اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

في رحاب التفسير..(متجددة)

المشاركات التي تم ترشيحها

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)سورة البقرة

الإكراه في الدين يتنافى مع سعادة الإنسان :
أولاً: إنّ الإنسان قَبِلَ حمل الأمانة، وقد أعطى اللهُ الإنسانَ مقوِّماتِ الأمانة، ومن أهم هذه المقومات حريّة الاختيار، فما دام الإنسان حراً في اختياره فلا يمكن أن يكون ثمّةَ إكراهٌ في الدين، لا يمكن أن يكون إكراهٌ في الدين، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، لو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، مستحيل أن يُجبر الله عباده على الدين، لو أجبرهم لما سعدوا به، لأن الله عزَّ وجل بنى هذا الدين على المَحْبوبيَّة، الله عزَّ وجل لا يريدك أن تؤمن قسراً، ولا إكراهاً، ولا إرغاماً، يريدك أن تؤمن طَوْعاً، حُباً، شَوقاً، بمبادرةٍ منك، بإقبالٍ منك على الله، لذلك الإكراه في الدين يتنافى مع سعادة الإنسان، خلقك ليسعدك، وإنَّك لن تَسعد إذا كنت ديِّناً مكرهاً، لن تسعد بدينٍ قسري، إنك لا تسعد إلا بعملٍ طوعي.

لو أمسك شخصٌ حاجة ثمينة بيده، وجاء إنسان معه مسدس، وقال له: أعطني هذه الحاجة وإلا قتلتك، فأعطاه إياها، هذا الذي أعطى هذه الحاجة هل يشعر أنه قدَّم هديةً؟ على أنه عمِلَ صالحاً؟! إنّه مقهور يمتلئ غيظاً، أما لو جئت إلى إنسان وقدَّمت له هديةً، فكلما التقيت به تألق وجهك، لأنك فعلتَ معه معروفاً، فحينما تجبَر على العمل سقطت قيمة العمل، وحينما تفعل هذا العمل اختياراً، وطواعيةً، عظمت قيمة العمل، فالاختيار يثمِّن للعمل و يلغي السعادة النابعة من الدين.

لذلك شاءت حكمة الله أن يكون هذا الدين في بداياته ضعيفاً، فماذا يفعل النبي؟
ليس عنده دنيا يُغري بها، وليس عنده قوة يُخيف بها، ومع ذلك يؤمن به أصحاب النبي إيماناً طوعياً عن رغبةٍ وحُبٍّ، هذا الإيمان صحيح ورائع، لأنه جاء بمبادرة شخصية، وجاء باختيارٍ طيب..

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
هذه (لا) نافية للجنس، إذا سألَك شخص: هل عندك رغيف خبزٍ؟
إذا قلت: ليس عندي رغيف خبز، لو أردت أن تناقشه، قد يكون عنده رغيفان، لكنه ماذا نفى؟
ليس عندي رغيف خبز، نفى الرغيف الواحد، أما إذا قال لك: لا رغيف عندي، فهذه نافية للجنس، لا تنفي الرغيف الواحد، بل تنفي جنس الخبز، تنفي القمح، وتنفي مشتقات القمح، ونفي الجِنْس مِن أبلغ النفي.

الدين هو الرشد وخلاف الدين هو الغي :
مثلاً، عندنا (لا) التي تعمل عمل (ليس)، فتقول: لا طالبٌ في الصفِ، هذه "لا" تعمل عمل ليس، فتقول: بل طالبان، ماذا نفيت بها؟ نفيتَ المفرد، أما إذا قلت: لا طالب في الصف بل طالبةٌ، فقد نفيتَ جنس الذكور، وكلمة لا طالبٌ في الصف نفيت بها المنفرد، أما لا طالبَ في الصف فنفيتَ جنس الذكور، ولا تنس أن كلمة التوحيد لا إله إلا الله، فأبلغ أنواع النفي نفي الجنس..

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
الدين بين لا يحتاج لإكراه
أي كل أنواع الإكراه، هناك إكراه حاد، إن لم تؤمن بهذا تُقتَل، هذا إكراه حاد، وهناك إكراه أقلّ منه، أي إنْ لم تؤمن فليس لك ولا ميِّزة، مثلاً، هناك أنواع منوَّعة من الإكراهات، كل أنواع الإكراهات القاسية، والحادة، والمخففة، والمباشرة، وغير المباشرة، والصريحة، وغير الصريحة، والمعلنة، والمبطنة غير موجودة في دين الله.


﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
ولكن ما هو الدين؟
قال تعالى:
﴿ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾
إنّ الدين هو الرشد، وخلاف الدين هو الغي، وهذه حقيقة أيها الأخوة، هناك طريق الحق وطريق الباطل، ولا ثالث بينهما:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾
[ سورة القصص: 50 ]

حياة المسلم منضبطة وفق منظومة قيَم وسلسلة مبادئ :
إن لم تكن على الحق ـ لا سمح الله ولا قدَّر ـ فأنت على الباطل قطعاً، وإن لم تستجب لله فأنت مستجيبٌ لغير الله ـ قطعاً ـ وعندنا شيء في الدين اسمه الاثنيْنيَّة، أي هناك حق وباطل، خير وشر، صدق وكذب، إخلاص وخيانة، إنصاف وظلم، إقبال وإدبار، تألُّق وانكماش، فإن لم تكن على أحد الخطين فأنت على الثاني..


الدين هو الرُشْد، الدين كما قال الله عزَّ وجل:
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾
[ سورة الإسراء: 9 ]
في صحتك، في زواجك، في حرفتك، في علاقاتك، في جدَّك، في لهوك، في إقامتك، في سفرك، حياة المسلم رائعة، منضبطة وفق منظومة قيَم، وفق سلسلة مبادئ..

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾
قدِّم لمئة ألف إنسان نموذجَ المسلم يرمقونه بأبصارهم، قدِّم لهم نموذج المنحرف يزورّون عنه، الناس يكرهون الكذاب، يكرهون المنافق، يكرهون الدجال، يكرهون المؤذي، يكرهون المغتاب، يكرهون النمَّام، يكرهون المتغطرس المتعالي، يحبون المتواضع، الرحيم، المنصف، الصادق، الأمين، العفيف.


في كل حقل هناك رشد وهناك غَيّ :
قال تعالى:
﴿ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾
الدين هو الرشد، هناك معنى آخر: إذا قُدِّم لإنسان ـ فرضاً ـ وهو جائع طعامٌ طيبٌ ونفيسٌ، وقُدِّم له صحنٌ آخر فيه لحمٌ متفسخ، تفوح رائحته النتنة، فهل هناك حاجة أن تكره هذا الإنسان على أكل الطعام الطيب؟ يتّجِه إليه بفطرته، ضع صحن طعامٍ طيب وطعام خبيث، وقل له: أنا لن أكرهك على أن تأكل الطعام الطيب، طبعاً سيأكله، وسيشكرك عليه، وسيذوب محبةً لك.
هناك معنى آخر، فضلاً عن أن الله لا يقبل مؤمناً مقهوراً، ولا مؤمناً مكرهاً، ولا صلاةً فيها ضغطٌ وإكراهٌ، بالمقابل دين الله بتألُّقه، ومنطقيته، وكماله، وكيف أنه قدَّم تفسيراً رائعاً للكون، وكيف أن فيه قيَماً، واللِه من أحد ألد أعداء المسلمين في بلد غربي بعيد قال في احتفال: إن القيم التي نؤمن بها هي نفس القيم التي جاء بها الإسلام، هكذا قال. الإسلام عظيم.

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾
(الغي) الانحراف، الغي الطغيان، الغي الظلم، الرشد أن تنسجم مع فطرتك، وأن تنسجم مع الحق، وأن تنسجم مع علَّة وجودك وغاية وجودك، هذا هو الرشد.
طالب في المدرسة، ما هو الرشد؟ أن يدرس، وما هو الغي؟ ألاّ يدرس، أن يذهب إلى دور اللهو هذا هو الغي، وأن يقبع وراء كتابه هذا هو الرشد، والتاجر ما هو الرشد له؟ أن يربح، الغي أن يكذب على الناس، وأن يظلمهم، في كل حقل هناك رشد وهناك غَيّ..

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ﴾
طاغٍ، والمؤمن يكفر بهؤلاء الذين يطغون، فالطاغي قوي، لكنّ المؤمن كفَر بالطاغوت وآمن بالله.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

لن تقطف ثمار الدين إلا إذا آمنت بالله وكفرت بالطاغوت :
قال تعالى:
﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ﴾

أي يكفر بالكفر، يكفر بالذي يستخدم قوته لإمتاع شهواته، بالذي يقهر الناس..

﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾

أي إنك حينما تؤمن بالله تكفر بالطاغوت، المشكلة أيها الأخوة هي التداخل، فهو مؤمن ولكنّه مع أهل الدنيا، ومع الأقوياء، ومع الأغنياء، في فسقهم وفجورهم، لا تسخو نفسه أن يدعهم، لن تقطف ثمار الدين إلا إذا آمنت بالله وكفرت بالطاغوت، لا بدّ أن تكفر بالكفر حتى تُفْتَح لك أبواب السماء..

أنتَ بعيدٌ عن اللهِ ما دمت تعقد الأمل على طواغيت الأرض؛ الفسَّاق والفجار، والذين جاؤوا بالمذاهب الوضعية، والذين أرادوا الدنيا وغفلوا عن الآخرة، الذين أرادوا الشهوة وغفلوا عن القيَم، الذين أرادوا المال وغفلوا عن الأخلاق، هؤلاء كلهم طواغيت، قد يكون الإنسان محاطاً بطواغيت، يقول لك: لي جار مادي، لي عم لا يحلل ولا يحرِّم، كل إنسان طغى وبغى ونسي المبتدى والمنتهى فهو طاغوت، فما دمت متعلِّقاً بأهل الكفر، علماً أنهم قد يكونون أقوياء، وقد يكونون أغنياء، تعقد الأمل عليهم، ترجو عطاءهم، ترجو ودَّهم، تحذر من غضبهم، تحسب لهم ألف حساب، ما دمت مؤمناً بهم، متعلقاً بهم، تعلِّق عليهم الآمال، ترجو الخير منهم، فالطريق إلى الله غير سالك..


على الإنسان أن يؤمن بالله إلهاً في السماء وإلهاً في الأرض :
حتى في تاريخنا القديم والحديث تجدنا متعلقين بالأقوياء، ونظن أن اتصالنا بهم رحمة لنا، وأن تقليدهم رُقي، وأن إرضاءهم ذكاء، وأن التعلق بوعودهم أمل، هؤلاء لا يعطوننا شيئاً، إلا أنهم يستغلوننا، وتجربتنا مع العالم الغربي منذ خمسين سنة ماضية، فماذا أخذنا منهم؟
لم نأخذ شيئاً، أخذوا منا كل شيء، ولم يعطونا شيئاً أبداً..

﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ﴾

كل جهة طغت، وبغت، واستكبرت، واستغلَّت، وقهرت، وأرادت الدنيا، وكفرت بالآخرة، أرادت العِلمانية وكفرت بالدين، كل قوةٍ جبارة عاتيةٍ طاغيةٍ ينبغي أن تَنْفِضَ يديك منها، أما إذا كنت متعلقاً بها، راغباً بما عندها، ترجو رضاها، تخشى غضبها، تعلق الآمال على رضاها، فالطريق إلى الله ليس سالكاً..

يجب أن تؤمن به خلاَّقاً، وأن تؤمن به فعَّالاً، وأن تؤمن به متصرِّفاً، وأن تؤمن به إلهاً في السماء وإلهاً في الأرض، وأن تؤمن أن الأمر كله بيده، وأنه إذا شاء شيئاً فعل، ووقع:
﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ﴾
[ سورة الرعد: 11 ]


من تمسَّك بالقرآن والسُّنة وعضّ عليهما النواجذ فهو متمسك بعروةٍ وثقى :
كل شيءٍ بيده، بيده مقاليد السماوات والأرض، هذا هو الإيمان، فيجب أن تكفر بالطاغوت، وأن تؤمن بالله، كم مسلم في العالم يرتكب المعاصي والآثام تقرباً إلى أهل الدنيا، تقرباً إلى أهل الباطل، تقرباً إلى الطواغيت..

﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾

(العروة) هذه التي تمسكها، تتعلَّق بها، ترجو أن تبقى متَّصلة، فأنت حينما تتمسك بالشريعة، وتتصل بالله عزَّ وجل، ليس في الكون كله جهةً تستطيع أن تقطعك عن الله:
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
[ سورة فاطر: 2 ]
﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾
أي إذا تمسَّكت بالقرآن والسُّنة وعضضت عليهما النواجذ فأنت متمسك بعروةٍ وثقى.
سمعت أن لبعض الشاحنات عروة في نهايتها من أجل أن تجرَّ مقطورة، قال: هذه العروة لها اختصاص نادر، وهي مصنَّعة من أدقّ أنواع الفولاذ المطرَّق، لأن المقطورة تزن عشرين طناً، ولو أن هذه العروة تفلَّتت لوقع حادث مخيف، فهذه العروة التي توضع في نهاية الشاحنات لها صناعة متميِّزة، ومن أمتن أنواع الفولاذ المُطَرَّق، أي معالج بالطرق لا بالصب ولا بالسحب، فهذه عروة وثقى.


الطاغوت هي كل جهة تنكر وجود الله عزَّ وجل وتؤثر الدنيا :

ربنا عزَّ وجل قال: أنت إذا كفرت بالطاغوت، أيُّ طاغوت؟
كل جهة تنكر وجود الله عزَّ وجل وتؤثر الدنيا، تطغى وتبغي..
إن آمنت بالله آمنت بكتابه، إن آمنت بالله صدقته، إن آمنت بالله صدقت نبيَّك،
إن آمنت بالله تقرأ الحديث الشريف وكأنه من عند الله عزَّ وجل، قال الله لك:
﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾
[ سورة الذاريات: 58]


الدين هو حبل نجاة للإنسان
كأن هذا الدين حبل نجاة، أحياناً يلقى لإنسان حبل لكنه متين، يمسك به فينجو، أحياناً إنسان في حالة صعبة تأتيه طائرة هليكوبتر فتمدّ له حبلاً، يمسك به نجا، ترفعه شيئاً فشيئاً فينجو.

مهما كنت في خطر، مهما كنت في خطرٍ شديد، إذا تمسَّكت بالأمر الإلهي في القرآن، والأمر النبوي في السنة، كأنك تمسكت بالعروة الوثقى لا انفصام لها، نجوت.
﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
يسمع قولك، وعليمٌ بحالك.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
 أشد الناس شقاءً من خرج من ولاية الله :

﴿ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾
( سورة البقرة الآية: 257 )
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾

لا بدَّ من أمثلة؛ تصور أباً متفرغاً لابنه، عالمٌ، غنيٌ، قويٌ، مربٍّ، مثقف ثقافة تربوية عالية، إيمانه قوي، قوي مادياً، عالِم، له ابن متفرِّغ له، يسأله عن صحته، عن طعامه، عن شرابه، عن هندامه، عن وظائفه، عن بيته، عن مدرسته، عن أصدقائه، يجلس معه، ينبِّهه، يذكره، يقوم اعوجاجه، يسأله، يصحح خطأه، أبٌ متفرِّغٌ لابنه..

