما أصبحت عبئاً عليه تبرَّم منها . لو أنها مرضت مرضاً شديداً، وقام بخدمتها أياماً طويلة دون أن يتكلَّم كلمةً قاسية، هذا المرض الذي أصاب زوجته كشف عن كماله، معنى هذا أنه كان صادقاً في كلامه .
سيارة قوة محركها سبعون حصاناً، لا تظهر لك حقيقتها في طريق سوي، لا بد من طريق صاعد وهي محمَّلة بالركاب والمتاع، وتنطلق بسرعة مئة وثمانين ـ لأن قوة محركها سبعون حصاناً ـ فالأنبياء مصائبهم مصائب كشف، هذا سيد الخلق وحبيب الحق يذهب إلى الطائف مشياً على قدميه ـ ثمانين كيلو متراً ـ إلى أن وصل إليهم، دعاهم إلى الله بالحسنى فكذَّبوه، وسخروا منه، وأغروا صبيانهم أن يؤذوه، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إلا أن قال:(( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الكريم، الذي أضاءت له السماوات، وأشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تحل علي غضبك أو تنزل علي سخطك، ولك العتبى حتى ترضى ))
[ من كنز العمال: عن عبد الله بن جعفر ]
مصائب كشف، عندك إمكانيات عالية جداً لا تظهر إلا بظرف استثنائي، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)[الجامع الصغير عن سعد ]

2 ـ مصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع :
أما مصائب المؤمنين، هي مصائب دفع، كانت سرعته بطيئة، لاح له شبح مصيبة فركض، فهي تسريع، ودفع له، وإذا كان مسرعاً رفعته، فمثلاً: سيارة تسير على الخمسين، وبإمكانها أن تسير على المئة، وبذلك توفر الوقت، ويمكن استثمارها لطلب ثان، فأول نوع من المصائب رفع سرعة، هي الآن تحمل طناً واحداً، وبإمكانها حمل خمسة أطنان، وأجرة حمل كل طن أجرة كبيرة جداً، فحملناها بدلاً من الطن خمسة أطنان، هذه مصائب رفع، دفع ورفع، تسريع ورفع الأجرة، وصلت بوقت مبكر وكسبت أجر أكبر، مصائب دفعٍ ورفعٍ .

3 ـ مصائب العصاة والمذنبين مصائب قصم وردع :
مصائب الأنبياء مصائب كشفٍ، مصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع، ومصائب العصاة والمذنبين قصم وردع، إذا كان فيه بقية خير يردع بها، إذا لم يكن فيه خير يقصم:
﴿ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَْ﴾[ سورة هود الآية: 36]

أرجو أن يكون واضحاً لديكم أن حياة المؤمن لا تخلو من تأديبٍ وابتلاءٍ وتكريم، هناك مرحلة تؤدَّب فيها إذا حدث تقصير، وفي مرحلة تمتحن الاستقامة التامة، وفي مرحلة تكرَّم، ويغلب على الظن أن حياة المؤمن تستقر على التكريم، يعتورها تأديب، ويعتورها ابتلاء، ولكنها تستقر على التكريم .
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) سورة البقرة
من لم تُحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر :
قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ﴾

المصيبة بمكانها الصحيح، بحجمها المُناسب، بالوقت المناسب، بالقدر المناسب، بالعيار المناسب، عيارات دقيقة جداً عند الله عزَّ وجل..
نحن لله، ما دمتَ بعت وفوَّضت، فلك الجنة، دعني أفعل بنفسك ما أشاء، فأنت عليك أن تستسلم لله عزَّ وجلّ، قالوا:
﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾
راجعون إلى الله بهذه المصيبة،
لذلك قالوا: " من لم ُتحدث المصيبة في نفسه موعظةً فمصيبته في نفسه أكبر " .
الإنسان حينما لا يتَّعظ بالمصيبة صار هو المصيبة، هو نفسه مصيبة، المصيبة من أجل أن يرتدع، وأن يتَّعظ، فإن لم يتعظ، ولم يرتدع فقد صار هو مصيبة ..

الرضا بالمصيبة والصبر عليها:
نحن مِلْكٌ لله، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام سنَّ لنا في التعزية أن نقول: "  ((إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب)). متفق عليه"
، أنت ليس لك شيء،
مرَّة سألوا أعرابياً معه قطيع إبل: لمن هذه الإبل ؟
قال: " لله في يدي " هي لله بيدي، الله وكلني بها أما هي لله .
الله عزَّ وجل رزقه قبل، مرض فَقَبِل صابراً، هذا فعل الله عزَّ وجل، هو الحكيم، هو الخبير، أنا ليس لي شيء ..

﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾
بهذه المصيبة ..
هؤلاء الذين يصابون بمصيبةٍ ويرونها من الله عزَّ وجل، ويرضون عن الله بها، هؤلاء:
﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾

من كان سروره بالنقمة كسروره بالنعمة فقد رضي عن الله :
كان أحدهم يطوف حول الكعبة ويقول: " يا رب هل أنت راضٍ عني؟ "
وكان وراءه الإمام الشافعي فقال: " يا هذا هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟
" قال: " يا سبحان الله! من أنت يرحمك الله ؟ "
قال له: " أنا محمد بن إدريس "، قال له: " كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟ "
قال: " إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله " . 

البطولة بالصعود وليست بالنزول، كل إنسان على الرخاء يقول لك: الله مفوضها، نحن شاكرون لله . لكن إذا ضيّق الله عليك فماذا ستفعل ؟

يا رب لك الحمد، لذلك آية قرآنية إذا قرأتها يقشعر جلدك:
﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً ﴾[ سورة ص الآية: 44]

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾البقرة 158

قدسية الصفا والمروة :
أيها الأخوة... فهذه المرأة الكريمة ـ زوجة سيدنا إبراهيم ـ التي سعت بين الصفا والمروة، وكان من سعيها أن تفجَّر نبع زمزم، هذا درس علَّمنا ربنا إياه من خلال هذه القصة، وعلَّمنا أيضاً كيف أن الله سبحانه وتعالى حينما امتحن إبراهيم عليه السلام بأن أمره بذبح ابنه، كيف أن هذا النبي العظيم بادر إلى هذا الأمر دون تردُّد:
﴿ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ﴾[ سورة الصافات الآية: 102]
ثم ماذا حدث بعد ذلك؟
الذي حدث أن العرب في الجاهليَّة جعلوا على الصفا صنماً، وعلى المروة صنماً، وصاروا يسعون بين الصفا والمروة تعظيماً لهذين الصنمين، فحينما جاء الإسلام عزف المسلمون عن السعي بين الصفا والمروة لأنه سعيٌ بين وثنين، لكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يعيد لهذا المكان قدسيَّته فقال:
﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾

ما معنى( مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ
الشعائر جمع، مفرد شعيرة، هي مكان ولكن هذا المكان له خصوصية، في هذا المكان ينبغي أن تنتابك مشاعر خاصَّة، فإن أتيت بيت الله الحرام صادقاً، منيباً، مخلصاً، أنت في هذا المكان بين الصفا والمروة لا بد من أن تشعر بشيء، بحالٍ من القرب، بل إن الإنسان حينما يحج بيت الله الحرام يبدأ بالطواف، كطواف المُحب حول محبوبه، ويسعى بين الصفا والمروة كسعي المُشتاق إلى حبيبه، حالات نفسيَّة، هذا معنى الشعائر، أي أنت يجب أن تشعر بشعورٍ مقدسٍ وأنت فيها، وكل إنسان حجَّ بيت الله الحرام وما شعر بشيء ؛ بل إن النبي عليه الصلاة والسلام في بعض ما روي عنه أنه من وقف في عرفات ولم يغلب على ظنه أن الله غفر له فلا حجَّ له.

أراد الله أن يجعل الصفا والمروة مكانين لعبادته وطاعته وشعيرتين من شعائر المسلمين:
قال تعالى :
﴿ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾
لأن المسلمين في أول عهدهم كانوا يتحرَّجون أن يطَّوفوا بين الصفا والمروة، لأنه كان على الصفا صنم، وعلى المروة صنم، فربنا عزَّ وجل أراد أن يجعل من هذين المكانين اللذين دُنِّسا بالصنمين، أن يجعلهما مكانين لعبادته وطاعته، وشعيرتين من شعائر المسلمين..

﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ﴾
يطَّوَّف: أي سبعة أشواط، لأن هناك فرق بين كَسَرَ وكسَّر، كسر القطعة إلى قطعتين، أما كسَّرها أي إلى قطع كثيرة، فأن يطوَّف أي أن يكون طوافه كثيراً، والنبي اختار سبعة أشواط تجسيداً لكلمة يطوَّف بهما..
﴿ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾

طاعة الله في الأمر والنهي من تمام العبودية :

       بشكل مقرَّب : مناسك الحج
الإنسان أحياناً يقول : لِمَ أنا أطوف حول البيت ؟ ولمَ أرشق إبليس بالحجارة ؟ ولمَ أسعى بين الصفا والمروة ؟ ولمَ أهرول ؟
فهذا الإنسان الذي لا يحتمل أمراً لا يرى تعليله ، ولا منطقيَّته ، ولا تفسيره ، هذا الإنسان بعيدٌ عن مقام العبوديَّة لله عزَّ وجل ، أليس أي أمرٍ لله عزَّ وجل علَّته الكبرى أنه أمر الله عزَّ وجل ؟

هذا الذي لا يطبِّق أمر الله إلا إذا رآه منطقياً ، لا يطبِّق أمر الله إلا إذا رأى نفعه ملموساً بيده ، لا يطبق أمر الله إلا إذا راق له ، هذا ليس عبداً لله ، هذا عبدٌ لنفسه ، لمصلحته ، فقد تجد في أوامر الدين أمراً لا تراه بعقلك القاصر معلَّلاً ، هذا امتحان ، مثل هذا الأمر يمتحن عبوديَّتك لله عزَّ وجل ، فمثلاً :
لو أمر الأب ابنه أن ينظِّف أسنانه قبل أن ينام ، طبعاً الأب يقول له : يا بني ، إن أسنانك ثروةٌ ثمينة ، فإن اعتنيت بنظافتها تمتَّعت بها طوال حياتك وإلا ؟ لا تكن مثلي ـ وضعت بدلة مثلاً ـ فكلَّما أهملتَ تنظيف أسنانك خلعتَ أسنانك واحدة واحدة ، فحينما يأمر الأب ابنه بتنظيف أسنانه يعطيه التعليل ، يعطيه التفسير ، يبيِّن ، يا بُنَي كن صادقاً حتى تنتزع إعجاب الناس واحترامهم ، يا بني اجتهد لأن رتبة العلم أعلى الرُتَب ، كل هذه الأوامر يُلقيها الأب على ابنه معلَّلةً .
      لو أن هذا الابن جاء ليأكل مع والديه فقال له : يا بني لا تأكل معنا اجلس هناك ، هذا أمر غير منطقي ، فما السبب ؟
أنا جائع ، والطعام موجود ، وليس معكما أحد ، لماذا لا آكل ؟ هذا الأمر غير المنطقي ، وغير الواقعي ، غير المعلَّل هذا الأمر يمتحن طواعية الابن لأبيه ، هناك ابن يقول : لماذا لا آكل معكم ؟ فأنا لا أجد مانعاً ، أقنعني ، هناك ابن مستواه أرقى بكثير يقول له : سمعاً وطاعةً يا والدي ، ولو لم يفهم ، أيهما أرقى في الطاعة ؟ الذي امتثل أمر والديه دون أن يفهم حكمتهما .

      فالله عزَّ وجل أمرنا بأوامر منطقيَّة ، ومعقولة ، وواضحة ، وبيِّنة ، نتائجها ملموسة ، معلَّلة في القرآن ، ومعظم الناس يتوانون عن الأخذ بها ، لكن أحبابه الذين ذابوا في حبِّه ، وأقبلوا عليه ، واستسلموا لمشيئته ، وسبحوا في أسمائه الحُسنى ، وفنيت ذواتهم في القرب منه ، هؤلاء مستعدون أن يضحوا بالغالي والرخيص ، والنفس والنفيس ، امتثالاً لأمر الله عزَّ وجل ، لذلك هذا نموذج من الحب ، نموذج من القرب

نموذج من العبوديَّة لله عزَّ وجل .
(قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)
       فعلى أي مقياس لا يُقْبَل هذا الأمر ، ابنه ، فلذة كبده ، ابنه الوحيد الذي بشَّره الله به ، ابنٌ كامل ، نبيٌّ كريم ، لماذا أذبحه ؟
الآن إذا أحد الآباء قال لابنه : والله أنا سأذبحك يا ابني ، يقول لك : أبي جُنَّ ، فبأيّ مستوى إذا كان إبراهيم وابنه ؟
       رؤيا الأنبياء أمر ، وبعض العلماء قال : إنه لم يقل : إني رأيت في المنام أني أذبحك ، بل قال :﴿ إِنِّي أَرَى ﴾
أني رأيت الرؤيا مرَّةً ومرَّتين وثلاث مرَّات  ..
استمعوا إلى كلام الابن .
﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ ﴾
الطاعة المطلقة من إسماعيل لأبيه عليهما السلام
المؤمن الصادق عنده شيءٌ واحد ، هو التحقُّق من أن هذا أمر الله ، وهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام ، وهذا حكم الله ، وهذا يرضي الله ، وانتهى الأمر ، فإذا تحقَّقَ أن هذا أمر الله بادرَ إلى تطبيقه .
لكن بعض العلماء قالوا : أنت أيها المؤمن ، إذا بادرت إلى تطبيق أمر الله عزَّ وجل عبوديَّةً له ، وانصياعاً له ، ولو لم تقف على حكمته ، لو لم تقف على عِلَّته ، لو لم يتبيَّن لك وجه منطقيَّته ، إذا بادرت إلى تطبيق أمر الله عزَّ وجل الله جلَّ جلاله يتكرَّم عليك بكشف حكمته جزاء عبوديَّتك له ، أي نفِّذ ثمَّ انتظر أن يكشف الله لك الحكمة ، نفِّذ ثم انتظر ظهور الحكمة وجلاءَها

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
 
37062160_635575696795720_811502346662261
 

لا تُعَمِّم
 
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾البقرة 165

كلمة: (ومن الناس) هذه (مِن) للتبعيض، عوِّد نفسك أن تتخلَّق بآداب القرآن؛ لا تُعَمِّم، لا تُطْلِق، لا تقل: كل أهل هذه البلدة شاردون، قل: بعضهم، بعضٌ منهم، كن موضوعياً في أي حكم تدلي به، النقطة التي يلتقي بها العلم بالأخلاق هي الموضوعيَّة، الموضوعية قيمةٌ علمية، وهي في الوقت نفسه قيمةٌ أخلاقيَّة، العلم يلتقي مع الأخلاق بهذه القيمة، إن سُئلت عن إنسان اذكر ما له وما عليه، لا تذكر ما عليه فقط إن كنت خصماً له، ولا تذكر ما له إن كنت محباً له، اذكر ما له وما عليه.
رأى النبي عليه الصلاة والسلام صهره مع الأسرى، حين أُسِرَ يوم بدر، لماذا جاء؟
جاء ليحارب النبي، ولو تمكَّن لقتل النبي، قُبض عليه أسيراً، فلما نظر النبي عليه الصلاة والسلام إليه قال كلمةً منصفةً،
قال: " واللهِ ما ذممناه صهراً ". هو صهر ممتاز.
أرأيت إلى هذه الموضوعية.


التعميم من العمى :
تعلَّم من القرآن الكريم كيف تكون أحكامك دقيقة، لا تنظر بمنظارٍ واحد، لا تنظر من زاويةٍ واحدة،
ورد في الأثر: أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما.

