اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

ملخص مبطلات الصلاة من كتاب (تمام المِنّة )

المشاركات التي تم ترشيحها

مُلَخَّص مُبطِلات الصلاة [1]

(1) الكلام عَمْدًا:

عن زَيْد بن أرقم رضي الله عنه قال: "كنَّا نتكلَّم في الصلاة؛ يُكلِّم الرَّجل منَّا صاحبَه، وهو إلى جنبه في الصَّلاة، حتَّى نزلَتْ : ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، فأُمِرْنا بالسُّكوت، ونُهِينا عن الكلام"[2].


فهذا الحديث دليلٌ على تَحْريم الكلام في الصَّلاة، ولا خِلافَ بين أهل العلم أنَّ من تكلَّم في صلاته عامدًا عالِمًا، فسدَتْ صلاته، واختلَفوا في حُكْم الجاهل والنَّاسي، فقد ذهبَ بعضُ أهل العِلْم إلى تَسْوية الجاهل والنَّاسي بالمتعمِّد، ولكن الأرجَح التَّفرقة بين النَّاسي والجاهل وبين العامد، فالنَّاسي والجاهل لا تَبْطل صَلاته بالكلام، بخلاف العامد، والدَّليل على ذلك:

(1) قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "إنَّ الله تجاوز عن أمَّتِي الخطأَ والنِّسيان وما استُكْرِهوا عليه"[3].


(2) حديثُ معاوية بن الحكَم السُّلَمي رضي الله عنه قال: بينما أنا أُصلِّي مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذْ عطس رجلٌ من القوم، فقلتُ: يرحَمُك الله، فرَماني القومُ بأبصارهم، فقلت: واثُكْل أُمّيَاه! - (يعني فقدتني أمي) - ما شأنكم تَنْظرون إلَيَّ؟ فجعَلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمَّا رأيتُهم يُصَمِّتونني، لكنِّي سكَتُّ، فلما صلَّى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فبأبي هو وأمِّي، ما رأيتُ مُعلِّمًا قبله ولا بعده أحسنَ تعليمًا منه، فوالله ما كَهَرني - (يعني ما نَهَرَني أو زجَرَني) - ولا ضربَني ولا شتَمني، قال: "إنَّ هذه الصَّلاة لا يَصْلح فيها شيءٌ مِن كلام النَّاس، إنَّما هو التَّسبيح والتكبير وقراءة القرآن[4]".


ففي هذا الحديث دليلٌ على تَحْريم الكلام في الصلاة مطلقًا، سواء كان لحاجةٍ أو لغير حاجة، وسواء كان لإصلاحِ الصَّلاة، أو لغيرها، وأمَّا مَن ذهب إلى جواز الكلامِ للمَصْلحة مستدِلاًّ بحديث ذي اليدَيْن - (الذي سيأتي في أبواب سجود السَّهو) - فلا تقوم به الحُجَّة على ما ذهَبوا إليه، ولكن يُستفاد من حديث ذي اليدين أنَّه إذا تكلَّم وهو يظنُّ أنَّ صلاته قد انتهَتْ - أنَّ ذلك لا يُبْطل صلاتَه.


• واعلم أنه لَم يثبت دليلٌ على أنَّ خروج حرفٍ أو حرفين لِبُكاء أو نَفْخ أو نَحْوه مُبْطِل للصلاة؛ لأنَّ هذا لا يكون كلامًا، بل هو مِثْل البصاق، وقد اتَّفقوا على أنَّ البصاق لا يُبطل الصلاة، بل ثبتَ خِلافُ ذلك؛ فعَنْ عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما أنَّ النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "نفَخَ في صلاة الكسوف"[5].



(2، 3) الأكل والشرب عمدًا:

قال ابن المنذر: "أجمعَ أهل العلم على أنَّ مَن أكل أو شرب في صلاة الفَرْض عامدًا - أنَّ عليه الإعادة"[6]، وكذلك في صلاة النافلة عند الجمهور؛ لأنَّ ما أبطلَ الفرض يُبْطِل النَفل.


