اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

المشاركات التي تم ترشيحها

{قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ}[البقرة:32].

السؤال الأول:

أحياناً تختم الآيات بـ {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء:26] وفى آيات أخرى {حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:83] فما الفرق بينهما؟

الجواب:

إذا كان السياق في العلم وما يقتضي العلم يقدّم العلم، وإلا يقدّم الحكمة، وإذا كان الأمر في التشريع أو في الجزاء يقدّم الحكمة.

و حتى تتضح المسألة نقدم هذه الشواهد القرآنية:

في تقديم العلم :

آ ـ قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} [البقرة:32] السياق في العلم، فقدّم العلم.

ب ـ قوله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء:26] هذا تبيين، معناه هذا علم.

ج ـ قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف:6] فيها علم، فقدّم {عَليم}.

د ـ قال في المنافقين: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[الأنفال:71] هذه أمور قلبية .

هـ ـ قوله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:110] من الذي يطلع على القلوب؟ الله، فقدّم العليم.

شواهد قرآنية في تقديم الحكمة :

الجزاء حكمة وحُكم , و من الذي يجازي ويعاقب؟ هو الحاكم،و تقدير الجزاء حكمة .

آـ قوله تعالى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:128] هذا جزاء، هذا حاكم يحكم ويقدر الجزاء والحكم, فقدّم الحكمة، وليس بالضرورة أنْ يكون العالم حاكماً، وليس كل عالم حاكماً.

ب ـ قوله تعالى:{وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:139] هذا تشريع والتشريع حاكم فمن الذي يشرع ويجازي؟ الله تعالى هو الذي يجازي وهو الذي يشرع .

ج ـ قوله تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ(83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الحَكِيمُ العَلِيمُ(84)} [الزُّخرُف: 83 - 84]. 

ولذلك عندما يكون السياق في العلم يقدّم العلم، وعندما لا يكون السياق في العلم يقدّم الحكمة.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
 

(وَلَقَدۡ عَلِمۡتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعۡتَدَوۡاْ مِنكُمۡ فِي ٱلسَّبۡتِ فَقُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِ‍ِٔينَ٦٥)[البقرة: 65]

السؤال الأول:

الفعل (كونوا) هو فعل أمر، وفعل الأمر له معانٍ متعددة، فما أشهر معانيه؟

الجواب:

فعل الأمر هو طلب الفعل بصيغة مخصوصة , ومن أشهر معانيه :

1ـ الإباحة: (وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُواْۚ) [المائدة:2] .

2ـ الدعاء : (رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ) [نوح:28] .

3ـ التهديد : (ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ) [فُصِّلَت:40] .

4ـ التوجيه والإرشاد : (وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ) [البقرة:45] .

5ـ الإكرام : (ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٍ ءَامِنِينَ) [الحِجر:46] .

6ـ الإهانة : (ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ) [الدخان:49] .

7ـ الاحتقار : (فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ) [طه:72] .

8ـ التسوية : (ٱصۡلَوۡهَا فَٱصۡبِرُوٓاْ أَوۡ لَا تَصۡبِرُواْ) [الطور:16] .

9ـ الامتنان : (فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِ) [المُلك:15] .

10 ـ التعجب : (ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَالَ) [الإسراء:48] .

11 ـ التكذيب : (قُلۡ فَأۡتُواْ بِٱلتَّوۡرَىٰةِ فَٱتۡلُوهَآ) [آل عمران:93] .

12ـ التعجيز : (فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ) [البقرة:23] .

13ـ الإذلال : (كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِ‍ِٔينَ) [البقرة:65] .

14ـ إظهار القدرة : (قُلۡ كُونُواْ حِجَارَةً أَوۡ حَدِيدًا) [الإسراء:50] .

 

 

وزمن فعل الأمر للمستقبل , لكنه أوسع من ذلك فقد يكون دالاً على :

آـ الاستقبال المطلق قريباً أو بعيداً: (فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ) [البقرة:68] للقريب، (رَبَّنَا ٱصۡرِفۡ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَۖ) [الفرقان:65] للبعيد.

ب ـ الحال:( ثُمَّ صُبُّواْ فَوۡقَ رَأۡسِهِۦ مِنۡ عَذَابِ ٱلۡحَمِيمِ * ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ) [الدخان: 48 ، 49] فـ (ذق) من الذوق مصاحب لصب الحميم .

ج ـ الأمر الحاصل في الماضي، فقوله :( ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ) [يوسف:99] كان بعد دخولهم إياها فهو أمر يفيد الماضي. وكذلك قوله تعالى: (إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ٤٥ ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٍ ءَامِنِينَ٤٦﴾) [الحِجر:45-46] فقوله: (ٱدۡخُلُوهَا) كان بعد دخولهم الجنة، وكذلك قوله: (وَلَقَدۡ صَبَّحَهُم بُكۡرَةً عَذَابٞ مُّسۡتَقِرّٞ٣٨ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ٣٩) [القمر:38-39] فقوله: (فَذُوقُواْ) كان بعد تصبيحهم بالعذاب.

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «افعل ولا حرج» فهذا من باب إقرار ما حصل في الماضي.

د ـ الأمر المستمر (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا) [البقرة:83] .

(قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّٰظِرِينَ٦٩)[البقرة: 69]

السؤال الأول:

ما دلالة (فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا) [البقرة:69] في الآية؟ 

الجواب:

لو قال تعالى: (بقرة صفراء) لعلِم بنو إسرائيل أنه لون الصُفرة لاسيما أنّ هذا اللون نادر في البقر، فلِمَ قيّد الصفرة بصفة فاقع؟

في هذا التعبير مزيد من التعجيز، والتقييد والتحديد لبقرة بعينها دون سواها وهنا تضييق على بني إسرائيل، فعندما شدّدوا شدّد الله تعالى عليهم.

السؤال الثاني:

ما دلالات الألوان التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ؟ 

الجواب:

الألوان التي وردت في القرآن الكريم هي : الأصفر ـ الأبيض ـ الأسود ـ الأخضر ـ الأزرق ـ الأحمر ـ الوردي ـ الأخضر الغامق . وأهم دلالات هذه الألوان هي :

1ـ اللون الأصفر :

و هو أول لون ذُكِرَ في القرآن , فقد ورد (5) مرات في (5) آيات , ومن دلالاته : 

آ ـ إدخال السرور:

﴿ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّٰظِرِينَ} [ البقرة:69].

ب ـ اﻹفساد والدمار:

﴿ وَلَئِنۡ أَرۡسَلۡنَا رِيحٗا فَرَأَوۡهُ مُصۡفَرّٗا} [ الروم:51].

ج ـ الفناء واليبوسة:

﴿ كَمَثَلِ غَيۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمٗاۖ} [ الحديد:20].

2- اللون الأبيض :

وهو ثاني اﻷلوان ذكراً في القرآن , وقد ذُكٍرَ (12) مرة في (12) آية, ومن دﻻﻻته:

آ ـ الضياء وإشراق الشمس ووقت الفجر والصباح:

﴿ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ} [ البقرة:187].

ب ـ لون وجوه أهل الجنة:

﴿ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبۡيَضَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فَفِي رَحۡمَةِ ٱللَّهِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} [ آل عمران:107].

ج ـ مرض في العين من شدة الحزن:

﴿ وَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبۡيَضَّتۡ عَيۡنَاهُ مِنَ ٱلۡحُزۡنِ فَهُوَ كَظِيمٞ} [ يوسف:84].

د ـ لون يد موسى في معجزته :

﴿ وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِيَ بَيۡضَآءُ لِلنَّٰظِرِينَ} [ الأعراف:108].

هـ ـ لون الطرق بين الجبال:

﴿ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ} [ فاطر:27].

و ـ لون شراب أهل الجنة:

﴿ بَيۡضَآءَ لَذَّةٖ لِّلشَّٰرِبِينَ} [ الصافات:46].

وللعلم فإنّ اللون الأبيض هو الأساس لجميع الألوان، وإذا تم تحليله ينتج عنه ألوان الطيف السبعة . ( انظر آية آل عمران 107).

3ـ اللون الأسود : 

وهوثالث لون ذُكِرَ في القرآن , وقد ورد ( 7) مرات على عدد أبواب النارفي الآيات : 

[ البقرة 187 ـ آل عمران مرتان 106 ـ النحل 58 ـ فاطر 27 ـ الزمر 60 ـ الزخرف 17 ] , ومن دﻻﻻته:

آ ـ ظلمة الليل:

﴿ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ } [ البقرة:187].

ب ـ لون وجوه أهل النار:

{وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ١}[ آل عمران:106].

ج ـ الكرب والهم والحزن:

{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ} [ النحل:58].

د ـ اليبوسة والفناء:

{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} [ الأعلى:5].

ومعنى (أَحْوَىٰ) أي: أسود أي: جعله هشيمًا رميمًامسوداً.

هـ ـ لون بعض الجبال:

{وَغَرَابِيبُ سُودٞ} [ فاطر:27].

4ـ اللون اﻷخضر:

وهورابع لون ذكر في القرآن, وقد ذكر 8 مرات على عدد أبواب الجنة الثمانية في الآيات : 

[ الأنعام 99 ـ يوسف 43 , 46 ـ الكهف 31 ـ الحج 63 ـ يس 80 ـ الرحمن 76 ـ الإنسان 21 ] , وأهم دﻻﻻته:

آ ـ لون الشجر والزرع والأرض بعد المطر:

{وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ} [ يوسف:43].

ب ـ لباس أهل الجنة:

{عَٰلِيَهُمۡ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضۡرٞ وَإِسۡتَبۡرَقٞۖ} [ الإنسان:21].

ج ـ لون أغطية وسائد الجنة:

{مُتَّكِ‍ِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ} [ الرحمن:76].

5ـ اللون الأزرق : 

وهوخامس اﻷلوان ذكراً في القرآن الكريم , وذُكَرَ مرة واحدة , ودﻻﻻته

لون وجوه الكفار عند الحشر من شدة أهوال اليوم، والخوف والرهبة.

{يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ وَنَحۡشُرُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَئِذٖ زُرۡقٗا}[ طه:102]. 

6ـ اللون اﻷحمر:

وهو سادس اﻷلوان ذكراً في القرآن , وذُكِرَ مرة واحدة , ودﻻﻻته لون الطرق بين الجبال وألوان بعض الثمار:

{وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمۡرٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُود} [فاطر:27]. 

7 ـ اللون الوردي :

وهو سابع اﻷلوان ذكراً في القرآن , وذُكِرَ مرة واحدة, ودلالته لون السماء عند انشقاقها وتفطرها يوم القيامة:

{فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ وَرۡدَةٗ كَٱلدِّهَانِ} [الرحمن:37]. 

8 ـ اللون الأخضر الغامق : 

وهوثامن اﻷلوان ذكراً في القرآن، وذُكِرَ مرة واحدة , ودﻻلته لون أشجار الجنة المتكاثفة:

{مُدۡهَآمَّتَانِ} [الرحمن:64]. 

والله أعلم .

يتبع

مثنى محمد الهيبان

رابطة العلماء السوريين

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25]

السؤال الأول:

في آية سورة البقرة يقول تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [البقرة:25] وفي آية الكهف يقول: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} [الكهف:31] فما الفرق ؟

الجواب:

فى سورة البقرة : {مِنْ تَحْتِهَا} [البقرة:25] الكلام عن الجنة قال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25] وفى سورة الكهف: {مِنْ تَحْتِهِمُ} [الكهف:31] يتكلم عن ساكني الجنة المؤمنين: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا(30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}. [الكهف:30-31] .

فإذا كان الكلام عن المؤمنين يقول: {مِنْ تَحْتِهِمُ} [الكهف:31] وإذا كان الكلام عن الجنة يقول: {مِنْ تَحْتِهَا} [البقرة:25] .
وقد يقول بعض المستشرقين : إنّ في القرآن تعارضاً، مرةً تجري من تحتها، ومرةً من تحتهم لكنا نقول: إنّ الأنهار تجري من تحت الجنة ومن تحت المؤمنين فليس فيها إشكال ولا تعارض، ولكنّ الأمر مرتبط بالسياق.

السؤال الثاني:

قال تعالى في سورة النساء: [بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا] [النساء:138] وفي سورة البقرة: [وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] [البقرة:25] ذكر الباء في الآية الأولى: {بِأّنَّ} [النساء:138] وحذفها في الثانية: {أَنَّ} [البقرة:25] مع أنّ التقدير هو: {بأنّ} فلماذا؟

الجواب:

1ـ لفظة {بأنّ} [النساء:138] أكثر من {أَنَّ} [البقرة:25] فالباء الزائدة تناسب الزيادة في ذكر المنافقين وجزائهم.
2ـ إنّ تبشير المنافقين في سورة النساء آكد من تبشير المؤمنين في سورة البقرة، ففي سورة النساء أكّد وفصّل في عذاب المنافقين في عشر آيات ابتداء من قوله في الآية [136] [وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ] [النساء:136] وحتى ما بعد الآية[ 145].
أمّا في آية البقرة فهي الآية الوحيدة في تلك السورة التي ذكر فيها كلاماً عن الجزاء وصفات المؤمنين.
3ـ وكذلك جاء بـ (بأنّ) في قوله تعالى في سورة الأحزاب: [وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلًا كَبِيرًا] [الأحزاب:47]؛ لأنه تعالى فصّل في السورة جزاء المؤمنين وصفاتهم.

السؤال الثالث:
ما دلالة (المطهّرون )و (المتطهرون )؟

الجواب:
1ـ الذي يبدو ـ والله أعلم ـ أنّ (المطهّرون) هم الملائكة؛ لأنه لم ترد في القرآن كلمة المطهّرين لغير الملائكة، والمُطهَّر اسم مفعول وهي تعني مُطهَّر من قِبَل الله تعالى.
2ـ وبالنسبة للمسلمين يقال لهم: متطهرين أو مطّهِّرين، كما في قوله تعالى: [إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ ] [البقرة:222] و: [وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ] [التوبة:108] و(متطهرين) أو (مطّهّرين) هي بفعل أنفسهم، أي: هم يطهرون أنفسهم.
3ـ ولمّا وصف الله تعالى نساء الجنة وصفهم بقوله تعالى: [وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] [البقرة:25] وكذلك وصفت صحف القرآن الكريم بالمطهّرة: [رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً] [البينة:2] فلم ترد إذن كلمة (مطهّرون) إلا للملائكة .
ولذلك فإن هذا المعنى يقوّي القول بأنّ المقصود في الآية: [فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ] [الواقعة:78] هو الذي في اللوح المحفوظ ، وليس القرآن الذي بين أيدينا لأكثر من سبب والله أعلم.

السؤال الرابع:

ما دلالة البناء للمجهول فى قوله تعالى: {رُزِقُواْ} [البقرة:25] ؟

الجواب:

الله تعالى ينسب النعمة والخير إلى نفسه ولا ينسب الشر لنفسه: [وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا] [الإسراء:83]، أمّا في الجنة فإنه لا حساب ولا عقاب يقول تعالى: [وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] [البقرة:25] .

السؤال الخامس:

لماذا لم تذكر الحور العين في هذه الآية مع نعيم الجنة ؟

الجواب:
كثير من السور لم يذكر فيها الحور العين بالرغم من ذكر الجنات، وللعلم فقد وردت الكلمات التالية في القرآن الكريم :
ـ الحور : أربع مرات في الآيات : الدخان[ 54] الطور [20] الواقعة [22] الرحمن [72].
ـ عين : أربع مرات في الآيات : الدخان [54] الطور [20] الواقعة[ 22] الصافات[ 48]
- {الجَنَّةَ} 66 مرة.
- {جَنَّاتٌ} 69 مرة.
- {جَنَّتَكَ} مرتان.
- {جَنَّتَهُ} مرة واحدة.
- {جَنَّتيِ} مرة واحدة.
- {جَنَّتَانِ} 3 مرات.
- {جَنَّتَيِنِ} 4 مرات

ونلاحظ أنه عندما يذكر القرآن الكريم أزواج أهل الجنة لا يذكر معها الحور العين مراعاة لنفسية المرأة , كما في قوله تعالى: [وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ] [البقرة:25] كما في الآيات : البقرة [25] آل عمران [15] النساء [ 57] فلم يذكر الحور العين مع الأزواج.

السؤال السادس:

لماذا جاء الظرف: {مِن قَبْلُ} في الآية مبنياً على الضم ؟
الجواب:

هناك ظروف يسميها النحويون ( الظروف المقصودة ) منها : قبل , بعد, فوق , تحت, أمام , خلف ويذكر النحاة أنّ لها أربعة أحوال :

1ـ ألاّ تضاف وهي في ذلك نكرات كقول الشاعر :
فساغ لي الشراب وكنت قبلاً أكاد أغص بالماء الفرات
فمعنى ( قبلاً ) : فيما مضى من الزمان.

2ـ أنْ تضاف نحو قوله تعالى : [مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ] [النور:58] و [قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ] [آل عمران:144] .

3ـ أنْ يحذف المضاف إليه ويُنوى لفظه , وهذا قليل كقوله :
ومن قبلِ نادى كلُ مولى قرابة فما عطفت مولى عليه العواطف
أي : ومن قبل ذلك , ويعامل المضاف كأنّ المضاف إليه مذكور .

4ـ أنْ يحذف المضاف ويُنوى معناه , وتكون عند ذاك مبنية على الضم , وتكون في هذه الحالة معرفة من دون معرّف لفظي, وإنما هي معرفة بمعرّف معنوي , وهو القصد إليها , فبنيت على الضم لمخالفة حالاتها الإعرابية الأخرى التي تكون فيه نكرة أو معرّفة بالإضافة .

شواهد قرآنية :

[للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ] [الرُّوم:4]
[وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ] [يوسف:80].
[وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا] [مريم:9] .
[إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ] [يوسف:77] .
[أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ] [القصص:48] .
وقد ورد التعبير {مِن قَبْلُ} كثيراً في القرآن الكريم . وإعراب {مِن قَبْلُ}
من : حرف جر . و { قَبْلُ } ظرف مبني على الضم في محل جر .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:29] 

السؤال الأول:

ما دلالة اللام في قوله تعالى : {خَلَقَ لَكُمْ} ؟

الجواب:

قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ} هذه اللام كأنها للمِلك, فالله سبحانه وتعالى يخاطب هذا الإنسان حتى يرى كيف أكرمه الله عز وجل، وأنه خلق من أجله كل ما في الكون.

علماؤنا يقولون: إنّ هناك شيئين في الكون هما لأجلك؛ أحدهما لتنتفع به مباشرة كالماء والنبات والحيوان، والآخر للاعتبار: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [الروم:8] فهذا أيضاً لك حتى يحوزك إلى الإيمان، فإذن {خَلَقَ لَكُمْ} أي: لأجلكم للانتفاع أو للاعتبار.

لذلك يكون المعنى {خَلَقَ لَكُمْ} أي: من أجلكم للانتفاع والاعتبار.

السؤال الثاني:

ما دلالة قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة:29] ؟

الجواب:

{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة:29] المفسرون يقولون : استوى، أي: عمد إلى خلقها, أي: ثم عمد إلى خلق السماء بإرادته سبحانه وتعالى، و(الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب)، وقول المفسرين( عمد إلى خلقها) نوع من التأويل المقبول الآن، نحن بحاجة إليه لكي نترجم التفسير القرآني إلى الآخرين.

السؤال الثالث:

هل السماء تدل على المفرد أو الجمع ؟

الجواب:

السماء لفظها لفظ الواحد وكل ما علاك فهو سماء, لكنّ معناها معنى الجمع، ولذلك قال: {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} [البقرة:29] إشارة إلى تفصيلاتها. 

والسماء الدنيا بكل مليارات نجومها هي كحلقة في فلاة قياساً إلى السماء الثانية.

السؤال الرابع:

لِمَ قال تعالى: {فَسَوَّاهُنَّ } [البقرة:29] ولم يقل: خلقهنّ ؟

الجواب:

لأنّ التسوية خلقٌ وبناءٌ وتزيين, أمّا كلمة (خلق)، فهي تدل على الإيجاد والبناء، ولو تأملت السموات لرأيت بدعة الخلق ودقّته ونظاماً لا يختلُّ ولا يغيب.

السؤال الخامس:

الظاهر من الآية تقدم خلق الأقوات، وظاهر آية النازعات: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات:30] تأخره، فما القول في ذلك ؟

الجواب:

لفظة (ثم) في آية البقرة لترتيب الإخبار لا لترتيب الوقوع، ولا يلزم من ترتيب الإخبار ترتيب الوقوع, كما في آية الأنعام (153ـ154) في قوله تعالى : {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(153) ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ } [الأنعام:154] ولا ريب في تقديم إيتاء الكتاب على وصيته للأمة .

السؤال السادس:

ما حكمة الرقم (7) في عدد السماوات؟

الجواب:

عدد السماوات هو اختيار الله تعالى لذلك , والحكمة من هذا العدد لا يعلمها إلا الله سبحانه , لكنّ اللافت للنظر هو تكرار العدد (7) في أمور كثيرة منها :

1ـ عدد طبقات السماء .

2ـ عدد أيام الأسبوع .

3ـ عدد أشواط الطواف حول الكعبة .

4ـ عدد أشواط السعي بين الصفا والمروة .

5ـ عدد أبواب جهنم .

6ـ عدد عجائب الدنيا .

7ـ عدد آيات سورة الفاتحة .

8ـ عدد ألوان ما يسمى (قوس القزح ) .

9ـ عدد كلمات شهادة التوحيد ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ).

10ـ عدد المستويات المدارية للإلكترون .

11ـ عدد حصى الجمرات التي يرمي بها الحاج في منى خلال الحج .

12ـ يأمر الله تعالى تعليم الصلاة للطفل عند بلوغه سن السابعة .

13ـ للضوء المرئي سبعة ألوان , وهناك سبعة إشعاعات للضوء غير المرئي .

14ـ تهاجر الطيور بسرب على شكل سبعة .

15ـ سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .

اللهم اجعلنا منهم . والله أعلم .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

  (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ)

 
السؤال الأول:

ما دلالة الاختلاف في الشفاعة والعدل بين آيتي سورة البقرة (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48] و (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ١٢٣) [البقرة:123] ؟

الجواب: 

العدل معناه: ما يعادل الجُرم الذي هو الفدية.

وإيصال هذا المال أو المبلغ لمستحقه في حال قيام الإنسان بجريمة أو ما شابه لأهل المرتكب عليه الجريمة أو الشخص نفسه، هذا الإيصال له أسلوبان: 

1ـ الأول أنْ يرسل وفدَ صُلحٍ وشفاعة حتى يقبلوا ما يقدِّمه لهم فيبدؤوا أولاً بإرسال الوفد ثم يذهب بالفدية أو المقابل.

2ـ والصورة الأخرى أنْ يذهب ابتداء فيقدم ما عنده، فإذا رفض يذهب ويأتي بوسطاء يشفعون له.

والآيتان كل واحدة منهما نظرت إلى صورة, فنفى الصورتين عن القبول فيما يتعلق بالأمم التي آمنت قبل اليهود بشكل خاص حتى يؤمنوا بالله تعالى ورسوله محمد وبكتابه:

آ ـ الآية الأولى (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48] هذه الصورة الأولى تقدمون الشفاعة، و الشفاعة لا تقبل، والفدية لا تؤخذ.

ب ـ الآية (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ١٢٣) [البقرة:123] هذه الصورة الثانية. 

والجمع بين الآيتين على بُعد ما بينهما أنه كل آية نظرت في صورة , فالأولى نظرت في صورة والثانية نظرت في صورة , ومع ذلك انتفت كلتا الصورتين, وهذا يعني أنه لا يمكن أنْ يقبل منكم إلا أنْ تتبعوا هذا النبي الكريم محمداً ﷺ, وبدون ذلك لا تقدموا الشفاعة ابتداء ولا تأتوا بالشفاعة لأنً هذا كله لا يُقبل , والذي يقبل منكم هو الإيمان بالرسول محمد عليه السلام والقرآن الكريم . 

وكأنّ ذلك نوع من التيئيس؛ لأنّ الإنسان إذا ارتكب جرماً إمّا أن يذهب بالعدل ،أي: المال المقابل للجرم إلى القبيلة، فإذا رُفِض يذهب ويأتي بالشفعاء، أو العكس يأتي بالشفعاء أولاً حتى يقبلوا العدل منه. 

والقرآن الكريم يأَّس بني إسرائيل من الحالتين: لا يقبل منكم عدل ابتداء وبعده شفاعة, ولا شفاعة ابتداء ثم يأتي العدل بعد ذلك , ولا ينفعكم إلا أنْ تتبعوا محمداً ﷺ.

ملخص الجواب للشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى :

1ـ المعنى العام :

بشكل عام الخطاب للكفار والآية نازلة فيهم , أمّا المؤمنون فلهم الشفاعة رزقنا الله تعالى إياها وحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة .

والعربي الذي يقع في كريهة يحاول أعوانه الدفاع عنه بمقتضى الحمية، فإنْ لم يستطيعوا حاولوا بالملاينة بدل المخاشنة، فإنْ لم تغن عنه الحالتان لم يبق عنده إلا فداء الشيء بالمال, فإنْ تعذر ذلك تعلل بما يرجوه من شفاعة الأخلاء والإخوان .

ومن كان ميله إلى حب المال أشد من ميله إلى علو النفس فإنه يقدم التمسك بالشافعين على إعطاء الفدية، ومن كان بالعكس يقدم الفدية على الشفاعة.

فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يغني شيء من هذه الأمور عن المجرمين في الآخرة.

2ـ المعاني اللغوية : 

آـ (يَوۡمٗا) [البقرة:48] : هو يوم القيامة وهو بذاته لا يُتَّقى فلا بد منه, وإنما المقصود اتقاء ما يحصل في ذلك اليوم من الشدائد والعقاب.

ب ـ الشفاعة: ضم غيره إلى وسيلته, والشفع ضد الوتر؛ لأنّ الشفيع ينضم إلى الطالب في تحصيل ما يطلب فيصبح شفعاً بعد أنْ كان وتراً .

ج ـ العَدل : هو الفدية، وأصله ما يساوي الشيء قيمة وقدراً وإنْ لم يكن من جنسه.

والعِدل والعديل : هو المِثلُ أو هو المساوي للشيءِ في الجنسِ والجرمِ، تقول : عندي عِدلُ شاتِكَ أو عِدلُ غلامِكَ إذا كان شاة تعدل شاة، وغلاماً يعدل غلاماً , فإن أردت قيمَتَه من غير جنسه فتحتَ العَين.

والعَدلُ ضِدُّ الجورِ، والعديلُ الذي يعادِلُك في القدر والوزن.

د ـ (وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) : أي ليس لهم من يمنعهم وينجّيهم من عذاب الله.

هـ ـ جزى : بمعنى قضى، وقضاء الحقوق يوم القيامة إنما يقع في الحسنات.

سؤال :

هل الفائدة من قوله تعالى (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا) [البقرة:48] هي نفس الفائدة من قوله: (وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨﴾ [البقرة:48] ؟

جواب :

معنى القسم الأول من الآية (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا) [البقرة:48] أنه لا يتحمل عنه غيره ما يلزمه من الجزاء , وأمّا النصرة فهي أنْ يحاول تخليصه من حكم المعاقِب. 

سؤال :

قدّم المولى عز وجل (الشفاعة ) على ( العدل ) في الآية ( 48 )، بينما قدّم (العدل ) على ( الشفاعة ) في الآية (123 )، فما الحكمة من التقديم والتأخير؟

جواب : 

آ ـ الآيتان المذكورتان في نفس السورة، وهما :

الآية الأولى (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48]. 

الآية الثانية (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ١٢٣) [البقرة:123].

والملاحظ أنّ صدر الآيتين واحدٌ وعجزهما مختلف أي :

 

%D8%AC%D8%AF%D9%88%D9%84%20%D8%A2%D9%8A%

ب ـ الآيتان [ 48 ] و[123 ] سبق كلٌ منهما نفس الآية أي أنّ الآية [ 47 ] و [122 ] هي نفسها؛ وبيان ذلك: قال تعالى:

(يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧) [البقرة:47]. 

(َٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ١٢٢) [البقرة:122].