، عود نفسك ألا تطلق أحكاماً عامة، لا تقل كل أصحاب هذه الحرفة غشاشون، إياك أن تقول هذا،
لأن التعميم من العمى، والتعميم من خصائص الجهلاء، والتعميم فيه فجاجة وعدم نضج، والتعميم يبعدك عن الموضوعية.

دائماً لا تعمم؛ التعميم من العمى، والفرق بين المثقف وغير المثقف هذه الناحية، أحكامه دقيقة، موضوعية، ليس فيها مبالغات، كل إنسان يبالغ بعيد عن الإنصاف،
أمرت أن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرةً، أمرت أن أصل من قطعني، وأعفو عمن ظلمني، وأعطي من حرمني.

قال تعالى:

﴿وَمِنَ النَّاسِ ﴾
من الذين هادوا يفعلون كذا وكذا، من للتبعيض، لو اهتدى واحد منهم إلى الإسلام، ورأى هذه الدقة في القرآن، ترتاح نفسه، تأدَّب بآداب القرآن، لا تعمم ولا تطلق، ولا تبالغ ولا تقلل؛ بل إن الحق أكبر من أن يحتاج إلى مبالغة، هو أكبر من ذلك، الحق أكبر من أن تكذب له، الحق أكبر من أن تستحي به، الحق أكبر من أن يخشى البحث، الحق لا يخشى البحث، ولا يُستحيا به، والحق لا يحتاج إلى أن تكذب له، ولا أن تصغِّر من خصومه، ولا أن تُبالغ، الحق هو الله، وهو قويٌ بذاته. لذلك أنت كمسلم ادعُ إلى الله فقط، الحق قوة من دون أي شيء آخر، كن منضبطاً بكل القوانين والأنظمة تكن كلمتك هي القوية، الحق غذاء للنفوس.

راتب النابلسى
موسوعة العلوم الاسلامية

38614985_660909024262387_532216074977725

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً ﴾

أحياناً يعمل زوجته نداً، تحمله على معصية يرضخ، يرى سلامتها أغلى عنده من علاقته بالله، أحياناً يدفعه لمعصية، أحياناً يأكل المال الحرام ليرضي أسرته من شدة الطلب والإلحاح، ماذا رأى هذا؟ هذا رأى أن سلامته في بيته مع زوجته، وأولاده أغلى عنده من طاعة الله عزَّ وجل، صحابي جليل طلبت منه زوجته طلباً. فقال: اعلمي أيتها المرأة أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلَّت إحداهنَّ على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أضحي بكِ من أجلهن، أهون من أن أضحي بهن من أجلك "، هذا مقياس.
قالت له أمه: " يا سعد إما أن تكفر بمحمد، وإما أن أدع الطعام حتى أموت "، فقال: " يا أمي لو أن لكِ مئة نفسٍ فخرجت واحدةً وَاحدةً ما كفرت بمحمد، فكلي إن شئتِ أو لا تأكلي ". فأكلت بعد ذلك.
هذا هو المؤمن، المؤمن مواقف، مبادئ، يقول: لا بملء فمه، ولا يخشى في الله لومة لائم، يقول: لا، وألف لا. إذا شيء مخالف للشرع، وكان فيه معصية، أو فيه أكل مال حرام، أو فيه شهادة زور، لا، هذا المؤمن، فلو قطعته إرباً إِرباً لا يعصي الله، هنا قوة المؤمن، أما..﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾من دونه، لا يوجد بينهما نسبة، الله كل شيء، وهذا لا شيء، (أنداداً)، يتوهمه قوياً، يتوهم سعادته بإرضائه، سبحان الله! الإنسان يرتكب أحياناً حماقة كبيرة، ويخسر الدنيا والآخرة معاً، هذا الذي آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً، وهذا الذي آثر رضا الله على دنياه ربحهما معاً.

حال كثير من المسلمين الآن :

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ ﴾هؤلاء يحبون الأنداد حباً يشبه حب المؤمنين لله؛ يعظِّمونهم، يخافونهم، يرجون ما عندهم، يعصون الله من أجلهم،
وهذه أكبر المصائب أن تكون خطأً لإنسان:﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾[ سورة الزخرف الآية: 54]


هان أمر الله عليهم فهانوا على الله، هذا ملخَّص الملخَّص، وهو حال المسلمين الآن؛ هان أمر الله عليهم فهانوا على الله، احتفالاتهم، أعراسهم، كسب مالهم، تجارتهم، بيوتهم، صرعات العصر كلها في بيوتهم، لا يوجد عندهم شيء حرام، ولكن لديهم صلاة وصوم وحج وزكاة، هذا الإسلام العظيم الذي هو خمسمئة ألف بند، والذي هو منهج تفصيلي بقي خمسة فقط.
تجد حياته في واد، والإسلام في واد؛ بيته، أولاده، بناته، زوجته، دخله، تجارته، ولا يشعر أن هناك مشكلة، دار نشر تروِّج كتاباً كله كفر، يقول لك: هذه مصلحتي، ماذا أفعل؟ مطعم يبيع خمر، يقول لك: لا يمكن ألاَّ يكون الخمر، لأنه مطعم خمسة نجوم، يقيم دعاية أحياناً كلها نساء كاسيات عاريات، وهو يصلي في أول صف، كيف يكون متوازناً؟ كيف جمعت بين النقيضين؟ قال لي شخص يصلي في الصف الأول: أنا عندي مطعم يباع فيه الخمر، ولكن هذا العمل في رقبة شريكي، فأنا ليس لي ذنب!! توازن فكره بهذه الطريقة أنه وضعها (في رقبة شريكه)، وانتهى الأمر.

عداوة الحال وعداوة المآل :

الإنسان الجاهل الغافل هو الذي يطيع مخلوقاً، ويعصي خالقاً، يطيع زوجته، ويعصي ربه، يطيع شريكه، ويعصي خالقه، يطيع أولاده، ويغضب ربه، يكسب المال الحرام ليرضي أسرته، وهذه لا تنفعه عند الله شيئاً، من هنا قال الله عزَّ وجل:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ (14) ﴾[ سورة التغابن الآية: 14]


عدواً لكم يوم القيامة قال العلماء: " هذه عداوة مآل وليست عداوة حال "، في الحال زوجته يحبها حباً جماً، وأولاده، أما يوم القيامة حينما يرى أنه استحق دخول النار بسببهم، عندئذٍ يعاديهم، حينما يوضع الرجل في النعش وتمشي الجنازة ـ هكذا ورد في الأثر ـ ترفرف روحه فوق النعش تقول: "يا أهلي يا ولدي جمعت المال مما حل وحرم، فأنفقته في حلِّه وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة علي ".
سئل أحدهم إلى أين أنت ذاهب؟ والله بالحرف الواحد وإن كانت كلمة قبيحة، فأجاب: أنا ذاهب لأسكر على روح أبي، ترك له أموالاً طائلة، ولم يعرفه بالله عزَّ وجل، فهذا المال الذي بين يديه حمله على المعاصي والآثام، لذلك:" أندم الناس رجلٌ دخل ورثته بماله الجنة ودخل هو بماله النار ".
قد يورث أحدهم أولاده مالاً وفيراً، وأولاده صالحون، فدخلوا بهذا المال الجنة، هو جمعه من حرام فدخل بهذا المال النار، وقد تقف فتاةٌ يوم القيامة تقول: يا رب لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي، لأنه ما عرَّفها بالله، ما حملها على طاعة الله، القضية خطيرة جداً.
أنا أعيد هذه الفكرة مرَّات عديدة، هناك كلام تستمع إليه فتتثاءب، وتنام بعده، لأنه كلام تافه، وهناك كلام تستمع إليه فلا تنام بعده الليل، لأن هذا الكلام يضعك أمام مسؤوليَّاتك..﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ *وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ *وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ﴾[ سورة النجم الآيات:59-61 ]

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
منزلة الشُكر

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)سورة البقرة

كلوا شيئاً تطيب به نفوسكم، تطيب به نفوسكم بمعنيين، الجسم يتقوَّى بهذا الطعام على طاعة الله، والنفس تطمئن إلى أنه طعامٌ حلال، حينما يفعل الإنسان الحلال يرتاح، لو تكلَّم الإنسان مع فتاةً في الطريق لا تحل له، يسقط من عين الله، أما لو تزوج فلا شيء عليه، شيء طبيعي، الزواج سنة وفق منهج الله، فلذلك:﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ ﴾

اشكروا الله: الكافر مع النعمة، والمؤمن مع المُنعم، الكافر مع النعمة يتفنن في التمتُّع بها، يستغلها أدق استغلال، ولكنه كافرٌ بالمُنعم، أما المؤمن مع المنعم. لو أجريت موازنة حادة: إنسان يتمتع بأعلى درجات الصحة، لكنه مقطوع عن الله، وإنسان يعاني من أشد الأمراض لكنه متصلٌ بالله، أيهما أسعد؟ هذا الذي يتمتع بالصحة مع النعمة، أما هذا الذي ابتلاه الله بهذا المرض فهو رقيق القلب متصلٌ بالله منيبٌ إليه، مع المنعم، وشتان بين أن تكون مع مخلوقٍ، وبين أن تكون مع خالق.
الذي يتمتَّع بأعلى درجة من الغنى وهو مقطوعٌ عن الله، هذا مع النعمة، مع المال، والذي يعاني مع ضيق ذات اليد ولكنه متصل بالله هذا مع المُنعم، وفرقٌ كبير بين أن تكون مع مخلوقٍ محدود، وبين أن تكون مع الخالق، فمثلاً: إنسان معه ألف ليرة، وطفل صغير ليس معه ولا درهم، لكنه ابن أكبر غني بالعالم، ولو طلب هذا الابن من أبيه ملايين مُملينة لأعطاه إيَّاها، ولكن بالمقياس المادي هذا في جيبه ألف ليرة، وهذا ليس في جيبه شيء، من هو الغني؟ الطفل هو الغني، غنيٌ بغنى أبيه. فالإنسان المؤمن قد لا يملك شيئاً يلفت النظر، ولكنه مع الله، هو مع الغني، هو مع القوي، هو مع المُهيمن، هو مع من إليه المصير، هو موعود بجنة، فبين أن تكون مع النعمة، وبين أن تكون مع المُنعم فرق كبير، ولا أقول مستحيل أن تجتمعا، لكن لحكمةٍ أرادها الله، المُترف دائماً بعيد عن الله. هناك ثماني آيات في كتاب الله تؤكِّد أن المترف كافر، المترف، ليس هو الذي يأخذ هذه النعمة، ويشكر الله عليها، ولكن هو الذي يأخذها ليعلو بها على الناس، ليتباهى بها، ليكسِر قلوب الآخرين، زهواً، وإعجاباً، وغطرسةً، نقول: هذا مع النعمة الفانية، وذاك مع المُنعم الباقي، فكن مع المنعم وإن كانت بين يديك نعمة فهذا خير، لكن الشيء الدقيق والثابت أن تكون مع المُنعم.

إن كنت تعبده فاشكره، فإن لم تشكره فكأنك لا تعبده، من لوازم العبادة الشكر، لذلك تعريف العبادة:
غاية الخضوع مع غاية الحب.

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً﴾[سورة النساء الآية: 147]
هذه الآية أصلٌ كبير من أُصول الدين , يعني إذا شكرتم وآمنتم , أو إذا شكرتم بعدَ أن آمنتم , أو إذا آمنتم وشكرتم , ما يفعل الله بعذابكم ؟
معنى ذلك : أنكم حققتم الهدفَ الكبير الذي من أجلهِ خُلقتُم .
يعني : يتوقف العذاب والمعالجة , وأنواع البأساءِ والضرّاء , وأنواع الهموم والأحزان , بمجرّدِ أن تشكروا بعدَ أن تؤمنوا .
لا نُبالغ إذا قُلنا : إنَّ عِلّةَ وجودكَ على الأرض أيها الإنسان , أن تتعرفَ إلى الله , وأن تشكرهُ .
قد يسأل سائل : لِمَ لا يكون الهدفُ أن تتعرفَ إلى الله وتصبِرَ على حُكمهِ ؟ لِمَ اختارَ الله الإيمان مع الشُكر ؟
إليكم التفسير ، لا بدَ من مثل :
إذا قُدّمت لكَ هديةٌ ثمينة , جهاز , أنتَ في أمسِّ الحاجةِ إليه , وهذا الجهاز يُقدّمُ لكَ خدمات كبيرة , قُدّمَ لكَ بلا ثمن , كهديةٍ خالصةٍ لك , ما ردُ الفِعل عِندك ؟ .
ردُ الفِعل أنكَ تتأملُ هذا الجهاز ، تتعرف إلى مُصممهِ ، إلى من اخترعهُ ، إلى دِقةِ أجزائه ، إلى أداءِ وظائفهِ ، إلى تعقيد تركيبهِ ، كُلما تأملّتَ في دقائق الجهاز , ازددتَ إعجاباً بصانعهِ ,
أو ازددتَ إيماناً بِعلمهِ الرفيع , وفضلاً عن ذلك , قُدِّمَ لكَ هديةً , تشعر أنكَ ممتن .
الآن :
أنتقل من هذا المثل إلى السموات والأرض , الله سبحانهُ وتعالى سخّرَ للإنسانِ ما في السموات وما في الأرض جميعاً , كلُّ هذا الكون مُسخّرٌ لهذا الإنسان تسخيرين :
تسخيرَ تعريف وتسخير تكريم .
أرادَ الله عزّ وجل من خِلالِ خلق السموات والأرض أن يُعرّفكَ بذاتك , وأرادَ من خِلالِ خلق السمواتِ والأرض أن يمتلئَ قلبُكَ امتناناً , أن تؤمن أن تشكر , فقد حققتَ الهدفَ الكبير من
وجودكَ على وجه الأرض ، لأنَّ الكون مُسخّر تسخيرَ تعريف , والتعريف يقتضي الإيمان ، وتسخيرَ تكريم , والتكريم يقتضي الشُكر .
إذا عرفتهُ وهو المُنعم , وشكرتهُ وهو المُتفضّل , فقد بلغتَ أقصى درجات الإيمان

من الآيات المتعلقة بالشكر :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾[سورة البقرة الآية: 172]
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾[سورة البقرة الآية: 152]
﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[سورة النحل الآية: 78]
وقالَ تعالى :
﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[سورة العنكبوت الآية: 17]
﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾[سورة آل عمران الآية: 145]
﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾[سورة إبراهيم الآية: 7]
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾[سورة إبراهيم الآية: 5]

راتب النابلسى
موسوعةالنابلسى للعلوم الاسلامية

image.png.ad26e9138eade2ee5de10fd71cb857f0.png

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾
في هذه الآية الكريمة مركز ثقل، ألا وهو الموت فالله عز وجل يقول:﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾[ سورة الملك: 2 ]
ولأنه قدم الموت على الحياة فهناك  حكمة بالغة بالغة، ذلك أن الموت أخطر من حدث الحياة، حدث الموت أخطر من حدث الحياة، لأن الإنسان حينما يولد أمامه خيارات كثيرة، وفوق هذه الخيارات كل أغلاطه أو ذنوبه يمكن أن يتوب منها، البدايات، أما الموت حينما يأتيه الموت:﴿لَا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ﴾[سورة الأنعام: 158]﴿ وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ﴾[ سورة الأحزاب: 18 ]

خطورة الموت أنه يحدد مصير الإنسان الأبدي إلى ما شاء الله :

خطورة الموت أنه يحدد مصير الإنسان الأبدي إلى ما شاء الله، ومعنى كلمة أبدي أي ألف مليار سنة، أعمارنا نحن بين الستين والسبعين كما ورد في بعض الأحاديث، ألف مليار، ملْيار، مليار، مليار مليار، مِليار، إلى أن ينقطع النفس، أكبر رقم تتصوره واحد في الأرض وأصفار إلى الشمس، مئة وستة وخمسون مليون كيلومتر أصفاراً بين كل صفرين ميليمتر، هذا الرقم إذا نسب إلى لانهاية، إلى الأبد فهو صفر، أي رقم مهما كبر إذا نسب إلى لا نهاية فهو صفر، فما معنى؟
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً﴾[ سورة التغابن: 9 ]
وما معنى؟﴿ نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾[ سورة التوبة: 21 ]
وما معنى؟﴿ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ﴾[ سورة البقرة: 167 ]
هذا هو النعيم المقيم، وهذا هو النعيم الذي خلق الإنسان من أجله، أما هذه السنوات المعدودات، الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.

