اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

تفسير سورة القصص

المشاركات التي تم ترشيحها


القصص, تفسير, سورة


الآية 1: ﴿ طسم سبق الكلام على الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة، واعلم أنّ هذه الحروف تُقرأ هكذا: (طا سين ميم).

الآية 2: ﴿ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِأي: هذه هي آياتُ الكتاب المُوَضِّح لكل ما يحتاجه العباد في دُنياهم وأُخراهم.

الآية 3: ﴿ نَتْلُوا عَلَيْكَ أيها الرسول - في هذه السورة - ﴿ مِنْ نَبَإِ أي مِن خَبَر ﴿ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ أي بالصدق ﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَأي يُصَدِّقون بهذا القرآن ويعملون بهُداه.

الآية 4: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا أي تَكَبَّر وطغى ﴿ فِي الْأَرْضِ أي في أرض مصر ﴿ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا أي طوائف متفرقة، يُعادي بعضها بعضاً، وكانَ فرعون ﴿ يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ - وهُم بنو إسرائيل - إذ كان ﴿ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ الذكور (حتى لا يأتي منهم مَن يَستولي على مُلْكه)، ﴿ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ أي يَترك بناتهم أحياءً ذليلات للخِدمة والإهانة ﴿ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ الذين ارتكبوا الجرائم العظيمة، حتى ادَّعى الألوهية من دون الله تعالى.

الآية 5، والآية 6: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ أي نُنعِم ﴿ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ فنُنَجِّيهم من ذلك العذاب والأسْر ﴿ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً أي قادةً في الخير ودُعاةً إليه ﴿ وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ أي يرثون الأرض بعد هلاك فرعون وقومه، ﴿ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ أي نُهَيّئ لهم - من الأسباب الدنيوية - ما يُصبحون به متمكنينَ ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴿ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ: أي نجعل فرعون وهامان وجنودهما يرون من هذه الطائفة المُستضعَفة ما كانوا يخافونه مِن ذهاب مُلكهم على يد مولودٍ منهم (وهو موسى عليه السلام).

الآية 7، والآية 8: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أي ألْهمناها حين ولدتْ موسى ﴿ أَنْ أَرْضِعِيهِ وأنتِ مطمئنة، ﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ أن يذبحه فرعون - كما يُذَبِّح أبناء بني إسرائيل -: ﴿ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ أي ضعيه في صندوقٍ وألقيه في النيل ﴿ وَلَا تَخَافِي من فرعون وقومه أن يقتلوه، ﴿ وَلَا تَحْزَنِي على فِراقه، فـ ﴿ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فوضعته في صندوق وألقته في النيل ﴿ فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ أي عثر عليه أعوان فرعون وأخذوه ﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ أي: ليصير موسى لهم ﴿ عَدُوًّا وَحَزَنًا لأنّ إهلاكهم سيكون على يده، (واعلم أنّ اللام التي في قوله تعالى: (لِيَكُونَ لَهُمْ) تُسَمَّى لام العاقبة)، ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ أي كانوا ظالمينَ آثمين.

الآية 9: ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لفرعون: هذا الطفل ﴿ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ أي سيكون مصدر سرور لي ولك، ﴿ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أي لعلنا نستفيدُ مِن خِدمته، ﴿ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا: يعني أو نُقيمه عندنا مقام الولد (وقد قالت ذلك لأنه لم يكن لها ولد)، ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ: أي لا يُدرك فرعون وأعوانه أنّ هلاكهم سيكون على يد هذا الطفل.

الآية 10: ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ﴾ يعني أصبح قلبها خاليًا من كل شيء في الدنيا إلا مِن هَمِّ موسى وذِكره، ﴿ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أي لقد قاربت أن تُظهِر للناس أنها ألقته في النيل (وذلك من شدة الحزن عليه) ﴿ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا يعني لولا أننا ثبتناها فصبرتْ ﴿ لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي لتكون من الموقنين بوعد الله لها.

الآية 11: ﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ - حين ألقته في النيل -: ﴿ قُصِّيهِ أي تَتَبَّعي أثر الصندوق الذي فيه موسى، فسارت أخته على شاطئ النهر وهي تنظر إلى الصندوق، حتى انتهى إلى قصر فرعون ﴿ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ أي أبصرتْ موسى عن بُعْد وهو في يد الجنود ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أي لا يعرفون أنّ هذه البنت التي تنظر إليه من بعيد هي أخته.

الآية 12: ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ أي منعناه من قبول جميع المُرضِعات اللاتي أحضرهُنّ له فرعون، وذلك ﴿ مِنْ قَبْلُ أي مِن قبل أن نردَّه إلى أمه ﴿ فَقَالَتْ لهم أخته - وكانت تأتي وتقف قريباً من القصر لتتابع أخباره -: ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ أي يُحسنون تربيته وإرضاعه؟ ﴿ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ أي مُشفقون عليه، لا يَمنعون عنه ما ينفعه، فوافقوها على ذلك.

الآية 13: ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ ووَفينا إليها بالوعد ﴿ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا أي حتى تفرح بنجاته من الغرق والقتل ﴿ وَلَا تَحْزَنَ على فراقه ﴿ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ أي أكثر الناس ﴿ لَا يَعْلَمُونَ أن الله لا يخلف الميعاد.

الآية 14: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ يعني: ولمَّا وَصَلَ موسى إلى مُنتهى قوته في شبابه ﴿ وَاسْتَوَى أي كَمُلَ عقله: ﴿ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا أي عَلَّمناهُ كيف يَحكم بين الناس، وأعطيناه الحِكمة في القول والعمل، ﴿ وَعِلْمًا وهو الفِقه في دين إبراهيم عليه السلام (وهو الإسلام)، ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَيعني: وكما أعطينا موسى هذا العطاء (جزاءً له على إحسانه)، فكذلك نُعطي المحسنين عِلماً نافعاً جزاءً لهم على إحسانهم، كما قال تعالى: ﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ أي عِلماً ونوراً تُفرِّقون بهِ بين الحق والباطل والحلال والحرام.

