اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

مراحل القيامة

المشاركات التي تم ترشيحها


  1. %D8%A8%D8%B3%D9%85+%D8%A7%D9%84%D9%84%D9
     
    الوقفة الأولى:اختلف أهل العلم في ترتيب أحوال يوم القيامة.

    فإنَّ ما يحصل يوم القيامة، وما يكون مِمَّا ورد في الكتاب والسُّنَّة، أشياء كثيرة: قيام الناس، والحوض، والميزان، والصُّحُف، والحساب، والعرض، وتطاير الصُّحُف، وأخذ الكتاب، الصراط، والظلمة، وهذه أشياء متنوعة

    فكيف يكون ترتيبها؟
    أولاً: لا يوجد نصٌّ صريح في ترتيبها، ولذا وقع الخلاف في هذه المسألة.
    ثانيًا: سأعطي عرضًا موجزًا لِما سيأتي، ثم ندخل في تفاصيله، وهذا العرض الموجز ذكره الشيخ صالح آل الشيخ - حفظه الله - وأنه هوالذي قرَّرَهُ المحققون من أهل العلم.

    وأنَّ ترتيبها كالتالي:
    1 - إذا بُعث الناس، وقاموا من قبورهم، ذهبوا إلى أرض المحشر، ثم يقومون فيها قيامًا طويلا، تشتد معه حالهم، وظمؤُهُم، ويخافون في ذلك خوفًا شديدًا؛ لأجل طول المقام، ويقينهم بالحساب، وما سيُجري الله - عزَّ وجل - عليهم.
    2 - فإذا طال المُقام رَفَعَ الله - عزَّ وجل - لنبِّيه صلى الله عليه وسلم أولًا حوضه المورود، فيكون حوض النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في عَرَصَات القيامة، إذا اشتد قيامهم لرب العالمين، في يوم كان مقداره خمسين ألف سَنَة.
    فمن مات على سنّته غير مُغَيِّرٍ، ولا مُحْدِثٍ، ولا مُبَدِّلْ، وَرَدَ عليه الحوض، وسُقِيَ منه، فيكونُ أولا لأمان له أن يكون مَسْقِيًا من حوض نبينا صلى الله عليه وسلم، ثم بعدها يُرْفَعُ لكل نبي حوضه، فيُسْقَى منه صالح أمته.
    3 - ثم يقوم الناس مُقامًا طويلًا، ثم تكون الشفاعة العظمى - شفاعة النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، بأن يُعَجِّلَ الله - عزّ وجل - حساب الخلائق، في الحديث الطويل المعروف أنهم يسألونها آدم، ثم نوحًا، ثم إبراهيم إلى آخره، فيأتون إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ويقولونله: يا محمد، ويصِفُونَ له الحال، وأن يقي الناس الشِّدَّة بسرعة الحساب، فيقول صلى الله عليه وسلم بعد طلبهم اشفع لنا عند ربك: «أَنَا لَهَا، أَنَا لَهَا»، فيأتي عند العرش فيخرّ، فيحمد الله - عز وجل - بمحامد يفتحها الله - سبحانه - عليه، ثم يقال: «يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ »، فتكون شفاعته العظمى في تعجيل الحساب.

    4 - بعد ذلك يكون العرض - عرض الأعمال - .

    5 - ثم بعد العرض يكون حساب.

    6 - وبعد الحساب الأول تتطاير الصحف، والحساب الأول منضمن العرض؛ لأن فيه جدال، ومعاذير، ثُمَّ بعد ذلك تتطاير الصحف، ويُؤْتَى أهل اليمين كتابهم باليمين، وأهل الشمال كتابهم بشمالهم، فيكون قراءة الكتاب.

    7 - ثم بعد قراءة الكتاب، يكون هناك حساب أيضًا؛ لقطع المعذرة، وقيام الحجة بقراءة ما في الكتب.
    8 - ثم بعدها يكون الوزن - الميزان - ، فتوزن الأشياء التي ذكرنا.
    9 - ثم بعد الميزان ينقسم الناس إلى طوائف وأزواج - أزواج بمعنى: كل شكل إلى شكله - ، وتُقَامْ الألوية - ألوية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - لواء محمد صلى الله عليه وسلم، ولواء إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - ، ولواء موسى - عليه الصلاة والسلام - إلى آخره، ويتنوع الناس تحت اللواء بحسب أصنافهم، كل شَكْلٍ إلى شكله.
    والظالمون، والكفرة أيضًا يُحْشَرُونَ أزواجًا - يعني: متشابهين - كما قال تعالى: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [الصافات:22، 23]؛ يعني بأزواجهم: أشكالهم، ونُظَرَاءَهُمْ، فيُحْشَرْ علماء المشركين مع علماء المشركين، ويُحْشَرْ الظلمة مع الظلمة، ويُحْشَرْ منكري البعث، مع منكري البعث، ويُحْشَرْ منكري الرسالة مع منكري الرسالة، وهكذا في أصناف.
    10 - ثُمَّ بعد هذا يَضْرِبُ الله - عز وجل - الظُّلمة قبل جهنم - والعياذ بالله - ، فيسير الناس بما يُعْطَونَ من الأنوار، فتسير هذه الأمَّة وفيهم المنافقون، ثُمَّ إذا ساروا على أنوارهم ضُرِبَ السُّور المعروف: ﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْقِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُم ْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوابَلَى ﴾ [الحديد:13، 14] الآيات، فيُعْطِيْ الله - عز وجل - المؤمنين النور فيُبْصِرُون طريق الصراط، وأمَّا المنافقون فلا يُعْطَون النور، فيكونون مع الكافرين يتهافتون في النار، يمشون وأمامهم جهنم - والعياذ بالله - .
    11 - ثم يأتي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أولًا ويكون على الصراط، ويسأل الله - عز وجل - السلامة له ولأمته، فيقول: «اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ »فَيَمُرْ صلى الله عليه وسلم وتَمُرُّ أمته على الصراط، كُلٌ يمر بقدر عمله، ومعهنور أيضًا بقدر عمله، فيمضي مَنْ غَفَرَ الله - عزّ وجل - له، ويبقى في النار، فتكون العبارة: ويسقط في النار في طبقة الموحّدين من شاء الله - عز وجل - أن يُعَذّبه.
    ثم إذا انتهوا من النار اجتمعوا في عَرَصَات الجنَّة - يعني: في السّاحات التي أعدها الله - عز وجل - - ؛ لأن يُقْتَصَّ أهل الإيمان بعضهم من بعض، ويُنْفَى الغِلّ حتى يدخلوا الجنَّة، وليس في قلوبهم غِلّ.
    12 - فيدخل الجنَّة أول الأمر بعد النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقراء المهاجرين، ثم فقراء الأنصار إلى آخره، ثم فقراء الأمَّة، ويُؤَخَرْ الأغنياء؛ لأجل الحساب الذي بينهم، وبين الخلق، ولأجل محاسبتهم على ذلك
    وقيل في ترتيبها غير ما تقدَّم، وكما ذكرتُ سابقا في المسألة خلاف؛ لعدم وجود النَّص القاطع في ترتيبها، وبقي أحداث، وأحوال لم تُذكر، سيأتي بيانها - بإذن الله تعالى - .


    • الوقفة الثانية: لتعلم أنَّ البداية بعد البعث تكون من أرض المحشر، وعندها اعلم أن هول ذلك اليوم هول عظيم، فأعدَّ لهذا اليوم عدَّته، فهو طويل وطويل، فيه مشاقٌّ، ومصاعب، ولك أن تتصور أن فيه من هوله ما يشيب معه الصغير، وما تذهل معه المرضع والحامل عن ولدهما، وما يجعل الناس كأنهم سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله تعالى شديد، إنه يوم عظيم: ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 4 - 6].، إنه يوم القلوب والأبصار فيه مضطربة متقلبة: ﴿ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾[النور:37]، وتنقطع فيه الأنساب، إنه يوم طويل ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [المعارج:4]، ولا تظن - أيها المبارك - أنَّ اليوم أربعٌ وعشرون ساعة، لا، فالله تعالى أخبرنا بقوله ﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [الحج:47].

    فما أطوله من يوم؟ وما أغفلها من قلوب؟ والله المستعان، إنه يوم فيه القدوم على الله تعالى، فعلى أي حال ستُقْدِم على ربك - جل في علاه - ؟؟

    ﴿ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ ﴾ [هود:103، 104].

    ووالله لو قيل لنا: مطلوب منك المثول بين يدي قاضٍ من قضاة الدنيا، أو ملِك من ملوك الدنيا، لاهتممنا، وانشغلت أذهاننا عن الطعام، والشراب، والكلام، ولَمَا تلذّذنا براحة أو منام، ولفزعنا؛ لأننا نتصور ما نحن مقدمون عليه جيدًا، فكيف ويوم القيامة سنقف فيه بين يدي ملك الملوك وقاضي القضاة؛ الله رب الأرض والسماوات؟!

    اللهم أيقظ قلوبنا من الغفلات، وألسنتنا من الزلات، وأعيننا من الزيغ، يا سميع يا مجيب وارزقنا يا إلهي الإقبال على الآخرة، والزهد في الدنيا، يا سميع الدعاء.

     


    hqdefault.jpg

     

    مستلة من: "فقه الانتقال من دار الفرار إلى دار القرار"

    انظر: كتاب إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل للشيخ صالح آل الشيخ المسألة التاسعة.

    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

    شبكة الألوكه

     



    45101451_10157296152714311_8561347229548

    هذا شرح تفصيلي لمراحل القيامة مع الدكتور خالد ابو شادي من كتاب خطط لمستقبلك

    النفخ فى الصور
    الموقف
    الحشر
    الشفاعة
    العرض والحساب
    تطاير الصحف
    الميزان
    الحوض
    الصراط
    القنطرة

    45319111_10157302097799311_6161068309086


    اولا: النفخ فى الصور

    قال الله تعالى:

    (ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُون) [الزمر: 68].

    ومعنى الصور في لغة العرب: القرن، وهو شبه البوق.

    ولما سئل رسول الله ﷺ عن الصور، قال:

    «قرن يُنفَخ فيه».

    السلسلة الصحيحة رقم: 1080

    والصور هو الناقور الذي جاء في قوله تعالى: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ).

    من ينفخ فيه؟!
    إسرافيل هو الموكَّل بالنفخ في الصور، وهذه مهمتة الرئيسة ووظيفته الأولى، وقد شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حال إسرافيل، واستعداده الشديد لتلقي الأمر بالنفخ في الصور:
    «إن طرَف صاحب الصور منذ وُكِّل به مستعدٌ ينظر نحو العرش، مخافة أن يؤمَر قبل أن يرتدَّ إليه طرفه، كأنَّ عينيه كوكبان دريان». السلسلة الصحيحة رقم: 1078

    يموت الخلق كلهم بعد النفخة الأولى، ثم يُنفَخ في الصور مرة أخرى، فيقومون لرب العالمين، وهاتان النفختان اسمهما الراجفة والرادفة كما في قوله تعالى:يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ
    فالراجفة: النفخة الأولى، وسُمِّيت بذلك؛ لأن الكون كله يرجف ويتزلزل عندها، والراجفة تميت الأحياء إلا من شاء الله حتى يكون آخر هو من يموت ملك الموت.
    والرادفة: النفخة الثانية، وسُمِّيَت كذلك لأنها تردف النفخة للأولى أي تأتي بعدها، والرادفة نفخة تحيي الأموات، حيث يكون أول من يُحيي الله إسرافيل، الذي ينفخ النفخة الثانية ليبعث الخلق.

    وفي هذا دلالة على عظم خلق إسرافيل عليه السلام؛ فبصيحة واحدة منه فحسب يهلك كل من في السماوات والأرض، وبنفخة أخرى يبعث الله الحياة في جميع الخلق ليحشروا إلى أرض المحشر.


    ● كم بين النفختين؟!
    في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «ما بين النفختين أربعون».
    قالوا: يا أبا هريرة، أربعون يوما؟
    قال: أبيت.
    قالوا: أربعون شهرًا.
    قال: أبيت.
    قالوا: أربعون عاما؟
    قال أبيت.
    قال النووي: «ومعنى قول أبي هريرة ( أبيت ) أي أبيت أن أجزم أن المراد أربعون يوما أو سنة أو شهرا، بل الذي أجزم به أنها أربعون مجملة».



    من أول من يسمع النفخة الأولى؟!