أكبرخسارة أن تخسر الآخرة وأكبر ربح أن تربح الآخرة :
حدث الموت إن لم يدخل في صميم حياتنا، وفي صميم عقيدتنا، وبرامجنا، وسلوكنا، فقد يكون حدثاً مؤلماً جداً.﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ* عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ﴾[ سورة المدثر: 8 ـ 10 ]
والله قد تأتي على من شارف الموت تأتي عليه ساعة يقول لم أر خيراً قط، من شدة الآلام التي تنتابه، ألم الخسارة الكبرى.﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾[ سورة الزمر: 15 ]
أكبر خسارة أن تخسر الآخرة، وأكبر ربح أن تربح الآخرة ولو أن الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام(أكثروا ذكر هادم اللذات إنه مفرق الأحباب، مشتت الجماعات .))[رواه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة]
( عش ما شئت فأنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارق واعمل ما شئت فإنك مجزي به .))[ أخرجه الشيرازي والبيهقي عن سهل بن سعد البيهقي عن جابر ]

البطولة أن تعد لما بعد الموت :

ورد في الأثر."إن أكيَسَكم أكثرُكم للموت ذكرًا، وأحزمَكم أشدُّكم استعدادًا له، ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزوُّد لسُكنى القُبور، والتأهُّب ليوم النشور"؛
يا أيها الأخوة الكرام... هل من حدث في حياتنا جميعاً أشد واقعيةً من الموت، حدث الغنى، فقد يصيبنا وقد لا يصيبنا، وحدث الفقر، فقد يصيبنا وقد لا يصيبنا، وحدث المرض كذلك، أما حدث الموت فلا يمكن أن ينجو منه أحد، ومادام الموت انتقال من دار إلى دار، من دار الفناء إلى دار الخلود، فماذا أعد الإنسان لهذه الدار الطويلة؟!

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ﴾
لذلك فقد أدخل المؤمن حدث الموت في برامجه اليومية، لأنه كلما وقف موقفاً، وكلما دعي إلى عمل، وإلى قول، ولقاء، وسفر، يسأل نفسه هذا السؤال، ماذا أجيب الله يوم القيامة، لِمَ فعلت؟ ولِمَ لَمْ تفعل؟﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[ سورة الحجر: 92 ـ 93]
النقطة الدقيقة هي أن كل واحد منا له عمر، كيف مضى؟ مضى كلمح البصر، وإن سأل نفسه هذا السؤال الحرج، كم بقي؟ وفي الأعم الأغلب عند معظم الكهول قد يكون الذي بقي أقل من الذي مضى، مادام الذي مضى قد مضى كلمح البصر، فالذي بقي يمضي أيضاً كلمح البصر، وما هي إلا ساعة وتعلن وفاة الإنسان، ونحن كل يوم نستمع إلى عالم جليل، إنسان له شأن خطير، وافته المنية فجأةً، وقد يكون ملكاً، وقد يكون عالماً كبيراً، وقد يكون بمنصب رفيع، الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل.
البطولة أن تعد لما بعد الموت، الموت أهون مما بعده للمؤمن، وللكافر الموت أقل مما سيكون من عذاب أليم ما بعد الموت.

0-21789541-1.jpg

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
غاية الصيام تحقيق التقوى
 
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[ سورة البقرة : 183]
إن الله عز وجل امتنّ على عباده بمواسم الخيرات، فيها تضاعف الحسنات، وتمحى السيئات، وترفع الدرجات، وتتوجه فيها النفوس إلى مولاها. ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾قد أفلح من زكاها ـ خصوصاً ـ في رمضان. خصائص الصيام:

ومن أعظم العبادات: الصيام الذي:
1 ـ فرضه الله على العباد.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾( سورة البقرة: الآية 183)

2 ـ ورغبهم فيه.فقال سبحانه:﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾( سورة البقرة: الآية 184)

3 ـ وأرشدهم إلى شكره على فرضه.فقال عز وجل:﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾( سورة البقرة: الآية 185)

4 ـ و حببه إليهم، وخففه عليهم.لئلا تستثـقله النفوس التي ألـفت المباحات، قال تعالى:﴿ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ ﴾( سورة البقرة: الآية 184)

5 ـ ورحمهم، ونأى بهم عن الحرج والضرر.فقال سبحانه وتعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾( سورة البقرة: الآية 184)
فلا عجب ـ  أن تُقبل قلوب المؤمنين في هذا الشهر على ربهم الرحيم، يخافونه من فوقهم، و يرجون ثوابه، و يخشون عقابه.


فضائل الصيام:
1ـ الصوم عبادة لها ميزة خاصة:
  اختصها الله من بين سائر الأعمال، ففي الحديث القدسي الصحيح، يقول الله عز وجل:(( كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به ))من حديث قدسي مرفوع، إسناده صحيح أخرجه ابن ماجه،وابن خزيمة في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه
فكفى بذلك تنبيهاً على شرفه، و عظم موقعه عند الله عز وجل، مما يؤذن بعظم الأجر عليه، فبإضافة الله تعالى الجزاء على الصيام   إلى ذاته العليا تنبيه على عظم أجر الصائم.

2ـ الصوم يقم الشهوة:
من فضائل الصوم كما قال عليه الصلاة والسلام أنه قامع للشهوة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج. فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجَاء))من حديث مرفوع صحيح،أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي،عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

3ـ وأرشدهم إلى شكره على فرضه.
فقال عز وجل:﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾( سورة البقرة: الآية 185)

4ـ الصوم مدعاة لاستجابة الدعاء:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾( سورة البقرة: الآية 186)
هذه الآية جاءت مع آيات الصيام، قبل هذه الآية آيات متعلقة بالصيام، وبعدهذه الآية آيات متعلقة بالصيام هي بين آيات الصيام، وكأن الواحد الديان يبشر عباده أن هذا الصائم دعاؤه مستجاب.

5ـ الصوم من أسباب تكفير الذنوب:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( الصلواتُ الخمسُ، والجمعةُ إلى الجمعةِ، ورمضان إلى رمضانَ ؛ مُكَفِّرات لما بينهنَّ، إذا اجتنبت الكبائر ))حديث مرفوع صحيح، أخرجه مسلم والترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه
الصلوات الخمس، أي من صلاة إلى صلاة، و الجمعة إلى الجمعة، و رمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الذنوب الكبيرة.

6ـ الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة:
  رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: ربّ إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم، منعته النوم بالليل، فيشفعان ))حديث مرفوع صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه أخرجه الحاكم في مستدركه

7ـ الصوم سبب لفرح الصائم في الدنيا والآخرة:
ومن فضائل الصوم فرح الصائم بما يسره الله له من الصوم في العاجل والآجل، كما في الصحيحين: (( للصائم فرحتان، فرحة عند فِطْره، وفرحة عند لقاءِ ربِّه ))من حديث مرفوع صحيح أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه


التكاليف الشرعية شاقة على الأبدان، مفرحة للنفوس:

  هذه القاعدة تنطبق على كل العبادات، بل على كل الطاعات، بل على كل استجابة لله، العبادات ذات كلفة، سميت تكاليف لأنها فيالأصل تتناقض مع الطبع، الإنسان يحب أن يبقى نائماً، و التكليف أن يستيقظ، يحب أن يمتع عينيه بمحاسن النساء، و التكليف أن يغض البصر، يحب أنيخوض في فضائح الناس، و التكليف أن يسكت، يحب أن يأخذ المال، و التكليف
أن ينفقه، فالتكاليف كلها مناقضة للطبع، لكنها مطابقة للفطرة، ترتاح نفسك إذا أديت الفرائض، ترتاح نفسك إذا كنت صادقاً، ترتاح نفسك إذا كنت أميناً،ترتاح نفسك إذا أعنت أخاك، إذا رحمته، إذا يسرت عليه، كل أوامر الدين بعباداته ومعاملاته وفضائله إن طبقتها ارتاحت نفسك:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا )( سورة الروم: الآية 30 )
راتب النابلسى

موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﺘﺠﺎﺏ

﴿ ﻭَﺇِﺫَﺍ ﺳَﺄَﻟَﻚَ ﻋِﺒَﺎﺩِﻱ ﻋَﻨِّﻲ ﻓَﺈِﻧِّﻲ ﻗَﺮِﻳﺐٌ ﺃُﺟِﻴﺐُ ﺩَﻋْﻮَﺓَ ﺍﻟﺪَّﺍﻉِ ﺇِﺫَﺍ ﺩَﻋَﺎﻥِ ﴾(186)سورة البقرة

ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﻨﺎﺻﺮ،ﺃﻭﻝ ﻋﻨﺼﺮ ﺃﻥ ﺗﻮﻗﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺴﻤﻌﻚ، ﻣﻮﺟﻮﺩ ﺃﻭﻻً، ﻭﻳﺴﻤﻌﻚ ﺛﺎﻧﻴﺎً، ﻭﻫﻮ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺩﻋﺎﺋﻚ ﺛﺎﻟﺜﺎً، ﻭﻫﻮ ﻳﺤﺐ ﺃﻥ ﻳﺮﻓﻌﻚ ﺭﺍﺑﻌﺎً ﻓﻬﻮ ﻣﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻳﺴﻤﻊ، ﻭﻗﺎﺩﺭ، ﻭﻳﺤﺒﻚ، ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ :﴿ ﻗُﻞْ ﻣَﺎ ﻳَﻌْﺒَﺄُ ﺑِﻜُﻢْ ﺭَﺑِّﻲ ﻟَﻮْﻟَﺎ ﺩُﻋَﺎﺅُﻛُﻢْ ﴾( ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻔﺮﻗﺎﻥ ﺍﻵﻳﺔ : 77 )
ﺃﻱ ﻻ ﻳﻜﺘﺮﺙ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻜﻢ ﻟﻮﻻ ﺃﻧﻜﻢ ﺗﺪﻋﻮﻧﻪ، ﻷﻥ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ .

﴿ ﻭَﺇِﺫَﺍ ﺳَﺄَﻟَﻚَ ﻋِﺒَﺎﺩِﻱ ﻋَﻨِّﻲ ﻓَﺈِﻧِّﻲ ﻗَﺮِﻳﺐٌ ﺃُﺟِﻴﺐُ ﺩَﻋْﻮَﺓَ ﺍﻟﺪَّﺍﻉِ ﺇِﺫَﺍ ﺩَﻋَﺎﻥِ ﴾
ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺒﺎﺩﻱ ﻣﺴﺘﺠﺎﺑﻲ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ، ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣﺴﺘﺠﺎﺏ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ، ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﺳﻼﺣﻚ، ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻗﻮﻯ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎﺀ ﺍﺳﺘﺠﺐ ﻟﻠﻪ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﻪ، ﺁﻣﻦ ﺑﻪ ﺃﻭﻻً، ﻭﺍﺳﺘﺠﺐ ﻟﻪ ﺛﺎﻟﺜﺎً، ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﺗﻐﺪﻭ ﻣﺴﺘﺠﺎﺏ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ .
ﺇﺫﺍ ﺁﻣﻨﻮﺍ ﻭﺍﺳﺘﺠﺎﺑﻮﺍ ﻭﺍﺧﻠﺼﻮﺍ ﻓﻲ ﺩﻋﺎﺋﻬﻢ ﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﺠﺎﺑﻲ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ، ﻭﻫﻮ ﻣﻘﺎﻡ ﻛﺒﻴﺮ، ﻭﻣﻦ ﺳﻠّﻢ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻓﻼﻥ ﻣﺴﺘﺠﺎﺏ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ.
ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﺳﺘﺜﻨﻮﺍ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﻦ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺏ ﺗﺤﻘﻖ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ، ﺍﻟﻤﻀﻄﺮ ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ، ﻭﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺃﻫﻼً ﻟﻠﺪﻋﺎﺀ، ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﻪ ﻻ ﺑﺄﻫﻠﻴﺘﻪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺑﺮﺣﻤﺘﻪ، ﻭﺍﻟﻤﻈﻠﻮﻡ ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﻻ ﺑﺄﻫﻠﻴﺘﻪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪﻟﻪ .


26165806_532293670457257_316867642877606


ﺍﻻﻋﺘﺪﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ:

ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ :﴿ ﺍﺩْﻋُﻮﺍْ ﺭَﺑَّﻜُﻢْ ﺗَﻀَﺮُّﻋًﺎ ﻭَﺧُﻔْﻴَﺔً ﺇِﻧَّﻪُ ﻻَ ﻳُﺤِﺐُّ ﺍﻟْﻤُﻌْﺘَﺪِﻳﻦَ﴾( ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻷﻋﺮﺍﻑ )
ﻣﺴﺘﺤﻴﻞ ﻭﺃﻟﻒ ﺃﻟﻒ ﻣﺴﺘﺤﻴﻞ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻌﺘﺪﻳﺎً ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺗﻘﻮﻝ : ﻟﻪ ﻳﺎ ﺭﺏ ﺍﺳﺘﺠﺐ ﻟﻲ، ﻷﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻚ : ﻟﻦ ﺃﺳﺘﺠﻴﺐ ﻟﻚ، ﻷﻧﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ، ﻭﻟﻦ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﻛﻨﺖ ﻣﺤﺴﻨﺎً، ﻟﺬﻟﻚ :﴿ ﻭَﻻَ ﺗُﻔْﺴِﺪُﻭﺍْ ﻓِﻲ ﺍﻷَﺭْﺽِ ﺑَﻌْﺪَ ﺇِﺻْﻼَﺣِﻬَﺎ ﻭَﺍﺩْﻋُﻮﻩُ ﺧَﻮْﻓًﺎ ﻭَﻃَﻤَﻌًﺎ ﺇِﻥَّ ﺭَﺣْﻤَﺖَ ﺍﻟﻠّﻪِ ﻗَﺮِﻳﺐٌ ﻣِّﻦَ ﺍﻟْﻤُﺤْﺴِﻨِﻴﻦَ ﴾( ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻷﻋﺮﺍﻑ )
ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﺷﺮﻋﻴﺔ، ﻭﻓﻲ ﺃﻛﻞ ﻣﺎﻝ ﺣﺮﺍﻡ، ﻭﻓﻲ ﺗﻘﺼﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺪﻋﻮ ﺍﻟﻠﻪ، ﻳﺪﻋﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﺷﻜﻼً ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ، ﻟﻜﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺤﺠﻮﺏ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ، ﻭﺃﻛﺒﺮ ﻋﻘﺎﺏ ﻳﻌﺎﻗﺐ ﺑﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻧﻪ ﻳﺤﺠﺐ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ.﴿ ﻛَﻠَّﺎ ﺇِﻧَّﻬُﻢْ ﻋَﻦ ﺭَّﺑِّﻬِﻢْ ﻳَﻮْﻣَﺌِﺬٍ ﻟَّﻤَﺤْﺠُﻮﺑُﻮﻥَ ﴾( ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﻄﻔﻔﻴﻦ )
قال تعالى:

﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾

استنبط علماء التفسير من هذه الآية شروط الدعاء المُستجاب وهي: أن تؤمن بالله، وأن تستجيب له طائعاً، وأن تدعوه مخلصاً. إيمان استجابة، ودُعاء بإخلاص، إلا أن العلماء استثنوا رجلين من هذه الشروط، من هما؟ المُضَّطر والمظلوم، فقالوا: المضطر لا يستجيب الله له بحال الداعي، وقد يكون غير مسـتجيب لله، بل يستجيبُ الله بحال المَدعو، وهو الرحمة، والمظلوم يستجيب الله له لا بحال الداعي، وقد يكون غير ملتزمٍ، بل يستجيب الله له باسم العَدْلِ، الله عزَّ وجل يستجيب للمضطر والمظلوم..
﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾[ سورة النمل: 62]
هذه حالة:﴿ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾[ سورة النمل: 62]
والحالة الثانية( اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب ))[ أخرجه البخاري عن ابن عباس ]
وهناك رواية أخرى( اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً ))[رواه أحمد في مسنده وأبو يعلى في مسنده والضياء عن أنس]

موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية
 
image.png.8a419e2d266dadc9873117aed4982064.png
 
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

"يسروا ولا تعسروا"..
مبادرة لتخفيف تكاليف الزواج
 
 (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) [البقرة: 187].
﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾
هي سترٌ لك من معصيةٍ كبيرة، وأنت سترٌ لها من معصيةٍ كبيرة، وقفت وقفتين متأنيتين عند كلماتٍ في هذه الآية التي وردت في آيات الصيام. وقفت عند:
﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾
ووقفت عند قوله تعالى:
﴿ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾
من الوَلَد الصالح، فالإنسان عليه أن يحصِّن نفسه بالزواج، ولاسيما في هذه الأيام،
لأنه حقٌ على الله أن يُعين الشاب إذا طلب العفاف، هذا شيء ثابت، شاب مؤمن يخشى أن يعصي الله، إذا طلب العفاف فحقٌ على الله أن يعينه، فالزواج حِصن، والزواج سَبَب لإنجاب الأولاد الصالحين من بعدك،.
الزواج سُنةٌ من سُنَن النبي عليه الصلاة والسلام، وكل إنسان يسهم بشكلٍ أو بآخر، كل إنسان يُذلل العقبات أمام من يرغبون بالزواج له أجر عند الله كبير، الذي قدَّم بيتاً، الذي قدَّم مبلغاً من المال مساعدة، الذي قدَّم أثاثاً، الذي قدَّم مهراً، الذي زوَّج ابنته ولم يشدِّد على الصهر، تساهل معه، فهؤلاء لهم أجر، إذا تعاونا يُشيع النكاح، وإن لم نتعاون يشيع السِفاح مكان النكاح، لأن الزواج حاجة أساسية في الإنسان، فإذا وضعنا عقبات عالية أمامها طبعاً سلك الإنسان طريقاً منحرفاً

- إذا أتاكُم من تَرضونَ خُلقهُ ودينهُ فزوّجوهُ ، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة
الصفحة أو الرقم: 1022 | خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره

إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه ولم تزوجوه، لأنه ليس لديه بيت، أو لسكن خارج دمشق، أو ليس لديه سيارة، أو ليس له دخل كبير يحقِّق طموحات ابنتنا، فإذا كان هذا هو المقياس فابشروا بفسادٍ عَريض
الآيات تؤكد على تحصين الشباب بالزواج وابتغاء الولد الصالح منه
ولاسيما في هذه الأيام العصيبة التي تبدو فيها المرأة في الطريق كما خلقها الله، لم يبقَ للزوج شيءٌ منها.. هؤلاء
(( نساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ))
رواة مسلم: اللباس والزينة (2128) , وأحمد (2/355 ,2/440)
هكذا قال عليه الصلاة والسلام، لأنها تثير الشهوة قبل أوانها، 

لذلك كان التركيز في هذه الآيات على تحصين الشباب بالزواج، وعلى أن يبتغوا من الزواج الوَلد الصالح، أو البِنت الصالحة التي تنفع الناس من بعده.
أنا كلَّما ذكرت موضوع الزواج حضرتني آيةٌ لا علاقة لها بالزواج، لا أدري لمَ؟
لكني أراها منطبقة على الموضوع انطباق كلي. قال تعالى:
﴿ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ﴾[ سورة النساء: 104]
أيْ أنَّ الشاب المؤمن حينما يسعى للزواج قد يتعب كثيراً لكي يؤمِّن مأوى صغيراً، قد يتعب كثيراً ليؤسِّس هذا المأوى، قد يتعَب ليقدِّم المهر لزوجته، لكنه يرجو من زواجه ما لا يرجوه الشاب الشارد، ذاك يرجو المُتعة، وهذا يرجو ولداً صالحاً ينفع الناس من بعده، هذا يرجو بيتاً إسلامياً ويرجو لبِنَةً محكمةً في بناءٍ شامخ، وذاك يرجو المتعة والابتهاج.


التطبيق العملي لهذا الدرس أن نسهم بشكلٍ أو بآخر في تسهيل الأمور أمام المتزوّجين، لأن الله عزَّ وجل يقول:

﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾[ سورة النور: 32]
أمر إلهي، معنى "أَنكِحُوا" أيْ يسِّروا سُبُل الزواج لكل إنسانٍ، " أَنكِحُوا الأَيَامَى "، من هو الأيِّم؟
الإنسان الذي لا زوجة له، أو المرأة التي لا زوج لها ثيباً كانت أو بكراً، وهذا أمر إلهي، أيْ معنى ذلك سهلوا سُبُلَ الزواج ليحلَّ النكاح مكان السفاح،


سيدنا شُعَيْب عندما عرض ابنته على سيدنا موسى قال له:

﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ﴾[ سورة القصص: 27]
هذا منهج، أيْ أن أي أب عنده بنت ينبغي عليه ألا يشقَّ على خاطب ابنته، إذا كان دينه جَيِّداً، أخلاقه عالية، لكن قليل ذات اليد، الفقير قد يغنيه الله عزَّ وجل، أما الغني الفاسق قد يزداد فِسْقاً.

راتب النابلسى
موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
صور من المال الحرام
 
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ الآية 188سورة البقرة
أما كسب المال بالباطل فطرقه لا تعد ولا تحصى، قد يكون كسب المال أساسه الكذب، وقد يكون كسب المال أساسه الاحتكار، وقد يكون كسب المال أساسه الاحتيال، وقد يكون كسب المال أساسه العدوان، أو السيطرة، أو إحراج الآخرين، وقد يكون كسب المال أساسه الكذب، كأن يدعي الفقر فيأخذ أموال الناس بالباطل، وقد يكون أساس المال أن تملك قوة قاهرة فتخلِّص الشعوب من ثرواتها.
هذا الدرس متعلِّق بما تشاهدونه وتسمعونه في العالَم، هناك حروب، هناك عدوان على الثروات الباطنيَّة، هناك هيْمنة وسيطرة، إن دَقَّقت في كل هذه الحركة البشرية تجد أن هدفها أخذ قدرٍ أكبر من المال كي يكون أداةً للاستمتاع بالحياة، والاستمتاع بالحياة فيه ترويةٌ للشهوات التي أودعت في الإنسان.
أعلى تجارة في العالم قبل تجارة الأسلحة، وقبل تجارة المواد الزراعية الكيماويَّة، هي تجارة المخدِّرات، تُدِرُّ أموالاً فلكيَّة، ثم توضع في البنوك لتأخذ صفة نظاميَّة ولتكون متداوَلَةً بين الناس.

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾
يقابل الباطل هو الحق، الحقُّ هو الشيء الثابت، فعلى مر الحقب، والعصور، والأَمْصار، والأَعْصار، وكل المتغيرات، السرقة حرام، والغش حرام، والاحتكار حرام، وإيذاء المسلمين حرام، وإفساد أخلاقهم حرام، فعلى كل الأعصار إذا اكُتِسَب المال بالباطل، أو أُنفِق بالباطل عَمَّ الفساد الأرض، لذلك قال تعالى:
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾[ سورة الروم: 41 ]

لو سمح لك إنسان أن تأكل ماله بالباطل لأنك أقوى منه، فهل قوتك تحميك من حساب الله يوم القيامة؟
إذاً إذا اعتمد الإنسان على تشريع أرضي لأكل أموال الناس، لا ينجو من عذاب الله..

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ﴾
أيْ أن تعطي القاضي شيئاً من هذا المال كي يحكُم لك كما تريد، أيْ يحكم لك حُكْمَاً يغطي عدوانك، فإذا فعلت هذا ارتكبت جُرْمَيْن: اغتصاب المال بالباطل، وفساد إنسانٍ معك في إقرارك على هذا الاغتصاب بالباطل..

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ ﴾
ينبغي أن تكون متداوَلَةً بينكم..
ولكن لو أنك احتكمت مع خصمك إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ـ في زمانه ـ وكنت طليق اللسان، قويَّ الحُجَّة، لَسِنَاً، وألحن بحجةٍ من أخيك، وانتزعت من فمِ النبي الشريف قراراً يُبَرِّئك ويغطي انحرافك، والقرار من النبي الكريم ـ فتوى من النبي ـ لا تنجو من عذاب الله..
((إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها))
[الجامع الصغير عن أم سلمة ]
دقِّق بقطعةٍ من النار.

آية تقصم الظهر :

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾

يجب أن تأكلها وَفْقَ منهج الله؛ بيعٌ مبرور، تجارةٌ مشروعة، زراعةٌ مشروعة، أما أن تزرع الحشيش، أو أن تزرع التبغ أنت بهذا تفسد أجسام المسلمين، زراعةٌ مشروعة، لا أن تستخدم المواد الهرمونية التي تعطي الثمرة شكلاً جميلاً، وحجماً كبيراً على حساب صحة الناس، هذه كلها مواد مسرطنة، إذاً كسب المال الحلال عن طريق زراعةٍ نظيفة، وتجارةٍ مشروعة، وصناعةٍ نافعة للمسلمين، لا أن تصنع أجهزةً تجعل أخلاقهم في الوَحْل، لا أن تصنع أجهزةً تجعل الزنا يفشو بينهم، لا أن تستثمر المال في أعمالٍ تفسِد أخلاق المسلمين، بل يجب أن تأكل أموال الناس بالحق لا بالباطل، والحَكَمُ هو الشرع وحْدَه، أما التشريعات الأرضيَّة فهي لا تحميك من عذابِ الله.

أحد الأخوة الكرام قال لي: أنا دخلت في مناقصة عقار، واستطعت بطريقةٍ ذكيةٍ جداً أن أُدْخِلَ معي ستة أشخاصٍ بشكل وهمي، وأن يزيدوا السعر قليلاً قليلاً، فرسا المشروع عليّ بسعرٍ يساوي ثُلُثَي ثمنه الحقيقي، وهو بهذا عدَّ نفسه شاطراً ـ بالتعبير الشائع ـ وعدَّ نفسه متفوقاً، وهكذا اشترى الأرض من أصحابها الشرعيين الذين يزيدون عن أربعين شخصاً، وفيهم أيتام وأرامل، عن طريق مناقصةٍ وهمية أدخل أصحابه، وأصدقائه، ووكلُّهم برفع السعر قليلاً، وكان الإعلان غير صحيح، بعد أن كسب المناقصة ورست عليه، جاء يستشيرني، قال لي: والله فكَّرت بالقبر، وجدت أنه لا يوجد حل، لا بد من أن أُحاسَب، فقلت له: إما أن تعطي أصحاب الأرض حقهم الكامل وإما أن تنسحب من هذه المناقصة.
التشريعات الأرضية لا تحميك من عذاب الله، فمن الممكن أن تشتري الأرض بقرار أساسه مناقصة أصوليَّة ـ قانونيَّة ـ دخل ثمانية أشخاص فاستقر السعر على هذا الرقم، ولكن هؤلاء السبعة هم ليسوا أنداداً لك، هم ممثلون، قد مثَّلوا دوراً وهمياً، وأنت بهذه الطريقة جعلت السعر يهبط، فأكلت أموال أصحابها بالباطل، ومعك سند، دخلت مناقصة وحقَّقت سعراً منخفضاً، وأنت تعلم الحقيقة، لذلك:
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ﴾

جميع التشريعات الأرضية لا تحمي الإنسان الذي يأكل المال الحرام من عذاب الله :
أيْ أنَّ جميع التشريعات الأرضية في العالم كلِّه لا تحمي الإنسان الذي يأكل المال الحرام من عذاب الله، اضطر إنسان إلى ثلاثمئة ألف ليرة، فرهن مزرعته عند شخصٍ مليء، وطلب منه هذا الشخص أن يكتب له هذه المزرعة كضمان، بعد سنواتٍ وسنوات أصبح المبلغ جاهزاً، فجاء الذي أخذ المبلغ إلى من أعطاه المبلغ إياه ليردّه، ولكنّه أجابه: كل منا حقه عنده فوجئ بقوله له: المزرعة ثمنها أربعة أمثال المبلغ، فهذا الذي ضيَّع مزرعته أصابه الهم، وتصاعد الألم حتى أصابته أزمةٌ قلبيَّةٌ، ومات من شدة القهر، كيف ضحى بهذه المزرعة بمبلغ بسيط؟ لكن قبل أن يموت كلَّف ابنه أن يمشي بجنازته إلى أمام دكان هذا المُغْتَصِب، قال له: امش بجنازتي إلى أمام دكانه، وعند دكانه لتقف الجنازة، واخرج أنت من بين صفوف المُشَيِّعين وادخل إلى دكان هذا المُغْتَصِب، وسلِّمه رسالةً، كتب لها رسالة قبل أن يموت، في هذه الرسالة: " أنا ذاهبٌ إلى دار الحق، عند أحكم الحاكمين، فإن كنت بطلاً فلا تلحقني". سمعت أنه ردَّ المزرعة إلى ورثته.