والرَّاجح أنَّ الأكل يبطل الصَّلاة، سواء كان قليلاً أو كثيرًا، حتَّى لو كان بين أسنانِه شيءٌ فابتلعَه عمدًا، بطلَتْ صلاته، فإنِ ابتلع شيئًا مغلوبًا، أو كان ناسيًا، لَم تبطل صلاته[7]، ولذلك ينبغي أن يحرص العبد على المضمضة واستعمال السواك قبل الصلاة قدر ما يستطيع، والله المُستَعَان.



(4، 5) مَن تَرك شرطاً أو رُكناً أو واجباً:

فأما الشُّروط (كالطهارة واستقبال القبلة وغير ذلك) فمتَى أخَلَّ بأحدها، لم تَصِحَّ صلاتُه كما تقدم في تعريف معنى الشرط، وأما بُطلان الصلاة بسبب تَرْك الرُكن عَمْداً: فالدَّليل على ذلك حديثُ المُسِيءِ صلاتَه، لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال للأعرابِيِّ - لَمَّا ترك الاطمئنان، وهو ركن من أركان الصلاة -: "ارجِعْ فصَلِّ؛ فإنك لم تُصلِّ"، فهذا يدلُّ على أنَّه لو تركَ رُكنًا عمدًا بطلَتْ صلاتُه في الحال، "وأمَّا إنْ ترَكَ الرُكن سهوًا: فإنه إنْ تذَكَّرهُ وهو في الصلاة: فإنه يعود ليأتي به (فمثلاً: لو أنَّه نَسِيَ الركوع، ونزل إلى السجود مباشرة، فإنْ تذكَّرَ قبل أن يصل إلى الركوع الذي في الركعة التالية، فإنه يعود ليأتي بالركوع المَنْسِي، ثم يُكمِل باقي الصلاة بدءاً مِن هذا الركوع، وأما إن كان قد وصل إلى مَوْضِع الركوع الذي في الركعة التالية فإنه يعتبر الركعة التي نَسِيَ ركوعها لاغية، وعليه أن يأتي بركعة أخرى مكانها، ثم يسجد للسهو).


وأما إن لَم يذكُرْ هذا الركن حتَّى فرغَ من الصلاة، فإنْ طالَ الفَصْل (كأن يَمرُّ أكثر من خمس دقائق تقريباً): فإنه يُعيد الصَّلاة مِن أوَّلِها، وإن لم يَطُل الفصل فإنه يبني عليها (يعني يُكَبِّر، ثم يأتي بركعة مكان الركعة التي نَسِيَ رُكنُها، ثم يسجد للسهو)، ويُرْجَع في طول الفصل وقِصَره إلى العادة والعُرْف"[8].

والحُكم في الواجبات أنه إنْ ترَكَها عمدًا، بطلَتْ صلاته كذلك، وأمَّا إنْ ترَكَها سهوًا، سجد للسَّهو، ولا يَلْزمه الإتيانُ بها[9].



(6) العمل الكثير عمدًا:

والمقصود به أعمالٌ ليست من جِنْس الصَّلاة.


قال النوويُّ رحمه الله: "إنَّ الفعل الذي ليس من جِنْس الصَّلاة إن كان كثيرًا، أبطَلَها بلا خلاف، وإن كان قليلاً، لَم يُبطِلْها بلا خلاف، وهذا هو الضَّابط.. . قال: والجُمْهور أنَّ الرُّجوع فيه إلى العادة؛ فلا يضرُّ ما يعدُّه الناس قليلاً كالإشارة بِرَدِّ السَّلام، وخَلْع النَّعل، ورَفْع العمامة ووَضْعها، وَلِبْس ثَوْبٍ خفيف ونَزْعه، وحَمْل صغير وَوَضْعِه، ودَفْع مارٍّ، ودَلْك البُصاق في ثوبه، وأشباه ذلك"[10]، ثُمَّ ذكرَ مثالاً للعمل الكثير، وهو الخطوات المُتَتالية، بخلافِ ما إذا خطا خُطْوة، ثم وقف، ثم أخرى، ثم وقَف.