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    «وأوَّلُ مَنْ يَسْمَعُه رَجُلٌ يلوط حَوْضَ إبِلِه فيُصْعَق ويُصْعَق النَّاس حوله».
    وحال هذا الرجل الذي يُصعَق يوحي بأن نفخة الصور تأخذ الناس على حين غرة، وهم لاهون عنها وغارقون في الغفلة، وهذا موافق لما ورد في الصحيح أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس.
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    «ثم يُنزل الله من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا، وهو عجْب الذَّنَب، ومنه يُركَّب الخلق يوم القيامة». رواه البخاري: 4651 ومسلم: 2955
    أي يرسل الله سحابا فتمطر، فإذا أصاب الماء عَجْب الذَّنْب نبت منه الجسم كما ينبت النبات، فيرجع كما كان، ثم ينفخ في الصور نفخة البعث الرادفة، فتعود الأرواح على أثرها إلى الأجساد، فيخرج أصحابها من القبور سراعا إلى أرض المحشر .


    ● الواجب العملي نحو نفخة الصور؟!

    إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم -وهو أخشى الخلق لله وأتقاهم- يقول:
    «كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ، فينفخ». السلسلة الصحيحة رقم: 1079
    فكيف بحال المذنبين المقصِّرين؟!
    يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
    كيف يطيب عيشي وقد اقترب موعد النفخ في الصور، ومعه الحساب، وكأنه خاف على أمته من اقتراب حسابهم مع ضعف استعدادهم، أو لعله أراد حثَّ الصحابة على توصية من بعدهم بالتهيؤ ليوم الحساب.
    فلما سمع الصحابة ذلك التحذير ثقل عليهم، ووجلت قلوبهم، فسألوا رسولهم النصيحة: فكيف نقول يا رسول الله؟
    قال:
    «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل .. توكلنا على الله ربنا».
    فأوصاهم بأن يقولوا: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، وهي كلمة ملؤها التوكل على الله والاكتفاء به، وغالبا ما يستعملها الناس في الأمور الدنيوية ولمواجهة مشاكلهم الحياتية، لكن استعمالها في الشؤون الأخروية والعبادات اليومية أهم، فالله وحده كافي عباده همومهم الدنيوية والآخروية.


    دكتور خالد ابو شادي

يتبع

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
ثانيا: الموقف

45687327_10157316736819311_3397206246510

هول المطلع

لما طُعِن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له رجل: إني لأرجو أن لا تمس جلدك النار، فنظر إليه، ثم قال:
« إن المغرور لمن غررتموه، والله لو أن لي ما على الأرض لافتديت به من هول المطلع».

وهول المطلع يريد به عمر موقف الناس يوم القيامة، وما يشرِفون عليه من أهوال الآخرة.

التوازن بين الخوف والرجاء!

رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه كعبا يوما قد استرسل في تحديث الناس بأحاديث الرجاء، فقال له:
ويحك يا كعب! إن هذه القلوب قد استرسلت، فاقبضها، فقال كعب:
«والذي نفسي بيده، إن لجهنم يوم القيامة لزفرة ما من ملك مقرب، ولا نبي مرسل، إلا يخرُّ لركبتيه، حتى إن إبراهيم خليل الله ليقول: نفسي نفسي، حتى لو كان لك عمل سبعين نبيا لظننت أنك لا تنجو».

الوقاية من هول المطلع!

لما حضر عنبسة بن أبي سفيان الموت اشتد جزعه، وجاء الناس يعودونه، فجعل عنبسة يبكي ويجزع، فقال له القوم: يا أبا عثمان .. ما يبكيك وما يحزنك وقد كنت على سمت من الإسلام حسن وطريقة حسنة؟ فازداد حزنا وشدة بكاء، وقال:
ما يمنعني أن لا أبكي وأن لا يشتد حزني من هول المطلع، وما يدريني ما أشرف عليه غدا، ما قدَّمتُ من كثير عمل تثق به نفسي أنه سينجيني غدا، وإن أوثق شيء في نفسي لكلمات حدثتني بها أختي أم حبيبة بنت أبي سفيان، حدثتني أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعد على فراشها يقول:
«ما من مسلم يحافظ على أربع ركعات قبل صلاة الظهر وأربع بعدها، فتمسُّه النار بعدهن إن شاء الله أبدا»، فما تركتهن بعد إلى ساعتي هذه، وإنها لأوثق خصال في نفسي.


أرض الموقف:

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
«يُحْشَر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كَقُرْصَة النَّقِيِّ، ليس فيها عَلَمٌ لِأحد».
صحيح مسلم رقم: 2790
ومعنى عفراء أي بيضاء مشوبة بحُمْرة، وقرصة النقيِّ أي كرغيف مصنوع من دقيق خالص من القش والنخالة، والأرض يومئذ ليس فيها أي علامة يُستَدلُّ بها، وليس فيها ما يستر البصر.

قال القاضي عياض:
«ليس فيها علامة سكنى، ولا بناء، ولا أثَر، ولا شيء من العلامات التي يهتدي بها في الطرقات، كالجبل والصخرة البارزة».

قال تعالى:
(يوم تبدل الأرض غير الأرض) [إبراهيم: 48]:
وسواء كان التبديل في ذات الأرض أو في صفاتها؛ فإن الذي يعنينا أن أرض الدنيا قد انقطعت العلاقة معها، وأن الأولين والآخرين من جميع الخلائق سيُجمَعون في صعيد واحد على أرض جديدة عجيبة، ومن عجائب هذه الأرض ما ذكره عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
«تبدَّل الأرض أرضًا، كأنها فضة، لم يُسفَك فيها دم حرام، ولم يُعمَل عليها خطيئة».
وذكروا في حكمة نقاء أرض المحشر وانبساطها: أن يوم القيامة يوم عدل وظهور حق؛ فاقتضت حكمة الله أن يكون المحل الذي يقع فيه الحساب مطهَّرا من المعاصي والظلم (لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ) وليكون تجليه سبحانه على عباده المؤمنين على أرض طاهرة تليق بعظمته.


من هو أول الخلق حياة بعد النفخة الثانية؟!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«إِنِّي أَوَّلُ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الْآخِرَة» . صحيح البخاري رقم: 4813
وفي صحيح مسلم:
«أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر» .
ثم يقوم من بعده الخلق أجمعون، ويقفون في يوم عظيم طويل مقداره خمسين ألف سنة.
ويحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلا –أي غير مختونين- فحتى هذه الجلدة التي تم نزعها من الرجل والمرأة أثناء الختان ترد إليك لتُبعَث بها، هذه القلفة نزعت منك منذ أربعين أو خمسين أو ستين عاما، وألقيت في القمامة، فذابت وانتهى أمرها منذ عشرات السنين، ثم تبعث وتبعث معك بعد مئات أو آلاف السنين، ألا يدل هذا على أن الله تعالى قادر على الإحياء بعد الإماتة؟
جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
«يا رسول الله! ينظر بعضهم إلى بعض! قال: يا عائشة الأمر أعظم من ذلك وأكبر من ذلك».
وفي رواية عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، واسوأتاه .. ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال: شُغِل الناس، قلت: ما شُغْلُهم؟ قال: «نشر الصحائف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل».


أول من يُكْسَى من الخلق إبراهيم:
في صحيح البخاري ومسلم:
«وإن أول الخلائق يُكسَى يوم القيامة إبراهيم». صحيح البخاري رقم: 4625 ومسلم رقم: 2860

لكن .. ألا يتعارض هذا مع ما جاء في الحديث أن الإنسان يُبعَث في الثياب التي مات فيها:
«إِنَّ الْمَيِّت يُبْعَث في ثيابه التي يموت فيها». السلسلة الصحيحة رقم: 1671
جمع الإمام ابن حجر بين هذه الأحاديث بأن بعضهم يحشر عاريا، وبعضهم كاسيا.
أو يحشرون كلهم عراة، ثم يكون أول من يُكسَى الأنبياء، فأول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
أو يخرجون من القبور بالثياب التي ماتوا فيها، ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر، فيُحشَرون عراة، ثم يكون أول من يكسى إبراهيم.


حال الناس مع وقفة يوم القيامة

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
قال: «يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه«. البخاري رقم: 4938 ومسلم رقم: 2862
وفي لفظ آخر:
«حتَّى يغيب أَحَدُهُم في رَشْحِه إلى أنصاف أذنيه«.
وكثرة العرق يوم القيامة لا يتصورها عقل، ففي صحيح مسلم:
«إن العَرَق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين باعا، وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس، أو إلى آذانهم«.
صحيح الجامع رقم: 1679
أي ينزل فيها من كثرته شيء كثير جدا، فالسبعين في الحديث للتكثير لا للتحديد.
ويتفاوت الناس في العرق بحسب معاصي كل عبد، فالغارق في المعاصي يُلجِمه العرق إلجاما، وتفصيله خرَّجه مسلم من حديث المقداد، عن النَّبيِّ ^ قال:
«فيكونون في العَرَق كقدر أعمالهم، فمنهم مَنْ يأخذه إلى عَقِبَيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حَقْويْهِ، ومنهم من يُلجمه إلجاما».

وورد إشكال هنا:
إن الجمع إذا وقفوا في ماء على أرض معتدلة، فإنها تغطيهم على السواء، ولا يتفاوتون، وأجيب عن هذا بأن هذا من خوارق العادات يوم القيامة، والإيمان بها من الواجبات.
وسبب كثرة العرق دنو الشمس من الرؤوس مع تزاحم الخلق، فتدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، وسواء كان الميل هو وحدة قياس المسافة المعروفة أو أو الميل الذي تُكْتَحَلُ به العين، فإن المسافة قريبة قريبة، ويستمر هذا الحال خمسين ألف سنة، لا يذوقون فيها طعاما، وما شربوا شراباً حتى تتقطع الأكباد من العطش.



الأجساد تختلف!

اقتراب الشمس في الدنيا مترا واحدا من الأرض يحرق الأرض بمن عليها، لكن اقترابها جدا من الارض يوم القيامة، لا يُحدِث هذا الأثر، فالأجساد غير الأجساد.
لكن ابشروا!
فالمؤمنون في مأمن من كل هذا، ولذا قال سلمان الفارسي رضي الله عنه عن حر الشمس:
«ولا يجد حَرَّها مؤمن ولا مؤمنة».
قال القرطبي يشرح قول سلمان:
«إن هذا لا يضر مؤمنا كامل الإيمان أو من استظل بالعرش».
ومن استظل بظل العرش سبعة كما ورد في صحيح الأحاديث. قال الإمام ابن أبي شامة المقدسي:
وقال النَبِيُّ المُصطَفى إِنَّ سَبعَةً .. يُظِلُّهُم اللَه العَظيمُ بِظِلِّهِ
مُحِبٌّ، عَفيفٌ، ناشئٌ، مُتَصَدِّقٌ .. وَباكٍ، مُصَلٍّ، والإِمامُ بِعَدلِه
أضف إليها من أنظر معسرا أو وضع دينا عن مدين.
في الحديث:
«من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله».
صحيح الجامع رقم: 6106


لكن ماذا عن طول يوم القيامة؟!

آلاف السنوات تمر على المؤمنين يوم القيامة كأنها ساعات، أليس الله على كل شيء قدير؟!
لقد مات عزير مائة عام ثم بعثه الله، ونام أصحاب الكهف ما يزيد أكثر من ثلاثمائة عام ثم بعثهم، فلما سئلوا: كم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر». صحيح الجامع رقم: 8193


تعب اليوم وإلا تعب الغد!

قال الإمام الغزالي:
«وكل عرَق لم يخرجه التعب في سبيل الله من حج، وجهاد، وصيام، وقيام، وتردد في قضاء حاجة مسلم، وتحمل مشقة في أمر بمعروف ونهي عن منكر، يستخرجه الحياء والخوف في صعيد يوم القيامة».
وهذا مصداق قول الله تعالى عن أهل النار:
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ) [الغاشية: 2-3]:
لم يخشعوا في الدنيا، فخشعوا في الآخرة، ولم يتعبوا في الدنيا، فتعبوا يوم القيامة.
عاد النبي صلى الله عليه وسلم مريضا فبشَّره قائلا:
«أبشِر! فإن الله تعالى يقول: هي ناري أسلِّطها على عبدي المؤمن في الدنيا؛ لتكون حظه من النار يوم القيامة» .
صحيح الجامع رقم: 32 والصحيحة رقم: 557
أي مرضك هو عقوبتك المعجَّلة لما اقترفت من الذنوب، بدلا من أن تؤجَّل لك إلى الآخرة، حيث العذاب الأبقى والأشد .


دكتور خالد ابو شادي

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

                               ثالثاً : الحشر

 

47572292_10157377166739311_7643420814682

● حشر الكافرين!

عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن رجلا قال: يا نبي الله، كيف يحشر الكافر على وجهه؟ قال: «أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة».
صحيح البخاري رقم: 6523

قال أبو حامد:
«طبع الآدمي إنكار كل ما لم يأنس به ولم يشاهده، ولو لم يشاهد الإنسان الحية وهي تمشي على بطنها لأنكر المشي من غير رجل، والمشي بالرجل أيضا مستبعد عند من لم يشاهد ذلك، فإياك أن تنكر شيئا من عجائب يوم القيامة لمخالفتها قياس الدنيا، فإنك لو لم تكن شاهدت عجائب الدنيا، ثم عُرِضَت عليك قبل المشاهدة لكنت أشد إنكارا لها».
واسمع ما ذهب إليه ابن حجر في بيان حكمة هذا المشي حين قال:
«والحكمة في حشر الكافر على وجهه: أنه عوقِب على عدم السجود لله في الدنيا، بأن يسحب على وجهه في القيامة؛ إظهارا لهوانه، بحيث صار وجهه مكان يده ورجله في التوقي عن المؤذيات».


● حشر السائلين:

في الحديث:
«ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتى يوم القيامة ليس فى وجهه مزعة لحم».
صحيح الجامع رقم: 5816
وفهم الإمام البخاري من الحديث أن الذي يأتى يوم القيامة لا لحم في وجهه من كثرة السؤال هو السائل تكثرا بغير ضرورة، ومن سأل تكثرا فهو غنيٌّ، لا تحل له الصدقة، لذا عوقب في الآخرة.
حين بذل وجهه وعنده كفاية، عوقِب في وجهه بأن جاء بلا لحم فيه، فكان جزاؤه من جنس ذنبه.
أما عن حد الكفاية ففد حدَّده النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:
«من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو خموشا أو كدوحا في وجهه».
قيل: يا رسول الله .. وما يغنيه؟ قال:
«خمسون درهما، أو قيمتها من الذهب». السلسلة الصحيحة رقم: 499

● حشر الغادرين:

قال النبي صلى الله عليه وسلم :
«إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، يُرفَع لكل غادر لواء، فقيل: هذه غدرة فلان ابن فلان».
صحيح الجامع رقم: 483
وهذا الخطاب تفهمه العرب جيدا، لأنهم كانوا يرفعون للوفاء راية بيضاء، وللغدر راية سوداء؛ ليفضحوا الغادر ويذموه، وليحذِّروا الناس منه، فجاء تمييز الغادر في الحديث عن طريق اللواء ليفتضح بصفته هذه في القيامة، فيذمه أهل الموقف جميعا.
لكن .. أين مكان اللواء؟!
قال النبي ^:
«إن لكل غادر لواء يوم القيامة يُعرَف به عند إسته». صحيح الجامع رقم: 2153 والصحيحة رقم: 1690
عومِل الغادر بنقيض قصده، لأن عادة اللواء أن يكون في الأمام، فجُعِل في الخلف ليزداد فضحه وتوبيخه وتعذيبه، وبدلا من أن يحمل اللواء بيديه، ينغرس اللواء في مؤخرته، بحيث لا يملك صاحبه أن يتخلص منه.
والغرض من الحديث التنفير من الغدر، وبيان أنه من أعظم الجرائم عند الله.
لكن الغدر يتفاوت، ومن ثم فحجم اللواء يتفاوت، بحسب قدر الغدرة.
قال رسول الله ^:
«لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدرته، ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة».
صحيح الجامع رقم: 5170
وتغليظ تحريم الغدر من صاحب الولاية العامة؛ لأن ضرر غدره يتعدى إلى خلق كثير، ولأن الأمير غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء.
ومن صور الغدر الشنيعة، ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم :
«إذا اطمأن الرجل إلى الرجل، ثم قتله بعدما اطمأن إليه، نُصِب له يوم القيامة لواء غدر» .
صحيح الجامع رقم: 357 والصحيحة 441


● حشر الظالمين

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«ما من أمير عشرة إلا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولا، حتى يفكَّه العدل أو يوبقه الجور».
صحيح الجامع رقم: 5695 والصحيحة رقم: 349

الإمارة والمسؤولية هي قيود تسلسل صاحبها في الآخرة، وكل مسؤول مقيَّد، لكن صاحب العدل مفكوك محرَّر، والظالم أسير مقيَّد، ولذا زاد في رواية أحمد:
«لا يفُكُّه مِنْ ذلك الغُلِّ إلَّا العدل».

ولذا يحق لكل مظلوم أن يهتف اليوم:
بيني وبينك يا ظلومُ الموقِفُ ... والحاكِم العَدْلُ الجواد المُنْصِفُ
انظروا إلى عمر بن عبد العزيز بعد أن تولى الخلافة، حيث تقول زوجته فاطمة: دَخَلْتُ يوما عليه وهو جالِسٌ فِي مُصلَّاه، واضِعا خَدَّهُ على يد،ه ودموعه تسيل على خديه، فقلت: مالك؟ فقال:
«ويحك يا فاطمة، قَدْ وُلِّيتُ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ما وُلِّيتُ، فَتَفَكَّرْتُ في الفقير الجائع، والمريضِ الضَّائع، والعاري المجهود، واليتِيم المكسور، والأرملة الوحيدة والْمظلوم الْمَقْهُورِ. والغرِيب والأسير، والشَّيخ الكبيرِ، وذي العيال الكثير، والمال القليل، وأَشْباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعَلِمْتُ أَنَّ ربِّي سيسألنِي عنهم يوم القيامة، وأنَّ خصمِي دونهم محمد ، فَخَشيتُ أَنْ لا يَثْبُتَ لي حُجَّةٌ عند خصومته، فرحِمْتُ نفسي، فَبَكَيْتُ».

● حشر أهل الصلاة والمتوضئين:

عن عبد الله بن بسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«أمتي يوم القيامة غُرٌّ من السجود، محجَّلون من الوضوء». صحيح الجامع رقم: 1397
قال النووي:
«قال أهل اللغة الغرة بياض في جبهة الفرس، والتحجيل بياض في يديها ورجليها. قال العلماء: سُمِّي النور الذي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة غرة وتحجيلا تشبيها بغرة الفرس.
وحرص على إشعال روح المنافسة بين الصحابة في إحسان الوضوء، فعن نعيم بن عبد الله، أنه رأى أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين، ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل». صحيح مسلم رقم: 246

● حشر الشهداء:

ومن مشاهد يوم القيامة: مشهد أقوام يحشرون ودماؤهم تسيل منهم، وهم الشهداء، وهذا إكرام لهم وبيان لفضلهم، وتشهيرٌ ببذلهم وعلو مقامهم، لأن الجزاء من جنس العمل.
في الحديث:
«كل كلم يكلمه المسلم في سبيل الله تعالى يكون يوم القيامة كهيئتها إذا طعنت، تفجَّر دما، واللون لون الدم، والعَرْف عَرْف مسك».صحيح الجامع رقم: 4544
مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بحمزة وقد جُدِع أنفه، ومُثِّل بجثمانه، فقال: لولا أن تجزع صفية لتركته حتى يحشره الله عز وجل من بطون الطير والسباع، وكان هذا دعاء كثير من السلف والصالحين: اللهم احشرني من حواصل الطير وبطون السباع، وسبب ذلك أن يتضاعف أجرهم، ويعلو عند الله قدرهم.
ومثل هذا ما دعا به عبد الله بن جحش يوم أحد، فقال: يا رب .. إذا لقيت العدو غدا، فلقِّني رجلاً شديدا بأسه، شديدا حرده، أقاتله فيك، ويقاتلني، ثم يأخذني، فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدا، قلتَ: يا عبد الله .. من جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت.
قال سعد بن أبي وقاص: «فلقد رأيته آخر النهار، وإن أذنه وأنفه لمعلقتان في خيط».
● حشر صاحِب القرآن
عن بريدة رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
«وإِنَّ القرآن يلقى صاحِبَهُ يوم القيامة حين يَنْشَقُّ عنه قَبْرُه كالرَّجُل الشَّاحب، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: ما أَعْرِفُك، فيقول: أنا صاحبك .. القرآن الَّذي أَظمأتُك في الهواجر وأسهَرْتُ ليلك، وإنَّ كُلَّ تاجرٍ مِنْ وراء تجارته، وإنَّك اليوم من وراء كل تجارة، فيُعطَى الْمُلْكَ بِيمينه، والخُلد بِشِماله، ويوضَع على رأسه تاج الوقار، ويُكْسَى والِداه حُلَّتَيْن لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان: بِمَ كُسِينا هذا؟ فيُقال: بِأَخْذ وَلَدِكما القرآن، ثُمَّ يُقال له: اقرأ واصعد في دار الجنَّة وغُرَفِها، فهو في صعود ما دام يقرأ، هَذًّا كان، أو ترتيلا».
السلسلة الصحيحة رقم: 2829

والرجل الشاحب هو الذي تغير لونه، وكأن القرآن يأتي على هذه الهيئة ليكون أشبه بصاحبه في الدنيا، فقد دفعه القرآن لقيام الليل وصيام النهار حتى ظهر أثر ذلك عليه، فلم يكن القرآن ترانيم يتغنى بها صاحبها دون تهذيب سلوك أو تغيير عادات، وهذا دليلٌ على أن القرآن الذي لا تأثير له على عمل العبد وسلوكه لا يكون حجة لصاحبه، وإنما حال صاحب القرآن يجب أن يكون مغايرا لمن حوله، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
«ينبغي لقارئ القرآن أن يُعرَف بليله إذا الناس نائمون.
وبنهاره إذا الناس مستيقظون.
وببكائه إذا الناس يضحكون.
وبصمته إذا الناس يخوضون.
وبخضوعه إذا الناس يختالون.
وبحزنه إذا الناس يفرحون».

● حشر ذي الوجهين:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«من كان له وجهان في الدنيا، كان له يوم القيامة لسانان من نار». صحيح الجامع رقم: 6496
يريد به ذلك الشخص الذي يأتي كل قوم بما يرضيهم، خيرًا كان أم شرًا، وهذه هي المداهنة المحرمة، وإنما سُمِّي (ذو الوجهين) مداهنًا؛ لأنه يُظهِر لأهل المنكر أنه راضٍ عنهم، فيلقاهم بوجه سمح بالترحيب والبِشْر، وكذلك يُظهِر لأهل الحق أنه عنهم راض، فبخلطته لكلا الفريقين وإظهار رضاه عن فعلهم، استحق اسم المداهنة، تشبيها بالدهان الذى يظهر على ظواهر الأشياء ويستر بواطنها.
قيل لابن عمر: إنا ندخل على أمرائنا، فنقول القول، فإذا خرجنا قلنا غيره. قال: كنا نعده نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

● حشر مغتصب الحقوق:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«لا يأخذ أحد شبرا من الأرض بغير حقه إلا طُوِّقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة». صحيح الجامع رقم: 7577
وفي معنى طُوِّقه قولان:

- أحدها: معناه أنه يُعاقب بالخسف إلي سبع أرضين، فتكون كل أرض في تلك الحالة طوقا في عنقه كالطوق الذي تلبسه المرأة للزينة.

- والثاني: أنه يُكلَّف بنقل ما أخذ ظلما من الأرض في القيامة، فيحمل سبع أرضين في مقابل هذا الشبر الحقير المغصوب، وذلك كما يحمل السارق ما سرق على عنقه يوم القيامة على سبيل الفضيحة والتعذيب.

وكما ترى، فالجزاء من جنس العمل، وذلك أن هذا الظالم لما تحمل هذا الإثم بالنسبة للأرض، جوزي بأن يتحمل العقوبة بمثلها يوم القيامة.

وفي تقييد الأخذ بالشِّبر مبالغة، وبيانُ أن ما زادَ على الشبر أَوْلى بالعقوبة، ونظيرُه قوله صلى الله عليه وسلم في اليمين الكاذبة التي يغصب بها صاحبها حقوق الغير: «وإن كان قضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ»، ففي الحديث:
«من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرَّم عليه الجنة، وإن كان قضيبا من أراك». صحيح الجامع رقم: 6076

فما أقبح الظلم، وما أشد وعيد الظالم، وما أغلظ عقوبته، وكل هذا ردع للأمة عن الظلم، ورحمة بها كي لا تقع في براثنه.

● هدايا العمال غلول!