والمقصود بـ (وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ) أي: على عالمي زمانكم , وهو من باب عطف الخاص على العام؛ لأنّ النعمة اندرج تحتها التفضيل المذكور على عالمي زمانهم بما أعطوا من الملك والرسل والكتب في زمانهم ؛ فإن لكل زمان عالماً .

ج ـ والحق أن أمة الرسول ﷺ هي أفضل منهم؛ لأنّ الله أشهد بني إسرائيل فضل أنفسهم فقال: (وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ) وأشهد المسلمين فضل نفسه؛ قال تعالى: (قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ٥٨) [يونس:58] وشتان مَن مشهوده فضل ربه، ومن مشهوده فضل نفسه . 

قال رسول الله ﷺ : «أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله» .

والله يقول : (كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ ١١٠) [آل عمران:110] .

فالحمد لله الذي فضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً.

د ـ سياق الآيات التي قبلها :

لقد سبق الآية 48 الآيات من [48:40] وهي قوله تعالى :

(يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ٤٠ وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ٤١ وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ٤٢ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ٤٣ ۞أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ٤٤ وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ٤٥ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ٤٦ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧ وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48:40] . 

وهذه الآيات تؤكد كمال غفلة بني إسرائيل عن القيام بحقوق النعم التي أنعم الله عليهم بها وليربط بما بعده من الوعيد الشديد بالترغيب والترهيب , فذكّرهم بنعمه أولاً ثم عطف على تحذيرهم من طول نقمه بهم يوم القيامة إنْ لم يؤمنوا برسوله ﷺ ويتابعوه على ما بعثه به , فإنه لا تنفعهم قرابة قريب ولا شفاعة ذي جاه ولا يقبل منهم فداء ولو بملء الأرض ذهباً، كما قال تعالى: ( مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ ٢٥٤) [البقرة:254] .

أمّا الآية الآية[122] المذكورة سابقا؛ ففيها تكرير التذكير لبني إسرائيل وحثهم على اتباع الرسول الأمي ﷺ الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه، وأنْ لا يحملهم الحسد للعرب على مخالفته وتكذيبه .

هـ ـ نعود الآن إلى أصل السؤال :

1ـ نلاحظ في قوله تعالى (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا) [البقرة:48] أي: هناك نفسان نفس جازية، والثانية مجزي عنها . 

2ـ ففي الآية [48] المعنى العام لها أنه سيأتي إنسان صالح ـ حتى تقبل شفاعته عند الله ـ فيقول: يا رب أنا سأشفع لفلان أو أقضي حق فلان .

فنفس الإنسان الصالح جازية والأخرى مجزي عنها, لكن لا تقبل شفاعته؛ لأنه يشفع لكافر وبالتالي لا يؤخذ منه عدل، أي: فدية، ولا يسمح بأي مساومة أخرى .

ففي هذه الآية بدأ عجزها بالشفاعة، وهي تعود على النفس الأولى في الآية .

3ـ أما الآية الثانية [123] فيتحدث الله تبارك وتعالى عن النفس المجزي عنها قبل أنْ تستشفع بغيرها وتطلب منه أنْ يشفع لها, بعد أنْ يكون قد ضاق بالكافر الحيل وهذا اعتراف بعجزه فيقول يارب : ماذا أفعل حتى أكّفر عن ذنوبي، فلا يقبل منه , كما في قوله تعالى في سورة السجدة الآية [12]: (وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَآ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢) [السجدة:12] فيكون رد الحق سبحانه كما في الآية [14] (فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ إِنَّا نَسِينَٰكُمۡۖ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ١٤) [السجدة:14] .

فهم عرضوا على ربهم أن يكّفروا عن سيئاتهم بأنْ يعودوا إلى الدنيا ليعملوا صالحاً فلم يقبل الله منهم هذا العرض, وكما في قوله تعالى في سورة الأعراف: ( فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشۡفَعُواْ لَنَآ أَوۡ نُرَدُّ فَنَعۡمَلَ غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ قَدۡ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ٥٣) [الأعراف:53] حيث خرج الاستفهام إلى النفي، أي: ما لنا من شفعاء .

وجاء بـ (قد) والفعل الماضي (قَدۡ خَسِرُوٓاْ) لتأكيد النتيجة النهائية، وهي الخسران.

لذلك هنا النفس المجزي عنها هي التي تطلب التكفير والفداء فبدأ عجزها بـ(عَدۡلٞ) .

4ـ الملخص: 

النفس الأولى: الجازية يناسبها الآية الأولى؛ لأنها بدأت بطلب الشفاعة ,أمّا النفس الثانية: المجزي عنها, فيناسبها الآية الثانية؛ لأنها بدأت بتقديـم الفداء .

5ـ والمعنى العام للآيتين أنّ الله تعالى لا يقبل ممن كفر به فدية ولا شفاعة ولا ينقذ أحداً من عذابه منقذ ولا يخلّص منه أحد ولا يجير منه أحد , وصار الحكم إلى الجبار العدل الذي لا ينفع لديه للكافرين الشفعاء والنصراء فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها , وكما قال تعالى في القران الكريم :

(إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٌ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ لَعۡنَةُ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ١٦١) [البقرة:161]. 

(إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لِيَفۡتَدُواْ بِهِۦ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنۡهُمۡۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ٣٦) [المائدة:36].

(فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُؤۡخَذُ مِنكُمۡ فِدۡيَةٞ وَلَا مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ مَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُۖ هِيَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ١٥) [الحديد:15].

( َإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلٖ لَّا يُؤۡخَذۡ مِنۡهَآۗ ٧٠) [الأنعام:70].

(فَمَا لَهُۥ مِن قُوَّةٖ وَلَا نَاصِرٖ١٠) [الطارق:10] .

( وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيۡهِ ٨٨) [المؤمنون:88].

(فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُۥٓ أَحَدٞ٢٥ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٞ٢٦) [الفجر:25-26] .

(مَا لَكُمۡ لَا تَنَاصَرُونَ٢٥ بَلۡ هُمُ ٱلۡيَوۡمَ مُسۡتَسۡلِمُونَ٢٦) [الصافات:25-26]. 

(فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَۢۖ بَلۡ ضَلُّواْ عَنۡهُمۡۚ ٢٨) [الأحقاف:28] .

(وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48].

(وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَآ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢) [السجدة:12] .

السؤال الثاني:

ماذا عن تذكير وتأنيث لفظة (شَفَٰعَةٞ) في القرآن الكريم ؟

الجواب:

1ـ في آية البقرة [48] قوله تعالى (وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ) [البقرة:48].

آ ـ ذكّر الفعل (يُقۡبَلُ) مع الشفاعة؛ لأنّ الشفاعة هنا لمن سيشفع، أي: للشافع وهو مذكر .

ب ـ الشفاعة ليست مؤنثة حتى تكون الشفاعة مطلقة .

ج ـ إذا فصلت بين المؤنث الحقيقي والمؤنث المجازي يجوز التذكير والتأنيث، تقول : ذهب إلى الجامعة فاطمة, وذهبت إلى الجامعة فاطمة، هكذا إذا كان هناك فصل، لكنْ : ذهبت فاطمة لا يجوز غير هذا: ذهبت فاطمة.

د ـ أمّا المؤنث المجازي، فتقول: طلعت الشمس، وطلع الشمس، ابتداء فهذا مؤنث مجازي .

2ـ في آية البقرة[ 123] أنّث الفعل، فقال: ( وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ ١٢٣) [البقرة:123] ؛لأنّ المقصود هي الشفاعة نفسها وليس الكلام عن الشفيع .

3ـ في آيات يس 23 قوله تعالى: ( لَّا تُغۡنِ عَنِّي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُنقِذُونِ٢٣) [يس:23] والنجم [26] قوله تعالى : ( لَا تُغۡنِي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡ‍ًٔا ٓ٢٦) [النجم:26] أنّث الفعل؛ لأنّ المقصود هي الشفاعة نفسها.

السؤال الثالث:

قال تعالى فى سورة لقمان: ( وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ ٣٣) [لقمان:33] وفي البقرة قال: (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا) [البقرة:48] . فما الفرق بين الوالد والولد والنفس؟

الجواب:

1ـ لا ننسى أنه في سورة لقمان ذكر الوالدين والوصية بهما ( وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ ١٥) [لقمان:15] والسورة تحمل اسم لقمان (وَالِدٌ) وهي مأخوذة من موقف لقمان وموعظته لابنه وكيف أوصاه, ووصية ربنا بالوالدين ، وقد وردت ضمن وصية لقمان لابنه، إذن هذه أنسب أولاً مع اسم السورة ومع ما ورد في السورة من الإحسان إلى الوالدين والبر بهما ومصاحبتهما في الدنيا معروفاً .

2ـ في البقرة لم يذكر هذا، وإنما جاءت كلمة (نفس) عامة تقع على الروح وعلى الذات .

3ـ وذكر الوالد والولد في آية لقمان مناسب لما ورد في السورة من الإحسان إلى الوالدين والبر، مع ملاحظة أن قوله تعالى: ( وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ) [لقمان:15] خاص بالدنيا، بينما في هذه الآية (لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ) [لقمان:33] الأمر متعلق بالآخرة الآخرة, لذلك يتبين أنّ المصاحبة بالمعروف والإحسان إليهما وما وصّى به في السورة لا يمتد إلى الآخرة, وأنّ هذه المصاحبة ستنقطع في الدنيا، وهي ليست في أمور الآخرة .

إذن هذه مناسبة لقطع أطماع الوالدين المشركين في الحصول على نفع ولدهما إن كان مؤمنا أو دفعه شيئا عنهما في الآخرة, إضافة إلى أنها مناسبة لما ورد في السورة من ذكر الوالدين والأمر بالمصاحبة لهما ونحوه. 

السؤال الرابع:

ما دلالة حذف العائد المقدر (فيه) مع الآيات عندما يستعمل الفعل (يجزي) كما في آية البقرة[ 48] (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ) [البقرة:48] وآية لقمان (وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ ٣٣ ) [لقمان:33] وآية البقرة [123] (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ) [البقرة:123] بينما ذُكرت (فيه) مع آيات أخرى، كما في آية البقرة (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١ ) [البقرة:281] وآية النور (يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ٣٧) [النور:37] فما الفرق ؟

الجواب:

آ ـ جملة الصفة عادة يكون فيها عائد أي (ضمير) يعود على الموصوف قد يكون مذكوراً وقد يكون مقدّراً، وهنا مقدر, أي: أن النحاة يقدرون : لا يجزي فيه, هذا من حيث التقدير، وهو جائز الذكر وجائز التقدير؛لأنه ذكرها في مواطن أخرى: (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ) [البقرة:281] فالأمران جائزان، وقد ذكرا في مواطن.

ب ـ يبقى لماذا اختار عدم الذكر؟ والجواب أنّ الحذف عادة يفيد الإطلاق عموماً، فعندما تقول : فلان يسمعك أو فلان يسمع، (يسمع) أعم، يقول الحق أو يقول، (يقول): أعم، يعطي المال أو يعطي، يعطي أعمّ. وعدم ذكر المتعلقات يفيد الإطلاق، إذن هو الآن أظهر التعبير بمظهر الإطلاق ولم يذكر (فيه)؛ لأنه أظهره بمظهر الإطلاق.

ج ـ يبقى السؤال لماذا لم يذكر هنا و ذكر في مواطن أخرى؟

والجواب: لو (جزى فيه) والد عن ولده , أي لو دفع ( في ) يوم القيامة هل هذا الجزاء يختص بهذا اليوم أو بما بعده؟ والجواب: هو بذلك اليوم.

ولو (جزى) والد عن ولده بدون( فيه) لو جزى عنه يعني لو قضى عنه ما عليه، هذا الجزاء سيكون الجنة , والجزاء ليس في ذلك الوقت وإنما أثر الجزاء سيمتد، أي أنّ الجزاء سيكون في هذا اليوم ولكنّ الأثر هو باق، ولذلك حيث قال: (لَّا يَجۡزِي) لم يقل 😞 فيه ) في كل القرآن.

شواهد قرآنية بدون ( فيه 😞

(وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨) [البقرة:48] ما قال (فيه).

(وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ١٢٣) [البقرة:123] ما قال (فيه). 

شواهد قرآنية مع ( فيه 😞

(وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١) [البقرة:281] أي تُوَفَّى في ذلك اليوم ؛ فإمّا يذهب للجنة وإمّا إلى النار. 

(يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ٣٧) [النور:37] في ذلك اليوم وبعدها ليس فيه تقلب؛ لأنه يذهب للجنة، وذِكر (فيه) خصصها باليوم فقط .

ولمّا قال: (ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ) [البقرة:281] هذا في يوم القيامة وليس مستمراً يومياً، والذي في الجنة تُوُفِّيَ عمله والذي في النار تُوُفِّيَ عمله، والتَّوفِّي هو في يوم القيامة وأثر التَّوفيةِ إمّا يذهب إلى الجنة وإمّا إلى النار، وتقلُّبُ القلوب والأبصار هو في يوم القيامة ثم يذهب أصحاب الجنة إلى الجنة وأصحاب النارإلى النار، ولا يعود هناك تقلب قلوب ولا أبصار. 

ولو جزى والدٌ عن ولده لكان أثر الجزاء ليس خاصاً في ذلك اليوم، وإنما يمتد إلى الخلود إلى الأبد، ولذلك لم يذكر (فيه) وأخرجه مخرج الإطلاق، لذلك حيث قال: (لا تجزي) ولم يقل (فيه) يكون لنفي المتعلق وإطلاق الأمر.والله أعلم .

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)

 

السؤال الأول:

المطلوب إجراء مقارنة بين قصة موسى في آيات البقرة ( 58ـ60) والقصة نفسها في آيات سورة الأعراف (160ـ 162) وهي قوله تعالى : 

وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ

فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ

؟ 

 

الجواب:

مقدمـــة :

سياق آيات سورة البقرة هو في تعداد النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل, بينما سياق آيات سورة الأعراف هو في مقام تقريع وتأنيب لما فعله بنو إسرائيل بعد أنْ أنجاهم الله من البحر وأغرق فرعون .

وإليك أهم الفروق التعبيرية بين السورتين :

4(7).jpg

فما سر هذا الاختلاف ؟

البيان هو حسب التسلسل المذكور أعلاه :

1ـ قال في البقرة (وَإِذۡ قُلنا) [البقرة:58] وفي الأعراف (وَإِذۡ قِيلَ) [الأعراف:161] ببناء الفعل للمجهول , والقرآن الكريم يسند الفعل إلى الله سبحانه في مقام التشريف والتكريم ومقام الخير العام والتفضل، بخلاف الشر والسوء، فإنه لا يذكر فيه نفسه تنزيهاً له عن فعل الشر وإرادة السوء.

ـ شواهد قرآنيةعلى ذكر نفسه تعالى :

المائدة [3]، النساء [72، 69] الإسراء [ 83] الفاتحة [7] الزخرف [59] الشعراء [ 78، 80] الجن [10] الكهف [79، 82 ] الحجرات [7 ] الصافات [ 6] الملك [ 5 ] الحجر [16].

ـ شواهد قرآنية على عدم ذكر نفسه تعالى : 

البقرة [ 212] الرعد [33 ] الأنعام [ 122] فاطر [ 8 ] غافر [37] التوبة [37] الفتح [12]. 

ملاحظات :

ـ قد تجد (زَيَّنَّا لَهُمۡ أَعملهُمۡ) [النمل:4] ولكن لا تجد (زينا لهم سوء أعمالهم)؛ لأنّ الله لا ينسب لنفسه السوء.

ـ تجد (ءَاتَينهُمُ ٱلكتَٰابَ) [البقرة:121] في مقام المدح والثناء، وتجد (أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ) [البقرة:101] في مقام الذم والتقريع.

ـ تجد (أَوۡرَثنَا) [فاطر:32] في مقام المدح، وتجد (أُورِثُواْ) [الشورى:14] في مقام الذم.

ـ شواهد قرآنية على (ءَاتَيۡنَا ) :

البقرة [53 ] الجاثية [16] البقرة [121، 146 ] الأنعام [20 ]الأنعام [114 ][89 ] الرعد[ 36] القصص[ 52] العنكبوت [47] النساء [54].

ـ شواهد قرآنية على (أُوتُواْ ) :

البقرة [ 101، 145] ـ آل عمران [ 19، 23، 100، 187] النساء [44، 47، 51 ] المائدة [ 57 ] التوبة [ 29 ] الحديد [16]. 

ـ شواهد قرآنية على (أَوۡرَثۡنَا ) :

فاطر [32 ] غافر [53]

ـ شواهد قرآنية على (أُورِثُواْ) :

الشورى [14].

وليس معنى هذا أنّ الله سبحانه لا ينسب إلى نفسه عقوبة، بل إنه يفعل ذلك لأنه من الخير العام , ولكنه لا ينسب إلى نفسه سوءاً، فإنه من أكبر الخير أنْ يهلك الطغاة الظالمين (لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ) [إبراهيم:13] (ثُمَّ أَخَذۡتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ) [فاطر:26] .

2 و3 ـ قال في البقرة: (ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ) [البقرة:58] وقال في الأعراف : (ٱسۡكُنُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ وَكُلُواْ) [الأعراف:161] .

في البقرة المطلوب الدخول ثم الأكل مباشرة (فَكُلُواْ) [البقرة:58] بالفاء.

بينما المطلوب في الأعراف : السكن والاستقرار ثم الأكل (وَكُلُواْ) بالواو.

والدخول غير السكن؛ لأنّ السكن لا يكون إلا بعد الدخول، فجعل الطعام في البقرة مهيأ قبل السكن والاستقرار, وفي الأعراف مع السكن بلا تعقيب فقد يطول الزمن وقد يقصر، فكان الموقف في البقرة أكرم وأفضل .

4ـ قال في البقرة : (رَغَدٗا) [البقرة:58] ولم يقل ذلك في الأعراف تناسباً لتعداد النعم في البقرة ، مع ملاحظة أن كلمة (رَغَدٗا) تكررت مرتين في سورة البقرة مع قصتي آدم وموسى عليهما السلام؛ لأنّ جو البقرة جو تكريم لآدم وتكريم لذريته من بني إسرائيل, ولم تذكر الكلمة في الأعراف في القصتين؛ لأنّ جو السورة جو عقوبات وتأنيب.

ثم انظر كيف قدّم (رَغَدٗا) في الجنة وأخّرها في الدنيا، فقال في الجنة: (وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا) [البقرة:35] وقال في الدنيا : (فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا) [البقرة:58]؛ لأنّ الرغد في الدنيا قليل.

5 ـ في البقرة قدّم السجود على القول (وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ) [البقرة:58] وذلك لسببين:

آ ـ السجود أشرف من القول .

ب ـ السياق يقتضي ذلك، فقد جاءت هذه القصة في عقب الأمر بالصلاة، انظر آيات سورة البقرة( 43- 47 ) فناسب تقديم السجود لاتصاله بالصلاة والركوع , وكلا الأمرين مرفوع في سورة الأعراف فأخّر السجود.

6 ـ في البقرة قال: (نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ) [البقرة:58] بجمع الكثرة وهو مناسب لمقام تعداد النعم , وقال في الأعراف : (خَطِيٓـَٰٔتِكُمۡۚ) [الأعراف:161] بجمع القلة وهو مناسب لمقام التقريع والتأنيب.

7ـ قال في البقرة: (وَسَنَزِيدُ) [البقرة:58] فجاء بالواو الدالة على الاهتمام والتنويع ولم يجىء بها في سورة الأعراف.

8 ـ قال في سورة البقرة : (ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ) وقال في سورة الأعراف (ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ) وذلك لأنه سبق هذا القول في سورة الأعراف قوله تعالى : (وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ) [الأعراف:159] أي : ليسواجميعاً على هذه الشاكلة من السوء , فناسب هذا التبعيض في الآية. وجاء في ( التفسير الكبير ) أنّ سبب زيادة كلمة ( منهم ) في الأعراف أنّ أول القصة مبني على التخصيص بلفظ ( من ) كما في الآية (159 ) فذكر أنّ منهم من يفعل ذلك , ثم عدّد صنوف إنعامه عليهم وأوامره لهم , فلمّا انتهت القصة قال تعالى : (ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ) فذكر لفظة ( منهم ) في آخر القصة كما ذكرها في أول القصة ليكون آخر الكلام مطابقاً لأوله . 

9ـ الفرق بين قوله تعالى في البقرة: (فَأَنزَلۡنَا) وبين قوله في الأعراف : (فَأَرۡسَلۡنَا ) أنّ الإنزال لا يشعر بالكثرة، والإرسال يشعر بها،والإرسال أشد في العقوبة من الإنزال , قال تعالى في أصحاب الفيل : (وَأَرۡسَلَ عَلَيۡهِمۡ طَيۡرًا أَبَابِيلَ٣ تَرۡمِيهِم بِحِجَارَةٖ مِّن سِجِّيلٖ٤ فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفٖ مَّأۡكُولِۢ٥) فكأنه تعالى بدأ بإنزال العذاب القليل ثم جعله كثيراً, والسبب أنّ سياق آيات سورة البقرة هو في تعداد النعم التي أنعم الله على بني إسرائيل, بينما مقام آيات سورة الأعراف هو مقام تقريع وتأنيب لما فعله بنو إسرائيل.

وللعلم فقد ورد لفظ ( الإرسال ) ومشتقاته في الأعراف حوالي ثلاثين مرة , وفي البقرة سبع عشرة مرة , فوضع كل لفظ في المكان الذي هو أليق بها .

10 ـ قال في البقرة: (عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٥٩) وقال في الأعراف: (عَلَيۡهِمۡ ١٦٢) وهو أعم من الأول , أي أنّ العقوبة أعم وأشمل وهو المناسب لمقام التقريع .

11ـ قال في البقرة: (يَفۡسُقُونَ ٥٩) وقال في الأعراف: (يَظۡلِمُونَ ١٦٢) والظلم أشد من الفسق، وهو المناسب لـ ( إرسال ) العذاب فذكر في كل سيلق ما يناسبه . وقد يظلم الإنسان نفسه وقد يظلم غيره، ولكنّ الفاسق هو الذي يظلم نفسه بخروجه عن طاعة الله وليس شرطاً أنْ يظلم غيره، وجاء في الحديث القدسي «ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا» . والله أعلم.

تتمة النقاط وتفصيلات أخرى تجدها فيما يلي :

السؤال الثاني:

ما الفرق من الناحية البيانية بين (فَٱنفَجَرَتۡ) [البقرة:60] في سورة البقرة ، و(فَٱنۢبَجَسَتۡ) [الأعراف:160] في سورة الأعراف في قصة موسى عليه السلام؟

الجواب:

1ـ جاء في سورة البقرة (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ) [البقرة:60] .

وجاء في سورة الأعراف (وَقَطَّعۡنَٰهُمُ ٱثۡنَتَيۡ عَشۡرَةَ أَسۡبَاطًا أُمَمٗاۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنۢبَجَسَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۚ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡغَمَٰمَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) [الأعراف:160] . 

والسؤال ماذا حدث فعلاً هل انفجرت أو انبجست؟ والجواب كلاهما، وحسب ما يقوله المفسرون: إنها انفجرت أولاً بالماء الكثير، ثم قلّ الماء بمعاصيهم.

في سياق الآيات في سورة البقرة الذي يذكر الثناء والمدح والتفضّل على بني إسرائيل جاء بالكلمة التي تدل على الكثير، فجاءت كلمة (فَٱنفَجَرَتۡ) [البقرة:60]، أمّا في سورة الأعراف فالسياق في ذمّ بني إسرائيل فذكر معها الانبجاس (فَٱنۢبَجَسَتۡ) وهو أقلّ من الانفجار, وهذا أمرٌ مشاهد فالعيون والآبار لا تبقى على حالة واحدة، فقد تجفّ العيون والآبار، فذكر الانفجار في موطن والانبجاس في موطن آخر، وكلا المشهدين حصل بالفعل. 

2 ـ سياق الآيات في البقرة هو في التكريم لبني إسرائيل، فذكر أموراً كثيرة في مقام التفضيل والتكرّم والتفضّل: (وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٤٩ وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٠) [البقرة: 49 ،50] و (يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ) [البقرة:47] .

أمّا السياق في الأعراف فهو في ذكر ذنوبهم ومعاصيهم، والمقام مقام تقريع وتأنيب لبني إسرائيل: (وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتَوۡاْ عَلَىٰ قَوۡمٖ يَعۡكُفُونَ عَلَىٰٓ أَصۡنَامٖ لَّهُمۡۚ قَالُواْ يَٰمُوسَى ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞۚ قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ) [الأعراف:138] والفاء (فَأَتَوۡاْ) [الأعراف:138] هنا تفيد المباشرة، أي: بمجرد أنْ أنجاهم الله تعالى من الغرق أتوا على قوم يعبدون الأصنام فسألوا موسى أنْ يجعل لهم إلهاً مثل هؤلاء القوم.

3ـ قوم موسى استسقوه، فأوحى إليه ربه بضرب الحجر (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ) [البقرة:60] وفيها تكريم لنبيّ الله موسى عليه السلام واستجابة الله لدعائه. والإيحاء أنّ الضرب المباشر كان من الله تعالى, وفي الأعراف موسى عليه السلام هو الذي استسقى لقومه (إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ) [الأعراف:160]. 

4ـ قال في البقرة: (كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ) [البقرة:60] والشرب يحتاج إلى ماء أكثر، لذا انفجر الماء من الحجر في السياق الذي يتطلب الماء الكثير, بينما قال في الأعراف:( كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ)[الأعراف:160] لم يذكر الشرب فجاء باللفظ الذي يدل على الماء الأقلّ (فَٱنۢبَجَسَتۡ) [الأعراف:160] .

5ـ في البقرة جعل الأكل عقب الدخول، وهذا من مقام النعمة والتكريم (ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ) [البقرة:58] والفاء تفيد الترتيب والتعقيب، بينما في الأعراف لم يرد ذكر الأكل بعد دخول القرية مباشرة، وإنما أمرهم بالسكن أولاً ثم الأكل (ٱسۡكُنُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ وَكُلُواْ) [الأعراف:161] .

(رَغَدٗا) تذكير بالنعم وهم يستحقون رغد العيش كما يدلّ سياق الآيات، وفي الأعراف لم يذكر (رغداً)؛ لأنهم لا يستحقون رغد العيش مع ذكر معاصيهم .

7ـ في البقرة قال: (وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ) [البقرة:58] بُدئ به في مقام التكريم وتقديم السجود أمر مناسب للأمر بالصلاة الذي جاء في سياق السورة (وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ) [البقرة:43] والسجود هو من أشرف العبادات، بينما قال في الأعراف:

( وَقُولُواْ حِطَّةٞ وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا) [الأعراف:161] لم يبدأ بالسجود هنا؛ لأنّ السجود من أقرب ما يكون العبد لربه ، وهم في السياق هنا مبعدون عن ربهم لمعاصيهم .

8ـ قال في البقرة: (نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ) [البقرة:58] (الخطايا) جمع كثرة, وإذا غفر الخطايا فقد غفر الخطيئات قطعاً, وهذا يتناسب مع مقام التكريم الذي جاء في السورة، بينما قال في الأعراف: (نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطِيٓـَٰٔتِكُمۡۚ) [الأعراف:161] وخطيئات جمع قلّة، وجاء هنا في مقام التأنيب، وهو يتناسب مع مقام التأنيب والذّم في السورة .

(وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) [البقرة:58] إضافة الواو هنا تدل على الاهتمام والتنويع، ولذلك تأتي الواو في موطن التفضّل وذكر النعم، وفي الأعراف (سَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) [الأعراف:161] لم ترد الواو هنا؛ لأنّ المقام ليس فيه تكريم ونعم وتفضّل.

10ـ في البقرة قال: (فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ) [البقرة:59] وفي الأعراف (فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ) [الأعراف:162] هم بعض ممن جاء ذكرهم في أول الآيات.

11ـ في البقرة قال:( فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ)[البقرة:59] وفي الأعراف قال: (فَأَرۡسَلۡنَا) [الأعراف:162] (أرسلنا) في العقوبة أشدّ من (أنزلنا)، وقد تردد الإرسال في السورة 30 مرة، أما في البقرة فتكرر 17 مرة .

12ـ في البقرة قال: (بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ) [البقرة:59] وفي الأعراف (بِمَا كَانُواْ يَظۡلِمُونَ) [الأعراف:162] والظلم أشدّ؛ لأنه يتعلّق بالنفس وبالغير.