قال الشيخ عادل العزازي تعليقاً على هذا الكلام: (ليس في الخُطوات المتتالية دليلٌ على بطلان الصَّلاة).. إلى أن قال: (فالأَوْلى أن يُقال: كلُّ عملٍ يَنْشغل به - أي: المُصَلِّي - ولَم يُبِحْه له الشَّرع في الصلاة، يكون مُبطِلاً لِصَلاته، وأمَّا ما أذِنَ له فيه الشَّرع، أو كان فيه إصلاحًا للصَّلاة، فلا يُعَدُّ مبطلاً).



(7) الضحك في الصَّلاة:

قال ابن المنذر: "الإِجْماع على بُطْلان الصَّلاة بالضَّحِك"[11].. وقال أكثرُ أهل العلم: لا بأسَ بالتبَسُّم؛ أيْ: إنَّ التبسُّم لا يُبْطِل الصلاة.


قال الشيخ عادل العزازي: (وليس معنى ذلك إباحةَ التبسُّم في الصلاة؛ لأنَّ ذلك يُنافي حال الخشوع والإقبال على صلاته، لكنَّه لو تبسَّم، فلا تَبْطل صلاته).



"التلخيص على مسؤولية الكاتب"

[1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري).

[2] البخاري (1200، 4534)، ومسلم (539)، وأبو داود (949)، والترمذي (405).

[3] صحيح: رواه ابن ماجَهْ (2045)، والحاكم (198) من حديث ابن عبَّاس، وصحَّحه على شرطهما، ووافقَه الذهبي، وله شواهِدُ من حديث ابن عمر، وعُقْبة بن عامر، وأبي الدَّرداء، وثوبان.

[4] مسلم (537)، ورواه أبو داود (930)، والنَّسائي (3/ 14)، وأحمد (5/ 447).

[5] حسَنٌ: رواه أحمد (2/ 188)، وأبو داود (1194)، والنَّسائي (3/ 57).

[6] "الإجماع" (ص 8).

[7] راجع في ذلك "المجموع" (4/ 89 - 90).

[8] انظر: المغني" (2/ 4).

[9] وسيأتي تفصيلُ ذلك في أبواب سجود السهو..

[10] "المجموع" للنووي (4/ 92 - 93).

[11] نقلاً من كتاب "المجموع" للنووي (4/ 89).

رامي حنفي محمود

شبكة الالوكة

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك


مبطلات الصلاة


تبطل الصلاة بوجود ما ينافيها، ويمنع الهدفَ المنشود منها، وهو ذكرُ الله، وتسبيحه في خشوع وخضوع؛ لأنها مناجاةٌ مع اللهِ تستدعي الاستغراق فيها بتدبُّر ما يقوله، فلا ينبغي أن يشتغلَ بما ينافيها، ونسرُدُ هذه المبطلات فيما يأتي:

1- الكلام عمدًا في غير مصلحة الصلاة:

لا خلاف بين الفقهاء في أن مَن تكلَّم في صلاته عمدًا عالمًا وفي غير مصلحة الصلاة، أن صلاته تبطل، ذكر ذلك ابن المنذر، والحافظ في الفتح، وغيرهما.

 

والأصلُ في ذلك ما رُوِي عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: كنَّا نتكلَّم في الصلاة، يُكلِّم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت: ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، فأُمِرنا بالسكوت ونُهِينا عن الكلام[1]، وفي الباب أحاديث غيره كثيرة.

 

وأقل الكلام المُبطِل حرفانِ؛ كما يرى الشافعية والحنابلة ك-"قُمْ أو اقعُدْ" وهكذا، وبعد أن اتفق الفقهاء على بطلان الصلاة في حق المتعمِّد العالِم الذي لا يقصد إصلاح صلاته، اختلفوا فيما عدا ذلك على النحو التالي:

أ- كلام الناسي:

• ذهب جمهورُ الفقهاء إلى أن كلام الناسي لا يُبطِل الصلاة، وسواء نسي أنه في صلاةٍ، أو ظن أنه قد أتمَّها، وهذا هو رأي مالك، والشافعي، ورواية عن أحمد، وقد حُكِي ذلك عن كثيرٍ من الصحابة والتابعين.