هذا هو التشريع، فلو كان معك ألف دليل ودليل، وألف حجَّة وحجَّة، وألف قانون، وألف اجتهاد محكمة نقض، ولو كان معك مئة ألف اجتهاد لصالحك، ولم تكن محقاً لا تنجو من عذاب الله.
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ﴾

موسوعه النابلسى للعلوم الاسلاميه
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
المقصود ب أَمْوَالَكُمْ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾سورة البقرة - الآية 188
لكلمة (أموالكم) في الآية التالية معنيان :
إذاً هذه القضية قضية كبيرة جداً، حينما يشرب الإنسان الخمر يؤذي شخصه، وحينما يزني يؤذي معه فتاةً كانت طاهرةً عفيفة فجعلها ساقِطة، أما حينما يأكل الربا فهو يُسهم في انهيار مجتمعٍ وهو لا يدري، حينما يأكله أو يوكله، فقضية المال قضيةٌ خطيرةٌ جداً، لأن المال قوام الحياة. وربنا عزَّ وجل في هذه الآية يقول:
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ ﴾
هنا توجد دِقَّة، حينما أضع في جيبي خمسمئة ليرة، وآخذها من جيبي الأيسر وأضعها في جيبي الأيمن، ماذا فعلت؟ أنا أكلت مالي، ماذا فعلت؟ فما معنى هذه الآية؟
1 ـ وجوب الحفاظ عليه وكأنَّه مالُك:
المقصود أن هذا المال الذي هو مال أخيك، عند خالق الكون هو مالُك من زاويةٍ واحدة، هو مالك من زاوية أنه يجب أن تحافِظ عليه وكأنَّه مالُك، سمَّى الله مال أخيك مالَكَ، فمثلاً إذا أعار إنسان مركبته لإنسان آخر يقول له: اعتبرها سيارتك، أي اعتنِ بها، راعِها، دارِها، لا تُحمّلها ما لا تطيق، اعتبرها مركبتك، أي استعملها كما لو أنها مركبتُك، فكلمة:
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ ﴾
أيْ أنَّ هذا المالَ الذي هو مال أخيك هو مالك من زاوية أنك يجب أن تحافظ عليه وكأنَّه مالُك.
2 ـ وجوب إنفاقه في مصالح المسلمين :
هناك زاوية ثانية: هذا المال الذي هو مال أخيك هو لكل الناس من زاويةٍ واحدة، إنسان معه مبلغ ضخم، يجب أن يعتقد أن هذا المال مِلْك المسلمين، بمعنى أنه يجب أن يُستثمر ـ فَرَضاً ـ في شيء ينفع المسلمين، في معمل غذائي، صناعة راقية، مشروع سكني، أما حينما يُستثمر المال في إيذاء المسلمين؛ في فتح الملاهي، والنوادي الليلية، فأنت بمالك الذي هو ملكٌ لك أفسدت أخلاق الناس، إذاً يجب أن يعتقد المؤمن أن المال الذي بين يديه فيه حقٌ لكل المسلمين، عليه أن ينفقه لمصلحتهم لا لمصلحته هو فقط، فلو أخذه من بلادهم ونقله إلى بلادٍ بعيدة، حَرَمَ المسلمين الانتفاع منه، أو لو أنفقه في معصيةٍ كبيرة، أو في إفساد الأخلاق، أو في عملٍ لا يرضي الله، معنى ذلك أنه سبَّب إيذاءً للمسلمين بماله، فالله يخبره أن هذا المال ليس ماله بل إنه مالٌ لجميع المسلمين. المعنى الأول: وجوب الحفاظ عليه وكأنَّه مالُك. والمعنى الثاني: وجوب إنفاقه في مصالح المسلمين، لأن كل المسلمين لهم الحق أن ينتفعوا بمالك بشكلٍ مشروع وفق منهج الله عزَّ وجل.
فرضاً لو أن إنساناً معه أموال وأسَّس مزرعة ضخمة، وجعل يبيع من إنتاجها في السوق، هو يتاجر، يزرع ويبيع الفواكه، وحينما تطرح في السوق فاكهةٌ بكمياتٍ كبيرة تهبط الأسعار وينتفع المسلمون، فليس معنى قولنا لك: إن هذا المال هو للمسلمين معنى ذلك أن يأخذوه منك، لا، بل أنت استثمره في صالح المسلمين؛ في الزراعة، أو الصناعة، أو التجارة، أو في عملٍ يرضي الله، لا في أعمال تفسد أخلاق الناس. 
اجعل كسبك حلالاً، أيْ أخلص وأتقن واصدق، وكن أميناً ومتقناً حتى تأخذ المال ـ الذي يعبِّر عن جهدك في الأرض ـ حلالاً، فإذا اشتريت به طعاماً وأطعمته لأولادك كان هذا الطعام طَيِّباً:
((يا سعدُ أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة))[مجمع الزوائد عن سعد بن أبي وقاص ]


تداول الأموال بين الناس للحفاظ على التوازن الاجتماعي :
هناك آيتان أخريان في الموضوع نفسه ،
قال تعالى :

﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾[ سورة النساء : 188]
 هذه الأموال يجب أن تكون متداولة بينكم ، وفي آيةٍ أخرى حينما حرَّم الله الربا ، جاء التعليل لأن لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ، لئلاّ تجمَّع الأموال في أيْدٍ قليلة ، وتُحْرم منها الكثْرة الكثيرة فَيَخْتلّ التوازن الاجتماعي ، ومع اخْتلال التوازن الاجتماعي يضطرب السلوك الإنساني .
 الآية الكريمة وصَفَتْ مال أخيك بأنّه مالُك من زاويَة ضرورة الحفاظ عليه ، ومن زاوية أنَّك مكلّف به ، فلو أفقرْتهُ لكنتَ مكلّفًا أن تغْنِيَهُ ، فما جدْوى أن تأكل مالهُ ثمّ تُعينهُ ؟
على كُلٍّ حينما قال الله عز وجل : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ؛ هناك أكْلٌ لأموال الناس بالحق ،
قال تعالى :

﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾[ سورة النساء : 29]

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
 أساس مشروعية القتال في الإسلام
 
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

قبل أن أمضي في شرح هذه الآية لا بد من ضرب مثل، تصور بلدةً لها وليّ أمرٍ تسميه: رئيس بلدية، تسميه: حاكم البلدة. لها ولي أمرٍ، هذا الإنسان على درجة عالية جداً من العلم والأخلاق، أراد أن ينشئ في هذه البلدة معهداً من أعلى مستوى، يستقدم له أعلى الأساتذة، هذا المعهد مجهَّز بكل وسائل التعليم، والتربية، والتثقيف، والتأديب، أراد ولي أمر هذه البلدة أن ينشئ معهداً يربي شبابه تربيةً عالية، من أجل أن يسعد هؤلاء الشباب في حياتهم، وأن يحتلوا مناصب مرموقة، وأن يصلوا إلى أعلى درجات السعادة في الدنيا، أُنْشِأَت هذه المدرسة، وبنيت بناءً راقياً، واستحدث فيها كل وسائل التعليم، وَعُيِّنَ فيها كبار المدرسين.
ثم فوجئ صاحب هذه البلدة أن فئةً من قُطَّاع الطرق ومن المنحرفين تصرف الطلاب عن المدرسة، إما أن تغريهم بارتياد أماكن منحطة، أو مشاهدة أفلام مُنْحَطَّة، أو إبعادهم عن هذه المدرسة، أو أن تمنعهم بالقوة من أن يدخلوا هذه المدرسة، هل يقف ولي أمر هذه البلدة مكتوف اليدين ؟ هل يسمح لفئةٍ أن تمنع نشر العِلم في البلدة ؟ هل يسمح لفئةٍ لِتحول بين الطُلاَّب وبين دخول معهدهم ؟ هل يسمح لفئةٍ أن تغري الطلاب بالانحراف الخلقي وتعويدهم على المخدرات والخمور والزنا وما إلى ذلك ؟
لا بد من التدخل، لا بد من التدخل من أجل أن تؤدي هذه المدرسة رسالتها، فهؤلاء الذين يقفون على مسالك الطرق إلى المدرسة، يمنعون الطلاب من الدخول إليها، أو يصرفونهم إلى أماكن اللهو والانحطاط، هؤلاء شاذون، هؤلاء خرجوا عن مبادئ هذه البلدة وعن قيمهم، فلا بد أن يُحال بينهم وبين ما يصنعون، هذا هو القتال في سبيل الله.

الجماعة المؤمنة من حقها أن تعرف ربها، من حقها أن تسعد به، من حقها أن تصل إلى غايتها في الدنيا، من حقها ألا تُفْتَنَ عن دينها، فأنت كأب لو كان لابنك صديق أفسده عليك، وجعله يهرب من المدرسة، وينغمس في الرذيلة والمخدرات، بماذا تشعر تجاه هذا الصديق؛ صديق ابنك ؟ تشعر أنه اعتدى عليك أعلى عدوان.
فأعلى عدوان على الإطلاق أن تعتدي على دين الإنسان، أن تفسده، هؤلاء الذين ينشرون الرذيلة بطريقةٍ أو بأخرى، عن طريق المجلات، أو عن طريق الفضائيّات، أو عن طريق الكُتُب، على ماذا يعتدون هؤلاء ؟ يعتدون على دين الإسلام، يفتنونه عن دينه، فإما أن تعتدي على الدين مباشرة، وإما أن تفتن الناس عن دينهم، لذلك هؤلاء الذين يعيشون على انهيار البيوت، ويعيشون على إفساد الشباب، يعيشون على إفساد الفتيات، هؤلاء الذي يعيشون ليمنعوا دخول الطُلاَّب إلى المدرسة، ليمنعوا نشر العِلم، مع أن ولي أمر هذه البلدة لم يجبر أحداً على دخول هذا المعهد، لكن طُلاَّب المعهد من حقهم أن يصلوا إلى معهدهم سالمين، وأن يستمعوا إلى الدروس هادئين، وأن يصلوا إلى أهدافهم مرتاحين.
لذلك مشروعية القتال في الإسلام، حينما جاء بها القرآن، وحينما طبَّقها النبي عليه أتمُّ الصلاة والسلام أساسها من أجل ضمان حُرية العمل، من أجل ضمان حرية العبادة، من أجل ضمان حرية الاستقامة على أمر الله، من أجل ضمان حرية طلب العلم، هذا هو.

شُرِّع القتال في الإسلام من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا:

الآية الأولى أيها الأخوة يقول الله عز وجل:
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
أول نقطة في هذه الآية: ينبغي أن يكون القتال في سبيل الله إعلاءً لكلمة الله، أما الحروب القذرة التي تشهدها البشرية اليوم، تارة يقولون تطهير عِرْقي، ذبح على الهوية، لأنه مُسْلم، وتارة يقولون: من أجل اتخاذ البلاد مجال حيوي، أطماع اقتصادية، أينما كان البترول تجد المطامع تحوم حوله، فهذه الحروب الحديثة التي تقودها بعض البلاد القوية، حروبٌ لا علاقة لها إطلاقاً بنشر فكرةٍ، ولا بتحقيق مبدأٍ، ولا بترسيخ دينٍ، إنما المصالح فقط تحرف هؤلاء الذين يعتدون على حقوق الشعوب، الآية دقيقة جداً أول شيء:
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾

القتال المشروع في الإسلام من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، ومن أجل ألا تكون فتنة، ومن أجل أن يكون الدين لله، أنت لا تسمح لابنك أن يرتاد بيتاً إلى جوارَك تمارس فيه كل أنواع الرذيلة، يعتدون على طُهْر الأطفال، وعلى عفَّتهم، وعلى أخلاقهم، وعلى انضباطهم بإغراءات، لا بد أن تقف بين هؤلاء وبين ما يفعلون، هذا هو الأصل.
الهدف أن يكون الدين مُهَيْمِنَاً، والهدف أن يكون الدين لله، والهدف ألا تكون فتنةٌ، والهدف أن تنصُر مظلوماً.

موسوعة النابلسى للعلوم الاسلاميه
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
الآداب التي جاء بها الإسلام في القتال :

قال تعالى:
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾

1 ـ لا تقاتل إلا من يُقاتل فالنساء والأطفال والشيوخ لا يقتَلون :
المرأة لا تُقتل، والصبي لا يُقْتل، والشيخ الفاني لا يقتل، وهذا الذي التجأ إلى صومعةٍ يعبد الله فيها لا يقتل، هكذا النصوص تأتي، يقول عليه الصلاة والسلام:
((نهى عن قتل النساء والصبيان وإذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه ))[من شرح الجامع الصغير ]
تأكيداً لكرامة الإنسان و " أعف الناس قتلةً أهل الإيمان ". عندهم أخلاق، حتى في حربهم أخلاقيون، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن قتل الصَبْرِ أي أن تدعه بلا طعامٍ حتى يموت، فلذلك أول شيء:
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾
حسب تعليمات هذا القرآن العظيم لا يُقاتَل إلا المُقاتِل، أما هذه الحروب الحديثة تنزل هذه القنبلة فتقتل النساء والأطفال والشيوخ معاً، ولا تفرِّق بين وليدٍ رضيعٍ بريءٍ طاهرٍ وبين مقاتلٍ شرسٍ خبيث، هذه الأسلحة التي اخترعتها أوروبا وأمريكا، هذه لا تفرِّق بين طفلٍ ومُقاتل، ولا بين امرأةٍ ومقاتل، ولا بين شيخٍ ومقاتل، والآية تقول:
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾
هذا من حيث النوعية، لا تقاتل إلا من يُقاتل، فالنساء والأطفال والشيوخ لا يقتَلون.

2 ـ ينبغي أن تكون متأدِّباً بآداب القتال :
الشيء الثاني ينبغي أن تكون متأدِّباً بآداب القتال، فلا تجعل خصمك يموت صبراً، جوعاً، أو عطشاً، أو تعذيباً، ولا تضرِب الوجه حفاظاً على كرامة الإنسان، ولا تقتل امرأةٍ، ولا طفلاً، ولا شيخاً، ولا تعقروا ناقةً إلا لمأكلةٍ، ولا تقطعوا شجراً، هذه هي الآداب التي جاء بها الإسلام حتى في القتال.


قال تعالى:
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾
لمجرَّد أن تعتدي على إنسان فالله عز وجل لا ينصُرك ولا يأخذ بيدك بل يهزمك.
هذا الإنسان الذي تقاتله هو إنسان شارد عن الله، ينبغي أن تُريه عدلاً، وإنصافاً، وقوةً، وبأساً من دون أن تظلمه، ثم يقول الله عز وجل:

﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾
الإنسان حينما يُقْتَل مظلوماً يدخل الجنة، أما حينما يُفْتَنَ عن دينه يدخل النار، فلا شك أن الفتنة أشد بكثيرٍ من القَتل.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)[سورة البقرة:191]

تخيل فتاة عمرها أربع سنوات، يأتي أبوها يحفر لها حفرة، وينزلها فيها، ويهيل التراب عليها، هل من عمل أشد وحشية من هذا العمل؟
الأب الذي يطلق لابنته العنان، ولا يضبط أخلاقها، وتنحرف هذا العمل أشدّ من أن يقتلها لقول الله عز وجل:(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)[سورة البقرة:191]
وفتاة نشأت على غير منهج الله، ولا يهتم أبوها بها لا تعليماً، ولا ضبطاً، ولا تربية، هذه الفتاة تأتي يوم القيامة تقف أمام رب العزة ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ *ِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ )[سورة التكوير:8-9]
قتل الفتاة وهي بريئة طاهرة وبلا سبب إلا خوف العار المتوهم تلك العادة الجاهلية أشد من قتلها، والعمل يبدو بشعاً، أشد من قتلها فتنتها، أن تتفلت من منهج الله، أن تخرج كما تحب،
لذلك الله عز وجل قال:(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)[سورة البقرة:191]

هل تصدقون أن الفتاة الواحدة إذا ربيتها، وأحسنت توجيهها، ثم زوجتها لشاب مؤمن، إنك بهذا العمل وحده تضمن الجنة، من جاءته بنتان فأحسن تربيتهما فأنا كفيله في الجنة، قالوا: وواحدة؟ قال: وواحدة.
تصور بيتاً فيه بنت، هذه الفتاة وحدها كافية لإدخال أبويها الجنة، بسبب تربيتها، وتعليمها العلم الشرعي، وتعريفها بربها، وحملها على طاعة الله، وحفظها، وصيانتها، والأخذ بيدها لما تحب الله، فالفتاة الواحدة تكفي لإدخال والديها الجنة.