لذلك (فَٱنفَجَرَتۡ) [البقرة:60] جاءت هنا في مقام التكريم والتفضّل، وهي دلالة على أنّ الماء بدأ بالانفجار بالماء الشديد فجاء بحالة الكثرة مع التنعيم، وجاءت (فَٱنۢبَجَسَتۡ) [الأعراف:160] في مقام التقريع؛ قلّ الماء بمعاصيهم، فناسب ذكر حالة قلّة الماء مع تقريعهم .

وخروج الماء كان كثيراً في البداية لكنه قلّ بسبب معاصيهم، وليس هذا تعارضاً كما يظن بعضهم، لكن ذكر الحالة بحسب الموقف الذي هم فيه، فلمّا كان فيهم صلاح قال: انفجرت، ولمّا كثرت معاصيهم قال: انبجست.

13ـ في الآية (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ) [البقرة:60] موسى ضرب الحجر، لكنه لم يقل (فضرب) إذن الكلام فيه حذف، وهو مفهوم ولكن لم يذكره .

السؤال الثالث:

قال تعالى: (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ) [البقرة:60] ولم يقل مثلاً : (وإذ استسقى موسى ربّه) ؟ أليس موسى أحد أفراد القوم ؟

الجواب:

في هذا السؤال دلالة على عناية الله تعالى بعباده الصالحين، فهذا الدعاء والاستسقاء يدلك على أنّ موسى عليه السلام لم يصبه العطش؛ لأنّ الله تعالى وقاه الجوع والظمأ، كما قال رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم : «إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني»

وانظر كيف كان الاستسقاء لموسى عليه السلام وحده دون قومه، فلم يقل ربنا سبحانه وتعالى مثلاً : (وإذا استسقى موسى وقومه ربهم)، وذلك ليظهر لنا ربنا كرامة موسىِ عليه السلام وحده، ولئلا يظن القوم أنّ الله تعالى أجاب دعاءهم.

السؤال الرابع:

ما نوع الفاء في كلمة (فَقُلۡنَا) [البقرة:60] في الآية ؟

الجواب:

الفاء هي الفاء الفصيحة، وهي الفاء التي تبين وتفصح عن :

1 – محذوف وتدل على ما نشأ عنه مثل قوله تعالى: (وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ) [البقرة:60] وتقدير الكلام ( ... فقلنا اضرب بعصاك الحجر فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) . 

2ـ أو تفصح عن جواب شرط محذوف، مثل قوله تعالى: (قَالَتۡ فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ) [يوسف:32] و تقدير الكلام : إنْ كنتن لا تدرين فذلكن الذى لمتنني فيه .

3ـ الفاء الفصيحة لا محل لها من الإعراب .

والله أعلم .

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا ذَلُولٞ تُثِيرُ ٱلأَرۡضَ وَلَا تَسقِي ٱلحَرۡثَ مُسَلَّمَةٞ لاشِيَةَ فِيهَاۚ قَالُواْ ٱلـَٔنَ جِئتَ بالحَقِّۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفعَلُونَ) [البقرة: 71]

السؤال الأول:

ما الفرق في استعمالات الفعل (كاد) في قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفعَلُونَ) [البقرة:71] و (إِذَآ أَخرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ) [النور:40] و (وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبصَٰرِهِمۡ) [القلم:51]؟ وما الفرق بين كاد وعسى؟

الجواب:

( كاد )

(كاد) من أفعال المقاربة، أي: قارب الحصول ولم يحصل بينما (عسى) هو لمقاربة الأمر على سبيل الرجاء.

ـ خبر كاد فعل مضارع غير مقترن بأنْ على الغالب، وذلك لقربها من الوقوع.

ـ خبر عسى فعل مضارع مقترن بأنْ على الغالب؛ لأنّ (أنْ) تدل على الاستقبال.

وقيل: إنَّ (كاد) إثباتها نفي ونفيها إثبات، فإن قلت: كاد يفعل , فمعناه لم يفعل, وإنْ قلت: ما كاد يفعل, فمعناه أنه فعله بعد جهد، بدليل قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفعَلُونَ) [البقرة:71].

ومعنى قوله تعالى: (إِذَآ أَخرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ) [النور:40] أي: مبالغة في (لم يرها) , أي: لم يقرب أنْ يراها فضلاً عن أنْ يراها, والأصح أنّ المعنى أنه يراها بعد اجتهاد ويأس من رؤيتها.

ومعنى قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفعَلُونَ) [البقرة:71]أي: ذبحوها بعد الجهد، وبعد أنْ كان بعيداً في الظن أن يذبحوها.

ومعنى قوله تعالى: (وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) [الزُّخرُف:52] هذا الكلام عن لسان فرعون في موسى عليه السلام، ولا شك أنّ موسى كان يبين بدلالة المحاجات المتعددة التي ذكرها القرآن مع فرعون والمعنى أنه كان يبين لكنْ بصعوبة.

ومعنى قوله تعالى: (لَّا يَكَادُونَ يَفقَهُونَ قَوۡلا) [الكهف:93] هذه المحاورة تدل على أنهم يفقهون ولكنْ بصعوبة, ولا تدل على أنهم لا يفقهون وإلا فما هذه المحاورة بينهما؟

ومعنى قوله تعالى: (وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبصَٰرِهِمۡ) [القلم:51] دلالة على شدة تحديق المشركين ونظرهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حالة قراءة النبي للقرآن، وهو قوله: (لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكرَ) [القلم:51] غيظاً وسخطاً بحيث لو أمكنهم أنْ يصرعوه لصرعوه.

السؤال الثاني:

قوله تعالى في الآية: (يَفعلُونَ) ما الفرق بين (يعملون) و(يفعلون) وما الفرق بين الفعل والعمل والصنع؟

الجواب:

1ـ العمل هو إيجاد الأثر في الشيء وعلى الأغلب فيه قصد ويحتاج إلى امتداد زمن، يقال: فلان يعمل من الطين خزفاً، وهو مختص بالإنسان من المخلوقات، كما ينسب العمل إلى الله سبحانه نحو: (مِّمَّا عَمِلَتۡ أَيدِينَآ أَنعَٰما) [يس:71].

2ـ الفعل عام، وقد يكون بقصد أو بغير قصد، ويصلح أنْ يقع من الحيوان أو الجماد، كما تقول: فعل الرياح.

3ـ الصنع: أخص من الاثنين، وهو إجادة العمل ويحتاج إلى دقة ولا ينسب إلى حيوان أو جماد.

4ـ الفعل عام، والعمل أخصّ من الفعل، والصنع أخص.

ونستطيع أن ننظر في معاني الآيات، فالتي فيها زمن يقول: (يعملون) وما ليس فيه امتداد زمن وهو مفاجئ يقول: (يفعلون)

شواهد قرآنية: العمل:

ـ قوله تعالى عن الجان: (يَعمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ) [سبأ:13]، وهذا العمل يقتضي منهم وقتاً.

ـ قوله تعالى: (مِّمَّا عَمِلَتۡ أَيدِينَآ أَنعَٰما) [يس:71] ما قال: فعلت؛ لأنّ خلق الأنعام والثمار يحتاج لوقت، فالله تعالى عندما يخلق التفاحة لا يخلقها فجأة، فقال: عملت أيدينا، يعني هذا النظام معمول بهذا الشكل؛ لأنّ فيه امتداد زمن.

قوله تعالى:( وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعمَلُونَ) [البقرة:96] أي: في الحياة؛ لأنّ العمل عادة فيه مدة.

شواهد قرآنية: الفعل:

ـ قوله تعالى عن الملائكة: (وَيَفعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ) [النحل:50]؛ لأنّ فعل الملائكة يتم برمش العين.

ـ قوله تعالى (أَلَمۡ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصحَٰبِ ٱلفِيلِ) [الفيل:1] باللحظة أرسل عليهم حجارة.

ـ قوله تعالى (أَلَمۡ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ) [الفجر:6] خسف بهم.

ـ قوله تعالى (وَتَبَيَّنَ لَكُمۡ كَيفَ فَعَلنَا بِهِمۡ) [إبراهيم:45] أي: العقوبات، وغضب الله سبحانه وتعالى لمّا ينزل على الضالين والظالمين أنفسهم ينزل فوراً ولا يحتاج لامتداد زمن.

ـ قوله تعالى (وَمَا كَادُواْ يَفعَلُونَ) [البقرة:71] أي: كادوا لا يفعلون والذبح سريع فهو فعل. 

شواهد قرآنية: الصنع:

ـ قوله تعالى: (صُنعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ) [النمل:88].

ـ قوله تعالى: (وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصنَعُونَ) [المائدة:14] أي: ما يخططون ويدبرون بدقة ضد المسلمين.

والله أعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَإِذۡ قَتَلۡتُمۡ نَفۡسٗا فَٱدَّٰرَٰٔتُمۡ فِيهَاۖ وَٱللَّهُ مُخۡرِجٞ مَّا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ٧٢ فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ كَذَٰلِكَ يُحۡيِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ٧٣ ﱠ [البقرة: 72-73]

السؤال الأول:

قوله تعالى في هذه الآية: (وَإِذۡ قَتَلۡتُمۡ نَفۡسٗا) [البقرة:72] جاء بعد الأمر بذبح البقرة في الآية 67، فما فائدة تقديم الذبح في البيان؟ وما دلالة هاتين الآيتين بشكل عام؟

الجواب:

بشكل عام آيات البقرة هي في بيان النعم على بني إسرائيل، فناسب تقديم ذكر النعمة على ذكر الذنب. وجاء قوله تعالى: (وَٱللَّهُ مُخۡرِجٞ مَّا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ) [البقرة:72] بالصيغة الاسمية (مخرج ) لتدل أنه لا بدّ وأن يفعل ذلك , وأنه تعالى عالم بجميع المعلومات وإلا لما قدر على إظهار ما كتموه.

من جهة أخرى , قوله تعالى: (فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ) [البقرة:73] من المفيد أن نذكر هنا أنّ الله قادر على إحياء الميت دون ضربه ببعض البقرة , لكنّ الله تعالى اقتضت حكمته ترتيب الأشياء على أسبابها , ولجبر اليتيم صاحب البقرة بما حصل له من ثمنها , إضافة إلى بيان قدرة الله على إحياء الموتى أمام بني إسرائيل (لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ٧٣) [البقرة:73] أي: حتى تتفكروا بعقولكم , فتمتنعوا عن معاصيه. والله أعلم.

والله أعلم.

السؤال الثاني:

ما معنى قوله تعالى في هذه الآية: (فَٱدَّٰرَٰٔتُمۡ فِيهَاۖ) ؟

الجواب:

أي تدافعتم لأنّ المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضاَ أي يدفعه , والمعنى: اتهم بعضكم بعضاً وتدافعتم لطمس معالم الجريمة ودرء الشبهة.والله أعلم.

****

{ ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةٗۚ وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ}[البقرة: 74]

السؤال الأول:

تكرر الضمير ( منها ) و ( منه ) في الآية مرتين لكل منهما , إلى أين تعود هذه الضمائر؟وما إعراب قوله: (وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ)؟ 

الجواب:

الضمير ( منها ) في الموضعين يعودان إلى كلمة:(الحِجَارة) و ( مِن ) هنا للتبعيض , أي: من بعض الحجارة , بينما يعود الضمير ( منه ) في قوله تعالى: ( يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ) إلى مكان التفجّر, وهو التفتح بسعة وكثرة , ويعود في قوله تعالى: ( لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُۚ) إلى مكان التشقق أو التصدع الذي يخرج الماء منه , وهو دون النهر.

وأمّا الإعراب فهو كالتالي:

وإنّ: الواو حرف إستئناف , و ( إنّ) حرف توكيد ونصب.

من الحجارة: جار ومجرور , وشبه الجملة في محل رفع خبر إنّ مقدم.

لما: اللام للتوكيد , و ( ما ) إسم موصول مبني على السكون في محل نصب إسم ( إنّ).

يتفجّر: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

منه: جار ومجرور.

الأنهارُ: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة , والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

والله أعلم.

السؤال الثاني:

ما دلالة حكم الإظهار في التلاوة في قوله تعالى في الآية: (وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ)؟ 

الجواب:

وردت جملة: (وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ) ست مرات في القرآن الكريم في الآيات: [ البقرة 74 ـ 85 ـ 140 ـ144 ـ 149 ـ آل عمران 99] ووردت جملة: (وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ) ثلاث مرات في القرآن الكريم في الآيات: [ الأنعام 132 ـ هود 123 ـ النمل 93 ] , ونلاحظ وجود إظهار بين كلمتي  (بِغَٰفِلٍ عَمَّا) وبذلك لا توجد غنة وإنما نون ظاهرة توحي بقطعية هذا الخبر , وأنّ الله ليس بغافل عما تعملون ولو للحظة واحدة. 

أمّا في حالة نسبة (الغفلة) إلى البشر فقد وردت في القرآن , وبعدها كلمات لا تبدأ بحروف الحلق , كما في قوله تعالى:

(وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ٣٩) [مريم:39]. 

(وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ) [الأنبياء:1]. 

(يَٰوَيۡلَنَا قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا) [الأنبياء:97]. 

(وَدَخَلَ ٱلۡمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفۡلَةٖ مِّنۡ أَهۡلِهَا) [القصص:15]. 

(لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ) [ق:22]. 

أي توجد غنة حسب أحكام علم التجويد في: (غَفۡلَةٖ وَهُمۡ) (غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ ) (غَفۡلَةٖ مِّنۡ) , أي أنّ البشر غافلون لمدة طويلة , وليس لمدة قصيرة فقط.

وهذا من لطائف معاني أحكام التجويد. والله أعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهۡتَدُونَ٧٠)[البقرة: 70]

السؤال الأول:

قوله تعالى: (إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا) [البقرة:70] لِمَ قالوا هذه الجملة في هذه الآية، مع أنهم لم يقولوها في المرات السابقة؟

الجواب:

في الأصل طلب الله منهم أنْ يذبجوا (بَقَرَةٞ) بالتنكير المطلوب، أي: أنْ يمسكوا أي بقرة فيذبحوها، فشددوا فشدد الله سبحانه وتعالى عليهم.

طلب بنو إسرائيل صفات البقرة على ثلاث مراحل:

﴿ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ٦٨ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّٰظِرِينَ٦٩﴾ [البقرة: 68-69]

آ ـ طلبوا تحديد ماهيتها في البداية (قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ) [البقرة:68]. 

ب ـ و طلبوا تحديد لونها (قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ) [البقرة:69] ولم يعللوا سبب طلبهم.

ج ـ في المرة الثالثة قالوا: (قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهۡتَدُونَ٧٠) [البقرة:70] ولجأوا للتعليل؛ لأنّ فعل الشيء ثلاث مرات يكون له وقع في النفس من الضجر؛ فلا بدّ من إضافة تعليل في المرة الثالثة. 

السؤال الثاني:

قوله تعالى في الآية: (وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ) [البقرة:70] ما الفرق في الاستعمال بين: ( إن شاء الله ) وبين: ( بإذن الله ) في القرآن الكريم؟

الجواب:

1 ـ وردت جملة (إِن شَآءَ ٱللَّهُ) في القرآن الكريم (6) مرات في الآيات: [ البقرة 70 ـ يوسف 99 ـ الكهف 69 ـ القصص 27 ـ الصافات 102 ـ الفتح 27]. ووردت جملة (بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ) في  ( 18 ) موضعاً في ( 17 ) آية , ووردت كلمة (بِإِذۡنِهِۦ) في ( 9 ) مواضع.

2ـ الفرق في الاستعمال بين ( إنْ شاء الله ) وبين ( بإذن الله ) في القرآن الكريم, هناك أقوال عدة منها:

القول الأول:

آ ـ أنّ استخدام جملة (إِن شَآءَ ٱللَّهُ) يكون عندما أقوم بنفسي بالعمل أو الحاجة أو أتدخل بها بالأمر بشكل شخصي فردي أو جماعي: 

شواهد قرآنية:

ـ (إِنَّ ٱلۡبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيۡنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهۡتَدُونَ٧٠) [البقرة:70] هم سيقومون بذبح البقرة بأنفسهم بدليل قوله تعالى: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ٧١) [البقرة:71]. 

ـ (وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ٩٩) [يوسف:99] هم سيدخلون.

ـ (قَالَ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِرٗا وَلَآ أَعۡصِي لَكَ أَمۡرٗا٦٩) [الكهف:69] هو سيصبر.

ـ (قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ١٠٢) [الصافات:102] هو سيصبر.

ب ـ وأمّا (بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ) فالعمل ليس لي أي دخل به , بل هو بتدبيرٍ خارج إرادتي.

شواهد قرآنية:

ـ (قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ ) [البقرة:97] فنزول القرآن الكريم على النبي عليه السلام ليس له دخل فيه بل هو من عند الله.

ـ (كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ ﱽ) [البقرة:249] فنصر القلة يكون بتدبير إلهي , وإلا فالمنطقُ يقول إنهم يهزمون , بدليل قوله تعالى: (فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ) [البقرة:251] فالنصرُ كان من عند الله تعالى.

ـ (وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ) [البقرة:102] فالسحر لا يضر الآخرين إلا بقضاء الله وإذنه. والله أعلم.

القول الثاني:

لا فرق في الاستثناء بقولك: ( إنْ شاءَ الله ) وقولك: ( بإذن الله ) وذلك لأسباب عدّة منها: 

آ ـ أنّ معنى كلٍ من الاستعمالين متقارب , فالتعليق على مشيئة الله يشابهُ التعليق على إذنه سبحانه.

ب ـ الاستعمال القرآني لكلٍ من هذين اللفظين أيضاً متقارب , وفي القرآن هناك بعض الآيات التي ورد فيه اللفظان على معنى واحد متقارب في آية واحدة , كما في قوله تعالى: 

وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ٥١ ﱠ [الشورى:51] 

 وَكَم مِّن مَّلَكٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لَا تُغۡنِي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡ‍ًٔا إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ أَن يَأۡذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرۡضَىٰٓ٢٦ ﱠ [النجم:26]

ج ـ معظم المفسرين لم يفرقْ بين الاستعمالين , وهناك منهم من يفسر المشيئة بإذن الله سبحانه.

د ـ وعند الفقهاء كذلك , فقد جاء في ( الموسوعة الفقهية ) في باب ( الاستثناء ) عن الأَيمَان والنذور والطلاق وغيرها: أنّ كلَ تعليقٍ على مشيئة الله ونحوه هومما يبطل الحكم , وقالوا: إنّ قولك: ( بإذن الله ) استثاء , كقولك: ( إن شاء الله ).

القول الثالث: 

جملة ( إنْ شاء الله ) جملة فعلية , وجملة ( بإذن الله ) جملة إسمية , والجملة الفعلية تدل على الحدث , وربما يشير ذلك إلى ما ذهب به أصحاب القول الأول من أنّ ( إنْ شاء الله ) تأتي مع عملٍ أنت ستقوم به أي: ( حدث ) , بينما الجملة الاسمية تدل على الثبوت والاستمرار, لتشير إلى أنّ مشيئة الله هي السائدة المستمرة لكل الأزمنة قبل زمن الأفعال والأحداث , وخلالها وبعدها في الزمن السرمدي, وهي الأصل في كل خلق الله تعالى.

ولذلك من الأفضل أن نعلق كلَ شيء مستقبلي بالمشيئة كما قال تعالى: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا٢٣ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ ٢٤ ﱠ[الكهف: 23ـ24 ] , أمّا الشيء الماضي فلا يُعلق بالمشيئة إلا إذا قُصِدَ بذلك التعليل , فمثلاً لوقال لك شخص حين صلى:صليتُ إنْ شاء الله , فإنْ قَصَدَ فِعلَ الصلاة فإنّ الاستثناء هنا لا ينبغي , وإنْ قصَدَ الصلاة المقبولة فهذا يصح معه أنْ يقول: ( إنْ شاء الله ) لأنه لا يعلم أقبلتْ أم لم تقبل. والله أعلم.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

اللمسات البيانية في البسملة

[بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] {الفاتحة:1}

السؤال الأول:
ما معنى الباء في قوله تعالى: {بِسمِ} ؟ وما متعلَّقُها؟

الجواب:
البصريون يسمونها باء الإلصاقِ، والكوفيون يسمونها باء الآلة، ويسميها قومٌ باء التضمين وهي متعلِّقةٌ بمضمرٍ لا محالة، و قد يكون اسماً وقد يكون فعلاً, وعلى التقديرين يجوز أن يكون متقدِّماً ويجوز أن يكون متأخراً نحو :
ـ ابتداء الكلام باسم الله , أو : باسم الله ابتدائي المضمر اسم
ـ أبدأ باسم الله , أو : باسم الله أبدأ المضمر فعل

السؤال الثاني:
لماذا حُذفت الهمزة من ( باسم ) وتكتب{بِسمِ} ؟ 

الجواب:
للوصل فأصبحت تكتب وتلفظ {بَسمِ} .

السؤال الثالث:
ما دلالة جمع الصيغتين: [الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] {الفاتحة:3} معاً في البسملة ؟

الجواب:
قد يجمع القران الكريم صيغتين من مادة واحدة احتياطاً للمعنى كقوله: [الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] وذلك:
1 ـ صيغة «فعلان»: تدل على الصفات المتجددة نحو: عطشان وجوعان وغضبان , وهذه الصفات ليست ثابتةً بل تزول وتتحول .
2 ـ صيغة «فعيل» تدل على الثبوت نحو : كريم وبخيل وطويل وجميل ، وفي لغتنا الدارجة تقول : هو ضعفان، إذا أردت الحدوث , فإن أردت الثبوت تقول : هو ضعيف، وكذلك «طولان و طويل».
3 ـ جمع الله لذاته الوصفين : إذ لو اقتصر على (رحمن) لظنَّ ظانٌّ أنّ هذه صفة طارئة قد تزول كعطشان وريّان , ولو اقتصر على (رحيم) لظَنَّ أنّ هذه صفة ثابتة، ولكن ليس معناها استمرار الرحمة وتجددها , إذ قد تمرُّ على الكريم أوقات لا يكرم فيها, وقد تمر على الرحيم أوقات كذلك .
والله سبحانه متصف بأوصاف الكمال، فجمع بينهما حتى يعلم العبد أنّ صفته الثابتة هي الرحمة، وأنّ رحمته مستمرة متجددة لا تنقطع , وحتى لا يستبد به الوهم بأنّ رحمته تعرض ثم تنقطع, أو قد يأتي وقت لا يرحم فيه سبحانه , فجمع الله كمال الاتصاف بالرحمة لنفسه .
4ـ واعلم أنه لما تفرَّدَ الربُّ سبحانه بعظم رحمته لم يُسَمِّ بالرحمن ـ بالألف واللام ـ أحداً غيره.
وعندما ندعو الله سبحانه : يارحمن الدنيا ورحيم الآخرة , فإن رحمة الله في الدنيا هي للمؤمن والكافر, أمّا رحمته في الآخرة فهي للمؤمن فقط.

السؤال الرابع:
ما الأحرف الأبجدية التي لم ترد في هذه السورة ؟وما دلالة ذلك ؟

الجواب:
هذه السورة لم يحصل فيها سبعةٌ من الحروف وهي (الثاء ـ الجيم ـ الخاء ـ الزاي ـ الشين ـ الظاء ـ والفاء) .
وقالوا : إن هذه الحروف السبعةَ مشعرةٌ بالعذاب مثل (الثبور ـ جهنم ـ الخزي ـ الشقاء ـ ظل ذي ثلاث شعب، و لظى ـ الفراق) كما قال تعالى: [يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ] {الرُّوم:14}.
ونقول: ربما تكون الحكمة : أنّ الله تعالى ذكر في كتابه أنّ لجهنم سبعة أبواب , والله أسقط سبعة من الحروف من هذه السورة وهي أوائل ألفاظ تدل على العذاب تنبيهاً على أنّ من قرأ هذه السورة وآمن بها وعرف حقائقها صار آمناً من الدركات السبع في جهنم، والله أعلم.

السؤال الخامس :
ما خصائص مكونات لفظ الجلالة ( الله ) ؟

الجواب :
اسم لفظ الجلالة ( الله) مكونات حروفه هي دون الأسماء جميعها, ويأتي لفظها من خالص الجوف , لا من الشفتين , ولفظ الجلالة ( الله ) لا تنطق به الشفاه لخلوه من النقاط .
ومن المعلوم أنّ لفظ الجلالة ( اللهُ ) مضموم الهاء , ومن إعجاز اسم الجلالة
( الله ) أنه مهما نقصت حروفه فإنّ الاسم يبقى كما هو :
1ـ إذا حذفنا أول حرف يكون لدينا ( لله ) كما في الآية: [وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا] {الأعراف:180} .
2ـ وإذا حذفنا الألف واللام الأولى بقيت ( له ) كما في الآية : [مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ] {البقرة:255}. 
3ـ وإذا حذفنا الألف واللام الأولى واللام الثانية بقيت الهاء مضمومة ( هـُ ) ورغم ذلك تبقى الإشارة له كما في الآية: [هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ] {الحشر:22}.
4ـ وإذا حذفنا اللام الأولى فقط بقيت ( إله ) كما في الآية:[وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الحَكِيمُ العَلِيمُ] {الزُّخرف:84}.
لذلك مهما نقصت حروف لفظ الجلالة ( الله ) فإنّ الاسم يبقى كما هو .
فسبحان الله العظيم .

السؤال السادس:
ما دلالة رسم كلمة: {بِسْمِ} بدون ألف الوصل ورسمها بألف الوصل {بِاسْمِ} في القرآن الكريم ؟

الجواب:
وردت كلمة: {بِسْمِ} بدون ألف الوصل ثلاث مرات في القرآن الكريم (بخلاف فواصل السور ) في الآيات التالية :
[بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] {الفاتحة:1} 
[بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا] {هود:41} 
[إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ ] {النمل:30} [إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ] {النمل:30} 
ووردت كلمة: {بِاسْمِ} بألف الوصل أربع مرات في القرآن على النحو التالي :
[فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ] {الواقعة:74} 
[فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ] {الواقعة:41}
[فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ] {الحاقة :52}
[اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ] {العلق:1} 
وحين نتدبر الآيات التي وردت فيها: {بِسْمِ} بدون ألف وصل , نلاحظ أنه جاء بعدها لفظ الجلالة: {اللهِ} كما نلاحظ أنه تعني الابتداء , أي : نبدأ{بِسْمِ اللهِ} ويوحي حذف الألف في: {بِسْمِ} أنه يجب علينا عمل الصلة مع الله فقط بأقصر الطرق وأسرعها .
أمّا الحالات التي جاءت فيها: {بِاسِمِ} بألف الوصل فإننا نلاحظ أنها جاءت بقصد التسبيح أو القراءة , وهي أمور تحتاج إلى التفكر والتدبر والتمهل . والله أعلم .


مثنى محمد هيبان
رابطة العلماء السوريين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
 تناسب خاتمة الفاتحة مع فاتحة البقرة :

تنتهي سورة الفاتحة بذكر المنعَم عليهم والمغضوب عليهم والضالين: 
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7].
والبقرة تبدأ بذكر هؤلاء أجمعين. 
تبدأ بذكر المتقين: {ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] وهؤلاء منعَم عليهم
ثم تقول:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6] تجمع الكافرين من المغضوب عليهم والضالين وتذكر المنافقين: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللهِ وَبِاليَوْمِ الآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8].
إذن اتفقت خاتمة سورة الفاتحة مع افتتاح سورة البقرة.
ذكر في خواتيم الفاتحة أصناف الخلق المكلفين : {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7].
وذكرهم في بداية البقرة، المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وحادوا عنه والضالون لم يعلموا الحق وإنما ضلوا الطريق، ويضربون مثلاً لليهود والنصارى، والمغضوب عليهم منهم اليهود والنصارى. وفواتح البقرة تحدثت عن هذه الأصناف: المتقين والكفار والمنافقين فجمعت المغضوب عليهم والضالين حيث يجمعهم الكفار. 