انظر إلى هذا المثل، الله عزَّ وجل وليُّ الذين آمنوا، يرعاهم، يؤدبّهم، يبشِّرهم، يخيفهم، يصحح مسارهم، قد يشعرهم بالخوف ليأتوا بابه طائعين، قد يشعرهم بالأمن ليشكرهم على طاعتهم له، ولي، وليٌ كامل، لذلك أشد الناس شقاءً من خرج من ولاية الله..


اسم ( المولى ) ورد مطلقاً ومضافاً
 هذا الاسم ورد في القرآن الكريم، ورد مطلقاً وورد مضافاً، فالله عز وجل يقول:
﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) ﴾
( سورة الأنفال )
 وفي آية ثانية:
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) ﴾
( سورة الحج )
 ورد مضافاً:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) ﴾
( سورة محمد )
 وقوله تعالى:
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) ﴾
( سورة التوبة)

الإنسان محتاجٌ إلى مولى:
دققوا في قوله تعالى:
﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) ﴾
( سورة الأنفال)
  أنت بحاجة إلى مولى، بحاجة إلى مرجع، بحاجة إلى مربٍّ، بحاجة إلى سند، بحاجة إلى من يدعمك، بحاجة إلى من تتوكل عليه، بحاجة إلى من يطمئنك، بحاجة إلى جهة قوية تحتمي بها من شرور أعدائك، هذا شيء طبيعي جداً في الإنسان، إلا أن المؤمن وصل إلى الإله الحقيقي، وصل إلى خالق السماوات والأرض، وصل إلى مَن بيده كل شيء، وصل إلى من بيده مصائر الخلائق، والله عز وجل ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ (123) ﴾
( سورة هود)
 لك مرجع، لك كتاب تقرأه، هذا حرام، هذا حلاب، لك إله تدعوه في الليل، لك إله عظيم تسأله فيجيبك، تستغفره فيغفر لك، تتوب إليه فيتوب عليك، لك مرجع، في حياتك منظومة قيم، هناك شيء حلال وشيء حرام، شيء ممكن وشيء غير ممكن، شيء مباح وشيء مكروه، شيء واجب وشيء مستحسن، أنت تعيش بمنظومة قيم، وهذا من فضل الله علينا.

الله عز وجل يتولى أمرنا، وقد تضيق علينا الدنيا، وأحيانا تشح السماء، فيقيم المسلمون صلاة الاستسقاء، ويلجؤون إلى الله، أحياناً يأتي شبح مرض، هذا المرض سبب توبة نصوح، أحياناً يأتي شبح فقر، هذا الفقر يسوقنا إلى باب الله، بطولتك أن تفهم حكمة الله في المصائب، البطولة أن ترى حكمة الله في أفعاله، لأن الله عز وجل حكيم.
 كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
  نعم المولى، فهو عليم، حكيم، قدير، وقعت في ورطة ـ لا سمح الله ولا قدر ـ إن دعوته أولاً فهو موجود، ثانياً يسمعك، ثالثاً قادر على أن يلبيك، رابعاً يحبك، فهو موجود وسميع، وقدير ورحيم.

هذا ما يتمتّع به المؤمن الذي تولاّه الله:
1 – الأمن:
 المؤمن يتمتع بأمن لا يتمتع به أحد على الإطلاق، والدليل:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾
( سورة الأنعام )
 لو أن الآية: أولئك الأمن لهم، أي لهم ولغيرهم، هذه البلاغة عبارة قصر وحصر.
﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾
( سورة الأنعام )
2 – الحكمة:
 يتمتع المؤمن بالحكمة:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269) ﴾
( سورة البقرة)
3 – الرضى:
 يتمتع المؤمن بالرضى، فلذلك حينما يسوق الله الإنسانَ إلى بابه عن طريق مصيبة، أو شبح مصيبة، أو ضيق، أو عدو جاثم على صدره، أو شبح فقر، أو شبح مشكلة، فهذه في الفهم الإيماني نعمة باطنة:
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
( سورة لقمان: 20)

إذا كنت ضمن العناية المشددة فأنت في نعمة كبرى:
 وأقول لكم هذه الكلمة: حينما يتابعك الله عز وجل، وحينما يخضعك لتربيته فأنت في خير عميم، وأنت في نعمة كبرى، إذا كنت ضمن العناية المشددة فأنت في نعمة كبرى، لكن المصيبة الكبيرة أن يتابع الله نعمه عليك، وأنت تعصيه، المصيبة الكبيرة أن تكون خارج العناية الإلهية:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا (11) ﴾
( سورة محمد )
 أحياناً يشدد عليهم أحياناً يضيق عليهم أحياناً يسلط عليهم عدوهم.
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِف طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
( سورة القصص )
 الآن دققوا:
﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾
( سورة القصص )
 لذلك إذا كنت ضمن العناية المشددة فالله يتولى أمرك، وإذا تولى الله أمرك فأنت في نعمة كبرى، في متابعة من ضمن الله عز وجل.
 إذا أخطأت جاء العقاب، أو أسرفت في الإنفاق جاء التقتير، أو استعليت على إنسان جاء التأديب الذي من نوع هذه المعصية فصار تحجيما، كإنسان تطاول عليك، لأن الإنسان حينما يتطاول على غيره الله يؤدبه من جنس الذنب.

الخاتمة:
 الخلاصة: مادمت خاضعاً للعناية الإلهية فأنت في نعمة كبرى، لأن الله مولاك، نعم المولى ونعم النصير، هو مولانا، وعلى الله فليتوكل المتوكلون.
﴿ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾
( سورة البقرة الآية: 257 )
 فيا أيها الإخوة الكرام، هذا الاسم ( المولى ) من أقرب الأسماء للإنسان، ولي أمرك، يتولى شؤونك، ينعم عليك، يقتر عليك، يرفعك، يخفضك، يملأ قلبك طمأنينة، أو يملأ قلبك خوفاً، يتولى أمر جسمك، وأمر نفسك، وأمر مستقبلك، وأمر إيمانك، وأمر عقيدتك، وأمر علاقاتك، هذا التولي نعم المولى ونعم النصير.
 هذا الاسم أيها الإخوة الكرام، مرة ثانية، من أقرب الأسماء للإنسان، ولأن الإنسان عنده نقاط ضعف ثلاث ؛ خلق هلوعا، وكان عجولا، وخلق ضعيفاً، نقاط الضعف تستوجب أن يكون له سند قوي يلجأ إليه، يحتمي به، يستعيذ به، يتوكل عليه، يعتمد عليه، وهذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إذا حاورت إنساناً فابْدَأ بحجةٍ قويةٍ لا ردَّ عليها
 

إذا حاورت إنسانا فابدأ بحجة قوية
أيها الأخوة المؤمنون،مع الآية الثامنة والخمسين بعد المئتين، وهي قوله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
يعلمنا ربنا عز وجل أنك إذا حاورت إنساناً فابْدَأ بحجةٍ قويةٍ لا ردَّ عليها، وسيدنا إبراهيم بدأ بهذه الحجة..
﴿ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾

جاء الملك برجلين، كما تروي الروايات، فقتل أحدهما وعفا عن الآخر، فالذي قتله أماته، والذي عفا عنه أحياه، هذا الملك المتألِّه، تأوَّل الحياة والموت على طريقة شرحها لمَن حاجَّه، لإبراهيم عليه السلام، فما دام متأولاً فالحوار لا ينتهي معه إلى يوم القيامة، والحوار بين متأولين لا ينتهي إلى يوم القيامة، أنا أقصد كذا وكذا، فأجابه الثاني: أنا أقصد كذا وكذا، نقاش مستحيل، الطريق مسدود، فلما تأوَّل هذا الملك المتألِّه أنَّ الإحياء هو العفو، والموت هو القتل، سيدنا إبراهيم لم يقصد ذلك، قَصَدَ أنّ واهبَ الحياة هو الله، وأنّ الذي ينهي الحياة هو الله، فالموت يحتاج إلى خلق، قال تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
[ سورة الملك: 2 ]

فالحياة تحتاج إلى خَلق، والموت يحتاج إلى خَلق، والله جل جلاله الحيُّ القيوم هو حيٌ باقٍ على الدوام، يَهَبُ الحياة لكل مخلوق، (ربي الذي يحي ويميت).

النبي إبراهيم عندما رأى الملك متأولاً جاءه بموضوعٍ غير قابل للتأويل :
الله يحيي ويميت
هذه الشجرة مَن أوْدع فيها الحياة؟ تكون في الشتاء يابسةً، فإذا جاء فصل الربيع وسقاها الله بالمطر العميم اهتزت وربت، أزهرت فأورقت فأثمرت، هذه الحياة، هذه البقرة مَن وهَبهَا الحياة؟ تأكل هذا الكلأ فتعطيك حليباً هو الغذاء الأول للإنسان، لكن حينما تموت البقرة تصبح جيفةً، ماذا فقدت؟ فقدت الحياة.
إذاً، واهب الحياة هو الله، وخالق الموت هو الله، هذا الملِك المتألِّه تأوّل الحياة على أنها عفوٌ عن مقتول، والموت إيقاع القتل بالإنسان، ماذا فعل هذا النبي الكريم؟ لما رآه متأوِّلاً ترك الموضوع، وجاءه بموضوعٍ غير قابل للتأويل..

﴿ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾
قال:
﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ﴾


أيُّ مؤمنٍ لا يكون إيمانه قوياً إلا إذَا كانت معه حجة


أيها الأخوة؛ حينما يقول الله عز وجل:
﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهَِ ﴾
[ سورة الأنعام: 83 ]

لابد كمؤمن أن تمتلك إجابة عن كل سؤال
إبراهيم ذو حجة، قياساً على هذه الآية، وأيُّ مؤمنٍ لا يكون إيمانه قوياً إلا إذَا كانت معه حجة، وإذا لم يستطِع المؤمن أنْ يحاور كافراً، أو مدعياً بنظرية ما، معنى ذلك أنّ إيمانه ضعيف، فالمؤمن الذي لا يصمد أمام كافر إيمانه ضعيف، لا بد من أن تمتلك حجةً قوية، لا بد أن ترى الحقائق ناصعة، لا بد من أن تمتلك إجابة عن كل سؤال تقريباً حتى تكون مؤمناً، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً، ولو اتَّخذه لعلَّمه.

﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾
[ سورة الأنعام: 83 ]

رجل كان من علماء الرياضيات المُلْحدين في أمريكا، له قصة عجيبة، عكف على القرآن الكريم فقرأه، وبعد حوارٍ طويل مع نفسه أعلن إسلامه، وهو الآن داعية، وصار يصلي في المسجد بعد أن أسلم، رآه صديقٌ له غير مسلمٍ، فقال: ما هذه الصلاة التي تصليها، إنك تستمع إلى قراءة باللغة العربية، وأنت لا تفقه هذه اللغة، فما معنى صلاتك؟ فأجابه: إنّ هذا الطفل الذي ولد لتوِّه، يشعر بنشوةٍ حينما تضمُّه أمُّه إلى صدرها، فماذا يفهم من لغة أمِّه؟ إنّه لا يفهم شيئاً، والمؤمن إذا أوى إلى المسجد، وإذا أوى إلى الله عز وجل، فكما يأوي هذا الطفل الصغير إلى صدر أمه، فأسكته بهذه الحجة، رآه بعض أصدقائه يصلي في الصيف، والكتف إلى الكتف، فقال له زميل له معترضاً: الجوُّ حارٌّ لِمَ هذا الالتصاق ببعضكم بعضاً، تباعدوا؟ قال: إن الله عز وجل يحب أن نكون متصلين به، وفي الوقت نفسه نشعر بمَن حولنا، واللهُ يحبُّ أنْ يعيش الإسلامُ مع المجتمع.
أنا ما قصدت من هذين المثلين أن يكونا مثلين صارخين، ولكن مِن المستحيل أن يؤمن الإنسان إيماناً حقيقياً إلا ويهبه الله عز وجل الحجة، يهبه الحجة القوية، فإنسان مؤمن لا يصمد أمام مبتدع، أمام مُنكر، أمام إنسان شارد، إنسانٌ ليس معه حجة، ما هذا الإيمان؟!! أنت مع الله، أنت مع العليم، أنت مع الحكيم، لا بد من أن تكون لك حجة تدلي بها.


الله عز وجل علّم الإنسان كيف يجري الحوارَ بالبحث عن حجةٍ لا تُؤَوَّل :

قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ﴾
التقيت مرة بإنسان من اليابان، حدثته عن هذا الدين، قال: إن الله ظلمنا، لأن هذا الدين باللغة العربية، ونحن ولدنا في اليابان ولا نفقه من هذه اللغة شيئاً، إذاً نحن قد ظُلِمنا، قلت له: لماذا تعلمت اللغة
الإنجليزية؟ قال: من أجل التجارة، قلت: إذا أردت الحقيقة، وأن تصل إلى الجنة فتعلَّمْ اللغة العربية كذلك، فأنتَ من أجل كسب المال تعلَّمتَ لغة أخرى.
إنسان يقول لك: هناك مفتٍ أفتى لي في هذا الموضوع، أقول له: لو أن عندك بيتاً هل تبيعه لأول مشتري، أم تسأل أناساً كثيرين؟ لماذا اكتفيت بهذه الفتوى؟ فما مِنْ حجة يأتي بها أهل الدنيا إلا وهناك حجة
تدحضها وتردُّها.
أيها الأخوة... على كلٍّ فقد علّمنا الله عز وجل كيف نجري الحوارَ، ابحث عن حجةٍ لا تُؤَوَّل، عن حجة لا تُرَدُّ..

﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ*﴾

موسوعة النابلسي للعلوم الاسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
قصة عزير:
 
" عزير " رجل صالح من بني إسرائيل ، لم يثبت أنه نبي ، وإن كان المشهور أنه من أنبياء بني إسرائيل ، كما قال ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية" (2/389) .
وقد روى أبو داود (4674) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( مَا أَدْرِي أَتُبَّعٌ لَعِينٌ هُوَ أَمْ لَا ؟ وَمَا أَدْرِي أَعُزَيْرٌ نَبِيٌّ هُوَ أَمْ لَا ؟ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .


قال الله عز وجل:
﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ﴾
قال بعض المفسرون: إنه سيدنا عزير أحد أنبياء بني إسرائيل، مرّ على قرية، وقالوا: هي القدس، وهي خاوية على عروشها، دمرت هذه المدينة وهجرها أهلها، ولم يبق منها إلا الهياكل، أنقاض، فقال سيدنا عزير:
﴿ قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾
قرية مهدمة، أنقاض، بيوت متداعية، كيف يُعاد بناءُ هذه القرية؟
فقال الله عز وجل:

﴿ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ﴾
قالوا: إنه مات بعد شروق الشمس، وبُعِثَ قُبيل غروبها..

﴿ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ﴾
تصور أنه نام بعد الشمس، واستيقظ قبل غروب الشمس..
﴿ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾
قال: لبثت يوماً، فلما رأى الشمس لم تغب بعدُ، قال: أو بعض يوم، وقد لبث مئة عام.

الآية التالية من آيات الدالة على عظمته :
قال الله له:

﴿ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ﴾
طعامك الذي كان في حوزتك، وشرابك الذي كان في حوزتك هو هو؛ طازجٌ بخضرته، وزهوته، وطراوته، وكل صفاته التي تركته عليها.
﴿ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ﴾
حمارهُ كومةٌ من العظام..
﴿ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ ﴾
عظام الحمار..
﴿ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً ﴾

هذه العظام تجمَّعتْ، وتشكَّلتْ، وتراكبت فكانت هيكلاً كاملاً، ثم جاء اللحم فكساها، وجاء الجلد فكسا هذه العضلات، وهذه آية من آيات الدالة على عظمته.

أخواننا الكرام؛ في تفسير هذه الآية لا بد من توضيح، هذا الكون كون مُعْجِز بوضعه الراهن، وفق قوانينه، وفق سننه، وفق معطياته، كون معجز، وهو يدل على الله عز وجل دلالة ما بعدها دلالة، ولكن لحكمة أرادها الله عز وجل جَعلَ بعض آياته في خرق هذه القوانين، هذا الكون من دون أن تخرق قوانينه معجزة، هذا الكون في وضعه الراهن معجزة، وإذا خرقت قوانينه معجزة، وخرق العادات لا يقبل عادةً، لأنّ الإنسانَ لم يألفه، لكنه يقبل عقلاً، لأن الذي خلق هذه القوانين هو الله، والذي قنَّنها هو الله، والله عز وجل في أيّة لحظةِ يعدِّلها أو يبدِّلها أو يغيِّرها.

 
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

اليقين الاستدلالي واليقين الشهودي :

اليقين الاستدلالي: رؤية دخان واليقين الشهودي: رؤية النار

يقول الله عز وجل:

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ﴾
الحقيقة سيدنا إبراهيم عليه السلام مؤمن، ومؤمن إلى درجة اليقين، ولكن اليقين أنواع؛ نوع استدلالي، ونوع شهودي، أنت إنْ رأيتَ دخاناً وراء جدار، تقول: لا دخان بلا نار، أنت متأَكِّدٌ من وجود النار خلف الجدار، هذا يقين استدلالي، فإذا وقفت في الطرف الآخر من الجدار، ورأيت النار بعينك، هذا يقين شهودي، فسيدنا إبراهيم متيقنٌ يقيناً استدلالياً، لكنه الآن يريد اليقين الشهودي..

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾
بعضهم تأوَّل هذه الآية: بأن هذا النبي الكريم من شدة محبّته لله، أراد أن يرى أثر فعل الله عز وجل، وكأنه تمنَّى أن يرى عظمة الله من خلال هذه الآية، وليس شاكّاً في قدرة الله، ولا في علم الله، ولا في حكمة الله، ولكنه تطلَّع إلى أن يرى أثر قدرة الله عز وجل..
أي كي ينتقل من يقينِ الاستدلال إلى يقين المعاينة، من يقين الاستدلال إلى يقين الشهود.


معجزة النبي عليه الصلاة والسلام معجزةٌ مستمرةٌ إلى يوم القيامة :

قال تعالى:
﴿ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ﴾
أي قطعهن قطعاً قِطعاً..
﴿ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ﴾
طاووس، ودجاجة، وما إلى ذلك، أربعة أنواع من الطيور، قطعها قطعاً قطعاً، وجعل على كل قمة جبل بعض هذه القطع، قال:
﴿ ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾
فلما دعاهن، تراكبت هذه الأعضاء، والتحم بعضها ببعض، وسرن إليه خاضعين لأمر الله عز وجل. مرة ثانية هذه المعجزات وقعت مرة واحدة، ولن تقع مرة ثانية، شبَّهها بعض علماء التوحيد كعود الثقاب تألق مرة واحدة ثم انطفأ، فأصبح خبراً يصدقه مَن يصدقه، ويكذّبه مَن يكذّبه، ولكن أي مؤمن يقرأ كلام الله عز وجل يؤمنُ إيماناً راسخاً أن هذا الخرق قد وقع، وهناك مَن يكذِّب بهذا لأنه ما عرف الله عز وجل، وأنّ أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، رأى أن هذا غير مألوف عادةً فأنكره، ولكن الشيء الذي كرمنا الله به هو: أن معجزة النبي عليه الصلاة والسلام معجزةٌ مستمرةٌ إلى يوم القيامة
فهذا الكتاب بين أيدينا، فيه آيات كثيرة لا يمكن أن تفسَّر إلا بحالةٍ واحدة؛ أنها آيات من عند الله.

في الآيات التالية إشارة إلى إعجاز القرآن الكريم :

الضغط داخل الطائرة أكبر ثماني مرات من خارجها
مَن هذا الذي صعد إلى الفضاء الخارجي، وضاق نفسه؟ الله جلّ جلاله أخبرنا:

﴿ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾
[ سورة الأنعام: 125 ]
بعد أن ركب الإنسان الطائرة، لو أن طائرة تركبها، وجهاز ضخ الهواء فيها تعطل، هبط الضغط إلى الثمن، عندئذٍ يخرج الدم من أنف الإنسان ويختل ضغطه، ويشعر بضيقٍ لا يحتمل، الطائرات التي نركبها الآن مضغوطة ثماني أضعاف، ليكون الضغط على ارتفاع أربعين ألف قدم مساوياً للضغط على الأرض، لو أن جهاز الضغط تعطل، لأحسَّ الركاب بضيقٍ في نَفَسهم لا يحتمل، هذا عرفناه الآن بعد اختراع الطائرة، لكن كيف جاء ذكره في القرآن الكريم؟ قال العليم الخبير:

﴿ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾
[ سورة الأنعام: 125 ]

بعد أن اخترعنا أشعة الليزر، وقسنا غور فلسطين رأيناه أعمق نقطة في الأرض، وذلك منذ عشرين سنة أو عشر سنوات، لكن حينما يقول الله عز وجل:

﴿ غُلِبَتْ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُون*فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ﴾
[ سورة الروم: 2-4 ]
المعركة تمت في غور فلسطين
﴿ غُلِبَتْ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ﴾
هذا أيضاً إشارة إلى إعجاز هذا القرآن الكريم.


كل التقدم العلمي لم يستطع أن يهز آية واحدة لأنها من عند خالق الأكوان :

قال تعالى:
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

هذه معجزةٌ حسية، وحمار سيدنا عزير معجزةٌ حسية، ولكن هذا القرآن كله معجزة عقلية بيانية، وبإمكانك أن تكتشف كل حين أن هذا كلام الله عز وجل لأن البشر لا يستطيع أن يأتي بهذا الكلام، تقرأ أنت:
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾
[ سورة النحل: 8]
إنسان عاش قبل ألفٍ وأربعمئة عام؛ هناك الخيل، والبغال، والحمير، لو أن هذا القرآن كلام بشر، لكانت الآية:
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾
[ سورة النحل: 8]
فقط، أما إنسان يعيش في هذا العصر؛ هناك طائرات، وهناك طائرات عملاقة، وبواخر، وحوَّامات، وقطارات، ومراكب فضائية، قال تعالى:
﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة النحل: 8]
إذاً هو كلام الله عز وجل، كل التقدم العلمي لم يستطع أن يهز آية واحدة، لأن هذه الآيات من عند خالق الأكوان، الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.


كلما تقدَّم العلم كشف جانباً من إعجاز القرآن الكريم :

نسبة دماغ الإنسان إلى جسمه أعلى نسبة
أيها الأخوة الكرام؛ حينما نبحث في إعجاز القرآن العلمي، كأننا نضع أيدينا على معجزاتٍ رائعة.. ذات مرة قرأت هذه الآية:
﴿ كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ*نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾
[سورة العلق: 15-16]
يوجَد في رأسِ الإنسان دماغ، ونسبةُ هذا الدماغ إلى الجسم أعلى نسبة في المخلوقات قاطبةً، لو أخذنا دماغ الحوت الأزرق، نسبة وزن الدماغ إلى وزن الحوت قليلة، لو أخذنا دماغ الفيل، دماغ وحيد القَرن، دماغ الكركدن، نسبة وزن دماغ أي حيوان إلى جسمه نسبة ضئيلة، أما أعلى نسبة على الإطلاق هي نسبة وزن دماغ الإنسان إلى الإنسان، هذا الدماغ فيه فصٌ جبهي، وهو أضخم الفصوص، في هذا الفص الجبهي تتم المحاكمة، ويتم الحكم، ويتم الاستنباط، ويتم الاستنتاج، ويتم اليقين، والإنسان هنا يتحرك، تتم الإرادة هنا، إنسان أراد أن يسرق، تبدأ السرقة من فصه الجبهي، أراد أن يزني، يبدأ الزنا من فصِّه الجبهي، يقرر فيفعل، هذا الفص الجبهي اسمه الناصية، ناصية الرأس مقدمته، قال الله عز وجل: مركز الكذب في الناصية من الفص الجبهي

﴿ كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ*نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾

[سورة العلق: 15-16]

فالكذب من الفص الجبهي، والخطأ من الفص الجبهي، والحديث عن معجزات القرآن الكريم العلمية حديث طويل، بل كلما تقدَّم العلم كشف جانباً من إعجاز القرآن الكريم.


العقل أودعه الله فينا كمقياس علمي والفطرة جبلنا عليها كمقياس انفعالي :

أيها الأخوة الكرام، ليس هناك من مانع أن نتأثر بالمعجزات الحسية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، كقوله تعالى:

﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

ولا مانع من أن نتأثر بالغ التأثُّر بقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام:

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

وليس هناك من مانعٍ أيضاً أن تقرأ عن إعجاز القرآن العلمي، فتشعر أن هذا الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل القرآن، وأن هذا القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومستحيلٌ وألف ألف مستحيل أن تأتي حقيقةٌ علمية تنقض آية في القرآن الكريم، لأن هذا القرآن كلامه والكون خلقه، والعقل أودعه فينا كمقياس علمي، والفطرة جبلنا عليها كمقياس انفعالي، وهكذا نجد أن القرآن الكريم كلام الله المعجز إلى أبد الآبدين.

موسوعة النابلسي للعلوم الاسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
المال في فلسفته هو قيمةٌ مطلقةٌ للجهد البشري :

مع الآية الواحدة والستين بعد المئتين من سورة البقرة، وهي قوله تعالى:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

 بعد الإيمان لا شيء يعلو على الإنفاق، آمنت بالله فلا بد من التقرُّب إليه، ولا بد من دفع ثمن جنَّته، تتقرب إليه بالإنفاق، وتدفع ثمن جنةٍ عرضها السماوات والأرض بالإنفاق، والإنفاق بالمعنى الواسع إنفاق كل شيءٍ تملكه؛ إنفاق علمٍ، وإنفاقُ خبرةٍ، وإنفاق مالٍ، وإنفاق وقتٍ، وإنفاق جهدٍ، وإنفاق وجاهةٍ..

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾

لكن الإنفاق إذا أُطلق انصرف في الأعم الأغلب إلى إنفاق المال، والمال قيمةٌ مطلقة، كيف؟
إنسان درس الطب ثلاثةً وثلاثين عاماً، امتلك خبرةً في معالجة المرضى، يأتيه مريض يعالجه فيأخذ منه ألف ليرة، هذه الألف ليرة قيمة علمٍ دامت ثلاثةً وثلاثين عاماً، إنسان نقل بضاعة من مكان إلى مكان، أخذ ألف ليرة، هذه الألف الثانية أجرة نقل بضاعة، إنسان أصلح آلة أخذ ألفا ليرة مثلاً، إنسان علَّم درس رياضيات أخذ ألف ليرة، فهذا الأخير قيمةٌ مطلقةٌ للجهد البشري، إذاً المال في فلسفته: قيمةٌ مطلقةٌ للجهد البشري.


الله سبحانه وتعالى خلقنا كي نربح عليه :

إنسان عنده بضاعة لها ثمن، إنسان عنده مواد زراعية لها ثمن، إنسان عنده خبرات لها ثمن، إنسان عنده خدمات لها ثمن، فأنت حينما تأخذ أجراً على عملك هذا الأجر يساوي جهدك، مثلاً: نقلُ سيارة رمل من مكان إلى مكان يكلِّف ألف ليرة، فهذه الألف ليرة هي قيمة جهد بشري، فهي قيمةٌ مطلقةٌ لهذا الجهد، فالمعنى أنك حينما تنفق هذا الألف ماذا أنفقت؟
أنفقت جهداً، أنفقت جهداً يساوي أربع ساعات بعملٍ شاق، فأنت أنفقت جهداً مضنياً، حينما أنفقت الألف أنفقت جهداً، والطبيب إذا أنفق الألف أنفق علمه، والمدرس إذا أنفق ألفاً أنفق علمه أيضاً، والمحامي أنفق علمه، والمهندس أنفق علمه، والبائع أنفق خبرته في الشراء والبيع، والصانع في صناعةٍ معيَّنة، والذي أدَّى الخدمات أنفق خدماته مقابل ألف، فالمال قيمةٌ مطلقةٌ للجهد البشري..


﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ ﴾

فكأن الله سبحانه وتعالى خلقنا كي نربح عليه، أنفِق حبةً يأتِك مئة ألف حبَّة، يأتِك سبعمئة ألف، يأتِك أعدادٌ لا تعد ولا تحصى..

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ﴾


الآية التالية تشجع المؤمنين على الإنفاق :

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

أيْ أيها الإنسان: اعلم أنك إن أنفقت شيئاً ضاعفه الله لك أضعافاً كثيرة، هذه الحقيقة تحتاج إلى إيمان، أنت حينما تؤمن أن كل شيءٍ تنفقه يضاعفه الله لك أضعافاً كثيرة، وحينما تؤمن أن كل شيءٍ تنفقه يعلمه الله عزَّ وجل، فأنت بحاجة إلى حقيقتين: إلى حقيقة أن الله يعلم، والثانية إلى أن الله سيعوض، لذلك لا تجد إنساناً مؤمناً إيماناً قوياً إلا ويبادر إلى الإنفاق لأنه يعلم علم اليقين أن الله يعلم، وأن الله سيضاعف أضعافاً كثيرة.