في الحديث:
«هدايا العمال غلول». صحيح الجامع رقم: 7021
وفي الطبراني عن ابن عباس:
«الهدية إلى الإمام غلول». صحيح الجامع رقم: 7054
والحديث يشمل الإمام ومثله نوابه من الوزراء والمحافظين ومديري الهيئات والمصالح العامة.
رُوِي أن عمر أهدى إليه رجل فخذ جزور، ثم أتاه بعد مدة ومعه خصمه، فقال: يا أمير المؤمنين .. اقض لي قضاء فصلا كما يفصل الفخذ من الجزور، فضرب بيده على فخذه وقال:
«الله أكبر .. اكتبوا إلى الآفاق: هدايا العمال غلول»

خالد ابو شادي
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
رابعا :الشفاعة

48388747_10157413528034311_3759292532391

وهي من الخمس التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يُعْطها أحد من الأنبياء قبله، وقد قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم :
«أتاني آتٍ من عند ربي، فخيَّرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترتُ الشفاعة، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئا».
صحيح الجامع رقم: 56
ومن كرم النبي صلى الله عليه وسلم أن جعل شفاعته للمذنبين، لكونهم أحوج إليها من الطائعين، كأنَّه هيَّأ فرص النجاة للمقصِّرين ليلحقوا بالمجتهدين.
والشفاعة بين الناس هي التوسط في جلب نفع لهم، أو دفْع ضرٍّ عنهم، في غير معصية، وتَشمل: التحريض على الصَّدقات، وتفريج الكربات، وقضاء الحاجات، والتوسُّط في الإقالة من بيع لمضطرٍّ، وإنظار معسر إلى ميسرة، والتوسُّط في تخفيف الدَّين عن المدين، أو إبرائه منه، أو أدائه عنه.
لكن الشفاعة في حق النبي صلى الله عليه وسلم لون آخر غير كل هذا، ولا تكون إلا يوم القيامة.

● الشفاعة سبعة أنواع:
أولها: الشفاعة العظمى
وهي المقام المحمود الذي وعده الله إياه في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: 79].
وهذه شفاعة عامة لأهل الموقف ليعجِّل الله حسابهم ويستريحوا من طول الموقف يوم القيامة وشدة كربه، وهذه الشفاعة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وحده دون باقي الخلق حتى الأنبياء، فيشفع النبي صلى الله عليه وسلم للخلائق كلهم، لأمته وغيرها من الأمم، بعد أن جاءوا إلى كبراء الرسل- عليهم الصلاة والسلام- يسألونهم أن يشفعوا لهم إلى ربهم، لفصل القضاء، فيتدافع الشفاعة أولئك المرسلون، ويتنصلون منها ويعتذرون، حتى ينتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيتقدم فيشفع، ويسأل فيُعطَى، فيحمده كل الخلق لما يرون من فضله عند ربه، ولما وصل إليهم من الخير، وهذا هو المقام المحمود.
وهو ما ندعو به كل يوم خمس مرات! عقب كل أذان! وما أكثر من يضيع سنن الأذان! ومنها هذا الدعاء الثمين الذي علَّمنا إياه سيد المرسلين.
في صحيح البخاري عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، إلا حلَّت له الشفاعة يوم القيامة».
صحيح البخاري رقم: 614

لكن ما الوسيلة؟!
الوسيلة هي المرتبة الزائدة على سائر الخلق، كما في الحديث:
«سلوا الله لي الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد، وأرجو أن أكون أنا هو». صحيح الجامع رقم: 3636
وسؤال الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم من أسباب الفوز بشفاعته، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
«إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلَّتْ عليه الشفاعة».

خفة حساب المؤمنين
ومما يخفف موقف يوم القيامة على المؤمنين أن الله يناديهم بنفسه:
﴿يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الزخرف: 68]
ذكر المحاسبي في الرعاية:
«ينادي المنادي يوم القيامة:
﴿يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾، فيرفع الخلائق رؤوسهم، يقولون: نحن عباد الله، ثم ينادي الثانية:
﴿الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين﴾، فينكِّس الكفار رؤوسهم، ويبقى الموحِّدون رافعي رؤوسهم.
ثم ينادي الثالثة:
﴿الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾ [يونس: 63]، فينكِّس أهل الكبائر رؤوسهم، ويبقى أهل التقوى رافعي رؤوسهم، قد أزال عنهم الخوف والحزن كما وعدهم».

لماذا كانت الشفاعة هي المقام المحمود رغم كثرة محامد الرسول؟!
والجواب:
من المعلوم أن حمد الإنسان لغيره على سعيه في تخليصه من العقاب أعظم من حمده له على سعيه في زيادة ثوابه؛ لأن احتياج الإنسان لدفع الآلام والشدائد أعظم من احتياجه لتحصيل المنافع والفوائد، وأعظم الآلام: آلام الآخرة، وأشد الأهوال: أهوال يوم القيامة، ولذا فهم جمهور المفسرين أن المقام المحمود هو الشفاعة، وهي المراد بقوله عليه السلام:
«لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجَّل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي: شفاعة لأمتي».
صحيح البخاري رقم: 6304
وهذا من حسن رأيه ونظره حيث اختار أن تكون دعوته في ما يبقى، والآخرة خير وأبقى.
لكن هل لا يستجاب للأنبياء إلا دعوة واحدة؟!
قال ابن حجر:
«اعلم أن جميع دعوات الأنبياء مستجابة، والمراد بهذا الحديث أن كل نبي دعا على أمته بالإهلاك إلا أنا، فلم أدْعُ، فأُعطيتُ الشفاعة عوضا عن ذلك للصبر على أذاهم».

ثانيها : الشفاعة لأهل الجنة لدخول الجنة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أُمِرتُ لا أفتح لأحد قبلك».
رواه مسلم رقم: 333
وفي رواية له: «أنا أول شفيع في الجنة ».
رواه مسلم رقم: 332
ويكون أول من يدخل الجنة فقراء المهاجرين، كما جاء في الحديث:
«أول زمرة تدخل الجنة من أمتي: فقراء المهاجرين، يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة، ويستفتحون، فيقول لهم الخزنة: أو قد حوسبتم؟ قالوا: بأي شيء نحاسب؟ وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك؟ فيُفتَح لهم، فيقيلون فيها أربعين عاما قبل أن يدخلها الناس».
صحيح الجامع رقم: 96
هذه الزمرة من الفقراء التي لا يأبه الناس لها ولا يعرفون أسماء أفرادها، ولم تنل مكانتها في الدنيا لقلة مالها ورقة حالها، هي السابقة يوم القيامة وفي المقدِّمة، وهذا إن دلَّ على شيء، فإنما يدل على أن موازين الآخرة مختلفة، وأننا يجب ألا تخدعنا المظاهر عن الجواهر، فرُبَّ مغمور بين الناس يسبقهم يوم القيامة، ورُبَّ مشهور بين الناس يتقدم بعلمه ودينه، لكن يتأخر الصفوف يوم القيامة.

ثالثها : شفاعة الرسول لعمه أبي طالب
فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ذكر عنده عمه أبو طالب فقال:
«لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه، يغلي منه أمُّ دماغه».
صحيح الجامع رقم: 5087
وعن العباس بن عبد المطلب أنه قال للنبى صلى الله عليه وسلم : ما أغنيت عن عمك، فإنه كان يحوطك ويغضب لك، فقال صلى الله عليه وسلم :
«هُوَ فِى ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، ولولا أنا لكان فى الدَّرك الأسفل من النَّار».
مسلم رقم: 209
والضحضاح: ما رقَّ من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين، فاستعير هذا اللفظ في النار.
وهذه الشفاعة ليس معناها أن الكافر ينفعه عمله، لكنها تكريم خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لا يناله غيره، فلا أحد يشفع في كافر أبدًا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع هذا لم تقبل الشفاعة كاملة ، وإنما كان أثرها تخفيف العذاب فحسب.

رابعها : شفاعته صلى الله عليه و سلم في دخول أناس من أمته الجنة بغير حساب
لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
«سألت الله الشفاعة لأمتي، فقال: لك سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. قلت: رب زدني، فحثا لي بيديه مرتين وعن يمينه وعن شماله».
صحيح لجامع رقم: 3590
وفي حديث أبي أمامة رضى الله عنه :
«وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا، بلا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفا، وثلاث حثيات من حثيات ربي».
صحيح الجامع رقم: 7111
ضرب المثَل بالحثيات؛ لأن شأن الْمُعْطي إذا طُلِب منه الزيادة، أن يحثي بيديه بغير حِساب، وهذا دليل على المبالغة في الكثرة.
هذا يعني أن عدد من يدخل الجنة بغير حساب هائل، وأن مجموع هؤلاء:
سبعون ألفا + أربعة ملايين وتسعمائة ألف + ثلاث حثيات عظيمة لا يعلم عدد من فيها إلا الله

خامسها: شفاعته صلى الله عليه وسلم لأناس دخلوا النار في أن يخرجوا منها
لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
«يخرج من النار قوم بالشفاعة كأنهم الثعارير».
صحيح الجامع رقم: 8059
والثعارير هي صغَار القثاء (الثوم) أي النبات الصغير، وهذا التشبيه لهم بعد أن ينبتوا بماء الحياة بعد خروجهم من النار، وأما في أول خروجهم من النار، فإنهم يكونون كالفحم.
وتنصرف كلمة الشفاعة إذا أُطلِقت إلى هذا النوع، أي من يشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج من النار، ولذا لما سَمِع عليٌّ رضى الله عنه امرأة تدعو: «اللهم أدخلني في شفاعة محمد»، قال لها: «إِذا تَمَسَّكِ النار».
ومن أدلة هذا النوع من الشفاعة قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي عن عمران بن حصين:
«ليخرجن قوم من أمتي من النار بشفاعتي يسمون الجهنميين». صحيح الجامع رقم: 9493
وذلك نسبة إلى جهنم، وهذا الاسم مختص بمن شفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج من النار، لكن في هذا الاسم نوع انتقاص، لذا جاء في صحيح مسلم:
«فيدعون الله، فيذهب عنهم هذا الاسم». صحيح مسلم رقم: 9493

بشرى لأصحاب الكبائر!
جاء في حديث جابر:
«شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي».
صحيح الجامع رقم: 3714
لذا كان جابر يقول:
«من لم يكن من أهل الكبائر، فما له وللشفاعة».
وكان في هذا تربية نبوية في غاية الأهمية لأصحاب النبي ، فقد أمسك بعض الصحابة عن الاستغفار لأصحاب الكبائر، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلِّمهم أن رحمة الله لا تضيق عن أحد من خلقه، ولعل هذا الإمساك عن الاستغفار يؤدي بهم إلى العُجْب والاستكبار، واسمع ما رواه عبد الله بن عمر :
«ما زلنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر ، حتى سمعنا من نبينا : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، وإني ادخرت دعوتي شفاعة لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة».
وعن ابن عمر رضي الله عنه في رواية أخرى:
«فأمسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا».

وتبقى شفاعة الله!
في صحيح البخاري عن المؤمنين الذي اجتازوا الصراط، يسألون عن إخوانهم الذين سقطوا في جهنم:
«يقولون: ربنا إخواننا، كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرِّم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيُخرِجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا».
قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني فاقرءوا: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها} [النساء: 40].
ألا ما أروع هذا الحديث..
إن حثنا هذا الحديث على شيء، فهو يحثنا على أن نختار صحبتنا اليوم، وأن ندقق في اختيار من حولنا، حتى إذا فاتتنا النجاة غدا (لا قدَّر الله)، وجدنا من أهل الجنة من يذكرنا، ولا يلهيه نعيم الجنة العظيم عن ذكر أصحابه من أصحاب الجحيم.
وتبقى شفاعة الله، وهي فرصة الرحمة الأخيرة!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجبار: بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار، فيخرج أقواما قد امتُحِشوا، فيلقون في نهر بأفواه الجنة، يقال له: ماء الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل». صحيح البخاري رقم: 7439

سادسها: شفاعته صلى الله عليه وسلم لقوم استحقوا النار أن لا يدخلوها
فينجون من النار ببركة الشفاعة، ولا يمسهم العذاب مع استحقاقهم له.
قال الحافظ ابن حجر:
«ويشفع في بعض المؤمنين بالخروج من النار بعد أن دخلوها، وفي بعضهم بعدم دخولها، بعد أن استوجبوا دخولها».
وساق الشيخ ابن عثيمين ما استدلَّ به على هذه الشفاعة، فقال رحمه الله:
«وهذه قد يستدل لها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (ما من مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يشركون بالله شيئًا، إلا شفَّعهم فيه)، فإن هذه شفاعة قبل أن يدخل النار، فيشفِّعهم الله في ذلك».