سؤال: هل هذا الأمر مقصود في حد ذاته من قِبل الله سبحانه وتعالى , يعني هذه التوأمة بين خواتيم السور وبداية السور التي تليها؟

جواب :
قسم من الباحثين قالوا إنّ القرآن كتاب حياة، خذ مثلاً أيَّ يوم من أيام الحياة هل هي مترابطة في مسألة واحدة؟ أو أنّ فيها أموراً مختلفة متعددة كلها تجمعها الحياة ؟
وكذلك القرآن كتاب حياة فيه ما فيه، وتقع أمور كثيرة متعددة مترابطة ولكن لا يبدو هذا الترابط ظاهراً.
ونحن الآن نلاحظ في هذا الوضع التوقيفي ارتباطاً واضحاً في هذه المسألة, ولذلك قال الرازي: إنّ آيات القرآن كلها كأنها هي كلمة واحدة من حيث الترابط , أي: كأنها آية واحدة في ترابطها.
ونحن لا نقول إنّ ذلك غير مقصود، ولكننا ننظر في شيء موجود أمامنا ونبحث فيه هل هنالك تناسب أم لا؟ في هذا الوضع الحالي نحن الآن نرى أنّ هناك ترابطاً واضحاً، ونحن نصف في تقديرنا فيما يظهر لنا في هذا الأمر، والله أعلم .

هدف سورة البقرة : الاستخلاف في الأرض ومنهجه :
سورة البقرة وآياتها (286 آية) هي أول سورة نزلت في المدينة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ومع بداية تأسيس الأمة الإسلامية (والسور المدنية بشكل عام تُعنى بجانب التشريع) وهي أطول سور القرآن، وأول سورة في الترتيب بعد الفاتحة، وفضل سورة البقرة وثواب قراءتها ورد في عدد من الأحاديث الصحيحة منها: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تُحاجَّان عن صاحبهما» وفي رواية «كأنهما غمامتان او ظُلَّتان» وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة» أخرجه مسلم والترمذي، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اقرأوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البَطَلَةُ» أي: السحرة، رواه مسلم في «صحيحه».
وهدف السورة هوالاستخلاف في الأرض، أي: (البشر هم المسؤولون عن الأرض)، ولذا جاء ترتيبها في أول المصحف، فالأرض ملك لله عز وجل وهو خلقها, وهو يريد أن تسير وفق إرادته فلا بدّ أن يكون في الأرض من هو مسؤول عنها, لذا عندما نقرأ السورة يجب علينا أن نستشعر مسؤولية الإنسان في خلافة الارض. 
وكما أسلفنا فإنّ هدف السورة هو الاستخلاف في الأرض، وسورة البقرة هي أول سور المصحف ترتيباً، وهي أول ما نزل على الرسول عليه السلام في المدينة مع بداية تأسيس دولة الإسلام الجديدة وتكوينها ، فكان يجب أن يعرف المسلمون ماذا يفعلون ومما يحذرون، والمسؤولية معناها أنْ نعبد الله كما شاء وأنْ نتبع أوامره وندع نواهيه. 

والسورة مقسمة إلى أربعة أقسام:
1- مقدمة. 2- القسم الأول. 3- القسم الثاني. 4- خاتمة.
وسنشرح هدف كل قسم على حدة :

ـ المقدمة: 
وفيها وصف أصناف الناس، وهي تقع في الربع الأول من السورة من الآية (1 - 29). وتتضمن :
آ ـ آيات المتقين (آية 1 - 5) .
ب ـ آيات الكافرين (آية 6 - 7).
ج ـ آيات المنافقين (آية 8 - 20) والإطناب في ذكر صفات المنافقين للتنبيه إلى عظيم خطرهم وكبير ضررهم؛ لأنهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، وهم أشد من الكافرين.
2ـ القسم الأول للسورة :
وهو يمثل باقي الجزء الأول من القرآن، وفيه يعرض نماذج لثلاث مجموعات من الناس قد استخلفهم الله، وهذه النماذج هي : 
آ ـ استخلاف آدم في الأرض (تجربة تمهيدية 😞 قال تعالى : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة:30] واللطيف أنه سبحانه أتبع هذه الآية بـ {وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:31].
وهذه الآية محورية تعني أنه إذا أردت أنْ تكون مسؤولاً عن الأرض يجب أنْ يكون عندك علم , لذا علّم الله تعالى الأسماء كلها, وعلّمه الحياة وكيف تسير, وعلّمه تكنولوجيا الحياة وعلّمه أدوات الاستخلاف في الأرض، وهذا إرشاد لأمة الإسلام إنْ أرادوا أنْ يكونوا مسؤولين عن الأرض فلا بدّ لهم من العلم مع العبادة، فكأنّ تجربة سيدنا آدم عليه السلام هي تجربة تعليمية للبشرية بمعنى كيفية المسؤولية عن الأرض . وأهم أمرين في هذا النموذج :
- أنّ الله سبحانه علّم آدم تكنولوجية الحياة {وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31].
- أنّ المعصية هي سبب الاستبدال .
ب ـ قصة بني إسرائيل الذين استخلفوا في الأرض فأفسدوا:
وهو نموذج فاشل من الاستخلاف في الأرض، وأهم الأمور في هذا النموذج الفاشل هي :
ـ تذكير الله لهم بنعمه عليهم كما في الآية 40 {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العَالَمِينَ} [البقرة:47] . انظر الآيات ( 52ـ 94 )
ـ بيان أخطائهم والموبقات التي ارتكبوها كقتل الأنبياء بغير الحق، والمادية، وعصيانهم وكفرهم بآيات الله، واعتداء أصحاب السبت، وقصتهم مع البقرة وجدلهم الكبير حول ذبحها مع نبيهم موسى عليه السلام حيث لم يرضوا تنفيذ شرع الله.
ـ عدم الإيمان بالغيب.
ج ـ نموذج ناجح للاستخلاف في الأرض : (قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام) وهي آخر تجربة ورد ذكرها في السورة.

وهكذا : أولاً ابتلى سبحانه آدم في أول الخلق (تجربة تمهيدية) ثم بني إسرائيل فكانت تجربة فاشلة، ثم ابتلى إبراهيم عليه السلام فنجح {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124] . وفي هذه الآية إثبات أنّ الاستخلاف في الأرض ليس فيه محاباة، فالذي يسير على منهج الله وطاعته يبقى مسؤولاً عن الأرض والذي يتخلى عن هذا المنهج لا ينال عهد الله : {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124] . 

وملخص القول في القسم الأول من السورة: إنّ القصص الثلاث التي وردت فيه: قصة آدم: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة:30] . وقصة بني إسرائيل : {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العَالَمِينَ} [البقرة:47] . وقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام : {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } [البقرة:124] . هذه القصص الثلاث بدايتها واحدة وهي الاستخلاف في الارض وعلينا نحن أمة المسلمين أنْ نتعلم من تجارب الذين سبقونا وأنْ نستشعر الأخطاء التي وقعت فيها الأمم السابقة ونعرضها على أنفسنا دائما لنرى إنْ كنا نرتكب مثل هذه الأخطاء فنتوقف عن ذلك ونحذو حذو الأمم السابقة التي نجحت في مهمة الاستخلاف في الأرض كسيدنا إبراهيم عليه السلام .

ـ القسم الثاني من السورة : أوامر ونواه للأمة المسؤولة عن الأرض :
وفي هذا القسم توجيه الله تعالى للناس الذين رأوا المناهج السابقة وتجارب الأمم الغابرة مفاده: يجب أنْ تتعلموا من الأخطاء وسيعطيكم ربكم أوامر ونواهي كي تكونوا مسؤولين عن الأرض بحق وتكونوا نموذجاً ناجحاً في الاستخلاف في الأرض، وكل هذه الأوامر والنواهي متعلقة بثلاثة أمور :
آ ـ طاعة الله في أوامره ومنهجه الشامل المتكامل : مثل الأمر بطاعة تحويل القبلة، تطبيق الأحكام الجنائية والأحكام التعبدية، مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج والمواريث وأحكام الأسرة والطلاق وأحكام الجهاد والإنفاق وأحكام النظام المالي وتحريم الربا .
ب ـ تميز الأمة في مصطلحاتها مع وسطية التميز وتوازنه.
ج ـ تقوى الله .
4ـ الختام ـ {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } ـ الآيتان [ 285ـ286]
وقد ختمت السورة بدعاء المؤمنين : {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } [البقرة:285]، كما بدأت بأوصاف المؤمنين وبهذا يلتئم شمل السورة أفضل التئام، فسبحان الله العلي العظيم.

والخلاصة: نحن مسؤولون عن الأرض, والمنهج الكامل, وعلينا أنْ ندخل في السِّلم كافة، والمنهج له إطار: طاعة الله، وتميُّزٌ، وتقوى .
أمّا عناصر المنهج فهي: تشريع جنائي، مواريث، إنفاق، جهاد، حج، أحكام صيام، تكاليف وتعاليم كثيرة، فلا بدّ أنْ نستعين بالله تعالى على أدائها لنكون أهلا للاستخلاف في الأرض ولا نقع في أخطاء الأمم السابقة.

مثنى محمد هيبان
رابطة العلماء السوريين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 من اللمسات البيانية في سورة البقرة

 

السؤال الأول: لماذا وردت بعض أسماء السور مرفوعة مثل: الكافرون والمؤمنون، وبعضها بالجرّ بالاضافة مثل : سورة الحجِ و البقرةِ؟ 

 

الجواب:

 

الناظر في فهرس السور لا يقول: البقرة، وإنما يقول : هذه سورة البقرةِ , وأما الإعراب: سورة البقرة تعرب: خبر لمبتدأ محذوف وتقديره: هذه سورة البقرة, وهذه سورة آل عمران وهكذا. فالأسماء المفردة جاءت بالجر مجرورة. 

 

وأما الأسماء التي جاءت بصيغة جمع المذكر السالم، فيبدو أنّ تسميتها جاءت حسبما ورد في السورة فلما كانت {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} [الكافرون:1] بالرفع سميت سورة الكافرون على الحكاية.

 

و السور التي اسمها جمع مذكر سالم هي أربع سور: المؤمنون {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1]، المنافقون {إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ} [المنافقون:1] ، الكافرون {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} [الكافرون:1] ، المطففين {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطفِّفين:1] جاءت مجرورة باللام فسميت المطفِّفين. 

 

فالاسم الذي هو جمع مذكر سالم حُكِيَ في السورة، وأمّا الباقي عموماً فأُخضع للقاعدة , فإذا كان منصرفاً جُرَّ بالكسرة وإذا كان ممنوعاً من الصرف مثل سورة يونسَ جُرَّ بالفتحة نيابة عن الكسرة وكذلك سورة يوسفَ

 

{الم} [البقرة : 1]

 

السؤال الأول: ما دلالة الحروف المقطعة في أوائل بعض السور في القرآن الكريم؟

 

الجواب:

 

الأحرف المقطعة في بداية بعض سور القرآن الكريم هي عِلمٌ مستور وسِرٌّ محجوب عجزت العلماء عن إدراكه، وقصرت خيول الخيال عن لحاقه، ولذلك من الأفضل أن نقول:

 

( الله أعلم بمراده )

 

ولهذا قال الصديق رضي الله عنه : (لكل كتاب سر، وسر القرآن أوائل السور) وقال الشعبي: (سر الله تعالى فلا تطلبوه) وهنا لا نتكلم عن المقصود وإنما عن الخصائص لهذه الأحرف المقطعة :

 

1ـ سميت حروفاً مقطعة؛ لأنّ كل حرف ينطق بمفرده.

 

2ـ كل حرف في اللغة العربية له اسم وله مسمى. 

 

والناس ينطقون حين يتكلمون بمسمى الحرف وليس باسمه، مثال: كلمة (كتب) هذه تنطق بمسمى الحروف فإذا أردت أن تنطق بأسمائها تقول (كاف وتاء وباء) إنظر إلى الجدول أدناه :

 

%D8%AC%D8%AF%D9%88%D9%84%20%D8%A7%D9%84%

 

وهكذا

 

ومن اللطيف أن نلاحظ هنا أنّ علماء اللغة جعلوا المسمَّى صدر كُلَّ اسم له ـ كما قال ابن جني ـ وذلك ليكون تأديتها بالمسمى أول ما يقرع السمع.

 

3ـ الذي لم يتعلم قد ينطق بمسميات الحروف ولكن لا يمكن أنْ ينطق بأسمائها , ولعلّ هذا أول ما يلفتنا، فرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كان أمياً , والأمي يستطيع أن ينطق بمسميات الحروف فيقول : الكتاب , فإذا طلبت منه أن ينطق بأسماء الحروف فإنه لا يستطيع أن يقول لك إن كلمة الكتاب مكونة من الألف واللام والكاف والتاء والألف والباء.

 

والرسول صلى الله عليه وسلم وهو أُمِّيٌّ جاء ونطق بأسماء الحروف فكانت هذه الحروف دليلاً على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن ربه، وأنّ هذا القرآن موحى به من الله سبحانه وتعالى.

 

4ـ لذلك نجد أنّ سور الفواتح تبدأ بأسماء الحروف وينطق هذه الحروف بأسمائها, وقد تجد الكلمة نفسها في آية أخرى فتنطق بمسمياتها , لذلك أول سورة البقرة تنطق (ألف لام ميم)، بينما في سورة الشرح تنطق الكلمة بمسميات الحروف {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشَّرح:1] وقد كُتبت فواتح السور على صورة الحروف أنفسها لا على صورة النطق بها اكتفاء بشهرتها .

 

5 ـ كل القرآن مبني على الوصل دائماً وليس على الوقف, فإذا نظرت إلى آخر حرفٍ من أي سورة بما فيها سورة الناس تجد أن الحرف الأخير عليه حركة. أمثلة: 

 

ـ آخر سورة يونس {وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ} [يونس:109] النون عليها فتحة وليس سكون.

 

ـ آخر آية في آخر سورة في القرآن {مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:6] السين عليها كسرة وليس سكون.

 

لذلك فكل آيات القرآن الكريم مبنية على الوصل ما عدا أحرف فواتح السور فهي مبنية على الوقف .

 

6ـ القدماء انتبهوا إلى أنّ السور التي تبدأ بالأحرف المقطعة بُنيت على تلك الأحرف فمثلاً :

 

(سورة ق) تتكرر فيها الكلمات التي فيها حرف القاف مثل{قَولٍ} [ق:18] ، {رَقيبٌ} [ق:18] ،{والقُرءانِ} [ق:1] ، {تَنقُصُ} [ق:4] ،{وَأَلقيْنا} [ق:7] ،{بَاسِقاتٍ} [ق:10] ، {بِالخَلقِ} [ق:15] .

 

وكذلك (سورة ص) تكثر فيها الكلمات التي فيها حرف الصاد مثل:{مَنَاص} [ص:3] ،{واصبِرُوا} [ص:6] ،{وأَصحَابُ} [ص:13] ،{صَيْحَةً} [ص:15] ،{وَفَصلَ} [ص:20] ،{الخَصْمِ} [ص:21] .

 

حتى أنهم جعلوا إحصائية في {الر} وقالوا: أنها تكررت فيها الكلمات التي فيها {الر} 220 كلمة هذا قول القدامى.

 

والعلماء جمعوا الأحرف المقطعة وقالوا :عندما نجمعها نجد أنها مكونة من (14) حرفاً تمثّل نصف حروف المعجم ، وجاءت في 29 سورة وهي عدد حروف المعجم وتمثل نصف الأحرف المجهورة، ونصف الأحرف الشديدة، ونصف المُطبَقَة، ونصف المنقوطة، ونصف الخالية من النقط، ونصف المستقرة، ونصف المنفتحة، ونصف المهموسة، ونصف المستعلية، ونصف المقلقلة، و نصف الرَّخوة وهكذا ، لكن هم خاضوا في هذا للنظر فيه.

 

هذه الأحرف المفرّغة من المعنى رُكبت تركيباً خاصاً فصارت آيات مبينة موضحة وهي موضع الإعجاز وموضع التحدي للعرب الفصحاء، هم يقيناً أدركوا هذا المعنى وإلا لكانوا سألوا عنه.

 

وقسم قال : إن كل السور التي تبدأ بحرف (ط) تبدأ بقصة موسى أولاً، وهناك من جعل منها معادلة رياضية فقال: أن كل سورة فيها {ألم} نسبة الحروف ألف إلى لام تساوي نسبة الحروف لام إلى ميم. 

 

7ـ عدد سور الفواتح ( 29 ) سورة من أصل ( 114 ) سورة أي: حوالي 25%. من سور القرآن بينما نسبة عدد كلماتها إلى كلمات القرآن فتقارب 48% .

 

8ـ مجموع الفواتح بدون تكرار ( 14 ) فاتحة وتتكون من ( 14 ) حرفاً من الأحرف الهجائية وتجمعها جملة (طرق سمعك النصيحة) أو (صح طريقك مع السنة) وتعرف هذه الحروف بالأحرف النورانية.

 

9 ـ هناك فواتح مؤلفة :

 

آـ من حرف واحد :{ن} [القلم:1]{ق} [ق:1]{ص} [ص:1] .

 

ب ـ فواتح من حرفين : {طه} [طه:1] . {يس} [يس:1] . {طس} [النمل:1] . {حم} [الدخان:1] .

 

ج ـ وفواتح من ثلاثة أحرف: {ألم} [البقرة:1] . {الر} [إبراهيم:1] . {طسم} [الشعراء:1] .

 

د ـ وفواتح من أربعة أحرف : {ألمص} [الأعراف:1] . {المر} [الرعد:1] 

 

هـ ـ وفواتح من خمسة أحرف : {كهيعص} [مريم:1] . {حم عسق} [الشورى1 - 2]. 

 

10ـ وتنقسم الفواتح من حيث تكرارها إلى قسمين :

 

آ ـ فواتح لم تتكرر صورتها إلا مرة واحدة، وعددها عشرة وهي: {ألمص} [الأعراف:1]، {المر} [الرعد:1] {كهيعص} [مريم:1]، {طه} [طه:1] {طس} [النمل:1] {يس} [يس:1]، {ص} [ص:1] ، {حم عسق} [الشورى: 1 - 2]، {ق} [ق:1]، {ن} [القلم:1] .

 

ب ـ فواتح تكررت صورتها : [ {ألم} ـ6 مرات], [ {ألر}ـ 5 مرات], [{طسم}ـ2 مرة ], [{حم} ـ 6 مرات ].

 

11 ـ بعض الفواتح جزء من فاتحة أخرى: {طس} متكررة في {طسم} وفاتحة {ص} متكررة في {كهيعص} و {ألمص} وفاتحة {ق} متكررة في {حم عسق}]

 

12 ـ ترتيب سور الفواتح الـ (29) حسب نزولها هو : [ ن ـ ق ـ ص ـ الأعراف ـ يس ـ مريم ـ طه ـ الشعراء ـ النمل ـ القصص ـ يونس ـ هود ـ يوسف ـ الحجر ـ لقمان ـ غافر ـ فصلت ـ الشورى ـ الزخرف ـ الدخان ـ الجاثية ـ الأحقاف ـ إبراهيم ـ السجدة ـ الروم ـ العنكبوت ـ البقرة ـ آل عمران ـ الرعد ].

 

13ـ وقد قامت الدكتورة عائشة عبد الرحمن والملقبة ببنت الشاطىء بدراسة تاريخية لهذه السور الـ ( 29 ) وخلصت إلى النتائج التالية :

 

آ ـ أنه بدأت من أوائل الوحي لافتة إلى سر الحرف ثم كثرت وتتابعت في أواسط العهد المكي حين بلغ الجدل أشده فعُرضت قضية التحدي , وظلت الآيات تعاجزهم وتتحداهم أنْ يأتوا بمثله أو بسورة منه إلى أول العهد المدني الذي نزلت فية آية البقرة فحسمت الجدل العقيم بعد أن ألزمتهم الحجة على صدق المعجزة بعجزهم مجتمعين أنْ يأتوا بسورة من مثله.

 

ب ـ أكثر السور المبدوءة بالحروف نزلت في المرحلة التي بلغ فيها عتو المشركين أقصى المدى وأفحشوا في حمل الوحي على الافتراء والسحر والشعر والكهانة، فواجههم القرآن بالتحدي.

 

14 ـ من عجائب أحرف الفواتح وهي (14) حرفاً أنها تمثل نصف حروف المعجم وترددت في ( 29 ) سورة على عدد حروف المعجم , كما أنّ هذه الحروف تشتمل على أنصاف أجناس الحروف, فهي تمثل النصف من الحروف المهموسة والمجهورة والشديدة والرخوة والمطبقة والمنفتحة والمستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقلة, وبيان ذلك حسب الجدول التالي :

 

%D8%AC%D8%AF%D9%88%D9%84%20%D8%A7%D9%84%

 

15 ـ تتألف الأحرف الهجائية للغة العربية من (29) حرفاً، أمّا الأحرف الأبجدية فتتألف من (28) حرفاً على اعتبار أنه لا فرق بين الألف والهمزة في الأبجدية.

 

قال الناظم :

 

وعِدةُ الحروفِ للهجــــاءِ= تسعٌ وعـشرون بلا مــــــراءِ

 

أولها الهمـــزةُ لكن سُمِّيت= بألفٍ مجــــــازاً إذ قد صورت

 

وذلك أنهم يسمون كلاً من الهمزة والألف اللينة (ألفاً) ويفرقون بينهما بوصفهم للألف باللينة أوالممدودة , أي : الألف الممدودة اللينة فرع عن الهمزة.

 

16 ـ الحروف في اللغة نوعان : مبنى و معنى :

 

آ ـ حرف مبنى : وهو الحرف الذي لا معنى له إلا للدلالة على الصوت فقط.

 

ب ـ حرف معنى : مثل ( في) للظرفية، و (من) للابتداء، و( على ) للاستعلاء.

 

17 ـ على الأصح فإنّ أحرف الفواتح لا تعرب .

 

18 ـ شاء الله سبحانه وتعالى أنْ يبقى معناها في الغيب عنده , وأنت أيها المسلم المؤمن خذ كلمات الله التي تفهمها بمعانيها وخذ الحروف التي لا تفهمها بمرادات الله فيها , وهذه الحروف هي سر من أسرار الله تعالى يريدنا أنْ ننتفع بقراءتها سواء فهمناها أم لم نفهمها .

 

أي أنّ القول الفصل فيها : إنها حروف لها سر من قبل الله تعالى لا نعلمه, وقسم قال : هي من المتشابه الذي لا نعلمه، قد يكون هذا الرأي هو السديد ، ولكن هذه الملاحظات جديرة بالانتباه أيضاً.

 

19ـ وقدً انتبه القدامى إلى أنّ هذه السور التي تبدأ بهذه الأحرف يكون التعبير فيها بطابع هذه الأحرف، يعني التي تبدأ بالصاد تكثر فيها الكلمات الصادية ويعني أنها تعطيك بداية فنية لما يكثر من الأحرف في هذه السورة. مثل :

 

آ ـ سورة (ق) تردد فيها الكلمات التي فيها قاف {ق وَالقُرْآَنِ المَجِيدِ} [ق:1] ، {إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ}[ق:17] ، {قَعِيدٌ} [ق:17]، {سَائِقٌ} [ق:21] ، {تَشَقَّقُ} [ق:44])، في (ص) ذكر الكلمات فيها صاد نحو: الخصومات، الخصم، يختصمون، مناص، صيحة، اصبروا، صيحة، اصبر.

 

ب ـ ثم استدلوا إلى الإحصاء ، قالوا وضربوا مثالاً في سورة يونس تبدأ بـ{ألر} [يونس:1] وفي هذه السورة تكررت الكلمات التي فيها راء كثيراً، وأقرب السور إليها سورة النمل والنحل, وهي أطول منها لكنها لم تتردد الراء فيها كما في يونس ففيها (220 راء)، هكذا أحصوا والله أعلم.

 

ج ـ ثم الملاحظة أنّ كل السور التي تبدأ بالطاء {طه}{طس}{طسم} كلها تبدأ بقصة موسى أولاً، كلها بلا استثناء.

 

ويبدو كما يقولون أنّ اللمسة البيانية أنها تشير إلى أنّ الحروف المذكورة في أوائل بعض السور تطبع طابع السورة فيكون من باب السمة التعبيرية. 

 

ليس هذا فقط ولكن قبل سنوات أخرج دكتور مهندس كتاباً عن المناهج الرياضية في التعبير القرآني عملها على الكمبيوتر وهو يقول : إنه لاحظ أن الأحرف المذكورة في بداية السور تتناسب مع السور تناسباً طبيعياً؛ فالتي تبدأ بـ {ألم} يكون الألف أكثر تكراراً في السورة، ثم اللام ثم الميم, وليس هذا فقط وإنما نسبة الألف إلى اللام مثل نسبة اللام إلى الميم، هذه معادلة رياضية وقد قال بأنه راجع الصحف و طبقها على الصحف لكنه وجد القرآن متفرداً بها. 

 

والذي عليه الكثيرون أنّ هذه من دلائل الإعجاز, بمعنى أنّ هذا القرآن المبين الواضح مكوّن من هذه الأصوات غير المبينة في ذاتها, وأنّ القرآن جاء بكلام معجز من جنس كلامهم فأتوا بمثله إنْ استطعتم, والسلف كانوا يوكلون معاني هذه الأحرف لله تعالى .

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

من اللمسات القرآنية في سورة البقرة 

 

السؤال الأول: لماذا لم يلتزم القرآن نفس الأحرف المقطعة في كل السور؟وهل هناك مناسبة بين تلك الأحرف والآية التي تليها حيث ذكر الكتاب أو القرآن ؟

 

الجواب:

 

أولا: الأحرف المقطعة جاءت في 29 موضعاً في القرآن الكريم والذي تم التوصل إليه ما يلي : 

 

آ ـ لا توجد مناسبة ظاهرة، لكن هناك مناسبة اختيار ما بَعْدَها بالنظر إليها. 

 

ب ـ هذه المناسبة هي من الجانب الصوتي، وتنطبق على جميع ما ورد ذكره من : كلمة كتاب وكلمة قرآن. 

 

ج ـ القاعدة: أنه إذا كانت الحروف المقطعة أكثر من مقطعين أوأكثر من حرفين فعند ذلك يأتي معها الكتاب لأنّ الكتابة ثقيلة، وإذا كانت الحروف المقطعة تتألف من مقطعين أو حرفين فيأتي معها القرآن، باستثناء إذا كان الحرف الثاني مقطعاً ثقيلاً كالميم مثلاً لأنه مديد (ميم، حركة طويلة، ميم: قاعدتان وقمة طويلة) وهو من مقاطع الوقف. فالميم حرف ثقيل لأنه يبدأ بصوت وينتهي بالصوت نفسه وبينهما هذه الحركة الطويلة والعرب تستثقل ذلك ، والميم من أحرف الجهر والغنة , بينما الهاء والسين من أحرف الهمس والإصمات . 

 

- أمثلة :

 

{حم} حرفان , الحاء مقطع والميم مقطع ثقيل لأنه مديد (ميم، حركة طويلة، ميم: قاعدتان وقمة طويلة وهو من مقاطع الوقف فجاء بعدها لفظة الكتاب . 

 

{الم(1) ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ(2)} [البقرة:1-2] , أكثر من مقطعين، جاء بعدها كلمة لفظة الكتاب.

 

{طه} {طه(1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآَنَ لِتَشْقَى(2)} [طه:1-2]) ذكر لفظة القرآن.

 

{يس(1) وَالقُرْآَنِ الحَكِيمِ(2)} [يس:1-2]) ـ ذكر لفظة القرآن لأنّ السين ليس ثقيلاً وإنما هو من أحرف الهمس .

 

{ص وَالقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ(1)]. [ص:1] حرف واحد فذكر لفظة القرآن.

 

ورسم هذه الحروف رسم توقيفي أي على ما رسمه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن يعرف الرسم. 

 

وهذه الأحرف جميعاً حيثما وردت تشير إلى أصوات متناسقة ليس بينها تنافر، كأنّ القرآن يقول لنا : هذه الأصوات ينبغي ألا يكون فيها نوع من التنافر.

 

فمثلاً :

 

آ ـ {ألم} [البقرة:1] الألف من أقصى الحلق من الوترين، واللام مخرجها الذي هو فويق مفارز الثنايا والرباعية والناب والضاحك , واللام مخرجه منتشر ويميل، والميم بانضمام الشفتين.

 

ب ـ {كهيعص} [مريم:1] في لفظ واحد .

