اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

تطريز رياض الصالحين

المشاركات التي تم ترشيحها

( باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم )
 
قال الله تعالى: {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} إلى قوله تعالى: {قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} ؟ [الكهف (60، 66) ] .


----------------
في هذه الآيات استحباب زيارة أهل الخير في أماكنهم، ومصاحبتهم ومجالستهم، والتواضع معهم، والرحلة في طلب العلم، واستزادة العالم من العلم، وتواضع المتعلم لمن يتعلم منه ولو كان دونه في المرتبة، واستحباب الرفيق في السفر، وأنه لا بأس بالاستخدام واتخاذ الخادم.

قال تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} [الكهف (28) ] .
----------------
هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يحبس نفسه مع الذين يعبدون الله في هذه الأوقات، وأن لا يجاوزهم ناظرا إلى غيرهم من ذوي الهيئات، فإن مصاحبتهم سبب إلى دخول الجنات.

عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها نزورها كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها، فلما انتهيا إليها، بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إني لا أبكي إني لا أعلم أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم.
----------------
أم أيمن: مولاة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنكحها زيد بن حارثة واسمها بركة، وهي أم أسامة بن زيد وكان - صلى الله عليه وسلم - يكرمها، وكان عندها كالولد. وفي هذا الحديث: زيارة الصالح لمن هو دونه، وزيارة الإنسان لمن كان صديقه يزوره. وفيه: البكاء حزنا على فراق الصالحين.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها عليه؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه» . رواه مسلم.
----------------
يقال: «أرصده» لكذا: إذا وكله بحفظه، و «المدرجة» بفتح الميم والراء: الطريق، ومعنى (تربها) : تقوم بها، وتسعى في صلاحها. في هذا الحديث: دليل على عظم فضل الحب في الله والتزاور فيه. قال - صلى الله عليه وسلم -: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان»

عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من عاد مريضا أو زار أخا له في الله، ناداه مناد: بأن طبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا» . رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن» ، وفي بعض النسخ: ... «غريب» .
----------------
في هذا الحديث: وعد الله تعالى للزائر فيه بأن يطهره من ذنوبه، ويعظم أجره ويدخله الجنة.


عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا منتنة» . متفق عليه.
----------------
(يحذيك) : يعطيك. في هذا الحديث: الحث على مجالسة أهل الخير، والتحذير من مجالسة أهل الشر. وفيه: الحكم بطهارة المسك.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» . متفق عليه.
----------------
ومعناه: أن الناس يقصدون في العادة من المرأة هذه الخصال الأربع، فاحرص أنت على ذات الدين، واظفر بها، واحرص على صحبتها. الحسب: طيب الأصل. وكل واحد من هذه الأربع مما يقصده المتزوج. وفي الحديث: الحث على صاحبة الدين، لأن الحسن البالغ يخاف بسببه من فساد المرأة، أو إفسادها، والمال ربما أطغاها. وأما الدين فهو الحبل الذي لا ينقطع.

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل: «ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟» فنزلت: {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك} [مريم (64) ] رواه البخاري.
----------------
فيه: طلب الصديق من صديقه كثرة زيارته، إذا لم يكن مانع من شغل أو غيره.

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي» . رواه أبو داود والترمذي بإسناد لا بأس به.
----------------
فيه: النهي عن موالاة الكفار، ومودتهم، ومصاحبتهم. وفيه: الأمر بملازمة الأتقياء، ودوام مخالطتهم، وترك مخالطة الفجار، ومؤاكلتهم، وهذا في طعام الدعوة، لا إطعام الحاجة.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» . رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح، وقال الترمذي: (حديث حسن) .
----------------
الخليل: الصديق. وأقل درجات الصداقة، النظر بعين المساواة، والكمال. رؤية الفضل للصديق. وروي: (لا خير في محبة من لا يرى ما لك مثل ما يرى له) .

عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المرء مع من أحب» . متفق عليه.
----------------
وفي رواية: قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال: «المرء مع من أحب» . في هذا الحديث: الحث على محبة الصالحين، لأن من أحبهم دخل معهم الجنة، والمعية تحصل بمجرد الاجتماع وإن تفاوتت الدرجات.

عن أنس - رضي الله عنه - أن أعرابيا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: متى الساعة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أعددت لها؟» قال: حب الله ورسوله، قال: ... «أنت مع من أحببت» . متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
----------------
وفي رواية لهما: ما أعددت لها من كثير صوم، ولا صلاة، ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله. الساعة: القيامة. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أعددت لها» . من أسلوب الحكيم؛ لأنه سأل عن الوقت فقيل له: ما لك ولها، إنما يهمك التزود لها والعمل بما ينفعك فيها. فطرح الرجل ذكر أعماله، ونظر إلى ما في قلبه من محبة الله ورسوله فقدمه بين يديه.

عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المرء مع من أحب» . متفق عليه.
----------------
قوله: «ولم يلحق بهم» . ولابن حبان: «ولا يستطيع أن يعمل بعملهم»

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» . رواه مسلم.
----------------
وروى البخاري قوله: «الأرواح ... » إلخ من رواية عائشة رضي الله عنها. قوله: «معادن» ، أي: أصول. فكل معدن يخرج منه ما في أصله. وكل إنسان يظهر منه ما فيه من خسة، أو شرف، فإذا انضم الدين إلى الشرف الأصلي فقد حاز الشرف. قوله: «والأرواح جنود مجندة» ، أي: جموع مجتمعة، وأنواع مختلفة، فما تشاكل منها في الخير أو الشر حن إلى شكله. وروي: «أن الأرواح خلقت قبل الأجسام، فكانت تلتقي وتتشام فلما حلت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول، فتميل الأخيار إلى الأخيار، والأشرار إلى الأشرار.

عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في العمرة، فأذن لي، وقال: «لا تنسنا يا أخي من دعائك» فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا وفي رواية: وقال: «أشركنا يا أخي في دعائك» . حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .ضعفه الالبانى فى تحقيقه لرياض الصالحين
----------------
فيه: دليل على استحباب طلب المقيم من المسافر، ووصيته له بالدعاء في مواطن الخير، ولو كان المقيم أفضل من المسافر.

عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزور قباء راكبا وماشيا، فيصلي فيه ركعتين. متفق عليه.
----------------
وفي رواية: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتي مسجد قباء كل سبت راكبا، وماشيا وكان ابن عمر يفعله. مسافة ما بين مسجد قباء ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسخ، وهو ثلاث أميال. وفي الحديث: استحباب زيارة مسجد قباء اقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم -.

 
 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
باب فضل الحب في الله والحث عليه


قال الله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح (29) ] إلى آخر السورة.
----------------
أي: غلاظ على من خالف الدين ويتراحمون فيما بينهم. كما قال تعالى: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} [المائدة (54) ] .


قال تعالى: {والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم} [الحشر (9) ] .
----------------
المراد بالدار: المدينة. والآية نزلت في الأنصار لأنهم لزموا المدينة، والإيمان وتمكنوا فيهما قبل.


عن أنس - رضي الله عنه - عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة
الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه
إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن
يقذف في النار» . متفق عليه.
----------------
حلاوة الإيمان: استلذاذ الطاعات، وتحمل المشاق في الدين، وإيثار ذلك على أغراض الدنيا.


عن أبي هريرة - رضي الله
عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم
لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله - عز وجل -، ورجل قلبه
معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته
امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى
لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» . متفق
عليه.
----------------
قوله: «سبعة يظلهم الله [في ظله]
» ، أي: ظل عرشه. وفي الحديث: الحث على هذه الخصال والتخلق بها. وقد نظمها
بعضهم فقال: أناس روينا في الصحيحين سبعة ... ?? ... يظلهم الرحمن في برد
ظله ... ??? محب، عفيف، ناشئ، متصدق ... ?? ... وباك، مصل، والإمام بعدله
وقد أورد بعضهم الخصال التي توجب إظلال الله لأصحابها، فبلغها تسعة
وثمانين، منها الجهاد، وإنظار المعسر، والصبر، وحسن الخلق، وكفالة اليتيم،
والصدق، والنصح، وترك الزنا، والحلم، وحفظ القرآن، وعيادة المرضى، وإشباع
جائع، وصلة الرحم، ومحيي سنة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وبناء مسجد،
ومعلم دين.


عن أبي هريرة - رضي الله
عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى يقول يوم
القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي» .
رواه مسلم.
----------------
سؤال الله تعالى عن المتحابين مع علمه بمكانهم، لينادي بفضلهم في ذلك الموقف.


عن أبي هريرة - رضي الله
عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده، لا
تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا
فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» . رواه مسلم.
----------------

فيه: الحث على إفشاء السلام، وبذله لكل مسلم عرفته أو لم تعرفه، وفي إفشائه ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم مع ما فيه من التواضع.


عن أبي هريرة - رضي الله
عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى،
فأرصد الله له على مدرجته ملكا ... » وذكر الحديث إلى قوله: «إن الله قد
أحبك كما أحببته فيه» . رواه مسلم،
----------------

فيه: فضل الحب في الله لما يؤول به إلى محبة الله للعبد، ومن أحبه الله
فقد فاز فوزا عظيما. وفي الدعاء المأثور: (اللهم ارزقني حبك، وحب من يحبك
والعمل الذي يقربني إلى حبك) .


عن أبي هريرة - رضي الله
عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى،
فأرصد الله له على مدرجته ملكا ... » وذكر الحديث إلى قوله: «إن الله قد
أحبك كما أحببته فيه» . رواه مسلم،
----------------

فيه: فضل الحب في الله لما يؤول به إلى محبة الله للعبد، ومن أحبه الله
فقد فاز فوزا عظيما. وفي الدعاء المأثور: (اللهم ارزقني حبك، وحب من يحبك
والعمل الذي يقربني إلى حبك) .

عن البراء بن عازب رضي الله
عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الأنصار: «لا يحبهم
إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه
الله» . متفق عليه.
----------------
يسمى الأوس والخزرج الأنصار لنصرهم الإسلام، وإيواء أهله، قال الله تعالى: {والسابقون
الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} [التوبة (100) ] .


عن معاذ - رضي الله عنه -
قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «قال الله - عز وجل -:
المتحابون في جلالي، لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء» . رواه
الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------

فيه: دليل على أن لهؤلاء العباد منازل شريفة عظيمة في الآخرة، ولا يلزم من
ذلك أن يكونوا أفضل من الأنبياء، وإنما أريد بذلك بيان فضلهم وشرفهم عند الله تعالى.


عن أبي إدريس الخولاني رحمه
الله، قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثنايا وإذا الناس معه، فإذا
اختلفوا في شيء، أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه، فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ
بن جبل - رضي الله عنه -. فلما كان من الغد، هجرت، فوجدته قد سبقني
بالتهجير، ووجدته يصلي، فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه،
فسلمت عليه، ثم قلت: والله إني لأحبك لله، فقال: آلله؟ فقلت: الله، فقال:
آلله؟ فقلت: الله، فأخذني بحبوة ردائي، فجبذني إليه، فقال: أبشر! فإني سمعت
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «قال الله تعالى: وجبت محبتي
للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في» . حديث
صحيح رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح.
----------------

قوله: «هجرت» أي بكرت، وهو بتشديد الجيم قوله: «آلله فقلت: الله» الأول
بهمزة ممدودة للاستفهام، والثاني بلا مد. فيه: تنبيه على أن الأدب لمن جاء
إلى مشغول بطاعة الله تعالى إن لا يلهيه عما هو فيه. وفيه: أن الأدب قصد الإنسان من قبل وجهه. وفيه: فضل التحاب والتجالس والتزاور في الله.


عن أبي كريمة المقداد بن
معد يكرب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أحب
الرجل أخاه، فليخبره أنه يحبه» . رواه أبو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن
صحيح غريب» .
----------------

فيه: استحباب إخبار المحبوب في الله بحبه، لتزداد المحبة والألفة.


عن معاذ - رضي الله عنه -
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده، وقال: «يا معاذ، والله، إني
لأحبك، ثم أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على
ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك» . حديث ... صحيح، رواه أبو داود والنسائي بإسناد
صحيح.
----------------
فيه: فضل معاذ. قال بعضهم: لما صحت محبة معاذ للنبي - صلى الله عليه وسلم - جازاه بأعلا منها كما هو عادة الكرام.

عن أنس - رضي الله عنه - أن
رجلا كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فمر به رجل، فقال: يا رسول
الله، أني لأحب هذا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أأعلمته؟»
قال: لا. قال: «أعلمه» فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي
أحببتني له. رواه أبو داود بإسناد صحيح.
----------------
فيه: دليل على استحباب إظهار المحبة في الله، والدعاء لفاعل الخير مثل عمله.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

( باب علامات حب الله تعالى للعبد)

 

قال الله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} [آل عمران (31) ] .
----------------
في هذه الآية: وعد من الله عز وجل بالمحبة، والرحمة، وغفران الذنوب، لمن اتبع محمدا - صلى الله عليه وسلم -. قال الحسن البصري: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية.

 

 
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} [المائدة (54) ] .
----------------
هذا من الكائنات التي أخبر الله بها قبل وقوعها، وقد ارتد العرب في آخر عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنو مدلج، ورئيسهم العنسي، وبنو حنيفة ورئيسهم مسيلمة، وبنو أسد ورئيسهم طليحة. وفي عهد الصديق، فزارة وغطفان، وبنو سليم، وبنو يربوع، وبعض تميم، قوم سجاح زوجة مسيلمة، وكندة، وبنو بكر بن وائل، وكفى الله أمرهم على يد الصديق رضي الله عنه. وفي إمرة عمر، غسان قوم جبلة بن الأيهم تنصر وسار إلى الشام. وقوله تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} ، قيل: هم أهل اليمن؛ لما روي أنه عليه السلام أشار إلى أبي موسى، وقال: «هم قوم هذا» .

 

 
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه» . رواه البخاري.
----------------
معنى «آذنته» : أعلمته بأني محارب له. وقوله: «استعاذني» روي بالباء وروي بالنون. الولي: هو من تقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه. وفي الحديث: وعيد شديد لمن عادى وليا من أولياء الله. وفيه: أن أحب الأعمال إلى الله أداء فرائضه، وأن كثرة النوافل توجب محبة الله للعبد، وقربه، فيرتقي إلى درجة الإحسان، فيمتلأ قلبه بمعرفة الله تعالى، وعظمته، وخوفه، ورجائه، فإن نطق: نطق بالله، وإن سمع: سمع به، وإن نظر نظر به، وإن بطش: بطش به. قال الله تعالى: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [النحل (128) ] .

 

 
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريل: إن الله تعالى يحب فلانا، فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانا، فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» . متفق عليه.
----------------
وفي رواية لمسلم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه. فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض» . المراد بالقبول، الحب للعبد في قلوب أهل الدين والخير، قال الله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} [مريم (96) ] . والبغضاء: شدة البغض.

 

 
عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ {قل هو الله أحد} ، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «سلوه لأي شيء يصنع ذلك» ؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أخبروه أن الله تعالى يحبه» . متفق عليه.
----------------
فيه: دليل على أن من أحب هذه السورة لأجل أنها صفة الله، أحبه الله. وعلى جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس والاستكثار منه، أن الجزاء يترتب بحسب النية والقصد، وجواز الجمع بين سورتين غير الفاتحة في ركعة واحدة.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
( باب التحذير من إيذاء الصالحين)

قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب (58) ] .
----------------
في هذه الآية: التحذير من إيذاء المؤمنين بغير جناية استحقوا بها الإيذاء. وفي الحديث: قيل: يا رسول الله! ما الغيبة؟ قال: «ذكرك أخاك بما يكره» . قال: أرأيت إن كان فيه ما أقول. قال: «إن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته» .

قال تعالى: {فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر} [الضحى (9، 10) ] .
----------------
أي: لا تقهر اليتيم على ماله فتذهب بحقه لضعفه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه» . وقوله تعالى: {وأما السائل فلا تنهر} ، أي: لا تنهره ولا تزجره إذا سألك. قال قتادة: رد السائل برحمة ولين. وقال إبراهيم بن أدهم: نعم القوم السؤال، يحملون زادنا في الآخرة. وقال ابن إسحاق: {وأما السائل فلا تنهر} ، أي: فلا تكن جبارا ولا متكبرا، ولا فحاشا، ولا فظا على الضعفاء من عباد الله. وأما الأحاديث، فكثيرة منها: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في الباب قبل هذا: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب» . ومنها حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - السابق في باب ملاطفة اليتيم، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «يا أبا بكر، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك» . أي: وكلا الحديثين يدلان على تحريم إيذاء الصالحين، والضعفة، والمساكين بخصوصهم، ومثلهم سائر المؤمنين لحرمة الإيمان وشرفه.

عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى صلاة الصبح، فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «من صلى الصبح» ، أي: في جماعة. كما في رواية أخرى لمسلم. وكأنها إنما خصت بذلك لأنها أول النهار الذي هو وقت انتشار الناس في حوائجهم. وفي الحديث: غاية التحذير عن التعريض لمن صلى الصبح المستلزم لصلاة بقية الخم
س.
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(باب إجراء أحكام الناس على الظاهر)


قال الله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} [التوبة (5) ] .
----------------

قال السيوطي: لم يكتف في تخلية السبيل بالتوبة من الشرك حتى يقيموا
الصلاة، ويؤتوا الزكاة. واستدل به الشافعي على قتل تارك الصلاة، وقتال مانع
الزكاة.


عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... «أمرت أن أقاتل الناس
حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة،
ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام،
وحسابهم على الله تعالى» . متفق عليه.
----------------
قال الخطابي وغيره: المراد بهذا أهل الأوثان، ومشركوا العرب ومن لا يؤمن
دون أهل الكتاب، ومن يقر بالتوحيد، فلا يكتفي بعصمته بقوله: (لا إله إلا
الله) . إذا كان يقولها في كفره، وهي من اعتقاده.
 
 
عن أبي عبد الله طارق بن أشيم - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
يقول: «من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه،
وحسابه على الله تعالى» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «من قال لا إله إلا الله» ، أي: مع قرينتها وهي: محمد رسول الله،
«وكفر بما يعبد من دون الله» ، أي: أي معبود كان، «حرم ماله ودمه» ، على
المسلمين «وحسابه» في صدقه وكذبه على الله تعالى.


عن أبي معبد المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - قال: قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار، فاقتتلنا، فضرب إحدى يدي بالسيف، فقطعها، ثم
لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال:
«لا تقتله» فقلت: يا رسول الله، قطع إحدى يدي، ثم قال ذلك بعد ما قطعها؟!
فقال: «لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل
أن يقول كلمته التي ... قال» . متفق عليه.
----------------
ومعنى «أنه بمنزلتك» أي: معصوم الدم محكوم بإسلامه. ومعنى ... «أنك
بمنزلته» أي: مباح الدم بالقصاص لورثته لا أنه بمنزلته في الكفر، والله
أعلم. في الحديث: دليل على أن كل من صدر عنه ما يدل على الدخول في الإسلام
من قول أو فعل حكم بإسلامه، حتى يتبين منه ما يخالفه، وقد حكم - صلى الله
عليه وسلم - بإسلام بني خزيمة الذين قتلهم خالد بن الوليد بقولهم: صبأنا
صبأنا، ولم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا. فلما بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال: ... «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» . ثم واداهم. قوله:
«لا تقتل فإن قتلته فإنه بمنزلتك» قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول
كلمته التي قال. زاد البخاري في هذا الحديث أنه عليه السلام قال للمقداد:
«إذا كان المؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتلته، كذلك كنت
تخفي إيمانك بمكة» . قوله: «ومعنى أنك بمنزلته» ، أي: مباح القصاص لورثته.
الظاهر أنه لا يلزمه قصاص، ولكن تلزمه دية، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم
- لم يقتل المقداد ولا أسامة، وودي الذين قتلهم خالد بن الوليد. والله
أعلم.


عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحرقة من
جهينة فصبحنا القوم على مياههم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما
غشيناه، قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته،
فلما قدمنا المدينة، بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: «يا
أسامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟!» قلت: يا رسول الله، إنما كان
متعوذا، فقال: «أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟!» فما زال يكررها علي
حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. متفق عليه.
----------------
وفي رواية: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أقال: لا إله إلا
الله وقتلته» ؟! قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح، قال: «أفلا
شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!» فما زال يكررها حتى تمنيت أني
أسلمت يومئذ. (الحرقة) بضم الحاء المهملة وفتح الراء: بطن من جهينة:
القبيلة المعروفة. وقوله: «متعوذا» : أي معتصما بها من القتل لا معتقدا
لها. في هذا الحديث: دليل على جريان الأحكام على الأسباب الظاهرة دون
الباطنة الخفية.


عن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بعثا من المسلمين
إلى قوم من المشركين، وأنهم التقوا، فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد
إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وأن رجلا من المسلمين قصد غفلته. وكنا
نتحدث أنه أسامة بن زيد، فلما رفع عليه السيف، قال: لا إله إلا الله،
فقتله، فجاء البشير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله وأخبره،
حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله، فقال: «لم قتلته؟» فقال: يا
رسول الله، أوجع في المسلمين، وقتل فلانا وفلانا، وسمى له نفرا، وإني حملت
عليه، فلما رأى السيف، قال: لا إله إلا الله. قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -: «أقتلته؟» قال: نعم. قال: «فكيف تصنع بلا إله إلا الله، إذا
جاءت يوم القيامة؟» قال: يا رسول الله، استغفر لي. قال: «وكيف تصنع بلا إله
إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟» فجعل لا يزيد على أن يقول: «كيف تصنع بلا
إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «فكيف تصنع بلا إله إلا الله» ، أي: من يشفع لك، ومن يحاج عنك
ويجادل إذا جيء بكلمة التوحيد. وقيل: كيف قتلت من قالها وقد حصل له ذمة
الإسلام وحرمته.


عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: إن ناسا كانوا
يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن الوحي قد
انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه
وقربناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا
سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال: إن سريرته حسنة. رواه البخاري.
----------------
قال المهلب: هذا إخبار من عمر عما كان الناس عليه في عهد رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - وعما صار بعده، ويؤخذ منه أن العدل من لم توجد منه ريبة.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
(باب الخوف)


قال الله تعالى: {وإياي فارهبون} [البقرة (40) ] .
----------------
الرهبة: الخوف، أي: خافون خوفا معه تحرز فيما تأتون وتذرون.


قال تعالى: {إن بطش ربك لشديد} [البروج (12) ] .
----------------
أي: أن بطشه وانتقامه من أعدائه لشديد عظيم قوي.


قال تعالى: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد * إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود * وما نؤخره إلا لأجل معدود * يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد * فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق} [هود (102: 106) ] .
----------------
قوله: {وكذلك} ، أي: ومثل ذلك الأخذ للأمم الماضين {أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة} .


قال تعالى: {ويحذركم الله نفسه} [آل عمران (28) ] .
----------------
أي: يخوفكم عقابه. وفي ذلك غاية التحذير. قال الحسن البصري: من رأفته بهم حذرهم بنفسه.


قال تعالى: {يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه لكل امرئ * منهم يومئذ شأن يغنيه} [عبس (34: 37) ] .
----------------
أي: يشغله عن شأن غيره


قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} [الحج (1، 2) ] .
----------------
فيرهقهم هوله بحيث تطير قلوبهم، ويذهب تمييزهم.


قال تعالى: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين * فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم * إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم} [الطور (25: 28) ] .
----------------
يقول تعالى: وأقبل أهل الجنة يتحادثون وهم على طعامهم وشرابهم، ويتساءلون عن أحوالهم في الدنيا، قالوا {إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين} ، خائفين من العذاب {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم} ، أي: عذاب النار، {إنا كنا من قبل ندعوه} نخلص له العبادة، {إنه هو البر الرحيم} ، أي: اللطيف بعباده الصادق في وعده، {الرحيم} بالمؤمنين.


عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد. فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» . متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: إثبات القدر، وأن جميع ما في الكون من نفع أو ضر بقضاء وقدر. وفيه: إيماء إلى عدم الاغترار بصور الأعمال، لأن الأعمال بالخواتيم، نسأل الله حسن الخاتمة.


عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «يومئذ» ، أي: يوم يقوم الناس للحساب، ويشهد لهذا الحديث قوله تعالى: {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا * وجاء ربك والملك صفا صفا * وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى * يقول يا ليتني قدمت لحياتي} [الفجر (21: 24) ] .


عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه. ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا، وأنه لأهونهم عذابا» . متفق عليه.
----------------
قوله: «أهل النار» ، أي: الكفار، لأنهم أهلها الخالدون فيها أبدا، وأما العصاة فإن الله يعذب فيها من يشاء منهم، ثم يدخله الجنة.


عن أنس - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: «لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم، ولهم خنين. متفق عليه.
----------------
وفي رواية: بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أصحابه شيء فخطب فقال: ... «عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» فما أتى على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أشد منه، غطوا رؤوسهم ولهم خنين. «الخنين» بالخاء المعجمة: هو البكاء مع غنة وانتشاق الصوت من الأنف. في هذا الحديث: الحث على البكاء، والتحذير من إكثار الضحك، واستحباب تغطية الوجه عند البكاء.


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم» . متفق عليه.
----------------
ومعنى «يذهب في الأرض» : ينزل ويغوص. قيل: سبب العرق في المحشر شدة كرب يوم القيامة وأهوالها.


عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ سمع وجبة، فقال: «هل تدرون ما هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها فسمعتم وجبتها» . رواه مسلم.
----------------
الوجبة: السقطة مع الهدة، يقال: وجب الحائط ونحوه، أي سقط. قال الله تعالى: {فإذا وجبت جنوبها} [الحج (36) ] . وفي الحديث: أن الإنسان إذا سئل عما لا علم له به أن يكل العلم فيه إلى الله سبحانه وتعالى. وفيه: أن قعر النار تحت الأرض السابعة.


عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة» . متفق عليه.
----------------
قوله: «ليس بينه وبينه ترجمان» ، المراد أن الله يكلمه بلا واسطة. وفي الحديث: الحث على الصدقة، والاستكثار من الأعمال الصالحة.


عن أبي برزة - براء ثم زاي - نضلة بن عبيد الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------
قوله: «لا تزول قدما عبد» ، أي: من موقفه للحساب حتى يسأل عن عمره فيما أفناه أفي طاعة أم معصية، وعن عمله فيم عمله لوجه الله تعالى خالصا أو رياء وسمعة. وعن ماله من أين اكتسبه، أمن حلال أو حرام؟ وفيما أنفقه أفي البر والمعروف أو الإسراف والتبذير؟ وعن جسمه فيما أبلاه أفي طاعة الله أو معاصيه؟ .


عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف أنعم! وصاحب القرن قد التقم القرن، واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ» فكأن ذلك ثقل على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم: « قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
«القرن» : هو الصور الذي قال الله تعالى: {ونفخ في الصور} كذا فسره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: «كيف أنعم» ، أي: كيف أطيب عيشا، وقد قرب أمر الساعة. وفيه: حث لأصحابه على الوصية لمن بعدهم بالتهيؤ لها.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل. ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
و «أدلج» : بإسكان الدال ومعناه سار من أول الليل. والمراد التشمير في الطاعة، والله أعلم. قوله: «أدلج» ، أي: هرب في أول الليل، ومن أدلج بلغ المنزل الذي يأمن فيه البيات. قال العاقولي: هذا مثل طالب الآخرة، وكون الشيطان على طريقه، فإن تبتل بالطاعة، وصبر أيامه القلائل أمن من الشيطان.


عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا» قلت: يا رسول الله الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: «يا عائشة، الأمر أشد من أن يهمهم ذلك» . وفي رواية: «الأمر أهم من أن ينظر بعضهم إلى بعض» . متفق عليه.
----------------


«غرلا» بضم الغين المعجمة، أي: غير مختونين. في هذا الحديث: عظم هول يوم القيامة. قال الله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} [الحج (1، 2) ] .


الكلم الطيب

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
(باب الرجاء)

قال الله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر (53) ] .


----------------
الرجاء: تعليق القلب بمحبوب في المستقبل، والفرق بينه وبين التمني، أن التمني يصاحبه الكسل، والرجاء يبعث على صالح العمل. ويطلق الرجاء على الخوف، ومنه قوله تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقارا} [نوح (13) ] ، أي لا تخافون له عظمة حتى تتركوا عصيانه. وقال ابن عباس: لا تعظمون الله حق عظمته، أي: لا تخافون من بأسه ونقمته. وقال الحسن: لا تعرفون له حقا، ولا تشكرون له نعمة. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} [الزمر (53) ] ، ولا يبالي [إنه هو الغفور رحيم] . قال ابن كثير: نزلت هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة. وروي عن ابن عمر قال: نزلت هذه الآية في عياش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، ونفر من المسلمين، كانوا قد أسلموا، ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا، فكنا نقول: لا يقبل الله من هؤلاء صرفا، ولا عدلا أبدا، قوم أسلموا ثم تركوا دينهم لعذاب عذبوا فيه، فأنزل الله هذه الآيات. وما روي من خصوص نزولها في جماعة لا ينفي عمومها، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.


روي عن ابن عمر قال: كنا معاشر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نقول: ليس شيء من حسناتنا إلا وهي مقبولة، حتى نزلت {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد (33) ] ، فكنا إذا رأينا من أصاب شيئا من الكبائر، قلنا: قد هلك، فنزلت هذه الآية، فكففنا عن القول في ذلك، وكنا إذا رأينا أحدا أصاب منها شيئا خفنا عليه، وإن لم يصب منها شيئا رجونا له؟ ***




قال تعالى: {وهل يجازى إلا الكفور} . وفي القراءة الأخرى: {وهل نجازي إلا الكفور} .
----------------
أي: عاقبناهم بكفرهم، وهل نجازي إلا الكفور؟ وقال مجاهد: ولا يعاقب إلا الكفور. وقال طاوس: لا يناقش إلا الكفور وقال مقاتل: وهل يكافؤ بعمله السيئ إلا الكفور لله في نعمه. وقال بعض العلماء: جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والتعسر في اللذة، لا يصادف لذو حلالا إلا جاءه ما ينغصه إياها.



قال تعالى: {إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى} [طه (48) ] .
----------------
أي العذاب اللازم على من كذب بآيات الله، وأعرض عنها.



قال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف (156) ] .
----------------
أي: وسعت في الدنيا البر والفاجر، وهي يوم القيامة للمتقين خاصة. قال ابن عباس: لما نزلت: {ورحمتي وسعت كل شيء} قال إبليس: أنا من ذلك الشيء. فقال الله سبحانه وتعالى: {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} [الأعراف (156) ] ، فتمناها اليهود والنصارى فجعلها الله لهذه الأمة، فقال: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي} [الأعراف (157) ] الآية



عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» . متفق عليه.
----------------
وفي رواية لمسلم: «من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، حرم الله عليه النار» . في هذا الحديث: بشارة لأهل التوحيد بدخول الجنة، وعدم الخلود في النار، قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما} [النساء (48) ] .



عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله - عز وجل -: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة سيئة مثلها أو أغفر. ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا، لقيته بمثلها مغفرة» . رواه مسلم.

----------------
معنى الحديث: «من تقرب» إلي بطاعتي «تقربت» إليه برحمتي وإن زاد زدت «فإن أتاني يمشي» وأسرع في طاعتي «أتيته هرولة» أي: صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود «وقراب الأرض» بضم القاف، ويقال: بكسرها والضم أصح وأشهر ومعناه: ما يقارب ملأها، والله أعلم. هذا من الأحاديث القدسية. وفيه: أن الجزاء على قدر العمل السيئ، وأن العمل الصالح يضاعف لفاعله. قال القرطبي: هذه الجمل أمثال ضربت لمن عمل من الطاعات، وقصد به التقرب إلى الله تعالى، تدل على أنه تعالى لا يضيع أجر محسن، وإن قل عمله، بل يقبله ويثبته مضاعفا.




عن جابر - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ما الموجبتان؟ قال: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك به شيئا دخل النار» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: بشارة للموحدين بدخول الجنة، ابتداء مع الفائزين أو بعد تمحيصهم بالنار.



عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل، قال: ... «يا معاذ» قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: «يا معاذ» قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: «يا معاذ» قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثلاثا، قال: «ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار» قال: يا رسول الله، أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: «إذا يتكلوا» فأخبر بها معاذ عند موته تأثما. متفق عليه.
----------------
وقوله: «تأثما» أي خوفا من الإثم في كتم هذا العلم. قوله: «صدقا من قلبه» ، هذا: القيد لإخراج شهادة اللسان إذا لم يطابقها الجنان، كالمنافقين. قوله: (ألا أخبر بها الناس فيستبشروا، قال: «إذا يتكلوا» .) ، ... أي: يتركوا العمل، ويتكلوا على ذلك، فيأثموا بترك الواجب، ويفوتهم أعالي المنازل بترك المستحب، فأشار إلى معاذ بالترك، لأنه رأى المصلحة في ذلك أتم من الإعلام. وفيه: أن العالم يراعي المصلحة في كتمان العلم ونشره.