● يشفع في هؤلاء!
• المخلِصون:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:
قيل: يا رسول الله .. من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لقد ظنَنْتُ يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحَدٌ أول مِنْك، لما رأيتُ مِنْ حرصك على الحديث، أسعد النَّاس بشفاعتي يوم القيامة: مَنْ قال لا إله إلا الله خالِصًا مِنْ قلبه أو نفسه». صحيح البخاري رقم: 97
وفي مسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا، يُصَدِّقُ قلبُه لسانَه، ولسانه قلبَه».
مسند أحمد رقم: 7725
واستدل شيخ الإسلام ابن تيمية بهذه الأحاديث على فضل الإخلاص، فقال:
«وكلما كان الرجل أعظم إخلاصًا ، كانت شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم أقرب إليه».


● ولا يشفع في هؤلاء!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم، وكلُّ غالٍ مارق».
صحيح الجامع رقم: 3798
وهما صنفان -كما ترى- لهما أعظم الضرر على المسلمين، إما بالظلم، وإما بالغلو، فكانت عقوبتهما الحرمان من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن العجيب أن ديننا حذرنا من الظلم تحذيرا شديدا وبصور متنوعة، لكن أمتنا هي أكثر الأمم في استشراء الظلم فيها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه :
«إِنْ طالتْ بِكَ مُدَّةٌ أوْشَكْتَ أن ترى قوما يغْدون في سَخَط الله، ويروحون فيلعنته، في أيديهم مثل أذناب البقر». صحيح مسلم رقم: 5100
وفي حديث أبي أمامة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«سيكون في آخر الزمان شرطة يغدون في غضب الله، و يروحون في سخط الله».
صحيح الجامع رقم: 3666
وأما الصنف الثالث المحروم من الشفاعة، فقد تحدث عنه أنس بن مالك رضي الله عنه ، فقال:
«من كذَّب بالشفاعة فلا نصيب له فيها».
فالجزاء من جنس العمل ، فمن كذَّب بالشفاعة وادَّعى بطلانها، كان أَوْلى الناس بالحرمان منها ، جزاءًا وفاقًا.


سابعا: شفاعته صلى الله عليه وسلم لرفع درجات أقوام من أهل الجنة
والجنة مائة درجة، فيرفع الله من أهل الجنة إلى درجة من درجات الجنة لا يستحقها بعمله.
قال الإمام ابن القيم في هذا النوع من الشفاعة:
«شفاعته لقومٍ مِنْ المؤمنين في زيادة الثواب، ورفعة الدَّرجات ، وهذا قد يُستدلَّ عليه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة، وقوله صلى الله عليه وسلم : (اللهم اغفر لأبي سلمة، وارْفَع درجته في المهْديين)، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى: (اللهم اغفر لعُبَيْد أبي عامر، واجعله يوم القيامة فوق كثير مِنْ خلقك)».
 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

 
48366516_10157415516974311_7847070176536
 
خامساً: العرض والحساب
 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«ما منكم من أحد إلا سيكلِّمه الله يوم القيامة، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر بين يديه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة».
صحيح الجامع رقم: 5798
جميع الخلق سيكلمهم الله غدا مباشرة بلا ترجمان ولا واسطة، فيسألهم عن جميع أعمالهم، خيرها وشرها، دقيقها وجليلها، ما علمه العباد وما نسوه، وكما خلق الله الناس ورزقهم في ساعة واحدة، سيحاسبهم في ساعة واحدة.
وليس مع العبد عند الحساب أنصار ولا أعوان إلا العمل الصالح، ولذا حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على اتقاء النار به ولو بأقل القليل، كنصف التمرة، حتى إن لم يجدها، فبكلمة واحدة طيبة.
وإن التفكر اليوم في موقف العرض غدا وساعة الحساب، هو خير ما يقوِّم سلوك العبد ويعين على الاستقامة، ولذا قال الإمام ابن دقيق العيد:
«ما تكلَّمتُ بكلمة؛ ولا فعلت فعلاً؛ إلا وأعددت له جوابًا بين يدي الله عز وجل».


● أول القضايا غدا!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«أوَّل ما يُقْضَى بين الناس يوم القيامة في الدِّماء». صحيح الجامع رقم: 2577
وهذا الحديث من أعظم أحاديث تعظيم أمر الدماء في الإسلام، فإن بدء الحساب يكون بالأهم، وليس فيه مخالفة للحديث المشهور: «أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة»؛ لأن حديث الصلاة في ما بين العبد وربه، والحديث الأول فهو بين العباد.
أو أن حديث الدماء مثال لمن فعل السيئات، وحديث الصلاة مثال لترك العبادات.
وفي سنن النسائي ما جمع بين الحسابين:
«أول ما يُحاسَب به العبد الصلاة، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء».
صحيح الجامع رقم: 2572
وأما صفة الفصل في الدماء، فيشرحها النبي صلى الله عليه وسلم في مشهد دقيق يحيط بالتفاصيل، ويبين لنا ما سيجري يوم القيامة بين كل مقتول وقاتله، فيقول صلى الله عليه وسلم :
«يأتي المقتول متعلقا رأسه بإحدى يديه، متلبِّبا قاتله بيده الأخرى، تشخب أوداجه دما، حتى يأتي به العرش، فيقول المقتول لرب العالمين: هذا قتلني، فيقول الله للقاتل: تعست، ويذهب به إلى النار».
السلسلة الصحيحة رقم: 2697



● أقسام المسلمين في الحساب!

القسم الأول:
من يدخل الجنة بغير حساب، كما في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وهؤلاء هم صفوة الأمة، والقمم الشامخة في الإيمان والتقوى والصلاح والجهاد، ووعد الله أن يدخل مع كل ألف سبعين ألفا ممن يدخل في ركابهم، أي مع كل واحد من السبعين ألفا يدخل سبعين رجلا.

القسم الثاني:
من يحاسب حسابًا يسيرًا، وهو العرض فقط، فلا يحاسَب حساب مناقشة، وهذا من أهل السعادة والسرور. قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 7 - 9] .
في صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«ليس أحد يُحاسَب يوم القيامة إلا هلك»، فقلت: يا رسول الله .. أليس قد قال الله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ- فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الانشقاق : 7-8]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«إنما ذلك العرض ، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا هلك».
ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتضجَّر إن راجعه أحد، وإنما أجاب عائشة حين قابلت السُّنَّة بآيات القرآن.
قال القرطبي في معنى هذا العرض:
«إن الحساب المذكور في الآية إنما هو أن تُعرَض أعمال المؤمن عليه، حتى يعرف مِنَّة الله عليه في سترها عليه في الدنيا، وفي عفوه عنها في الآخرة».


القسم الثالث: من يحاسب حساب مناقشة
وهذا متعرِّضٌ للخطر لقوله صلى الله عليه وسلم : «من نوقش الحساب عُذِّب».
ومعنى نوقش الحساب، أي حوسب حساب استقصاء، فإنه يعذب، والاستقصاءُ في الحساب هو لا يُترَك منه شيء، يقال: انتقشت منه جميعَ حقي، ومنه: نقْش الشوكة من الرِّجْل، وهو استخراجها منها؛ والمعني: من دُقِّق في حسابه، فقد هلك.
قال النووي في شرحه للحديث:
«قال القاضي:
وقوله: «عُذِّب» له معنيان:
أحدهما : أن نفس المناقشة وعرض الذنوب والتوقيف عليها هو التعذيب لما فيه من التوبيخ.
والثاني : أنه مفض إلى العذاب بالنار، ويؤيده قوله في الرواية الأخرى: (هلك) مكان (عذب) هذا كلام القاضي».
ثم قال النووي: «وهذا الثاني هو الصحيح، ومعناه أن التقصير غالب في العباد، فمن استُقصِي علي ، ولم يُسامَح هلك، ودخل النار، ولكن الله تعالى يعفو ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء».


● أمثلة العرض والنقاش والعتاب!

1. مناقشة المرائين:
قال أبي هريرة: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم
: «إن الله إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجلٌ كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟! قال : بلى، يا رب، قال : فماذا عملت فما علمت؟ قال: كنتُ أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبتَ، وتقول له الملائكة: كذبتَ، ويقول الله له: بل أردت أن يقال: فلان قارئ، وقد قيل ذلك.
ويؤتى بصحاب المال فيقول الله: ألم أوسِّع عليك، حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى، يا رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنتُ أصل الرحم، وأتصدق، فيقول الله له: كذبتَ، وتقول له الملائكة: كذبتَ، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جواد، فقيل ذلك.
ثم يؤتى بالذي قتل في سبيل الله، فيقول الله: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك، فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله له: كذبتَ، وتقول له الملائكة: كذبتَ، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جريء، فقد قيل ذلك، ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيَّ، فقال: يا أبا هريرة، أولئك الثلاثة أول خلق الله تُسعَّر بهم النار يوم القيامة».
صحيح الجامع رقم: 1713


2. عرض الرب ذنوب عبده عليه:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إن الله يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه، ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم .. أي رب، حتى إذا قرَّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيُعطَى كتاب حسناته، وأما الكافرون والمنافقون فيقول الأشهاد: (هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود: 18]».
وفي رواية سعيد بن جبير: :«فيلتفت يمنة ويسرة، فيقول: لا بأس عليك، إنك في ستري، لا يطلع على ذنوبك غيري».
قال علي القاري:
«هذا في عبد لم يغتب ولم يعب ولم يفضح أحدا ولم يشمت بفضيحة مسلم، بل ستر على عباد الله الصالحين، ولم يدع أحدا يهتك عرض أحد على ملأ من الناس، فستره الله وجعله تحت كنف حمايته، جزاء وفاقا من جنس عمله».
والستر في الدنيا يؤنس بحصول المغفرة في الآخرة، وما كان الله ليفضح عبدا من أول زلة، فإذا حصل ستر الله، كان في ذلك إشارة إلى أن لهذا العبد عند الله رصيد من الخير، وأن له من القَدْر عند الله ما يستره.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر أُتِي بسارق، فقال: والله ما سرقتُ قط قبلها، فقال: «كذبتَ! ما كان الله ليُسلِّم عبده عند أول ذنبه»، فقطع يده.
وفي رواية: «كذبت وربِّ عمر، ما أخذ الله عبدا عند أول ذنب».


معاتبة الرب عبده فيما وقع منه من تقصير:
في الحديث:
«إن الله تعالى يقول يوم القيامة:
يا ابن آدم ..
مرضت فلم تعدني. قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض، فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟
يا ابن آدم ..
استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب .. وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان، فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟
يا ابن آدم ..
استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب .. كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان، فلم تسقه، أما إنك لو سقيته، لوجدتَ ذلك عندي».
صحيح الجامع رقم: 1916
لاحظ أنه قال في عيادة المريض: «لوجدْتني عِنْده»، وفي الإطعام والسقي: «لوجدتَ ذلك عندي»، وهذا رمز إلى أفضلية ثواب عيادة المرضى ومواساتهم.


4. معاتبة الرب للعبد لعدم استغلال نعم الله عليه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقال له: ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا، وسخَّرتُ لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع، فكنت تظن أنك ملاقيَّ يومك هذا؟ فيقول: لا، فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني».
صحيح الجامع رقم: 7997
هنا يعدِّد الله نعمه على كل عبد جحود ظالم لنفسه، وهي نِعَمٌ لا تُعدُّ ولا تُحصَى، وإنَّ نعمة واحدة منها لا يستطيع عبد شكرها حق شكرها، فكيف بسائر النعم؟!
يقول الله يوم القيامة لهذا العبد:
ألم أجعلك رئيسا مطاعا في قومك؛ وتربع: أي ‏تأخذ ربع الغنيمة، كما كان سيد القوم يأخذ ربع الغنيمة في الجاهلية، وكانوا يسمون هذا الربع: المرباع، أي جعلتك مستريحا في هذه الدار، فأبيت إلا أن تذوق التعب بعذاب النار!
وبدلا من أن تقابل نعمي عليك بالشكر والعرفان، قابلتها بالجحود والنسيان والعصيان، فاستحققت عقوبتي: أمنعك اليوم من رحمتي كما امتنعت عن طاعتي.
وأتركك بلا رعاية كما تركت أمري واستمرأت الغواية.
يكشف لنا هذا الحديث أن استثمار العبد لنعم الله عليه في ما يرضي ربه من فروض الأعمار، وشرط من شروط إعمار هذه الدار، وهو تكليف إلهي واختبار إجباري سيحاسبنا الله عليه يوم القيامة: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ [الأنعام: 165].
وإن التقصير في شكر نعم الله صفة من صفات المكذِّبين بلقاء الله، فكيف تقبل هذه الشراكة مع الكفار، وترضى أن تكون معهم بذلك مِنْ وقود النار؟!