الآية 15: ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ أي دخل موسى مدينة فرعون، (والظاهر أنه كان غائباً عن المدينة لأمرٍ اقتضى ذلك)، فدخلها ﴿ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَاأي دخلها في وقت الظهيرة (الذي كان ينام فيه الناس)، ﴿ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ: ﴿ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ: يعني أحدهما من قوم موسى (من بني إسرائيل)، والآخر (مصري) من قوم فرعون، (وقد كانَ فرعون وقومه أعداءً لبني إسرائيل، لأنهم كانوا يُذيقونهم أشد العذاب) ﴿ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ أي طلب الرجل الإسرائيلي أن ينصره موسى على القبطي ﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ أي: فضرب موسى القبطي بقبضة يده فمات، فحينئذٍ ﴿ قَالَ موسى: ﴿ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ لأنه هو الذي هيَّج غضبي، حتى ضربتُ الرجل فمات، ﴿ إِنَّهُ أي الشيطان ﴿ عَدُوٌّ لابن آدم، ﴿ مُضِلٌّ عن سبيل الرشاد، ﴿ مُبِينٌ أي عداوته واضحة للإنسان، (وقد حدث ذلك القتل الخطأ قبل أن يكون موسى عليه السلام نبياً).

الآية 16: ﴿ قَالَ موسى - داعياً ربه -: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي بقتل النفس التي حَرّمتَ قتْلها ﴿ فَاغْفِرْ لِي ذلك الذنب، ﴿ فَغَفَرَ اللهُ ﴿ لَهُ ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ لذنوب عباده التائبين، ﴿ الرَّحِيمُ بهم، فلا يُعذبهم بذنبٍ تابوا منه.

الآية 17: ﴿ قَالَ موسى: ﴿ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ أي: بسبب إنعامك عليَّ بالتوبة والهداية والعلم: ﴿ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ أي لن أكون مُعينًا لأحد على معصيته وإجرامه بعد ذلك، (ومِن ذلك أيضاً أنه سيَعتزل فرعون وملئه، لأنهم ظالمونَ مجرمون).

الآية 18: ﴿ فَأَصْبَحَ موسى ﴿ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ أي يُراقب الأخبار التي يتحدث بها الناس في أمْره وأمْر قتيله، ﴿ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ أي: فرأى صاحبه بالأمس يُقاتل قبطيًا آخر، ويَستغيثه بأعلى صوته، فـ ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى: ﴿ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ: يعني إنك ضالٌ واضح الضَلالة (لأنك قاتلتَ بالأمس، واليوم تقاتل أيضاً).

الآية 19: ﴿ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أي موسى ﴿ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا - وهو القبطي - بسبب كثرة استغاثة الإسرائيلي بموسى: ﴿ قَالَ له القبطي: ﴿ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ؟ ﴿ إِنْ تُرِيدُ أي: ما تريد ﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا أي طاغية، تضرب وتقتل كما تشاءُ ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴿ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ الذين يُصلحون بين المتخاصمين.

وقد قال بعض المُفَسِّرين: (إنّ الذي قال هذه الجملة: (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ) هو الإسرائيلي وليس القبطي، لأنه خاف مِن هجمة موسى - ظانّاً أنه يريده هو - وذلك بعد أن قال له: ﴿ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ﴾، فلمّا سمع القبطي مَقالة الإسرائيلي نَقَلها إلى القصر، لأنه كان من عُمّال القصر)، واللهُ أعلم.

الآية 20، والآية 21: ﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ أي مِن آخر المدينة ﴿ يَسْعَى أي يَمشي مُسرِعاً، فـ ﴿ قَالَ: ﴿ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ وهُم أشراف قوم فرعون ﴿ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ أي يَتشاورون في أمْرك، ويُطالب بعضهم بقتلك ﴿ فَاخْرُجْ من هذه المدينة ﴿ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴿ فَخَرَجَ موسى ﴿ مِنْهَا أي من مدينة فرعون ﴿ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ أي ينتظر أن يُدركه جنود فرعون ليأخذوه، فـ ﴿ قَالَ - داعياً ربه -: ﴿ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (وقد وَصَفهم موسى بالظلم لأنهم مُشركون، ولأنهم أرادوا قتله قِصاصاً عن قتلٍ خطأ، وهذا ظلم).

الآية 22: ﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَن يعني: ولمّا قَصَدَ موسى بلاد "مَدْيَن" وخرج مِن مُلك فرعون وسلطانه: ﴿ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ يعني: أرجو ربي أن يرشدني إلى خير طريق إلى بلاد "مَدْيَن" حتى لا أَضِلّ فأهلَك، (فاستجاب اللهُ له، وهَداه الطريق السَوِيّ، الذي أوصله إلى بلاد مَدْيَن سالماً).

الآية 23، والآية 24: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ أي عندما وَصَلَ ﴿ مَاءَ مَدْيَن - وهي بئرٍ يَسقي منها أهل مَدْيَن -﴿ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً أي جماعة ﴿ مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ بهائمهم، ﴿ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ أي وجد امرأتين - منفردتين عن الناس - ﴿ تَذُودَانِ أي تمنعان غنمهما عن الماء لعَجزهما عن مزاحمة الرجال، فلمّا رآهما موسى عليه السلام رَقَّ لهما، و﴿ قَالَ: ﴿ مَا خَطْبُكُمَا يعني: ما شأنكما؟ ﴿ قَالَتَا: ﴿ لَا نَسْقِي مَواشينا ﴿ حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُيعني حتى يَصرف الرُعاة مَواشيَهم عن الماء، ويَبقى الماء لنا وحدنا، ﴿ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ لا يستطيع أن يَسقي ماشِيَته.

﴿ فَسَقَى لَهُمَا ماشِيَتهما، ﴿ ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ أي ذهب إلى ظل شجرة ليَستظلَّ بها ﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ: يعني إني مُحتاجٌ إلى الخير الذي اعتدتُ أن تُنزِله إليّ (والمقصود: إنني مُحتاجٌ إلى أيّ خيرٍ تسوقه إليَّ - كالطعام وغيره - وكان قد اشتد به الجوع).

الآية 25: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا أي إحدى المرأتين اللتين سقى لهما، وكانت ﴿ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ أي تسير إليه في حياء، فـ ﴿ قَالَتْ له: ﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ أي حَكى له قصصه مع فرعون وقومه: ﴿ قَالَ له أبوها: ﴿ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَإذ لا سُلطانَ لهم بأرضنا.

الآية 26: ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا لأبيها: ﴿ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ أي اجعله أجيراً عندك ليَرعى ماشيتك (بالأجرة)، فـ ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّعلى حِفظ ماشِيَتك، ﴿ الْأَمِينُ الذي لا تخافُ خيانته.
وقد قيل إنها وَصَفته بالقوة لأنه رفع صخرةً كانت على البئر - لا يرفعها إلا عدد من الناس - فرفعها موسى وحده، ووَصَفته بالأمانة لأنه كان يغض بصره عن النظر إليها.