 

ج ـ ولذلك لمّا جاء في القرآن في موضع واحد حرفان من مخرج واحد مع ما فيهما من اختلاف جعل كل واحد في آية، فقال:{حم} [الشورى:1] آية ، و{عسق} [الشورى:2] آية؛ لأنّ الحاء والعين من مخرج واحد ولا يكونان في لفظ واحد مع أنّ بين الحاء والعين فروقاً في الصفات منها :

 

ـ في مسألة الشدة والرخاوة: الحاء رخوة ومعناها يجري به الصوت، والعين متوسط.

 

والصفات من حيث الشدة والرخاوة فيها: أصوات شديدة وأصوات رخوة وأصوات متوسطة، كأنها تبدأ شديدة وتنتهي رخوة أو ظاهرها الشدة لكن يجري بها الصوت من غير مخرجها مثل الميم أوالنون.

 

ـ وشيء آخر : الحاء مهموس والعين مجهور، ولذلك الاختلاف جُعِل كل واحد في آية حتى لا يكونا في بناء واحد، فإذن نوعية الصوت أيضاً منتقاة. 

 

ثانياً ـ بعض الحروف المقطعة عُدّت آيات وبعضها ما عُدّ آية، فقوله تعالى:{الم(1) ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ(2) }. [البقرة:1-2] {ألم} [البقرة:1] آية. وأرقام الآيات توقيفية على ما فعله الصحابة، فهم لم يضعوا أرقاماً، وإنما وضعوا فجوات، ثم بعد ذلك وضعت الأرقام.

 

وانظر الجدول التالي الذي يبين ما جاء في الآية بعد الأحرف المقطعة :

 

%D8%AC%D8%AF%D9%88%D9%84%201.jpg

 

%D8%AC%D8%AF%D9%88%D9%84%202.jpg

 

%D8%AC%D8%AF%D9%88%D9%84%203.jpg

 

%D8%AC%D8%AF%D9%88%D9%84%204.jpg

 

%D8%AC%D8%AF%D9%88%D9%84%205.jpg

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

من اللمسات القرآنية في سورة البقرة {ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}

 ما دلالة قوله تعالى {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2] ؟ وما إعراب {لا} ؟

الجواب:

 

1ـ جملة {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2] جعلت أحد الغربيين يُسلِمُ بمجرد أنْ سمعها، كيف؟

 

قال : إنه مهما بلغتْ فصاحةُ أيٍّ من البشر في اللغة والكتابة وتمكنُه منهما، فإنه إذا كتب كتاباً أو رسالة ثم أعاد قراءتها فلا بدّ أنْ يُغير حرفاً أو كلمة أو جملة، وهذا يحدث في كل مرة يعيد قراءة ما كتب .

 

ولفظة (لا) في قوله تعالى{لَا رَيْبَ} [البقرة:2] هي نافية للجنس، أي: تنفي الريب بالكلية.

 

وفي قوله تعالى {ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2] دليل واضح لا يقبل الشك على أنه من عند الله تعالى, فمهما تكررت القراءة لا تجد ما قد تحتاجه من تنقيح أو تعديل ,وهذا من إعجازه ودليل على قدرة الله العظيم على إحكام آياته {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ }[هود:1] .

 

 

2ـ (لا) نافية للجنس و (ما) نافية كذلك فما الفرق بينهما ؟

 

يُقال : لا رجلَ في الدار , ويقال : ما من رجلٍ في الدار , فما الفرق بينهما علماً بأنّ التعبيرين نص في نفي الجنس ؟

 

آ ـ (لا) تستعمل لجواب سؤال حاصل أو مقدر هو : هل من ؟ نحو : من سأل عن وجود أحد في الدار ؟ فالجواب: لا , ويكون الجواب كالإعلام.

 

ب ـ (ما) تستعمل كَرَدٍّ على قولٍ أو ما نُزِّلَ هذه المنزلة، نحو من قال : إنّ في الدار لرجلاً , فيكون الرَّدُّ : ما من رجلٍ في الدار , فهو رَدٌّ على قول وتصحيح ظن.

 

شواهد قرآنية على استعمال ( ما) كرد على أقوالهم :

 

- {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ } [المائدة:73] .

 

- {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ(61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ(62) } [آل عمران:61-62] .

 

- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللهِ وَبِاليَوْمِ الآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] .

 

- {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب:13] .

 

- {وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ } [آل عمران:78] .

 

- {وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ } [التوبة:56] .

شواهد قرآنية على استعمال (لا) كإعلام للمخاطب :

 

- {ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2]. 

 

- {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ } [البقرة:256].

 

- {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ } [محمد:19] .

 

 

3ـ وإنْ قيل: كيف الجمع بين قوله تعالى {لَا رَيْبَ فِيهِ} وبين إخبار الله بشك الكفار وريبهم فيه، ومنها قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23] 

 

وجوابه : أنه لظهور أدلته عند من نظر فيه لا ريب فيه عنده , أمّا الريبة فيه فهي لعدم نظر الكفار والمشركين في أدلة صحته .

 

وقال الرازي : المراد أنه ليس محلاً للريب، أو هو نفيٌ معناه النهي، أي: لا ترتابوا أنه من عند الله تعالى.

 

ما دلالة قوله تعالى:{ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} ؟ وما معنى التقوى؟

الجواب:

1-التقوى هو : أنْ يحفظ الإنسان نفسه بشيء ويحمي نفسه من خطر , والقرآن وقاية، وهذه الوقاية تكون بالأعمال الصالحة التي تقي المؤمن من النار.

 

وقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ } ليس معناه أنْ نجعل بيننا وبين الله وقاية، ولكنّ المعنى أنْ نجعل بيننا وبين غضب الله وعذابه وقاية , فنحن نتقي بصفات كمال الله (غافر الذنب والرحمن والرحيم والغفور) من صفات جلال الله (المنتقم والجبار والمتكبر).

 

وقد قال الحسن البصري في تعريف التقوى : التقوى هي الخوف من الجليل، والرضى بالقليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل . 

 

وقال غيره : التقوى أنْ لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفتقدك حيث أمرك . 

 

وقال سيد قطب رحمه الله تعالى عن القرآن الكريم : الهدى حقيقته، والهدى طبيعته، والهدى كيانه، والهدى ماهيته ... ولكن للمتقين ..؛ لأنّ التقوى في القلب هي التي تؤهله للانتفاع بهذا الكتاب.

 

 

2ـ الوقف على {فيِهِ} هو المشهور، وعن نافع وعاصم أنهما وقفا على {لَا رَيْبَ} ، والقراءة الأولى أولى لأنه يكون في هذه الحالة الكتاب نفسه هدى وفي الثانية يكون الكتاب فيه هدى.

 

 

3ـ في الآية تنبيه على أنه الكلام المتحدى به في قوله تعالى {ألم} ثم أُشير بأنه الكتاب المنعوت بغاية الكمال فكان تقرير جهة التحدي , ثم نفى عنه الريب فكان شهادة بكماله , ثم أخبر عنه بأنه هدى للمتقين.

 

وفي الأولى حذف ورمز إلى الغرض بألطف وجه , وفي الثانية ما في التعريف من الفخامة , وفي الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف , وفي الرابعة الحذف ووضع المصدر {هُدىً} موضع الوصف الذي هو (هاد) وإيراده منكّراً ليفيد عموم الهدى. والله أعلم.

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

من اللمسات القرآنية في سورة البقرة {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [البقرة:5]


اللمسات البيانية لهذه الآية تتضح في السؤال التالي :

السؤال الأول: المطلوب إجراء مقارنة بين آيات بداية سورة البقرة و آيات بداية سورة لقمان

الجواب:

الجدول التالي يلخص لنا المقارنة المطلوبة :

%D8%AC%D8%AF%D9%88%D9%84(1).jpg

الملاحظات البيانية حسب التسلسل :

1ـ قال في البقرة {ذَلِكَ الكِتَابُ} [البقرة:2] واسم الإشارة (ذا) للمفرد المذكر، وهو الكتاب واللام للبعد والكاف للخطاب بينما قال في لقمان: {تِلْكَ آَيَاتُ }[لقمان:2] لأنّ تلك للمؤنث، أي الآيات، ويشار بتلك إلى البعيد وتستعمل تلك للمفرد، كما قال تعالى: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ }[الأعراف:22] وللجمع على نحو ما مثِّل سابقا .
2ـ قال في البقرة: {ذَلِكَ الكِتَابُ} [البقرة:2] بينما قال في لقمان: {تِلْكَ آَيَاتُ الكِتَابِ الحَكِيمِ} [لقمان:2] ولم يشر إلى الكتاب فقط ، والسبب- والله أعلم -:
آ ـ لو لاحظنا في سورة لقمان أنه تردد كثير من الآيات السمعية والكونية، مثلاً: قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا } [لقمان:7] والآيات الكونية مثل: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ } [لقمان:10] ، إلقاء الرواسي وإخراج النبات وسمّاها آيات: {وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان:32] .
ب ـ ثم هنالك أمر آخر وهو أن كلمة الكتاب ومشتقات الكتابة في البقرة أكثر من الآيات، وفي لقمان كلمة الآيات أكثر من الكتابة، في البقرة مشتقات الكتاب والكتابة (47) مرة والآيات (21) مرة وفي لقمان ذكر الكتاب مرتين والآيات خمس مرات، وهذه سمة تعبيرية أنّ التي بدأت بالكتاب ذكر فيها الكتاب أكثر، والتي بدأ فيها بالآيات ذكر فيها الآيات أكثر.
3ـ قال في سورة لقمان: {الكِتَابِ الحَكِيمِ}[لقمان:2] بينما في البقرة لم يصف الكتاب فلماذا؟ وما معنى الحكيم؟

الجواب:

آ ـ الحكيم قد يكون من الحِكمة أو من الحُكم، وهذا من باب التوسع في المعنى، ولو أراد تعالى معنى محدداً لخصّص.
ب ـ في سورة البقرة لم يصف الكتاب؛ لأنّ السورة فيها اتجاه آخرحيث قال: {ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] وهو ذكر التقوى والمتقين .
ففي البقرة قال: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] ثم قال:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(24) } [البقرة:23-24] اتقوا النار مقابل المتقين، فإذن هناك مناسبة بين هدى للمتقين وكلمة التقوى التي ترددت كثيراً في البقرة، كما أنّ قوله تعالى {لا رَيْبَ فيِهِ} [البقرة:2] متناسب مع قوله {وإن كُنتم فيِ رَيْبٍ} [البقرة:23] .
ج ـ أمّا وصفه بالحكيم في سورة لقمان فهو مناسب لما ورد في السورة من ذكر الحكمة {آَتَيْنَا لُقْمَانَ الحِكْمَةَ } [لقمان:12] وذكر الحِكَم ، وربنا وصف نفسه بأنه عزيز حكيم في سورة لقمان أكثر من مرة , فكلمة حكيم مناسبة لجو السورة وذكر الحكمة، لذلك قال في لقمان: {الكِتَابِ الحَكِيمِ} [لقمان:2]
4ـ وفي البقرة قال فقط:{هُدىً للمتَقِينَ} [البقرة:2] بينما قال في لقمان: {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} [لقمان:3] فما دلالة ذلك ؟

 ـ ما الفرق بين المتقي والمحسن؟

المتقي هو الذي يحفظ نفسه فيتقي الأشياء، أمّا المُحسِن فيحسن إلى نفسه وإلى غيره، كما قال تعالى: {وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [البقرة:83] فالإحسان يكون إلى نفسه وإلى غيره , أمّا التقوى فتقتصر على النفس .
والإحسان إلى الآخرين هو من الرحمة، فلمّا رحموا الآخرين وتعدّى إحسانهم إلى غيرهم زادهم ربنا رحمة، أمّا التقوى فهي للنفس , وهؤلاء إحسان للنفس وإلى الآخرين, والإحسان إلى الآخرين هو الرحمة فلمّا زادوا هم زادهم ربهم , والجزاء من جنس العمل، حتى في الآخرة زاد لهم الجزاء، قال تعالى في الآخرة: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ }[يونس:26] وهذه رحمة، فكما زاد الجزاء لهم في الآخرة زاد لهم في الدنيا {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] و {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ}[لقمان:3] .
ب ـ ولو لاحظنا أنّ هذه الأوصاف {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ}[لقمان:3] هي مناسبة لما ورد في عموم سورة لقمان وما شاع في جوِّها من هدى ورحمة وإحسان:
ـ فمن مظاهر الهدى المذكورة في سورة لقمان قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان:15] والذي يسلك السبيل يبتغي الهداية، هذا هدى، وجوُّ الهداية في سورة لقمان شائع.
ـ والرحمة لمّا ذكر قوله تعالى {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } [لقمان:10] هذا من الرحمة.
ـ ولمّا ذكر تسخير ما في السموات والأرض وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [لقمان:20] هل هناك أعظم من هذه الرحمة؟
ـ ومن مظاهر الإحسان أيضاً إيتاء الزكاة , وفي الوصية بالوالدين والإحسان إليهما، إذن جوُّ السورة كلها شائع فيه الهدى والرحمة والإحسان, وهذه ليست في البقرة، وإنما سورة البقرة ذكرت أموراً أخرى نحو: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4)} [البقرة:3-4] وصف كثير ثم انتهى {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [البقرة:5] أمّا في لقمان فاختصر {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[لقمان:4] .
والإيمان أعمّ من الإحسان، ولا يمكن للإنسان أنْ يكون متقياً حتى يكون مؤمناً، وورود كلمة المتقين، المؤمنين، المحسنين والمسلمين يعود إلى سياق الآيات في كل سورة.
5ـ في البقرة قال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ } [البقرة:3] ولم يقلها في لقمان، وقال في البقرة: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ }[البقرة:4] ولم يقلها في لقمان ,فما دلالة ذلك ؟ ولماذا؟
آ ـ قوله تعالى {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ } [البقرة:3] هذا متعلق بالسورة نفسها، ومفتتح السورة غالباً ما يكون له علاقة بطابع السورة من أولها إلى نهايتها.
ففي سورة البقرة قال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ } [البقرة:3] وبعدها قال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللهِ وَبِاليَوْمِ الآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة:8] هذا من الغيب : لم يؤمنوا لا بالله ولا باليوم الآخر، وقال على لسان بني إسرائيل: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً } [البقرة:55] إذن هم لا يؤمنون بالغيب وطلبهم عكس الغيب لذلك هو قال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ } [البقرة:3] وليس مثل هؤلاء الذين يقولون: آمنا وما هم بمؤمنين، ولا مثل هؤلاء الذين طلبوا أنْ يروا الله جهرة .
بينما في لقمان قال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ} [لقمان:25] إذن هم مؤمنون بالغيب، وقال: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} [لقمان:32] إذن الطابع العام في سورة البقرة هو الإيمان بالغيب وطلب الإيمان أو الإنكار على عدم الإيمان بالغيب, بينما في لقمان الإيمان بالغيب حتى الذين كفروا قال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ} [لقمان:25] إذن يؤمنون بجزء من الغيب بينما أولئك في سورة البقرة ينكرون {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً} [البقرة:55] هذه ليست إيماناً بالغيب وربنا يريد الإيمان بالغيب.
ب ـ قوله تعالى {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ}[البقرة:3] ولم يقل: آمنوا بالغيب، مع أنّ إيمان المتقين بالغيب مؤكد في الآية، فلماذا ؟
والجواب أنّ قوله تعالى {يؤمنون} [البقرة:3] بصيغة المضارع ولم يقل: آمنوا بصيغة الماضي؛ لأنّ الإيمان منا مستمر متجدد لا يطرأ عليه شك ولا ريبة.

...................


من اللمسات القرآنية في سورة البقرة : {يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9] 


السؤال الأول:


ما الفرق في استعمال: {وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9]{لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:12] {لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة:13] في آيات البقرة :

{وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9]) {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:12] و : {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة:13] ؟


الجواب:


هذه الآيات في الكلام عن المنافقين وهم لمّا يعلنوا أنهم قد آمنوا كأنما يعتقدون أنهم يخادعون الله سبحانه وتعالى .

1ـ الفعل المضارع (يشعرون) يدل على الحال أو الاستقبال، أي: الاستمرار، نحو: فلان ينظم الشعر , أي: هذه حاله.

2ـ العرب تستعمل لنفي الفعل أدوات؛ ومنها :

آ ـ استعملوا (ما) لنفي الحاضر.

ب ـ واستعملوا (لا) لنفي المستقبل.

ج ـ واستعملوا (لن) للتأبيد.

ولذلك الصيغتان: {وَمَا يَشْعُرُونَ} و {لا يَشْعُرُونَ} هي لنفي الإحساس والشعور عنهم الآن وفي المستقبل.

3ـ استعمل القرآن {وَمَا يَشْعُرُونَ} في القضايا الظاهرة وعلى الأحاسيس الواضحة فالمنافقون يخادعون, وهو عمل ظاهر, ويقولون ويتصرفون بالكلام وهذا في الحركة الظاهرة التي فيها معنى الإحساس فاستعمل هنا {وَمَا يَشْعُرُونَ} .

واستعمل {لا يَشْعُرُونَ} في الآية 12؛ لأنّ الإفساد واضح .

4ـ بينما استعمل: {لايَعْلَمُونَ} مع القضايا القلبية والمعنوية كما في الآية 13؛ لأنّ العلم في الداخل؛ ولأنّ الإيمان ليس شعوراً ظاهرا،ً وإنما هو علم الباطن.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
 
 
 
 
 
 
{يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:20] 

السؤال الأول:
قوله تعالى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} [البقرة:20] وقوله: {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة:17] ولم يقل بضيائهم، فلماذا؟

الجواب:
الضياء أبلغ من النور، ولا يلزم من ذهابه ذهاب النور, بخلاف عكسه فذهاب النور أبلغ في نفي ذلك .

السؤال الثاني:
أين المفعول به لفعل {شَاء} [البقرة:20] في الآية ؟ وهل مفعول الفعل: {أَرَاَدَ} يكثر حذفه في القرآن ؟

الجواب:
حذف المفعول به لفعل المشيئة {شَاء} [البقرة:20] كثير في كلام العرب، وفي القرآن يقول الله تعالى :
ـ {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} [البقرة:20] أي: لو شاء الله أنْ يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بسمعهم وأبصارهم.
ـ {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام:112] والتقدير: لو شاء ربك أنْ لا يفعلوه ما فعلوه.
ـ {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64].
ـ {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}[آل عمران:6]
ـ {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزُّمَر:74]
ـ {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:8]
ولقد كثر حذف المفعول به في الفعل {شَاءَ} [الانفطار:8] والفعل {أَرَاَدَ} [الرعد:11] ولا يكادون يبرزون المفعول به إلا في الشيء المستغرب نحو :
فلو شئتُ أنْ أبكي دماً لبكيتُه=عليه ولكنْ ساحة الصَّبرِ أوسَعُ
ومن الآياتِ التي ورد مذكوراً معه مفعولُ المشيئةِ الآياتُ التالية :
ـ {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} [الأنبياء:17] .
ـ {لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [الزُّمَر:4].
ـ {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}[المدَّثر:37].
ـ {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا }[الأنعام:80].
نقاط للعلم في الفعل {أَرَاَدَ} :
ورد الفعل {أَرَاَدَ} [الرعد:11] بصيغه المختلفة في القرآن الكريم في 136 موطناً لم يحذف مفعوله في واحد منها إلا في عائد الصلة، كقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[هود:107] وقوله : {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود:79] وهذا غير مختص بفعل دون فعل فحذف عائد الصلة المنصوب كثير في عموم الأفعال، كقوله تعالى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولًا} [الفرقان:41] أي: بعثه، وقوله: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدَّثر:11] أي: خلقته.
وهذا الحذف في عائد الصلة ورد في فعل الإرادة في (7) مواطن ، والباقي في (129) موطن من فعل الإرادة لم يحذف في واحد منها كقوله تعالى:
ـ {وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} [الرعد:11]. 
ـ {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا}[الكهف:82]. 
ـ {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الأحزاب:17]. 
ـ {لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [الزُّمَر:4].

السؤال الثالث:
ما دلالة لفظ : {كُلِّ} و {كُلَّما} في اللغة والقرآن ؟ 

الجواب:
اسم ( كُلّ) وضع لضم أجزاء الشيء على جهة الإحاطة , مأخوذ من لفظ 
( الإكليل ) أو ( الكلّة) , ويفيد الانضمام إلى ذات الشيء , أو انضمام الذوات , وهو المفيد للاستغراق , وهو ملازم للأسماء , ولا يدخل على الأفعال .
وأمّا قوله تعالى : {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل:87] , فالتنوين بدل من المضاف , أي كل واحد .
وهو لازم للإضافة معنىً , ولا يلزم إضافته لفظاَ إلا إذا وقع تأكيداً أو نعتاً, وإضافته منويّة عند تجرده منها .
ويُضاف تارة إلى الجمع المعرّف , نحو : كلُ القوم , ومثله إسم الجنس نحو : {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [آل عمران:93].
وتارة إلى ضميره نحو :
- {وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:95].
- {فَسَجَدَ المَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}الحجر:30].
وإلى نكرة مفردة نحو: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38].
وربما خلا من الإضافة لفظاً وينوى فيه , نحو : 
{وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل:87].
{كُلًّا هَدَيْنَا} [الأنعام:84].
{وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ}[الفرقان:39].
ولفظ ( كُل ) لإفراد التذكير , ومعناه بحسب ما يُضاف إليه , والأحوال ثلاثة :
1ـ أن يُضاف إلى نكرة فيجب مراعاة معناها , فلذلك جاء الضمير مفرداً مذكراً في قوله تعالى : {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ} [الإسراء:13] .
وجاء مؤنثاً في قوله تعالى :
{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38].
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ } [آل عمران:185].
وجاء مجموعاً مذكراً في قوله تعالى :
{كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون:53].
ويجب مراعاة المعنى مع النكرة دون لفظ ( كل ) كما في قوله تعالى : {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ}[غافر:5].فالجمع باعتبار ( الأمة ) .
{وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27].لأنّ الضامر اسم جمع , كالجامل والباقر .
وأمّا قوله تعالى : {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ(7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى المَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ(8) } [الصافات:7ـ8].
إنما عاد الضمير إلى الجمع المستفاد من الكلام , فلا يلزم عوده إلى ( كل ) .
2ـ أن تضاف ( كُل) إلى معرفة , فيجوزمراعاة لفظها ومراعاة معناها , سواء كانت الإضافة لفظاً , نحو : {وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا}[مريم:95]. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: [ كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته ] , ولم يقل : راعون ولا مسؤولون . أو معنى, نحو : {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ}[العنكبوت:40]., فراعى لفظها . وقال : {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل:87] فراعى المعنى .
3ـ أن تقطع عن الإضافة لفظاً , فيجوزمراعاة لفظها ومراعاة معناها , فمن الأول قوله تعالى :
{كُلٌّ آَمَنَ بِاللهِ} [البقرة:285]. 
{إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ} [ص:14] , ولم يقل : كذّبوا . 
ومن الثاني قوله تعالى : 
{وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} [الأنفال:54]. 
{كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم:26] . 
وقد تتصل ( ما ) بـ ( كل ) نحو : { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا} [البقرة:25] وهي مصدرية لكنها نائبة بصلتها عن ظرف زمان , والمعنى : كل وقت , وتسمى ( ما ) مصدرية ظرفية, أي النائبة عن الظرف , لا أنها ظرف في نفسها . و( كلما ) للتكرار . والله أعلم .

السؤال الرابع:
قد يقال : لِمَ أتى قبل الفعل {أَضَاءَ}بـ {كُلَّمَا} وقبل الفعل {أَظْلَمَ} بـ {وَإذَاَ} في الآية ؟ وما وجه المناسبة في ذلك ؟ 

الجواب:
فيه وجوه :
1ـ أنّ تكرار الإضاءة يستلزم تكرار الإظلام , فكان تنويع الكلام أعذب .
2ـ أنّ مراتب الإضاءة مختلفة متنوعة , فذكر ( كلّما) تنبيهاً على ظهور التعدد وقوته بالصورة والنوعية , بينما الإظلام نوع واحد , فلم يؤت بصيغة التكرار لضعف التعدد فيه , بعدم ظهوره بالنوعية , وإنْ حصل بالصورة .
3ـ قاله الزمخشري : أنه لمّا اشتد حرصهم على الضوء المستفاد من النور , كانوا كلّما حدث لهم نور تجدّد لهم باعث الضوء فيه , وأمّا التوقف بالظلام فهو نوع واحد .
4ـ قال الله : {كُلَّمَا} وعبّر عنها دون (إذا) دلالة على شدة حرصهم على إمكان المشي , فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها , وليس كذلك مع التوقف عند الإظلام . والله أعلم .
 ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22] 

السؤال الأول:
ما الفرق بين (البناء) و (البنيان) في الاستعمال القرآني ؟

الجواب:
استعمل القران الكريم البناء للسماء، كما في هذه الآية وآية غافر {اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [غافر:64] ، واستعمل البنيان لما بناه البشر كما في قوله تعالى : {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا} [الكهف:21] . 
{قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الجَحِيمِ} [الصافات:97  ] {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ } [التوبة  109].
والله أعلم

السؤال الثاني:
ما دلالة رسم كلمة: {فِرَشا} كلمة بدون ألف وسطية في الآية, ورسم كلمة : {بِنَاءً} بالشكل المعتاد ؟ 

الجواب:
وردت كلمة: {فِرَشا}بدون ألف وسطية لتوحي بالتصاقنا بالأرض وجاذبيتها لنا , في حين جاءت كلمة {بِنَاءً} بألف وسطية لتوحي بعظمة السماء وبنائها وسُمكها . والله أعلم .


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23] 

السؤال الأول:
ما الفرق في آيات التحدي في قوله تعالى بين{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23] و {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:38] و {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود:13] ؟

الجواب:
التحدي كان بأكثر من صورة ، وكان هناك تحدٍّ في مكة وتحدٍّ في المدينة.
1ـ السور المكية جميعاً جاءت من غير (من) :
آ ـ {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:34] ، والحديث يمكن أنْ يكون آية أو عشر آيات أو سورة كاملة، بحديثٍ مثله، أي: الحديث مطلق .
ب ـ {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:38] بسورة مثله.
ج ـ {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود:13] بعشر سور.
د ـ {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88] حكاية حالهم بأسلوب القرآن الكريم، فكان أحياناً يطالبهم بحديث ، فأحياناً يقول لهم: فأتوا بقرآن مثله، أحياناً عشر سور، أحياناً سورة واحدة مثل الكوثر أو الإخلاص، هذا كان في مكة فكان يقول: (مثلِه) بدون (من). 
2ـ في المدينة (في سورة البقرة) المكان الوحيد الذي قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23] هنا القرآن انتشر وأسلوبه صار معروفاً، الآن يقول لهم: {بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23].
3ـ لو قال : بسورة مثله، كما قال سابقاً يعني سورة مثل سور القرآن الكريم، بينما (من) هذه للتبعيض , والقرآن هل له مثل حتى يطالَبون ببعض مماثله؟ هو لم يقل : فأتوا بمثله وإنما ببعض ما يماثله أو بعض ما تتخيلونه مماثلاً ولا يوجد ما يماثله فما معناه؟ هذا معناه زيادة التوكيد. 
ومعناه: أنه لو تخيلتم أو أنّ تصوّركم أنجَدَكم بأنْ تتخيلوا مثالاً لهذا القرآن فحاولوا أنْ تأتوا بمثل ذلك المثال، حتى بجزء من ذلك المثال الذي تخيلتموه، فهذا أبعد في التيئيس من قوله: {مِثْلِهِ} مباشرة.
وهذا إمعان في التحدي وأبعد؛ لأنّ القرآن صار منتشراً، وهذا غير ممكن؛ لأنّ الله تعالى قضى بأنهم : {لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء:88] فأتوا ليس بمثله وإنما بجزء مما تتخيلونه مماثلاً له. 