عن أبي هريرة - - أو أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما - شك الراوي - ولا يضر الشك في عين الصحابي؛ لأنهم كلهم عدول - قال: لما كان غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة، فقالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «افعلوا» فجاء عمر - رضي الله عنه - فقال: يا رسول الله، إن فعلت قل الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع الله لهم عليها بالبركة، لعل الله أن يجعل لهم في ذلك البركة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نعم» فدعا بنطع فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة ويجيء الآخر بكف تمر ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه بالبركة، ثم قال: «خذوا في أوعيتكم» فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه وأكلوا حتى شبعوا وفضل فضلة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: حسن الأدب في خطاب الكبار، وأنه لا ينبغي للإمام أن يأذن للعسكر في تضييع دوابهم، إلا إذا رأى مصلحة أو خاف مفسدة ظاهرة. وفيه: تقديم الأهم فالأهم، وارتكاب أخف الضررين دفعا لأشدهما. وفيه: أن المؤمن لا بد له من دخول الجنة إما ابتداء مع الناجين أو بعد إخراجه من النار.

 
 

عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبي فإذا امرأة من السبي تسعى، إذ وجدت صبيا في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟» قلنا: لا والله. فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها» . متفق عليه.
----------------
هذا الحديث ذكره البخاري في باب رحمة الولد، وتقبيله، ومعانقته، بلفظ: قدم على النبي س سبي، فإذا امرأة من السبي تحلب سديها، تسقي إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. قوله: «الله أرحم بعباده من هذه بولدها» . قال ابن أبي جمرة: لفظ العباد عام، ومعناه خاص بالمؤمنين، وهو كقوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون} [الأعراف (15) ] . وفيه: إشارة إلى أنه ينبغي للمرء أن يجعل تعلقه في جميع أموره بالله وحده.



عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لما خلق الله الخلق كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب ... غضبي» . وفي رواية: «غلبت غضبي» وفي رواية: «سبقت غضبي» . متفق عليه.
----------------
قال الطيبي: في سبق الرحمة إشارة أن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب، وأنها تنالهم بغير استحقاق، وأن الغضب لا ينالهم إلا بالاستحقاق. فالرحمة تشمل الشخص جنينا ورضيعا وفطيما، وناشئا، قبل أن يصدر منه شيء من الطاعة، ولا يلحقه الغضب إلا بعد أن يصدر عنه من الذنوب ما يستحق ذلك.



عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «جعل الله الرحمة مئة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه» . وفي رواية: «إن لله مئة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة» . متفق عليه.
----------------
ورواه مسلم أيضا من رواية سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تعالى مئة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق بينهم، وتسع وتسعون ليوم القيامة» . وفي رواية: «إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مئة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء إلى الأرض، فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة» . الرحمة رحمتان: رحمة من صفات الذات، ورحمة من صفات الفعل. قال القرطبي: مقتضي هذا الحديث، أن الله علم أن أنواع النعم التي ينعم بها على خلقه مئة نوع، فأنعم عليهم في هذه الدنيا بنوع واحد انتظمت به مصالحهم، وحصلت به مرافقتهم، فإذا كان يوم القيامة كمل لعباده المؤمنين ما بقي، فبلغت مئة. وقال ابن أبي جمرة: في الحديث إدخال السرور على المؤمنين، لأن العادة أن النفس يكمل فرحها بما وهب لها، إذا كان معلوما مما يكون موعودا. وفيه: الحث على الإيمان، واتساع الرجاء في رحمات الله تعالى المدخرة.






عن أبي هريرة - رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكي عن ربه تبارك وتعالى، قال: «أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا، يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا، يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء» . متفق عليه.
----------------
وقوله تعالى: «فليفعل ما شاء» أي: ما دام يفعل هكذا، يذنب ويتوب أغفر له، فإن التوبة تهدم ما قبلها. هذا الحديث: أخرجه البخاري في باب قول الله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} [الفتح (15) ] ، من كتاب التوحيد. قال القرطبي: يدل هذا الحديث على عظيم فائدة الاستغفار، وعلى عظيم فضل الله، وسعة رحمته وحلمه، وكرمه.




عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم» . رواه مسلم. ***



عن أبي أيوب خالد بن زيد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «لولا أنكم تذنبون، لخلق الله خلقا يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم» . رواه مسلم.
----------------
قال ابن مالك: ليس هذا تحريضا للناس على الذنوب، بل كان صدوره لتسلية الصحابة، وإزالة شدة الخوف عن صدورهم، لأن الخوف كان غالبا عليهم حتى فر بعضهم إلى رؤوس الجبال للعبادة، وبعضهم اعتزل النساء. وفي الحديث: تنبيه على رجاء مغفرة الله تعالى، وتحقق أن ما سبق في علمه تعالى كائن، لأنه سبق في علمه أنه يغفر للعاصي، فلو قدر عدم عاص لخلق الله من يعصيه فيغفر له.


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا قعودا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، معنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، في نفر فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرنا، فأبطأ علينا فخشينا أن يقتطع دوننا، ففزعنا فقمنا فكنت أول من فزع فخرجت أبتغي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى أتيت حائطا للأنصار ... وذكر الحديث بطوله إلى قوله: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اذهب فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله، مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: البشارة بدخول الجنة للموحدين، إما ابتداء مع الفائزين، أو بعد دخول النار لمن يغفر له من العاصين.

 
 

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله - عز وجل - في إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني} [إبراهيم (36) ] الآية، وقال عيسى - صلى الله عليه وسلم -: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة (118) ] فرفع يديه وقال: «اللهم أمتي أمتي» وبكى، فقال الله - عز وجل -: «يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيه؟» فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بما قال - وهو أعلم - فقال الله تعالى: «يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك» . رواه مسلم.
----------------
قوله: {ومن عصاني فإنك غفور رحيم} [إبراهيم (36) ] . قال البيضاوي: فيه دليل على أن كل ذنب، فلله أن يغفره حتى الشرك، إلا أن الوعيد فرق بينه وبين غيره. وفي الحديث: كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته، واعتنائه بمصالحهم، واهتمامه بأمرهم. وفيه: البشارة العظيمة لهذه الأمة، وهو من أرجى الأحاديث.


عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار، فقال: «يا معاذ، هل تدري ما حق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا» فقلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتكلوا» . متفق عليه.
----------------
قال البخاري في كتاب الرقاق، باب: من جاهد نفسه في طاعة الله عز وجل، وذكر الحديث بنحوه. قال بعض العلماء: جهاد المرء نفسه، هو الجهاد الأكمل، وهو أربع مراتب: حملها على تعلم أمور الدين، ثم حملها على العمل بذلك، ثم حملها على تعليم من لا يعلم، ثم الدعاء إلى توحيد الله. قال القرطبي: حق العباد على الله ما وعدهم به من الثواب والجزاء. وقال ابن رجب: قال العلماء: يؤخذ من منع معاذ من تبشير الناس لئلا ييتكلوا. أن أحاديث الرخص لا تشاع في عموم الناس، لئلا يقصر فهمهم عن المراد بها، وقد سمعها معاذ فلم يزدد إلا اجتهادا في العمل. وقيل لوهب بن منبه: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، وليس من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك.



عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... «المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} » [إبراهيم (27) ] . متفق عليه.
----------------
قال ابن عباس رضي الله عنهما: من دام على الشهادة في الدنيا يلقنه الله تعالى إياها في قبره.
 
 
 

عن أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الكافر إذا عمل حسنة، أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته» . وفي رواية: «إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله تعالى في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن له حسنة يجزى بها» . رواه مسلم.
----------------
يشهد لهذا الحديث قوله تعالى: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} [الشورى (20) ] . وقوله تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل (97) ] .



عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات» . رواه مسلم.
----------------
«الغمر» : الكثير. شبه - صلى الله عليه وسلم - الدنس المعنوي بالدنس الحسي، فكما أن الاغتسال كل يوم خمس مرات يذهب الوسخ، فكذلك الصلوات الخمس تذهب الذنوب. ويشهد لذلك قوله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين * واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} [هود (114، 115) ] .



عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا، إلا شفعهم الله فيه» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: الحث على تكثير عدد المصلين على الجنازة، رجاء أن يغفر الله للميت، بدعائهم وشفاعتهم.



عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قبة نحوا من أربعين رجلا، فقال: «أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟» قلنا: نعم. قال: «أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟» قلنا: نعم، قال: «والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر» . متفق عليه.
----------------
قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لأرجو» قال العلماء: كل رجاء جاء عن الله أو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو كائن. قال القرطبي: وهذه الطماعية قد حققت له بقوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} [الضحى (5) ] ، وبقوله: إنا سنرضيك في ... أمتك.



عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا، فيقول: هذا فكاكك من النار» . وفي رواية عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا، فيقول: هذا فكاكك من النار» معناه ما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: «لكل أحد منزل في الجنة، ومنزل في النار، فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار؛ لأنه مستحق لذلك بكفره» ومعنى «فكاكك» : أنك كنت معرضا لدخول النار، وهذا فكاكك؛ لأن الله تعالى، قدر للنار عددا يملؤها، فإذا دخلها الكفار بذنوبهم وكفرهم، صاروا في معنى الفكاك للمسلمين، والله أعلم. معنى الحديث: أن الله تعالى يغفر ذنوب المسلمين، بفضله، ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم، فيدخلهم النار بعملهم. قال عمر بن عبد العزيز: هذا الحديث أرجى حديث للمسلمين.




عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقرره بذنوبه، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: رب أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته» . متفق عليه.
----------------
«كنفه» : ستره ورحمته. هذا الحديث من أرجى الأحاديث لمن لم يجاهر بذنوبه، قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء (48) ] .




عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فأنزل الله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي لنهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود (114) ] فقال الرجل: ألي هذا يا رسول الله؟ قال: «لجميع أمتي كلهم» . متفق عليه.
----------------
قوله: أنزل الله تعالى: {أقم الصلاة} - كذا هو بحذف الواو، والتلاوة بإثباتها - وفي رواية: فتلا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وأقم الصلاة} ... الآية. قال ابن عباس: معناه الصلوات الخمس مكفرة الذنوب إذا اجتنبت الكبائر




عن أنس - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله أصبت حدا، فأقمه علي، وحضرت الصلاة، فصلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما قضى الصلاة، قال: يا رسول الله، إني أصبت حدا فأقم في كتاب الله. قال: «هل حضرت معنا الصلاة» ؟ قال: نعم. قال: «قد غفر لك» . متفق عليه.
----------------
وقوله: «أصبت حدا» معناه: معصية توجب التعزير، وليس المراد الحد الشرعي الحقيقي كحد الزنا والخمر وغيرهما، فإن هذه الحدود لا تسقط بالصلاة، ولا يجوز للإمام تركها. قال البخاري: باب إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه. وذكر الحديث بنحوه. قال الحافظ: وقد اختلف نظر العلماء في هذا الحكم، فظاهر ترجمة البخاري حمله على من أقر بحد ولم يفسره، فإنه لا يجب على الإمام أن يقيمه عليه إذا تاب. وقال الخطابي: في هذا الحديث أنه لا يكشف عن الحدود بل يدفع، مهما أمكن، وقد استحب العلماء تلقين من أقر بموجب الحد بالرجوع عنه. وجزم النووي وجماعة: أن الذنب الذي فعله كان من الصغائر. وقال صاحب (الهدي) : أصح المسالك فيه أن الحد يسقط بالتوبة. انتهى ملخصا.



عن ابن مسعود - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة، فيحمده عليها، أو يشرب الشربة، فيحمده عليها» . رواه مسلم.
----------------
«الأكلة» : بفتح الهمزة وهي المرة الواحدة من الأكل كالغدوة والعشوة، والله أعلم. في هذا الحديث: غاية الكرم من المولى سبحانه وتعالى، أن يتفضل على عبده بالرزق، فإذا حمده رضي عنه.




عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: أن الله تعالى يقبل التوبة من عباده ليلا ونهارا ما لم يغرغره الموت، أو تطلع الشمس من مغربها. قال الله تعالى: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} [الأنعام (158) ] .
 

عن أبي نجيح عمرو بن عبسة - بفتح العين والباء - السلمي - رضي الله عنه - قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارا، فقعدت على راحلتي، فقدمت عليه، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخفيا، جرآء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟ قال: «أنا نبي» قلت: وما نبي؟ قال: «أرسلني الله» قلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: «أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء» قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: «حر وعبد» ومعه يومئذ أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قلت: إني متبعك، قال: «إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني» قال: فذهبت إلى أهلي وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة حتى قدم نفر من أهلي المدينة، فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع، وقد أراد قومه قتله، فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة، فدخلت عليه فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال: «نعم، أنت الذي لقيتني بمكة» قال: فقلت: يا رسول الله، أخبرني عما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة؟ قال: «صل صلاة الصبح، ثم اقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس قيد رمح، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم اقصر عن الصلاة، فإنه حينئذ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصل، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار» . قال: فقلت: يا نبي الله، فالوضوء حدثني عنه؟ فقال: «ما منكم رجل يقرب وضوءه، فيتمضمض ويستنشق فينتثر، إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين، إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه، إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين، إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله تعالى، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه» . فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة، انظر ما تقول *! في مقام واحد يعطى هذا الرجل؟ فقال عمرو: يا أبا أمامة، لقد كبرت سني، ورق عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله تعالى، ولا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لو لم أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا - حتى عد سبع مرات - ما حدثت به أبدا، ولكني سمعته أكثر من ذلك. رواه مسلم.
----------------
قوله: «جرآء عليه قومه» هو بجيم مضمومة وبالمد على وزن علماء، أي: جاسرون مستطيلون غير هائبين، هذه الرواية المشهورة، ورواه الحميدي وغيره «حراء» بكسر الحاء المهملة، وقال: معناه غضاب ذوو غم وهم، قد عيل صبرهم به، حتى أثر في أجسامهم، من قولهم: حرى جسمه يحرى، إذا نقص من ألم أو غم ونحوه، والصحيح أنه بالجيم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: «بين قرني شيطان» أي ناحيتي رأسه والمراد التمثيل، ومعناه: أنه حينئذ يتحرك الشيطان وشيعته، ويتسلطون. وقوله: «يقرب وضوءه» معناه يحضر الماء الذي يتوضأ به، وقوله: «إلا خرت خطايا» هو بالخاء المعجمة: أي سقطت، ورواه بعضهم ... «جرت» بالجيم، والصحيح بالخاء وهو رواية الجمهور. وقوله: «فينتثر» أي يستخرج ما في أنفه من أذى والنثرة: طرف الأنف. في هذا الحديث: الحث على صلة الأرحام لأن الله تعالى قرنها بالتوحيد. وفيه: مشروعية الصلاة في كل وقت، إلا أوقات النهي. وفيه: فضل إسباغ الوضوء، وأن من صلى صلاة لا يحدث فيها نفسه غفرت له ذنوبه.



عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أراد الله تعالى رحمة أمة، قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة، عذبها ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر، فأقر عينه بهلاكها حين كذبوه وعصوا أمره» . رواه مسلم.

----------------
قد وعد الله الصابرين على المصائب بالأجور. قال الله تعالى: {وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} ... [البقرة (155 - 157) ] . وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته في» . وبالله التوفيق.


الكلم الطيب

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
( باب فضل الرجاء )

قال الله تعالى إخبارا عن العبد الصالح: {وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد فوقاه الله سيئات ما مكروا} [غافر (44، 45) ] .


----------------
يخبر تعالى عن مؤمن آل فرعون حين دعاهم إلى التوحيد، وتصديق موسى، ونهاهم عن الشرك، فتوعدوه أنه قال: {فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله} [غافر (44) ] . أي: وأتوكل عليه، وأستعين، فيعصمني عن كل سوء، {إن اله بصير بالعباد} ، فيهدي من يستحق الهداية ويضل من يستحق الإضلال، وله الحجة البالغة، والحكمة التامة، {فوقاه الله سيئات ما مكروا} ، ما أرادوا به من الشر. قال قتادة: نجا مع موسى وكان قبطيا.