الآية 27: ﴿ قَالَ الشيخ لموسى: ﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ أي أزوِّجك ﴿ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴿ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ: يعني على أن تكون أجيرًا لي في رَعْي ماشِيَتي ثماني سنين مقابل زواجك لها، ﴿ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ يعني: فإنْ أكملتَ عشر سنين، فهذا إحسانٌ من عندك، ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ بجَعْل الشرط عشر سنين، و﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ في حُسن الصحبة والوفاء بما قلتُ.
واعلم أنّ لفظ "الحِجَج" (المذكور في الآية) مُشتَقّ من "الحج"، لأن الحج يقع كل سنة، فأراد بالثماني حِجَج: ثماني سنوات.

الآية 28: ﴿ قَالَ له موسى: ﴿ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ يعني: ذلك الذي قلتَه قائمٌ بيني وبينك (فأنا أوفي بشرطي وأنت توفي بشرطك)، ﴿ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ يعني أيّ المدتين قضيتُها في العمل: ﴿ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ: أي لا أُطالَب بزيادة عليها، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ أي يُراقبنا سبحانه، ويَعلم ما تعاقدنا عليه، وهو خير الشاهدين، (واعلم أنّ الوكيل: هو الذي يُوَكَّل إليه الأمر، وقد أراد موسى هنا أنه وَكَّلَ إليه سبحانه الوفاء بما تعاقدا عليه، حتى إذا أخَلَّ أحدهما بشيءٍ كان اللهُ مؤاخذه).


الآية 29: ﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ يعني: فلمَّا أكمل موسى المدة المتفق عليها (وهي ثَمان أو عشر سنوات)، ﴿ وَسَارَ بِأَهْلِهِ إلى أرض "مصر" لزيارة والدته وإخوته: ﴿ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا أي رأى نارًا من جانب جبل الطور بسيناء، فـ ﴿ قَالَ لِأَهْلِهِ أي قال لزوجته - ومَن معها مِن خادم أو ولد -: ﴿ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا ﴾: أي انتظروني هنا، فقد أبصرتُ نارًا مُوقدة، وسأذهب لأراها ﴿ لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ يَدُلّنا على الطريق (وكانَ قد ضَلّ الطريق إلى مصر بسبب ظُلمة الليل)، ﴿ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ يعني أو آتيكم منها بشعلة من النار ﴿ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أي لتستدفئوا بها.

الآية 30، والآية 31، والآية 32: ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يعني: فلمّا وَصَلَ موسى إلى تلك النار، ناداه اللهُ تعالى ﴿ مِنْ شَاطِئِ أي مِن جانب ﴿ الْوَادِ الْأَيْمَنِ أي الوادي الذي عن يمين موسى ﴿ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ أي في قطعة الأرض المباركة (وهي الوادي المقدس "طُوَى")، ﴿ مِنَ الشَّجَرَةِ أي من ناحية الشجرة (وقد كانت الشجرة الوحيدة في هذا المكان)، فناداه سبحانه ﴿ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴿ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ يعني: وأمَرَه اللهُ أن يُلقِ عصاه، فألقاها موسى على الأرض، ﴿ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ يعني: فلمّا رأى عصاه تتحرك في خِفّة كما تتحرك الحية السريعة المعروفة بالـ (جانّ): ﴿ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ أي فَرّ هاربًا ولم يَرجع إليها، فطمأنه اللهُ بقوله: ﴿ يَا مُوسَى أَقْبِلْ على العصا ﴿ وَلَا تَخَفْ من الحية ولا من غيرها، فـ ﴿ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ من كل مكروه، ﴿ اسْلُكْ يعني أدخِل يا موسى ﴿ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ثم أخرِجها: ﴿ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ - رغم اسمرار لون جسمك - ﴿ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أي من غير بَرَص ﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ: أي اضمم إليك يدك - بأن تضعها على صدرك - ليذهب خوفك من الحية، وتعود يدك عادية لا نور فيها، ﴿ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ يعني: فهاتان المعجزتان: (تحوُّل العصا إلى حية، وجَعْلِ يدك بيضاء تلمع من غير بَرَص)، هُما آيتان ﴿ مِنْ رَبِّكَ تَدُلاّن على صِدق رسالتك ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ أي كانوا قومًا خارجينَ عن أمْر الله، كافرينَ به.

الآية 33، والآية 34: ﴿ قَالَ موسى: ﴿ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا - وهو القبطي الذي قتلته خطأً - ﴿ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا يعني أفصح مِنّي نُطقًا، (وقد قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: كانَ في لسانه عُقدة - يعني صعوبة في النطق - تمنعه من كثير من الكلام)، ﴿ فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ أي اجعل هارون رسولاً مِثلي، ليكونَ ﴿ رِدْءًا أي عونًا لي على تبليغ الرسالة ﴿ يُصَدِّقُنِي أي يوَضِّح لهم ما أخاطبهم به، فيكون ذلك تصديقاً منه لي، ﴿ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ إن لم يُعينني أخي هارون.

الآية 35: ﴿ قَالَ اللهُ لموسى: ﴿ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ أي سنقوِّيك بأخيك هارون، ﴿ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا أي حُجّة قوية على فرعون وقومه ﴿ فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بسوء (بسبب رهبتهم من قوة الآيات)، ﴿ بِآَيَاتِنَا أي: بسبب آياتنا، سوف تكونان ﴿ أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ أي المنتصرون على فرعون وقومه بقوة الحُجّة.

الآية 36: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ أي واضحات، تشهد لهم بصِدق ما جاء به موسى مِن عند ربه: ﴿ قَالُوا لموسى: ﴿ مَا هَذَا - الذي جئتنا به - ﴿ إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى أي سِحراً افتريتَه كذبًا وباطلاً ﴿ وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ: أي لم نَسمع قبل ذلك كلاماً مِثل الذي تدعونا إليه، ولم يَقُل به أحدٌ من أجدادنا السابقين.

الآية 37: ﴿ وَقَالَ مُوسَى لفرعون: ﴿ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ يعني: ربي أعلم بمَن على الحق مِنَّا (وهو الذي جاء بالآيات الواضحة من عند ربه)، ﴿ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ أي: ويعلم سبحانه مَن الذي ستكون له العاقبة الحسنة في الدار الآخرة، ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ يعني: إنه لا يفوز برضوان اللهِ وجَنَّتِه مَن تجاوز حَدَّهُ، فأشركَ مع اللهِ غيره.