السؤال الثاني:
ما الفرق بين قوله تعالى: {مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23] و {مِثْلِهِ} في آيات الإسراء [88] يونس[ 38] هود[ 13] الطور[34]؟

الجواب:
من الناحية اللغوية هناك فرق بين التعبيرين , فعندما تقول : ائتني بشيءمن مثل هذا , فهذا يعني أننا نفترض وجود أمثال لهذا الشيء.
أمّا عندما نقول : ائتني بشيء مثل هذا, فهذا لا يفترض وجود أمثال لكنه محتمل أنْ يكون لهذا الشيء مثيل وقد لا يكون, فإنْ كان موجوداً ائتني به وإنْ لم يكن موجوداً فافعل مثله.
هذا هو الفرق الرئيس بينهما, وهذا الأمر طبع كل الآيات الواردة في هذا المجال؛ حيث إننا نعرف أنّ الله تحدى الكفار والمشركين بالقرآن في أكثر من موضع. 
%D8%AC%D8%AF%D9%88%D9%84%20%D9%85%D9%82%

التعليق :
1ـ أمور الريب أعمُّ وأشمل وأهم من الافتراء , والافتراء واحد من أمور الريب.
2ـ قال المفسرون: إنّ معنى {مِنْ مِثْلِهِ} أي من مثل القرآن ومن مثل رجل أُميٍّ كالرسول صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولا يقرأ فهي تحتمل المعنيين بينما لفظ {مِثْلِهِ} لا يحتمل إلا معنى واحداً وهو مثل القرآن , لذلك فصيغة: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ } [البقرة:23] أعم من : {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس:38] للسببين أعلاه.
3ـ حذف مفعولي الفعلين (تفعلوا) و(لن تفعلوا) والحذف في اللغة قد يكون للإطلاق عموماً، كأنْ تقول : قد كان منك ما يؤذيني، و قد كان منك ما يؤذي، وهذا عام.
4ـ لا يمكن افتراضاً أنْ نضيف كلمة (مفتراة) في آية سورة البقرة فيقول مثلاً : فأتوا بسورة من مثله مفتراة؛ وذلك لسببين :
آ ـ هم لم يقولوا (افتراه)، كما قالوا في سورة يونس وهود .
ب ـ لا يحسن أنْ يأتي بعد (من مثله) بكلمة (مفتراة) ؛ لأنه عندما قال: (من مثله) افترض وجود مثيل له, فإذن هو ليس مفترى ولا يكون مفترى إذا كان له مثيل.
5ـ كذلك لا يصح أنْ يقول في سورتي يونس وهود مثلاً: (فأتوا بسورة من مثله) بإضافة (من)؛ لأنّ استخدام (من مثله) تفترض أنّ له مِثْلاً، إذن هو ليس بمفترى, لذلك لا يمكن استبدال إحداهما بالأخرى.
6ـ قال في البقرة: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} [البقرة:23] وقال في يونس وهود: {وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ}؛ والسبب أنه في سورة البقرة قال: {مِنْ مِثْلِهِ} أي: افترض أنّ له مثلاً وهناك من استطاع أنْ يأتي بهذا المثل , فلماذا تدعو المستطيع !!! وإنما صح أن يأتي : {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} [البقرة:23] ليشهدوا إنْ كان هذا القول مثل هذا القرآن, فالموقف يحتاج إلى شاهد محكَّم ليشهد بما جاءوا به وليحكم بين القولين .
أمّا في سورة يونس وهود؛ فالآية تقتضي أنْ يقول: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} ليفتري مثله .
لذلك فقوله تعالى {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} [البقرة:23] أعمُّ وأوسع؛ لأنه تعالى في آية البقرة طلب أمرين : دعوة الشهداء ودعوة المستطيع, أمّا في آية يونس وهود فالدعوة للمستطيع فقط .
7ـ مما سبق نلاحظ أنّ آية البقرة بنيت على العموم أصلاً {فيِ رَيْبٍ} {مِنْ مِثْلِهِ} {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} وجاءت هذه الآية {فيِ رَيْبٍ} مناسبة لأول سورة البقرة: {ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2] .
8 ـ ثم نسأل : لماذا قال الله في آية البقرة: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} نقول: 
إنّ قوله تعالى: {فَإِن لَم تَفْعَلُوا} هو الشرط، وقوله تعالى {وَلَنْ تَفْعَلُوا} هو جملة اعتراضية بغرض القطع بعدم الفعل، وهذا يناسب قوله تعالى: {لَا رَيْبَ فِيهِ} في أول سورة البقرة.
كما ناسب أنْ يقطع بعدم الاستطاعة على الفعل بقوله {وَلَنْ تَفْعَلُوا} ؛ لأنه ذكر ابتداء أنه لا ريب فيه.
9ـ استخدم {ذَلِكَ الكِتَابُ} [البقرة:2] في أول سورة البقرة و{ذَلِكَ} [البقرة:2] اسم إشارة للبعيد , بينما في آيات أخرى جاء اسم الإشارة (هذا) للقريب، كما في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا القُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9]؛ والسبب أنه تعالى عندما قال : {ذَلِكَ الكِتَابُ} [البقرة:2] دعا من يستطيع أنْ يأتي بمثله وهذا أمر بعيد الحصول، وفيه إشارة إلى أنهم لن يستطيعوا إليه سبيلاً .
أمّا استخدام اسم الإشارة (هذا) فجاء مع الهدى؛ لأنّ الهداية ينبغي أنْ تكون قريبة من أفهام الناس حتى يفهموا ويعملوا.
10ـ حدد القرآن التحدي في سورة هود بعشر سور؛ لأنّ هذا من طبيعة التدرج في التحدي؛ حيث يبدأ بالكل ثم الأقل فالأقل , والله أعلم.

السؤال الثالث :
ما المعنى الخاص المميز لكلمة ( شهداءكم ) في هذه الآية ؟

الجواب :
كل ما في القرآن من كلمة ( شهيد ) غير القتلى في الغزو , فهم الذين يشهدون على أمور الناس, كما في قوله تعالى في سورة البقرة : {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] , إلا قوله تعالى: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ} [البقرة: 23] فإنه يُراد : شركاءكم .
لمزيد من المعلومات حول نظائر هذه الكلمات انظر آية البقرة 14 .

مثنى محمد الهيبان
رابطة العلماء السوريين

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
{الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} [البقرة:27]

السؤال الأول:

ما سبب اختيار لفظ النقض في قوله تعالى {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ} [البقرة:27] ؟

الجواب:

إنّ النقض يدل على فسخ ما وصله المرء وركّبه , فنقض الحبل يعني حلّ ما كنت قد أبرمتَه، وقطعك الحبل يعني جعله أجزاءً, ونقض الإنسان لعهد ربّه يدلك على عظمة ما أتى به الإنسان من أخذ العهد وتوثيقه ثم حلّ هذا العهد والتخلي عنه، فهو أبلغ من القطع؛ لأنّ فيه إفساداً لما عمله الإنسان بنفسه من ذي قبل.
فانظر وتأمل كيف جعل الله تعالى التخلي عن الميثاق والوعد نقضاً.

السؤال الثاني:

ما صفات الفاسقين المذكورة في الآية ؟

الجواب:

أخبر الله تعالى أنّ الفاسقين هم المبتعدون عن منهج الله وحدد صفاتهم في ثلاث :

{الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة:27] فقد أخبرنا الله بأنه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:172] ثم جاءت الغفلة إلى القلوب بمرور الوقت فنقضوا العهد واتخذوا آلهة من دون الله.
{وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ }[البقرة:27] والله أمر بصلة الرحم ضمن الروابط التي تبدأ بالأسرة ثم الحي فالقرية فالمدينة فكلِّ المجتمع ضِمنَ تكافلٍ اجتماعيٍّ متميِّزٍ.
بينما هؤلاء خالفوا أمر الله وقطعوا هذه الصلة وخالفوا منهج الله.
{وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ} [البقرة:27] الله خلق كل ما في الكون على نظام: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى:3] ولكنّ الإنسان المنحرف جاء وأفسد قضية الصلاح في الأرض والكون بأشكال مختلفة.
إنّ غياب منهج الله معناه أنّ الأمور أصبحت على أهواء الناس، وقوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} [البقرة:27] تدل هذه الصيغة الاسمية الثابتة أنّ الخسران ليس موقوتاً وإنما أبدي؛ ولذلك سيكون الندم عليها شديداً.
والعجيب أنك ترى الناس يعدون للحياة الدنيا إعداداً قوياً فيرسلون أولادهم إلى مدارس اللغة والجامعات ويتحملون في ذلك ما لا يستطيعون وهم في ذلك يعدونهم لمستقبل مظنون وليس يقيناً؛ لأنّ الإنسان قد يموت وهو شاب أو لا يكمل دراسته في المراحل الأخيرة أو يكمل فتأتيه المشاكل فيضيع عمره بسبب الجرائم والمخدرات أو غيرها .
ولكن اليقين الذي لا شك فيه هو أننا سنلاقي الله تعالى يوم القيامة وسيحاسبنا على أعمالنا, ومع أنّ هذا يقين إلا أن كثيراً من الناس لا يلتفتون إليه، يسعون للمستقبل المظنون، ولا يبذلون جهداً لحمل أبنائهم على الصلاة والعبادة والتزام منهج الله في الحياة, إنهم ينسون النعيم الحقيقي ويجرون وراء الزائل.

السؤال الثالث:

ما دلالة كلمة: {مِنْ بَعْدِ} في الآية27، وما الفرق بينها وبين {خَلْفٌ} ؟

الجواب:

1ـ لفظة (بعد) نقيضة لفظة (قبل) وأظهر استعمال لها في الزمان.
2ـ أمّا لفظة (خلف) فهي نقيضة لفظة : (قُدّام)  (وهي في الغالب للمكان) هذا من حيث اللغة. والخلف في اللغة هوالظهر أيضاً.
3ـ أحياناً لا يصح وضع إحداهما مكان الأخرى؛ فلا يمكننا أنْ نضع (خلف) مكان (بعد), ففي هذه الآيات لا يمكن أنْ تحلّ (خلف) محل (بعد)؛ لأنها كلها متعلقة بالزمان. 

شواهد قرآنية: {مِنْ بَعْدِ} قال تعالى :

آ ـ {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:52] .
ب ـ {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} [البقرة:27] .
ج ـ {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الخَاسِرِينَ} [البقرة:64]. 
د ـ {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:109] .
هـ ـ {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ] [البقرة:120] .
و ـ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230].
ز ـ {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ} [آل عمران:8] وكلها متعلقة بالزمان.
4ـ أمّا (خلف) فهي في الأصل للمكان.

شواهد قرآنية :

آ ـ {ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:17] .
ب ـ {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}[يس:9]. 
ج ـ {اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ}[البقرة:255].
د ـ {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء:9] أي يلونهم مباشرة كأنهم واقفون خلفهم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28] 

السؤال الأول:

ما غرض الاستفهام في الآية؟

الجواب:

إنّ الاستفهام الحقيقي يحتاج إلى جواب، فإذا سألك أحد: كيف حالك؟ قلت: الحمد لله، وهذا جواب لسؤاله.
أمّا إذا قلت لولدك وهو يضيع وقته أيام الامتحانات: كيف تضيع وقتك على التلفاز؟ هل تنتظر منه جواباً؟ وكذلك قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} [البقرة:28] هو استفهام، ولكنه خرج إلى غرض آخر وهو التعجب والإنكار.

السؤال الثاني:

ما الفرق بين (ثُمَّ) و(ثَمَّ) في الاستعمال القرآني ؟

الجواب:

ثُمَّ ـ بضمِّ الثاء ـ هي حرف عطف يفيد الترتيب والتراخي كما في هذه الآية، وآية الكهف [37] {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} [الكهف:37].
ثَمَّ ـ بفتح الثاء ـ هي ظرف بمعنى هناك، كما في آية الشعراء [64] {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآَخَرِينَ} [الشعراء:64].

السؤال الثالث:

جاء الإحياء الأول بالفاء وما بعده بثُمَّ، فلماذا ؟

الجواب:

الإحياء الأول جاء بعد الموت بغير تراخٍ فجاء بالفاء, وأمّا الموت الأول فقد امتد لفترة لا نعلمها، لذلك هو تراخٍ عن الإحياء .
وأمّا الإحياء الثاني فهو كذلك متراخ عن الموت أيضاً . والله أعلم.

السؤال الرابع:

ما دلالة قوله تعالى : {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28] ؟

الجواب:

1ـ قوله تعالى: {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28] المراد هو الرجوع إلى حكمه؛ لأنّ الله يبعث من القبور ويجمعهم في المحشر، وذلك هو الرجوع إلى الله تعالى, وإنما وصف بذلك لأنه رجوع إلى حيث لا يتولى الحكم غير الله, كقولك: رجع الأمر إلى الأمير، أي: إلى حكمه.
2ـ الآية دالة على أنّ الإحياء والإماتة بيد الله سبحانه فقط.بدون ألف وسطية

السؤال الخامس :

ما دلالة رسم كلمة {أَمْوَاتاً} بدون ألف وسطية ورسم كلمة {أَحيَاءٌ} بألف وسطية في مواطن أخرى ؟

الجواب:

1 ـ ورد في جميع القرآن الكريم رسم خاص لكلمة {أَحيَاءٌ} حيث وردت بالألف الصريحة لأنّ الحياة حركة ونشاط ,وقد وردت كلمة {أَحيَاءٌ} خمس مرات في القرآن الكريم وكلها بالألف الصريحة وذلك في الآيات :[ البقرة154 ـ آل عمران 169 ـ النحل 21 ـ فاطر 22 ـ المرسلات 26 ]. 
2 ـ أمّا رسم كلمة{أَمْوَتٌ} فقد جاءت بغير ألف وسطية ليوحي ذلك بالموت وبالسكينة والهدوء , وقد وردت كلمة {أَمْوَتٌ} ست مرات في القرآن الكريم كلها بدون الف صريحة وذلك في الآيات :[ البقرة28 ـ 154ـ آل عمران 169 ـ النحل 21 ـ فاطر 22 ـ المرسلات 26 ].
ومن شواهد هذا الموضوع قوله تعالى :{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} [البقرة:154] .
{أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا} [المرسلات:26] 
{أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} [النحل:21]
يرجى الاطلاع في القرآن الكريم على هذه الآيات بالخط العثماني للاطلاع على حذف الألف فيها
والله أعلم .

مثنى محمد هبيان
رابطة العلماء السوريين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:31] 

السؤال الأول:
ما دلالة استخدام: {أَنْبِئُونِي} [البقرة:31] فى الآية وليس (نبِّئونى) ؟

الجواب:

هذه الظاهرة استعمال (نبّأ) و(أنبأ) مضطردة في القرآن الكريم .
1ـ أنبأ : وردت في أربعة مواضع في القرآن كله، وسنجد أنها جميعاً فيها اختصار زمن، أي: فيها وقت قصير، وليس فيها وقت طويل.
2ـ أما (نبّأ) فوقتها أطول في الاستعمال، وقد وردت في ستة وأربعين موضعاً.
آ ـ لاحظ {وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31] بمفهوم البشر التعليم يحتاج إلى وقت؛ ولذا قال: علّم، ولم يقل: أعلم، والله تعالى أقدر آدم عليه السلام على وضع هذه الأسماء .
و الأسماء كلها، أي: هذا الشيء اسمه كذا , وهذا المخلوق اسمه كذا، وهكذا، ورب العالمين يمكن أنْ يقول: كن فيكون، لكنْ أرادت الآية أنْ تبيّن أنه لقّنه هذه الأشياء بوقت، كما أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان باستطاعته أنْ يقول: كن فيكون.
{وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ} [البقرة:31]؛ وقد تمّ استعمال (عرضهم) لأنّ فيها العاقل وغير العاقل. {فَقَالَ أَنْبِئُونِي} [البقرة:31] ، ولم يقل: {نبّؤني} لأن الإجابة لا تحتاج إلى تطويل؛إذ المطلوب هو الاسم فقط؛ هذا بخلاف قوله تعالى: {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأنعام:143] {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} [البقرة:32] ؛ فإن ما تعلّموه تعلموه على وقت.
{قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البقرة:33] آدم يقول: هذا اسمه كذا وانتهى، وهكذا، الإنباء بكل اسم على حدة لا يأخذ وقتاً، ولهذا قال: {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البقرة:33] {قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}. {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البقرة:33] واحداً واحدا،ً وهذا لا يحتاج إلى وقت. 

السؤال الثاني:

ما دلالة قوله تعالى: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} [البقرة:31] ولم يقل: عرضها ؟

الجواب:

لأنّ فيها العاقل وغير العاقل حيث عُلّمَ آدمُ عليه السلام الأسماء كلها، والله عرض المخلوقات والأشياء من العقلاء وغيرهم فغلّب العقلاء .
وأمّا كيف عرضهم فهذا غيبٌ نؤمن به .

السؤال الثالث:

ما دلالة استعمال: {هَؤلاءِ} [البقرة:31] في الآية ؟

الجواب:
هؤلاء : أصلها أولاء، والهاء للتنبيه وهي تستعمل للعقلاء، لكن إذا اجتمع العقلاء وغيرهم يغلّب العقلاء فيُشار إلى المجموع بكلمة (هؤلاء) للقريب و(أولئك) للبعيد.

السؤال الرابع:

ما خطوط تحديد تأنيث الفعل وتذكيره مع الملائكة في القرآن الكريم ؟

الجواب:

نحوياً : يجوز تأنيث الفعل أو تذكيره؛ لأنه جمع تكسير.
بيانياً : هناك خطوط تحدد تأنيث الفعل وتذكيره مع الملائكة في القرآن الكريم، وهي :
1ـ كل فعل أمر يصدر إلى الملائكة يكون بالتذكير: {اسْجُدُوا} [البقرة:34] {أنبِئُوني} [البقرة:31] {فَقَعُواْ} [الحِجر:29].
2ـ كل فعل يقع بعد ذكر الملائكة يأتي بالتذكير: {وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد:23] ـ {وَالمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ} [النساء:166] {وَالمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [الشورى:5].
3ـ كل وصف اسمي للملائكة يأتي بالتذكير: {المَلَائِكَةُ المُقَرَّبُونَ} [النساء:172] {وَالمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} [الأنعام:93] {مُسَوِّمِينَ} [آل عمران:125] {مُرْدِفين} [الأنفال:9] ـ {مُنزَلِينَ} [آل عمران:124] .
4ـ كل فعل عبادة يأتي بالتذكير : {فَسَجَدَ المَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحِجر:30] [ص:73] {لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم:6] ؛ لأنّ المذكر في العبادة أكمل من عبادة الأنثى؛ ولذلك جاء الرسل كلهم رجالاً.
5ـ كل أمر فيه شدة وقوة حتى لو كان عذابين أحدهما أشد من الآخر فالأشد يأتي بالتذكير, نحو قوله تعالى : {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ} [الأنفال:50] فجاءت {يتوفى}  بالتذكير؛ لأنّ العذاب أشد {وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ} [الأنفال:50]. 
أمّا في قوله تعالى : {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [محمد:27] فجاء الفعل {تَوَفَّتْهُمُ} بالتأنيث؛ لأنّ العذاب أخف من الآية السابقة .
وكذلك في قوله تعالى: {وَنُزِّلَ المَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الفرقان:25] بالتذكير، وقوله تعالى: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ} [فُصِّلَت:30] و {تَنَزَّلُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدْر:4] بالتأنيث.
6ـ لم تأتِ بشرى بصيغة التذكير أبداً في القرآن الكريم، فكل بشارة فيه تأتي بصيغة التأنيث كما في قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ المَلَائِكَةُ} [آل عمران:39] ـ {قَالَتِ المَلَائِكَةُ} [آل عمران:45] .
من الناحية النحوية : 
إذا كان الفاعل مؤنثاً أنّث فعله بتاء ساكنة في آخر الماضي، وبتاء المضارعة في أول المضارع، نحو : قامت هند، وتقوم هند .
وهذا قد يجب، وقد يجوز .
فيجب تأنيث الفعل :
ـ إذا كان الفاعل ضميراً مستتراً عائداً على مؤنث حقيقي التأنيث، نحو : هند قامت أو هند تقوم 
ـ أو مجازيَّ التأنيث، نحو : الشمس طلعت، أو الشمس تطلع .
ـ إذا كان الفاعل اسماً ظاهراً متصلاً بعامله مباشرة، حقيقي التانيث، كقوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ} [آل عمران:35].
ويجوز تأنيث الفعل في ثلاثة مواضع: 
ـ إذا كان الفاعل أو شبهه (نائب الفاعل،اسم الفعل الناسخ) اسماً ظاهراً حقيقي التأنيث منفصلاً عن الفعل، مثل : سعى بين الصفا والمروة المؤمنة, ويجوز : سعت .
ـ إذا كان الفاعل أو شبهه جمع تكسير، نحو : ذبلت الأوراق، ويجوز : ذبل الأوراق .
ـ إذا كان الفاعل أو شبهه اسماً ظاهراً مجازي التأنيث، نحو : اندلعت الحرب, ويجوز: اندلع الحرب .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33]

السؤال الأول:

ما أحرف النداء التي استعملت في القرآن الكريم ؟

الجواب:

1ـ المنادى هو المطلوب إقباله بحرف نداء ظاهر أو مقدر.

2ـ وحروف النداء في اللغة هي [يا ـ أيا ـ هيا ـ آ ـ أي ـ الهمزة]، ولم يرد في القرآن الكريم سوى الحرف (يا).

3ـ الحرفان [ أيا ، هيا ] ليسا إلا [ يا ] مسبوقة بالهمزة أو الهاء.

السؤال الثاني:

ما دلالة لفظة : {كُنتُم} [البقرة:33] في آية البقرة 33؟

الجواب:

الآية موضع السؤال: {قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33] جاءت بعد الآية: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30] ولِمَ لمْ يقل في غير القرآن: (يعلم ما تبدون وما تكتمون)؟ 

1ـ هذا الذي جرى في الملأ الأعلى يليق بذلك الموضع ولا ندري على وجه التحديد ما المراد بتلك العبارات التي قيلت وما المراد بهذه الأسماء التي سُئِلَ عنها؛ لأنّ الإشارة كانت بصيغة العقلاء فما الذي عُرِض أمام الملائكة؟ وما الذي سئل عنه الملائكة؟ ما عندنا خبر صحيح عنه، وهو وقع فعلاً، وكان اختباراً للملائكة، وفي الوقت نفسه كان اختباراً لآدم .

2ـ لمّا طلب الله من الملائكة: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:31] أعلنوا عجزهم وقالوا: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} [البقرة:32] أي: ما عندنا علم إلا الذي علمتنا إياه .

3ـ عند ذلك قال تعالى: {قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البقرة:33]، هذا الإنباء الذي بُنيَ على التعليم {وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31]، والتعليم هنا قد يراد به التلقين؛ حيث إنّ آدم عليه السلام لُقِّن؛ أي: حُفِّظ، وهو لديه في دماغه خلايا متخصصة للغة فاستقبلت هذا الذي حُفِّظَ إياه واستطاع أنْ يسترجعها عندما احتاج إليها، فبدأ آدم يتكلم ويخبر بهذه بالأسماء، إذن آدم نجح في الاختبار الذي لم ينجح فيه الملائكة؛ لأنّ الملائكة غير مهيئين للخلافة في الأرض، وأهم ركيزة من ركائز الخلافة في الأرض اللغة.

4ـ الملائكة عندما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:30] هذا القول كان فيه شيء من الإحساس أنهم هم أفضل من هذا المخلوق، هذا في داخلهم ولم يصرحوا به .

والملائكة في داخلهم كأنما أحسوا أنهم أميز من هذا المخلوق ولما أُمروا بالسجود سجدوا طاعة لله.

لكن لأنه سيكون من ذرية هذا المخلوق من يفسد؛ربما يكون قد دخل في نفس بعضهم أنهم أميز منه وأفضل، وهذا الذي أشير إليه في: {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}[البقرة:33] أي: في نفوسكم شيء مكتوم في صدوركم لم تصرحوا به، وما كانوا يعتقدون أنهم كتموه عن رب العزة.

5ـ وعندما ننظر في الآية نجد حذفاً مقدراً؛ لأنه لمّا قال الله عز وجل: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ} [البقرة:33] دلَّ على شمول علم الله سبحانه وتعالى لكل الجزئيات ولكل دقائق الأمور، وكما يقول العلماء عن علم الله سبحانه: (يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن وما لو كان سيكون، كيف كان يكون) هذه كلمة قديمة لعلمائنا لبيان عظيم علم الله سبحانه وتعالى وشموله وسعته، فعلم الله سبحانه وتعالى شامل. 

لذا قال علماؤنا بوجود الحذف المقدر في قول الله تعالى: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}[البقرة:33]، فالذي يعلم الغيب يعلم الشهادة من باب أولى ؛ أي أن هنالك حذفاً، وتقدير المحذوف: (أعلم غيب السموات والأرض وأعلم شهادتهما، وأعلم ما تبدون الآن وفي المستقبل، ويقابله :وما تكتمون الآن وفي المستقبل). 

6ـ هي إذن ثلاث صور: 

آ ـ أعلم غيب السموات والأرض، والحذف (وأعلم شهادتهما). 

ب ـ والثانية: أعلم ما تبدون الآن وفي المستقبل، وما تكتمون الآن وما تكتمون في المستقبل.

ج ـ والثالثة : وما كنتم تكتمون وما كنتم تبدون في الماضي. 

7ـ إذن {كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33] أخذت الحيز الثالث من الكتمان في الماضي؛ ولذلك جاءت: {كُنتُمْ} لأنّ تبدون في الحاضر وما كنتم تكتمون في الماضي.

8ـ فإذن مجيء {كُنتُمْ} أشارت وأشعرت بهذا الحذف الموجود في المكانين؛ حتى تستكمل صورة معرفة علم الله سبحانه وتعالى.

والله سبحانه وتعالى يعلم غيب السموات والأرض ويعلم شهادتهما، ويعلم ما تبدي الملائكة الآن وفي المستقبل وما تكتم الآن وفي المستقبل.

من أين علمنا (تكتم)؟ من {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33] وما كنتم تكتمون في الماضي وما كنتم تبدون .

من أين علمنا (ما كنتم تبدون)؟ من وما تبدون الآن، كل واحدة صار فيها هذا الحذف.

فإذن مجيء {كُنتُم} هو الذي أرشد إلى هذا الفهم العام الشامل الذي فهمه علماؤنا و فهمه العربي أيضاً.

9ـ هذا التفصيل مراد؛ لأنهم أبدوا شيئاً وكتموا شيئاً، والكلام عن غيب السموات والأرض كلام عام، لكنّ الملائكة بخصوصيتهم أبدوا شيئاً {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة:30] هذا أبدوه وبعضهم - كما قال علماؤنا - كتم شيئاً في نفسه ما صرّح به: وهو أنّ هذا المخلوق الذي سيفسد نحن أكرم منه؛ لأننا نحن لا نفسد والآيات لم تفصح، لكن ما معنى: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}  [البقرة:30] في مقابل: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة:30] ؟ 

الملائكة لا ينكرون ولا يعترضون؛ لأنه معلوم من صفتهم عدم الاعتراض فهو شيء حاك في نفوسهم وأظهره بعضهم في العبارة فلا بدّ من الجمع بين الآيات والفهم في ضوء نسق الآيات، ونحن لا نتألّى على الله أوعلى العبارة القرآنية، لكنّ هذا الذي يُفهم.

الملائكة قالوا كلاماً، وهذا الكلام لا يمكن أنْ يدخل في إطار الاعتراض على موقف أو حكم الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وليست لديهم القدرة على المحاجة والمناقشة وهذه قدرة الإنسان خلقه الله تعالى على هذا، أمّا هم فلا يناقشون ولا يحاجون ، وإذا ما نظرنا في العبارة فهمنا ما ذكره علماؤنا. والله أعلم .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} [البقرة:34]

السؤال الأول:

هل كان إبليس مأموراً بالسجود لآدم؟

الجواب:

نعم أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم أمراً عامّاً {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} [البقرة:34] وأمر إبليس بالسجود أمراً خاصاً: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12] .
من جهة أخرى فإنّ كلمة {الكَفِرِين} بدون ألف وسطية قد وردت (84) مرة في القرآن الكريم علماً أنّ كلمة ( الكافرين ) قد وردت بالألف الصريحة في رسالة النبي عليه السلام إلى ابني ( الجلندي ) مما يدل على أنّ الكتابة المعتادة خلال فترة نزول القرآن الكريم وكتابته لم تكن هي الكتابة الفريدة التي اختص الله بها للقرآن الكريم .والله أعلم.