 

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: «قال الله - عز وجل -: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، والله، لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب إلي شبرا، تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا، تقربت إليه باعا، وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول» متفق عليه

----------------
وهذا لفظ إحدى روايات مسلم. وتقدم شرحه في الباب قبله. وروي في الصحيحين: «وأنا معه حين يذكرني» بالنون، وفي هذه الرواية «حيث» بالثاء وكلاهما صحيح. قوله عز وجل: «أنا عند ظن عبدي بي» ، أي في الرجاء، وأمل العفو، «وأنا معه» ، أي: بالرحمة، والتوفيق، والإعانة، والنصر، ... «حيث ذكرني في نفسه أو في الملأ» . وفي الحديث: لطف الله بعباده، وفرحه بتوبتهم، وأن من تقرب إليه بطاعته، تقرب إليه بإحسانه، وفضله، وجزائه المضاعف.




عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثلاثة أيام، يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله - عز وجل -» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: الحث على حسن الظن بالله تعالى، والتحذير من القنوط خصوصا عند الخاتمة، قال الله تعالى: {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران (102) ] ، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - في مرض موته: ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي ... ?? ... جعلت الرجاء مني لعفوك سلما ... ??? تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... ? ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما ... ??




عن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
«عنان السماء» بفتح العين، قيل: هو ما عن لك منها، أي: ظهر إذا رفعت رأسك، وقيل: هو السحاب. و «قراب الأرض» بضم القاف، وقيل: بكسرها، والضم أصح وأشهر، وهو: ما يقارب ملأها، والله أعلم. في هذا الحديث: بشارة عظيمة، وحلم، وكرم عظيم. قال الحسن: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وأسواقكم، ومجالسكم، وأينما كنتم، فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة. وقال قتادة: إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم فالذنوب، وأما دواؤكم فالاستغفار. قال بعضهم: أستغفر الله مما يعلم الله ... ?? ... إن الشقي لمن لا يرحم الله ... ??? ما أحلم الله عمن لا يراقبه ... ?? ... كل مسيء ولكن يحلم الله ... ?? فاستغفر الله مما كان من زلل ... ?? ... طوبى لمن كف عما يكره الله ... ??? طوبى لمن حسنت منه سريرته ... ?? ... طوبى لمن ينتهي عما نهى الله ... ??

الكلم الطيب

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
(باب الجمع بين الخوف والرجاء)
 
قال الله تعالى: {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} [الأعراف (99) ] . ***
                                                                                                  
                قال تعالى:
{إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف (87) ] .
----------------
الخوف يزجر العبد عن المعاصي، والرجاء يبعثه على الطاعات فلا يأمن العقوبة، ولا يقنط من الرحمة.

                                                               
                                  
                قال تعالى: 
{يوم تبيض وجوه} [آل عمران (106) ] .
----------------
أي: تبيض وجوه المؤمنين يوم القيامة، وتسود وجوه الكافرين. وقال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة.

                                                 

                قال تعالى:
{إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} [الأنعام (165) ] .
----------------
في هذا ترهيب وترغيب، وكل ما هو آت قريب.

                                                

                قال تعالى:
{إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم}[الانفطار (13، 14) ] .
----------------
الأبرار: الذين بروا وصدقوا في إيمانهم بأداء فرائض الله، واجتناب معاصيه، والفجار بضد ذلك.

                                                   
             
                قال تعالى:
{فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية} [القارعة (6، 9) ] .
----------------
أي: من رجحت حسناته على سيئاته فهو من أهل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته فهو من أهل النار.

                                                    

                (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد} [الزمر (23) ] . ***
                                                  


                عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد» . رواه مسلم.
----------------
يشهد لهذا الحديث: قوله تعالى: {اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم} ، وقوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف (156) ] الآية.

                                                  
            
                عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا وضعت الجنازة واحتملها الناس أو الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة، قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة، قالت: يا ويلها! أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه صعق» . رواه البخاري.
----------------
قولها: «قدموني قدموني» ، هو اشتياق إلى ما أعده الله للمؤمن من نعيم القبر وما بعده، وقول الآخر: (يا ويلها، أين يذهبون بها» ، هو جزع وتحسر من الفاجر، ورهبة مما أعد له من عذاب القبر وما بعده.

                                                   
            
                عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك» . رواه البخاري.
----------------
فيه: أن الطاعة موصلة إلى الجنة، وأن المعصية مقربة إلى النار. وفي الحديث الآخر: «إن الرجل يتكلم بالكلمة ما يظن أن يبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وأن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله يهوي بها في النار» . فينبغي للمؤمن أن لا يزهد في القليل من الخير بالفعل والقول، وأن يجتنب الشر قليله وكثيره

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(باب فضل البكاء من خشية الله تعالى وشوقا إليه)

 

 

قال الله تعالى: {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا} [الإسراء (109) ] .
----------------
أي: يزيدهم سماع القرآن إيمانا وخضوعا لله عز وجل
 
 
 
قال تعالى: {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا} [مريم (58) ] .
----------------
وفي الحديث: «حرمت النار على ثلاثة أعين: عين بكت من خشية الله، وعين سهرت في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله» .
 
 
 
قال تعالى: {أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون} [النجم (59، 60) ] .
----------------
يخبر تعالى عن المشركين أنهم ينكرون القرآن، ويستهزؤون به، ولا يبكون، بخلاف المؤمنين، فإنهم إذا سمعوا القرآن زادهم إيمانا واقشعرت جلودهم، ولانت قلوبهم، وبكوا لما فيه من الوعد والوعيد.
 
 
 
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اقرأ علي القرآن» قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أنزل؟! قال: «إني أحب أن أسمعه من غيري» . فقرأت عليه سورة النساء، حتى جئت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء (41) ] قال: «حسبك الآن» . فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. متفق عليه.
----------------
قال البخاري: باب البكاء عند القرآن، وأورد الحديث. قال النووي: البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين، وشعار الصالحين. قال الحافظ: بكى - صلى الله عليه وسلم - رحمة لأمته، لأنه علم أنه لا بد أن يشهد عليهم بعملهم، وعملهم قد لا يكون مستقيما فقد يفضي إلى تعذيبهم، والله أعلم. وفي الحديث: استحباب عرض القرآن على الغير، وجواز الأمر بقطع القرآن للمصلحة.
 
 
 
عن أنس - رضي الله عنه - قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: «لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» قال: فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم، ولهم خنين. متفق عليه.
----------------
وسبق بيانه في باب الخوف. في هذا الحديث: بيان أن من كان بالله أعرف كان منه أخوف قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر (28) ] .
 
 
 
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------
في هذا الحديث: فضل البكاء من خشية الله تعالى، لأن الخشية تحمله على امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، فلا يدخلها بوعده الصادق إلا تحلة القسم.
 
 
 
عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» . متفق عليه. ***
 
 
 
عن عبد الله بن الشخير - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء. حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي في الشمائل بإسناد صحيح.
----------------
في هذا الحديث: دليل على كمال خوفه - صلى الله عليه وسلم -، وخشيته لربه، وذلك ناشئ عن عظيم الرهبة والإجلال لله سبحانه وتعالى.
 
 
 
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بن كعب - رضي الله عنه - «إن الله - عز وجل - أمرني أن أقرأ عليك: {لم يكن الذين كفروا ... } قال: وسماني لك؟ قال: «نعم» فبكى أبي. متفق عليه.
----------------
وفي رواية: فجعل أبي يبكي. بكاء أبي رضي الله عنه فرحا، وخشوعا، وخوفا من التقصير، واستحقارا لنفسه، قيل: الحكمة في تخصيصها بالذكر لأن فيها {يتلو صحفا مطهرة} ، وفي تخصيص أبي التنويه به في أنه أقرأ الصحابة. وقال ابن كثير: قرأها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قراءة إبلاغ، وتثبيت، وإنذار، لا قراءة تعلم واستذكار، كما قرأ على عمر بن الخطاب سورة الفتح يوم الحديبية.
 
 
 
عن أنس - رضي الله عنه قال: قال أبو بكر لعمر، رضي الله عنهما، بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها نزورها، كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -! قالت: إني لا أبكي أني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكني أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء؛ فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم
----------------
وقد سبق في باب زيارة أهل الخير. أم أيمن مولاة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي أم أسامة بن زيد. وفي الحديث: جواز البكاء حزنا على فراق الصالحين، وفقد العلم.
 
 
 
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لما اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه، قيل له في الصلاة، فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» . فقالت عائشة رضي الله عنها: إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ القرآن غلبه البكاء، فقال: «مروه فليصل» . وفي رواية عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قلت: إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء. متفق عليه.
----------------
فيه: دليل على استحباب البكاء عند قراءة القرآن، قال الله تعالى: ... {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون} [الأنفال (2) ] .
 
 
 
عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أتي بطعام وكان صائما، فقال: قتل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وهو خير مني، فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة إن غطي بها رأسه بدت رجلاه؛ وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط - أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا - قد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام. رواه البخاري.
----------------
هذا البكاء من مزيد خوفه من الله تعالى، وشدة خشيته، وعدم نظره إلى عمله.
 
 
 
عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس شيء أحب إلى الله تعالى من قطرتين وأثرين: قطرة دموع من خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله. وأما الأثران: فأثر في ... سبيل الله تعالى، وأثر في فريضة من فرائض الله تعالى» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
في هذا الحديث: فضل البكاء من خشية الله، والجهاد في سبيل الله، وكثرة الخطا إلى المساجد.
 
 
 