المال مال الله و الإنسان مستخلف فيه :

تأكيداً لمعنى أن المال مال الله، وأن الإنسان مستخلف فيه يقول الله عز وجل:
﴿آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾
[سورة الحديد: 7]
 وإنما سمى الله الزكاة - ونحن في شهر الزكاة - صدقة لأن إنفاق المال يؤكد صدق الإنسان، هناك عبادات لا تكلف الإنسان شيئاً، وهناك عبادات تتناقض مع طبعه، طبع الإنسان أن يأخذ المال، والتكليف أن ينفقه، إذاً سميت الزكاة صدقة لأنها تؤكد صدق الإنسان، كل يدعي وصلاً بليلى، ولكن هذا يحتاج إلى دليل، كلّ يدعي أنه مؤمن ولكن هذا الإدعاء يحتاج إلى دليل، من أدلة الإيمان إنفاق الأموال:

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
[سورة التوبة: 103]
 تطهرهم: بمعنى ثلاثي، تطهر الغني من الشح، تطهر الفقير من الحقد،
 تطهر المال من تعلق حق الغير به.
 تزكيهم: تنمو نفس الغني فيرى عمله الطيب ويرى دوره الخطير في المجتمع، تزكي نفس الفقير فيرى أنه ليس هيناً على الناس، والناس يهتمون به، فتنشأ هذه العلاقات الاجتماعية المتينة من هذا التواصل بالمال. وتنمي المال نفسه بأن الله عز وجل يطمئن المنفقين أن كل شيء ينفق يخلفه الله جل جلاله. أيها الأخوة:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴾
[سورة النازعات: 40]
 يبدو أن الهوى أن يكنز الإنسان المال، هوى الإنسان في تجميع الأموال، قال تعالى:
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
[ سورة الزخرف: 32]
 هوى الإنسان في قبض المال، والتكليف في إنفاقه، فهذا الذي ينشأ في نفس الإنسان من صراع بين كنز المال وإنفاقه هو ثمن الجنة.


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
الصدقة تبطل بالمنِّ والأذى :
هذا الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فهذا الخلط أمره إلى الله عزَّ وجل، ليتها لم تزنِ ولم تتصدق، يعني مثلاً ليتك لم تنفق ولم تمنَّ على هذا الذي أنفقت، إذا أنفقت ينبغي أن تكتم، هناك قاعدة عامة: " إذا عملت عملاً صالحاً ينبغي أن تصمت، وأن تحتسب هذا العمل لله "، أما الحديث: أعطيته، منحته، وهبته، فضلت عليه، لولاي ما صار رجلاً يؤبه له، لا، سيصير رجلاً من دونك، كلام فارغ يقوله معظم الناس، لحم أكتافه من خيري ـ مثلاً ـ ما هذا الكلام؟!! كلامٌ فيه بعدٌ عن الله عزَّ وجل..
﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ ﴾
عن هذا المتصدق وصدقته..
على منِّه وأذاه، فالله عزَّ وجل حليم عن معاصي العباد، غنيٌ عن صدقة هذا المتصدق..
﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾
[ سورة محمد: 38 ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ﴾

فالصدقة تبطل بالمنِّ والأذى، تنعدم قيمتها، لا يقبلها الله عزَّ وجل، قال بعض العلماء: لا يكتبها مَلَكُ الحسنات إذا كان معها مَنّ وأذى.
المنُّ يُوصل إلى الأذى :
قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ﴾
أي أن المن يوصل إلى الأذى، مننت عليه مرة، وثانية، وثالثة، ورابعة فخرج من جلده وقال: لقد آذيتني بهذا المن، أو أن بعض العلماء يقول: المنُّ أن تذكره بعملك الطيب، ثم تقسو عليه في الكلام: ما شكرتني!! ما أعلنت ذلك أمام الناس، ما بيَّنت، ما نوَّهت، فتقسو عليه.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾
هذا الرياء، أي إذا كان جمهور من الناس يرونه وهو ينفق ماله، واللهِ سمعت عن رجل أمام الجمهور ينفق مئات الألوف، أما أقرباؤه الأدنون فهم في أمسِّ الحاجة إلى المال ولا ينفق عليهم شيئاً، فأقرباؤه إذا أنفق عليهم لا يعلم أحد بهذا الإنفاق، أما إذا كان بحفل كبير وصار تبرُّعات فهو ينفق مئة ألف، بل مليون، مرة سمعت باحتفال لجمع تبرعات أن أحدهم أسمع ووعد بملايين، ثم لم يدفع شيئاً، فهو قال هذا بلسانه ولم يصدق هذا بعمله..
﴿ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ﴾

لماذا راءى؟ 
﴿ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾
لو آمن بالله واليوم الآخر لما احتاج إلى أن يرائي الناس، ولما احتاج إلى أن يظهر عمله الصالح أمامهم، ولما احتاج إلى أن ينتزع إعجابهم، ولما احتاج إلى أن يذكِّرهم بعمله كي يثنوا عليه أكثر وأكثر.


إذا أنفقت من مالِك ولم تشعر بسعادةٍ معنى ذلك أن الإخلاص ضعيفًٌ :
قال تعالى:
﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ ﴾
أي حجر أملس عليه تراب، هذا التراب هو العمل الصالح..
﴿ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ ﴾
جاء مطرٌ غزير، فأزال التراب عن هذا الحجر، فرجع الحجر صلباً أملس لا تراب عليه..
﴿ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾
هذه الآية تنقلنا إلى حقيقةٍ دقيقة: أنك إذا عملت الصالحات، ثم عملت الصالحات، وأنفقت من مالِك، وخدمت الناس، ولم تشعر بسعادةٍ إطلاقاً، فمعنى ذلك أن الإخلاص ضعيفٌ جداً، وأنك تبتغي بهذا إرضاء الناس، وكسب ثنائهم، أما إذا أردت الله عزَّ وجل، لا تحتاج إلى كل هذا.

من لم يحقق لنفسه شيئاً من مرضاة الله فهو بعيد عن الإيمان بالله :
قال تعالى:
﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ ﴾
حجر..
﴿ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ ﴾
مطرٌ..
﴿ فَتَرَكَهُ صَلْداً ﴾
أملس..
﴿ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا ﴾
أي لا يقدرون على شيءٍ من الإقبال على الله مما كسبوا من معاصٍ لأنهم منافقون، بمعنى آخر: لم يحققوا لأنفسهم شيئاً من مرضاة الله تعالى لأنهم بعيدون عن الإيمان بالله، الإيمان الذي يحملك على الإخلاص له..
(وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾

موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
الإخلاص في الإنفاق

إنفاق المال رئاء الناس يجعله الله يوم القيامة هباءً منثوراً :

 الشيء الخطير:
﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾البقرة (266)
ما قولك: إنسان بمجلس، بحفلة أنفق مليوناً، وشخص آخر أنفق مئة ألف، دفعها وهو في أمسِّ الحاجة إلى هذا الإنفاق، فيوم القيامة ينظر إليه وقد جعله الله هباءً منثورا، بطل عمله، ينظر إلى عمله الذي راءى فيه الناس، أنفق ماله رئاء الناس، فإذا الله عزَّ وجل قد جعله هباءً منثوراً لأنه ما أخلص

﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ ﴾

بستان رائع جداً من نخيل، والنخيل من الأشجار المعمرة، وقد تعيش ستة آلاف عام..

﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾

أيْ: ينبوع ماء غزير، ماء رَقْراق، بستان جميل، أشجار مثمرة، بستان له رَيْع كبير، لو ضمَّن فاكهته لضمَّنها بأموال طائلة.

الإنسان المرائي المنافق لا قيمة لطاعته إطلاقاً :

قال تعالى:
﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ ﴾
تقدَّم في السن، فعجز عن العمل..
﴿ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ ﴾
أولاد صغار كثيرون..
﴿ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ﴾
أي بعدما أصابه الكِبَر، وبعد أن قبع في البيت، وبعدما عجز عن الكسب، كل أمله بهذا البستان ذي الثمار اليانعة والموارد الكبيرة، وهو في أمس الحاجة إلى هذا البستان، وإلى فاكهته ورَيْعِه، أصاب هذا البستان إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت أشجاره، وذهب كل ثمر هذا البستان.
﴿ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ ﴾
تشبيه رائع جداً، فقد يخيب أملك إذا كنت ترجو عملاً صالحاً مقبولاً وأنت في أمس الحاجة إليه، ثم قد يُحْبَط عملك وأنت في أمس الحاجة إلى هذا العمل.

فإذا كان الإنسان فيما بينه وبين الله يعصيه، وفيما بينه وبين الناس يطيعه، هذا إنسان مراءٍ منافق لا قيمة لطاعته إطلاقاً، هو يطيعه ليحفظ مكانته عند الناس، لا يطيعه محبةً له، ولا يجتنب المعاصي خوفاً منه بل خوفاً على سمعته، إذاً فهذا إنسان لا قيمة له عند الله.


 النبي عليه الصلاة والسلام علمنا كيف الإخلاص، في كتمان الإنفاق قال:
(( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: رجل ـ من هذه السبعة ـ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد ]
إخفاء الصدقة دليل الإخلاص، لأن الذي أنفقت من أجله يعلم، دون أن تُعلم أحداً.

كان بعض العلماء يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به، ويقول: إن صدقة السر تطفئ غضب الرب
ـ ابن المبارك رحمه الله، مرة التقى بشاب، ثم زار البلدة مرة ثانية، فعلم أنه عليه دَين، فأرسل مَن دفع عنه الدين، وسار عائداً إلى بلدته، تبعه الشاب، قال: لا أعلم عنك شيئاً، مَن أنت ؟ لم يذكر له أنه هو الذي فكّ دينه.
قد نجد أشخاصا أرجو أن يكونوا قِلّة، إذا عملَ عملا صالحا لا يبقي إنسانًا ما يحكي له، البارحة عملنا هكذا، فلان لحم كتفه من خيرنا، فلان لو ما أعطيناه ما صار رجلا، هذا المنّ في الصدقة.


ملحوظة مهمة: إن تبدو الصدقات فنعما هي:
﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ﴾
( سورة البقرة الآية: 271 )
إنّ الصدقة إذا توجهت إلى جهة خيرية فالأولى أن تعلن.
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
( سورة المطففين )
أما إذا توجهت إلى إنسان فالأولى أن تكتم، الحكمة تقتضي أن تعلن في موقف، وأن تكتم في موقف، حتى حينما يقرأ إنسان القرآن من شدة إخلاصه هو يقرأ القرآن دخل شخص فغطى المصحف بثوبه، وهناك شخص يتمنى أن يراه الناس يقرأ القرآن.


تنبيه بليغ: ترك العمل خوف الرياء شرك :
لكن هناك ملاحظة مهمة جداً، وهي أنك إذا تركت العمل الصالح خوفاً من النفاق وقعت في الشرك، العمل الصالح لا يترك، لا مؤاثرة في الخير،
أنا أتيح لي عمل صالح، هناك يأتي الشيطان، ويقول: أنت إذا فعلته أمام الناس أردت بها العمل أن تعلو عندهم، لا، هذا كلام شيطاني، لو أخذ به كل واحد منا لألغيت الأعمال الصالحة، إذا أتيح لك عمل صالح فلا تتردد أبداً، افعله ولو كنت في ملأ من الناس، لعلك تشجعهم.


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
إنفاق الطيب من الأموال


الله طيبٌ ولا يقبل إلا طيباً ولا يقبل منك نفقةً إلا إذا كانت من مالٍ حلال :

قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾(267) سورة البقرة

أي إن الله طيبٌ ولا يقبل إلا طيباً، لا يقبل الله منك نفقةً إلا إذا كانت من مالٍ حلال، ومن كَدٍ حلال، ومن سعيٍ حلال، أما الذي ينفق ماله من أموال ليست حلالاً، وليس كسبها مشروعاً، لعله أنفق من مالٍ رِبَوِيّ، أو من فائدة مالٍ رِبوي

عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ :
(( اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَسْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ : هَذَا لَكُمْ ، وَهَذَا لِي ، أُهْدِيَ لِي ، قَالَ : فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَقَالَ : مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ : هَذَا لَكُمْ ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي ، أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ ، أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا ؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ، مَرَّتَيْنِ ))
[ البخاري ، مسلم ، أبو داود ، أحمد ، الدارمي]
هذا أُهدي إلي ، لولا هذا المنصب هل يهدي لك أحد شيئاً ؟

يقول الله عزَّ وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ﴾
أنفق المال الحلال، أنفق الرزق الحلال الذي سعيت لجلبه بطريقٍ مشروع..
﴿ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ﴾
أي: زكاة الزروع..
﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ ﴾

أكثر الناس يقدم الشيء السيئ، صدقوا أنه في رمضان إنسان قدَّم لمسجد أحذية كي توزَّع على سبيل الزكاة، كل فردة نمرة، جمع من محله التجاري خلال عام النماذج غير الصحيحة، إحدى الزوجين أربعين والأخرى اثنين وأربعين، جمعها في كيس وأرسلها إلى مسجد، هذه أين مكانها؟ في الحاوية طبعاً، إنسان يقدِّم أحياناً ثياباً بالية، مستعملة استعمالاً كثيفاً عنيفاً، أين مكانها؟ في الحاوية، إنسان يقدم طعاماً تعافُه النفس، هذا شيء يتناقض مع كمال الإيمان.

الإنفاق في سبيل الله يجب أن يكون من شيء نفيس حتى يعوِّضكم الله أضعافاً مضاعفةً:

﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾
[ سورة آل عمران الآية:92]
يجب أن تنفق من شيءٍ تحبّه ، من شيءٍ أثير عليك ، من شيءٍ تحْرص عليه ، من شيء هو عندك متألّق

قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا﴾
أي تقصدوا..
﴿ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾

أحياناً فاكهة في أول فسادها، أفأنت تشتريها بسعر عالٍ؟ لا. أبداً، لو كان كيلو التفاح ـ فرضاً ـ بخمسين ليرة، تشتري التفاح على وشك الفساد بخمسين؟ تقول له الكيلو بعشرة، هذا يستعمل لصناعة الخل، فالبضاعة السيئة لا يمكن أن تشتريها إلا بثمنٍ بخس..

﴿ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾
أي أن تقلِّلوا من قيمتها، أن تأخذوها بثمنٍ بخس..

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾

هذا في الطعام كثيراً ما يقع، فتجد من يقدم طعاماً شبه فاسد، أو في أول فساده، هذا الطعام لا قيمة له عند الله عزَّ وجل، أَطعمْ الفقير طعاماً يشتهيه ويحبه، أعطه ثياباً يحبُّها، يلبسها مَزْهواً بها، لا تعطه ثياباً يلبسها مستحياً به.