السؤال الثاني:
لماذا جاء ذكر إبليس مع الملائكة عندما أمرهم الله تعالى بالسجود لآدم، مع العلم أنّ إبليس ليس من جنس الملائكة؟

الجواب:

الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم في آية سورة البقرة {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} [البقرة:34]، وأمر إبليس على وجه الخصوص في آية سورة الأعراف:{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12] ، فليس بالضرورة أنْ الله تعالى أمر إبليس بالسجود مع الملائكة، لكنه تعالى أمر الملائكة بالسجود كما في آية سورة البقرة، وأمر إبليس وحده بالسجود لآدم أمراًخاصاً به في آية أخرى.


السؤال الثالث:

لماذا استخدمت كلمة (إبليس)مع آدم ولم تستخدم كلمة (الشيطان)؟

الجواب:

قال تعالى في سورة البقرة: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} [البقرة:34] وفي سورة الأعراف: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف:11] إبليس هو أبو الشياطين، كما إنّ آدم أبو البشر، وبداية الصراع كان بين أبي البشر وأبي الشياطين والشيطان يُطلق على كل من كان كافراً من الجن، أي: على الفرد الكافر من الجنّ.
 
 
السؤال الرابع:

ما الفرق بين إبليس والشيطان في القرآن الكريم ؟

الجواب:

ورد ذكر إبليس في القرآن في 11 آية، بينما ورد ذكر الشيطان في 68 آية، وقد يظن كثير من الناس أنهما بمعنى واحد وأنهما لمخلوق واحد، وليس الأمر كذلك .

إبليس:
علَمٌ على مخلوق خلقه الله تعالى من النار وقيل: كان اسمه عزازيل وجعله الله في عداد الملائكة وقام بعمله ما شاء الله أنْ يقوم، ثم نازع ربه الكبرياء والعظمة فاستكبر عن طاعته وعصى ربه فطرده الله من رحمته ومن وظيفته، وأُهبط إلى الأرض يتهدد ويتوعد بإغواء بني آدم، وسيظل كذلك إلى أن تقوم الساعة.
ولغوياً الكلمة مشتقة من : أبلس الرجل إذا انقطع ولم تكن له حجة وأُبلس، أي: سكت وأُبلس من رحمة الله، أي: يئس منها وندم وقالوا: ناقة مِبلاسٌ، أي: لا ترغو من الخوف والإبلاس: هو السكوت من شدة الخوف والغم.
انظر قصة إبليس في القرآن في آيات سورة ص [75 ـ 83]، وكذلك في طه [116] وفي الكهف [50] .
أمّا استخدام القرآن للمعاني اللغوية لكلمة (إبليس) فانظر الآيات : الروم [ 12 ] الأنعام [44] وغيرها. 

الشيطان :
هذه الكلمة هي صفة قد يتصف بها إبليس، وقد يتصف بها غيره من الجن والإنس، ويظهر ذلك في تصرفاتهم وأفكارهم ومكائدهم وأخلاقهم. 
وقيل: إنّ كلمة (شيطان) مشتقة من (شَطَنَ) بمعنى بَعُد عن الحق، أي: إنّ عمل الشيطان هو إبعاد الناس عن الحق والخير أو من الفعل (شاط) بمعنى احترق من الغضب وتشيطن الرجل: إذا صار كالشيطان في فعله .
لذلك فكلمة (إبليس) هي الاسم العلم لهذا المخلوق، وإنّ كلمة (الشيطان) هي صفة له ولغيره. 
وقد وصف الله تعالى بها إبليس حتى التصقت به فصار الناس يظنون أنها خاصة به، ولكنّ آيات القرآن بينت أنّ إبليس غير الشيطان، كما في آيات سورة البقرة: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ(34) وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ(36) }. [البقرة]. .
ولاحظ جملة: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ} [البقرة:36] ليتبين كيده وتزيينه ووسوسته.
وانظر إلى الآية في سورة طه: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه:120] فإبليس هو الوسواس وهو الشيطان، ولكنه ليس وحده في هذه الدنيا فكما أنّ إبليس وذريته من كفرة الجن وهم شياطين الجن ومردته فإنّ هنالك أيضاً شياطين من الإنس لا يقلون عنهم خبثاً وكفراً وفساداً.
قال تعالى :{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام:112]. 
وقال: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}[البقرة:14].
اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين ونعوذ بك ربنا أنْ يحضرون . اللهم آمين.

,,,,,,,,,

{وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:35] 

السؤال الأول:

ما العبرة من هذه الشجرة المنهي عنها في الآية ؟

الجواب:

العبرة الأساسية من هذه الشجرة: إياك أنْ تقترب من الشيء المنهي عنه من الله سبحانه، وهي مثل الشهوة في حياتنا و(من حام حول الحمى يوشك أنْ يقع فيه) حتى لو كنت من الصالحين . والله أعلم.

السؤال الثاني:

نهى الله سبحانه آدم وزوجه عن الاقتراب من الشجرة، فأكلا منها ووقعا في النهي، فلِمَ قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا} [البقرة:35] ولم يقل: و(لا تأكلا)؟
 
الجواب:

نهى الله تعالى آدم عن القرب من الشجرة؛ حتى لا تضعف نفسه عند مشاهدة ثمارها فتتوق نفسه للأكل من ثمرها، ولو نهي عن الأكل لاقترب منها وعندها سيقاوم نفسه التي تريد تناول ثمارها، وأما إذا ابتعد عنها فلن تتوق نفسه إلى ثمار لم يرها.

السؤال الثالث:

خاطب تعالى آدم وحده، ومرة خاطب آدم وحواء، فهل كان الخطاب مرة واحدة بصيغ متعددة ؟ وكيف نفهم الصيغ المتعددة في الخطاب؟

الجواب:

من الذي قال :إنّ الخطاب مرة واحدة؟ ربنا قال في القرآن: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ} [البقرة:35] {فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:117] هذا الخطاب غير ذاك الخطاب. {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا} [طه:123] {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا} [البقرة:38]. 
ولمّا قال: {وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} [الأعراف:19] هذا غير: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف:22] وهذا في وقت آخر.

السؤال الرابع:

ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة: {وَزَوْجُكَ} [الأعراف:19] بدل زوجتك في قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ} [الأعراف:19] ؟
 
الجواب:
لغوياً الأصل هو كلمة (زوج)، وفي اللغة الضعيفة تستعمل زوجة، ففي اللغة يقال: المرأة زوج الرجل، والرجل زوج المرأة. أمّا استخدام كلمة (زوجة) فهي لغة ضعيفة رديئة؛ فالأولى والأصح أنْ تستخدم كلمة (زوج)، ولذا استخدمها القرآن الكريم في الآية.

السؤال الخامس:

ما الفرق بين الزوج والبعل ؟

الجواب:

البعل هو الذكر من الزوجين، ويقال: (زوج) للأنثى والذكر، وفي الأصل (البعل) في اللغة من الاستعلاء و يعني: السيد القائم المالك الرئيس ، وهي عامة.
وبعلُ المرأة: سيّدها، وسُمِّيَ كلُّ مستعل على غيره بعلاً: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخَالِقِينَ} [الصافات:125]؛ لأنهم يعتبرونه سيدهم المستعلي عليهم، والأرض المستعلية التي هي أعلى من غيرها تسمى بعلاً، والبعولة هي العلو والاستعلاء، ومنها أُخِذ (البعل) زوج المرأة؛ لأنه سيدها ويصرف عليها والقائم عليها.
الزوج هو للمواكبة؛ ولذلك تطلق على الرجل والمرأة هي زوجه وهو زوجها: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ} [البقرة:35] .
كما أنّ الزوج يأتي من المماثلة سواء كانت النساء وغير النساء: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} [الصافات:22] أي: أمثالهم ونظراءهم {وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص:58] أي: ما يماثله، و(البعل) لا يقال للمرأة، وإنما يقال لها (زوج) : {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] حيث يُنظر به الشخص ولا ينظر به المماثلة .
ولذلك هم يقولون: أنه لا يقال في القرآن (زوجه) إلا إذا كانت مماثلة له، قال: {اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} [التحريم:11] لم يقل زوج فرعون؛ لأنها ليست مماثلة له، امرأة لوط وامرأة نوح؛ لأنها مخالفة له، هو مسلم وهي كافرة، فلم يقل (زوج)، وإنما ذكر الجنس {اِمْرَأَةَ} ولو قال: (زوج) يكون فيها مماثلة .
ولمّا كانت المسألة مع سيدنا إبراهيم عليه السلام تتعلق بالإنجاب قال: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ} [هود:71] لأنه هنا يراد به الجنس وليس المماثلة .
إذن (الزوج) للمماثلة، والمرأة للجنس الرجل كرجل والمرأة كامرأة، وقوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6] فيهن مماثلة؛ لأنهن على طريقه وهنّ جميعاً مؤمنات؛ وأزواجه في الدنيا أزواجه في الآخرة.

السؤال السادس:

أشار القرآن إلى الشجرة التي أكل منها آدم: هذه الشجرة وتلكما الشجرة، فأين كانت الشجرة التي أشار إليها الخالق؟

الجواب:

1ـ كلمة (الشجرة) وردت في القرآن في ثلاث آيات في شجرة الجنة التي أكل منها آدم، وقد وردت الشجرة في تحذيرهما منها {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:35] فهي قريبة منهما حتى يتعرفاها، حتى لا يقول آدم وحواء إنه اختلطت عليهما بغيرها، فاستعمل{هَذِهِ}.
2ـ لمّا جاء إبليس لغوايتهما قرّبهما منها إلى أنْ أوصلهما إليها: {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ}[الأعراف:20] فإذن هما قريبان، واستعمل هنا أيضاً {هَذِهِ}.
3ـ لكن لمّا ذاقا الشجرة وبدت لهم سوءاتهما وأحسّا بما ارتكباه، والإنسان عندما يرتكب جرماً يهرب منه فابتعدا عنها، فقال تعالى: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف:22] فاستعمل {تِلْكُمَا} لبعدهما أولاً؛ ثم للتهويل من شأنها.

السؤال السابع:

ما سبب تقديم وتأخير كلمة{رَغَداً}  في آيتي سورة البقرة: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:35] {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ القَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا البَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ} [البقرة:58] ؟

الجواب:

1ـ العيش الرغد أو الأكل الرغد هو الهنيء الذي لا جهد معه. الآية الأولى الكلام مع آدم عليه السلام بالترخيص بسكن الجنة أولاً: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ} [البقرة:35] ثم بالأكل من الجنة {وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا} [البقرة:35] ثم بمطلق المكان: {حَيْثُ شِئْتُمَا} [البقرة:35] .
2ـ في الآية (35) قدَّم {رَغَدًا} على مشيئة الأكل، بينما أخّر{رَغَدًا}على مشيئة الأكل في الآية (58)؛ والسبب أنّ الآية الأولى في الجنة وكلها رغد؛ لذلك قدّمها، أمّا الآية الثانية فهي في الدنيا، والرغد فيها قليل فلذلك أخّرها .
ولو وضعهما موضعاً واحداً لكان المعنى أنهما متساويان في الرغد، وهذا بعيد؛ فليس من المعقول أنْ تتساوى الجنة والدنيا في الرغد .

السؤال الثامن:
ما التوجيه الإعرابي لكلمة: {رَغَدًا} [البقرة:35] ؟

الجواب:

عندنا توجيهان من حيث الإعراب:
آ ـ بعض النحويين ابتكر مصطلح (نائب مفعول المطلق)؛ لأنّ أصل العبارة: وكلا منها أكلاً رغداً، أكلاً : مفعول مطلق، ورغداً: صفة للمفعول المطلق، فلما حُذِف المفعول المطلق وبقيت صفته قال : هذه نائب عن المفعول المطلق.
ب ـ ومنهم من قال: لا، هي صفة لموصوف محذوف، والموصوف مفعول مطلق. تستطيع أن تقول: هي صفة لمفعول مطلق محذوف، كأنك تبين أن غايتها وهدفها أنها تصف شيئاً أو تقول : إنها نائب لمفعول مطلق.

السؤال التاسع:

ما أسماء الجنة التي وردت في القرآن؟ وما معانيها؟

الجواب:

1ـ الجنة : هو الاسم العام لتلك الدار وما اشتملت عليه من أنواع النعيم واللذة والبهجة والسرور وأصل اشتقاق هذه اللفظة من الستر والتغطية ومنه الجنين لاستتاره في البطن والجان لاستتاره عن العيون والمجن لستره ووقايته الوجه والمجنون لاستتار عقله وتواريه عنه .
2ـ دار السلام : قال تعالى : {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الأنعام:127] فإنها دار السلامة من كل بلية ومكروه وهي دار الله واسمه سبحانه (السلام ) وتحيتهم فيها سلام .
3ـ دار الخلد : وسميت بذلك لأنّ أهلها لا يظعنون عنها أبداً قال تعالى : {لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48].
4ـ دار المقامة : أي أقاموا فيها أبداً لا يموتون ولا يتحولون منها أبداُ . قال تعالى : {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ المُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر:35] .
5ـ جنة المأوى : قال تعالى : {عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوَى} {النَّجم:15} [النجم:15] والمأوى : من أوى يأوي إذا انضم إلى المكان وصار إليه واستقر .
6ـ جنات عدن :{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [النحل:31] وكلمة :عدن تعني الإقامة وهذا الاسم لجملة الجنان وهي كلها محل إقامة .والله أعلم ( من كتاب لابن الجوزية بتصرف ).


مثنى محمد الهيبان
رابطة العلماء السوريين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة:36] 

 

السؤال الأول:

 

في قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة:36] {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة:37] ذكر (فأزلهما) (فأخرجهما) بالمثنى، ثم ذكر آدم عند التلقّي بالمفرد دون حواء؛ فما دلالة هذا الاختلاف؟

 

الجواب:

 

هو نبيٌّ، والنبي هو الذي أُنزل عليه وليس زوجه فهو النبي الذي يتلقى وليس زوجه، والتبليغ أصلاً كان لآدم: (يا آدم اسكن أنت وزوجك)، (وعلّم آدم الأسماء)، (اسجدوا لآدم)، الكلام كان مع آدم والسياق هكذا، فقال: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة:37]، وهذا ليس تحقيراً لحواء.

 

وكذلك في آيات سورة طه: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه:115] فلم يذكر حواء، و {فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:117] لم يذكر حواء، و {وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121] لم يذكر حواء، السياق هكذا. 

 

فتلقى آدم؛ لأنّ آدم هو المنوط به التواصل مع الله سبحانه وتعالى بالوحي.

 

السؤال الثاني:

 

{فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة:37] قرأها ابن عباس {فَتَلَقَّى آدَمَ} [البقرة:37] فما وجه الاختلاف؟

 

الجواب:

 

هذه القراءة بالنصب:{فَتَلَقَّى آدَمَ من رَّبِّه كَلِمَاتٌ} [البقرة:37] الكلمات فاعل. هذه القراءة التي هي بالنصب فيها تكريم لآدم؛ إذ تلقته الكلمات كما يُتلقى الساقط إلى الأرض لئلا يهلك، تلقته الكلمات ليتوب. لم يقل: (فتلقت آدم من ربه كلمات)؛ لأن {كَلِماتٍ} مؤنث مجازي، والمؤنث المجازي يجوز فيه التذكير والتأنيث.

 

ثم الأمر الآخر: هناك فاصل بين الفعل والفاعل؛ لأنّ وجود الفاصل يحسّن التذكير ، حتى لو لم يكن الفاعل مؤنثاً مجازياً ،أوحتى لو كان مؤنثاً حقيقياً كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ}[الممتحنة:12] ما قال: إذا جاءتك، فكيف إذا كان المؤنث مجازياً ؟!!!! فقوله تعالى: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}[البقرة:37] تلقته الكلمات؛ لأنّ آدم سقط، ولأنّ المعصية سقوط فتلقته الكلمات لئلا يهلِك، ومسألة تقديم وتأخير المفعول به على الفاعل مسألة جائزة طالما أمن اللبس.

 

السؤال الثالث:

 

ما الفرق بين استخدام الجمع والمثنى في الآيات: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } [البقرة:36] و {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [طه:123] ؟

 

الجواب:

 

الذي يوضح قراءة الآيات، في البقرة كان الخطاب لآدم وزوجه: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ(36) } [البقرة: 35 - 36]. 

 

أما في طه فالخطاب لآدم: {لَا تَظْمَؤُا} [طه:119]، {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ} ، {فَتَشْقَى} [طه:117]، {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى} [طه:121].

 

فكان الكلام في طه: {اهْبِطَا} [طه:123] لآدم وإبليس وحواء تابعة لآدم ، و {اهْبِطُواْ} [البقرة:36] في البقرة أي آدم وحواء وإبليس.

<<<<<<<<<<<<

 

{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:38]

 

السؤال الأول:

 

أين جواب الشرط في هذه الآية؟

 

الجواب:

 

فإما يأتينكم : هي (إنْ وما) جمعتا معاً إنّْ شرطية وما الزائدة بين أداة الشرط وفعل الشرط وجملة {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ} [البقرة:38] هي جواب إنّ والفاء رابطة لجواب إنّ وجملة: {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [البقرة:38] فهي جواب لـ {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ} [البقرة:38] . أي :

 

من : اسم شرط في محل رفع مبتدأ.

 

تبع : فعل ماض في محل جزم فعل الشرط , والفاعل ضمير مستتر تقديره هو .

 

هداي : مفعول به , والضمير مضاف إليه .

 

فلا : الفاء رابطة , و(لا) حرف نفي .

 

خوف : مبتدأ مرفوع .

 

عليهم : جار ومجرور , وشبه الجملة في محل رفع خبر , والجملة في محل جزم جواب الشرط، والشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ "من".

 

السؤال الثاني:

 

قال في البقرة: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ} [البقرة:38] وقال في طه: {فَمَنْ اتَبِعَ هُدَايَ} [طه:123] فما الفرق؟

 

الجواب:

 

يحتمل - والله أعلم - أنّ فعل (تبع) لا يلزم منه مخالفة الفعل قبله , بينما الفعل (اتبع) على وزن (افتعل) يشعر بتجديد الفعل .

 

وقصة آدم عليه السلام لبيان فعله فجيء بـ {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ} [البقرة:38]، وأمّا في طه فقد جاء بعد قوله تعالى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه:115] و {وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121] فناسب (اتبع) [طه:123] أي: جدد قصد الاتباع . 

 

السؤال الثالث:

 

ما معنى قوله تعالى: {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:38] في القرآن الكريم ؟ و كم مرة ورد في القرآن ؟

 

الجواب:

 

ورد قوله تعالى : {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} في القرآن الكريم في إثني عشر موضعاً في الآيات: [ البقرة 38 ـ 62 ـ 112 ـ 262 ـ 274 ـ277 ـ آل عمران 170 ـ المائدة 69 ـ الأنعام 48 ـ الأعراف 35 ـ يونس 62 ـ الأحقاف 13 ] .

 

ومعنى: {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} أي لا خوف عليهم أمامهم , فليس شيء أعظم في صدر الذي يموت مما بعد الموت , فأمّنهم الله تعالى منه , ولن يحزنوا على ما خلّفوه بعد وفاتهم في الدنيا . والله أعلم . جعلني الله وإياكم منهم .

<<<<<<<,

 

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:39]

 

السؤال الأول:

 

ما دلالة كلمة الآيات : {بآياتِنا} فى هذه الآية ؟

 

الجواب:

 

الآيات جمع آية، وهي الشيء الذي يدل على أمر من شأنه أنْ يخفى، ولذلك قيل لأعلام الطريق آيات؛ لأنها وضعت لإرشاد الناس إلى الطرق الخفية في الرمال، وسميت جُمَل القرآن آيات؛ لأنها ترشد الضالّ في متاهة الحياة إلى طريق الخير والفلاح.

 

السؤال الثاني:

 

ما دلالة هذه الآية ؟

 

الجواب:

 

لمّا وعد الله في الآية السابقة متبع الهدى بالأمن من العذاب والحزن: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:38] كان مقتضى التقسيم أن يقول مثلاً : ومن لم يتبع هداي ولكنه عدل عنه ليبرز القسم الثاني مسجلاً عليه الكفر وهم أصحاب العذاب الدائم فقال : {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:39] وجاء بالصيغة الاسمية الدّالة على الثبوت والاستمرار لبيان أنّ صحبتهم للنار ليست لمجرد الاقتران بل للديمومة والخلود . 

 

السؤال الثالث:

 

ما دلالة رسم كلمة {أَصْحَبُ} بدون ألف وسطية في كل القرآن الكريم ؟ 

 

شواهد قرآنية: { لَا يَسۡتَوِيٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۚ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ }

 

  الجواب:

 

وردت كلمة {أَصْحَابُ} في القرآن الكريم في (78) موضعاً كلها بدون ألف وسطية لتوحي بالتصاق المثل بهم .ويوحي ورود كلمة: {أَصْحَابُ النَّارِ} {أَصْحَابُ الجَنَّةِ} {أَصْحَابِ السَّعِيرِ} {أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ} بدون ألف وسطية بالخلود والالتصاق والقرب والتشابه سواء في الجنة أو في النار . والله أعلم .

 

( انظر المصحف لرؤية حذف الألف في كلمة ( أصحاب ) حيث أنه مكتوب بالخط القرآني العثماني ).

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

﴿وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ٤١﴾ [البقرة: 41]

السؤال الأول:

ما دلالة الباء في قوله تعالى: {بِ‍َٔايَٰتِي} ؟

الجواب:

عندما تشتري أمراً ما من السوق تقول: اشتريت هذا بمئة درهم، فانظر إلى الباء في (بمئة) دخلت على ثمن السعر، وتكون الباء مع الذاهب، وهنا {بِ‍َٔايَٰتِي}[البقرة:41] أي: الآيات ذهبت .

وفي الآية {وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِي} [البقرة: 41] دخلت الباء على آياتي، لتعلمنا أنّ اليهود جعلوا آيات الله تعالى كدراهم واشتروا بها عرضاً من أعراض الدنيا لا قيمة له؛ لذلك جاء وصفه بـ ﴿قَلِيلٗا ﴾ [البقرة: 41]لأنهم بذلوا أنفس شيء واشتروا به حظاً قليلاً. 

السؤال الثاني:

لماذا جاءت ثمناً قليلاً، مع أنها وردت في القرآن (ثمناً) وحدها ؟

الجواب:

الثمن هو العوض، والبخس دون قدر الشيء، أي: لا يناسب قدره.

الثمن القليل جاء حيثما ورد في الكلام عن حق الله سبحانه وتعالى ومعنى ذلك أنّ العدوان على حق الله سبحانه وتعالى مهما بلغ فهو ثمن قليل.

وعندما يكون الكلام عن الآيات ﴿وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ﴾ [البقرة: 41]

فأي ثمن يناسب آيات الله عز وجل؟ لا شيء، ومهما كان الثمن فهو قليل. ولا يفهم من قوله تعالى (ثمنا قليلا) أنه يمكن أنْ يشتروا بآياته ثمناً كثيراً كلا وإنما هو بيان بأنّ هذا الثمن الذي أخذتموه لا يقابل آيات الله، وهو قليل في حق الله سبحانه وتعالى، وكل ثمن يؤخذ مقابل ذلك فهو قليل مهما عظُم . 

وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ١٧٤﴾ [البقرة: 174] أي أنّ هذا الذي اشتريتموه هو قليل وإنْ كان في نظركم كبيراً وعندما يبيع الإنسان دينه بدنياه، يقول القرآن له: هذا الذي بعت به هو قليل ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ١٧٤﴾ [البقرة: 174]؛ لأنهم أكلوا ثمن شرائهم مقابل آيات الله سبحانه وتعالى، فسماه قليلاً مهما كان نوعه. 

في القرآن الكريم وفي تسع آيات منه وصف الثمن بأنه قليل تحقيراً لشأنه وتهويناً من قدره، وفي هذه الآيات التسع يتحدث القرآن الكريم عن الشراء بثمن قليل، وهو: إمّا أنْ ينهاهم عن ذلك أو يثبته لهم بأنهم فعلوا ذلك وما قبضوه قليل.

أمّا في قضية الوصية والشهادة فى سورة المائدة فتركه مجملاً {ثَمَناً} ليشمل كل الأشياء المادية والمعنوية وحتى لا يكون هناك نوع من التحايل. 

ألا يمكن أنْ يتعاور الوصف بالبخس والقليل بعضهما مع بعض؟ يمكن إذا أُريد بالبخس ما هو ليس من قدر الشيء الذي بيع، و هذا لا يستقيم مع آيات الله؛ لأنه ليس هناك شيء بقدر الآيات لذلك لا يستقيم إلا القلّة. 

السؤال الثالث:

ما الفرق بين القيمة والثمن ؟

الجواب: 

1ـ القيمة هي المساوية لمقدار المثمّن من غير نقصان ولا زيادة .

2ـ الثمن قد يكون كذلك أو زائداً والمُلْكُ لا يدل على الثمن، فكل ما له ثمن مملوك وليس كل مملوك له ثمن، قال تعالى: ﴿وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا﴾ [البقرة: 41].

وقال في سورة يوسف: ﴿وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۢ بَخۡسٖ﴾ [يوسف: 20] فأدخل الباء في الثمن قال الفراء : هذا لأنّ العروض كلها أنت مخير في إدخال الباء فيها، إنْ شئت قلت : اشتريت بالثوب كساء وإنْ شئت قلت : اشتريت بالكساء ثوباً أيهما جعلته ثمناً لصاحبه جاز فإذا جئت إلى الدراهم والدنانير وضعت الباء في الثمن؛ لأنّ الدراهم أبداً ثمن.

السؤال الرابع:

إلى من يرجع الضمير {بِهِ} في الآية ؟

الجواب:

الضمير (به) راجع إلى ﴿لِّمَا مَعَكُمۡ﴾ [البقرة: 41]؛ لأنهم كانوا يعلمون من كتابهم صفة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أول يهود خوطبوا بالإسلام وأول كافر به من أهل الكتاب .

<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<

 

﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ٤٣﴾ [البقرة: 43]

السؤال :

لماذا يأتي الخطاب في الحديث عن الصلاة والزكاة في القرآن للمؤمنين، أمّا في الحج فيكون الخطاب للناس ؟

 

الجواب:

الصلاة والزكاة كان مأمورا بهما من تقدّم من أهل الديانات، كما جاء في قوله تعالى عن إسماعيل عليه السلام : ﴿وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا٥٤ وَكَانَ يَأۡمُرُ أَهۡلَهُۥ بِٱلصَّلَوٰةِوَٱلزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦ مَرۡضِيّٗا٥٥ ﴾[مريم:54-55] وكذلك في قوله تعالى عن عيسى عليه السلام ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيّٗا٣١﴾ [مريم: 31] وفي الحديث عن بني إسرائيل ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ٤٣﴾ [البقرة: 43].

أمّا الحج فهو عبادة خاصة للمسلمين، وعندما يكون الخطاب دعوة للناس إلى الحج فكأنها هي دعوة لدخول الناس في الإسلام أمّا إذا كانت دعوة الناس للصلاة والزكاة فهم أصلاً يفعلونها في عباداتهم. والله أعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك


﴿ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ﴾ [البقرة: 46]

السؤال الأول:

ما دلالة قوله تعالى (ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ) [البقرة:46] في الآية ؟

الجواب:

لا شك أنّ قوله تعالى: (ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ) في هذه الآية تعني اليقين والجزم والإيمان المطلق باليوم الآخر , وهذا من الأمور الرئيسية والأساسية للإيمان لكل مؤمن ,وبدون هذا اليقين لا يوجد إيمان , وهذا ما عليه إجماع المفسرين دون استثناء . 