الفتنة تعني الامتحان، سيدنا عمر كان يتجول في طرق المدينة، فرأى قافلة قد أقامت في أطراف المدينة، فقال لمن معه – كان معه سيدنا عبد الرحمن بن عوف -: تعال نحرسها، سمع هذا الصحابي الجليل بكاء طفل فتوجه لأمه وقال: أرضعيه، فبكى ثانية، نبه أمه، فبكى، فغضب: قال: يا أمة السوء أرضعيه، قالت: ما شأنك بنا؟ إنني أفطمه، قال: ولمَ؟ قالت: لأن عمر لا يعطي العطاء إلا بعد الفطام- التعويض العائلي- تروي الروايات أنه ضرب جبهته وقال: ويحك يا بن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين؟ وصلى الفجر في أصحابه لم يفهم أصحابه قراءته من شدة بكائه.
سمعت منذ يومين خبراً أن بعض الدول المحاصرة اقتصادياً مات فيها خمسمئة ألف طفل، ماتوا جوعاً.
كل إنسان له عمل، سيدنا عمر لما أخر التعويض إلى ما بعد الفطام، قال: ويحك يا بن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين؟ البنت إذا علمتها، وعرفتها بربها، وحملتها على طاعة الله، وحفظتها، وراقبتها، ثم بحثت لها عن زوج صالح يتابعها، هذه الفتاة وحدها كافية لإدخال أبيها الجنة، أما إذا وأدها وهي صغيرة فهذا العمل جريمة، تنجو ويحاسب، أما إذا فتنها فتحاسب ويحاسب أبوها، أما إذا رباها فيدخل الجنة. المخرج من الفتن

ليس هناك حل، مهما تعددت الحلول، إلا أن نصطلح مع الله، لأن الله أعزنا في الماضي بالإسلام، ولن يعزنا بشيء آخر، لا حل إلا أن نقيم الإسلام في بيوتنا، والحل الذي أضعه بين أيديكم بإمكان كل واحد منا تطبيقه، دعك من المجموع، دعك من الأقوياء، دعك من الطواغيت، أقم الإسلام في بيتك، وأقمه في عملك، وانتظر من الله النصر، قال تعالى:(بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ )( سورة الزمر: الآية 66 )

الحل الأول والأخير القرآن الكريم أن نعود إليه، وأن نعود إلى فهمه من السنة الصحيحة، ومن فهم الأجيال الثلاثة من صحابة رسول الله، فإذا عدنا إلى الله عاد الله لنصرنا، واستعدنا دورنا القيادي، وأصبحنا أعلاماً بين الأمم، أما الآن فوالله نحن مضغة الأفواه بين الأمم، ويسخر بقصصنا، نتقاتل، لسنا مؤهلين أن نحكم أنفسنا، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:

(( أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، ثَلَاثَ مِرَارٍ ))[ أخرجه أحمد في مسنده والترمذي والحاكم عن عمر ].

وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(( إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ، كَذِئْبِ الْغَنَمِ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ، فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ وَالْمَسْجِدِ ))[ أحمد ]

الزم الجماعة، كن مع المؤمنين، لا تنفرد برأي، خذ رأي العلماء الأجلاء الربانيين الورعين، لا تجتهد من عند نفسك، لا تسبب للمسلمين متاعب لا تنتهي، المسلمون سلمهم واحدة، وحربهم واحدة .
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: << يا أيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة

راتب النابلسى
موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
من أرضى الناس جميعاً فهو منافق :
قال تعالى:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)سورة البقرة


هذا النموذج شائع جداً، يواجهك إنسان فيُثْني عليك ثناءً، يمدَحك مديحاً يجعلك تخجل، وبعد أن تدير ظهرك يتكلم بعكس ما مدحك به، ذو الوجهين لا يكون عند لله وجيهاً، كن بطلاً، وكن موحَّداً، وكن واضحاً.
كن صريحاً، فهذا الشيء يؤلم كثيراً، إذ تلتقي مع إنسان يثني ثناءً عطراً على كل شيء، تصدقه أنت، تعدّه من طرفك، فإذا به في غيبتك يطعن في كل شيء، وهذا النموذج ممقوت عند الله عز وجل، كن واضحاً، فكلمة الحق لا تقرِّب أجلاً ولا تقطع رزقاً، فالذي تمدحه امدحه صادق، والذي لا تحبه لا تمدحه، اسكت عن مدحه، وإلا فأنت منافق، ومن أرضى الناس جميعاً فهو منافق.


كلمة (تولى) لها معنيان :
قال تعالى:
﴿ وَإِذَا تَوَلَّى ﴾
عنك..
﴿ سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾
"تولى " لها معنيان هنا:
1 ـ تولى عنك أي ترك المجلس :
تولى عنك أي: ترك المجلس، تولى؛ كان عمله سيِّئاً، هو أشهد الله على ما في قلبه، أنه مؤمن، وصادق، ومحسن، ومستقيم، فإذا تركك وانصرف إلى جماعةٍ آخرين أفسد الأرض ومن عليها، فهذا معنى.
2 ـ إذا تولى أي انصرف أو استلم عملاً فجعل الفساد همَّه :
المعنى الثاني: إذا تولى شيئاً، أو مهمةً، أو استلم عملاً، فإنه يريد الاختلاط، والفسق، والفجور، والمال الحرام،

﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا ﴾
فالفساد أيها الأخوة لا يمكن أن يكون إلا بتدَخُّل بشري، لأن كمال الله عز وجل مُطْلَق، وكل شيء خلقه الله عز وجل كامل إطلاقاً، فنحن نفسد، خلق الله الطفل الصغير مثل المَلَك، ولو كان ابن مجوسي، أو ابن أفسق إنسان فهو مَلَك، فالأسرة تفسد الابن أو تصلحه، كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، إذاً هذا الإنسان الذي يقسم لك أنه مخلص، ومحب لله، ومستقيم، وطاهر، ويحب الله ورسوله، وهو ألد الخصام، فما الذي يكشفه؟ إذا انتقل إلى حقل آخر، إلى مكان آخر، إلى جماعة آخرين، هذا ورد في سورة البقرة أيضاً:
﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُون ﴾[سورة البقرة: 14]
إنّه ملوَّن، " فتولى " أي انصرف أو استلم عملاً فجعل الفساد همَّه.

﴿ سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا ﴾
فالفساد تدخُّل بشري، وأصل الفساد كائن مخيَّر ومعه شهوة، وترك المنهج، ولو أمسك بالمنهج ما صار فساداً، فعلاقة إنسان بامرأة وفق المنهج زواجٌ، وبلا منهج زنىً ودعارة، وأعمال لا ترضي الله عز وجل، علاقته بالمال وبالمنهج كسب مشروع إذ لا توجد مشكلة، بلا منهج سرقة، واحتيال، وخداع، وربا، وما شاكل ذلك.

الحرث له معنيان:
قال تعالى:
﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ ﴾
1 ـ النبات بالمعنى النباتي الأرضي :
المعنى الأول: النبات، أيْ:
﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ*أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾[ سورة الواقعة: 63-64 ]
هناك فساد حتى بالنبات، الله عز وجل صمم الخلق أكمل تصميم، فجاء الإنسان وأفسد النبات، وضع للنبات هرمون نمو، هذا يعطيه حجماً كبيراً، وألواناً زاهية، لكنه مسرطن، فاستخدم هرمونات للنمو، مثلاً هناك كثير من الأشياء تزيد من ملوحة التربة، فكل المبيدات الكيماوية مؤذية جداً، صمم ربنا مبيدات حيوية، فنحن استخدمنا المبيدات الكيماوية فصار هناك فساد، الأدوية الراقية أدوية نباتية، نحن استخدمنا أدوية كيماوية لأجسامنا، صار في مضاعفات، أمراض كثيرة جداً من أدوية نستعملها بشكل مثير، الشراب الطبيعي استبدلناه بشراب كيماوي، فأكثر أنماط السلوك أنماط مُبْتَدَعَة، ليست في أصل التصميم، فنشأت أمراض وبيلة، نشأ ارتفاع نِسَب السرطان، فهذا من باب إهلاك الحرث وإفساده.
2 ـ المرأة بالمعنى الإنساني :
والمعنى الثاني:
﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾[ سورة البقرة: 223]
فالإنبات يأتي عن طريق الأرض، وعن طريق المرأة، فالأرض فسدت، والمرأة أُفْسِدَت، فصار هناك إفساد للحرث، بالمعنى النباتي الأرضي، وبالمعنى الإنساني أي المرأة، والمرأة إذا فسدت حدث شيء مخيف، وهناك قصص عن فساد المرأة؛ ممكن أن تقيم مشكلات لا تنتهي إذا فسدت، فشيئان إذا فسدا فسد المجتمع، المرأة أحد هذين الشيئين، وقد يحارب المسلمون بالمرأة، فأكبر حرب تُشَن على المسلمين إفساد أخلاقهم عن طريق ما تأتي به الفضائيّات، فهذا إفساد، المرأة فسدت، فالزواج فسد، حدثني أخ كريم قاض شرعي، قال لي: نسب الطلاق في سوريا كانت اثنين بالألف، الآن خمسة عشر بالمئة، وأغلب هذا الطلاق أساسه هذه المحطات الفضائية.

راتب النابلسى
موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ )(207)سورة البقرة
(يَشْرِي)
بمعنى يبيعُ ويشتري، وسياق الآية يُحَدِّد معنى يشري بمعنى يبيع، أيْ ومن الناس من يبيع نفسه ابتغاء مرضاة الله،
يقول الله عزَّ وجل:
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[ سورة التوبة: 111 ]

خُلقت لِجَنَّةٍ عرضها السماوات والأرض، ثمنها أن تأتي إلى الدنيا وتقدِّم شيئاً يرضي الله؛ فقد تُقَدِّم مالك، وقد تقدم وقتك، وقد تقدم علمك، وقد تقدم حياتك، والجود بالنفس أقصى غاية الجودِ، وكلٍ إنسان لم يقدم شيئاً فهذا أشقى الأشقياء، لأنه جاء إلى الدنيا ليقدِّم فلما نسي أن يقدم خسر الآخرة وخسر الحياة الأبدية في جنةٍ عرضها السماوات والأرض.
أنت مخلوقٌ لجنة لك فيها ما تشاء، فيها من كل الثمرات، فيها حورٌ عين، وأنهارٌ من كل الأنواع؛ من لبنٍ لم يتغير طعمه، ومن عسلٍ مصفَّى، ومن خمرٍ لذةٍ للشاربين، ومن ماءٍ غير آسن، وفيها ولدانٌ مخلَّدون، وفيها نظرةٌ إلى وجه الله الكريم، وفيها رضوانٌ من الله أكبر، هذه الجنة إلى أبد الآبدين؛ لا مرض، ولا قلق، ولا حزن، ولا جوع، ولا انتكاسة شيخوخة، ولا شيء مُزْعِج، خُلقْت لهذه الجنة.
إلا أن هذا العطاء الكبير يحتاج إلى ثمن تدفعه في الدنيا، الثمن أن تقرض الله قرضاً حسناً، أيْ أن تعمل عملاً صالحاً مع عباده، الإيمان درجات، فهناك إنسان طبَّق منهج الله وفعل بعض الصالحات وهذا ناجي، وهناك إنسان تفلَّت من منهج الله وأساء للخلق فهذا هالك في الدنيا والآخرة، لكن هناك طبقة أولى؛ هؤلاء السابقون السابقون، هؤلاء الذين باعوا أنفسهم في سبيل الله، وقتهم كله لله، ومالُهم كله لله، وعلمهم كله لله، وذكرهم كله لله، وكل أفعالهم وأحوالهم، وإقامتهم وسفرهم، وعطائهم وأخذهم، وصلتهم وقطعهم، وغضبهم ورضاهم في سبيل الله، هؤلاء لهم الطبقة الأولى،
فهناك سابقٌ في الخيرات، وهناك مقتصد، وهناك ظالمٌ لنفسه..
﴿ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ*فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ*وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ*فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ*وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ*فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ*وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ*إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ*فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾[ سورة الواقعة: 88-96 ]


ما كلّ ذكيٍ بعاقل :

قد يصل الإنسان إلى أعلى درجة في الاختصاص، وهو ذكي جداً باختصاصه، وماهر جداً في تجارته وصناعته، ولكنه ما عرف هدفه في الدنيا،
فهو ليس عند الله بعاقل، هو ذكيٌ، وليس بعاقل
المؤمن يقيِّم كل شيء تقييماً في ضوء الآخرة
إنك إن عرفت سر وجودك، وغاية وجودك، فالآن تقيّم أي شيء في الدنيا تقييماً في ضوء الهدف، فإن كان في خدمته أخذت به، وإن تناقض مع الهدف ركلته بقدمك، فلديك سياسة واضحة تسير عليها، وهناك منظومة قيَم، فكل شيء يقيَّم تقييماً في ضوء الآخرة، وكل شيء قرَّبك إلى الله أخذت به، وكل شيء أبعدك عن الله أعرضت عنه
المؤمن هدفه رضوان الله والجنة


image.png.6ff3bc316f38fadbb3df42a9261798f4.png

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
إن صحَّت عقيدتنا صحّ سلوكنا

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)سورة البقرة
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ﴾

نحن إن صحَّت عقيدتنا صحّ سلوكنا، وصرنا نتحرك على منظومة قيَم، فهذا معنى بيع النفس، أي باع وقته لله، لا يوجد عنده كلمة أنا مشغول، لا يوجد لدي وقت، تجد الشخص يسترخي ساعات طويلة، يجلس جلسة فيها كلام فارغ، وقد يلتقي لقاء فيه معاص كثيرة، قد يغتاب المسلمين، أما إذا دُعي إلى حضور درس علم يقول: والله إنّني مشغول فاعذرني، درس علم ساعة لا يقبل، أما أربع أو خمس ساعات في مجلس غيبة، ونميمة، واختلاط يقبله، لأن هدفه واضح، فهدفه الدنيا والمُتعة، أما درس علم لا يوجد فيه شيء، فهو ناشف بالنسبة له، بل يريد جلسةأخرى فيها شيء من المتعة الرخيصة.
نحن نريد أن نؤكِّد في هذه الآية أنك إذا عرفت سر وجودك وغاية وجودك قيَّمت كل ما حولك، وكل من حولك؛ قيمت الأموال، والأصدقاء، والبيوت، قد ترفض بيتاً لا يناسب مكانتك الدينية، قد ترفض عملاً لا يناسب اتجاهك الديني، أو امرأةً تتزوجها إلا أن تكون طائعةً لله عزَّ وجل، فأنت عندما تؤمن بالله، وتعمل للآخرة، صار عندك منهج واضح، وخطة واضحة، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ﴾هناك أعمال جيّدة ولكنها ليست ابتغاء مرضاة الله، فأهم شيء في العمل أن يكون وفق سنة رسول الله، وأن يكون خالصاً لله.

لخَّص هذا الإمام الفُضَيْل بن عياض فقال: " العمل لا يُقْبَل إلا إذا كان خالصاً وصواباً ". خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، وأن أعمل صالحاً ترضاه".
إذاً من أجل ماذا يتعلم الإنسان الفقه؟
من أجل أن يعبد الله بما تعلَّم، بالكون تعرفه، وبالشرع تعبده، فأنت تتعلم الفقه كي تقف عند حدود الله، وألا تتعدَّى عليها.

طبعاً هذه ( مِن) للتبعيض، ما كل الناس كذلك، لكن بعضهم، هؤلاء السابقون السابقون،
هؤلاء المتفوقون، هؤلاء الذين باعوا أنفسهم في سبيل الله..
﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[ سورة الأنعام: 162]


كل أعمال المؤمن خالصة لوجه الله :

كل أعمال المؤمن خالصة لوجه الله، حتى أعماله الدنيوية المَحْضَة هي عند الله عبادات، لأنه نوى بها التقوي على طاعة الله، والتقرب بها إلى الله عزَّ وجل،أما المنافقون فحتى عباداتهم هي عاداتٌ لا ترقى بهم عند الله عزَّ وجل.