﴿ حَمِيدٌ ﴾
أيضاً لو أنكم أنفقتم نفقةً من كسبكم الحلال من شيءٍ نفيس، كان يحمدكم ويعوِّض عليكم أضعافاً مضاعفةً.

موسوعة النابلسي للعلوم الاسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
خصائص الشيطان

 يجب أن تتعلم الكثير عن خصائص الشيطان لتتجنبها.
﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ﴾

حدثنا أخ كان والده من علماء دمشق، قال له: يا بني أدِّب نفسك. فقال له: كيف؟ قال: إذا أردت أن تنفق مئة، ثم جاءك وسواسٌ من الشيطان فقال: دعك من هذا الإنفاق، أعدْ هذا المال إلى جيبك. فعليك أن تعاقب نفسك، كيف تعاقبها؟ أنفق مئتين، كلما جاء الوسواس ليمنعك من أن تنفق أنفق الضعف بهذا تؤدب النفس وتعلمها ألا تتردد في الإنفاق في سبيل الله.

﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً ﴾

الشيطان كذلك يدعوك إلى الزنا، إلى اقتراف الحرام، إلى أن تملأ عينيك من حسناوات الطريق، إلى اقتراف المعاصي والآثام، يدعوك إلى الفحشاء، وإذا أنفقت مالك في سبيل الله أخافك من الإنفاق.
الإنسان يُطعِم اللُّقْمة فيراها مثل جبل أُحد، قال تعالى:
 
هو يوقِع العداوة والبغضاء، ففي الحي تجد فرَق كثيرة، بل في الأسرة الواحدة تفرُّق عداء ونميمة وحِقد ومحاكِم ودعاوَى ؛ هذا كُلُّه من عمل الشَّيطان لأنَّهم ما اسْتعاذوا منه، وجوُّهم شيطاني وليس رحماني، والدليل آثار هذه الخصومات، والخلافات الزَّوجيَّة، فهو يدْعوك للحرام، وللاختِلاط ويُكرِّه لك زوْجتك، ويُزيِّن لك زوْجة أخيك ! ويدعوك للسَّفر المحرَّم، فالشيطان يَعِدُك بالفقْر، ويوقِعُ العداوَة والبغضاء، ويُخَوِّفنا، ويُثبِّطُ عزائِمَنا، ويدْعونا إلى الكفر، قال تعالى﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17)﴾ [ سورة الأعراف ] وعلاجُهُ أن تسْتعيذ بالله منه، لذلك أكْثِر نم ذِكْر الله، وبرئ نم النِّفاق من أكثر من ذِكْر الله، وبرئ من الكِبر مَن حمَلَ حاجَتَهُ بِيَدِهِ، وبرئ من البخل مَن أدَّى زكاة ماله.


موسوعة النابلسي للعلوم الاسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
من أنفق نفقة في سبيل الله اطمأن إلى أن الله يعلم وهذا يبعده عن النفاق :
أمعن الفكر والنظر: لو زرت مريضاً ومعك هدية، أنت ماذا تفعل؟ تضع بطاقة على الهدية، ليعلم هذا الذي زرته أن هذه الهدية منك، إذاً المُنفق حريص أن يعلم الذي أنفقت من أجله أن هذا الإنفاق منك، هذه القضية الأساسية في الإنفاق مغطاة بهذه الآية، معك إيصال، أو ليس معك إيصال، هناك شهود، أو ليس من شهود، نوَّهت، ما نوهت، سكتَّ، تكلمت، صرَّحت، فإن الله يعلمه، لذلك فالمؤمن إذا أنفق نفقة في سبيل الله مطمئنٌ أشد الطمأنينة إلى أن الله يعلم، وهذا الذي يبعدك عن النفاق، وهذا الذي يبعدك عن استجداء المديح، وهذا الذي يُزَهِّدك في أن يُكتب اسمك مع المحسنين، وأن يكون لك وجاهة عند الناس، كل هذا أنت مستغنٍ عنه لأن الله يعلم، وإذا كان الله يعلم فغيره إن علم أو لم يعلم سيَّان، علم أو لم يعلم فلا فرق أبداً.

﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾270 سورة البقرة
شخص نذر إن شفى الله ابنه ليوزِّعن لحماً على الفقراء، هذا نوع من الإنفاق، لكنه إنفاق مشروط، الإنفاق الأول إنفاق من دون شرط، والإنفاق الثاني إنفاق مشروط، لكني أضع بين أيديكم هذه الحقيقة: الله عز وجل لا يُشارَط، ولا يُجَرب، والأولى أن تنفق من دون شرط؛ لأن الله يعلم، يعلم أن الابن مريض وأن هذا الأب حريص على شفاء ابنه، يا رب قد أنفقتُ هذه النفقة لعلك تنظر له بالشفاء، أما إن شفيته أدفع، هذا مقبول، ولكن الأكمل أن تنفق بلا شرط، مقبول أن تنذر نذراً، ولكن الأكمل والأقوى والأبلغ والأرقى أن تنفق النفقة من دون شرط..


لذلك قالوا: " الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير "، "بكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها "، الله جل جلاله على علو مكانه، وعلى علو قدره يُسترضَى، ويُسترضَى بالصدقة، فإذا وجدت أنك بعيدٌ عن الحق قليلاً، أو أن شبح مصيبة لاح أمامك، أو أن شيئاً تخافه يقترب منك، أو أن عدواً متربِّصاً يريد أن يوقع بك، وليس لك أحدٌ يعينك إلا الله، فاسترضِ الله بالصدقة فإن البلاء لا يتخطَّاها، وتقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وكم من بلاءٍ صرفه الله بالصدقة، وكم من مرضٍ شُفي الإنسان منه بالصدقة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( داووا مرضاكم بالصدقة ))
[رواه الطبراني عن عبد الله بن مسعود]


الصدقة سُمِّيَت صدقةً لأنها تؤكد صدق الإنسان في محبة الله :
سُمِّيَت الصدقة صدقةً لأنها تؤكد صدق الإنسان في محبة الله، فالمال رخيص عنده أمام رضوان الله، المال محبب، فإذا أنفقت المحبب من أجل مَن تحبه فهذه أكثر، الصدقة برهان على أنك مؤمن، فهناك أعمال تفعلها لنفسك، هذه لا ترقى بها، أما هناك أفعال تفعلها تعارض فيها رغبتك.
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
[ سورة آل عمران: 14 ]
ما قيمة الإنفاق لو أنك لا تحب المال؟! فلأنك تحب المال فللإنفاق قيمة..
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إلاّ الُمُصَلّيِنَ﴾
[ سورة المعارج: 19-22 ]


يحب المال، يحب أن يكثر منه، يحب أن يكنزه، يحب أن يكون مطمئناً لرصيدٍ مرتفع له، فإذا أنفقت الشيء المحبب ترقى عند الله عز وجل، فلولا أنك لا تحب المال لما ارتقيت بإنفاقه، ولولا أن الله رَكَّبَ فينا حب المال لما ارتقى الإنسان بإنفاقه.

الإنفاق له ملابسات كثيرة :

الإنفاق له ملابسات كثيرة؛ الإخلاص يرفع قيمة الإنفاق، أن يكون المال قليلاً يرفع قيمة الإنفاق، أن تنفق المال وأنت صحيح شحيح يرفع قيمة الإنفاق، هناك عوامل كثيرة ترفع قيمة الإنفاق، وهناك عوامل كثيرة أيضاً تقلل من قيمة الإنفاق، مَن أنفق رياءً لا قيمة لإنفاقه، ومَن أنفق وقد زهد بالمال، وقد صار المال لا يعني عنده شيئاً، فليس هناك كبير قيمة لإنفاقه..
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾

لو أنفقت نفقة في غير محلها فأنت ظالمٌ لنفسك :
الآن، ما معنى الظالمين هنا؟ ما علاقة الظالمين بالإنفاق؟ أي أنك إذا أنفقت رياءً فأنت ظالمٌ لنفسك، إذا أنفقت وأتبعت ما أنفقت المَنَّ والأذى فأنت ظالم لنفسك، إذا أنفقت نفقةً قليلةً إلى جنب ما تملك فأنت ظالم لنفسك..
﴿ وَمَا لِلظَّالِمِينَ ﴾
بالرياء والمن والأذى، أو لو أنفقت نفقة في غير محلها فأنت ظالمٌ لنفسك، لو أنفقت نفقة من أجل شهوتك وميولك فأنت ظالم لنفسك، هذا الذي يظلم نفسه سوف يعاقب، لم يجد أحداً يمنع عنه عقاب الله عز وجل، لو أن الله أراد أن يهلك مال إنسانٍ أنفق ماله رئاء الناس لم يجد مصيراً يحول بينه وبين عقاب الله عز وجل..
﴿ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ* إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ﴾


موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
(إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)
(271)
﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ﴾

الإنفاق عما تجود به النفس له عدة محاسن :
الإنفاق عما تجود به النفس له محاسن منها
أولاً: تشجعون الآخرين، أنت شَجَّعت
وثانياً: ليست هذه النفقة متعلقة بالإنسان، متعلقة ببناء مسجد، متعلقة بدار أيتام، متعلقة بمعهد شرعي، متعلقة مثلاً بصندوق العافية، متعلقة بصندوق الزواج، لا تجرحُ أحداً بهذا الإنفاق، أما إذا كان هذا الإنفاق متعلقاً بإنسان، فلان الفلاني يحتاج إلى مساعدة فلا تقل: أنا دفعت له عشرة آلاف، إذا كان الإنفاق متعلقاً بإنسان ينبغي ألا تعلن هذا الإنفاق، أن يكون بينك وبين الله، هناك مواطن الإعلان فيها أولى إذا لم يتعلق بإنسان، مع نية المنفق التشجيع، وفي مواطن أخرى الكتمان أولى، إذا تعلَّق بإنسان وليس هناك منافسة في الدفع.


﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾

الذي عنده احتمال أن يرائي ـ والإنسان بصورة عامة ضعيف المقاومة أمام الرياء ـ ينبغي أن ينفق من دون رياء، أن ينفق سراً، أن ينفق مع الكتمان، حينما تشعر أن نفسك تحدثك أنك محسن كبير، وأنك بهذا أصبحت فوق الناس، إن شعرت بهذا ينبغي أن تكتم إنفاقك، وإن كان إيمانك قوياً جداً، ولا تعبأ بهذه الوساوس، ولا تعلِّق كبير أهمية على ما يقول الناس عن إحسانك، ولم يتعلق الإنفاق بإنسان، وأردت التشجيع، أعلن هذا الإنفاق لتكون قدوةً للآخرين.

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾

فالله خبير إذا لم ترد بهذا الإعلان المُراءاة أو أنك أردت التشجيع، مَن يعرف ذلك؟
لا يعلم هذا إلا الله، أنا أعلنت عن الإنفاق، فيا ترى هل أريد سمعة، ثناءً، مديحاً، مكانة، تألقاً، وجاهةً، أو أريد أن أشجع المنفقين؟
هذا لا يعلمه إلا الله، وهو وحده يعلم ويكافئ.

موسوعة النابلسي للعلوم الاسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272 )سورة البقرة

في الإنفاق معنيان أساسيان :


بالإنفاق هناك معنيان أساسيان؛ أن تعلم أن الله يعلم، وأنه قادر أن يعوض عليك الذي أنفقته. فأول آية:
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ﴾البقرة 270
الآية الثانية:
﴿ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ﴾البقرة 272
لكن طبعاً وبالتأكيد ليس معنى هذه الآية أنك إذا أنفقت ألف ليرة الساعة السادسة صباحاً يأتيك الساعة السابعة عشرة آلاف، لا، لو أن الأمر كذلك لالتغى الاختيار، قل للناس: ادفع مئة، وخذ ألفاً، سوف تجد مليون إنسان واقفين بالدور للدفع، ولكن تدفع ابتغاء وجه الله، تدفع ولا تنتظر التعويض، تدفع ولا تنتظر المقابل، تدفع ولا تنتظر أن يوفَّى إليك، تدفع ابتغاء وجه الله، ولكن الله جل جلاله لا بد من أن يضاعف لك الذي أنفقته أضعافاً كثيرة، وقد يصل هذا إلى سبعمئة ضعف، فمستحيل وألف ألف مستحيل أن تنفق شيئاً دون أن يعوَّض عليك أضعافاً مضاعفة.

لا يمنعك من الإنفاق إلا ضعف إيمانك وجهلك بما عند الله من التعويض بعطاء كبير:
قال تعالى:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ﴾[ سورة البقرة: 245 ]
قال الله -تعالى-:
(وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]
هذا وعد من الله، وعد ممن لا يخلف الميعاد أن من تصدق لله -تعالى- فإن الله يعوضه في الدنيا والآخرة
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وينزل ملكان، فيقول أحدهما: اللهم اعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم اعط ممسكا تلفا".
سئل النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن أفضلِ الصدقةِ فقال أن تصَّدقَ وأنت صحيحٌ شحيحٌ تخشى الفقرَ وتأملُ الغني لا أن تمهلَ حتى إذا بلغت الحلقومَ قلت لفلانٍ كذا ولفلانٍ كذا ألا وقد كان لفلانٍ
وعن أبي هُريرة : أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ  رواه مسلم.




والله لو أن الإنسان عرف كرم الله عز وجل، وعرف ما عند الله في الدنيا والآخرة، والله لأنفق إنفاقاً بغير حساب، فهؤلاء الذين ينفقون أموالهم أصبح عندهم رغبة في الإنفاق لدرجة أنهم كلما أنفقوا ازدادوا قوةً وثراءً.
سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، يقول: " ماذا أفعل إذا كنت أنفق مئة في الصباح فيعطيني الله ألفاً في المساء "، ماذا أفعل في نفسي، كل واحد منا حوله ناس أغنياء مع كونهم محسنين، تجده ينفق بغير حساب، والله يعطيه بغير حساب،

التعامل مع الله مُدهش، أحد أخواننا الكرام ـ والله أنا أروي هذه القصة لأنها نادرة جداً ـ يعمل عملاً بسيطاً جداً بألفين وخمسمئة، القصة قديمة من عشرين سنة، يتقاضى ألفين وخمسمئة بالشهر، له عمل تجاري محدود جداً، فجاءه أخ مؤمن، قال له: أنا فقدت عملي ولا دخل لي منذ اليوم، وما من أمل، قال له: تعال أتقاسم معك هذا الدخل. دخلي كان ألفين وخمسمئة وصار منذ الآن ألفاً ومئتين وخمسين لي، و تأخذ أنت ألفاً ومئتين وخمسين. فالله ألهمه شيئاً جديداً ببيع صنف معين، أول شهر بعد هذه المناصفة جاءه خمسة عشر ألف ليرة، مستحيل وألف ألف أَلف مستحيل أن تنفق ابتغاء وجه الله إلاّ و يعوض عليك الأضعاف المضاعفة، لأن الله كريم، ولكن إيَّاك أن تنفق وأنت تنتظر التعويض، أنفق ابتغاء وجه الله، أنفق ولا تنتظر أن يوفَّى إليك شيء، ولكن الله عز وجل لا ينساك من فضله.



﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾
هذه الآيات لها معنيان، الأول: أن الله يعلم ما تنفق، والمعنى الثاني: أن الله يوفي إليك ما تنفق أضعافاً مضاعفة،
ما الذي يمنعك أن تنفق؟
ضعف الإيمان، والجهل بما عند الله عز وجل، أكرر: لا يمنعك من الإنفاق إلا ضعف إيمانك، وجهلك بما عند الله من التعويض بعطاء كبير.
 
راتب النابلسي

موسوعة النابلسي للعلوم الاسلامية
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
الفقراء أولى الناس أن تنفق عليهم :

﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾(273) سورة البقرة
 
 مَن أولى الناس أن تنفق عليهم؟
قال تعالى:
﴿ لِلْفُقَرَاءِ ﴾
يجب أن نفرق بين الفقير والمسكين على اختلافٍ في التعريف، على كلٍ أحدهما ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، والثاني لا يجد حاجته. الإنسان له دخل، له دخل خمسة آلاف ليرة، لكن مرض ابنه مرضاً شديداً، دخله يكاد يكفي طعامه وشرابه، مرض ابنه مرضاً شديداً هذا يحتاج إلى مساعدة ولو أن له دخل، فالفقير هو الذي لا يجد حاجته، دخله أقل من حاجته، أما المسكين ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ممكن أن تعطي إنساناً أنيقاً يسكن ببيت يملكه وهو بحاجة إلى عمليه جراحية لابنه، هذا فقير لا يجد حاجته، والفقير يجب أن يؤمن له طعامه، وشرابه، وكسوته، ومركبه وقد يكون دراجة، وأن يؤمن له تطبيب أولاده، وحرفته وأدوات حرفته، هذه أساسيات، فهناك شخص لا يدفع إلا للمتسول، وقد يكون هذا المتسول أغنى من المتصدق بكثير، على كلٍ ما دام هذا الفقير يحتاج أن تساعده فساعده.

تعريف الفقير :
دقق في هذه الآية..
﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً ﴾

هذا الذي يجب أن تنفق عليه لا يسألك، ويتجَمَّل، ولا يلحُّ إطلاقاً، وتحسبه غنياً، يقتضي هذا الكلام الإلهي أن تبحث أنت عنه، هو لا يسألك، ولا يقتحم عليك مكانك، لا يطلب منك بقوة، لا يلح، هو متعفف، لا يسأل، في وجهه ماء الكرامة، عزيز النفس، متجمِّل، أنيق لا يرتدي ثياباً بالية كي تشفق عليه، يتأنق في ملبسه، يتجمل في حركاته وسكناته، لا يتضعضع لغني، لا يذل نفسه أمامه، يطلب حاجته بعِزَّة النفس، هذا الذي ينبغي أن تعطيه، هذا لا يسألك، فكيف أعرفه؟
هذا ينبغي أن تبحث عنه، ينبغي أن تبحث، وأن تسأل، وأن تدقق، كلما التقيت بإنسان مؤمن عزيز النفس متجمل اسأله عن أحواله: أعليه دين؟ ما شأن أولاده في المواسم الأساسية؛ موسم البرد، موسم المدارس هل بحاجة إلى شيء، فهو لا يسألك:
﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ*لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم ﴾
[ سورة المعارج: 24-25 ]

السائل يسأل، وقد يسأل بوقاحة، وقد يسأل بقوَّة، وقد يعيد عليك السؤال، وقد يقف أمامك لا يغادر، وقد يلح عليك، وقد يقسو عليك بالكلام، أما الذي يستحق أن تعطيه لا يسألك، لذلك ينبغي أن تبحث أنت، الذي يستحق لا تعرفه، يجب أن تتعرَّف عليه، مَن هم الفقراء؟ الفقراء هم..

﴿ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾

لا أحب أن أفصِّل في هذا، لكن هناك إنسان يقوم بعمل؛ يعلم أولادنا القرآن الكريم، يعلِّم الطلاَّب بالمدارس، معاشه لا يكفي أياماً معدودة، عنده دوام كامل ثلاثة أيام بالأسبوع، هذا الذي يؤذن، هذا الذي يخدم، هذا الذي يعمل عملاً أساسياً وكل وقته من أجله مبذول ودخله لا يكفيه.
 

هل يكفي أن نعطي الفقير مالاً أم أنه يحتاج شيئاً آخر ؟
فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( شر الطعام الوليمة التي يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء ))
[البخاري عن أبي هريرة]

قد يجد الإنسان السعادة في مجالسة الفقراء وإعانتهم ، وهذا خير له من أن يلبي دعوات الأغنياء فقط ويكف عن هؤلاء المحتاجين .
  تلبية دعوة الأغنياء من الدنيا ، وتلبية دعوة الفقراء من الآخرة ، أنت بهذا تتقرب من الله بتلبية دعوته .

و لا ينبغي أن نكتفي بإعطاء المال ، وإنما الفقير يحتاج منا خلقاً حسناً وكلمة طيبة وجبراً للخاطر .

موسوعة النابلسي للعلوم الأسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ* الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً ﴾سورة البقرة 273
يجوز أن نعطي المؤذن راتباً، والإمام راتباً، والمدرس راتباً، والذي يعمل على جمع الزكاة راتباً، وكل مَن له عمل يستغرق كل وقته في سبيل الله، والذي يجاهد في سبيل الله يستحق راتباً، هذا جائز وممكن، إنسان يعمل في الخدمة يدافع عن بلاده، يدعو إلى الله عز وجل، يجاهد في سبيل الله، هذا من أين يأكل؟
إذاً هذا هو الذي يستحق أن نعطيه.


هذا المال الذي وهبك الله إياه يمكن أن ترقى به إلى أعلى عليين إذا أُنفق في طاعة الله، ولقد حضرت مرة حفل تخريج طلاَّب من حفظة القرآن الكريم، أُلقيَت كلمة رائعة، قال المتكلم: أنا أشكر هؤلاء الطلاَّب الذين حفظوا كتاب الله، وأشكر الذين علموهم كتاب الله، وأشكر الشيوخ الأفاضل الذين امتحنوهم ـ كلام طيب ـ قال: وأشكر هؤلاء الأغنياء الذين تبرعوا لكل من حفظ كتاب الله بعمرة إلى بيت الله الحرام.
المال شقيق الروح، هذا تعلم، وهذا علَّم، وهذا فحص، وهذا الغني ماذا فعل؟
شجع، كل من حفظ كتاب الله له عندي عمرة، شاب صغير ركب طائرة، ذهب إلى بيت الله الحرام، نزل بفندق، وجد نفسه مكرماً بالمجتمع تكريماً كبيراً، يبدو أن هذا الذي شجَّع الصغار على حفظ كتاب الله ليس أقل أجراً من الذي علَّمهم، المال شقيق الروح، هؤلاء الذين معهم أموال ويجودون بها قد يكونون في مرتبة العلماء والدعاة، لأن المال عنصر أساسي للحياة:
(( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ: رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ وآنَاءَ النّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَار ))
[ البخاري عن أبي هريرة]
هذا الحديث يبين لنا: كيف أن النبي جعل المنفق في مستوى الداعي تماماً، المال شقيق الروح، نحن بحاجة إلى دعاة، وبحاجة إلى أغنياء ينفقون.

على الإنسان أن ينفق ويعطي كي يرحمه الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام:
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
ألا تحب أن يطمئنك الله عز وجل؟
وأن يحفظ لك صحتك، وأهلك، وأولادك، ومالَك، وأن يهبك سكينة تملأ قلبك سعادة، أنفق:
(( أنفق بلال ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً))
[الطبراني عن ابن مسعود]
(( قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم أَنفق أُنفق عليك))
[أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه]
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾
لهم أجرهم الذي يكافئ عملهم..
﴿ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾
من المستقبل..
﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
على الماضي.
 
أيها الأخوة... أنا لا أقول لكم: يجب أن تكونوا أغنياء حتى تنفقوا. لا، يمكن أن تنفق خمس ليرات بإخلاص شديد، كنت أقول حينما أدعو للتبرع: خمس ليرات على العين والرأس، قد يدفع طفل مصروفه، أعجبني مرة في مؤتمر الأوقاف وقد حضرته أن هناك وقف في بعض الدول الإسلامية للصغار، مثلاً تأسيس معهد شرعي، خصصوا أسهماً، كل سهم فرضاً مئة ليرة، حتى يَشَّجَّع أطفال المدارس، ادفع مئة ليرة وأنت لك وقف، حجزت من مالك جزءاً لوقف مستمر إلى آلاف السنين، كل مَن تعلَّم في هذا المعهد في صحيفة مَن وقف هذا المال لبنائه، وقف خاص للصغار، نعوِّد أنفسنا أن ننفق ونعطي ونحل مشكلات الناس كي يرحمنا الله عز وجل، لأنه: ارحموا مَن في الأرض يرحمكم من في السماء، هناك من ينفق على ملذاته الملايين المملينة، أفلا ننفق ونعلّم أطفالنا فضيلة الإنفاق في سبيل الله؟!!

موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
خطورة الربا

﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾275 سورة البقرة


أي أن تلد الأعمال المال بالبيع والشراء، هذا أقرَّه الله، أما أن يلد المال المَال فهو الربا..






﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾
[ سورة البقرة: 279 ]


لا توجد معصية توعد الله بها مرتكبها بالحرب إلا الربا لأن خطر الربا يشمل المجتمع بأكمله.
فالربا محرم و هو من أكبر الكبائر
((لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ))[مسلم عَنْ جابر ]






حكم العمل في البنك الربوى؟

العمل في البنوك الربوية حرام لقوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)




أنواع الربا :


أمّا الإمام الفخر الرازي فيقول: الربا قسمان ربا النسيئة وربا الفضل، ربا النسيئة أي: الزيادة المشروطة الذي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل، اقترضت من إنسان قرضاً فاستحق أداء القرض فلما أخّر لك الأداء طالبته بزيادة على أصل المال، هذا ربا النسيئة، هذا الربا هو ربا الجاهلية الذي كان شائعاً عند العرب قبل الإسلام، فالربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به من نسب معينة، والآن أي قرض من المصرف بفائدة هو يشبه ربا القروض.
يسمي العلماء ربا القروض الربا الجلي، وربا البيوع الربا الخفي، فكما أن هناك شركاً جلياً أن تعبد بوذا مثلاً، وشركاً خفياً كأن تخاف من إنسان أو تعلق الآمال عليه، والعلماء يرون أن هناك رباً جلياً ورباً خفياً، الربا الجلي ربا القروض، والربا الخفي ربا البيوع والظاهر بيع وشراء.
الإمام ابن القيم الجوزي يقول: الربا نوعان جلي وخفي، فأما الجلي فربا النسيئة الذي كانوا يفعلونه بالجاهلية، أي التأخير، وسمّى بعض العلماء ربا القروض الربا الحقيقي.
يقول الشيخ الدهلوي: وعُلم أن الربا على وجهين؛ حقيقي ومحمول عليه. أما الحقيقي فهو في الديون وأما المحمول عليه فهو في البيوع.
يقول أحد علماء الأزهر: إن ذلك النوع أي ربا القروض هو أشد أنواع الربا تحريماً، وهو الجاري في التعامل بين الجماعات التي قام نظامها الاقتصادي على أساس ربوي، وقد سمى بعض العلماء القروض بربا القرآن حيث ثبت تحريمه بالقرآن الكريم، أما ربا البيوع على حسب تعريف السرخسي وهو إمام كبير من أئمة المذهب الحنفي فهو الفضل الخالي عن العوض المشروط في البيع، أي ثمن هذا القلم خمسون فإذا أخذت زيادة على الخمسين مقابل الأجل أي التأخير فهذا ربا البيوع، ربا القروض وربا البيوع، ربا القروض ربا القرآن، وربا البيوع ربا السنة التي نهى عنها النبي، ربا القروض الربا الحقيقي المحمول عليه، وربا القروض هو الربا الجلي، وربا البيوع هو الربا الخفي.
ربا البيوع :
و عن النبي عليه الصلاة والسلام:
((عَنْ أَبِي قِلابَةَ قَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ فَجَاءَ أَبُو الأشْعَثِ قَالَ: قَالُوا: أَبُو الأَشْعَثِ، أَبُو الأَشْعَثِ فَجَلَسَ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْ أَخَانَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا غَزَاةً وَعَلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلا أَنْ يَبِيعَهَا فِي أَعْطِيَاتِ النَّاسِ فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَبَلَغَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَقَامَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إِلا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى فَرَدَّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَلا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَأَعَادَ الْقِصَّةَ ثُمَّ قَالَ: لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ أَوْ قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ مَا أُبَالِي أَنْ لا أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ ))
[مسلم عَنْ أَبِي قِلابَةَ ]
أي هذا القلم بخمسين، فلك عندي خمسون، فإن دفعتها لك الآن خذ أربعين مقابل الخمسين، و إذا أخرت لك الدفع صارت ستين، انتهى الموضوع القلم بخمسين، لو دفعت ثمنه نقداً كان بخمسين، الآن تفاوض على طريقة الدفع فإذا أخرت القبضة طالبته بالستين هذا الربا هو ربا البيوع، ولكن هناك من يزعم أن الربا يشبه البيع قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
[ سورة البقرة: 275 ]
لماذا يشبه البيع؟ يقول لك: أنت تشتري هذا القلم بأربعين وتبيعه بخمسين فقد زدت في الثمن والقرض كذلك لكن الفرق دقيق جداً، الإنسان الذي اشترى شيئاً وباعه قدم سلعةً، قدم خدمة، قدم جهداً، قدم محصولاً زراعياً فأفاد الناس، قدم صناعة لبّت حاجاتهم، أما الذي لم يقدم شيئاً إنما أقرض وطالب بزيادة على القرض فهذا يعني أنه جمع الأموال كلها بيده.


أضرار الربا :


1 ـ أول أضرار الربا أنه يرفع الأسعار :

أول أضرار الربا: أنه يرفع الأسعار، كيف؟ الفكرة أن إنساناً معه مئة مليون، أراد أن يضعها في عملٍ تجاريٍ، أو صناعيٍ، أو زراعي، لكنه رأى أنّ هناك مؤسسات ربوية يمكن أن تعطيه أرباحاً جيدةً دون أن يعمل فيكسل، فمتى يغامر ويوظِّفها في مشروعٍ زراعيٍ، أو صناعيٍ، أو تجاري؟ إذا كان عائد الربح أربعين أو خمسين بالمئة فعندئذ يخوض غمار العمل في تلك المشاريع، لكن إذا كان هناك مؤسسات تعطي ربحاً من دون عمل فرأس المال لا يغامر بمنطق الحياة إلا إذا كان الربح كبيراً جداً، إذاً بوجود مؤسسة تعطي ربحاً بلا عمل فالأموال لا توظف في أعمال استراتيجية إلا بربح عالٍ، فتفشي الربا يرفع الأسعار، وهذه أول أضراره.

