اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

علاج حر المصيبة

المشاركات التي تم ترشيحها

Image may contain: flower
 
 

الحمد لله المحمود على كل حال ، ونعوذ بالله من حال أهل النار ، الحمد لله الذي وعد على الصبر بعظيم العطاء ، وجزيل السخاء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له دائم البقاء ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله دعا إلى ربه فأنار العقول وأخرجها من الظلماء ، صلى الله عليه وعلى أصحابه مصابيح الدجى ، ونجوم الهدى ، وسلم تسليماً كثيراً . . وبعد :
فكم هي المصائب والنكبات التي تحصل للإنسان على مر الدهور ، وجريان العصور ، ابتلاءً من الله تعالى لعباده ليمحص المخلصين من المنافقين ، والصادقين من الكاذبين ، فمن الناس من إذا أصابته مصيبة ، أو نزلت به نازلة ، شكى بثه وحزنه للناس ، وتسخط على أقدار الله تعالى ، وربما دعا بدعوى الجاهلية ، فشق الجيوب ، ولطم الخدود ، ودعا بالويل والثبور ، وهذا خلاف ما أمر به الشارع الكريم حيث قال الله تعالى آمراً عباده بالصبر : " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " [ آل عمران 200 ] ، وقال تعالى : " يا أيها الذين استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين " [ البقرة 153 ] ، وجاء ذكر الأمر بالصبر في المصائب ، أحاديث صحيحة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فعَنْ أُسَامَةَ ابْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ إِحْدَى بَنَاتِهِ ، تَدْعُوهُ وَتُخْبِرُهُ أَنَّ صَبِيًّا لَهَا ، أَوِ ابْنًا لَهَا فِي الْمَوْتِ ، فَقَالَ لِلرَّسُولِ : ارْجِعْ إِلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ ، وَلَهُ مَا أَعْطَى ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى ، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ ، فَعَادَ الرَّسُولُ فَقَالَ : إِنَّهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ ابْنُ عُبَادَةَ ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنَّةٍ ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ : مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ " [ متفق عليه ] ، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ ـ وعند مسلم على ابن لها قد مات ـ فَقَالَ : " اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي " ، قَالَتْ : إِلَيْكَ عَنِّي ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي ، وَلَمْ تَعْرِفْهُ ، فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ ، فَقَالَتْ : لَمْ أَعْرِفْكَ ، فَقَالَ : " إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .

فعلينا معاشر المسلمين أن نعلم أن المؤمن يتقلب في هذه الدنيا بين خير وشر ، وضراء وسراء ، ومواجع وفواجع ، وكوارث ومصائب ، منها ما هو خفيف يمر مر السحاب ، ومنها ما هو كالجبال الراسيات ، امتحاناً من الله تعالى لعباده ، وتمحيصاً لإيمانهم ، واختباراً لصدقهم ، تصديقاً لقوله تعالى : " ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " [ العنكبوت 1-3 ] ، فالفتنة في هذه الدنيا لا بد منها لتمحيص العبد ، وله الأجر العظيم ، إذا صبر واحتسب المصيبة عند ربه ، فسوف يخلف الله له خيراً منها ، ويشهد لذلك حديث أم سلمة رضي الله عنها والذي سيأتي ، وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ ، وَلَا وَصَبٍ ـ مرض ـ وَلَا هَمٍّ ، وَلَا حُزْنٍ ، وَلَا أَذًى ، وَلَا غَمٍّ ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ " [ متفق عليه واللفظ للبخاري ] . فالفتنة والمصيبة التي تصيب العبد ما هي إلا رفعة في درجاته إذا صبر واحتسب الأجر ، لأن الدنيا مزرعة للآخرة ، وليس العكس ، فالإنسان يسعى جاهداً في هذه الدنيا ليبني الآخرة ، فالدنيا ضيقة في نظر العبد المسلم ، لأنها دار ممر ، لا دار مقر ، سرعان ما يموت ويتركها خلف ظهره ، فطوبى لمن عمل فيها خيراً ، وأُجِرَ كثيراً ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ " [ أخرجه مسلم ] ، فمن أراد الله به خيراً عرضه للفتن ، وأصابته المصائب ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ " [ أخرجه البخاري ] وفي لفظ : يُصَب منه ،
وثمة سؤال مهم لماذا تصيب المسلم الفتن والمصائب ؟
الجواب : حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة ، لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ ، فِي نَفْسِهِ ، وَوَلَدِهِ ، وَمَالِهِ ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ " [ أخرجه الترمذي وأحمد ، وقَالَ الترمذي : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] .
فالمصيبة سبب لحصد الحسنات ، وتكفير السيئات ، ولقاء الله تعالى نظيفاً طاهراً ، خالياً من الأوزار والخطايا .