 

وذلك لما روي عن معاوية بن الحَكَم السُّلَمي - رضي الله عنه - قال: بينما أنا أُصلِّي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عطَس رجلٌ من القوم، فقُلْتُ: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارِهم، فقلت: واثُكْلَ أُمَّاه، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضرِبون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتُهم يُصمِّتونني لكني سكتُّ[2]، فلمَّا صلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبأمي وأبي ما رأيتُ معلمًا قبله ولا بعده أحسنَ تعليمًا منه، فوالله ما كهَرني[3] ولا ضرَبني ولا شتَمني، قال: ((إن هذه الصلاة لا يصلُحُ فيها شيء من كلام الناسِ، إنما هي التسبيح والتكبير والتحميد وقراءة القرآن))[4].

 

قالوا: فلم يأمُرْ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - معاويةَ بالإعادة؛ لجهلِه بالحكم، وما عُذِر فيه بالجهلِ، عُذِر فيه بالنسيان، وكذلك احتجُّوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلَّم في حال سهوِه عن الصلاة، وبنَى عليه ولم يُعِد.

• وذهب أبو حنيفة، وأحمد في رواية ثانية، والهادوية، وغيرهم، إلى بطلان صلاة مَن تكلم ناسيًا، واستدلوا بعموم أحاديث المنع من الكلام، وظاهرها عدم الفرق بين الناسي والعامد والجاهل.

 

ب- كلام الجاهل:

وهو مَن تكلَّم في الصلاة وهو يجهلُ تحريمَ ذلك؛ لقُرْبِ عهده بالإسلام، أو لنشأته بعيدًا عن العلماء[5]،فهذا له نفسُ حكم الناسي، وفيه الخلاف السابق، إلا أن للمالكية هنا روايةً موافقة للحنفية في بطلان صلاة الجاهل؛ لتقصيرِه في التعلم.

 

ج- كلام المغلوب على الكلام:

وهذا يكون على صورتين:

الصورة الأولى: أن تخرجَ الحروف من فِيه بغيرِ اختياره، مثل أن يتثاءَبَ، فيقول: هاه، أو يتنفَّس فيقول: آه، أو يسعُلَ فينطق في السَّعلة بحرفين، أو يئِن من المرض[6]، أو يضحك، أو يبكي، أو يتنحنح، فيَبِين منه حرفان، فهذا كله لا يُفسِد الصلاة[7]؛ لأنه لا يمكن التحرُّز منه، فأما إذا أخرج شيئًا من ذلك متعمِّدًا، فإن صلاته تكون باطلة.

 

الصورة الثانية: أن يُكرَه على الكلام، فهذا تفسُدُ صلاته في الصحيح عند جمهور الفقهاء؛ لأنه أمرٌ نادر كالإكراه على الحدث، أو الإكراه على الزيادة في عدد الركعات للفريضة، أو على الزيادة في الأركان أو النقص منها، ولا يجوز قياسُ المُكرَه على الناسي؛ لأن النسيانَ يكثُرُ، كما أن صلاة الناسي تصح بالزيادة في عدد الركعات والأركان.

 

د- كلام مَن يتعيَّن عليه الكلام:

مثل أن يتكلَّم لإنقاذ مسلمٍ من مَهلَكة، أو يخاف على مالٍ له ولغيره، كأن يرى حيَّةً تقصد غافلاً أو نائمًا، أو نارًا يخافُ أن تشتعلَ في شيء، ففي ذلك قولان عند الشافعية والحنابلة:

الأول: أن الصلاة تبطل كالمُكرَه على الكلام.

 

والثاني: أن صلاته تصح؛ لأن القوم إنما كلَّموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قصة ذي اليدين؛ لأنه كان عليهم أن يُجِيبوه، فصحَّة صلاتهم هناك كان لوجوب الإجابة عليهم، وهذا متَّفق عليه.