عن أبي نجيح العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة» . رواه أبو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح» .
----------------
«النواجذ» بالذال المعجمة: الأنياب، وقيل: الأضراس.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
قال الله تعالى: {إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون} [يونس (24) ] .
----------------
أصل الزهد الرضا عن الله عز وجل، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بم أتاه» . وسئل الزهري عن الزاهد، فقال: من لم يغلب الحرام صبره، ومن لم يشغل الحلال شكره. وهذه الآية مثل ضربه الله تعالى لزينة الدنيا، وسرعة زوالها، وفنائها.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} [الكهف (45، 46) ] .
----------------
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: المال والبنون حرث الدنيا، والأعمال الصالحات حرث الآخرة، وقد يجمعها الله لأقوام.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [الحديد (20) ] .
----------------
الكفار أشد إعجابا بزهرة الدنيا، وأما المؤمن فإذا رأى معجبا انتقل فكره إلى قدره الله، وعلم أنه زائل، وقال: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} .
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [آل عمران (185) ]
----------------
أي: كمتاع يدلس به على المستام فيغر ويشتريه، فمن اغتر بها وآثرها فهو مغرور.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب} [آل عمران (14) ]
----------------
في هذه الآية تزهيد في الدنيا، وترغيب في الآخرة.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور} [فاطر (5) ] .
----------------
أي: لا يذهلكم التمتع بالدنيا عن طلب الآخرة، والسعي لها، ولا يغرنكم الشيطان بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
قال الله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا} [الأعراف (169) . ***
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر * كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون * كلا لو تعلمون علم اليقين} [التكاثر (1: 5) ] .
----------------
أي: لو تعلمون علما يقينا لما ألهاكم شيء عن طلب الآخرة، حتى صرتم إلى المقابر.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} [العنكبوت (64) ] .
----------------
أي: لو كانوا يعلمون لم يؤثروا الدنيا على الآخرة، التي هي الحياة الحقيقة الدائمة، فإن الدنيا سريعة الزوال، ونعيمها لهو ولعب، كما يبتهج به الصبيان ساعة، ثم يتفرقون عنه لاغيين متعبين.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن عمرو بن عوف الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - إلى البحرين يأتي بجزيتها، فقدم بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآهم، ثم قال: «أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟» فقالوا: أجل، يا رسول الله، فقال: «أبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم» . متفق عليه.
----------------
بلاد البحرين: بين البصرة وهجر، وسميت (البحرين) ، لاجتماع البحر العذب والملح فيها، فإن الماء العذب تحت البحر، فإذا حفر الحاجز بينهما نبع العذب وارتفع. قوله: فتنافسوها كما تنافسوها. التنافس أول درجات الحسد. وفي رواية عند مسلم: «تنافسون ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون» . قال ابن بطال: فيه: أن زهرة الدنيا ينبغي لمن فتحت عليه أن يحذر من سوء عاقبتها وشر فتنتها.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، وجلسنا حوله، فقال: «إن مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها» . متفق عليه.
----------------
زهرة الدنيا: زينتها وبهجتها. قال تعالى: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى} [طه (131) ] .
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله تعالى مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «خضرة حلوة» ، أي: جامعة بين الوصفين المحبوبين للبصر والذوق، كالفاكهة. وفي الحديث: التحذير من فتنة المال، وفتنة النساء.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة» . متفق عليه.
----------------
هذا الكلام قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في أشد أحواله، لما رأى تعب أصحابه في حفر الخندق، وقاله في أسر الأحوال أيضا لما رأى كثرة المؤمنين في يوم عرفة، لبيك إن العيش عيش الآخر، أي الحياة الدائمة التي لا حزن فيها ولا تعب.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله: فيرجع اثنان، ويبقى معه واحد: يرجع أهله وماله ويبقى ... عمله» . متفق عليه.
----------------
الغالب أن المرء إذا مات تبعه أهله، وما احتيج إليه من ماله في تجهيزه، وإذا دفن رجعوا ودخل عمله معه في قبره، كما في حديث البراء. «ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح» . الحديث.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن أنس - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط» . رواه مسلم.
----------------
فيه: أن عذاب الآخرة ينسي نعيم الدنيا، وأن نعيم الآخرة ينسي شدة الدنيا. قال الله تعالى: {قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون} [المؤمنون (112: 114) ] . وقال تعالى: {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب} [فاطر (34، 35) ]
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن المستورد بن شداد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع!» . رواه مسلم.
----------------
مثل - صلى الله عليه وسلم - زمان الدنيا في جانب زمان الآخرة، ونعيمها بنسبة الماء الملاصق بالأصبع إلى البحر، قال الله تعالى: {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} [التوبة (38) ] .
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بالسوق والناس كنفتيه، فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: «أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟» فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ ثم قال: «أتحبون أنه لكم؟» قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا، أنه أسك فكيف وهو ميت! فقال: «فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «كنفتيه» أي: عن جانبيه. و «الأسك» : الصغير الأذن. فيه: أن الدنيا عند الله أذل وأحقر من التيس الصغير الأصمع الميت عند الناس، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله، وما والاه وعالما ومتعلما» .
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حرة ... بالمدينة فاستقبلنا أحد، فقال: «يا أبا ذر» قلت: لبيك يا رسول الله. فقال: «ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي علي ثلاثة أيام وعندي منه دينار، إلا شيء أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا» عن يمينه وعن شماله وعن خلفه، ثم سار، فقال: «إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا» عن يمينه وعن شماله ومن خلفه «وقليل ما هم» . ثم قال لي: «مكانك لا تبرح حتى آتيك» ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى، فسمعت صوتا، قد ارتفع، فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فأردت أن آتيه فذكرت قوله: «لا تبرح حتى آتيك» فلم أبرح حتى أتاني، فقلت: لقد سمعت صوتا تخوفت منه، فذكرت له، فقال: «وهل سمعته؟» قلت: نعم، قال: «ذاك جبريل أتاني. فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة» ، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق» . متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.
----------------
اشتمل هذا الحديث: على فوائد كثيرة، وقواعد عظيمة. وفيه: البشارة بعدم خلود المسلم في النار وإن عمل الكبائر، فإن تاب منها في الدنيا لم يدخل النار إلا تحلة القسم، وإن لم يتب فأمره إلى الله إن شاء غفر له وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه. قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا} [النساء (116) ] .
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو كان لي مثل أحد ذهبا، لسرني أن لا تمر علي ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين» . متفق عليه. ***
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم» . متفق عليه
----------------
وهذا لفظ مسلم. وفي رواية البخاري: «إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه» . هذا الحديث: جامع لمعاني الخير. وفيه: دواء كل داء من الحسد وغيره. وفي الحديث الآخر: «رحم الله عبدا نظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله وشكره، وفي دينه إلى من هو فوقه، فجد واجتهد» . وعن عمرو بن شعيب مرفوعا: «خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا: من نظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله به، ومن نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به، وأما من نظر في دنياه إلى من هو فوقه وآسف على ما فاته، فإنه لا يكتب شاكرا ولا صابرا» . قال بعض السلف: صاحبت الأغنياء فكنت لا أزال في حزن، فصحبت الفقراء فاسترحت. وفي حديث مرفوع: «أقلوا الدخول على الأغنياء، فإنه أحرى أن لا تزدروا نعمة الله» .
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض» . رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث: ذم الحرص على الدنيا، حتى يكون عبدا لها، رضاه وسخطه لأجلها.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: لقد رأيت سبعين من أهل الصفة، ما منهم رجل عليه رداء: إما إزار، وإما كساء، قد ربطوها في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته. رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث: أن الدنيا لو كانت مكرمة عند الله، لخص أصفياءه بها، فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر» . رواه مسلم.
----------------
معنى ذلك: أن الدنيا سجن المؤمن بالنسبة إلى ما أعد له من النعيم، وجنة الكافر بالنسبة إلى ما أعد له من العذاب وأيضا فإن المؤمن ممنوع من الشهوات المحرمة، والكافر منهمك فيها، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات» . وعن أبي سهل الصعلوكي الفقيه، وكان ممن جمع رياسة الدين والدنيا، أنه كان في بعض مواكبه إذ خرج عليه يهودي، بثياب دنسة، فقال: ألستم تزعمون أن نبيكم قال: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» . وأنا كافر وترى حالي، وأنت مؤمن وترى حالك، فقال له: إذا صرت غدا إلى عذاب الله كانت هذه جنتك، وإذا صرت أنا إلى النعيم، ورضوان الله صار هذا سجني، فعجب الناس من فهمه وسرعة جوابه.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل» . وكان ابن عمر رضي الله عنهما، يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. رواه البخاري.
----------------
قالوا في شرح هذا الحديث معناه: لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها، ولا بالاعتناء بها، ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه، ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله، وبالله التوفيق. في هذا الحديث: الحض على تقصير الأمل، والمبادرة إلى العمل، وترك التراخي والكسل. في الحديث الآخر: «اغتنم خمسا فبل خمس شبابك قبل هرمك، وفراغك قبل شغلك وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس» . حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة.
----------------
اشتمل هذا الحديث على وصيتين عظيمتين فإذا عمل بهما أحبه الله وأحبه الناس. والزهد: هو القناعة بما أعطاك الله، والتعفف عن أموال الناس، وكان عمر يقول على المنبر: إن الطمع فقر وإن اليأس غنى. وقال أيوب السختياني: لا يقبل الرجل حتى تكون فيه خصلتان، العفة عما في أي الناس، والتجاوز عما يكون منهم. وفي الحديث المرفوع: «حب الدنيا رأس كل خطيئة» . وقال الشافعي رحمه الله تعالى: وما هي إلا جيفة مستحيلة ... ?? ... عليها كلاب همهن اجتذابها ... ??? فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها ... ?? ... وإن تجتذبها نازعتك كلابها ... ??
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: ذكر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما أصاب الناس من الدنيا، فقال: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه. رواه مسلم.
----------------
«الدقل» بفتح الدال المهملة والقاف: رديء التمر. فيه: زهده - صلى الله عليه وسلم - وصبره، وحقارة الدنيا عنده، فإن الله تعالى خيره في أن يكون ملكا نبيا أو عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا، وقال: «يا رب، أجوع يوما وأشبع يوما، فإذا جعت سألتك، وإذا شبعت شكرتك» .
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته ففني. متفق عليه.
----------------
قولها: «شطر شعير» أي: شيء من شعير،، كذا فسره الترمذي. في هذا الحديث: إعراضه - صلى الله عليه وسلم - عن الدنيا، وعدم النظر إليها. وفيه: استحباب عدم كيل القوت توكلا على الله، وثقة به فإن تكثير الطعام القليل من أسرار الله الخفية، ولا يخالف هذا الحديث: «كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه» . قال الحافظ: الكيل عند المبايعة محبوب من أجل تعلق حق المتبايعين وأما الكيل عند الإنفاق فالباعث عليه الشح؛ فلذا كره.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن عمرو بن الحارث أخي جويرية بنت الحارث أم المؤمنين، رضي الله عنهما، قال: ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موته دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة، ولا شيئا إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة. رواه البخاري.
----------------
فيه: أن الإماء والعبيد الذين ملكهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته لم يبقوا على ملكه بعد وفاته، فمنهم من أعتقه، ومنهم من مات قبل وفاته - صلى الله عليه وسلم - وقد قال ... النبي - صلى الله عليه وسلم - «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة» .
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال: هاجرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نلتمس وجه الله تعالى، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا، منهم: مصعب بن عمير - رضي الله عنه -، قتل يوم أحد، وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه، بدت رجلاه، وإذا غطينا بها رجليه، بدا رأسه ، فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئا من الإذخر، ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يهدبها. متفق عليه.
----------------
«النمرة» : كساء ملون من صوف. وقوله: «أينعت» أي: نضجت وأدركت. وقوله: «يهدبها» هو بفتح الياء وضم الدال وكسرها لغتان: أي: يقطفها ويجتنيها، وهذه استعارة لما فتح الله تعالى عليهم من الدنيا وتمكنوا فيها. في هذا الحديث: ما كان عليه السلف من الصدق في وصف أحوالهم. وفيه: أن الصبر على مكابدة الفقر وصعوبته من منازل الأبرار. وفيه: أن الكفن يكون ساترا لجميع البدن.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرا منها شربة ماء» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------
فيه: حقارة الدنيا عند الله تعالى، ولهذا ملكها تعالى في الغالب للكفار والفساق لهوانهم عليه، وحمى منها في الغالب الأنبياء والصالحين لئلا تدنسهم.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «ألا إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله تعالى، وما والاه، وعالما ومتعلما» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
فيه: ذم ما أشغل من الدنيا عن ذكر الله وطاعته، كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} [المنافقون (9) ] ، وأما ما أعان على طاعة الله من الدنيا فليس بمذموم، قال تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} [النور (37) ] ، وفي حديث مرفوع: «لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر» .
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
الضيعة: العقار الذي يحتاج إلى عمل، والمراد لا تتوغلوا في ذلك فترغبوا عن صلاح آخرتكم وتشتغلوا في طلب الدنيا فلا تشبعوا منها
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: مر علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نعالج خصا لنا، فقال: «ما هذا؟» فقلنا: قد وهى، فنحن نصلحه، فقال: «ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك» . رواه أبو داود والترمذي بإسناد البخاري ومسلم، وقال الترمذي: ... (حديث حسن صحيح) .
----------------
الخص: بيت يعمل من القصب ونحوه. وفيه: شاهد لحديث ابن عمر: «إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح» .
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن كعب بن عياض - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي: المال» . رواه الترمذي، وقال: ... (حديث حسن صحيح) .
----------------
قوله: «فتنة» ، أي: ابتلاء واختبار. قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [الأنبياء (35) ] ، وقال تعالى: {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم} [الأنفال (28) ] .
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين/ضعفه الالبانى فى تحقيقه لرياض الصالحين
عن أبي عمرو، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو ليلى عثمان ابن عفان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء» . رواه الترمذي، وقال: «حديث صحيح» .ضعفه الالبانى فى تحقيقه لرياض الصالحين
----------------
قال الترمذي: سمعت أبا داود سليمان بن سالم البلخي، يقول: سمعت النضر بن شميل، يقول: الجلف: الخبز ليس معه إدام، وقال غيره: هو غليظ الخبز. وقال الهروي: المراد به هنا وعاء الخبز، كالجوالق والخرج، والله أعلم. الحق هنا: ما يستحقه الإنسان لاحتياجه إليه في كنه من الحر والبرد، وستر بدنه، وسد جوعته، وما سوى ذلك فهو من حظوظ النفس لا من حقوقها. قال بعض الزهاد: لقرص شعير ثافل غير مالح ... ?? ... بغير إدام والذي خلق النجوى ... ??? مع العز في بيتي وطاعة خالقي ... ?? ... ألذ على قلبي من المن والسلوى ... ??
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن عبد الله بن الشخير - بكسر الشين والخاء المشددة المعجمتين - رضي الله عنه -، أنه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يقرأ: {ألهاكم التكاثر} قال: «يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت» ؟! . رواه مسلم.
----------------
أي ليس لك من مالك إلا ما انتفعت به في دنياك، بأكل أو لبس أو ادخرته لآخرتك، وما سوى ذلك فهو لورثتك. قال بعض السلف: اجعل ما عندك ذخيرة لك عند الله، واجعل الله ذخيرة لأولادك.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، والله إني لأحبك، فقال له: «انظر ماذا تقول؟» قال: والله إني لأحبك، ثلاث مرات، فقال: «إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا، فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
----------------
«التجفاف» بكسر التاء المثناة فوق وإسكان الجيم وبالفاء المكررة: وهو شيء يلبسه الفرس، ليتقى به الأذى، وقد يلبسه الإنسان. لما كان - صلى الله عليه وسلم - أزهد الناس في الدنيا، كان المحب التابع له متصف بذلك لقوة الرغبة، وصدق المحبة فالمرء مع من أحب، ومولى قوم منهم في العسر واليسر فمن أحب أن يكون معهم في نعيم الآخرة فليصبر كما صبروا في الدنيا. قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} [آل عمران (142) ] .
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------
فيه: الحذر من الحرص على المال والشرف، فإن حب الدنيا رأس كل خطيئة، ورزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها» .
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حصير، فقام وقد أثر في جنبه، قلنا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وطاء. فقال: «ما لي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------
فيه: الإرشاد إلى ترك الاهتمام بعمارة الدنيا، والحث على الاعتناء بعمارة منازل الآخرة، وأن الدنيا دار عبور إلى دار الحبور.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمئة عام» . رواه الترمذي، وقال: «حديث صحيح» .
----------------
فيه: فضل الفقير الصابر على الغني الشاكر، لأن الأغنياء يحبسون للحساب.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن ابن عباس وعمران بن الحصين - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء» . متفق عليه من رواية ابن عباس
----------------
، ورواه البخاري أيضا من رواية عمران بن الحصين. فيه: التحريض على ترك التوسع في الدنيا. وفيه: التحريض للنساء على المحافظة على أمر الدين ليسلمن من النار.
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار» . متفق عليه.
----------------
و «الجد» : الحظ والغنى. وقد سبق بيان هذا الحديث في باب فضل الضعفة. أصحاب النار هنا: هم الخالدون فيها، وهم الكفار، قال الله تعالى: {لا يصلاها إلا الأشقى} [الليل (15) ] ، وقال تعالى: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها} [الزمر (71) ] ، وقال تعالى: {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام} [الرحمن (55) ] .
أضف للمفضلة نسخ النص تصميم دعوي
باب فضل الزهد في الدنياتطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل» . متفق عليه.
----------------
يشهد لهذا البيت قوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص (88) ] ، كان لبيد من فحول شعراء الجاهلية، وهو من هوازان، وفد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم، وحسن إسلامه، وكان من المعمرين، عاش فوق مئة سنة، وكان شريفا في الجاهلية والإسلام، ولم يقل شعرا بعد إسلامه، وكان يقول: أبدلني الله به القرآن إلا بيتا واحدا: ما عاتب المرء الكريم كنفسه ... ?? ... والمرء يصلحه القرين الصالح ... ??? قال الشافعي: ولولا الشعر بالعلماء يزري ... ?? ... لكنت اليوم أشعر من لبيد ... ???
أضف للمفضلة 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
باب فضل الجوع وخشونة العيش

قال الله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا * إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا} [مريم (59، 60) ] .
----------------
أي: خلف من بعد الذين أثنى الله عليهم من الأنبياء والصالحين، خلف سوء، أضاعوا الصلاة بتركها أو تأخيرها عن وقتها: {واتبعوا الشهوات} مالوا إلى زخارف الدنيا {فسوف يلقون غيا} شرا وخسرانا.



قال تعالى: {فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا} [القصص (79: 80) ] .
----------------
قيل: إن قارون خرج على بغلة شهباء عليه الأرجوان، وعليها سرج من ذهب، ومعه أربعة آلاف على زيه؟




قال تعالى: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} [التكاثر (8) ] .
----------------
أي: إذا ألهاكم عن الشكر. وعن زيد بن أسلم مرفوعا: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} يعني: شبع البطون، وبارد الشراب، وظلال المساكن، واعتدال الخلق، ولذة النوم.



وقال تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا} [الإسراء (18) ]
----------------
أي: من كانت همته مقصورة على الدنيا عجلنا له فيها ما نشاء من البسط، والتقتير، لمن يريد أن نفعل به ذلك، ثم جعلنا له في الآخرة جهنم يصلاها مذموما، مدحورا، مطرودا، مبعدا. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له» . رواه أحمد.



قال تعالى: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} [الشورى (20) ] ***



قال تعالى: {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون} [القصص (60) ] ***



عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض. متفق عليه.
----------------
وفي رواية: ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعا حتى قبض. فيه: إعراضه - صلى الله عليه وسلم - عن الدنيا، وزهده فيها. وفيه: تحريض لأمته على الزهد فيها، والإعراض عما زاد على الحاجة منها، ولا منافاة فيه وبين حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - يدخر لأهله قوت سنة، لأنه كان يفعل ذلك في آخر حياته، فيخرجه في الحوائج تعرض عليه.



عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تقول: والله، يا ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال: ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار قط. قلت: يا خالة، فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح وكانوا يرسلون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ألبانها فيسقينا. متفق عليه.
----------------
قال الحافظ: وفي هذا الحديث ما كان فيه الصحابة من التقلل من الدنيا في أول الأمر. وفيه: فضل الزهد، وإيثار الواجد للمعدوم، والاشتراك فيما في الأيدي. وفيه: جواز ذكر المرء ما كان فيه من الضيق بعد أن يوسع الله عليه، تذكيرا بنعمته وليتأس به غيره.



عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه فأبى أن يأكل. وقال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير. رواه البخاري.
----------------
«مصلية» بفتح الميم: أي مشوية. فيه: أن من شأن المحب أن يتبع آثار محبوبه، ويأتم بها.


عن أنس - رضي الله عنه - قال: لم يأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - على خوان حتى مات، وما أكل خبزا مرققا حتى مات. رواه البخاري.
----------------
وفي رواية له: ولا رأى شاة سميطا بعينه قط. الخوان: ما يؤكل عليه الطعام بدون أن يخفض الآكل رأسه، وهو بدعة جائزة. والخبز المرقق: هو الأرغفة الواسعة الرقيقة. والسميط: ما أزيل شعره وشوي بجلده. وقط: ظرف لما مضى من الزمان مبني على الضم.



عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: لقد رأيت نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، وما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه. رواه مسلم.
----------------
«الدقل» : تمر رديء. قوله: (لقد رأيت نبيكم) ، فيه: حث المخاطبين على الاقتداء به، والإعراض عن الدنيا مهما أمكن.



عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النقي من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه الله تعالى. فقيل له: هل كان لكم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناخل؟ قال: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منخلا من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه الله تعالى، فقيل له: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي ثريناه. رواه البخاري.
----------------
قوله: «النقي» هو بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء: وهو الخبز الحوارى، وهو: الدرمك. قوله: «ثريناه» هو بثاء مثلثة، ثم راء مشددة، ثم ياء مثناة من تحت ثم نون، أي: بللناه وعجناه. قال في القاموس: والحواري بضم الحاء وتشديد الواو، وفتح الراء: الدقيق الأبيض، وهو لباب الدقيق، وكل ما حور، أي: بيض من طعام.



عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم أو ... ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: «ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟» قالا: الجوع يا رسول الله. قال: «وأنا، والذي نفسي بيده، لأخرجني الذي أخرجكما، قوما» فقاما معه، فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة، قالت: مرحبا وأهلا. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أين فلان؟» قالت: ذهب يستعذب لنا الماء. إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني، فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا، وأخذ المدية، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إياك والحلوب» فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا. فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: «والذي نفسي بيده، لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم» . رواه مسلم.
----------------
قولها: «يستعذب» أي: يطلب الماء العذب، وهو الطيب. و «العذق» بكسر العين وإسكان الذال المعجمة: وهو الكباسة، وهي الغصن. و «المدية» بضم الميم وكسرها: هي السكين. و «الحلوب» : ذات اللبن. والسؤال عن هذا النعيم سؤال تعديد النعم لا سؤال توبيخ وتعذيب، والله أعلم. وهذا الأنصاري الذي أتوه هو، أبو الهيثم بن التيهان، كذا جاء مبينا في رواية الترمذي وغيره. في هذا الحديث: فوائد كثيرة منها: جواز الضيافة للمقيم إذا احتاج إليها، وجواز ترحيب المرأة بالضيفان، وإنزال الناس منازلهم، واستحباب ترك ذبح الحلوب إذا وجد غيرها، والنهي عن ذبحها نهي إرشاد لا كراهة فيه. وعن ابن عباس مرفوعا: «إذا أصبتم مثل هذا، فضربتم بأيديكم فقولوا: بسم الله وببركة الله، وإذا شبعتم فقولوا: الحمد لله الذي أشبعنا، وأروانا، وأنعم علينا، وأفضل، فإن هذا كفاف هذا. قال ابن القيم: كل أحد يسأل عن تنعمه الذي كان فيه، هل ناله من حل أو لا؟ وإذا خلص من ذلك يسأل هل قام بواجب الشكر فاستعان به على الطاعة أو لا؟



عن خالد بن عمير العدوي، قال: خطبنا عتبة بن غزوان، وكان أميرا على البصرة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت حذاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما، لا يدرك لها قعرا، والله لتملأن أفعجبتم؟! ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى قرحت أشداقنا، فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك، فاتزرت بنصفها، واتزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميرا على مصر من الأمصار، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما، وعند الله صغيرا. رواه مسلم.
----------------
قوله: «آذنت» هو بمد الألف وذال معجمة غير مشددة، أي: أعلمت. وقوله: «بصرم» هو بضم الصاد، أي: بانقطاعها وفنائها. ... وقوله: «وولت حذاء» هو بحاء مهملة مفتوحة، ثم ذال معجمة مشددة، ثم ألف ممدودة، أي: سريعة. و «الصبابة» بضم الصاد المهملة وهي: البقية اليسيرة. وقوله: «يتصابها» هو بتشديد الباء قبل الهاء، أي: يجمعها. و «الكظيظ» : الكثير الممتلىء. وقوله: «قرحت» هو بفتح القاف وكسر الراء، أي صار فيها قروح. في هذا الحديث: فوائد كثيرة، من الترغيب والترهيب، والوعظ والتذكير، وعمق النار، وسعة الجنة وغير ذلك.



عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: أخرجت لنا عائشة رضي الله عنها كساء وإزارا غليظا، قالت: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذين. متفق عليه.
----------------
فيه: إعراضه - صلى الله عليه وسلم - عن الدنيا، واكتفاؤه بما تيسر من اللباس. وفيه: تهييج للمتبعين سبيله على ذلك.



عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله، ولقد كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لنا طعام إلا ورق الحبلة، وهذا السمر، حتى إن كان أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خلط. متفق عليه.
----------------
«الحبلة» بضم الحاء المهملة وإسكان الباء الموحدة: وهي والسمر، نوعان معروفان من شجر البادية. قوله: «إلا ورق الحبلة وهذا السمر» في رواية للبخاري: «إلا الحبلة وورق السمر» : وهذه الغزوة تسمى غزوة الخبط. وفيه: ما كان الصحابة عليه من الضيق في أول الإسلام امتحانا ليظهر صدقهم، قال الله تعالى: {آلم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} [العنكبوت (1: 3) ] . قال الشاعر: لولا اشتعال النار في جزل الفضاء ... ?? ... ما كان يعرف طيب نشر العود ... ???



عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» . متفق عليه.
----------------
قال أهل اللغة والغريب: معنى «قوتا» أي: ما يسد الرمق. معنى الحديث: طلب الكفاف، فإن القوت ما يقوت البدن، ويكف عن الحاجة، وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر.



عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: والله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر بي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتبسم حين رآني، وعرف ما في وجهي وما في نفسي، ثم قال: «أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «الحق» ومضى فاتبعته، فدخل فاستأذن، فأذن لي فدخل، فوجد لبنا في قدح، فقال: «من أين هذا اللبن؟» قالوا: أهداه لك فلان - أو فلانة - قال: «أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي» قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، وكان إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم، وأصاب منها، وأشركهم فيها. فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة! كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاءوا وأمرني فكنت أنا أعطيهم؛ وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن. ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بد، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا واستأذنوا، فأذن ... لهم وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: «أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «خذ فأعطهم» قال: فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، حتى انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسم، فقال: «أبا هر» . قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «بقيت أنا وأنت» قلت: صدقت يا رسول الله، قال: «اقعد فاشرب» فقعدت فشربت، فقال «اشرب» فشربت، فما زال يقول: «اشرب» حتى قلت: لا، والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا! قال: «فأرني» فأعطيته القدح، فحمد الله، وسمى وشرب الفضلة. رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث من الفوائد: استحباب الشرب من قعود. وفيه: معجزة عظيمة من علامات النبوة. وفيه: جواز الشبع. وفيه: أن كتمان الحاجة والتلويح بها أولى من إظهارها. وفيه: كرم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإيثاره على نفسه، وأن ساقي القوم آخرهم شربا. وفيه: استحباب الحمد على النعم والتسمية عند الشرب.


عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حجرة عائشة رضي الله عنها مغشيا علي، فيجيء الجائي، فيضع رجله على عنقي، ويرى أني مجنون وما بي من جنون، ما بي إلا الجوع. رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث: صبر الصحابة رضي الله عنهم على الفقر والجوع تتميما لهجرتهم إلى الله ورسوله. وفيه: ثباتهم على دينهم بخلاف من يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه.



عن عائشة رضي الله عنها، قالت: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير. متفق عليه.
----------------
قال العلماء: الحكمة في عدوله - صلى الله عليه وسلم - عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود، إما لبيان الجواز، أو لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجتهم، أو خشي أنهم لا يأخذون ثمنا فلم يرد التضييق عليهم. وذكر ابن الطلاع: أن أبا بكر إفتك الدرع بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -.


عن أنس - رضي الله عنه - قال: رهن النبي - صلى الله عليه وسلم - درعه بشعير، ومشيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد سمعته يقول: «ما أصبح لآل محمد صاع ولا أمسى» وإنهم لتسعة أبيات. رواه البخاري.
----------------
«الإهالة» بكسر الهمزة: الشحم الذائب. و «السنخة» بالنون والخاء المعجمة: وهي المتغيرة. فيه: إعراضه - صلى الله عليه وسلم - عن المشتهيات، واجتزاؤه بما يسد الحاجة من القوت. وفيه: تسلية لذوي الفقر والحاجة من أمته. قوله: وإنهم لتسعة أبيات. قال الحافظ: ومناسبة ذكر أنس لهذا القدر مع ما قبله، الإشارة إلى سبب قوله - صلى الله عليه وسلم - هذا، وأنه لم يقله متضجرا، ولا شاكيا، وإنما قاله معتذرا عن إجابة دعوى اليهودي، ولرهنه درعه. وفي الحديث: جواز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم عين المتعامل فيه، وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم. واستنبط منه جواز معاملة من أكثر ماله حرام. وفيه: جواز بيع السلاح، ورهنه، وإجازته، وغير ذلك من الكافر ما لم يكن حربيا. وفيه: ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من التواضع، والزهد في الدنيا، والتقلل منها مع قدرته عليها، والكرم الذي أفضى به إلى عدم الادخار، والصبر على ضيق العيش. وفيه: فضيلة لأزواجه وصبرهن معه على ذلك.


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لقد رأيت سبعين من أهل الصفة، ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم منها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته. رواه البخاري.
----------------
فيه: فضيلة الصحابة رضي الله عنهم، وصبرهم على الفقر، وضيق الحال، والاجتزاء من اللباس على ما يستر العورة، وقد أثابهم الله على ذلك فاستخلفهم في الأرض، ومكن لهم دينهم وبدلهم من بعد فقرهم غنى، ومن بعد خوفهم أمنا مع ما أعد الله لهم في الآخرة من الثواب في الجنة.



عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أدم حشوه من ليف. رواه البخاري.
----------------
فيه: عدم مبالاته - صلى الله عليه وسلم - بمستلذات الدنيا، كما قال: «ما لي وللدنيا، إنما مثلي في الدنيا كراكب قال في ظل دوحة، ثم راح، وتركها» .



عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كنا جلوسا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل من الأنصار، فسلم عليه، ثم أدبر الأنصاري، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا أخا الأنصار، كيف أخي سعد بن عبادة؟» فقال: صالح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من يعوده منكم؟» فقام وقمنا معه، ونحن بضعة عشر، ما علينا نعال، ولا خفاف، ولا قلانس، ولا قمص، نمشي في تلك السباخ، حتى جئناه، فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الذين معه. رواه مسلم.
----------------
فيه: تواضعه - صلى الله عليه وسلم - واستحباب السؤال عن المريض وعيادته. وفيه: دلالة على الاقتصار على قليل الملبوس. وفيه: إكرام الوفد، وإنزال الناس منازلهم.



عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» قال عمران: فما أدري قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين أو ثلاثا «ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن» . متفق عليه.
----------------
القرن: أهل زمان واحد متقارب، وقرنه - صلى الله عليه وسلم - هم أصحابه، ثم قرن التابعين، ثم أتباع التابعين، ثم فشت البدع، وامتحن أهل العلم، ورفعت الفلاسفة رؤوسها، وكثرة شهادة الزور، والخيانة، واتباع الشهوات، ولا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاق

قال الله تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود (6) ] .
----------------
أي: هو المتكفل بأرزاق المخلوقات في البر والبحر. قال مجاهد: ما جاءها من رزق فمن الله عز وجل.
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة (273) ] .
----------------
أي: الأولى بالصدقات الفقراء المقيمون على طاعة الله، المتعففون عن السؤال. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: استغن عمن شئت تكن نظيره، وأفضل على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره.
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} [الفرقان (67) ] .
----------------
أي: الإنفاق بين الإسراف والإقتار هو القوام الذي تقوم به معيشة الإنسان بحسب حاله، وخير الأمور أوساطها.
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} [الذاريات (56، 57) ] .
----------------
أي: ما خلق الله الجن والإنس إلا لأجل عبادته وحده، لا شريك له، وليس محتاجا إليهم كما يحتاج السادة إلى عبيدهم، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإلا تفعل، ملأت صدرك شغلا، ولم أسد فقرك» . رواه أحمد. وفي بعض الكتب الإلهية: ابن آدم خلقتك لعبادتي، فلا تلعب، وتكفلت برزقك فلا تتعب، فاطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل خير، وإن فتك فاتك كل خير، وأنا أحب إليك من كل شيء» .
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس» . متفق عليه.
----------------
«العرض» بفتح العين والراء: هو المال. أي: ليس حقيقة الغنى كثرة المال مع الحرص، وإنما الغني من استغنى بما آتاه الله، وقنع به، وإنما كان الممدوح غنى النفس، لأنها حينئذ تكف عن بث المطامع فتعز. وقال الشاعر: ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... ?? ... مخافة فقر فالذي فعل الفقر ... ??? وقال بعض العارفين: رضينا بقسمة الجبار فينا ... ?? ... لنا علم وللجهل مال ... ???? فإن المال يفنى عن قريب ... ??? ... وإن العلم كنز لا يزال ... ??
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه» . رواه مسلم.
----------------
الكفاف: ما كف عن السؤال مع القناعة. وفي الحديث: شرف هذه الحال على الفقر المسهي، والغنى المطغي.
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: «يا حكيم، إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى» . قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر - رضي الله عنه - يدعو حكيما ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئا، ثم إن عمر - رضي الله عنه - دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله. فقال: يا معشر المسلمين، أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء فيأبى أن يأخذه. فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى توفي. متفق عليه.
----------------
«يرزأ» براء ثم زاي ثم همزة؛ أي: لم يأخذ من أحد شيئا، وأصل الرزء: النقصان، أي: لم ينقص أحدا شيئا بالأخذ منه، و «إشراف النفس» : تطلعها وطمعها بالشيء. و «سخاوة النفس» : هي عدم الإشراف إلى الشيء، والطمع فيه، والمبالاة به والشره. قال الحافظ: إنما امتنع حكيم من أخذ العطاء، مع أنه حقه، لأنه خشي أن يقبل من أحد شيئا، فيعتاد الأخذ فيتجاوز به إلى ما لا يريده ففطمها عن ذلك وترك ما لا يريبه خوف ما يريبه.
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا ونقبت قدمي، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق، قال أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث، ثم كره ذلك، وقال: ما كنت أصنع بأن أذكره! قال: كأنه كره أن يكون شيئا من عمله أفشاه. متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: ما كان فيه الصحابة رضي الله عنهم من الشدة والضيق، فصبروا حتى كانت العقبى الطيبة لهم في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا ... يوقنون} [السجدة (24) ] . وفيه: كراهية إفشاء العمل الصالح إلا إذا ترتب على ذلك مصلحة.
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
عن عمرو بن تغلب - بفتح التاء المثناة فوق وإسكان الغين المعجمة وكسر اللام - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بمال أو سبي فقسمه، فأعطى رجالا، وترك رجالا، فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فحمد الله، ثم أثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكني إنما أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب» قال عمرو بن تغلب: فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم. رواه البخاري.
----------------
«الهلع» : هو أشد الجزع، وقيل: الضجر. في هذا الحديث: ائتلاف من يخشى جزعه، أو يرجى بسبب إعطائه طاعة من يتبعه. وفيه: أن الرزق في الدنيا ليس على قدر درجة المرزوق في الآخرة. وفيه: أن الناس جبلوا على حب العطاء، وبغض المنع، والإسراع إلى إنكار ذلك قبل الفكرة في عاقبته، إلا من شاء الله. وفيه: أن المنع قد يكون خيرا للمنوع، كما قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} [البقرة (216) ] . وفيه: الاعتذار إلى من ظن ظنا والأمر بخلافه.
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله» . متفق عليه. وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم أخصر.
----------------
اليد العليا: المنفقة؛ والسفلى: السائلة، ومعنى: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» ، أي: أفضلها ما وقع بعد القيام بحقوق النفس والعيال، ومن يستعفف عن سؤال الناس «يعفه الله» ، أي: يرزقه العفة، ومن يستغن ولا يسأل الناس يغنه الله.
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
عن أبي عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تلحفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا، فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا له كاره، فيبارك له فيما أعطيته» . رواه مسلم.
----------------
فيه: النهي عن الإلحاح في السؤال، وأنه لا يبارك له فيما أعطي، وقد قال الله تعالى مادحا أقواما لتعففهم: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة (273) ] .
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
عن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: «ألا تبايعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» وكنا حديثي عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: «ألا تبايعون رسول الله» فبسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك؟ قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس وتطيعوا الله» وأسر كلمة خفيفة «ولا تسألوا الناس شيئا» . فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه. رواه مسلم.
----------------
فيه: الحث على مكارم الأخلاق، والترفع عن تحمل منن الخلق، وتعظيم الصبر على مضض الحاجات، والاستغناء عن الناس، وعزة النفس. وفيه: التمسك بالعموم لأنهم نهوا عن سؤال الناس أموالهم، فحملوه على عمومه. وفيه: التنزه عن جميع ما يسمى سؤالا وإن كان حقيرا.
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم» . متفق عليه.
----------------
«المزعة» بضم الميم وإسكان الزاي وبالعين المهملة: القطعة. فيه: النهي عن السؤال من غير ضرورة، وأنه يحشر يوم القيامة ووجهه عظم لا لحم عليه.
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو على المنبر، وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: «اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة» . متفق عليه.
----------------
قال الحافظ: وللطبراني بإسناد صحيح عن حكيم بن حزام مرفوعا: «يد الله فوق يد المعطي، ويد المعطي فوق يد المعطى، ويد المعطى أسفل الأيدي» .
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا؛ فليستقل أو ليستكثر» . رواه مسلم.
----------------
فيه: تحريم السؤال من غير حاجة ظاهرة، وأنه كلما كثر سؤاله كثر عذابه.
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في أمر لا بد منه» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------
«الكد» : الخدش ونحوه. فيه: قبح السؤال، ورخص في سؤال السلطان، لأن للسائل في بيت المال حق وكذلك السؤال للضرورة.
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل» . رواه أبو داود والترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح غريب) .
----------------
«يوشك» بكسر الشين: أي يسرع. قال وهب بن منبه لرجل يأتي الملوك: ويحك، تأتي من يغلق عنك بابه، وتدع من يفتح لك بابه.
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا، وأتكفل له بالجنة؟» فقلت: أنا، فكان لا يسأل أحدا شيئا. رواه أبو داود بإسناد صحيح.
----------------
 
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
عن أبي بشر قبيصة بن المخارق - رضي الله عنه - قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها، فقال: «أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» ثم قال: «يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: سدادا من عيش - ورجل أصابته فاقة، حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة. فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت، يأكلها صاحبها سحتا» . رواه مسلم.
----------------
«الحمالة» بفتح الحاء: أن يقع قتال ونحوه بين فريقين، فيصلح إنسان بينهم على مال يتحمله ويلتزمه على نفسه. و «الجائحة» الآفة تصيب مال الإنسان. و «القوام» بكسر القاف وفتحها: هو ما يقوم به أمر الإنسان من مال ونحوه. و «السداد» بكسر السين: ما يسد حاجة المعوز ويكفيه، و «الفاقة» : الفقر. و «الحجى» : العقل. في هذا الحديث: تحريم السؤال إلا في غرم، أو جائحة، أو فاقة.
 
