اذهبي الى المحتوى
** الفقيرة الى الله **

<< ذكرتُ غيرتك.. فوليت >>

المشاركات التي تم ترشيحها

فنون الحب في الإسلام (6)

ذكرتُ غيرتك فولَّيت

 أ. رضا الجنيدي

 

الحبُّ الحقيقي تظهر آثارُه على سلوك المحبِّ قبل كلماته، تظهر آثارُه حين يُراعي المحبُّ مشاعرَ حبيبه في حضوره وغيابه، فيعرف ما يُثير غضبه وحفيظته فيتجنَّبه، بل ويتجنَّب كل المُدخلات إليه؛ حتى لا يكون سببًا في ألمه وعذابه.

وهذا هو حال المحبِّين الصادقين الذين يُفكِّرون في أحبابهم كما يُفكِّرون في أنفسهم، ويسعَون إلى إسعادهم، ويتجنَّبون أيَّ بادرةٍ من شأنها أن تُعكِّر صفوَ يومهم، أو إدخال الحزن والقلق إلى نفوسهم.

وهكذا كان سيد المحبِّين محمدٌ صلى الله عليه وسلم خيرَ من علَّم البشرية فنونَ الحبِّ الطاهر، وقواعدَ الحب القويِّ، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبُّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فقد ورد أنَّ عمرو بن العاص رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحبِّ الناس إليه من الرجال، فقال له: ((أبو بكر))، فلمَّا سأله: ثمَّ مَنْ؟ قال: ((عمر)).

هذا الحبُّ كان ممزوجًا بأدبٍ من آداب الحبِّ في الإسلام، وهو مراعاة مشاعر المحبوب حتى وإنْ كان غائبًا، لقد كان النبي صلى الله وسلم يعلم أنَّ عُمرَ شديد الغيرة، فحرَص على ألَّا يُثير غيرته، وعلَّمنا أعظمَ درس في مراعاة الحبيب والحفاظ على مشاعره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري: ((بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضَّأ إلى جانب قصْر، فقلتُ: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر، فذكرتُ غيرته، فولَّيتُ مُدبِرًا))، فبكى عمر، وقال: عليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أغار؟!

يا للعجب! النبي صلى الله عليه وسلم يولِّي مُدبرًا حين يعلم أنَّ القصر لعُمر رضي الله عنه مراعاةً لمشاعره!

إنَّه القلب المحبُّ الذي يحرص على مشاعر أحبابه حتى في غيابهم، فيبتعد عن كلِّ ما يُسبِّب لهم الضيق حتى في بعادهم.

"ذكَرتُ غيرتك" كلمةٌ تُكتب بماء الذهب على صفحات قلوب المحبِّين؛ ليتذكَّروا أحبابهم في كل كلمة، وكل فعل يصدُر منهم، فتتغلَّف كلماتُهم بالتقوى، وأفعالُهم بالإحسان.

"ذكَرت غيرتك" لو تذكَّرها كلُّ زوجٍ، لعلم أنَّه من الإحسان أنْ يُراعي شعورَ زوجته في حضورها وغيابها؛ فلا يستفيض في الحديث مع النساء دون داعٍ، ولا يفتح الأبواب لحوارات بلا مبرِّرٍ حتى وإنْ لم يرَ من زوجته بوادرَ الغيرة؛ لأنَّها بشرٌ، لها قلبٌ يحبُّ ويغارُ ويتألَّمُ، ولأنَّه يعلم أنَّ معظم النساء في طَبْعهن الغيرة على مَنْ أحبَبْن حتى وإنْ لم يُظهرْنَ ذلك.

"ذكرت غيرتك" كلمةٌ لو تذكَّرتها كلُّ زوجةٍ مُحبَّةٍ بصِدْقٍ، لفكَّرت ألفَ مرةٍ قبل أن تتصرَّف تصرُّفًا يُثير غيرة وحفيظة زوجها، وهذا ما فعلتْه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها حين كانت تَحمِل النَّوَى الثقيل على رأسها، فمرَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم وأناخ بعيره، وعرَض عليها أن تركب شفقةً عليها ورِفقًا بها، ولكنها استحيت، وتذكَّرت غيرة الزبير؛ فامتنعَت عن الركوب حرصًا على مشاعر زوجها.

"ذكرت غيرتك" عبارةٌ لو تذكَّرتْها كلُّ زوجةٍ، لتعاملَتْ بمنتهى التحفُّظ مع غير محارمها من الرجال الذين تتعامل معهم لضروريات الحياة، وما جعلت من غياب زوجها عنها فرصةً للتحرُّر مما تظنُّه قيودًا خانقةً فُرضت عليها.