 

والذي ينبغي أن يُعلَم أن كل مَن قال بصحَّة الصلاة في كل ما سبق، إنما قاله في اليسير منه، وأما الكثير، فلا خلاف في بطلان الصلاة بسببه.

 

هـ- النفخ في الصلاة:

والنفخ هو إخراج الريح من الفم، والمقصود هنا التأفيف وأشباهه، وقد ذهب الشافعية والحنابلة في المعتمَد عندهم إلى أنه إن بان منه حرفانِ بطَلَت صلاتُه، وإلا فلا.

 

وأما المالكية، فقالوا في رواية: إنه كالكلام تبطُلُ به الصلاة إن كان عامدًا أو جاهلاً، ولا تبطل به إن كان ساهيًا.

 

• وأما أبو حنيفة ومحمد، فيَرَيانِ أن النفخَ بصوتٍ مرتفع يُبطِل الصلاة، بخلاف الصوت المنخفض.

 

• وذهب بعض الصحابة والتابعين والفقهاء إلى كراهيتِه مع صحَّة الصلاة، وممن قال بذلك: ابن عباس، وابن مسعود، والنخعي، وابن سيرين، وأحمد في رواية أخرى، ورخَّص فيه أبو يوسف من الحنفية، وقدامة بن عُبَيدالله من الصحابة.

 

احتج مَن قال بعدم فساد الصلاة بحديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفخ في صلاة الكسوف[8].

 

و- الإتيان بذكرٍ مشروع للتنبيه:

وذلك على أنواع:

النوع الأول: تسبيحُ الرجل وتصفيق المرأة، إذا نابهما شيء، فهذا مشروع عند أكثر أهل العلم؛ لما رُوِي عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن نابه شيء في صلاته، فليُسبِّح؛ فإنما التصفيق للنساء))[9]، وذلك كمَن يسهو إمامُه فيسبِّح ليُذكِّره، أو يستأذن أحدٌ في الدخول فيُسبِّح ليُعلِمه بأنه يصلي، فهذا وما شاكله لا يُبطِل الصلاة.

 

النوع الثاني: أن يفتح المصلي على الإمام:

وذلك في حالة ارتجاجه في القراءة، أو في حالة خطئه فيها، فهذا لا يُؤثِّر في صلاته عند أكثر الفقهاء؛ وذلك لما روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى صلاةً فقرأ فيها فلُبِّس عليه، فلما انصرف قال لأُبيٍّ: ((أصلَّيتَ معنا؟))، قال: نعم، قال: ((فما منعك؟))[10].

 

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "كنَّا نفتح على الأئمة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم"[11].

 

ويُفرِّق أبو حنيفة بين الفتح من المقتدي والفتح من غيرِه، فالفتح من المقتدي لإمامه جائز، وأما الفتح ممَّن كان في خارج الصلاة، فيُبطِل صلاة الفاتح والمفتوح عليه على السواء، إذا كان الفاتح يُصلِّي هو الآخر، وهذا الحكم الأخير خاصٌّ بما إذا توقَّف الإمام عن القراءة مستفتحًا غيرَه، فأما إن فتح عليه مَن ليس معه في الصلاة دون استفتاح منه، فهذا لا يُفسِد الصلاة إلا عند التَّكرار[12].

 

النوع الثالث: أن يقرأ القرآن بقصد التنبيه:

مثل أن يقول: ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ﴾ [الحجر: 46]، أو يقول لمن اسمه يحيى: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم: 12]، أو لمَن اسمه نوح: ﴿ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ﴾ [هود: 32]، فإما أن يقصد بذلك التنبيه فقط، وإما أن يقصد به التلاوة فقط، وإما أن يقصد الجمع بينهما:

• فإن قصد التنبيه فقط، بطَلت صلاتُه بلا خلاف.

• وإن قصد التلاوة فقط، صحَّت صلاته بلا خلاف.

• وإن قصد الاثنين معًا، لم تبطُلْ صلاته عند الشافعية والمالكية وبعض الحنابلة، وتبطل عند الحنفية وبعض الحنابلة.