ومن منطلق الشرع القويم ، والحق المبين ، أقدم للقارئ الكريم بعضاً من الأسباب التي يتسلى بها عن مصيبته ، ويعالج حرها ، ويقهر سمومها ، وتكون حافزاً للصبر على الفتنة في الدنيا :
1- فمن أعظم أسباب علاج المصائب النظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكيف صبر على أذى قومه ، وكذلك صبر الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم على تكذيب أقوامهم لهم ، قال تعالى لنبيه آمراً إياه بالصبر : " فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل " [ الأحقاف 35 ] .
2- النظر في العاقبة الحسنة لمن صبر واحتسب أجر المصيبة عند الله تعالى كما في قوله تعالى : " وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " [ البقرة ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ما من أحد تصيبه مصيبة ، فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها ، إلا أجاره الله في مصيبته ، وأخلف له خيراً منها " [ أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد ] ، وفي حديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : أَتَانِي أَبُو سَلَمَةَ يَوْمًا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا فَسُرِرْتُ بِهِ ، قَالَ : " لَا تُصِيبُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُصِيبَةٌ ، فَيَسْتَرْجِعَ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي ، وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا ، إِلَّا فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَحَفِظْتُ ذَلِكَ مِنْهُ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ اسْتَرْجَعْتُ وَقُلْتُ : اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي ، وَاخْلُفْنِي خَيْرًا مِنْهُ ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي ، قُلْتُ : مِنْ أَيْنَ لِي خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ ، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِي ، اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَا أَدْبُغُ إِهَابًا لِي ، فَغَسَلْتُ يَدَيَّ مِنَ الْقَرَظِ ، وَأَذِنْتُ لَهُ ، فَوَضَعْتُ لَهُ وِسَادَةَ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ ، فَقَعَدَ عَلَيْهَا ، فَخَطَبَنِي إِلَى نَفْسِي ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَقَالَتِهِ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا بِي أَنْ لَا تَكُونَ بِكَ الرَّغْبَةُ فِيَّ ، وَلَكِنِّي امْرَأَةٌ فِيَّ غَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ ، فَأَخَافُ أَنْ تَرَى مِنِّي شَيْئًا يُعَذِّبُنِي اللَّهُ بِهِ ، وَأَنَا امْرَأَةٌ دَخَلْتُ فِي السِّنِّ ، وَأَنَا ذَاتُ عِيَالٍ ، فَقَالَ : " أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْغَيْرَةِ فَسَوْفَ يُذْهِبُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْكِ ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ السِّنِّ فَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلُ الَّذِي أَصَابَكِ ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْعِيَالِ فَإِنَّمَا عِيَالُكِ عِيَالِي " ، قَالَتْ : فَقَدْ سَلَّمْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَقَدْ أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِأَبِي سَلَمَةَ خَيْرًا مِنْهُ ، رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " [ نفس المصدر السابق ] .

وهذه الكلمة ـ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي ، وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا ـ من أبلغ علاج المصاب وأنفعه للإنسان في عاجلته وآجلته ، فإنها تتضمن أصلين عظيمين :
أحدهما : أن العبد وأهله وماله ملك لله عز وجل حقيقة ، وقد جعله عند العبد عارية منه ، فهو كالمعير ، يأخذ متاعه من المستعير .
وليس العبد هو الذي أوجده من عدم ، حتى يكون ملكه حقيقة ، ولا هو الذي يحفظه من الآفات بعد وجوده ، ولا يبقى عليه وجوده ، فليس له تأثير ولا ملك حقيقي ، وأيضاً فإنه متصرف فيه بالأمر ، تصرف العبد المأمور والمنهي ، لا تصرف الملاك ، ولهذا لا يباح له من التصرفات فيه إلا ما وافق أمر مالكه الحقيقي .
الثاني : أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق ، ولا بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره ، ويجيء ربه كما خلقه أول مرة ، بلا أهل ولا مال ولا عشيرة ، ولكن بالحسنات والسيئات ، فإذا كانت هذه بداية العبد وما حوله ونهايته ، فكيف يفرح بموجود ، أو يأسي على مفقود ، ففكره في مبدئه ومعاده ، من أعظم علاج هذا الداء .