﴿ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾
يعطيك عطاءً مذهلاً،
أي إذا كنت كريماً هو أكرم:(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]
 
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾
الرؤوف هو الذي يخفف عن عباده فلا يكلفهم ما يشق عليهم،
ولا يخرجهم عن وسعهم وطاقتهم يعطيك عطاءً مذهلاً،

 
الرؤوف في اللغة:
الرؤوف صيغة مبالغة من اسم الفاعل رائف، وهو الموصوف بالرأفة فعله رأف، يرأف، رأفة، فهو رؤوف، والرأفة في حق الإنسان أن يمتلئ قلبه بالرقة وهي أشد من الرحمة، رحمة، فرأفة، وقيل بل شدة الرحمة ومنتهاها، قال تعالى:

﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ (2) ﴾
(سورة النور)
الرأفة رقة القلب، مشاعر العطف والرحمة، ويمكن أن نقول: إن الرحمة تسبق الرأفة، والرأفة منزلة تأتي بعدها، فلان رحيم، فإذا اشتدت رحمته فهو رؤوف، أو الرأفة آخر ما يكون من الرحمة يعني في أعلى درجات الرحمة الرأفة، لذلك قدمت الرأفة على الرحمة تقديم أهمية، وذلك في هذه الآية:
﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) ﴾
( سورة التوبة)
لذلك قالوا أرحم الخلق بالخلق رسول الله.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

48269144_1999480176795362_31919402675569

ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً

({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}
(208)سورة البقرة
خاطب الله الذين آمنوا به، آمنوا بكماله ووحدانيته، وآمنوا بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، وبعلمه، وحكمته، وقدرته، ورحمته " ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً"، فالأصل أن تؤمن بالله، فإن أمنت به الآن اتبع أمره، ما هو أمره؟ ادخلوا في السلم "، السلم هو الإسلام، لمَ سمي هنا السلم؟
لأنك إن أطعت الله عز وجل كنت في سلام مع الله، لا تنتظر من الله إلا كل إكرام، فيجعل الله لك نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة، وإذا كنت مطيعاً لله فأنت معه في سلام، لأن المعاصي والآثام هي سبب كل المصائب والآلام، فإذا كنت مع الله في سلام، فأنت في حصنٍ حصين، وأنت في سلام، إن أطعته فأنت في سلام، وإن أطعت الله عز وجل كنت في سلام مع نفسك، أي أنت في سلام مع نفسك، لأن النفس جبلت على طاعة الله والقرب منه، إن أطعت الله عز وجل ارتاحت نفسك وأراحتك، وإن عصيت الله أتعبتها وأتعبتك، أكثر الأمراض النفسية والعقد هي بسبب خروج الإنسان عن فطرته، إذاً أراد الله من الإسلام أن يكون سلماً، لأنك إن أسلمت حقيقة أنت في سلام مع الله، وفي سلام مع نفسك، ومع من حولك، فالمطيع يحبه كل من حوله، لأنه وقاف عند حقوقه، لا يأخذ ما ليس له، ووقاف عند حقوق الآخرين، فالإنسان المسلم يحبه كل من حوله ويتمنى القرب منه، ويثني عليه كل من حوله ويحاول أن يخدمه، لأنه أخذ ما له وترك ما ليس له، هذا هو الحد الأدنى: العدل والإحسان، المؤمن محسن، والإحسان يجلب القلب، "يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها"، فالنقطة الدقيقة هي أن الإنسان حينما يستقيم على أمر الله يعيش حالة السلم أي حالة السلام مع كل المخلوقات.


ينبغي أن تكون كلك ضمن الإسلام :

﴿ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾
هناك نقطة في كلمة
﴿ في ﴾
تعني الظرفية، نقول: الماء في الكوب، أي أنّ الماء كله في الكوب، والكوب ظرف، استوعب المظروف، إذا قال الله عز وجل:
﴿ ادْخُلُوا فِي﴾
أي يجب أن تدخل كلك في الإسلام، ليس أن تؤدي عبادات شعائرية بالمسجد، بل أن تدخل أنت وتجارتك، وزواجك، وتطليق زوجتك، وأفراحك، وأتراحك، وسفرك، وإقامتك، أنت ككيان بكل حركاتك، وسكناتك، ونشاطاتك، وجوانب شخصيتك ضمن الإسلام، لا يوجد لك نزاعات نافرة، ولا أشياء خارجة عن الإسلام، ولا أفكار غير صحيحة وشاذة، ليس لك سـلوك شـاذ، ولا تصـرفات شاذة:
إذا أنت دخلت في الإسلام يعني طبقت فيه العبادات الشعائرية، والعبادات التعاملية، وطبقت عملك وفق الإسلام، وتجارتك

أما إنسان ربعه ضمن الإسلام، وثلاثة أرباعه خارج الإسلام، وسفره غير إسلامي، وبيته، وعمله، ودخله، وإنفاقه، واستثماره للمال غير إسلامي، يقول لك: والله يا أخي هذا الفندق يعطي أرباحاً طائلة، فندق خمسة نجوم، كله معاص وآثام، طبعاً هناك أرباح طائلة، أنت جزء من مالك مستثمر بطريق غير مشروع مثلاً، فأنت لست بكلك في الإسلام، ما أدخلت الإسلام كلك، ثمة قسم لم يدخل في الإسلام، فجزء من دخلك غير إسلامي، جزء من لهوك غير إسلامي، جزء من علاقاتك الاجتماعية غير إسلامي، أي أنت ما دخلت كلك في الإسلام، بل بقي بعضك خارج الإسلام، أما الآية:
﴿ ادخلوا في السلم ﴾
كلك ضمن الإسلام، بتفكيرك، وبعقيدتك، وبلهوك، ومرحك، بجدك، وحزنك، وفرحك، وتجارتك، وإقامتك، وسفرك، وعلاقاتك، وعطاءك، ومنعك، وصلتك، وقطيعتك، وغضبك، ورضاك، كلك للإسـلام، تطبق منهج الله عز وجل


معنيان لكلمة كَافَّةً
( ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)

كلمة (كافة) لها معنيان :
أما النقطة الدقيقة جداً هنا كلمة
﴿ كافة ﴾
ولتوضيح المعنى أورد هذا المثل: لو كان عندك هاتف، ولك خمسون صديقاً لا يملك أيٌّ منهم هاتفاً، فما قيمة هاتفك؟ لم يعد له قيمة إطلاقاً، أما قيمة هاتفك إذا كان عند كل أصدقائك هواتف، أنت صادق، والكل يكذبون، هم انتفعوا بصدقك، وأنت لحقك ضرر بكذبهم، هذا يحدث دائماً، المؤمن صادق، وسبيله الصدق، وعنده حسن ظن، كل من حولك يكذب عليك، أما هو فيصدق معهم جميعاً، الثمرة المرجوة لم تتحقق، لأنهم ما دخلوا في السلم كافة، بل دخل واحد واثنان، والبقية كذابون، أنت لا تغش، أنت مخلص، والبقية يغشون، فأنت ضاعت ميزتك مع فيضان الغش في المجتمع، ما ظهر الدين، الآن مشكلة الدين أنه ما ظهر، والأكثرية يكذبون ويغشون ويحتالون وينافقون، فالصادق المخلص الجريء الواضح لا يظهر، أما لو طبق الكل الإسلام، تجد له روعة ما بعدها روعة، الكل صادقون، والكل أمناء.
قدم أحد الأخوة إلى بيتي ليدهن البيت، تركت البيت كما هو، وذهب الأهل إلى بيت أهلهم، استغرب الجيران، ذلك لأنّهم ما عرفوا أنّ المؤمن مؤتمن على الروح، الإنسان المؤمن ترتاح معه، لا تخشى منه أنه يغدر بك، أو يسرق منك، أو يغشك، التعامل مع المؤمن مريح جداً.

1 ـ تعود (كافة) على المؤمنين :
النقطة الدقيقة أنه إذا توسع الإسلام وانتشر فإنّ ثماره تظهر الآن على مستوى مسجد، كل الأخوة صادقون، لا يكذبون، ولا يغشون، أعفة مثلاً، تجد أنّ لقاءاتهم ممتعة، فهناك سعادة وثقة مريحة جداً، حتى في التعامل التجاري الأمر مريح، لا يوجد كذب، ولا احتيال، ولا غش، ولا غدر، ولا قنص، أما الآن فالناس كل واحد لغم لا تدري متى ينفجر فيحطم من حولـه، أما المؤمن فهو مسالم، يعيش ثلاثين سنة لا يشكو منه أحد، وليس له قضية في مخفر إطلاقاً، يعرف حدوده، وقاف عند كتاب الله، يعلم ما له، وما عليه.
هذه أول نقطة
﴿ ادخلوا في السلم كافة ﴾
تعود كافة على المؤمنين.

2 ـ تعود (كافة) على الإسلام :
هناك معنى ثان
﴿ ادخلوا في السلم كافة ﴾
تعود على الإسلام، أي خذوه بأكمله، لا تأخذوا بعضه، إذا أخذتم بعضه وتركتم بعضه الآخر لم تقطفوا ثماره، فالإسلام منهج كامل، فيه عبادات شعائرية، صوم وصلاة وحج وزكاة، وفيه عبادات تعاملية، وآداب، وعقائد، فأنت يجب أن تدخل في الإسلام كله، بعقائده، فلا يوجد عندك بالعقائد خلل، تصورات غير صحيحة، أفكار غير صحيحة عن الآخرة، تتهم الله في عدله وأنت لا تشعر، تتهم النبي في كماله وأنت لا تشعر، أما إذا دخلت في الإسلام عقيدة، وعبادة، وتعاملاً، وأخلاقاً، وتفوقاً، أي دخلت في الإسلام كله
﴿ ادخلوا في السلم كافة ﴾
يعني جميعاً ادخلوا وطبقوا أحكامه جميعاً.


موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
 
 
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾[ سورة البقرة: 208]
(وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾

حينما يطيع الإنسان الشيطان لا يرضى إلا أن يضعه في الحضيض :
قال العلماء: الشيطان ذكي جدّاً فلا يأمرك بالكفر، ولكنه يأمرك بمخالفة بسيطة، فإن أطعته فيها أمرك بأكبر منها من وقت إلى آخر، حتى تجد نفسك أخيراً في الكبائر، ذكر لي أحدهم في سفرتي الأخيرة أن شاباً مسلماً يساكن فتاة دون عقد زواج مدني ولا ديني، أبداً، سئل ما تفعل؟ قال: إنّ الإسلام لم يحلّ لي مشكلتي هنا، وأنا بحاجة، إذاً تزوجها!! أجاب: هي لا تصلح لي زوجة، لقد نامت مع عشرات الرجال قبلي، وصل به الشيطان إلى أن يرتكب الزنى كل ليلة، دون أن يحسب حسباناً للحرام، فحينما يطيع الإنسان الشيطان لا يرضى إلا أن يضعه في الحضيض، فالشهوات كأنها صخرة مستقرة على رأس جبل، إن زحزحتها من مكانها لن تستقر إلى في قعر الوادي

الزناة بدؤوا بنظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء، والذين شربوا الخمر بدؤوا بشربه بالمناسبات، ثم أصبحوا مدمنين على الخمر، فقضية الإنسان قضية ديناميكية بالتعبير الحديث، أي أنّ كل طاعة تنقلك إلى طاعة أكبر، وكل معصية تنقلك إلى معصية أكبر، فالشيطان لو فرضنا بدأ بأكبر شيء، فدعا الإنسان إلى الكفر فوجد إيمانه قوياً، ثم دعاه إلى الشرك فوجده موحِّداً، ثم دعاه إلى البدع فوجده مطبقاً للسنة، فدعاه إلى الكبائر فوجده ورعاً، فإلى الصغائر فوجده متمسكاً، فدعاه إلى المباحات حتى يغرق فيها، فوجده زاهداً، فإلى التحريش بين المؤمنين، فهناك نقطة مهمة جداً، هناك معاصٍ لها وهج، ولها جذب، فمثل هذه المعاصي لستَ مكلَّفاً بالامتناع عنها فحسب، بل أن تمتنع عن أسبابها أيضاً، وهذا معنى قوله تعالى﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ﴾[ سورة البقرة: 187 ]

اجعل بينك وبين الحد هامش أمان، غض البصر هامش الأمان فيه عدمُ صحبة الأراذل، وعدمُ الاختلاط، والانغماسُ في متع رخيصة، أما إذا تجاوزت هذا الحد فقد وقعت في المعصية، كمثلِ نهر عميق له شاطئ مائل زلق، وله شاطئ مستوٍ جاف، أنت إن وقفت على الشاطئ المائل الزلق وقعت في النهر، وإن وقفت على الشاطئ المستوي الجاف فأنت في أمنٍ وبحبوحة.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
(فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )(209) سورة البقرة

معنى كلمة (عزيز)

بعد البينات وبعد التوضيح وبعد البيان لا يوجد عذر، فالجاهل معذور، أما الذي طلب العلم، وعرف الحلال والحرام، فكيف يعذر عند الله عز وجل؟
ومع ذلك فالإنسان حينما يخطئ من له غير الله، وحينما تزل قدمه من له غير الله، أي يجب ألاَّ تفكر إلا في التوبة، ومهما تكن الشروط والظروف فإنّ الله عز وجل عزيز حكيم، عزيز لا ينال جانبه، وليس من السهل أن تصل إليه، وقال العلماء: عزيز أي تشتد الحاجة إليه، ويندر مثله، ومن الصعب أن تصل إليه، فالله عزيز، عزيز أي ليس مثله شيء، إذا قلنا: شيء عزيز أي قليل، بضاعة نادرة، وإذا قلنا: هذه البضاعة عزيزة أي هي نادرة، وقليلة جداً، قد تبحث عنها طويلاً حتى تجدها، فإذا قلنا: الله عزيز أي ليس كمثله شيء، وتشتد الحاجة إليه، إذْ يحتاجه كل شيء في كل شيء
الشيء الثالث: ليس من السهل الوصول إليه، فالله عز وجل عزيز، وسلعته غالية، حتى يقبل عليك، وحتى يتجلى عليك، وحتى يملأ قلبك نوراً وإيماناً، وحتى يدافع عنك، وحتى يؤيدك بنصره، فأنت تحتاج إلى طاعته، وإلى أن تجاهد نفسك وهواك في سبيله، كلمة دكتوراه عزيزة، ويمكن لأيِّ إنسان مثلاً أنْ يشرب كأساً من الشراب في الطريق ثمنه خمس ليرات، أو عشر ليرات، أو خمسون ليرة، فهو مبذول لكل الناس، أما شهادة الدكتوراه فهي ليست مبذولة لكل الناس، تحتاج إلى ابتدائي، وإعدادي، وثانوي، وفرع بالجامعة، وتقدير جيد جداً، ودبلوم عامة، ودبلوم خاصة، وماجستير، ودكتوراه، وتأليف كتاب، وأخيراً مناقشة الأطروحة، يقول لك: أربعون سنة حتى نلت هذه الشهادة، هي شيء عزيز
﴿  فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾
عزيز ليس كمثله شيء، واحد، إذا كان الشيء عزيزاً أي قليلاً، لكنه متعدد، أما الله فعزيز واحد، تشتد الحاجة إليه، يحتاجه كل شيء في كل شيء، يصعب الوصول إليه إلا بالصدق.