 

ي- الذكر والدعاء في الصلاة لغير التنبيه:

لا تبطل الصلاة بالذكر والدعاء وإن لم يُنْدَبا، وقيَّد الحنفية جواز الدعاء بأن يكون بما في القرآن أو ما يشبهه، وأما لو دعا بما لا يمتنعُ سؤاله من الناس، كقوله: اللهم أعطني درهمًا، أو زوِّجني فلانة، أو ألبسني ثوبًا، فإن صلاته تبطُلُ، خلافًا للشافعية، غير أنه ينبغي عند الجميع ألا يكون الدعاء بمحرَّم.

 

كما يشترط عند الجميع ألا يخاطب بالذِّكر أو الدعاء أحدًا، فإن عطس مَن بجانبِه، فقال له: يرحمك الله، بطَلت صلاته؛ لأن تشميتَ العاطس من كلام الناس، وهو منهيٌّ عنه كما تقدم.

 

وأما إذا عطَس المُصلِّي نفسه فحمد الله، أو سمع ما يكرَهُه، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، وما شاكل ذلك، فإن هذا يُبطِل الصلاةَ عند أبي حنيفة ومحمد، خلافًا لأبي يوسف والحنابلة والشافعية.

 

ولو مرَّ المُصلِّي بآيةٍ فيها ذكر الجنة، فسأل الله الجنة، أو بآية فيها ذكر النار، فتعوَّذ بالله منها، أو بآية فيها أمرٌ بالتسبيح فسبَّح، وما شاكل ذلك، فلا يُبطِل صلاتَه، ولكن كرِه أبو حنيفة ذلك من الإمام في صلاةِ الجماعة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله في المكتوبات، ولأنه يثقل على القوم.

 

وهل للمصلي أن يرد السلام؟

إذا سلَّم أحدٌ على المُصلِّي، فليس له أن يرُدَّ السلام بالكلام، فإن فعل بطَلت صلاته؛ وذلك لحديث ابن مسعود قال: "كنَّا نُسلِّم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة فيرُدُّ علينا، فلمَّا رجَعنا من عند النجاشي سلَّمنا عليه فلم يرُدَّ علينا، فقلنا: يا رسول الله، كنا نُسلِّم عليك في الصلاة فترُدُّ علينا؟ فقال: ((إنَّ في الصلاة لشُغلاً))[13].

 

ويُندَبُ له عند جمهور الفقهاء أن يرُدَّ بالإشارةِ، خلافًا للحنفية الذين كرِهوا ذلك.

 

وقد استدل الجمهور بما روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: قلتُ لبلال: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرُدُّ عليهم حين كانوا يُسلِّمون عليه وهو في الصلاة؟ قال: "يُشِير بيدِه"[14].

 

ل- قراءة القرآن من المصحف:

ذهب الشافعية والمالكية إلى أنه يجوز أن يقرأ المُصلِّي من المصحف، وهو رأي أبي يوسف ومحمد من الحنفية مع الكراهة، وقال أبو حنيفة: تبطُلُ صلاته بذلك.

 

احتجَّ المُجيزون بأن مولًى لعائشةَ - رضي الله عنها - كان يؤمُّ الناس في رمضان، وكان يقرأ من المصحف.

 

ولأبي حنيفة أن ما يوجد منه من حمل المصحف، وتقليب الأوراق، والنظر فيه، أعمالٌ كثيرة ليست من أعمال الصلاة، ولا حاجة إليها في الصلاة فتُفسِدها.

 

هذا إذا كان يقرأ من المصحف، وأما إذا كان يقرأ من كتابٍ آخر أمامه وحرَّك به لسانه، فإن صلاته تبطُلُ إن كان عامدًا بلا خلاف؛ لأن هذا كلام منهيٌّ عنه، وأما إن لم يُحرِّك به لسانه بل حصل منه مجرد النظر، فإن قلَّ لم يُفسِد صلاته، وإن طال أفسَدها؛ لأنه تلبَّس بفعل في الصلاة ليس من جنسها.