الآية 38: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ لأشراف قومه: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي، ﴿ فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ يعني أشْعِل نارًا على الطين حتى يصبح صلباً متماسكاً ﴿ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا أي ابْنِ لي بناء عاليًا ﴿ لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى يعني: لعلي أقف عليه وأنظر إلى معبود موسى الذي يدعونا إلى عبادته ﴿ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ أي أظن أنّ موسى ﴿ مِنَ الْكَاذِبِينَ، (واعلم أنّ هامان هو أحد وزراء فرعون، وقيل إنه رئيس وزرائه، واللهُ أعلم).

الآية 39، والآية 40: ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِأي تعاظموا في الأرض التى خلقناها لهم، وتكبروا عن تصديق موسى واتِّباعه ﴿ بِغَيْرِ الْحَقِّ إذ لا حقّ لهم في ذلك الاستكبار (لأنّ أدلة موسى واضحة)، ﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ بعد مَوتهم، ﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ أي ألقيناهم جميعًا في البحر وأغرقناهم، ﴿ فَانْظُرْ أيها الرسول ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ أي: كيف كان مصير هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بربهم؟

الآية 41، والآية 42: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ أي جعلنا فرعون وقومه قادةً إلى النار (إذ يَقتدي بهم أهل الباطل في الكفر والمعاصي المُوجِبة لدخول النار) ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ أي لا يَنصرهم أحد من عذاب ربهم (بسبب كفرهم وتكذيبهم لرسولهم) ﴿ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً أي طرداً من رحمتنا (انتهت بِهِم إلى الغرق والخسران)، وأخبارهم القبيحة قد وصلتْ إلى كل جِيل، فيَلعنهمالمؤمنون ويَذمُّونهم، ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ الذين تُستقذَر أفعالهم، المطرودينَ من رحمة ربهم.

الآية 43: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ - وهو التوراة - ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى أي مِن بعد ما أهلكنا فرعون وقومه والأمم التي قبلهم - كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب "مَدْيَن" -، إذ لم يَنزل عذابٌ بأمةٍ بأكملها بعد نزول التوراة، وقد كانت التوراة ﴿ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ أي يُبصِر بها بنو إسرائيل ما ينفعهم وما يضرهم، ﴿ وَهُدًى أي إرشاداً لهم إلى الحق ﴿ وَرَحْمَةً لمن عَمِلَ بها منهم ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي ليتذكروا نِعَم الله عليهم، فيشكروه بالإيمان به وبرُسُله، وبطاعته وطاعة رُسُله.

الآية 44، والآية 45: ﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ أي: ما كنتَ أيها الرسول بجانب الجبل - الذي غَرْب موسى - عندما وقف عند النار ﴿ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ أي حين كلَّفناه بتبليغ الرسالة إلى فرعون وقومه، ﴿ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ أي لم تحضر شيئاً من ذلك حتى تعلمه وتُخبِر الناس به ﴿ وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا أي أممًا بعد موسى وعيسى ﴿ فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أي مكثوا زمنًا طويلاً فنسوا عهد ربهم وتركوا أوامره، فلذلك بعثناك للناس رسولاً، وأوحينا إليك خبر موسى وغيره لتُذَكِّرهم به، وتُخَوِّفهم من عذاب ربهم إن لم يؤمنوا، ﴿ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا أي مُقيمًا ﴿ فِي أَهْلِ مَدْيَن حتى تعرف قصة موسي والشيخ الكبير وتخبر بها، ولكنك ﴿ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا أي تخبر أهل مكة بهذه القصة عن طريق الوحى، ﴿ وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ حيثُ جعلناك رسولاً، وأوحينا إليك أخبارهم، لتكون شاهدة على صِدق رسالتك.

الآية 46: ﴿ وَمَا كُنْتَ أيها الرسول ﴿ بِجَانِبِ جبل ﴿ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا أي حين نادينا موسى، حتى تخبر الناس بذلك الأمر ﴿ وَلَكِنْ إرسالك للناس كانَ ﴿ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴿ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ (والمقصود بهم أهل مكة ومَن جاء بعدهم) ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي ليَتعظوا بالقرآن فيؤمنوا به ويهتدوا، ليَنجوا به ويَسعدوا.

الآية 47، والآية 48: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ يعني: وإذا نزل بهؤلاء الكفار عذابٌ - قبل بِعثتك إليهم - بسبب شِركهم ومعاصيهم﴿ فَيَقُولُوا أي فسوف يقولون عندئذٍ: ﴿ رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا يعني: هَلاّ أرسلتَ إلينا رسولاً قبل هذا العذاب الذي أصابنا ﴿ فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ المُنزَّلة في كتابك، ﴿ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، (فلولا قولهم هذا لَعاجلناهم بالعذاب وما أرسلناك إليهم رسولاً، إذاً فما لهم لا يؤمنون ويشكرون؟!).
♦ واعلم أنّ حرف (لولا) المذكور في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ يُسَمّى (حرف امتناع)، أي امتنع إنزال العذاب بهم لأنهم سيقولون: ﴿رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا، وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا.
﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا - وهو محمد صلى الله عليه وسلم وما معه من القرآن - ﴿ قَالُوا: ﴿ لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى يعني: هَلاّ أعطاه الله مِثل ما أعطى موسى من المعجزات الحِسِّيّة، والتوراة التي نزلتْ دُفعة واحدة، فرَدّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ حينَ ﴿ قَالُوا عن التوراة والقرآن: ﴿ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا: يعني إنهما سِحران تعاوَنا في سِحرهما، ﴿ وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ منهما ﴿ كَافِرُونَ (فكيف إذاً يُطالبونك بذلك؟!).

الآية 49: ﴿ قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أي أكثر هداية من التوراة والقرآن حتى ﴿ أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ في زَعْمكم.

الآية 50: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ في الإتيان بهذا الكتاب الذي طلبتَهُ منهم، ولم تَبقَ لهم حُجّة: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ يعني: ومَن أشدّ ضلالاً ﴿ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ يعني بغير وحي أو عقل أو كتاب منير ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي لا يوفِّقهم لإصابة الحق.