من عاهد الله عز وجل يجب أن يكون عند حدود هذا العهد :
قال تعالى
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾[ سورة العنكبوت: 69 ]
عندما تزل قدمك وتقول: غداً أتوب، وتزل، وتتوب بهذه البساطة!!! لا، الله عز وجل عزيز، أول توبة سهلة جداً، لمجرد أن تقول: يا رب، تبت إليك، يقول لك: عبدي، وأنا قد قبلت، ويزيح عنك هموماً كالجبال، أما كلما تبت إليه نقضت التوبة!! فالله عز وجل عزيز، فقد تجد الطريق مغلقاً، والباب مسدوداً، والإقبال عسيراً،

﴿ فاعلموا أن الله عزيز حكيم ﴾
يعني إن زللتم قبل أن تأتيكم البينات فالقضية سهلة جداً، وأما إن زللتم بعد أن جاءتكم البينات، فتوبة الذي يعلم أصعب من الذي لا يعلم، قال العلماء: لو أن الإنسان دخل في الدين في رمضان، ولم يعلم أن مقاربة الزوجة تنقض الصيام، فلا شيء عليه، ما دام هناك جهل فالقضية سهلة جداً، ولكن ترتكب المعصية بعد العلم، عندئذٍ صار الطريق إلى الله صعباً فالتوبة مع الجهل سهلة جداً، أما العائد إلى ذنبه كالمستهزئ بربه باستمرار، عندئذٍ فالله عزيز، وقد لا تجد إليه الطريق سالكاً، قد تجد عقبات وعقبات، هذا معنى الاية:
﴿ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

وإذا تعامل الإنسان مع الله ينبغي له أن يعامله بإخلاص، وبصدق، وافتقار، ووفاء، قال تعالى
﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ﴾[ سورة الأعراف: 102]
أنت حينما تعاهد الله عز وجل فالشيء الرائع أن تكون عند حدود هذا العهد، أما حينما تعاهد وتنقض، وتعاهد وتنقض،
﴿ فاعلموا أن الله عزيز حكيم ﴾
ربما لا يسمح لك أن تقبل عليه، وقد يصرفك عن أهل الحق.
التوبة الثانية تحتاج لعمل صالح حتى يقبلها الله :
مثلاً: إنسان يحضر ويغيب، ويحضر ويغيب، ويؤثر أتفه سبب على درس العلم، إذا زاره إنسان ترك الدرس، وإذا كان جالساً مع زوجته ترك الدرس، يأتيه وقت ما لا يحضر الدرس، ويكون الله قد طرده،
﴿ فاعلموا أن الله عزيز حكيم ﴾
أتاك ضيف فاحضر وإياه، ما معنى قوله تعالى
﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾[ سورة السجدة: 16 ]

لا يركن للدنيا، وقاف عند كلام الله، مطبق للسنة، يلتزم دروس العلم، ويضبط شهوته، ويعرف أنه بعد المعرفة لو زلَّت قدمه لكانت المشكلة كبيرة، فعد للمليون قبل أن تقترف معصية وأنت تعلم، إن كنت لا تعلم فالقضية سهلة جداً، أما حينما تعلم فقد وقعت في مشكلة كبيرة، ومع ذلك لو زلت القدم ـ مع العلم أنْ ليس لنا غير الله عز وجل ـ فإني أقترح على الإنسان إذا كان يعلم وزلَّت قدمه أنه يحتاج إلى عمل صالح ليمحو السيئة، لقول الله عز وجل﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾[ سورة هود: 114]

إذاً إذا تاب الإنسان ثم عاد إلى ذنبه فإنّ التوبة الثانية أصبحت صعبة، فيحتاج أن يدعمها بعمل صالح، بإنفاق المال، وبصيام طويل، حتى تُرَمَّم نفسه، والإنسان حكيم نفسه، أجمل حالة يعيشها المؤمن أن يكون مع الله، وأن تكون العلاقة بالله عامرة.

و من معاني اسم العزيز:

1 ـ العزيز هو الغالب:
معاني هذا الاسم "العزيز" هو الغالب.
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾( سورة الصافات )
لمجرد أن تتحقق جنديتك لله عز وجل فأنت الغالب، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون جندياً لله ولا تنتصر.
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾( سورة محمد الآية: 7 )
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
، إن لم ننتصر فالخطأ منا ، الكرة في ملعبنا، هناك خلل في جنديتنا لله عز وجل،
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
الله عز وجل يقول في آيات كثيرة من هذه الآيات:
﴿ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ﴾( سورة ص )
أي غلبني، "العزيز" هو الغالب، فالبطولة أن تكون مع الغالب دائماً، والخطأ المدمر أن تنحاز إلى المغلوب، إذا كنت مع الغالب فأنت الغالب، إذا كنت مع الله فأنت المنتصر، إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك.
سبحانك إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت.

2 ـ العزيز هو الشريف:
المعنى الآخر: "العزيز" هو الشريف، بكل مجتمع في فئة من الناس تسمى في اللغة علية القوم، عزيز، صادق، كريم، أصيل، جواد، صبور، حليم، هؤلاء النخبة من الناس هم أعزة القوم.
لذلك ماذا قالت بلقيس ؟:
﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾( سورة النمل الآية: 83 )
كلام من ؟
كلام بلقيس،
ماذا قال الله عز وجل:﴿ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾( سورة النمل الآية: 83 )
إذا إنسان لم يعرف ربه لكن تكلم كلمة صحيحة، يجب أن تكون خطأ ؟
لا ، بلقيس قبل أن تعرف الله قالت:
﴿ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾
خالق السماوات والأرض قال:﴿ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾
يعني الانفتاح يقتضي أن تصغي إلى كل قوم، الإمام الشافعي يقول: أنا على حق، وخصمي على باطل، وقد أكون مخطئاً، وخصمي على حق، وقد يكون مصيباً، تواضع حينما تحاور.
"العزيز" هو الجليل والشريف.

3 ـ العزيز هو القوي:
شيء آخر: "العزيز" هو القوي.
﴿ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ﴾( سورة يس الآية: 14 )
أي قويناهم بثالث، إذا قلت فلان عزيز يعني قوي، والناس يحبون الأقوياء وطبع في الإنسان أن يحب القوي، لكن من هو أقوى الأقوياء ؟ خالق السماوات والأرض، من هو القوي إلى أبد الآبدين ؟ خالق السماوات والأرض، إن أردت أن تكون قوياً كن مع القوي لا تكن مع الضعيف، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، وإن أردت أن تكون أكرم الناس فاتقِ الله، وإن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك.

الله "العزيز" واحد أحد، فرد صمد: الآن لو دخلنا في التفاصيل، الشيء العزيز نادر الوجود، هناك معادن عزيزة مثلاً اليورانيوم، معدن نادر، غالٍ جداً، كل شيء نادر وجوده قليل يسمى عزيزاً ، العوام أحياناً يقول لك: مادة عزيزة، قليلة، لكن إذا قلنا الله عزيز لا مثيل له، لا ندّ له، لا نظير له، واحد أحد فرد صمد:
﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾( سورة الإخلاص )
إذا قلت شيء عزيز أي قليل، وجوده نادر، أما إذا قلت الله عزيز يعني واحد أحد، فرد صمد
﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾
﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾
( سورة الإخلاص )
﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾
( سورة الشورى الآية: 11 )
وكل ما خطر في بالك فالله بخلاف ذلك.

4 ـ العزيز من يحتاجه كل شيء في كل شيء:

الآن الشيء العزيز تشتد الحاجة إليه إذا قلنا الله عزيز أي يحتاجه كل شيء في كل شيء، الناس بحاجة إلى ملك يوفر لهم الأمن، والحاجات، والنظام،...إلخ،
كل إنسان بحاجة إلى الله عز وجل
 أنت بحاجة إلى الله، بهذا الهواء الذي تتنفسه، القلب ينبض لو توقف انتهت الحياة، كل الأموال المنقولة والغير المنقولة تخسرها بثانية واحدة، يعني الإنسان قوته، وهيمنته، و عظمته، ومكانته، وسيطرته، وحجمه المالي الكبير، وحجمه الإداري الكبير، منوط بضربات قلبه، فإذا توقف قلبه انتهى كل شيء، صار خبراً على الجدران.

راتب النابلسى
موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية
 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ۗ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)سورة البقرة

معنى تبديل النعمة :
الآيات من رحمة الله بنا، هناك آيات كونية، وآيات قرآنية وتكوينية، وهذه الآيات سبب معرفة الله عز وجل، ومعرفته سبب السعادة في الدنيا والآخرة، فإذا لم يعبأ الإنسان بهذه الآيات، ولم يفكر فيها، ولم يأخذ بها، فقد شقي في الدنيا والآخرة
﴿ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ
لقد كانت نعمة كي يعرف الله بها فيطيعه، فيسعد في الدنيا والآخرة، ولكنه لم يعبأ بها، بل جعلها معطلة فشقي في الدنيا والآخرة، والآن أي نعمة، أعطاك الله نعمة البصر، فإن لم تستخدم هذه النعمة فيما أراد الله عز وجل فقد كفرتها، وأعطاك نعمة العقل، فإن لم تعمل العقل فيما أراد الله عز وجل فقد كفرت بنعمة العقل، ونعمة السمع فإن لم تصغِ إلى الحق فقد كفرت بهذه النعمة، ونعمة الصحة فإن لم تستغلها في طاعة الله فقد كفرت بهذه النعمة، ونعمة الفراغ فإن لم تملأ الفراغ بما يرضي الله عز وجل فقد كفرت بهذه النعمة، ونعمة الأمن فإن لم تستخدم هذه النعمة في طاعة الله عز وجل فقد كفرت بهذه النعمة، وهذا معنى تبديل النعمة، أي أن تستخدمها لغير ما أراد الله عز وجل، وأعطاك طلاقة اللسان فهذه النعمة إن لم تستخدمها في ذكر الله فقد كفرت هذه النعمة

أيمكن لإنسان أنْ يشتري جهازاً معقداً جداً، كمبيوتر مثلاً ثمنه ثلاثون مليوناً، ثم يستخدمه منضدة؟ يكون حينئذ قد كفر به، فمثل هذا الجهاز لا يستخدم كمنضدة ثمنها ألفا ليرة أمام خمسة وثلاثين مليون ليرة!! أنت كفرت بهذه النعمة، أيستخدم إنسان أداة منزلية للتنظيف مصنوعة من الذهب الخالص؟ كفرت بنعمة الذهب الخالص، وكل نعمة من نعم الله عز وجل إن لم تستخدمها وفق ما أراد الله فقد كفرت بها، بل كفرت بالمنعم الذي أنعم الله عليك بهذه النعمة، والله عز وجل هدانا بالكون فلم نعبأ به، هدانا بالقرآن فلم نعبأ ولم نتدبر آياته، هدانا بأفعاله فلم نعتبر بها، بل أردناها أرضيةً، وهذا من الكفر بالنعمة
مثلاً النبي الكريم قال: "أصبح مؤمن بي وكافر"،عن زيد بن خالدٍ الجهني قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر السماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: ((هل تدرون ماذا قال ربكم؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((قال: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ، فأما مَن قال: مُطِرْنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنَوْء كذا وكذا، فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب)).فهذا الذي يعزو هذه الأمطار التي أكرمنا الله بها إلى أشياء أرضية لا صلة لها بالخالق فقد كفر، وهذا معنى تبديل النعمة، أعطاك نعماً يجب أن تتحرك من خلالها وفق منهج الله عز وجل، ويجب أن تشكر الله عليها، إن استخدمت العقل لدحض الحق فقد كفرت بالله، وكفرت بنعمة العقل، وأعطاك طلاقة لسان، فإن استخدمت هذه الطلاقة لترويج الباطل والرد على أهل الحق فقد كفرت بهذه النعمة، وأعطاك فكراً دقيقاً، فإن استخدمته بالإيقاع بين الناس، وفي جمع الدرهم والدينار في طريق غير مشروع فقد كفرت بهذه النعمة، وأعطاك نعمة البصر، فإن تأملت بها عورات المسلمين كفرت بهذه النعمة، وأعطاك نعمة السمع، فإن لم تستمع إلى الحق واستمعت إلى الباطل فقد كفرت بهذه النعمة، وهذا معنى تبديل النعمة:
﴿ سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ﴾
وقد أعطاك نعمة الآيات الكونية الدالة على عظمته، ونعمة الآيات القرآنية الدالة على كلامه، ونعمة النظر في أفعاله، فلم تفعل ذلك، بل بدلت هذه النعم إلى نقم فإن الله شديد العقاب. ثم يقول الله عز وجل:﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾الدنيا تملأ أعينهم وهي منتهى آمالهم، ومحط رحالهم، وهي كل شيء في حياتهم
﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾[ سورة الروم: 7 ]
لذلك فالكفار زينت لهم الحياة الدنيا.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
خصائص النفس متوافقة مع التكليف

﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾سورة البقرة 213

الواقع أن هناك اختلافات بين البشر لا تعد ولا تحصى، والناس اليوم مذاهب، واتجاهات وشيع، وملل، ونحل، وأعراق، وأقوام، وقبائل، وعشائر،
فما سبب هذا الاختلاف بين الناس؟ ومتى يكون الاختلاف طبيعياً؟ ومتى يكون عدوانياً؟ ومتى يكون محموداً؟
الإجابة عن هذه الأسئلة في هذه الآية، وتمهيداً لهذه الآية لا بد من التنويه بأن الله جل جلاله جبل الناس جبلةً واحدة، وهذه الجبلة تعني أن طبعهم وهو أقرب إلى الجسد متناقض مع التكليف، وكلمة تكليف تعني أنه ذو كلفة، أيْ يحتاج إلى جهد، طبعاً الدراسة أصعب من عدم الدراسة، وأن تؤسس عملاً أصعب بكثير من أن تبقى بلا عمل، وكلمة تكليف تعني شيئاً يحتاج إلى جهد، ولحكمة بالغة بالغةٍ أرادها الله عز وجل كان التكليف متناقضاً مع الطبع، والطبع أقرب إلى الجسم، والتكليف متوافق مع الفطرة، والفطرة أقرب إلى النفس، فلك جسم، ولك نفس، ومعك تكليف، وهذا التكليف يتناقض مع خصائص الجسم.

مثلا التكليف يأمرك أن تصلي الفجر في وقته، والإنسان في الشتاء غارق في نوم عميق، وعلى فراش وثير، وتحت لحاف دافئ، فهذا التكليف أن تصلي الفجر في وقته يتناقض مع حاجة الجسم إلى الاستمرار في النوم، والتكليف يأمرك أن تغض البصر عن امرأة حسناء، والطبع يقتضي أن تملأ عينيك من محاسنها، والتكليف يأمرك أن تنفق المال، وقد حبب المال إليك، والطبع يقتضي أن تأخذ المال لا أن تنفقه، بل أن تجمعه، والتكليف يأمرك أن تكف عن الخوض في قصص الآخرين، وفي فضائحهم، وفي سقطاتهم، أما الطبع فيقتضي أن تستمع، وأن تتابع قصص الآخرين، وأن تكشف أسرار ما في البيوت، فالتكليف إذاً يتناقض مع الطبع، ولأنه يتناقض مع الطبع كان ثمنه الجنة.

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾[سورة النازعات: 41]

لكن التكليف يتوافق مع الفطرة، فأنت حينما تصلي الفجر في وقته ثم تنام، وتستيقظ مرتاحاً إلى أقصى حدود الراحة، لأنك كنت عبداً طائعاً لله عز وجل، تنام بعد صلاة الفجر نوماً هنيئاً، وحينما تغض بصرك عن محارم الله وقد منعت نفسك من أن تملأ عينيك من محاسن امرأة لا تحل لك، وتشعر أن الله يحبك، وأنك في ظل الله، وحينما تنفق المال الذي أنت في أمس الحاجة إليه تشعر أنك آثرت رضاء الله على حظوظ نفسك فترقى، وحينما تضبط لسانك، وتسكت، مع أنك تتمنى أن تتكلم، وتشعر أن الله يحبك، فشتان بين أن تأخذ لذةً عابرةً منقطعةً تعقبها كآبة، وبين أن تسعد بقرب الله عز وجل، لأنك كنت عبداً مطيعاً، إذاً معنا تكليف، ولنا جسم، وفي ثنايا هذا الجسم نفس، والنفس متوافقة مع التكليف، والدليل:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾[سورة الروم: 30 ]

طبيعة النفس متوافقة تماماً مع خصائص ديننا :

كل خصائص النفس متوافقة مع التكليف حينما تصدق، وحينما تكون أميناً، وتعتز بالله، وتوحده، وتنصف وتقف موقفاً عادلاً، وترحم الآخرين، وتكون أباً كاملاً تشعر بسعادة لا توصف، لأن طبيعة النفس متوافقة تماماً مع خصائص هذا الدين، والذي أنزل هذا الكتاب هو الذي جبل هذه النفس، ولذلك يضيع الإنسان، ويشقى، ويتمزق، وتنشأ عنده صراعات إلى أن يصل إلى الله، فإذا وصل إليه كان أسعد الناس، وإذا وصل إليه سكنت نفسه، واطمأن قلبه، وصحت رؤيته، وسدد الله كلامه، ووفقه في الدنيا وفي الآخرة.
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾[سورة السجد: 18]
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾[سورة القلم: 36]
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾[سورة القصص: 61]
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ ﴾[سورة الجاثية: 21]

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×