3- ومن علاج المصائب أن يعلم العبد علم اليقين ، أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، قال تعالى : " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور " [ الحديد ] .
4- ومن علاجها : أن ينظر إلى ما أصيب به ، فيجد ربه قد أبقى عليه مثله أو أفضل منه ، وادخر له إن صبر ورضي ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة ، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي ، فربما أصيب بعض الناس بفقد أحد أبنائه ، وهذه مصيبة ولا ريب ، لكن لو تدبر أن الله تعالى قد أبقى له بقية الأبناء لصبر وشكر الله على بقاء البقية الباقية منهم .
5- ومن علاجها : أن يطفىء نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب ، وليعلم أنه في كل واد بنو سعد ، ولينظر يمنة فهل يرى إلا محنة ، ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة ، وأنه لو فتش العالم لم ير فيهم إلا مبتلى ، إما بفوات محبوب أو حصول مكروه ، وأن شرور الدنيا أحلام نوم ، أو كظل زائل ، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً ، وإن سرت يوماً ساءت دهراً ، وإن متعت قليلاً منعت طويلاً ، وما ملأت داراً خيرة إلا ملأتها عبرة ، ولا سرته بيوم سرور ، إلا خبأت له يوم شرور ، قال ابن مسعود رضى الله عنه : لكل فرحة ترحة ، وما ملىء بيت فرحاً إلا ملىء ترحاً ، وقال ابن سرين رحمه الله : ما كان ضحك قط ، إلا كان من بعده بكاء .
6- ومن علاجها ، أن يعلم أن الجزع لا يردها ، بل يضاعفها وهو في الحقيقة من تزايد المرض .
7- ومن علاجها ، أن يعلم أن فوات ثواب الصبر والتسليم ، وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر والاسترجاع ، أعظم من المصبية في الحقيقة .

8- ومن علاجها ، أن يعلم أن الجزع يشمت عدوه ، ويسوء صديقه ، ويغضب ربه ، ويسر شيطانه ، ويحبط أجره ، ويضعف نفسه ، وإذا صبر واحتسب ، أنضى شيطانه ، ورده خاسئاً ، وأرضى ربه ، وسر صديقه ، وساء عدوه ، وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه ، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم ، لا لطم الخدود ، وشق الجيوب ، والدعاء بالويل والثبور ، والسخط على المقدور .
9- ومن علاجها ، أن يعلم أن ما يعقبه الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة ، أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه ، ويكفيه من ذلك بيت الحمد الذي يبنى له في الجنة ، على حمده لربه ، واسترجاعه ، فلينظر أي المصيبتين أعظم : مصيبة العاجلة ، أو المصيبة بفوات بيت الحمد في جنة الخلد ، وفي الترمذي عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ " ، وقال بعض السلف : لولا مصائب الدنيا ، لوردنا القيامة مفاليس .
10- ومن علاجها ، أن يروح قلبه بروح رجاء الخلف من الله ، فإنه من كل شيء عوض ، إلا الله فما منه عوض ، كما قيل :
من كل شيء إذا ضيعته عوض * وما من الله إن ضيعته عوض .

11- ومن علاجها ، أن يعلم أن حظه من المصيبة ، ما تحدثه له ، فمن رضى فله الرضى ، ومن سخط فله السخط ، قال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ " [ أخرجه الترمذ وأبو داود وابن ماجة وأحمد ، وقَالَ الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ] .
فحظ العبد من المصيبة ما أحدثته له ، فاختر خير الحظوظ أو شرها ، فإن أحدثت له سخطاً وكفراً ، كتب في ديوان الهالكين ، وإن أحدثت له جزعاً وتفريطاً في ترك واجب ، أو فعل محرم ، كتب في ديوان المفرطين ، وإن أحدثت له شكاية ، وعدم صبر ، كتب في ديوان المغبونين ، وإن أحدثت له اعتراضاً على الله ، وقدحاً في حكمته ، فقد قرع باب الزندقه أو ولجه ، وإن أحدثت له صبراً وثباتاً لله ، كتب في ديوان الصابرين ، وإن أحدثت له الرضى عن الله ، كتب في ديوان الراضين ، وإن أحدثت له الحمد والشكر ، كتب في ديوان الشاكرين ، وكان تحت لواء الحمد مع الحامدين ، وإن أحدثت له محبة واشتياقاً إلى لقاء ربه ، كتب في ديوان المحبين المخلصين .

12- ومن علاجها ، أن يعلم أنه في الجزع غايته ، فآخرة أمره إلى صبر الاضطرار ، وهو غير محمود ولا مثاب .
13- ومن علاجها ، أن المصاب بالمصيبة ، إذا رأى مصيبة غيره ربما هانت عليه مصيبته .
14- ومن علاجها ، وهو أعظم سبل علاج حر المصيبة ، التزام أمر الله تعالى ، الذي أمر عباده بالصبر على الفتن والمصائب ، ووعدهم على ذلك بعظيم الأجر .

وفي ختام هذا الموضوع ، أسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً الصبر في مواطن الفتن ، وأن يلهمنا طاعته في كل أحوالنا ، وان يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد .


كتبه
يحيى بن موسى الزهراني

إمام الجامع الكبير بتبوك
صيد الفوائد
 

Image may contain: flower

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×