2 ـ إذا ارتفعت الأسعار ضاقت شريحة المستهلكين :

الأسعار إذا ارتفعت ضاقت شريحة المستهلكين، أما الضرر الثاني فهو إذا ارتفعت الأسعار ضاقت الشريحة، فإذا ضاقت الشريحة قلَّ الربح عند الباعة، فترتفع الأسعار ثانيةً، إنسان يحتاج في اليوم لألف ليرة فرضاً، إذا كان سيربح باليوم مئة ليرة لا تكفيه، فلا بد من رفع أسعاره، فإذا ارتفعت ضاقت الشريحة، فصرنا في حلقةٍ مفرغةٍ، فكل شيءٍ موجود وأسعار هذه الأشياء فوق طاقة المستهلكين، قضية خطيرة جداً، إذاً الربا يسهم في رفع الأسعار عن طريق أن رأس المال لا يغامر إلا بربحٍ كبير جداً، ولأن وجود مَن يدفع لك ربحاً دون أن تعمل، هذا يحد من المغامرة في مشاريع اقتصادية إلا إذا صار مقدار الأرباح عالياً جداً لدى المشاريع الاقتصادية.

3 ـ الربا يسهم في البطالة :

الضرر الثالث الربا يسهم في البطالة، لأن أي إنسان يريد أن يعمل مشروعاً يحتاج إلى طاقة بشرية، الآن المشكلة الأولى في العالم مشكلة البطالة، في بعض البلاد كل أربعة أشخاص واحد يعمل وثلاثة بلا عمل، عندنا بطالة مُقنَّعة وهذه أخطر، له عمل ولكن دخله قليل جداً جِداً لا يكفيه لحياته ومصروفه، إذاً يلجأ إلى أساليب أخرى لا ترضي الله ولا ترضي عبيد الله، إذاً عندنا بطالة صارخة، بطالة مقنَّعة، فحينما يحلُّ كسب المال عن طريق المال نفسه محل كسب المال عن طريق الأعمال، ترتفع الأسعار وتفشو البطالة، والإنسان حينما لا يعمل، طبعاً هذه الأمة تحتاج إلى أن تستورد كل بضاعتها، فأمةٌ تأكل ما لا تزرع، وتلبس ما لا تنسج، وتستخدم آلةً لا تصنعها هذه أمةٌ عالةٌ على الأمم وانهيارها محقق.

4 ـ الربا يسهم في ضعف الأمة :

بالمناسبة، سيدنا عمر رضي الله عنه، كان يتفقَّد رعيَّته، فدخل بلدةً ـ هكذا تروي الكتب ـ فوجد أنّ كل الفعاليات في هذه البلدة من غير المسلمين، فعنَّفهم تعنيفاً شديداً وقال: ما هذا؟! قالوا: لقد سخَّرهم الله لنا. فقال رضي الله عنه: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم؟! أي أن المنتج قوي والمستهلك ضعيف، فنحن إذا قبلنا أن نضع الأموال في مؤسسات ربوية دون أن نعمل، نحتاج إلى أن نستورد كل شيء، والمستورد ضعيف والمنتج قوي.
حالياً هناك ما يسمى بحروب اقتصادية غير معلنة، منها حرب قطع الغيار، عندك مركبة شراء قطع التبديل التابعة لها ـ هذا اسمه عقد إذعان وليس عقد تراضٍ ـ مركبة ثمنها مليونان، احتجت إلى قطعة تبديلية لها وقال لك البائع: بخمسين ألفاً، فلو رفضت تتوقف هذه المركبة، فماذا يفعل معنا اقتصاديو العالم؟ يبيعونك شيئاً أساسياً، وأنت محتاجٌ لهم كل وقت لقطع الغيار، فحينما لا نكتفي بطعامنا، وشرابنا، وثيابنا، وحاجاتنا، وآلاتنا، نكون أفقر الشعوب، فكل إنسان يُثَمِّر ماله في البنوك ولا ينشئ بهذا المال المشاريع الاقتصادية، فهذا يسهم في إضعاف أمَّته ويسهم في تأخُّرها وتخلُّفها بل وانهيارها.
أحياناً تحتاج أمة إلى صناعة معينة، إلى أدوات معينة، قد تدفع ثمنها عشرة أضعاف ثمنها الحقيقي بعقد إذعان، ولو أن الأموال الموجودة في البلاد توجَّهت إلى التوظيف في أعمال أساسية لاستغنينا عن استيراد هذه البضائع، فأولاً يسهم الربا في رفع الأسعار، ورفع الأسعار يسهم في خلق مشكلات اجتماعية كبيرة جداً، والربا يسهم في البطالة، والبطالة لها مضاعفات خطيرة جداً، ثم إن الربا يسهم في ضعف الأمة، لأنه ليس في البلاد إنتاج، بل هناك استهلاك فقط من دون إنتاج.





راتب النابلسي
موسوعة النابلسي للعلوم الاسلامية

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
الفرق بين البيع والربا :
 
قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ﴾
 
أي قصدهم إنما الربا مثل البيع، هناك بونٌ شاسع، الزيادة في الربا لا يقابلها عوض، أما الزيادة في البيع يقابلها عوض وهو الجهد، إنسان اشترى بـضاعة، وتحمَّل قرار المغامرة بالربح والخسارة، وحملها وصنفها وعرضها، هذا جهد كبير، وقدم لك هذه الخدمة حتى صارت إلى جانب بيتك، فالتفاضل في البيع تفاضل يقابله جهد، أما التفاضل في الربا فلا يقابله جهد، التفاضل في البيع توزَّع فيه الأموال على عددٍ كبيرِ من الناس، أما التفاضل في الربا ليس كذلك. قال:
﴿ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
يقول الله عزَّ وجل: إن هؤلاء الذين آمنوا إذا عملوا شيئاً يجهلونه، ثم عرفوا الحقيقة تابوا:
﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
[ سورة الأنعام: 54]

أي الإنسان قد لا يعلم، فإذا علم يجب أن ينتهي.
حق من يستغفر لذنبه إن كان صادقاً ونادماً أن يسترد رأسماله فقط :
يقول الله عزَّ وجل هنا:
﴿ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ ﴾
له رأسماله..
﴿ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾
فيما مضى؛ يغفر له إن كان صادقاً ونادماً، وقد لا يغفر له لحكمةٍ يريدها الله عزَّ وجل، أما حقه أن يسترد رأسماله فقط..
﴿ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ ﴾
إلى أكل الربا..
﴿ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
أي أن هذه المعصية سبب خلودٍ في النار. ثم يقول الله عزَّ وجل:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ﴾
من عظمة الله أنه يتلف مال الإنسان بأبسط الأسباب ويغنيه بأبسط الأسباب :
هذه الآية دقيقة جداً..
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾

العجيب أن المسألة في الرياضيات بالعكس، إذا أقرضت قرضاً ربوياً مئة ألفٍ مثلاً عاد مئة وعشرين، فالربا اسمه ربا من الزيادة، أما إذا أقرضت قرضاً حسناً عاد مئة، فبالآلات الحاسبة الربا ينمِّي المال، والصدقة لا تنميه بل تنقصه، فالآية تنص على عكس حساب الرياضيات.
 
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾
ماذا نستنبط من هذا؟
نستنبط أن هناك قوانين مستنبطة من حركة الحياة، وهناك منظومةٌ من القوانين الأخرى لا يعلمها إلا قلةٌ قليلة ممن أوتوا العلم، مثلاً: الإنسان قد يرابي وقد يربح ملايين مملينة من الربا ثم تأتيه مصيبةٌ بقانونٍ آخر تمحق كل ماله، وهذا الشيء يقع، هناك من يحترق ماله، هناك من يدمَّر، هناك من يفقد أعز ما يملك، هناك من تصادر أمواله، فهناك قوانين مستنبطة من حركة الحياة، وهناك قوانين استثنائية بيد الله عزَّ وجل، فأنت حينما تخاف الله وتقرض قرضاً حسناً، ويقل مالك، تكافأ برزقٍ لا تدري من أين جاءك.. " أبى الله إلا أن يجعل رزق عبده المؤمن من حيث لا يحتسب ".
بينما الذي يرابي أيضاً بقانون استثنائي يدمِّره الله عزَّ وجل، ومن عظمة الله عزَّ وجل أنه يتلف مال الإنسان بأبسط الأسباب، ويغنيه أيضاً بأبسط الأسباب..

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾
أنت حينما تقرأ كلام الله، وتقول: صدق الله العظيم، يجب أن تؤمن إيماناً يقينياً أن الربا سيمحقه الله ولو بعد حين، وأن الصدقات سيربيها الله ولو بعد حين، لكن لا بد مـن أن تشعر أن العقاب لا يأتي عقب الذنب أبداً، وأن الجزاء الحسن لا يأتي عقب الصدقة بسبب أن الله لو فعل هذا لألغي الاختيار، فمثلاً مرابٍ تعامل بالربا فأتلفَ ماله بعد ساعة فلا أحد يفعل ذلك لا حباً بالله ولا طاعةً له ولكن خوفاً على المال، والمتصدق يدفع الصدقة فيأتيه عشرة أضعافها، فيبادر أهل الكفر والإلحاد ويدفعون الصدقات، إذاً لو جاء العقاب والثواب عقب العمل لألغي الاختيار، ولكن حكمة الله أنك تفعل ما تشاء، وإلى أمدٍ طويل دون أن تصاب بشيء، وتأخذ أبعادك، فأنت مخيَّر، فالمَحْقُ هنا قد لا يكون سريعاً.

موسوعة النابلسي للعلوم الاسلاميه
speakol

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

الفرق بين الربا والصدقة :
 
قال تعالى:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾
من معاني (يمحق الله الربا)
أن هذا المال الذي جمعته بالحرام يتلفه الله؛ بمصادرةٍ، بحريقٍ، بمشكلةٍ، بمرضٍ عُضال تنفقه.
أعلم رجلاً له دخلٌ حرام، علةٌ في قلبه كلَّفته بضع مئات من الألوف، فالله عزَّ وجل يمحق المال الحرام بطرق كثيرة، إما أن يتلف المال نفسه، أو أن ينفق على صحة الإنسان، أو أن يدفَع جزاء خطأ غير مقصود، أو أن يشقى الإنسان به، أو أن يسرق منه، أو أن يكون هذا المال نكداً عليه، تألَّب عليه أولاده وتطاولوا عليه طمعاً بهذا المال، أي يصبح هذا المال الحرام مصدر شقاءٍ لهذا الإنسان
هذا معنى

(يمحق الله الربا)
وليس المحق سريعاً بل قد يأتي متأخراً..
﴿ وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾
أما الصدقة فيضاعفها الله أيضاً، وثوابها قد يأتي عاجلاً أو آجلاً حسب مشيئة الله.

الآية التالية تحمل إنذاراً قاسياً مرعباً :
قال تعالى:
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ﴾
هنا الآية تحمل إنذاراً قاسياً مرعباً..
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾
مَن نحن حتى نتعرَّض لحرب الله عزَّ وجل؟

أحياناً خطأ بسيط في الأجهزة تصبح حياة الإنسان جحيماً، فالخلايا في أي مكان بالجسم قد تنمو نمواً غير طبيعي، وانتهى الأمر . واللهِ مرة كنت في جلسة، فيها شخص لا أعرفه لكنه واجم وجوماً يلفت النظر، كأن هموم الدنيا تراكمت عليه، بعد أن انتهت الجلسة، أوصلته إلى البيت، وسألته في الطريق فلم يجب إطلاقاً، ثم علمت أنه يعاني مرضاً عُضالاً، نعم مرض عضال، مرض خبيث، هذا معنى يمحق الله الربا، نحن تحت ألطاف الله عزَّ وجل، فالذي يجرؤ ويأكل المال الحرام قد يمحق الله حياته، يمحق صحته، يمحق سعادته، يمحق أمنه، يمحق طمأنينته..
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ* وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾

أي أن هذا الذي أقرضته المال بفائدة إذا كان ذو عسرة فانتظره حتى يتيسَّر أمره، لا تقل له: إما أن تقضي وإما أن تربي، فهذا سلوك أهل الجاهلية ولا يليق بالمؤمنين.
﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ﴾
[سورة البقرة: 5 ]

الصدقة تزيد المال، وتملأ نفس المتصدق بالسكينة، والإقبال، والطمأنينة، والقوة، والانشراح، ولها أثر نفسي، وأثر مادي، بعد حين يعوّض الله عزَّ وجل على المتصدق أضعافاً مضاعفة.
 
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾
العجيب أن المسألة في الرياضيات بالعكس، إذا أقرضت قرضاً ربوياً مئة ألفٍ مثلاً عاد مئة وعشرين، فالربا اسمه ربا من الزيادة، أما إذا أقرضت قرضاً حسناً عاد مئة، فبالآلات الحاسبة الربا ينمِّي المال، والصدقة لا تنميه بل تنقصه، فالآية تنص على عكس حساب الرياضيات.

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾
ماذا نستنبط من هذا؟
نستنبط أن هناك قوانين مستنبطة من حركة الحياة، وهناك منظومةٌ من القوانين الأخرى لا يعلمها إلا قلةٌ قليلة ممن أوتوا العلم، مثلاً: الإنسان قد يرابي وقد يربح ملايين مملينة من الربا ثم تأتيه مصيبةٌ بقانونٍ آخر تمحق كل ماله، وهذا الشيء يقع، هناك من يحترق ماله، هناك من يدمَّر، هناك من يفقد أعز ما يملك، هناك من تصادر أمواله، فهناك قوانين مستنبطة من حركة الحياة، وهناك قوانين استثنائية بيد الله عزَّ وجل، فأنت حينما تخاف الله وتقرض قرضاً حسناً، ويقل مالك، تكافأ برزقٍ لا تدري من أين جاءك.. " أبى الله إلا أن يجعل رزق عبده المؤمن من حيث لا يحتسب ".
بينما الذي يرابي أيضاً بقانون استثنائي يدمِّره الله عزَّ وجل، ومن عظمة الله عزَّ وجل أنه يتلف مال الإنسان بأبسط الأسباب، ويغنيه أيضاً بأبسط الأسباب..