 

م- القهقهة في الصلاة:

وهذه تبطُلُ بها الصلاة، وإن لم يتكوَّن منها حرفان، وهذا بإجماع العلماء كما قال ابن المنذر[15]، وقد روي عن جابرٍ - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((القَهْقَهة تنقضُ الصلاة، ولا تنقض الوضوء))[16].

 

2- العمل الكثير من غير جنس الصلاة عمدًا أو سهوًا:

فأما إذا كان من جنسِها كزيادةِ الركوع أو السجود، فلا تبطُل به الصلاة إلا إذا كان عَمْدًا، وكذلك إذا كان العمل قليلاً لم تبطُل به الصلاة، عمدًا كان أو سهوًا.

 

• وضابط ذلك أن كل ما يُعَدُّ به عند الناظر معرضًا عن الصلاة، بحيث لا يشك في أنه في غير الصلاة، فهذا عمل كثير، وما عداه فهو قليل.

 

وعلى ذلك؛ فلا يُؤثِّر في صحة الصلاة العمل القليل، كردِّ السلام بالإشارة، وسدِّ فِيه بيدِه حال التثاؤب، وتحريكِ لسانِه أو أجفانه أو شفتَيْه.

 

كذلك لا يؤثر في الصلاة حملُ الطفل حال الصلاة؛ لأنه قد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى وهو حاملٌ أُمامةَ بنتَ بنته، فكان إذا سجد وضعها وإذا قام حملها[17]، بخلاف ما لو حَمَلت المرأة طفلتَها وأرضعتها في الصلاة، فهذا مُفسِد لها؛ لأنه من باب العمل الكثير.

 

ولا يُفسِد الصلاة أيضًا قتلُ العقرب أو الحية؛ لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بقتل الأسودين في الصلاة[18].

 

وأما الالتفات في الصلاة، فإنه لا يُفسِدها، ولكن يكره في قول جمهور الفقهاء، والحكمة في ذلك هي أن الالتفات يدل على نقص في الخشوع، والإعراض عن الله - تعالى - وعدم التصميم على مخالفة وسوسة الشيطان.

 

3- ترك ركن أو شرط عمدًا بلا عذر:

كل مَن ترك شرطًا من شروط صحة الصلاة؛ كستر العورة، أو طهارة المكان، أو الثياب، أو البدن، أو ترك ركنًا؛ كالقراءة، أو الركوع، أو السجود - بطَلت صلاتُه.

[1] رواه الجماعة إلا ابن ماجه.

[2] أي: أردت أن أتكلَّم، لكني سكتُّ.

[3] ما كهرني؛ أي: ما انتهرني.

[4] رواه مسلم، وأحمد، والنسائي، وأبو داود.

[5] بخلاف مَن بعُدَ إسلامه وكان قريبًا من العلماء؛ حيث يعد مقصرًا بترك التعلم، فتبطل صلاته كالعامد.

[6] يفرِّقُ الحنفية بين الأنينِ والبكاء خوفًا من عذاب الله، فهذا لا تبطُلُ به الصلاة، وبين الأنين والبكاء من وجع أو مصيبة، فهذا مبطل للصلاة؛ بدائع الصنائع 1/235.

[7] وعند الشافعية قولٌ آخر بأن كل ما أدَّى إلى النطق بحرفين، فإنه يبطل الصلاة.

[8] رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي.

[9] رواه النسائي، والبخاري، ومسلم، والنسائي، وأبو داود.

[10] رواه أبو داود.

[11] رواه الحاكم.

[12] بدائع الصنائع 1/236.

[13] متفق عليه، والمعنى أن فيها شغلاً بالمناجاة يمنع من الكلام.

[14] رواه أصحاب السنن.

[15] وأما التبسم، فلا يبطل الصلاة عند أكثر الفقهاء.

[16] رواه الدارقطني.

[17] متفق عليه.

[18] رواه الخمسة، وصححه الترمذي.


د. عبدالحسيب سند عطية و د. عبدالمطلب عبدالرازق حمدان
شبكة الالوكة

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×