5. عناية الرب بمن أحسن الظن به:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
«يخرج من النار أربعة يعرضون على الله عز وجل، فيأمر بهم إلى النار، فيلتفت أحدهم فيقول: أي رب!! قد كنتُ أرجو إن أخرجتني منها أن لا تعيدني فيها، فيقول: فلا نعيدك فيها». مسند أحمد 3/221
ذكر من الأربعة واحدًا، وحكم عليه بالنجاة، وسبب هذا: حسن ظنه بالله، وفيه تنبيه على عجز هؤلاء الثلاثة وعدم معرفتهم بالله عز وجل، فقد أخرجهم الله من النار، وعرَّضهم لأن يسألوه ويسترحِموه، لكنهم لعجزهم وفساد طبعهم لم يفطنوا إلى أن الله تعالى لم يخرجهم من النار ويعرضهم عليه لغير سبب، فأبت عليهم شقوتهم وظلمة قلوبهم إلا الصمت والخذلان، فأعيدوا إلى النار ما عدا ذلك المتيقظ منهم الذي قال: قد كنتُ أرجو إن أخرجتني منها أن لا تعيدني فيها، فإنك أهل لأن تُتبِع النعمة النعمة، وتنقذ من الجحيم إلى الراحة والنعيم.


6-مناقشة الأمم الأخرى لإقامة الحجة عليهم
ومن مشاهد يوم القيامة ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«يُدعَى نوح يوم القيامة، فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول لأمته: هل بلَّغَكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير.
وفي رواية الترمذي:
«فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد».
فيقال: من يشهد لك؟!
فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
فيشهدون أنه قد بلَّغ، ويكون الرسول عليهم شهيدا، فذلك قوله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة: 143] ». صحيح البخاري رقم: 3339
جعل الله هذه الأمة الأخيرة هي الأمة الوسط، وهي الأمة الشاهدة على جميع الأمم بما أخبرها الله على لسان نبيها وبلغها من قرآن ربها.


7. سؤال العاصي الخائف من ربه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«كانَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم لم يعمل خيراً قطُّ؛ إلا التوحيد، فلما احتُضر قال لأهله:
انظروا .. إذا أنا متُّ أن يحرِّقوه حتى يدعوه حمما، ثم اطحنوه، ثم اذروه في يوم ريح، ثم اذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر، فوالله؛ لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فلما مات فعلوا ذلك به، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، فإذا هو قائم في قبضة الله، فقال الله عز وجل:
يا ابن آدم! ما حملك على ما فعلت؟
قال: أي ربِّ! من مخافتك (وفي طريق آخر: من خشيتك وأنت أعلم).
قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيراً قطُّ إلا التوحيد».
السلسلة الصحيحة رقم: 3048
غفر الله لهذا العبد لأنه عرف ربه، فخاف منه، وأقرب الطرق الموصلة إلى الله: مخافته، وأن لا يأمن العبد مكره.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
أحداث, القيامة, يوم

سادساً: تطاير الصحف

 
أخرج أبو داود والإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت النار فبكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يبكيك؟ قلت: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال:
«أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحدٌ أحداً: عند الميزان حتى يُعْلَم أيخِفُّ ميزانه أم يثقل.
وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره.
وعند الصراط إذا وُضِع بين ظهري جهنم حتى يجوز». سنن أبي داود رقم: 4755
وقد قال الله تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:13-14]
والطائر هو عمل العبد؛ وشُبِّه بالطائر لأن العمل يعلو بالإنسان، أو يهوي به.
قال السُّدِّي في تفسير هذه الآية:
«الكافر يخرج له يوم القيامة كتاب، فيقول: رب إنك قد قضيت أنك لست بظلام للعبيد، فاجعلني أحاسب نفسي، فيقال: اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14]، لكن ..
لكن، ماذا إذا كان العبد أميا يجهل القراءة والكتابة؟!
قال قتادة:
«يقرأ يومئذ من لم يكن قارئا في الدنيا».


الناس في استلام الصحف فريقان:
وينقسم الناس في استلام الصحف إلى فريقين: من يؤتى كتابه بيمينه، ومن يؤتى كتابه بشمال أو وراء ظهره.
قال الطبري:
«وأما من أعطي كتابه منكم أيها الناس يومئذ وراء ظهره، وذلك أن جعل يده اليمنى إلى عنقه، وجُعِل الشمال من يديه وراء ظهره، فيتناول كتابه بشماله من وراء ظهره، ولذلك وصفهم جلَّ ثناؤه أحيانًا أنهم يؤتون كتبهم بشمائلهم، وأحيانًا أنهم يؤتونها من وراء ظهورهم».
وكونه يؤتى كتابه من وراء ظهره؛ لأنه استدبر كتاب الله وأمره، وأعطاه ظهره في الدنيا؛ فكان من العدل أن يؤتى كتاب أعماله يوم القيامة وراء ظهره.
والمسألة ليست باختيار العبد، فإذا أذن الله لعبد بمد يد تبقى يده الأخرى عاجزة، ليست باستطاعته مدَّها، ثم الكتاب نفسه هو الذي يطير نحو اليد، فإما أن يذهب إلى اليد اليمنى أو اليسرى.


● دقة الكتابة!
قال تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49]
كان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية يقول:
«يا وليتنا: ضجوا إلى الله من الصغائر قبل الكبائر».
هل يُعْطَى العاصي كتابه بيمينه أم بشماله؟
يُعْطَى العاصي كتابه بيمينه، أما الذي يُعْطَى كتابه يوم القيامة بشماله فهو الكافر.
قال يوسف بن عمرو من المالكية:
«اختُلِف في عصاة الموحدين، فقيل: يأخذون كتبهم بأيمانهم، وقيل بشمائلهم، وعلى القول بأنهم يأخذونها بأيمانهم قيل: يأخذونها قبل الدخول في النار، فيكون ذلك علامة على عدم خلودهم فيها، وقيل يأخذونها بعد الخروج منها، والله أعلم».

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

أحداث, القيامة, يوم

سابعاً : الميزان


موعد الميزان بعد الحساب، وهو تكملة له، أو بمثابة حساب تفصيلي بعد الحساب الإجمالي.

قال الإمام القرطبي:
«وإذا انقضى الحساب كان بعد وزن الأعمال؛ لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لتقدير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها؛ ليكون الجزاء بحسبها».
وهو من عالم الغيب الواجب الإيمان به؛ وذلك لما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالجنة والنار والميزان، وتؤمن بالغيب بعد الموت، وتؤمن بالقدَر خيره وشره».
صحيح الجامع رقم: 2798


● حجم الميزان:
حجم هذا الميزان ضخم هائل لا يحيط به عقل، بحيث لو وضعت السموات والأرض في كفة الميزان لوسعها، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي  قال:
«إن نبي الله نوحا لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك الوصية، آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين،آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع، والأرضين السبع، لو وُضِعَت في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة، رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة؛ قصمتهن لا إله إلا الله.
وسبحان الله وبحمده؛ فإنها صلاة كل شيء، وبها يُرزَق الخلق.
وأنهاك عن الشرك والكبر». السلسلة الصحيحة رقم: 134

هل هو ميزان واحد أو عدة موازين؟
هذه مسألة خلافية، والأصح أنه ميزان واحد، والمراد بالجمع الذي جاء في سورة الأنبياء: الموزونات، وهي متعددة.
قال ابن كثير في قوله تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا:
«الأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد، وإنما جُمِع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه».
وقال ابن حجر:
«ولا يُشكِل بكثرة من يوزن عمله، لأن أحوال القيامة لا تُكيَّف بأحوال الدنيا».


● دقة الميزان!
دقة الميزان ذرية، وحساسيته خردلية، فمثاقيل الذر وحبات الخردل من الأعمال توزن بكل دقة على كفتي الميزان.
لذا لما استطعم مسكينٌ عائشة أم المؤمنين، وبين يديها عنب، قالت لإنسان: خذ حبة فأعطه إياها، فجعل ينظر إليها ويعجب، فقالت عائشة: أتعجب؟! كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة؟!
الذرة لها قيمة على الميزان غدا، فلا تستحقر ذرة خير، ولا تستهوِن بذرة شر، واذكر –كلما نسيتَ- عنبة أم المؤمنين، ونافس بها غيرك من المؤمنين.
ذرات الحقوق والواجبات!
والذرات ليست فقط ذرات العمل الصالح الذي ينفع صاحبه، بل ذرات الحقوق والواجبات، وقد روت عائشة رضي الله عنها أن رجلا قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي مملوكين يكذِّبونني ويخونونني ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم، فكيف أنا منهم؟
قال صلى الله عليه وسلم :
«يُحسَب ما خانوك وعصوك وكذَّبوك، وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم؛ كان كفافًا لا لك ولا عليك.
وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم؛ كان فضلاً لك.
وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم، اقتُصَّ لهم منك الفضل».
قال: فتنحى الرجل فجعل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«أما تقرأ كتاب الله {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}؟
فقال الرجل: والله يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء شيئًا خيرًا من مفارقتهم، أشهدكم أنهم أحرار كلهم».
صحيح الترمذي رقم: 2531


● الميزان من أماكن الشفاعة!
وزن الاعمال على كفتي الميزان موقف عظيم رهيب، لذا سيقف نبينا صلى الله عليه وسلم ليشفع عند الميزان، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال: «أنا فاعل».
قلت: يا رسول الله فأين أطلبك؟
قال: «اطلبني أول ما تطلبني على الصراط».
قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟
قال: «فاطلبني عند الميزان».
قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟
قال: «فاطلبني عند الحوض، فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن».
صحيح الترغيب والترهيب رقم: 3625
ولن يقف النبي صلى الله عليه وسلم عند الميزان – والله أعلم – إلا ليشفع لأناس خفَّت موازينهم، أو تساوت حسناتهم مع سيئاتهم.

● ما الذي سيوزن؟
أولا: الأشخاص
يوزن العبد ليظهر قدر ما فيه من إيمان بالله عز وجل، فعن زر بن حبيش عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يجتني سواكًا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مم تضحكون»؟ قالوا: يا نبي الله من دقة ساقيه، فقال: «والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد».
السلسلة الصحيحة رقم: 2750
وفي الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرؤوا: فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا[الكهف:105]».
روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة بعد طلوع الشمس فقال:
«رأيت قبيل الفجر كأني أعطيت المقاليد والموازين، فأما المقاليد فهذه المفاتيح، وأما الموازين فهي التي تزنون بها، فوضعت في كفة، ووضعت أمتي في كفة، فوزنت بهم فرجحت، ثم جيء بأبي بكر فوزن بهم فوزن، ثم جيء بعمر فوزن فوزن، ثم جئ بعثمان فوزن بهم ثم رفعت». وصححه الألباني في تخريجه لكتاب السنة لأبي عاصم رقم: 1138

ثانيا: الأعمال:
ويدل على هذا ما ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
«ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة». صحيح الجامع رقم: 5726
وما رواه أبو مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان». صحيح الجامع رقم: 3957
وقول النبي صلى الله عليه وسلم :
«من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا بوعده، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة». صحيح الجامع رقم: 5967
ويرى الحافظ ابن حجر أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : «وروثه وبوله في ميزانه»: يريد ثواب ذلك لا أن الأرواث بعينها توزن.

ثالثا: وزن صحائف الأعمال
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً – أي كتابًا – كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة؛ فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟! فقال: إنك لا تُظلَم، قال: فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة؛ فلا يثقل مع اسم الله تعالى شيء».
ولا تعارض، فقد يوزن الثلاثة: الشخص والعمل وصحيفة الأعمال.
وهذا ما رجحه الشيخ حافظ الحكمي فقال:
«والذي استظهر من النصوص – والله أعلم – أن العامل وعمله وصحيفة عمله – كل ذلك يوزن، لأن الأحاديث التي في بيان القرآن ، قد وردت بكل ذلك، ولا منافاة بينها ، ويدل كذلك ما رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو في قصة صاحب البطاقة بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة، فيوضع ما أحصي عليه، فتمايل به الميزان، فيُبْعَث به إلى النار، فإذا أُدْبِر به إذا صائح يصيح من عند الرحمن، يقول: لا تعجلوا، لا تعجلوا، فإنه قد بقي له، فيؤتى ببطاقة فيها: لا إله إلا الله،، فتوضع مع الرجل في كِفَّة، حتى يميل به الميزان».
فهذا يدل على أن العبد يوضع هو وحسناته وصحيفتها في كفة وسيئاته مع صحيفتها في الكفة الأخرى، وهذا غاية الجمع بين ما تفرق ذكره في سائر أحاديث الوزن».