وما سوف نناقشه هنا وفي السؤال الذي يليه هومناقشات لغوية لموضوع الظن والرجحان واليقين للفعل ( ظنّ ) حيث يمكن أن يكون له أكثر من معنى وحسب السياق . 
وعندما يجزم شخص بأمرٍ وهو ليس له وجود فهذا هو الجهل, والجاهل شر من الأمي؛ لأنّ الأمي لا يعلم، ومتى علم فإنه يؤمن .
فإذا كانت القضية غير مجزوم بها ومتساوية في النفي والوجود، فإنّ ذلك يكون شكاً, فإنْ رجحت إحدى الكفتين على الأخرى يكون ذلك ظناً .
والله سبحانه يقول في الآية: (ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ) [البقرة:46] ولم يقل مثلاً: الذين تيقنوا أنهم ملاقوا ربهم , فلماذا؟
الجواب: إن مجرد الظن أنك ملاقٍ الله سبحانه وتعالى يجعلك تلتزم بالمنهج الرباني، فما بالك إذا كنت متيقناً !! بل المطلوب للمؤمن أن يكون متيقنا بشكل كامل .
ومثال ذلك: هب أنك سائر في طريق وجاء شخص يخبرك أنّ هذا الطريق فيه لصوص، فمجرد هذا الكلام يجعلك لا تمشي في هذا الطريق إلا إذا كنت مسلحاً أو معك أشخاص آخرون , فأنت تفعل ذلك للاحتياط , إذن فمجرد الظن دفعنا للاحتياط .
وهذا ما نفهمه من قوله تعالى: (ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ) [البقرة:46] فمجرد رجحان القضية في الذهن يدفعك لليقين يجعلك تلتزم بمنهج الله، فتقي نفسك من عذاب عظيم , لذلك لا بدّ من اليقين في هذا الأمرلأنه من أسس الإيمان , وبدون ذلك ينتفي الإيمان .

قيل أن الشاعر المعري قال في آخر حياته:
زعم المنجّم والطبيب كلاهما=لا تحشر الأجساد قلت إليكمـا
إنْ صح قولكما فلست بخاسر=أو صح قولي فالخسار عليـكما
فكل مكذب بالآخرة خاسر , والنفس البشرية لا بدّ لها أن تعترف وتوقن أنّ هناك حشراً أمامها وتعمل لذلك , وإلا فالخسارة ـ كل الخسارة ـ ستلاقيه.
ثم يقول الله تعالى: (وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ) [البقرة:46] فالرجوع إلى الله تعالى أمر يقيني، فما دمت قد جئت للدنيا مخلوقاً من الله, فأنت لا محالة سترجع إليه , وهذا اليوم يجب أنْ نحتاط له حيطة كبرى لأنه يوم عظيم؛ قال تعالى: (فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا١٧) [المزَّمل:17] .
ونحن نحتاط لأمور دنيوية لا تساوي شيئاً بالنسبة لأهوال يوم القيامة . فكيف لا نتمسك بمنهج الله تعالى , ونوقن بأننا سنلاقي الله تعالى وأنْ نعمل لذلك ألف حساب !!!!.


السؤال الثاني:

ما دلالة الفعل ( ظنّ) في القرآن الكريم ؟

الجواب:

1ـ الظن هو التردد بين طرفي الاعتقاد غير الجازم , وقال الراغب : الظن اسم لما يحصل من إمارة , ومتى قويت أدتْ إلى العلم , ومتى ضعفت لم تتجاوز حد الوهم , ولذلك :
آ ـ فإنّ الفعل ( ظنّ ) قد يستعمل للشك أو للاعتقاد الراجح المظنون, كما في قوله تعالى : ﴿ٓ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ ﴾ [البقرة:230] .
ب ـ وقد يأتي الفعل ( ظنّ ) بمعنى : اليقين , لأنّ الظنّ فيه طرف من اليقين , ولولاه كان جهلاً , كما في قوله تعالى : 
(ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ) [البقرة:46] .
(إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ﴾ [الحاقة:20] .

والفرق بينهما في القرآن ضابطان :

آ ـ أنه حيث وُجِدَ الظنُ محموداً مثاباً عليه , فهو اليقين , كما في قوله تعالى : ﴿إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ٢٠ فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ٢١ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ﴾ [الحاقة: 20ـ22] , وحيث وُجدَ مذموماً متوعّداً بالعقاب عليه , فهو الشك , كما في قوله تعالى : ﴿بَلۡ ظَنَنتُمۡ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِلَىٰٓ أَهۡلِيهِمۡ أَبَدٗا وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمۡ وَظَنَنتُمۡ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِ وَكُنتُمۡ قَوۡمَۢا بُورٗا﴾ [الفتح:12]. 
ب ـ وكل ظن اتصل به ( أنّ) المشددة ,أو(أنْ) المخففة منها, فالمراد به اليقين والتأكيد :

* شواهد على ما اتصل به ( إنّ) المشددة: قوله تعالى :

(إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ) [الحاقة:20].
﴿وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلۡفِرَاقُ﴾ [القيامة:28] .

* شواهد على ما اتصل به ( أنْ) المخففة : قوله تعالى :

﴿وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيۡهِ ﴾ [التوبة:118], أي بتقدير : ( أنّه لا ملجأ). 
﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعۡجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَن نُّعۡجِزَهُۥ هَرَبٗا﴾ [الجن:12] أي بتقدير : ( أنّه لن نعجز).
وللعلم فإنّ ( أنْ) المخففة في الآيتين السابقتين قد خففت من (أنّ) المشددة بتقدير ( إنّه) وضمير الشأن محذوف . 
كما أنّ كل ظنٍ اتصل بـه ( إنْ) الخفيفة فهو شك , كقوله تعالى :
(إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ) [البقرة:230] .
2 ـ ومثل ذلك أيضاً فعل (عَلِمَ ) , فما اتصل بـ(إنّ) المشددة فذلك يفيد التوكيد , كما في قوله تعالى : ﴿ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ﴾ [الأنفال:66] .
﴿فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ ۡ﴾ [محمد:19] .
3ـ ما ذهب إليه بعضهم من أنّ كل ظنٍّ ورد بعده (أنْ ) الناصبة فالمراد به الشك، فهذا يردّه قوله تعالى: ﴿وَوُجُوهٞ يَوۡمَئِذِۢ بَاسِرَةٞ٢٤ تَظُنُّ أَن يُفۡعَلَ بِهَا فَاقِرَةٞ﴾ [القيامة:24-25] وهذا موطن يقين لا موطن شك.
4ـ قال بعضهم : إنّ الظن ليس بيقين عيان , وإنما هو يقين تدبر , وهذا يرده قوله تعالى : ﴿وَرَءَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمۡ يَجِدُواْ عَنۡهَا مَصۡرِفٗا﴾ [الكهف:53], وهذا يقين عيان . 
5ـ يظهر مما سبق أنّ الأصل في الظن أن يكون شكاً , وهذا الشك يتردد بين القوة والضعف , فقد يكون ضعيفاً قريباً من الوهم , وقد يقوى حتى يكون يقيناً .
والله أعلم .

<<<<<<<<<<<<<<<<

﴿يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧﴾

السؤال الأول:

ما دلالة تفضيل بني إسرائيل في الآية ؟

الجواب:

1ـ قوله تعالى ﴿وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧﴾ [البقرة:47] هؤلاء أتباع موسى عليه السلام في زمانه قبل مجيء عيسى عليه السلام , وأتباع كل نبي مفضّلون على العالمين في زمانهم قبل أنْ يأتي النبي الآخِر محمد صلى الله عليه وسلم, وليس معنى العالمين كل الأمم إلى قيام الساعة .
ولذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧﴾ [البقرة:47] يعني على عالمي زمانكم؛ وذلك لأنّ الشخص الذي سيوجد بعدهم ليس بموجود ولم يدخل بعد في العالمين، فمثلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق على الإطلاق لم يكن موجوداً في ذلك الوقت، ولو كان موجوداً لَفَضَلَهم بالتأكيد.

2ـ لاشك أنّ المقصود منهم هم المؤمنون؛ لأنّ عصاتهم مسخوا قردة وخنازير.


السؤال الثاني:

ما الفرق بين النِّعمة والنَّعمة في القرآن ؟

الجواب:

آ ـ النِّعمة : - بكسر النون- هي المنة وما يُنعِم به الرجل على صاحبه. 
ب ـ وأما النَّعمة: - بفتح النون- فهو ما يٌتنَعَّم به في العيش ﴿وَنَعۡمَةٖ كَانُواْ فِيهَا فَٰكِهِينَ٢٧﴾ [الدخان:27].
ج ـ أنعُم : هي جمع قِلَّةٍ لنعمةٍ , كقوله تعالى ﴿شَاكِرٗا لِّأَنۡعُمِهِۚ ٖ﴾ [النحل:121] ونِعَمٌ جمع كثرة، كقوله تعالى ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ ٞ﴾ [النحل:18] .


السؤال الثالث:

ما النعم التي ذكرها الله في القرآن وأنعمها على بني إسرائيل ؟

الجواب:

ذكر القرآن الكريم بعض النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل، وعدَّ منها عشرة :

آ ـ ﴿وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٤٩﴾ [البقرة:49].
ب ـ ﴿وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٠﴾ [البقرة:50].
ج ـ ﴿وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ٥١﴾ [البقرة:51]. 
د ـ ﴿وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ٥٣﴾ [البقرة:53].
هـ ـ ﴿وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ٥٤﴾ [البقرة:54]. 
و ـ ﴿ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ٥٦﴾ [البقرة:56]. 
ز ـ ﴿وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ٥٧﴾ [البقرة:57]. 
ح ـ ﴿وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ٥٨﴾ [البقرة:58] نعمة؛ لمحو الذنوب بدخول الباب سجداً.
ط ـ ﴿وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ٦٠﴾ [البقرة:60]. 
ي ـ ﴿وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ٦٣﴾ [البقرة:63].
والله أعلم .

مثنى محمد الهيبان
رابطة العلماء السوريين

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك


(وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٤٩  )

السؤال الأول:

ما دلالة كلمة (  ءََالِ )   في الآية، وليس أهل؟

الجواب:

الآل : هم الأهل والأقراب والعشيرة، وكلمة (آل) لا تضاف إلا لشيء له شأن وشرف دنيوي ممن يعقل، فلا تستطيع مثلاً أن تقول: آل الجاني، بل تقول: أهل الجاني.


السؤال الثاني:

ما الفرق بين (   يُذَبِّحُونَ   ) [البقرة:49] و(وَيُذَبِّحُونَ)   [إبراهيم:6] ؟ أي لماذا ذكر (الواو) في آية ابراهيم ؟

الجواب:

في سورة البقرة قال تعالى: (وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٤٩  )   [البقرة:49] وفي سورة إبراهيم قال تعالى: (وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٦ )   [إبراهيم:6] .

1ـ في البقرة جعل سوء العذاب هو تذبيح الأبناء، أي: (بَدَل) لأنّ السؤال في قوله تعالى: (وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ) [البقرة:49]، ما هو سوء العذاب؟ والجواب: (يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ)  [البقرة:49]، هذه بدل من (يسومونكم)، وهذه الجملة بدل لما قبلها فسّرتها ووضحتها، والبدل يكون في الأسماء والأفعال وفي الجُمَل.

2ـ وأمّا في سورة إبراهيم قال تعالى: (يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ) [إبراهيم:6] وهنا ذكرالله أمرين : سوء العذاب بالتذبيح وبغير التذبيح، وكان التعذيب لهم بالتذبيح وغير التذبيح باتخاذهم عبيداً وعمالاً وخدماً وبالإهانات أيضاً، وموسى عليه السلام يذكِّرهم هنا بنعم الله عليهم فيذكر لهم أموراً.
و الواو عاطفة في آية سورة إبراهيم : (وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ) [إبراهيم:6] ووجهه أنه في سورة إبراهيم تقدّم قوله تعالى : (وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ ٥) [إبراهيم:5]ﯛ  وهي أوقات عقوبات, إلى أن قال : (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ٥  ) [إبراهيم:5] واللائق أنْ يعدد امتحانهم تعديداً يؤذن بصدق الجمع عليه لتكثر المنة , ولذلك أتى بالعاطف ليؤذن بأن إسامتهم العذاب مغاير لتذبيح الأبناء وسبي النساء , وهو ما كانوا عليه من التسخير , بخلاف المذكور في آية البقرة , فإنّ ما بعد  (يَسُومُونَكُمۡ)تفسير له , فلم يعطف عليه  .
وربما يقول قائل: إنّ السياق واحد والتعبير مختلف، فلماذا؟ والجواب أنّ هذا لا يوحي بملاحظة أو علامة استفهام أمام هذا التغير, حتى في واقع الحياة أنت أحياناً تذكر لشخص أموراً ولا تذكر أموراً أخرى، يعني تذكر أموراً لا تحب أنْ تشرحها كثيراً وفي موقف آخر تقولها، والآيات تتكامل مع بعضها وتضيف إطاراً آخر حتى تكتمل .


السؤال الثالث:

قال تعالى في البقرة [49] :( يُذَبِّحُونَ) [البقرة:49] وفي آية الأعراف [141] (يُقَتِّلُونَ) [الأعراف:141] فما دلالة ذلك ؟

الجواب:

1ـ بشكل عام، القتل أعم من الذبح، والقصة في الأعراف مبنية على العموم والتفصيل، بينما في البقرة لم تذكر إلا هذه الآية، فناسب لفظ التقتيل في الأعراف دون البقرة.

2ـ ذكر القرآن قول فرعون في الأعراف :(سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ) [الأعراف:127] وقال في الآية[141]: (يُقَتِّلُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ) [الأعراف:141] وهو المناسب فقد فعل ما قاله وهدّد به.

3ـ في آية البقرة جعل (يُذَبِّحُونَ)   [البقرة:49] هنا بدلاً من يسومونكم، بدل فعل من فعل، وخصّ الذبح بالذكر لعظم وقعه عند الأبوين؛ ولأنه أشد على النفوس.

4ـ القصة في الأعراف فصّلت في ذكر الحوادث قبل موسى وبعده، وذكرت فتنة فرعون لبني إسرائيل وذكرت مجيء موسى إلى فرعون وتبليغه بالدعوة. وذكرت موقف فرعون من السحرة وتهديد فرعون لبني إسرائيل بالقتل والإذلال والإيذاء، حتى قالوا لموسى عليه السلام: (قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ)   [الأعراف:129] وذكرت الآيات التي حلت بفرعون وقومه فناسب العموم في الأعراف العمومَ في اللفظ وهو التقتيل، فقال تعالى :( يُقَتِّلُونَ)لأنّ القتل أعم من الذبح.

5ـ كما أنه لم يرد في البقرة ذكر لهارون عليه السلام، بخلاف سورة الأعراف حيث ورد فيها (رَبِّ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ)[الأعراف:122] وحيث إنّ ذكر موسى وهارون أعم من ذكر موسى وحده فناسب العموم للعموم، وناسب ذلك ذكر التقتيل؛ لأنّ القتل أعم من الذبح . والله أعلم.


السؤال الرابع:

ربنا تعالى قال في سورة البقرة: (وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ)[البقرة:49] وفي إبراهيم قال على لسان سيدنا موسى: (إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ) [إبراهيم:6] أنجاكم ولم يقل هنا: نجّاكم. فلماذا ؟

الجواب:

 هناك فرق بين الصيغتين فعّل وأفعل : (فعّل) فيها تمهل وتلبّث، بينما (أفعل) فوقتها أسرع و أقصر وأقل, لذلك (نجّى) يفيد التمهل والتلبّث والبقاء، مثل علّم وأعلم، لأنّ (علّم) تحتاج إلى وقت، أمّا (أعلم) فهو إخبار.
و موسى عليه السلام يعدد النعم عليهم فقال : (أَنجَىٰكُم)   [إبراهيم:6] فأنهى الموضوع بسرعة ، كما قال تعالى: (  وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ)[البقرة:50] لأنهم لم يمكثوا في البحر طويلاً فقال: أنجيناكم، وحتى في إبراهيم عليه السلام قال: (فَأَنجَىٰهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِۚ) [العنكبوت:24] ولم يقل : ( نجّاه) ؛ لأنه لم يلبث كثيراً في النار.


السؤال الخامس:

 قال تعالى في هذه الآية: (يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ)فما الفرق بين الأبناء والأولاد؟

الجواب:

آ ـ الأبناء، أي: الذكور جمع ابن، وهي للذكور، مثل قوله تعالى: (يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ) [البقرة:49].
ب ـ أما الأولاد فجمع ولد، وهي عامة للذكور والإناث (يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ) [النساء:11] الذكر والأنثى (وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ)[البقرة:233] والإرضاع للذكور والإناث.


السؤال السادس:

ما دلالة  رسم كلمة ( بلاء ) بصورتين مختلفتين في القرآن الكريم , وهما (بَلَآءٞ)    و(بَلَٰٓؤٞاْ) ؟

الجواب:

وردت كلمة (بَلَآءٞ) بصورتها العادية في محل رفع ثلاث مرات في القرآن الكريم كله .
ووردت كلمة(بَلَٰٓؤٞاْ) بصورتها المختلفة مرتين فقط وهي في محل رفع , وذلك لتبين البلاء ووضوحه وأنه بلاء مبين , خاصة لسيدنا إبراهيم عليه السلام حينما اختبره الله بذبح ابنه إسماعيل بيده لا بيد غيره , فهو بلاء صعب جداً على النفس.وللعلم فإن الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى .
(بَلَآءٞ):
(وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ)[البقرة:49].
(وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ) [الأعراف:141].
(وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ)[إبراهيم:6].
(بَلَٰٓؤٞاْ):
(إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡبَلَٰٓؤُاْ ٱلۡمُبِينُ) [الصافات:106].
(وَءَاتَيۡنَٰهُم مِّنَ ٱلۡأٓيَٰتِ مَا فِيهِ بَلَٰٓؤٞاْ مُّبِينٌ) [الدخان: 33].

<<<<<<<<<<<<

(وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ)


السؤال الأول:

ما اللمسة البيانية في ورود لفظة (اليَمّ) 8 مرات في قصة موسى، ووردت لفظة (البحر) 8 مرات في القصة نفسها، ووردت لفظة (البحرين) مرة واحدة؟

الجواب:

1ـ القرآن الكريم يستعمل اليم والبحر في موقفين متشابهين، كما في قصة موسى عليه السلام؛ فمرة يستعمل اليم ومرة يستعمل البحر في القصة نفسها .

2ـ اليمّ كما يقول أهل اللغة المحدثون : إنها عبرانية وسريانية وأكادية، وهي في العبرانية (يمّا) وفي الأكادية (يمو). (اليمّ ) وردت كلها في قصة موسى ولم ترد في موطن آخر , ومن التناسب اللطيف أنْ ترد في قصة العبرانيين وهي كلمة عبرانية.
واليم يستعمل للماء الكثير, وإنْ كان نهراً كبيراً واسعاً فيستعمل اليم أو البحر .

3ـ لكن من الملاحظ أنّ القرآن لم يستعمل (اليم) إلا في مقام الخوف والعقوبة، ولم يستعمل اليم في مقام النجاة.
قال تعالى: (فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ) [القصص:7] هذا خوف، (فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ) [الأعراف:136]، (فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ بِجُنُودِهِۦ فَغَشِيَهُم مِّنَ ٱلۡيَمِّ مَا غَشِيَهُمۡ) [طه:78] هذه عقوبة.

4ـ أمّا (البحر)  فعامة، وقد يستعمله القرآن الكريم في مقام النجاة أو العقوبة, واستعمل القرآن كلمة (البحر) في النِّعم لبني إسرائيل وغيرهم،وفي نجاة بني إسرائيل ولم يستعمل (اليم).
 وقد استعمل القرآن كلمة (البحر) في النجاة والإغراق فقال : (وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ) [البقرة:50].
واستعملها في الإغراق والإنجاء فقال :  (وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ) [الأعراف:138] أي: أنجيناهم .

5ـ اللغة تفرق بين البحر والنهر واليم: النهر أصغر من البحر، والقرآن أطلق اليم على الماء الكثير. ويُشتق من اليم ما لم يشتق من البحر, مثلاً: (ميموم) أي: غريق؛ لذلك كلمة ( اليم ) تناسب الغرق، والعرب لا تجمع كلمة (يم) فهي مفردة , وقالوا: لم يُسمع لها جمع ولا يقاس لها جمع، وإنما جمعت كلمة بحرعلى (أبحر وبحار) وهذا من خصوصية القرآن في الاستعمال, كونها خاصة بالخوف والعقوبة .


(وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ)[البقرة: 51]


السؤال الأول:

ما الفرق بين قوله تعالى في آية البقرة [51] (وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ) [البقرة:51] وآية الأعراف [142] (وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ)[الأعراف:142] ؟

الجواب:

قال تعالى في سورة البقرة: (وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ) [البقرة:51] وقال في سورة الأعراف: (وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ) [الأعراف:142] آية فيها إجمال , وآية فيها تفصيل .

لكن لماذا الإجمال في موضع والتفصيل في موضع آخر؟ لو عدنا إلى سياق سورة البقرة نجد أنه ورد فيها هذه الآية فقط في هذا المجال، بينما في المشهد نفسه في سورة الأعراف فيه تفصيل كبير من قوله تعالى:  (وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ) [الأعراف:142] إلى قوله (وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِينَ) [الأعراف:145] فالكلام طويل والقصة والأحداث في المواعدة مفصلة أكثر في الأعراف, ولم تذكر في البقرة؛ لأنّ المسألة في البقرة فيها إيجاز, فناسب التفصيل في سورة الأعراف والإيجاز في سورة البقرة, لذا جاء في تفسير آيات الأعراف أنّ موسى عليه السلام صام ثلاثين يوماً ثم أفطر فقال تعالى:  صم، فصام عشرة أيام أخرى، أمّا في سورة البقرة فجاءت على سبيل الإجمال (أربعين يوماً).


السؤال الثاني:

ما دلالة قوله تعالى: (مِنۢ بَعۡدِهِۦ) [البقرة:51] في الآية ؟ ولماذا لم يقل مثلاً: (بعده)؟

الجواب:

آية البقرة في بني إسرائيل وتعداد نعم الله عليهم وعصيانهم مع ظهور الآيات, وهم بعد أنْ أغرق آل فرعون اتخذوا العجل بلا مدة فاصلة، فجاء بمن فقال: (مِنۢ بَعۡدِهِۦ) [البقرة:51] ولم يقل: (بعده)؛ لأنها تفيد الزمن الطويل والقصير, بينما (مِنۢ بَعۡدِهِۦ) تفيد الابتداء، أي: فعلوا ذلك مباشرة بعد إنقاذهم من البحر .
وكذلك الأمر في الآية التالية رقم [52] (ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ) [البقرة:52] فجاء بـ (من بعد) للدلالة على أنّ عفو الله جاءهم مباشرة بعد اتخاذهم العجل، والله أعلم


السؤال الثالث:

ما دلالة لفظة (وَٰعَدۡنَا) [البقرة:51] في الآية ؟

الجواب:

الوعد هو الإخبار بشيء سارّ، والوعيد هو الإخبار بشيء سيء.


السؤال الرابع:

لماذا استعمل لفظة (لَيۡلَةٗ) [البقرة:51] في الآية ؟

الجواب:

وَعْدُ اللهِ تعالى لموسى عليه السلام كان لإعطائه المنهج لإبلاغ بني إسرائيل.
وعندما يتكلم الدين عن الزمن يتكلم دائماً بالليلة, والسبب أنك تستطيع أنْ تحدد الزمن بمجرد أنْ تنظر إلى القمر فتقول: هذا القمر هلالا  أو بدرا أو أول الشهر. أمّا قرص الشمس في النهار فلا يحدد لك في أي وقت من الشهر نحن .
والبدوي في الصحراء يستطيع أنْ يحدد لك الزمن بالتقريب بالليالي فيقول لك مثلاً : هذا القمر ابن كذا ليلة. والله أعلم .


مثنى محمد الهيبان
رابطة العلماء السوريين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
(وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ) [البقرة:53]

السؤال الأول:

ذكر الله الفرقان في هذه الآية (وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ) [البقرة:53] ولم يذكره في سورة القصص (وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ ٱلۡأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ)   [القصص:43]
ما الفرق بين الكتاب والفرقان؟ ولماذا؟

الجواب:

 1ـ الكتاب هو التوراة، والفرقان هي المعجزات التي أوتيها موسى كالعصا، والمعجزات الأخرى؛ وهي تسع آيات , والفرقان هو الذي يفرّق بين الحق والباطل. , لذا قد يكون الفرقان وصفاً للتوراة , وهو أيضاً وصف للقرآن , قال تعالى : (تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا) [الفرقان:1].

2ـ لكنّ السؤال: لماذا قال في الأولى: (الكتاب والفرقان)، وفي الثانية قال: (الكتاب) فقط؟
والجواب أنّ السياق هو الذي يحدد.
فالآية الأولى جاءت في سياق الكلام عن بني إسرائيل (يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ) [البقرة:40]، من الذي شاهد الفرقان؟ شاهده بنو إسرائيل وفرعون الذين كانوا حاضرين , لكنّ الناس الآخرين لم يشاهدوا هذا الشيء , فلمّا تكلم مع بني إسرائيل خصوصاً كان الخطاب لهم وهم الذين شاهدوا قال: (ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ ) وقال: (لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ) [البقرة:53].
 وأمّا الثانية فقال: (وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ ٱلۡأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ) [القصص:43] .
فلمّا قال: (بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ)[القصص:43] لم يقل: الفرقان؛ لأنهم لم يشاهدوا هذا الشيء , بل قال: (ٱلۡكِتَٰبَ)[القصص:43] لأنّ الفرقان ذهب وبقي الكتاب , والكتاب بصائر للناس. والله أعلم.

السؤال الثاني:

جاء في الآية (وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ)[البقرة:53] وجاء في آية آل عمران (أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ)[آل عمران:186]  فما دلالة ذلك ؟

الجواب:

في هذا الباب ما نراه في القرآن الكريم في (ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ) فإنه على العموم إذا كان المقام مقام مدح وثناء أظهر الله ذاته ونسب إتيان الكتاب إلى نفسه، فيقول: (ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ) وإذا كان المقام مقام تقريع وذم، قال: (أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ).

  شواهد قرآنية في إسناد الإيتاء إلى نفسه في مقام المدح والثناء :
البقرة  [53،121، 146] الجاثية [16] الأنعام [114] الرعد [36] القصص [52] العنكبوت [47] النساء [54].

 شواهد قرآنية في مقام الذم ويُبنى فيها فعل الإيتاء للمجهول :
البقرة [101، 144، 145] آل عمران [19، 23، 100،186، 187] النساء [44، 47، 51] المائدة [57] التوبة [29] الحديد [16].

****

(وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ)

 السؤال الأول:

ما الفرق بين الفاءين في قوله تعالى: (فَتُوبُوٓاْ) (فَٱقۡتُلُوٓاْ) في الآية ؟

الجواب:

الفاء الأولى للسبب؛ لأنّ طلب التوبة سببه الظلم, والفاء الثانية للتعقيب؛ لأنّ القتل من تمام التوبة، والمعنى : فأتبعوا التوبة القتل .

السؤال الثاني:

ما النفحات الفكرية والإضاءات البيانية في الآية ؟

الجواب:

1ـ أوحى الله إلى موسى عليه السلام أنّ شرط توبتهم قتل النفس، كما أنّ القاتل عمداً لا تتم توبته إلا بتسليم نفسه حتى يرضى أولياء المقتول أو يقتلوه.

2ـ قوله (فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ) [البقرة:54] أي: توبة بعيدة عن الرياء نابعة من القلب وهو مطّلعٌ على ضمائركم , ولو كانت توبتكم على غير ذلك فقد تبتم إلى الناس، وذلك مما لا فائدة فيه؛ لأنكم أذنبتم إلى الله فوجب أنْ تتوبوا إلى الله بارئكم.

3ـ جاء في التفاسير :أمر الله أن يقتلَ منْ لم يعبد العجلَ ،مَن عبده قتلاً حقيقياً ,  فيكون المعنى من قوله: (فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ)[البقرة:54] أي: استسلموا للقتل، وهو المعنى الأقرب، وقيل المعنى: ليقتل بعضكم بعضاً.

4ـ قوله: (ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ) [البقرة:54]؛ لأنّ حالتهم كانت دائرة بين ضرر الدنيا وهو متناهٍ ، وضرر الآخرة وهو غير متناه؛ ولأنّ الموت لا بدّ منه فليس في تحمل القتل إلا التقديم والتأخير, وأمّا الخلاص من العقاب والفوز بالثواب فذاك هو الغرض الأعظم.

5ـ قوله: (فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ)[البقرة:54]  هوإمّا من قول موسى عليه السلام كأنه قال : إن فعلتم فقد تاب عليكم, وإمّا أن يكون خطاباً من الله لهم على طريق الالتفات بتقدير : ففعلتم ما أمركم موسى فتاب عليكم بارئكم .

السؤال الثالث:

ما دلالة حذف حرف الألف (يَٰقَوۡمِ) من حرف النداء(يا) في الآية ