اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

"واسجد واقترب"

المشاركات التي تم ترشيحها

 
%D8%B3%D8%AC%D9%88%D8%AF_0.jpg?itok=r8rn

جزء من آية كريمة خاطبت خاتم الإنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم , ومن بعده أمته ومن اعتنق الإسلام إلى يوم الدين , أن اسجد لله وتذلل بين يديه , وأظهر له الخضوع بالسجود , تنل القرب منه سبحانه والرضا والقبول .

 

قال القرطبي في تفسير الآية : (وَاسْجُدْ) أَيْ صَلِّ لِلَّهِ (وَاقْتَرِبْ) أَيْ تَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: إِذَا سَجَدْتَ فَاقْتَرِبْ مِنَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ . 20/128

 

والحقيقة أن المتتبع للآيات القرآنية التي ذكر فيها السجود , وكذلك الأحاديث النبوية الشريفة التي تناولت هذه الطاعة , يجد أن لهذه العبادة أسرارا عظيمة وفوائد جمة , جدير بالمسلم أن يتوقف عندها مليا , وأن يعي مغزى ومعنى السجود بين يدي خالقه ومولاه سبحانه , وما في هذاه الحالة التعبدية الخاصة من منح إلهية جليلة قلما توجد في عبادة أخرى .

 

1-   أكد القرآن الكريم أن السجود من أفضل وسائل التقرب إلى الله سبحانه ومناجاته , ومن أنجع الطرق لنيل مرضاته , وقد جاءت السنة النبوية لتزيد هذا الامر تأكيد , فقد ورد في الحديث الصحيح عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ) صحيح مسلم برقم/1111

 

والحقيقة أن وضعية السجود التي امتن الله بها على عباده المؤمنين , حيث وضع الجبهة والأنف على الأرض , وتعفير الوجه بالتراب تذللا وخضوعا وإنابة واستسلاما لأمر الله ....هي أبلغ مظهر من مظاهر العبودية لله تعالى , و أكثرها تعبيرا عن مقام العبد أمام خالقه , ومن هنا كان الساجد لله تعالى الأقرب إلى رب العزة سبحانه .

 

يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه أسرار الصلاة تحت عنوان "عبودية السجود" : " ثم شرع له أن يكبر و يدنو و يخرَّ ساجدا ، و يُعطي في سجوده كل غضو من أعضائه حظَّه من العبودية ، فيضع ناصيته بالأرض بين يدي ربه ، مسندة راغما له أنفه ، خاضعا له قلبه ، و يضع أشرف ما فيه ـ و هو وجهه ـ بالأرض و لاسيما وجه قلبه مع وجهه الظاهر , ساجدا على الأرض معفِّراً له وجهه و أشرف ما فيه بين يدي سيِّده ، راغماً أنفه ، خاضعاً له قلبه و جوارحه ، متذلِّلاً لعظمة ربه ، خاضعاً لعزَّته ، منيباً إليه ، مستكيناً ذلاً و خضوعاً و انكساراً ، قد صارت أعاليه ملويةً لأسافله..................فهذا العبد هو القريب المقرَّب فهو أقرب فهو ما يكون من ربه و هو ساجد . ص15
 

2-   السجود وسيلة لانشراح الصدر ومعالجة ضيقه وتكاثر الهموم والأحزان عليه , فقد خاطب الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم , وأرشده إلى العلاج لضيق الصدر الذي يسببه عنت الكفار والمشركين وتكذيبهم واستهزاؤهم بدين الله والآيات البينات , فقال سبحانه : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } الحجر/97-99

 

إنها منحة إلهية لكل من ضاقت عليه نفسه , وتكاثرت على قلبه الهموم والأحزان من كل الألوان - وما أكثرها في هذه الأيام – حيث لا يجد المؤمن تنفيسا لها إلا بالسجود والخضوع والتذلل بين يدي خالقه ومولاه سبحانه .

 

نعم....هناك في زاوية من زوايا غرفته في جوف الليل وفي الثلث الأخير منه تحديدا , يجد المؤمن في سجوده بين يدي ربه سبحانه المخرج الوحيد مما أصابه من هم و غم و ضيق و كرب , يبث إلى من بيده ملكوت السماوات والأرض ومقاليد الأمور ...شكواه , و يدعوه أن يفرج عنه وأن يبدل عسره يسرا .

 

إنها الحالة الروحية القلبية التي يمتاز بها عباد الله المؤمنين , بينما يغفل عنها البعيدون عن رحاب العبودية والطاعة والإنابة لله تعالى , فترى كثيرا منهم يرجون التنفيس عن همومهم وضيقهم بمزيد من الانغماس في ملذات الدنيا وشهواتها , فينقلبون من ذلك بــ همّ وغم جديد .

 

3-   السجود سبب من أسباب دخول الجنة : ففي الحديث الصحيح عن مَعْدَانُ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ الْيَعْمَرِىُّ قَالَ : لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ أَخْبِرْنِى بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِى اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ. أَوْ قَالَ قُلْتُ : بِأَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ . فَسَكَتَ . ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ . ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ : سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ ( عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً ) . قَالَ مَعْدَانُ ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِى مِثْلَ مَا قَالَ لِى ثَوْبَانُ. صحيح مسلم برقم/1121

 

وكيف لا يكون السجود سببا من أسباب دخول الجنة وفيه تتجلى أسمى معاني الخضوع لله تعالى , وأبلغ صور العبودية له سبحانه , والخضوع والعبودية هما الغاية الكبرى من خلق الله تعالى للإنس والجن , قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الذاريات/56

 

4-   كثرة السجود وسيلة العبد المؤمن لمرافقة الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم في الجنة , فقد ورد في الحديث عن رَبِيعَة بْن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه قَالَ : " كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ ، فَقَالَ لِي : سَلْ ، فَقُلْتُ : أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ ، قَالَ : أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ، قُلْتُ : هُوَ ذَاكَ ، قَالَ : ( فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ) صحيح مسلم برقم/489

 

قال الإمام النووي رحمه الله : "فيه الحث على كثرة السجود والترغيب به ، والمراد به السجود في الصلاة" .

 

والحقيقة أن اشتراط الرسول صلى الله عليه وسلم على ربيعة بن كعب هذه العبادة بالتحديد لينال شرف مرافقته في الجنة .....فيه رفع لمكانة هذه العبادة , وإضفاء مزيد من الأهمية عليها , وكيف لا وهي سبب لمرافقة خاتم المرسلين في أعلى درجات الجنان .

 

إن في كثرة السجود بين يدي الله تعالى من الخير والنفع الدنيوي والأخروي ما لا ينبغي لمسلم عاقل أن يفوته , فلنجعل من هذه العبادة الجليلة بابا لعلاج ما نواجهه في الدنيا من محن وابتلاءات , وزادا لما ينتظرنا في الآخرة من سؤال وحساب .

د. عامر الهوشان
موقع المسلم

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×