الآية 51: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ ﴾ أي فصَّلنا القرآن لقومك أيها الرسول، وبَيَّنّا فيه الأدلة والحُجَج، وواصَلنا نزوله شيئاً فشيئاً بحسب الحاجة إليه ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ أي ليَتعظوا به فيؤمنوا (فيَنجوا من العذاب ويَدخلوا الجنة).
♦ ويُحتمَل أن يكون معنى قوله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ) أي وَصَّّلنا لهم القول بأخبار الأولين، وما نزل بهم من عذاب الله لمّا كَذّبوا رُسُله وأنكروا توحيده، (لأن الآيات السابقة كانت تتحدث عن إهلاك فرعون وقومه لمّا كَذّبوا موسى)، واللهُ أعلم.

الآية 52، والآية 53، والآية 54، والآية 55: ﴿ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ﴾ يعني: الذين أعطيناهم التوراة والإنجيل (وهم اليهود والنصارى الذين لم يُبَدِّلوا، ولم يُحَرّفوا كتابهم) ﴿ مِنْ قَبْلِهِ ﴾ أي مِن قبل القرآن ﴿ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي يؤمنون بالقرآن وبمحمد عليه الصلاة والسلام، ﴿ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾ هذا القرآن ﴿ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ ﴾ ﴿ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا ﴾ ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ﴾ أي كنا قبل نزوله مسلمين مُوَحّدين، نعبد الله بما شَرَعَ على لسان موسى وعيسى عليهما السلام (إذ دين الله واحد، وهو الإسلام)، ﴿ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ ﴾ أي يُعطيهم الله ثواب عملهم مرتين: (مرة على الإيمان بكتابهم، ومرة على إيمانهم بالقرآن)، وذلك ﴿ بِمَا صَبَرُوا ﴾أي بسبب صَبْرهم على الإيمان بالقرآن، إذ لم يُزَعزعهم عن ذلك رئاسة ولا دنيا (كما حدث مع غيرهم).

ثم ذَكَرَ سبحانه بعض صفات هؤلاء المؤمنين بقوله: ﴿ وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ﴾ أي يَدفعون السيئةَ بالحسنة فتمحوها (والمعنى أنهم يَتوبون من المعاصي، ويَجتهدون في فِعل الطاعات، حتى يَمحو الله بها السيئات، وكذلك يكونون حَلِيمينَ على الجُهَلاء، صابرينَ على مَن يؤذونهم، فيُقابلون إساءتهم بالقول الطيب)، ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ أي يُخرِجون صَدَقة أموالهم الواجبة والمُستحَبة، (وكذلك يُنفقون مِمَّا رزقهم اللهُ مِن عِلمٍ أو صِحَّةٍ أو سُلطة في خدمة المسلمين، فيُعَلِّمونَ الناس، ويَسعونَ في قضاء حوائجهم)، ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ ﴾ يعني إذا سمعوا الباطل من القول: ﴿ أَعْرَضُوا عَنْهُ ﴾ ﴿ وَقَالُوا ﴾ لأهل الباطل: ﴿ لَنَا أَعْمَالُنَا ﴾ أي لنا ثوابها، فلا نتركها أبداً، ﴿ وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ وإثمها عليكم، ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ﴾ فنحن لا نُشغِل أنفسنا بالرد عليكم، ولا تسمعون منَّا إلا الخير، ولا نخاطبكم بمِثل جهلكم; لأننا ﴿ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾ أي لا نريد صُحبة الجاهلين ولا نحب طريقهم، (وفي هذا إرشادٌ إلى حُسن الرد على الجهلاء من أهل الباطل).

الآية 56: ﴿ إِنَّكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ (والمقصود بهذه الهداية: هداية التوفيق)، وإنما عليك فقط بيان الطريق المستقيم، كما قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (أي هِداية الإرشاد والبيان) ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾لأنه سبحانه الأعلم بخلقه، ولهذا قال: ﴿ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ أي الذين يستحقون الهداية، ويطلبونها من ربهم بصدق فيهديهم.

الآية 57: ﴿ وَقَالُوا ﴾ أي قال كفار "مكة" للرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ ﴾ يعني إن نتَّبع الحق الذي جئتَنا به، ونتبرأ من الأصنام: ﴿ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾ أي بالقتل والأسْر والسرقة، وتتجرأ علينا قبائل العرب، (وقد كان هذا اعتذارٌ اعتذر به بعض رجال قريش فقالوا - ما مختصره -: (نحن نعرف أن ما جئتَ به حق، ولكننا نخشى إن آمنا بك واتّبعناك أن يتجرأ علينا العرب ويتخطفوننا كما هو حاصلٌ لغيرنا، وبذلك تسُوء أحوالنا).
فرَدَّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا: يعني ألم نجعلهم متمكنين في بلدٍ آمِن (حَرَّمنا على الناس سفك الدماء فيه والصيد والسرقة)، و ﴿ يُجْبَى إِلَيْهِ ﴾ أي يُحمَل إليه ﴿ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ مِن مختلف البلاد في موسم الحج، وأثناء رِحلتَي قريش إلى الشام واليمن، وقد كان ذلك ﴿ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا ﴾ أي مِن عندنا، (أليس هذا كافياً في أن يعلموا أن الذي جعل لهم حرماً آمناً قادرٌ على أن يُؤَمِّنهم إذا أسلموا؟!) ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أي لا يعلمون قَدْر هذه النعم، فيشكروا اللهَ عليها بتوحيده وطاعته.

الآية 58: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ ﴾ يعني: وكثير من القرى المُكَذِّبة أهلكناها حين ﴿ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ﴾ أي حين أَلْهَتهم مَعيشتهم عن الإيمان بالرُسُل، فلم يشكروا ربهم، بل كفروا وطَغَوا في المعاصي فأهلكناهم، ﴿ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ ﴾ خالية - كديار عاد وثمود وقوم لوط - ﴿ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ (كالمسافرين الذين ينزلون بها ساعةً ثم يغادرونها)، ﴿ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ أي الوارثين لهذه الديار، فلم نُورثها أحداً بعدهم، وتركناها خالية لم تُسكَن، (ألاَ يَذكر كفار قريش هذا، فيَعلموا قدرتنا، ويَتّقوا عذابنا، ويستقيموا على منهج الحق الذي جاءهم؟).

الآية 59: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى ﴾ - أي القرى الظالمة المُشرِكة - ﴿ حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا ﴾ - أي في أعظم مُدُنها (وهي العاصمة) - ﴿ رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا ﴾ ويُعَلّمهم، ﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ أي ظالمونَ لأنفسهم بالكفر والمعاصي.