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾
أنت حينما تقرأ كلام الله، وتقول: صدق الله العظيم، يجب أن تؤمن إيماناً يقينياً أن الربا سيمحقه الله ولو بعد حين، وأن الصدقات سيربيها الله ولو بعد حين، لكن لا بد مـن أن تشعر أن العقاب لا يأتي عقب الذنب أبداً، وأن الجزاء الحسن لا يأتي عقب الصدقة بسبب أن الله لو فعل هذا لألغي الاختيار، فمثلاً مرابٍ تعامل بالربا فأتلفَ ماله بعد ساعة فلا أحد يفعل ذلك لا حباً بالله ولا طاعةً له ولكن خوفاً على المال، والمتصدق يدفع الصدقة فيأتيه عشرة أضعافها، فيبادر أهل الكفر والإلحاد ويدفعون الصدقات، إذاً لو جاء العقاب والثواب عقب العمل لألغي الاختيار، ولكن حكمة الله أنك تفعل ما تشاء، وإلى أمدٍ طويل دون أن تصاب بشيء، وتأخذ أبعادك، فأنت مخيَّر، فالمَحْقُ هنا قد لا يكون سريعاً.
 
﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾
أي كفار بهذا المنهج العظيم أثيمٌ لمخالفته، منهجٌ عظيم كفر به، ومنهجٌ عظيم أَثِم بمخالفته.
 
موسوعة النابلسي للعلوم الاسلامية

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281).
المؤمن الصادق لا يفعل شيئاً إلا وهو يراقب الله تعالى :
قال تعالى:
﴿ وَأَنْ تَصَدَّقُوا ﴾
بأن تنزلوا عن بعض هذا المال للمَدين المُعْسر..
﴿ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون* وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾
أي يجب أن تعلم علم اليقين أنه لا بد من أن تقف يوم القيامة بين يدي الله لتحاسب على كل حركةٍ، وعلى كل سكنةٍ، وعلى كل نفقةٍ، وعلى كل كسبٍ فعلته في الدنيا، وهذا هو يوم الدين يوم الجزاء، فالإنسان الذي يؤمن أنه سيحاسب يستقيم في الدنيا، سيدنا عمر يقول: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزَن عليكم.

﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾
نحن في دار عملٍ ولا جزاء، ونحن قادمون على دار جزاءٍ ولا عمل، نحن في دار هدنةٍ وانقطاع، العام الدراسي عام هُدْنَة، الطالب يدرس أو لا يدرس، يجتهد أو لا يجتهد، هو في بحبوحة، أما بالامتحان فيتميز الناس، الامتحان يفرز الطلاَّب، ونحن في زمن هدنةٍ وانقطاع، الموت يقطع هذه الهدنة، وخلال فترة الهدنة مسموح لنا أن نفعل، فالمرء مخير، وكل شيء بحسابه:
﴿ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ﴾
[سورة فصلت: 40]

لكن المؤمن الصادق لا يفعل شيئاً إلا وهو يراقب الله تعالى، إن فعلت هذا هل يرضى الله عني، أم لا يرضى عني؟ ماذا أفعل؛ أقْدِم أم أحْجِم؟ في حوار مع نفسه، وهذه الآية من أدق الآيات في كتاب الله، وقيل إنها آخر آية نزلت في القرآن الكريم..
﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
كل إنسان يستقرض ولا يرد فهو يمنع الماعون :

قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ ﴾
 
أي تقرضه ويقرضك، تعينه ويعينك، تأخذ بيده ويأخذ بيدك، ذلك أن الله عز وجل قهرنا على أن نأكل ونشرب، قيام أجسادنا يحتاج إلى طعام وشراب، نحن مقهورون بالطعام والشراب، وهذا الطعام والشراب يحتاج إلى مال، نحن مقهورون بالعمل، وهذا العمل يحتاج إلى جماعة، تتقن حاجةً، وأنت محتاج إلى مئة ألف حاجة، لا بد أن تكون مع الناس؛ تشتري رغيفَ خبز، مئة ألف إنسان ساهم في هذا الرغيف، بدءً بزراعته، وتنميته، وسقيه، وتسميده، وحصاده، وتجفيفه، وطحنه، وخبزه، تشتري خبزاً، تشتري قميصاً، تستخدم مَن يعالجك، مَن يُعَلِِّم ابنك، تتقن حاجة، وأنت محتاجٌ إلى مئة ألف حاجة، أنت مقهور بالطعام والشراب، مقهور بالعمل، مقهور أن تكون في جماعة، وأنت في جماعة تمتحن؛ إما أن تصدق وإما أن تكذب، إما أن تُخْلِص وإما أن تخون، إما أن تستقيم وإما أن تنحرف، إما أن ترحم وإما أن تقسو، إما أن تعطي وإما أن تأخذ، هنا الامتحان، وهو جزء أساسي من علاقاتنا قضية الدَّين.

مَن هذا الذي يمنع الماعون؟

الذي يمنع الماعون هو الذي يستدين ولا يوفِّي، الآن الناس كفروا بالدَّين، تجده يطلب الدَّين برِقَّة بالغة، بأدبٍ جَم، فإذا تملَّك المال لا يسأل، ولا يلقي لك سلاماً، ولا يعتذر، كل إنسان يستقرض ولا يرد فهو يمنع الماعون

 
القرض الحسن هو مُطْلَق العمل الصالح :
 
لأن الناس أقرضوا وما استوفوا، كفروا بالدَّين، مثل آخر مشابه: هناك طريقة مشروعةٌ جداً لاستثمار المال، وحاجة استثمار المال حاجةٌ أساسيةٌ جداً، طفلٌ يتيم، امرأةٌ أرملة، شيخٌ كبير، موظَّف متقاعد، هناك نماذج كثيرة جداً بحاجةٍ ماسَّة إلى استثمار أموالها، هؤلاء الذين جمعوا أموال الناس ليستثمروها فأكلوها، ماذا فعلوا؟ منعوا الخير، وسَفَّهوا الدين، وقووا مركز البنك، ما الذي قوَّى مركز البنوك الربوية؟ جامعوا الأموال الذين جمعوها وأكلوها، فالإنسان حينما يخطئ في الشيء المشروع يكون مجرماً بحق هذا الدِّين، وحق هذه الأمَّة.
فالله عز وجل جعل الدَّين أساساً في العلاقات الاجتماعية، الإنسان بحاجة للمال، ربما لا يكون فقيراً، ولكن عنده ظرف طارئ، فالذي لا يرد الدين يمنع الماعون، فعَنْ جَابِرٍ قَال:
(تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ؟ فَخَطَا خُطًى ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَانِ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُحِقَّ الْغَرِيمُ وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ، قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ: مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ، قَالَ فَعَادَ إِلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَقَالَ: لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ))
[من مسند الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه]

متى ابترد؟ لا مع الضمان، ولكن بعد الوفاء. لكن ما قولك بإنسان قدم لله أثمن ما يملك على الإطلاق، قدَّم روحه، استشهد في ساحة المعركة لإعلاء كلمة الله، هل هناك من عملٍ على سطح الأرض من آدم إلى يوم القيامة أعظم من أن تقدم أثمن ما تملك، ومع ذلك يغفر للشهيد كل شيءٍ إلا الدَّين، الدَّين لا يغفر، ذلك أن حقوق العباد مبنيةٌ على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة.
هذا الدَّين الذي يحل مشكلات المجتمع لا القرض الربوي، القرض الحسن، بل إن الله عز وجل جعل كل عملٍ صالحٍ على الإطلاق قرضاً حسناً، قال:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ﴾
[ سورة البقرة: 245 ]
 
إن أطعمت هرَّة فهو قرضٌ حسن لله، إن أعنت مسكيناً، إن أعنت أرملةً، إن رعيت يتيماً، إن أطعمت جائعاً، إن أرشدت ضالاً، إن أعنت امرأةً في حمل أثقالها فهذا قرضٌ لله عز وجل، بل إن القرض الحسن هو مُطْلَق العمل الصالح، لذلك الدَّين يحل مشكلات المجتمع ولكن الناس كفروا بالدين، لأنه يأخذ بأعلى درجة من اللطف، أما إذا طالبته قلب لك ظهر المِجَن، والله مئات بل آلاف القصص دين من خمسة وعشرين سنة، من ثلاثين سنة، من عشرة سنوات، ما في أمل أبداً أن تستردها، قدَّمت هذا القرض بنية عالية صالحة، فصار هذا المقترض مستعلياً، مماطلاً إلى أن تيأس منه.
 
موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
العدالة والضبط صفتان أساسيتان في المسلم :
 
أيها الأخوة...
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾
قال: أُمِرْنا بالكتابة كي لا ننسى، وأمرنا بالإشهاد كي لا ننكر، في احتمال النسيان أو الإنكار، تكتب كي لا تنسى، وتُشْهِد ي لا تنكر، فلذلك اكتبوه؛ أي اكتبوا الدَّين، مقدار الدَّين، وأجل الدَّين، وأَشْهِدوا على الدَّين، تكتب كي لا تنسى، وتشهد كي لا تنكر..
﴿ فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ﴾
 
قال: هذه الـ (باء) متعلقة بكلمة فليكتب بالعدل، دون أن يزيد ودون أن ينقص، والـ (باء) متعلقة بالكاتب، يجب أن يكون الكاتب عدلاً.
وتعلمون أيها الأخوة أن في الإنسان صفتين أساسيتين؛ الضبط والعدالة، الضبط صفةٌ عقلية، والعدالة صفةٌ نفسية، ولا يتمتَّع المسلم بحقوقه إلا إذا كان ضابطاً عدلاً، فالعدالة ذكرتها اليوم في الخطبة:
 
هذه العدالة، لو عاملهم فظلمهم، وحدَّثهم فكذبهم، ووعدهم فأخلفهم سقطت عدالته، لكن هناك أشياء لا تسقط العدالة ولكنها تجرحها؛ فأكل لقمةٍ من حرام يجرح العدالة، ، تطفيف بتمرة يجرح العدالة،  مَن بال في الطريق جرحت عدالته، مَن أطلق لفرسه العنان، السرعة العالية، تجرح العدالة، مَن قاد برذوناً مخيفاً تجرح عدالته، مَن تنزَّه في الطريق ليملأ عينيه من محاسن النساء، أو مقاهي الرصيف تجرح عدالته، مَن صحب الأراذل تجرح عدالته، مَن علا صياحه في البيت تجرح عدالته، مَن تحدَّث عن النساء، وعن أشكالهن، وعن ألوانهن، وأطوالهن، وطباعهن، وكان مغرماً بهذا الحديث تجرح عدالته، فلذلك العدالة والضبط صفتان أساسيتان في
المسلم، الضبط صفة عقلية، والعدالة صفة نفسية.
 
على الكاتب أن يكون عدلاً وإذا كتب فينبغي أن يكتب بالعدل :
قال تعالى:
﴿ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ﴾
يجب أن يكون الكاتب عدلاً، وإذا كتب فينبغي أن يكتب بالعدل، فالباء باء بالعدل، متعلقة تارة ليكتب بالعدل، وتارة كاتب بالعدل..
﴿ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ﴾
الذي ينبغي أن يملي هو الذي عليه الحق.
﴿ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً ﴾
الكاتب يكتب، هو عدلٌ، يكتب من دون زيادة، ومن دون نقصان.
﴿ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ﴾
إذا دُعِيَ الكاتب إلى الكتابة ينبغي أن يكتب، وإذا دعي الشاهد إلى الشهادة ينبغي أن يشهد، هذا واجب ديني.
الكاتب ممنوع أن يأبى والشاهد ممنوع أن يأبى الشهادة :
 
لكن يقول الله عز وجل بعد حين:
﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾
إنسان يرتزق يوماً بيوم، تدعوه لأداء شهادةٍ في مكانٍ بعيد لا بد أن تعطيه تعويضاً، فالكاتب ممنوع أن يأبى، والشاهد ممنوع أن يأبى الشهادة، الطرف الثاني عليه ألا يضر كاتباً ولا شاهداً..
﴿ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ ﴾
السفيه الذي اختل عقله، أو الصغير، أو الذي لا يُحْسِن أن يتكلم، أو الأخرق، أي إذا كان هناك مانع صحي، أو مانع بنيوي من أن يملي، قال:
﴿ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ﴾
ولي هذا السفيه يملي مكانه..
﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾
هذا كلام خالق الكون، وهناك مَن يعترض على هذا الحكم، من باب السَفَه،
ومن باب عدم الوعي
 
موسوعة النابلسي للعلوم الاسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

الكتابة للتوثيق :
 
قال تعالى:
﴿ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِه ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ﴾
أنا لا أبالغ، مئات ألوف الحوادث؛ اغتصاب الأموال، انفصال الشركات، الخلاف بين الشركاء أساسه عدم الكتابة، حدَّثني أخ فقال لي: اشتريت مشروع تجاري أنا وواحد مناصفةً، بمبلغ بسيط جداً، ثم نمت قيمة هذا المشروع إلى أن بلغت مئة ضعف تقريباً، هو أعطاني دفعات، وعدها من رأسمالي، وأخرجني من الشركة، صار المشروع قيمته بضع مئات من الملايين، وبدأ برقم رمزي جداً، قال لي: اتفقنا، ولكن لم نكتب، فرد لي أقساطاً ظننتها أرباحاً، فإذا هي من رأسمالي، رد لي رأس المال، وقال لي: لا علاقة لك بالمشروع.
 
فكل إنسان لا يكتب يدفع الثمن باهظاً، اكتب لئلا تنسى، وأشهد لئلا ينكر، يقول سيدنا معاوية رضي الله عنه وقد سأل عمرو بن العاص وكان من دهاة العرب: يا عمرو ما بلغ من دهائك؟ قال له: والله ما دخلت مدخلاً إلا أحسنت الخروج منه. قال له: لست بداهية، أما أنا والله ما دخلت مدخلاً أحتاج أن أخرج منه.
 
أقول لكم هذه الحقيقة: أنت اتفقت مع شخص بعقد تجاري وما سجلته، كتبته وما وقعته، وقعته وما وثقته، وثقته وما ثبَّته بالمحكمة البدائية، أنت تعطي الطرف الثاني حرية الحركة، تغويه أن يأكل لك مالك، تغريه دون أن تشعر، فإذا أغريته، وأكل هذا المال حراماً، هل تصدِّق أنك أنت السبب، أنت السبب، أنت ما حصَّنته بعقد، لو أنك حصنته بعقد ما فعل هذا، تماماً لو واحد أحضر موظف وجعل المال بين يديه من دون حساب، شيء مغرٍ أن يأكل من هذا المال، مَن يصدق أن الذي يتيح لإنسان أن يسرق يعاقب هو كسارق، لأنه سبب فساد إنسان، فلماذا الكتابة؟ للتوثيق، أنا لا أبالغ هناك مئات ألوف الحالات المؤلمة جداً؛ من اغتصاب بيوت، على شركات، على علاقات، على قروض، وعلى ديون، على حقوق أزلية، كل هذا بسبب عدم الكتابة، الله يقول لك:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ﴾

 


موسوعة النابلسي للعلوم الاسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×