● ما يثقِّل الميزان!

العمل الأول: الإخلاص
عن صهيب الرومي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الرجل تطوع حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمسًا وعشرين».
صحيح الجامع رقم: 3821
وسبب هذا أنها أقرب إلى الخلاص وأبعد عن الرياء.
ولأهمية الإخلاص بدأ البخاري صحيحه بحديث: «إنما الأعمال بالنيات»، وختمه بحديث: «كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»، فالنية يتوقف عليها صلاح العمل وفساده، والميزان هو ما يتبين به قيمة العمل أو بطلانه، وبالتالي سعادة المرء أو شقاؤه، فكان في هذا الترتيب تنبيها للقارىء إلى إخلاص النية في البداية، لما يترتب عليه من ثقل الميزان في النهاية.


العمل الثاني: الخلق الحسن
عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء»
صحيح الجامع رقم: 5632
وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن»
صحيح الجامع رقم: 134
وصاحب الخلق الحسن يغلب الصائم القائم، ويفوقه في الدرجات.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار». صحيح الجامع رقم: 1620
قال أبو الطيب محمد شمس الدين آبادي رحمه الله تعالى:
«وإنما أعطى صاحب الخلق الحسن هذا الفضل العظيم؛ لأن الصائم والمصلي في الليل يجاهدان أنفسهما في مخالفة حظهما، وأما من يحسن خلقه مع الناس مع تباين طبائعهم وأخلاقهم فكأنه يجاهد نفوسًا كثيرة فأدرك ما أدركه الصائم القائم فاستويا في الدرجة بل ربما زاد».

العمل الثالث: العمل الشاق على البدن وعلى الروح
قال إبراهيم بن أدهم:
«أثقل الأعمال في الميزان أثقلها على الأبدان».
كلما ثقل عليك العمل، ثقل في ميزانك.
فصدقة الفقير المحتاج من ماله أثقل في الميزان من صدقة الغني الموسر ببعض ماله.
وركعتان من عبد منهك الجسد من السعي على الرزق طوال النهار أثقل من عبادة مستريح البدن.


العمل الرابع: الصبر على فقد الولد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان: لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر، والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه».
صحيح الجامع رقم: 2817
وبخ بخ .. كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء، وتُكرَّر للمبالغة.
فصبرك على فقد الولد فيه مرارة، كلما زادت رجحت كفة الميزان بحسب مقدار الإيلام، والاحتساب رضا بفعل الرب، والرضا مقابل الرضا، فرضا العبد عن قضاء الرب يقابله رضا الرب عن هذا العبد، وإذا رضي الله عن العبد، أدهشه بعطائه.
رُوِي أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان، فلما رآه غُشِي علي ، فلما أفاق قال: يا إلهي .. من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات؟! فقال:
«يا داود .. إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة».


العمل الخامس: الحمد لله
«والحمد لله تملأ الميزان».
صحيح الجامع رقم: 3957
أي أن عِظَم أجر الحمد يملأ ميزان الحامد لله؛ لأن الحمد تعبير عن الرضا، والرضا أفضل أعمال القلوب، كما أن الجهاد ذروة أعمال الجوارح.


● الحكمة من الميزان
إن قيل: أليس الله عز وجل يعلم مقادير أعمال العباد، فما الحكمة في وزنها؟
قالوا في ذلك:
- إظهار عدل الله عز وجل، وأنه لا يظلم عباده مثقال ذرة.
- الميزان بمثابة حساب تفصيلي بعد الحساب الإجمالي الذي عُرِف بتناول الصحف.
- إقامة الحجة على العباد بدقة الحساب.
- تعريف العباد بأثقل أعمالهم من الحسنات والسيئات.
- إظهار علامة السعادة والشقاوة، فيزداد المؤمنون سعادة، ويزداد الأشقياء تعاسة.


● أثر الإيمان بالميزان
إذا آمنت بالميزان، وأنَّه ميزان حقيقي له كفتان ، توضع حسناتك في كفة، وسيئاتك في كفة ، أن كلُّ عملٍ ستبذله في هذه الحياة سيوزن غدا، فستزداد إقبالا على الحسنات، وبعدا عن السيئات، بل وستصبح انتقائيا: تنتقي من الحسنات أثقلها، وتحذر من السيئات أخفها وأثقلها.
واذكر الميزان عند كل نومة، عن طريق هذا الدعاء النبوي:
«كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال:
بسم الله وضعت جنبي، اللهم اغفر لي ذنبي، واخسأ شيطاني، وفُكَّ رهاني، وثقِّل ميزاني، واجعلني في الندي الأعلى».
صحيح الجامع رقم: 4649

خالد ابو شادي
خطط لمستقبلك
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

50016448_10157489348159311_4042064159729

ثامناً: الحوض

â—ڈ الحوض موجود الآن:
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب ذات يوم في أصحابه، فأقسم قائلا:
«وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن».
رواه البخاري رقم: 6590 ومسلم رقم: 2296
وللنبي صلى الله عليه وسلم منبر يخطب به على الحوض، ففي صحيح البخاري:
«ومنبري على حوضي». صحيح الجامع رقم: 5587
أي يكون للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة منبر، فينصب على الحوض، ثم يصعد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو أمته إليه: هلموا هلموا، فيتسارع إليه الناس، ويتزاحمون على حوضه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«لتزدحمن هذه الأمة على الحوض ازدحام إبل وردت لخمس». صحيح الجامع رقم: 5068
أَي حُبِسَت هذه الإبل عن الماء أربعة أيام حتَّى اشْتَدَّ عطشها، ثمَّ وردت على الماء في اليوم الخامس، فكما أنَّها تزدحم عليه لشدَّة ظمئها، فكذلك تزدحم هذه الأمة على الحوض يوم القيامة لشدَّة الْحر وقُوَّة العطش، فتخيل نفسك وأنت في شدة هذا الحر والعطش، تلمح ضخما حوضا، ماؤه من الجنة، ولا تجري ماؤه على طين بل على تربة جنة النعيم.


â—ڈ مساحة الحوض:
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
«حوضي كما بين صنعاء والمدينة، فيه الآنية مثل الكواكب» .
صحيح الجامع رقم: 3160
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:
«حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء».
صحيح الجامع رقم: 3161
وهو هنا يصف شكله، فأضلاع الحوض متساوية، وهو مربع الشكل.
وفي صحيح مسلم: «عرضه مثل طوله». صحيح مسلم رقم: 2300
صفة مائه وأثره:
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
«وماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من يشرب منه، فلا يظمأ أبدا».
صحيح الجامع رقم: 3161
هنا حدٌّ فاصل بين عهدين: عهد العطش المتكرر وعهد الري الأبدي.
هنا يمحو الله الإحساس بالعطش إلى الأبد، ويصبح الشرب للتلذذ فحسب، فكل شراب في الجنة من خمر وعسل ولبن وماء هو لتذوق ألوان المُتَع ليس غير.
وللشارب من الحوض إشراقة وجه مميزة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا، ولم يسودَّ وجهه أبدا ..». صحيح ابن حبان رقم: 6457
فما إن تشرب من الحوض حتى تسري في وجهك إشراقة أبدية وأنوار بهية.


â—ڈ موارد الحوض:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«فيه ميزابان يمدان من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من ورِق». صحيح ابن حبان: 6456

من أين في الجنة؟!
من نهر الكوثر، حيث يصُبُّ من الكوثر ميزابان في حوض النبي صلى الله عليه وسلم في موقف القيامة، فماء الحوض دائم متدفق ليس له انقطاع ولا نقصان.

آنية الحوض:
كيف يشرب الناس من الحوض؟!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«إن في حوضي من الأباريق بعدد نجوم السماء».
صحيح الجامع رقم: 2134
وقال صلى الله عليه وسلم :
«عدد آنية الحوض كعدد نجوم السماء».
صحيح الجامع رقم: 3991
أي أواني كثيرة جدا، والمراد المبالغة لا التساوي في العدد في الحقيقة، فلا خوف من التزاحم، بل كل عبد له آنيته الخاصة به، وهي في انتظاره، لا يأخذها سواه.

â—ڈ كثرة الواردين على الحوض:
ما نسبة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كل من يَرِد الحوض؟!
وما هو فرصتنا في الفوز بهذا الكنز؟!
اسمع:
عن زيد بن أرقم قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلنا منزلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يَرِد عليَّ الحوض» . صحيح الجامع رقم: 5557
وفي رواية: قيل لزيد: كم كنتم يومئذ؟! قال: كنا سبعَ مائة أو ثمانَ مائة.
وهذه والله بشارة عظيمة عظيمة، تغري كل مشتاق، وتلهب عزيمة كل كسول.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
أحداث, القيامة, يوم
 
تاسعاً: الصراط

● ما الصراط؟!
جسر حسي منصوب فوق جهنم، يعبر الناس عليه على قدر أعمالهم، وأثناء مرورهم عليه، تُبدَّل الأرض غير الأرض، كما في صحيح مسلم عن عائشة قالت: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ) [إبراهيم: 48]، فأين يكون الناس يا رسول الله؟ فقال: «على الصراط».
صحيح مسلم رقم: 2791
وينتشر الظلام في هذا اليوم، لكن يُعطى المؤمنون نورهم بيمينهم وبين أيديهم، ليستضيئوا به على الصراط، وليكون لهم دليلاً إلى الجنة، بينما المنافقون في الظلمات يغرقون.
وفي هذا الموضع يفترق المنافقون والمؤمنون، فيتخلف المنافقون، ويسبق المؤمنون، وعندها يفزع المنافقون وينادون: (انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) [الحديد:13]، فإذا رأى المؤمنون انطفاء نور المنافقين أشفقوا أن ينطفىء نورهم كذلك، فقالوا: {رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا}، ثم يقال للمنافقين: (ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) [الحديد:13]
أي ارجعوا إلى المكان الذي قسمت فيه الأنوار فيرجعون، فإذا رجعوا، ضُرِب بينهم وبين المؤمنين بسور وحاجز منيع يحول بين الفريقين:{بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13]، فهذا هو الوقت الذي يتميز فيه المنافقون عن المؤمنين.


● الظالمون في الظلمات!
والظلمة التي يغرق فيها المنافقون هي نفسها التي يغرق فيها الظالمون، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«اتقوا الظلم، فإنّ الظلم ظلمات يوم القيامة».
صحيح الجامع رقم: 101
والظاهر أن عقوبة الظلم يبدأ إنزالها على الظالمين قبيل الصراط، حين يفترق المؤمنون عن المنافقين.
قال الإمام القرطبي:
«ظاهره أن الظالم يعاقب يوم القيامة، بأن يكون في ظلمات متوالية، يوم يكون المؤمنون في نور يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، حين يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا: {انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ}، فيقال لهم: {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا}».


● لكن لماذا هذه العقوبة الشديدة للظالمين؟!
ذكر الحافظ ابن حجر السبب فقال:
«الظلم يشتمل على معصيتين:
- أخذ مال الغير بغير حق.
- ومبارزة الرب بالمخالفة.
والمعصية فيه أشد من غيرها؛ لأنه لا يقع غالبا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار.
وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب؛ لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر، فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى، اكتنفت ظلمات الظُّلْم الظالم، حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا».


● هل يمر الكفار بالصراط؟!
والجواب: كلا، لأنهم يسقطون في النار قبلها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
«ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله، من بر أو فاجر، وغبرات من أهل الكتاب، ثم يؤتى بجهنم تُعرَض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم.
ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة، ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم».
صحيح البخاري رقم: 7439


● معنى ورُود النّار
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
«وأما الورود المذكور في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وَارِدُهَا}، فقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: رواه مسلم في صحيحه عن جابر، بأنه المرور على الصراط، والصراط هو الجسر، فلا بد من المرور عليه لكلِّ من يدخل الجنة».