الآية 60: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ - من الأموال والأولاد وغير ذلك - ﴿ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا: يعني فإنما هو متاعٌ تتمتعون به في هذه الحياة الدنيا، وزينةٌ تتزينون بها ثم تزول سريعاً، أو تموتون عنها وتتركونها لغيركم، ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ أي: ما أعَدَّه اللهُ لأهل طاعته من النعيم، هو ﴿ خَيْرٌ ﴾ مِن مُتَع الدنيا الفانية التي تصحبها المُنَغِّصات ﴿ وَأَبْقَى ﴾ منها، حيثُ لا انقطاعَ لها ولا مُنَغِّصات، ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ أيها المُغترون بزينة الدنيا، فتقدِّموا ما يَبقى على ما يَفنى؟!
وفي هذا تذكيرٌ لقريش التي فَضَّلتْ الدنيا على الآخرة، فرفضت الدخول في الإسلام خوفاً من أن يُؤَثِّر ذلك على حياتها الاقتصادية والأمنية كما زعمتْ.

الآية 61: ﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ ﴾ على طاعته ﴿ وَعْدًا حَسَنًا ﴾ - وهو الجنة - ﴿ فَهُوَ لَاقِيهِ ﴾ يوم القيامة، فهل يتساوى هذا ﴿ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ (ففَضَّل لذة عاجلة على لذة دائمة) ﴿ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ أي من المُحضَرين للعذاب؟ لا يستويان أبداً، إذاً فليَختر العاقل لنفسه ما هو أوْلى بالاختيار.

الآية 62، والآية 63: ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ سبحانه - يوم القيامة - ﴿ فَيَقُولُ ﴾ لهم: ﴿ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ أي الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لي فعبدتموهم معي؟!، فحينئذٍ تبَيَّنَ لهم أنّ ما عبدوه كان باطلاً، وأَقَرّوا على أنفسهم بالضلال، فـ ﴿ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ﴾ أي قال الذين وَجَبَ عليهم العذاب - وهم الشياطين ورؤساء الضلال - مُتبرئينَ مِمّن عَبَدوهم: ﴿ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ ﴾ - وأشاروا إلى أتْباعهم - هم ﴿ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا ﴾ أي الذين أضللناهم،وقد ﴿ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ﴾ يعني دعوناهم إلى الضَلالة التى كنا عليها فأطاعونا، ولم نُكْرِههم على ذلك، ﴿ تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ ﴾ مِن أن نكون قد أجبرناهم على الضلالة، وتبرَّأنا مِن أن نكون نحن الشركاء المزعومين، وإنما كنا مُضِلِّين فقط، ﴿ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ﴾ (بل كانوا يعبدون أهوائهم وشهواتهم) (إذ لا يقدر أحد من الإنس أو الجن في هذا الموقف أن يقول: (إنّ هذا كان يعبدني)).

الآية 64: ﴿ وَقِيلَ ﴾ للمشركين يوم القيامة: ﴿ ادْعُوا ﴾ أي نادوا ﴿ شُرَكَاءَكُمْ ﴾ الذين كنتم تعبدونهم من دون الله، ليُخَلِّصوكم مما أنتم فيه ﴿ فَدَعَوْهُمْ ﴾ أي نادوهم بالفعل ﴿ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ﴾ لأنّ كل معبود قد تبَرّأ مِمّن عَبَده، ﴿ وَرَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ فاشتدت حسرتهم، ﴿ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ﴾ يعني: (لو أنهم كانوا مهتدينَ إلى الحق في الدنيا، لَمَا عُذِّبوا في الآخرة).

الآية 65، والآية 66: ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ سبحانه ﴿ فَيَقُولُ ﴾ لهم: ﴿ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ﴾؟ هل آمَنتم بهم واتَّبعتموهم أم كَذَّبتموهم وحاربتموهم؟، ﴿ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ: أي خَفِيَتْ عليهم الحُجَج التي يُمكِنهم أن يَحتجُّوا بها ﴿ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ أي لا يسأل بعضهم بعضًا عن إجابةٍ يُجيبون بها على سؤال ربهم.

الآية 67: ﴿ فَأَمَّا مَنْ تَابَ ﴾ مِن شِركه وذنبه، ﴿ وَآَمَنَ ﴾ بالله ورسوله والدار الآخرة، ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ فأخلص العبادة لله وحده، وعمل بما أمَرَ الله ورسوله: ﴿ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ﴾ أي الفائزين بجنات النعيم (فهل من تائب؟)، (واعلم أنّ كلمة (عسى) وكلمة (لَعَلّ) إذا جاءت من اللهِ تعالى، فإنها تفيد الوجوب وتأكيد الوقوع).

الآية 68: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ﴾ ﴿ وَيَخْتَارُ ﴾ أي يَختار مَن يشاء مِن خَلقه لرسالته، ﴿ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ أي ليس لأحد منهم الاختيار، لأنهم لم يخلقوا شيئاً، ولأنه سبحانه هو الأعلم بمَن يَستحق الاختيار، ﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ (وفي الآية رَدٌّ على المشركين الذين اعترضوا على اختيار الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مِن بينهم).

الآية 69: ﴿ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ﴾ أي يعلم سبحانه ما تخفيه صدور خلقه من النيات والخواطر، ﴿ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ أي: ويعلم سبحانه ما يُظهرونه من الأقوال والأفعال، وسيُجازيهم عليها.

الآية 70: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي الذي لا معبود بحقٍ إلا هو، ﴿ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ: أي له سبحانه الشكر والثناء الجميل في الدنيا (على نعمه الظاهرة والباطنة)، وفي الآخرة (على إدخاله المؤمنين جنته)، إذ يَحمده أهل الجنة بقولهم: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾، وبقولهم: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾، ﴿ وَلَهُ ﴾ سبحانه ﴿ الْحُكْمُ ﴾ أي القضاء العادل بين عباده في الدنيا والآخرة، ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ بعد موتكم للحساب والجزاء.

الآية 71: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول للناس -: ﴿ أَرَأَيْتُمْ ﴾ يعني أخبروني ﴿ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا ﴾ أي دائمًا ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ ﴿ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ ﴾ تستضيئون به لطلب رزقكم؟! لا أحد ٌغير الله تعالى، (إذاً فكيف تشركون به؟!) ﴿ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ﴾ يعني ألاَ تسمعون القرآن سماع تدبر وانتفاع؟!

الآية 72: ﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا ﴾ أي دائمًا ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ ﴿ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ﴾ أي تستقرون فيه وتنامون؟! لا أحدٌ غير الله تعالى، (إذاً فكيف تشركون به؟!)، ﴿ أَفَلَا تُبْصِرُونَ: يعني ألاَ ترون هذه الآيات، وما تحمله من دلالات، على أنه لا معبودَ بحقٍ إلا رب السماوات؟!، (وفي الآيات إشارة علمية إلى أن السماع يكون مع السكون وقلة الضجيج، وأن الإبصار يكون مع الضوء، ولا يتم أبداً مع الظلام).

الآية 73: ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ ﴾ بكم - أيها الناس - أن ﴿ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ أي جعلهما يَخلف أحدهما الآخر لمصالحكم ومنافعكم، فجعل ظلام الليل ﴿ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ﴾ وترتاح أجسادكم من التعب في طلب الرزق بالنهار، ﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ﴾ أي: وجعل لكم ضياء النهار لتطلبوا فيه معايشكم، ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ أي لتشكروه سبحانه على هذه النعم (بالاجتهاد في طاعته ليلاً ونهاراً).

الآية 74، والآية 75: ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ سبحانه - يوم القيامة - ﴿ فَيَقُولُ ﴾ لهم: ﴿ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ أي الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لي، فعبدتموهم معي؟!، (واعلم أنّ الله تعالى قد أعاد ذِكر هذا الموقف، ليَذكر فيه حالاً لم تُذكَر في الآيات السابقة، وهي: (إشهاد الأنبياء على أُمَمهم)، كما قال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا ﴾ أي أخرَجنا ﴿ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ ﴾ من الأمم المكذبة ﴿ شَهِيدًا ﴾ - وهو نَبِيُّهم - ليَشهد عليهم، ﴿ فَقُلْنَا ﴾ لهم: ﴿ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾ على صحة ما أشركتم به في عبادة ربكم؟، ﴿ فَعَلِمُوا ﴾ حينئذٍ ﴿ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ ﴾ أي تبَيَّنَ لهم أن العبادة الحق لله وحده، وأنه سبحانه له الحُجّة البالغة عليهم، ﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ أي ذهب وغاب عنهم ما كانوا يَزعمونه كَذِباً مِن شفاعة آلِهَتهم لهم عند ربهم.

 

 

الآية 76، والآية 77: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ﴾ أي ظَلَمهم وتَكَبَّر عليهم، (ويبدو أنّ فرعون كانَ قد أسند إليه إمارة على بني إسرائيل فأطغته عليهم)، ﴿ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ ﴾ شيئًا عظيمًا، ﴿ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ ﴾ يعني: حتى إنَّ مفاتحه ﴿ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ﴾ أي يَثقل حملها على العدد الكثير من الأقوياء، ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ ﴾ أي قال له بعض قومه من بني إسرائيل - وهم يَعِظونه -: ﴿ لَا تَفْرَحْ ﴾ مُتكَبّراً بما أنت فيه من المال ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ أي لا يحب المتكبرينَ مِن خلقه، الذين لا يشكرونه على نعمه، ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ ﴾: أي اطلب ثواب الدار الآخرة بما أعطاك الله من المال (وذلك باستخدامه في طاعة الله، وأن تعمل فيه بما ينجيك من عقابه) ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾: أي لا تترك حظك من الدنيا (بأن تتمتع فيها بالحلال الطيب دونَ إسراف)، ﴿ وَأَحْسِنْ ﴾ إلى الناس بالصدقة ﴿ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ بهذه الأموال الكثيرة، ﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴾ أي لا تكن هِمَّتُك أن تُفسد في الأرض (باستخدام هذه النعم في المعاصي والإساءة إلى الخَلق) ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.


الآية 78: ﴿ قَالَ ﴾ قارون للذين وعظوه: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾: يعني إنما أُعطيتُ هذه الكنوز بما عندي من العلم والقدرة، (أو لعل المقصود: على عِلمٍ عندي بأن الله يعلم أني أستحق ذلك فأعطانيه)، فرَدّ الله على ذلك الادِّعاء بقوله: ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ ﴾ أي من الأمم ﴿ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ﴾ للأموال؟!، فما المانع من إهلاك قارون كما أهلكناهم؟!، (ولو كان كثرة المال دليلاً على حب الله لأصحابه ورِضاهُ عنهم، ما أهلك عاداً وثمود وغيرهم، وقد كانوا أشد منه قوة وأكثر مالاً ورجالاً)، ﴿ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ (والمعنى أن العبد إذا أكثر من الإجرام بالشرك والكبائر: وَجَبَ عليه العذاب، فلا يُسأل عن ذنوبه سؤال حساب، وإنما يُسْألُ عنها سؤال توبيخ وتقرير وافتضاح، ثم يَدخل النار بغير حساب).

الآية 79: ﴿ فَخَرَجَ ﴾ قارون ﴿ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾ - ليُظهِرَ لهم عظمته وكثرة أمواله -، فلمّا رأوه: ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾: ﴿ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ ﴾ من المال والزينة والجاه، ﴿ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ أي ذو نصيب عظيم من الدنيا.

الآية 80: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ (وهم العالِمونَ بشرع الله تعالى، العارفونَ بحقائق الأمور)، قالوا للذين يريدون الدنيا: ﴿ وَيْلَكُمْ ﴾ أي احذروا الهلاك ولا تغتروا بالدنيا، فـ ﴿ ثَوَابُ اللَّهِ ﴾ - وهي الجنة - ﴿ خَيْرٌ ﴾ مِمّا أُعطِيَ قارون، وسيُعطيها سبحانه ﴿ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ ﴿ وَلَا يُلَقَّاهَا ﴾ أي لا يَتَقَبَّل هذه النصيحة، ولا يُوَفَّق للعمل بها ﴿ إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾ الذين جاهدوا أنفسهم، وصبروا على طاعة ربهم.

الآية 81: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ انتقاماً مِنّا لظُلمه وكبريائه ﴿ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ يعني لم تكن له جماعة يَمنعونه مِن عقاب اللهِ حينَ نَزَلَ به﴿ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ أي: وما كان قارون مُمتنعًا بنفسه وقوّته (لأنّ مَن خَذَله اللهُ فلا ناصرَ له).