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاقتطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس» . متفق عليه.
----------------
أي: ليس المسكين الكامل المسكنة الممدوح هذا الطواف، ولك المسكين المتعفف الذي لا يجد غني يغنيه عن المسألة، ولا يفطن له، لكتم حاله، فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس، ولا يستطيع ضربا في الأرض، {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} .

الكلم الطيب

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاق

قال الله تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود (6) ] .
----------------
أي: هو المتكفل بأرزاق المخلوقات في البر والبحر. قال مجاهد: ما جاءها من رزق فمن الله عز وجل.
 
 
قال تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة (273) ] .
----------------
أي: الأولى بالصدقات الفقراء المقيمون على طاعة الله، المتعففون عن السؤال. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: استغن عمن شئت تكن نظيره، وأفضل على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره.
 
 
قال تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} [الفرقان (67) ] .
----------------
أي: الإنفاق بين الإسراف والإقتار هو القوام الذي تقوم به معيشة الإنسان بحسب حاله، وخير الأمور أوساطها.
 
 
قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} [الذاريات (56، 57) ] .
----------------
أي: ما خلق الله الجن والإنس إلا لأجل عبادته وحده، لا شريك له، وليس محتاجا إليهم كما يحتاج السادة إلى عبيدهم، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإلا تفعل، ملأت صدرك شغلا، ولم أسد فقرك» . رواه أحمد. وفي بعض الكتب الإلهية: ابن آدم خلقتك لعبادتي، فلا تلعب، وتكفلت برزقك فلا تتعب، فاطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل خير، وإن فتك فاتك كل خير، وأنا أحب إليك من كل شيء» .
 
 
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس» . متفق عليه.
----------------
«العرض» بفتح العين والراء: هو المال. أي: ليس حقيقة الغنى كثرة المال مع الحرص، وإنما الغني من استغنى بما آتاه الله، وقنع به، وإنما كان الممدوح غنى النفس، لأنها حينئذ تكف عن بث المطامع فتعز. وقال الشاعر: ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... ?? ... مخافة فقر فالذي فعل الفقر ... ??? وقال بعض العارفين: رضينا بقسمة الجبار فينا ... ?? ... لنا علم وللجهل مال ... ???? فإن المال يفنى عن قريب ... ??? ... وإن العلم كنز لا يزال ... ??
 
 
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه» . رواه مسلم.
----------------
الكفاف: ما كف عن السؤال مع القناعة. وفي الحديث: شرف هذه الحال على الفقر المسهي، والغنى المطغي.
 
 
عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: «يا حكيم، إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى» . قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر - رضي الله عنه - يدعو حكيما ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئا، ثم إن عمر - رضي الله عنه - دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله. فقال: يا معشر المسلمين، أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء فيأبى أن يأخذه. فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى توفي. متفق عليه.
----------------
«يرزأ» براء ثم زاي ثم همزة؛ أي: لم يأخذ من أحد شيئا، وأصل الرزء: النقصان، أي: لم ينقص أحدا شيئا بالأخذ منه، و «إشراف النفس» : تطلعها وطمعها بالشيء. و «سخاوة النفس» : هي عدم الإشراف إلى الشيء، والطمع فيه، والمبالاة به والشره. قال الحافظ: إنما امتنع حكيم من أخذ العطاء، مع أنه حقه، لأنه خشي أن يقبل من أحد شيئا، فيعتاد الأخذ فيتجاوز به إلى ما لا يريده ففطمها عن ذلك وترك ما لا يريبه خوف ما يريبه.
 
 
عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا ونقبت قدمي، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق، قال أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث، ثم كره ذلك، وقال: ما كنت أصنع بأن أذكره! قال: كأنه كره أن يكون شيئا من عمله أفشاه. متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: ما كان فيه الصحابة رضي الله عنهم من الشدة والضيق، فصبروا حتى كانت العقبى الطيبة لهم في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا ... يوقنون} [السجدة (24) ] . وفيه: كراهية إفشاء العمل الصالح إلا إذا ترتب على ذلك مصلحة.
 
 
عن عمرو بن تغلب - بفتح التاء المثناة فوق وإسكان الغين المعجمة وكسر اللام - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بمال أو سبي فقسمه، فأعطى رجالا، وترك رجالا، فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فحمد الله، ثم أثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكني إنما أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب» قال عمرو بن تغلب: فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم. رواه البخاري.
----------------
«الهلع» : هو أشد الجزع، وقيل: الضجر. في هذا الحديث: ائتلاف من يخشى جزعه، أو يرجى بسبب إعطائه طاعة من يتبعه. وفيه: أن الرزق في الدنيا ليس على قدر درجة المرزوق في الآخرة. وفيه: أن الناس جبلوا على حب العطاء، وبغض المنع، والإسراع إلى إنكار ذلك قبل الفكرة في عاقبته، إلا من شاء الله. وفيه: أن المنع قد يكون خيرا للمنوع، كما قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} [البقرة (216) ] . وفيه: الاعتذار إلى من ظن ظنا والأمر بخلافه.
 
 
عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله» . متفق عليه. وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم أخصر.
----------------
اليد العليا: المنفقة؛ والسفلى: السائلة، ومعنى: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» ، أي: أفضلها ما وقع بعد القيام بحقوق النفس والعيال، ومن يستعفف عن سؤال الناس «يعفه الله» ، أي: يرزقه العفة، ومن يستغن ولا يسأل الناس يغنه الله.
 
 
عن أبي عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تلحفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا، فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا له كاره، فيبارك له فيما أعطيته» . رواه مسلم.
----------------
فيه: النهي عن الإلحاح في السؤال، وأنه لا يبارك له فيما أعطي، وقد قال الله تعالى مادحا أقواما لتعففهم: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة (273) ] .
 
 
عن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: «ألا تبايعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» وكنا حديثي عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: «ألا تبايعون رسول الله» فبسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك؟ قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس وتطيعوا الله» وأسر كلمة خفيفة «ولا تسألوا الناس شيئا» . فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه. رواه مسلم.
----------------
فيه: الحث على مكارم الأخلاق، والترفع عن تحمل منن الخلق، وتعظيم الصبر على مضض الحاجات، والاستغناء عن الناس، وعزة النفس. وفيه: التمسك بالعموم لأنهم نهوا عن سؤال الناس أموالهم، فحملوه على عمومه. وفيه: التنزه عن جميع ما يسمى سؤالا وإن كان حقيرا.
 
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم» . متفق عليه.
----------------
«المزعة» بضم الميم وإسكان الزاي وبالعين المهملة: القطعة. فيه: النهي عن السؤال من غير ضرورة، وأنه يحشر يوم القيامة ووجهه عظم لا لحم عليه.
 
 
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو على المنبر، وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: «اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة» . متفق عليه.
----------------
قال الحافظ: وللطبراني بإسناد صحيح عن حكيم بن حزام مرفوعا: «يد الله فوق يد المعطي، ويد المعطي فوق يد المعطى، ويد المعطى أسفل الأيدي» .
 
 
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا؛ فليستقل أو ليستكثر» . رواه مسلم.
----------------
فيه: تحريم السؤال من غير حاجة ظاهرة، وأنه كلما كثر سؤاله كثر عذابه.
 
 
عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في أمر لا بد منه» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------
«الكد» : الخدش ونحوه. فيه: قبح السؤال، ورخص في سؤال السلطان، لأن للسائل في بيت المال حق وكذلك السؤال للضرورة.
 
 
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل» . رواه أبو داود والترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح غريب) .
----------------
«يوشك» بكسر الشين: أي يسرع. قال وهب بن منبه لرجل يأتي الملوك: ويحك، تأتي من يغلق عنك بابه، وتدع من يفتح لك بابه.
 
 
عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا، وأتكفل له بالجنة؟» فقلت: أنا، فكان لا يسأل أحدا شيئا. رواه أبو داود بإسناد صحيح.
----------------
 
 
 
عن أبي بشر قبيصة بن المخارق - رضي الله عنه - قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها، فقال: «أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» ثم قال: «يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: سدادا من عيش - ورجل أصابته فاقة، حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة. فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت، يأكلها صاحبها سحتا» . رواه مسلم.
----------------
«الحمالة» بفتح الحاء: أن يقع قتال ونحوه بين فريقين، فيصلح إنسان بينهم على مال يتحمله ويلتزمه على نفسه. و «الجائحة» الآفة تصيب مال الإنسان. و «القوام» بكسر القاف وفتحها: هو ما يقوم به أمر الإنسان من مال ونحوه. و «السداد» بكسر السين: ما يسد حاجة المعوز ويكفيه، و «الفاقة» : الفقر. و «الحجى» : العقل. في هذا الحديث: تحريم السؤال إلا في غرم، أو جائحة، أو فاقة.
 
 
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس» . متفق عليه.
----------------
أي: ليس المسكين الكامل المسكنة الممدوح هذا الطواف، ولك المسكين المتعفف الذي لا يجد غني يغنيه عن المسألة، ولا يفطن له، لكتم حاله، فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس، ولا يستطيع ضربا في الأرض، {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} .

الكلم الطيب

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

باب جواز الأخذ من غير مسألة ولا تطلع إليه

 

عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله بن عمر عن عمر - رضي الله عنهم - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العطاء، فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني. فقال: «خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل، فخذه فتموله، فإن شئت كله، وإن شئت تصدق به، وما لا، فلا تتبعه نفسك» قال سالم: فكان عبد الله لا يسأل أحدا شيئا، ولا يرد شيئا ... أعطيه. متفق عليه.
----------------
(مشرف) : بالشين المعجمة: أي متطلع إليه. قال البخاري: باب من أعطاه الله شيئا من غير مسألة، ولا إشراف نفس {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} [الذاريات (19) ] . وذكر الحديث: قال الحافظ: وفي الحديث أن للإمام أن يعطي بعض رعيته إذا رأى لذلك وجها وإن كان غيره أحوج إليه منه، وإن رد عطية الإمام ليس من الأدب.

 

 

باب الحث على الأكل من عمل يده

 

قال الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} [الجمعة (10) ] .
----------------
هذا أمر إباحة بعد النهي عن البيع، وكان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد، فقال: اللهم إني أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك، وأنت خير الرازقين.

 

عن أبي عبد الله الزبير بن العوام - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه» . رواه البخاري. ***

 

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره، خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه» . متفق عليه.

----------------
فيه: الحض على التعفف عن المسألة، والتنزه عنها، ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق، وارتكب المشاق، لما يدخل على السائل من ذل السؤال، وعلى المسؤول من الحرج.

 

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان داود - عليه السلام - لا يأكل إلا من عمل يده» . رواه البخاري.
----------------
كان داود عليه السلام ملكا نبيا، وكان ينسج الدروع ويبيعها، ولا يأكل إلا من ثمنها.

 

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان زكريا - عليه السلام - نجارا» . رواه مسلم.
----------------
فيه: جواز الصنائع، وأن النجارة صناعة فاضلة وأنها لا تسقط المروءة.

 

عن المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ال: «ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود - عليه السلام - كان يأكل من عمل يده» . رواه البخاري.
----------------
الاكتساب لا ينافي التوكل، فقد كان للجنيد دكان في البزازين، وكان يرخي ستره عليه، فيصلي ما بين الظهر والعصر، وكان إبراهيم بن أدهم يكثر الكسب وينفق منه ضرورته، ويتصدق بباقيه، وكان أحب طرقه إليه حفظ البساتين وخدمتها، لأنه تتم له فيها الخلوة. وفي الحديث الآخر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الكسب أطيب؟ قال: «عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور» .

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى



قال الله تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} [سبأ (39) ] .
----------------
أي: ما أنفقتم في رضا الله عز وجل فهز يخلفه في الدنيا بالمال، أو بالقناعة، وفي الآخرة بالجزاء المضاعف، قال الله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} [البقرة (245) ] .




قال تعالى: {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} [البقرة (272) ] .
----------------
أي: ما تنفقوا من خير فثوابه لأنفسكم، فلا تمنوا به، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله. قال عطاء: إذا أعطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله. {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم} ثوابه. {وأنتم لا تظلمون} أي: لا تنقصون.




قال تعالى: {وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم} [البقرة (273) ] .
----------------
أي: فيجازيكم بقدره.




عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلمها» . متفق عليه.
----------------
ومعناه: ينبغي أن لا يغبط أحد إلا على إحدى هاتين الخصلتين. الحكمة: العلم. وضابطها ما منع الجهل، وزجر عن القبيح، والعلم النافع هو القرآن والسنة.




عن ابن مسعود - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟» قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه. قال: ... «فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر» . رواه البخاري.
----------------
فيه: التحريض على ما يمكن تقديمه من المال في وجوه البر لينتفع به في الآخرة.




عن عدي بن حاتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» . متفق عليه.
----------------
فيه: أن الصدقة تقي من النار، ولو كانت قليلة، وفي الحديث الآخر: «والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» .




عن جابر - رضي الله عنه - قال: ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا قط، فقال: لا. متفق عليه.
----------------
كان - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق بالرد فإن كان عنده المسؤول، وساغ الإعطاء أعطى وإلا وعد كما قال تعالى: وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا} [الإسراء (28) ] .




عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا» . متفق عليه.
----------------
فيه: الحض على الإنفاق ورجاء قبول دعوة الملك.




عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم ينفق عليك» . متفق عليه.
----------------
الإنفاق الممدوح: ما كان في الطاعات، وعلى العيال والضيفان.




عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» . متفق عليه.
----------------
المراد: الإطعام على وجه الصدقة، والهدية، والضيافة، ونحو ذلك. وقوله: «وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» . المراد به: إفشاء السلام على من لقيت. وفيه: حض على ائتلاف القلوب واستجلاب مودتها.



عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أربعون خصلة: أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها؛ رجاء ثوابها وتصديق موعودها، إلا أدخله الله تعالى بها الجنة» . رواه البخاري. وقد سبق بيان هذا الحديث في باب بيان كثرة طرق الخير.
----------------
في هذا الحديث: أن الإنسان ينبغي له أن يحرص على فعل الخير ولو كان قليلا، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق» . قال ابن بطال: ومعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - كان عالما بالأربعين، وإنما لم يذكرها لمعنى هو أنفع لنا من ذكرها، وذلك خشية أن يكون التعيين لها مزهدا في غيرها من أبواب البر.




عن أبي أمامة صدي بن عجلان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا ابن آدم، إنك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى» . رواه مسلم.
----------------
الفضل: ما زاد على ما تدعو إليه حاجة الإنسان لنفسه ولمن يمونه من زوجة، وعبد، ودابة، وقريب؛ فلا يلام على إمساك ما يكف به الحاجة لذلك




عن أنس - رضي الله عنه - قال: ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام شيئا إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل، فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم، أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يلبث إلا يسيرا حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها. رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: جواز إعطاء المؤلفة قلوبهم ترغيبا في الإسلام. وفيه: كمال معرفته - صلى الله عليه وسلم - بدواء كل داء.




عن عمر - رضي الله عنه - قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسما، فقلت: يا رسول الله، لغير هؤلاء كانوا أحق به منهم؟ فقال: «إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش، أو يبخلوني، ولست بباخل» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من عظيم الخلق، والصبر، والحلم، والإعراض عن الجاهلين.




عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال: بينما هو يسير مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مقفله من حنين، فعلقه الأعراب يسألونه، حتى اضطروه إلى سمرة، فخطفت رداءه، فوقف النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «أعطوني ردائي، فلو كان لي عدد هذه العضاه نعما، لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا» . رواه البخاري.
----------------
«مقفله» أي: حال رجوعه. و «السمرة» : شجرة. و «العضاه» : شجر له شوك. في هذا الحديث: ذم البخل، والكذب، والجبن. وفيه: ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من الحلم وحسن الخلق، والصبر على جفاة الأعراب، وجواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة.




عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله - عز وجل -» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: أن الصدقة لا تنقص المال بل تزيده، لما تدفعه عنه الصدقة من الآفات، وتنزل بسبها البركات. وفيه: أن من عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في قلوب الناس، وأن من تواضع رفعه الله في الدنيا والآخرة.




عن أبي كبشة عمرو بن سعد الأنماري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ثلاثة أقسم عليهن، وأحدثكم حديثا فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر - أو كلمة نحوها - وأحدثكم حديثا فاحفظوه، قال: «إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علما، ولم يرزقه مالا، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالا، ولم يرزقه علما، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل. وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
----------------
قوله: «ما نقص مال عبد من صدقة» . يشهد له قوله تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} [سبأ (39) ] . قوله: «ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا» ، يشهد له قوله تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} [الشورى (43) ] . قوله: «ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر» وهذا مشاهد بالحس ويشهد له قوله تعالى {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} [فاطر (15) ] . قوله: «إنما الدنيا لأربعة ... » إلخ فالأول علم وعمل صالحا. والثاني: علم وعزم على العمل الصالح لو قدر، فأجرهما سواء والثالث: لم يعلم ولم يعمل في ماله صالحا. والرابع: لم يعلم وعزم على العمل السيئ، لو قدر على مال فوزهما سواء. وقال بعض العارفين: أربعة تعجبت من شأنهم ... ?? ... فالعين في فكرتهم ساهرة ... ??? فواحد دنياه مبسوطة ... ?? ... قد أوتي الدنيا مع الآخرة ... ?? وآخر دنياه مقبوضة ... ???? ... وبعدها آخرة وافرة ... ????? وثالث دنياه مبسوطة ... ?? ... ليست له من بعده آخرة ... ??? ورابع أسقط من بينهم ... ?? ... ليست له دنيا ولا آخرة ... ??? قال الله تعالى: {انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا} [الإسراء (21) ] .




عن عائشة رضي الله عنها: أنهم ذبحوا شاة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما بقي منها؟» قالت: ما بقي منها إلا كتفها. قال: «بقي كلها غير كتفها» . رواه الترمذي، وقال: «حديث صحيح» .
----------------
ومعناه: تصدقوا بها إلا كتفها. فقال: بقيت لنا في الآخرة إلا كتفها. فيه: تحريض على الصدقة والاهتمام بها، وألا يكثر المرء ما أنفقه فيها.




عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا توكي فيوكي الله عليك» . وفي رواية: «أنفقي أو انفحي، أو انضحي، ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك» . متفق عليه.
----------------
و «انفحي» بالحاء المهملة، وهو بمعنى «أنفقي» وكذلك «انضحي» . في هذا الحديث: أن الجزاء من جنس العمل، وأن من منع ما عنده من المال قطع الله عنه مادة الرزق، وهذا مفهوم قوله تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} [سبأ (39) ] . وفيه: الحث على الإنفاق في وجوهه ثقة بالله تعالى.




عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مثل البخيل والمنفق، كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت - أو وفرت - على جلده حتى تخفي بنانه، وتعفو أثره، وأما البخيل، فلا يريد أن ينفق شيئا إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها فلا تتسع» . متفق عليه.
----------------
و «الجبة» : الدرع؛ ومعناه أن المنفق كلما أنفق سبغت، وطالت حتى تجر وراءه، وتخفي رجليه وأثر مشيه وخطواته. القبض والشح من جبلة الإنسان قال الله تعالى: {وكان الإنسان ... قتورا} [الإسراء (100) ] ، والنفقة تستوعب عيوبه. وفي الحديث: وعد للمنفق بالبركة والصيانة من البلاء والبخيل بضد ذلك. قال الله تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} ... [الحشر (9) ] .




عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل» . متفق عليه.
----------------
«الفلو» بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو، ويقال أيضا: بكسر الفاء وإسكان اللام وتخفيف الواو: وهو المهر. فيه: أن الله لا يقبل الصدقة إلا من الكسب الطيب، وهو الحلال. وفي رواية: «ولا يصعد إلى الله إلا الطيب. قوله: «بيمينه» . قال الترمذي: قال أهل العلم من أهل السنة والجماعة: نؤمن بهذه الأحاديث، ولا نتوهم فيها تشبيها ولا نقول كيف، هكذا روي عن مالك، وابن عيينة، وابن المبارك، وغيرهم.




عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينما رجل يمشي بفلاة من الأرض، فسمع صوتا في سحابة، اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فلان للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله، لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه، يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها، فقال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثا، وأرد فيها ثلثه» . رواه مسلم.
----------------
«الحرة» الأرض الملبسة حجارة سوداء. و «الشرجة» بفتح الشين المعجمة وإسكان الراء وبالجيم: هي مسيل الماء. في هذا الحديث: أن الصدقة تنتج البركة والمعونة من الله. وفي الحديث الآخر: «ما نقصت صدقة من مال بل تزيده، بل تزيده»


 


 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

باب النهي عن البخل والشح

 

قال الله تعالى: {وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى * وما يغني عنه ماله إذا تردى} [الليل (8: 11) ] .
----------------
البخل: معروف، والشح أبلغ من البخل؛ لأنه يبخل بما عنده، ويطلب ما ليس له. وقوله تعالى: {وأما من بخل} ، أي: بالإنفاق في الخيرات، {واستغنى} ، أي: بالدنيا عن الآخرة، {وكذب بالحسنى} ، أي: بالجزاء في الدار الآخرة، {فسنيسره} نهيئه {للعسرى} لطريق الشر، وهي الأعمال السيئة الموجبة للنار، {وما يغني عنه ماله} الذي يبخل به {إذا تردى} إذا مات، وهو في جهنم.
 
 
قال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [التغابن (16) ] .
----------------
أي: ومن سلم من الحرص الشديد الذي يحمله على ارتكاب المحارم، {فأولئك هم المفلحون} ، أي: الفائزون. قال ابن زيد وغيره: من لم يأخذ شيئا نهاه الله عنه، ولم يمنع الزكاة المفروضة فقد برئ من شح النفس. وقال ابن مسعود: شح النفس: أكل مال الناس بالباطل. أما منع الإنسان ماله فبخل، وهو قبيح. قال ابن عطية: شح النفس فقر لا يذهبه غنى المال بل يزيده.
 
 
عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم» . رواه مسلم.
----------------
أي: استحلوا ما حرم الله عليهم حرصا على المال، كما احتالوا على ما حرم الله عيهم من الشحوم، فأذابوها فباعوها واحتالوا لصيد السمك فحبلوا له يوم الجمعة وأخذوه يوم الأحد، وغير ذلك مما استحلوا به محارمهم وسفكوا به دماءهم.

 

8ct6yaQNRMqJzmR20Jp96Ucree8.png
 
باب الإيثار والمواساة
 
قال الله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر (9) ] .
----------------
يعني: فاقة وحاجة، أي: يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم.
 
 
قال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} ... [الدهر (8) ] . إلى آخر الآيات
----------------
يعني: ويطعمون الطعام وهم يحبونه، ويشتهونه، مسكينا، ويتيما، وأسيرا، وإن كان كافرا، لوجه الله تعالى لا لحظ النفس، وخوفا من عذاب يوم القيامة، فوقاهم الله شر ذلك اليوم، ولقاهم نضرة في وجوههم، وسرورا في قلوبهم، وجزاهم بما صبروا على ترك الشهوات، وأداء الواجبات جنة وحريرا.
 
 
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من يضيف هذا الليلة؟» فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي رواية قال لامرأته: هل عندك شيء؟ فقالت: لا، إلا قوت صبياني. قال: فعلليهم بشيء وإذا أرادوا العشاء فنوميهم، وإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج، وأريه أنا نأكل. فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين، فلما أصبح غدا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة» . متفق عليه.
----------------
هذا الحديث: أخرجه البخاري في التفسير، وفي فضائل الأنصار. وفيه: استحباب الإيثار على النفس ولو كان محتاجا، وكذلك على العيال إذا لم يضرهم.
 
 
عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة» . متفق عليه.
----------------
وفي رواية لمسلم عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية» . المراد بذلك: الحض على المكارم، والتقنع بالكفاية، وأنه ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما، وإدخال رابع أيضا بحسب من يحضر. وعند الطبراني: «كلوا جميعا ولا تفرقوا فإن طعام الواحد يكفي الاثنين» . الحديث. فيؤخذ منه أن الكفاية تنشأ من بركة الاجتماع، وأن الجمع كلما زاد زادت البركة. وفيه: إشارة إلى أن المواساة إذا حصلت حصل معها البركة. وفيه: أنه ينبغي للمرء أن لا يستحقر ما عنده فيمتنع من تقديمه، فإن القليل قد يحصل به الاكتفاء.
 
 
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: بينما نحن في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل على راحلة له، فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد، فليعد به على من لا زاد له» . فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل. رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: الأمر بالمواساة من الفاضل، وهو كحديث: إنك يا ابن آدم إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول.
 
 
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن أمرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببردة منسوجة، فقالت: نسجتها بيدي لأكسوكها، فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - محتاجا إليها، فخرج إلينا وإنها إزاره، فقال فلان: اكسنيها ما أحسنها! فقال: «نعم» فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - في المجلس، ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه: فقال له القوم: ما أحسنت! لبسها النبي - صلى الله عليه وسلم - محتاجا إليها، ثم سألته وعلمت أنه لا يرد سائلا، فقال: إني والله ما سألته لألبسها، إنما سألته لتكون كفني. قال سهل: فكانت كفنه. رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث: جواز إعداد الشيء قبل الحاجة إليه. وفيه: حسن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - وسعة جوده وقبول الهدية.
 
 
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم» . متفق عليه.
----------------
«أرملوا» : فرغ زادهم أو قارب الفراغ. في الحديث: فضيلة الأشعريين، وفضيلة الإيثار، والمواساة، وفضيلة خلط الأزواد عند الحاجة.
 
الكلم الطيب

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
 

باب التنافس في أمور الآخرة والاستكثار مما يتبرك به

 

قال الله تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} [المطففين (26)].
----------------
يعرف ذلك مما قبل الآية هو قوله تعالى: {كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين * وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم * يشهده المقربون * إن الأبرار لفي نعيم * على الأرائك ينظرون * تعرف في وجوههم نضرة النعيم * يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} [المطففين (18: 26)]، أي: فليتسابق المتسابقون، كقوله تعالى: {لمثل هذا فليعمل العاملون} [الصافات (61)].
 
 
 
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بشراب، فشرب منه وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟» فقال الغلام: لا والله يا رسول الله، لا أوثر بنصيبي منك أحدا. فتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يده. متفق عليه.
----------------
«تله» بالتاء المثناة فوق: أي وضعه. وهذا الغلام هو ابن عباس رضي الله عنهما. في الحديث: أن سنة الشرب العامة تقديم الأيمن في كل موطن. وفيه: أن من استحق شيئا لم يدفع عنه إلا بإذنه. قال ابن الجوزي: وأنه استأذن الغلام دون الأعرابي في الحديث الآخر؛ لأن الأعرابي لم يكن له علم بالشريعة، فاستألفه بترك استئذانه.
 
 
 
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينا أيوب - عليه السلام - يغتسل عريانا، فخر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثي في ثوبه، فناداه ربه - عز وجل -: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟! قال: بلى وعزتك ولكن لا غنى بي عن بركتك». رواه البخاري.
----------------
في هذا الحديث: جواز الاغتسال عريانا في الخلوة. وفيه: جواز الحرص على الاستكثار من الحلال في حق من وثق من نفسه بالشكر. قال بعض العلماء: إنما حرص عليه أيوب عليه السلام لأنه قريب عهد بربه، كما حسر نبينا - صلى الله عليه وسلم - ثوبه حين نزل المطر، وقيل: لأنه نعمة جديدة خارقة للعادة، وكل ما نشأ عنها فهو بركة
 
 
 
8ct6yaQNRMqJzmR20Jp96Ucree8.png

باب فضل الغني الشاكر

قال الله تعالى: {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى} [الليل (5: 7)]
----------------
أي: أعطى ماله لوجه الله، واتقى محارمه، وصدق بالحسنى، أي: المجازاة، فسنيسره، نهيئه في الدنيا لليسرى، أي: للخلة التي توصله إلى اليسرى، والراحة في الآخرة، وهي الأعمال الصالحة.
 
 
 
قال تعالى: {وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * ولسوف يرضى} [الليل (17: 21)].
----------------
أي: وسيجنب النار الأتقى، أي: من اتقى الشرك والمعاصي؛ الذي يعطي ماله في طاعة الله، يطلب تزكية نفسه طلبا لمرضاة الله، ولسوف يرضى حين يرى جزاءه في الآخرة، وهذه الآيات نزلت في أبي بكر رضي الله عنه، وهي عامة في جميع المؤمنين.
 
 
 
قال تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير} [البقرة (271)].
----------------
أي: إن تبدوا الصدقات فنعم ما أبديتم، وإن تعطوها مع إخفاء الفقراء فهو خير لكم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: السر في التطوع أفضل من العلانية، والفريضة علانيتها أفضل.
 
 
 
قال تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم} [آل عمران (92)].
----------------
أي: لن تنالوا كمال الخير حتى تنفقوا من المال الذي تحبونه، وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم فيجازيكم بحسبه.
 
 
 
قال تعالى: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة (274)] ***
 
 
 
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها». متفق عليه.
----------------
فيه: أن شكر المال؛ إنفاقه في وجوه الطاعات، وأن شكر العلم العمل به وتعليمه.
 
 
 
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار». متفق عليه.
----------------
«الآناء»: الساعات. أي: لا ينبغي أن يغبط أحد إلا في هذين الخصلتين.
 
 
 
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم، فقال:... «وما ذاك؟» فقالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «تسبحون وتحمدون وتكبرون، دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة» فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء». متفق عليه، وهذا لفظ رواية مسلم.
----------------
«الدثور»: الأموال الكثيرة، والله أعلم. في هذا الحديث: فضل الغني على الفقير إذا استوت أعماله وأعمال الفقير البدنية. وفيه: أن العالم إذا سئل عن مسألة يقع فيها الخلاف، أن يجيب بما يلحق به المفضول درجة الفاضل. وفيه: أن العمل السهل قد يدرك به صاحبه فضل العمل الشاق، وأن العمل القاصر قد يساوي المتعدي.

 

قال الله تعالى: {وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى * وما يغني عنه ماله إذا تردى} [الليل (8: 11) ] .
----------------
البخل: معروف، والشح أبلغ من البخل؛ لأنه يبخل بما عنده، ويطلب ما ليس له. وقوله تعالى: {وأما من بخل} ، أي: بالإنفاق في الخيرات، {واستغنى} ، أي: بالدنيا عن الآخرة، {وكذب بالحسنى} ، أي: بالجزاء في الدار الآخرة، {فسنيسره} نهيئه {للعسرى} لطريق الشر، وهي الأعمال السيئة الموجبة للنار، {وما يغني عنه ماله} الذي يبخل به {إذا تردى} إذا مات، وهو في جهنم.
 
 
قال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [التغابن (16) ] .
----------------
أي: ومن سلم من الحرص الشديد الذي يحمله على ارتكاب المحارم، {فأولئك هم المفلحون} ، أي: الفائزون. قال ابن زيد وغيره: من لم يأخذ شيئا نهاه الله عنه، ولم يمنع الزكاة المفروضة فقد برئ من شح النفس. وقال ابن مسعود: شح النفس: أكل مال الناس بالباطل. أما منع الإنسان ماله فبخل، وهو قبيح. قال ابن عطية: شح النفس فقر لا يذهبه غنى المال بل يزيده.
 
 
عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم» . رواه مسلم.
----------------
أي: استحلوا ما حرم الله عليهم حرصا على المال، كما احتالوا على ما حرم الله عيهم من الشحوم، فأذابوها فباعوها واحتالوا لصيد السمك فحبلوا له يوم الجمعة وأخذوه يوم الأحد، وغير ذلك مما استحلوا به محارمهم وسفكوا به دماءهم.

 

 
الكلم الطيب


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×