● ما صفات الصراط؟
وصف النبي صلى الله عليه وسلم الصراط بعدة أوصاف:
أولا: مدحضة مزلة
في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قلنا: ما الجسر يا رسول الله؟ قال: «مدحضة مزلة».
البخاري رقم: 7439
ومعنى مدحضة: يعني تزلق فيه الأقدام، ومزلة تعني: تسقط فيه الأجساد، فالصراط مضروب على متن جهنم، من أولها إلى آخرها، ومن الطرف إلى الطرف.
ثانيا: حوله كلاليب وخطاطيف
ومن صفات الجسر الواردة في الحديث الصحيح أن له كلاليب على حافتيه، روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة)، كلاليب فيها حياة وروح، وتتحرك حركة دائبة، ولها تمييز وإدراك، فتميز بين من أمرت بأخذه، ومن أُمِرت بتركه، فهي مأمورة.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صفة الصراط:
«وبه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوك السعدان». قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «فإنها مثل شوك السَّعْدَانِ ، غير ألا يعلم قدر عظمها إلا الله».
وشوك السعدان نبات له شوك، يرعى البدو إبلهم عنده، وهو مشهور في منطقة نجد، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرِّب لهم صورة تعلق هذه الكلاليب بأجساد الناس، كيف تتخطفهم وتعلق بأجسادهم مثل شوك السعدان الذي يعلق، وإذا نشب بالجسم لا يخرج بسهولة.
ثالثا: حد الصراط مثل حد الموسى
جاء في حديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«ويوضع الصراط مثل حد الموسى، فتقول الملائكة من تجيز على هذا، فيقول: من شئت من خلقي، فيقولون: ما عبدناك حق عبادتك».
السلسلة الصحيحة رقم: 941
تصور سمك الطريق الذي تسير عليه، مثل حد الموسى، وهو مع هذا حوله خطاطيف وكلاليب تنهش من يمر عليه، وتهوي به يمينا وشمالاً، فيتساقط في جهنم إلا من شاء الله.


● أول من يجتاز الصراط
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«ويضرب الصراط بين ظهري جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها».
وفي رواية:
فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته»، وفي رواية أبي هريرة عند مسلم: «إلى أن تمر أمتي كلها، ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلِّم سلِّم».
وهذا من شفقته على أمته، وكذلك الأنبياء كما جاء في رواية أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والأنبياء بجنبتي الصراط، وأكثر قولهم: اللهم سلِّم سلِّم».
وعند الصراط لا أحد ينطق من هول الموقف، ولا يتلفظ أحد بكلمة، ما عدا الرسل عندهم القدرة على الكلام، لكن كلامهم محدود بعبارة من ثلاث كلمات: «اللهم سلِّم سلِّم».


● تفاوت النور وسرعة العبور
في حديث بن مسعود:
«ثم يُقال لهم: انجوا على قدر نوركم».
لا يستطيع أحد أن يمشي في الظلمة، فإذا أضيء له مشى، وإذا أظلم قام واقفا، لأنه إن غامر بالسير في الظلام سقط، فهو يقوم على صراط كشفرة الموسى في الحِدَّة، والكلاليب حوله، يطفئ نوره فيقف، ثم يوقد مرة فيمشي، وذلك بحسب عمله، ولذا تتفاوت أحوال العباد على الصراط في أمرين أساسيين:
في قدر النور، وسرعة العبور.
أما قدر النور، فمنهم من يُعطَى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يُعطَى نوره فوق ذلك، ومنهم من يُعطَى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى دون ذلك، حتى يكون آخر من يُعطَى نوره على إبهام قدمه، يضيء مرة ، ويطفئ مرة.
وأما سرعة العبور، فتختلف سرعات الناس في المرور على الصراط باختلاف قوة النور الذي يعطونه، فالنور تابع للسرعة، جاء في حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم :
«ويقال لهم : امضوا على قدر نوركم ، فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب ، ومنهم من يمر كالريح ، ومنهم من يمر كالطرف ، ومنهم من يمر كشد الرِّجل ، يرمل رملاً على قدر أعمالهم ، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه، تخر يد، وتُعلَّق يد، وتخر رجل، وتُعلَّق رجل، وتصيب جوانبه النار».
والمراد والدرس المستفاد:
كلما كانت حسناتك أكثر كان مرورك أسرع، وكلما كانت أقل كان مرورك أبطأ، وصرتَ إلى الخطر أقرب، وما زال بيدك اليوم تحديد سرعة الغد، وبإمكانك تسريع نجاتك.


● أحوال الناس على الصراط.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«يوضع الصراط بين ظهراني جهنم، عليه حسك كحسك السعدان، ثم يستجيز الناس، فناج مُسلَّم، ومخدوش به ثم ناج، ومحتبس به، ومنكوس فيها».
صحيح الجامع رقم: 8189

أصناف المارين على الصراط أربعة:
الأول: ناجٍ مُسلَّم
أي من الأذى بلا خدوش، وهؤلاء هم صفوة المؤمنين.
الثاني: ناجٍ مخدوش
أي أصابه لفح جهنم أو نالته الكلاليب والخطاطيف بخدوش، قبل أن ينجو، وفي رواية: «مخدوجٌ به»، والخدْج: النقص أي يُنقَص من جسمه، بسبب ما تقتطعه منه الخطاطيف والكلاليب المأمورة به.
الثالث: محتبس به
أي يُحبس على الصراط، فيظل في رعب وخوف حتى يطلق سراحه، فيجتاز الصراط.
والرابع: الهالك في النار
وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأوصاف، منها: «منكوس فيها»، ومنها: «مكرْدَس في النار»، وقال: «مكدوسٌ في نار جهنم» أو «مكدوش».
والمنكوس هو المقلوب على رأسه، فرأسه إلى أسفل، ورجلاه إلى أعلى، ليخر بهذه الصورة إلى قعر النار.
والمكَرْدَس هو من جُمِعَت يداه ورجلاه، قبل أن يُلقَى في جهنم.
والمكدوس هو الذي تكدَّس، أي دُفِع من وراءه، فسقط في النار.
والمكدوش هو الذي يساق سوقا شديدا حتى يُكبَّ على وجهه في النار.


● الواجب العملي:
الاستقامة على الصراط المعنوي في الدنيا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام:153] ، هو شرط عبور الصراط الحسي المنصوب فوق النار في الآخرة، فالصراط الثاني يعبره الناس غدا بحسب أعمالهم وأحوالهم اليوم، وكلاهما صعب، لذا قال الإمام أبو حامد الغزالي:
«الاستقامة على الصراط في الدنيا صعب كالمرور على صراط جهنم، وكل واحد منهما أدق من الشعر، وأحدُّ من السيف»، ومما يؤيِّد صعوبة الاستقامة قول النبي صلى الله عليه وسلم : «استقيموا ولن تحصوا».
أي ولن تطيقوا أن تستقيموا حق الاستقامة، ولكن اجتهدوا في الطاعة حق الإطاعة، فما لا يدرك كله لا يُترَك كله.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 


أحداث, القيامة, يوم




عاشراً: القنطرة


في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار ، فيُقَصُّ لبعضهم مِنْ بَعْضٍ مظالم كانت بينهم في الدُّنيا، حتى هُذِّبُوا ونُقُّوا أُذِن لهم في دخول الجنة». صحيح البخاري رقم: 6535

ذكر الإمام القرطبي أن الصراط صراطان، فقال في كتابه التذكرة:
اعلم رحمك الله أن في الآخرة صراطين:
أحدهما: مجاز لأهل المحشر كلهم، ثقيلهم وخفيفهم إلا من دخل الجنة بغير حساب، أو من يلتقطه عنق النار، فإذا خلص من هذا الصراط الأكبر الذي ذكرناه -ولا يخلص منه إلا المؤمنون الذين علم الله منهم أن القصاص لا يستنفد حسناتهم- حبسوا على صراط آخر خاص لهم، ولا يرجع إلى النار من هؤلاء أحد إن شاء الله؛ لأنهم قد عبروا الصراط الأول المضروب على متن جهنم الذي يسقط فيها من أوبقه ذنبه، وأربى على الحسنات بالقصاص جرمه».

ومعنى كلام الإمام القرطبي أن الكل سيمر على الصراط، فلا يخلص من الصراط بسلام إلا المؤمنون الذين علم الله أن القصاص لا يستنفد حسناتهم، فإذا مروا على الصراط حُبِسوا بعده على القنطرة، حيث يُقتَصُّ للمظلوم من الظالم.
ولا يرجع أحد من القنطرة إلى النار ، فكل من عبَر الصراط المضروب فوق جهنم نجا، ويسقط على الصراط في النار من أثقلته ذنوبه ومظالم العباد، وعلِم الله أنَّ القصاص سيستنفد حسناته حتى ترجح كفة سيئاته، لذا يهوي به في جهنم.
وصدق أحمد بن حرب حين قال:
«يخرج من الدنيا أقوام أغنياء من كثرة الحسنات، فيأتون يوم القيامة مفاليس من أجل تبِعات الناس».

القصاص للبهائم فكيف بالبشر؟!
أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال:
«لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقادَ للشاة الجلحاء من الشاة القرناء». صحيح مسلم رقم: 2582
والشاة الجلحاء هي الجمّاء التي لا قرن لها، فهذه يقتص الله لها من الشاة التي نطحتها، فكيف لا يقتص الله للمضروب ظلما من عباده، أو للمقتول ظلما من أوليائه؟!
وقد علَّم النبي ﷺ الصحابة حتمية هذا القصاص بصورة عملية من خلال تعليقه على مواقف حياتية يومية يتعرضون لها، لم تلفت نظر أحد، لكن رسول الله ﷺ استخلص منها الدروس والعِبَر، ثم أهداها لنا، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ رأى شاتين تنتطحان، فقال:
«يا أبا ذر .. هل تدري فيم تنتطحان؟».
قال: لا. قال:
«لكن الله يدري، وسيقضي بينهما».
رواه أحمد رقم: 21438 وإسناده حسن

وعجيبٌ حال اليوم من يظلمون، ثم إلى رحلات الحج والعمرة يتسابقون، وعلى الصلوات والصدقات يحرصون! وكأنهم ببعض الكتاب يؤمنون وببعضه يكفرون، وتغافلوا عن أن الله قد يغفر ما كان من حقه، لكن لا يتسامح في حقوق عباده وهم يُظلَمون، فقال رسول الله ﷺ:
«الظلم ثلاثة فظلم لا يغفره الله، وظلم يغفره، وظلم لا يتركه.
فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك. قال الله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
وأما الظلم الذي يغفره فظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم.
وأما الظلم الذي لا يتركه الله، فظلم العباد بعضهم بعضا حتى يدبر لبعضهم من بعض» .
صحيح الجامع رقم: 3961 والصحيحة رقم: 1927

● واجبك إن كنت ظالما؟!
أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«من كانت له مظلمة لأخيه من عِرْضه أو شيء، فليتحلل منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخِذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أُخِذ من سيئات صاحبه فحُمِل عليه». صحيح البخاري رقم: 2449
أي فليبادر إلى استرضاء من ظلمه، ويسأله أن يجعله في حلٍّ، قبل أن لا يكون دينارٌ ولا درهم، وتكون إعادة الحقوق بالحسنات والسيئات، فإن لم يتمكن من تحلله مما أصاب من عِرْضه بغيبة وغيرها، فليدْعُ له وليستغفر له.
وأعدل خلق الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي حكم على نفسه قبل أن يحكم عليه غيره، وأنصف الناس من نفسه، فكان في آخر أيام حياته يقول للناس:
«اللهم إنما أنا بشر، فأيما رجل من المسلمين سببته، أو لعنته، أو جلدته، فاجعلها له زكاة ورحمة».
صحيح مسلم رقم: 2601
وقد أجاب العلماء عن سؤال: كيف يسب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أو يلعنهم، فقالوا:
المراد بذلك من استحق منهم السب واللعن بظاهر الأمر، لكنه لم يكن أهلا لذلك في الباطن، والرسول صلى الله عليه وسلم مأمورٌ بالحكم بالظاهر، أو أن ما وقع من سبِّه ودعائه عليهم ليس بمقصود، بل مما جرت به عادة العرب في كلامهم بغير نية.

● القصاص من صاحب الدَّيْن
بل حتى الذي مات وعليه دَيْن، يأخذ أصحاب الأموال من حسناته بمقدار ما لهم عنده، ففي سنن ابن ماجه بإسنادٍ صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«من مات وعليه دينارٌ أو درهم قُضِي من حسناته، ليس ثَمَّ دينارٌ ولا درهم».
صحيح الجامع رقم: 6546

خالد ابو شادي

أحداث, القيامة, يوم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×