الآية 82: ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ ﴾ - نادمينَ مُعتبِرين -: ﴿ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يعني نتعجبُ مِن أنّ الله ﴿ يَبْسُطُ الرِّزْقَ ﴾ أي يُوَسِّع الرزق ﴿ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ ﴿ وَيَقْدِرُ ﴾ أي يُضَيِّقه على مَن يشاء منهم (بحسب حِكْمته البالغة؛ إذ هو سبحانه الأعلمُ بما يُصلِح عباده مِن الفقر والغنى)، ﴿ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ﴾ يعني: لولا أنّ الله أنعم علينا فلم يُعاقبنا بما قلنا ﴿ لَخَسَفَ بِنَا ﴾ كما فعل بقارون، ﴿ وَيْكَأَنَّهُ ﴾ يعني نتعجب مِن أنه ﴿ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ يعني إنهم لا يُفلحون في الدنيا ولا في الآخرة.


الآية 83: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ ﴾ - وهي هنا: الجنة - التي أخبر اللّه بها في كُتُبه، والتي جمعتْ كل نعيم، واندفع عنها كل ما يُفسِد نعيمها أو ينغصه: ﴿ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا ﴾ أي لا يريدون تكبرًا على الناس ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ التي خلقها الله لهم ﴿ وَلَا فَسَادًا ﴾ فيها بالشرك والمعاصي، ﴿ وَالْعَاقِبَةُ ﴾ المحمودة ﴿ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ الذين اتقوا عذاب الله تعالى، ففعلوا الطاعات، وتركوا المُحَرّمات.
♦ واعلم أنّ الله تعالى قد ابتدأ هذه الآية ابتداءً مُشَوِّقاً، حيثُ ابتدأها بالإشارة إلى شيئٍ غير مذكور في الآيات السابقة - وهو الجنة - ليَنتبه السامع إلى أهمية المُشار إليه وعُلُوّ شأنه.

الآية 84، والآية 85: ﴿ مَنْ جَاءَ ﴾ يوم القيامة ﴿ بِالْحَسَنَةِ ﴾ أي بتوحيد الله تعالى، وبالأعمال الصالحة (الخالصة لوجهه، والموافِقة لشَرعه): ﴿ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ﴾ إذ تُضاعَف له أعماله عشرة أضعاف، ﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ ﴾ أي بالشرك والمعاصي: ﴿ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ يعني لا يُجزَون إلا مِثل أعمالهم، ولا تُضاعَف عليهم (وذلك لعدل الله تعالى ورأفته بعباده).
♦ ثم يقول تعالى - مُبَشِّرَّاً نَبِيَّهُ بالعودة إلى مَكَّة فاتحاً مُنتَصِراً -: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ ﴾: يعني إنّ الذي أنزل عليك القرآن وفَرَضَ عليك تبليغه والتمسُّك به: ﴿ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾: أي سوف يَرُدّك إلى المكان الذي خرجتَ منه، وهو "مكة" (إذ "معاد" هي اسم من أسماء مكة)، (وكانَ هذا الكلامُ يَستحِيلُ أن يَصدُرَ مِن أحدٍ في هذا الوقت بهذا اليَقِين إلا في حالةٍ واحدة: وهي أنْ يكونَ قائلُ القرآن متأكداً مِن أنَّ هذا سوف يَحدث في المستقبل، وكانَ يمتلك القدرة على تحقيق ما قال، فالذي قال هذا الكلام هو القادر، الذي يَعلمُ أنَّ ذلك سوف يَحدث يَقِيناً، وهو اللهُ سبحانه وتعالى).

﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: ﴿ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى ﴾ (وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالحق الواضح من عند ربه)﴿ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ أي: في ضلالٍ واضحٍ (وهم المشركون الذين تركوا عبادة الخالق الرازق المستحق وحده للعبادة، وعبدوا آلهةً باطلة لا تخلق ولا ترزق ولا تنفع ولا تضر).

الآية 86: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ ﴾ يعني: ما كنتَ تنتظر - أيها الرسول - ولا تتوقع نزول القرآن عليك، ﴿ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ يعني: لكنّ الله أنزله عليك رحمةً بك وبالعالمين، ﴿ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ ﴾ أي لا تكن عونًا لأهل الشِرك على باطلهم (بموافقتهم على اقتراحاتهم، وعدم تبليغ ما فيه عيبٌ لآلهتهم)، وذلك لأنهم قالوا له: (لو أتَيْتَنا بكتابٍ ليس فيه سَبُّ آلهتنا لاتَّبعناك).

الآية 87، والآية 88: ﴿ وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ ﴾ أي لا تجعل هؤلاء المشركين يَصرفَونك - باقتراحاتهم وأذاهم - عن تبليغ آيات الله ﴿ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ ﴾ أي بعد أن شَرّفك الله بإنزالها عليك.
وقد بَلَّغَ الرسول صلى اللهعليهوسلم رسالة ربه كاملة، تقول السيدة عائشة رضي اللهُ عنها: (لو كانَ النبي صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من الوحي، لَكَتَمَ هذه الآية: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾.

﴿ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ ﴾ أي ادعُ إلى توحيد ربك وإخلاص العبادة له واتِّباع أمْره ﴿ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ الذين يعبدونَ مع الله غيره من مخلوقاته، بل تبرّأ منهم، ولا تَرضَ بشِركهم وادعهم إلى توحيد ربهم، ﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ ﴾ لأنه ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي لا معبود بحقٍ إلا الله تعالى، ولا يَستحق العبادة غيره، ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ يعني إلا ذاته سبحانه (لأنّ بقاء وجهه سبحانه يَستلزم بقاء ذاته كلها، لأنه سبحانه الحي الذي لا يموت)، ﴿ لَهُ الْحُكْمُ ﴾ أي له القضاء العادل بين عباده في الدنيا والآخرة ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ بعد موتكم للحساب والجزاء، (وفي هذه الآية إثباتُ صفة الوجه لله تعالى كما يليق بجلاله وكماله، وفيها أيضاً دليل على فناء كل شيء إلا الله تعالى وما ورد الدليل بعدم فنائه، وهم ثمانية أشياء: (العرش والكرسي، والنار والجنة، واللوح والقلم والأرواح، وعُجب الذَنَب (وهو الجزء الذي يتبقى من الإنسان بعد موته ولا يتحلل).



من سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


رامى حنفى محمود
شبكة الألوكة

 

الشعراء, تفسير, سورة

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×