"ذكرت غيرتك" كلمةٌ لو تذكَّرها الأبناء حين يكبرون، ويؤسِّسون بيتًا جديدًا، وبزوجاتهم يتعلَّقون، لو تذكروها لاهتمُّوا بمشاعر أمهاتهم اللاتي ربما بدأت الغيرة تعصف بقلوبهنَّ حين يرون الأبناء وهم يُدلِّلون زوجاتهم أمام أنظارهن فيتعاملون بحكمةٍ وفِطنةٍ، فيجعلون تدليلهم لزوجاتهم بعيدًا عن أنظار أمهاتهم.

أتدري لماذا أيها الابن البار؟

لأنَّ أمَّكَ تنظر إليكَ على أنَّك صغير الأمس الذي كان لا يستغني عنها بأي حال من الأحوال، وتَراكَ الآن قد كبرتَ وتعلَّقْتَ بغيرها، فتظنُّ أنكَ ما عُدتَ تعبأ ولا تهتمُّ بها، فتأكل الغيرةُ قلبَها، فلتصبِرْ يا بُني، وتذكَّر أنَّها أمُّكَ، وإنْ لم يكن يحقُّ لها بأي حال من الأحوال أنْ تغار عليكَ من زوجتكَ، إلَّا أنَّها طبيعة بعض النساء - هداهنَّ الله - فاحرص على مشاعرها، واجعل تدليلَكَ لزوجتك بينك وبينها؛ ففي هذا تطييبٌ لخاطر أُمِّكَ التي كبرتْ ولم تعد تجد من التدليل ما يروي احتياجها.

وأنتِ أيتها الأمُّ الحنون، أليس ابنُكِ هذا هو نفسه صغير الأمس الذي طالما تمنيتِ أنْ تُشاهدي يومَ زفافه وتسعدي لفرحته؟!

أليس هذا صغيرَ الأمس الذي طالما دعوتِ له في سجودكِ أن يقرَّ اللهُ عينَه بزوجةٍ تُشاركُه رحلةَ الحياة، وتُضيف إلى أيامه بهجةً وسعادةً؟!

علامَ الغيرةُ إذًا؟!

أليس من حقِّه أن يسعد، ويتذوَّق حلاوة الحبِّ مع زوجته؟

لماذا لا تكونين عونًا له للوصول إلى هذه السعادة، وتذوُّق هذه الحلاوة؟!

والله لو أنصف قلبُكِ وعقلُكِ، لسعِد كلَّما رأى السعادة تُظلِّلُ حياة ابنكِ وزوجته، ولتراقصَت الفرحةُ داخل قلبكِ كلما رآه يُدلِّلها أو رآها تُدلِّله.

"ذكرت غيرتك يا عمر" ليتَ كلُّ أب وأم يتذكرونها جيدًا حين يُفرِّقون بين الأبناء فيحابون الذَّكَر على حساب الأنثى أو الأنثى على حساب الذَّكَر، وحين يُدلِّلون الصغير، أو الأكثر جمالًا، فيُثيرون حفيظة باقي أبنائهم، ويُشعلون نار الغيرة في قلوبهم؛ فيتسرَّب الحبُّ من بين حناياهم، وتحلُّ الكراهية في أوصالهم، ليت الآباء والأمهات يتذكَّرون أنَّ الطفل يغار، وغيرته قد تُدمِّر نفسيته وعلاقته بإخوته، يغار الطفل من أبسط الأمور؛ لأنَّ عقله لا يمكنه أن يستوعب فكرة عدل الآباء والأمهات بين الأبناء، ولأنَّه يُريد أن يستأثر وحده بمشاعر واهتمام أمهِ وأبيهِ، فأيُّ لمحةٍ ولو بسيطة تُوحي بتفضيل إخوته عليه، تُفسِح المجال للظُّنون المشعِلة لنيران الغيرة لاختراق عقله والسيطرة عليه.

احرِصوا على قلوب أحبابكم، فلا تجرحوها بسهام الغيرة المؤلمة، وأنتَ يا مَنْ تغار، لا تقتل الحبَّ بسهام الشكِّ المسمومة والموجِعة.

ويا كلَّ محبٍّ صادقٍ، تذكَّر القاعدة السادسة من قواعد وفنون الحب في الإسلام:

تذكَّر أن تُراعي مشاعرَ أحبابكَ في حضورهم وغيابهم، أن تتفهَّم ألَمَ غيرتهم، وتذكَّر في الوقت ذاته أن تعتدل أنتَ في غيرتك؛ كي لا تُرهق قلوب أحبَّتِك.

تعلم كيف تُفرِّق بين الغيرة الجميلة والغيرة المرَضية المزعجة، واعلم أنَّه إذا كان القليل من الغيرة يجعل الحبَّ أكثر توهُّجًا، فإن الكثير من إحسان الظنِّ يُضفي على الحياة سعادةً وتألُّقًا.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/123757/#ixzz5cZ5mdfJW

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×