اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

تأمل في خاتمة سورة الجمعة

المشاركات التي تم ترشيحها

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الصادق الأمين محمدٍ وعلى آل وصحبه أجمعين، أما بعد:
ففي قول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [الجمعة: 11] إشارةٌ إلى ذمِّ المُعرِضِ عن ذِكرِ اللهِ تعالى وعن الشريعةِ وطلبِ العلمِ، وذمِّ تقديمِ كسبِ المالِ على كسبِ العلمِ والدِّين، وتفضيلِ اللهوِ على استماعِ الموعظةِ، والعاجِلِ الذي يُرى مِن مَتاعِ الدنيا على موعوِدِ اللهِ الآجِلِ في الآخِرِة، وهذه عادةُ الإنسانِ الجَهُولِ يُؤثِرُ الدنيا على الآخرة: ﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ﴾ [القيامة: 20، 21]، ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 16، 17].
 
وفيها أن الأرزاق بِيَدِ اللهِ تعالى، وأن اللهَ عز وجل هو المعطي المانِعُ، فمَن تركَ الواجبَ عليه في الدِّين والعبادة، لِأجلِ التَّكَثُّرِ مِن الدنيا والاستزادة، فإن اللهَ تعالى قادِرٌ على سَلْبِه مالَه، وإلباسِه الفقرَ بعدَ الغِنى، وقادرٌ على محْقِ بَرَكةِ هذا المال الذي اكتسبه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].
 
وأما مَن أخلَصَ نفْسَه لله، وأدَّى حقوقَ اللهِ عليه، وأقبلَ على ذِكرِ اللهِ وعلى العلمِ، ولَم يُفَضِّلِ الدنيا على ذِكرِ اللهِ، ولم تَصُدَّه التجارةُ والمُلْهِياتُ عن تحصيلِ الواجباتِ - فإن الله تعالى قادِرٌ على تكثيرِ مالِه وإربائه، وعلى إحلالِ البرَكَةِ فيه وإنْ كان قليلًا: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 18 - 21].
 
وجاء من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ»؛ أخرجه أحمد وابن ماجه والدارمي، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.
 
وجاء بإسناد ضعيف عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ»؛ أخرجه الترمذي في جامعه.
 
قال ابن عاشور رحمه الله في تفسيره: "وأمر اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يعظَهم بأن ما عند الله من الثواب على حضور الجمعة، خيرٌ من فائدة التجارة ولذة اللهو، وكذلك ما أعد الله من الرزق للذين يؤثرون طاعةَ الله على ما يشغل عنها من وسائل الارتزاق جزاءً لهم على إيثارهم، جزاءً في الدنيا قبلَ جزاءِ الآخرة، فرُبَّ رزقٍ لم ينتفع به الحريصُ عليه وإن كان كثيرًا، ورب رزق قليل ينتفع به صاحبه ويعود عليه بصلاحٍ؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].
 
وقال حكايةً عن خطابِ نوحٍ قومَه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10، 12]؛ التحرير والتنوير: 28 / 229-230.
 
ولَمَّا كان الإعراضُ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن الاستماعِ إليه يُشبِه حالَ المنافقين، وصفةً يتصفون بها، ناسبَ أنْ تكون سورة المنافقون تتلو هذه الآية بتفصيلِ أحوالِهم وذِكرِ إعراضِهم، ومخالفِةِ أفعالِهم أقوالَهم، كما جاء ذِكرُ إعراضِهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المنافقون: 5]، والله تعالى أعلم.

عدنان بن عيسى العمادي
شبكة الألوكه الشرعية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×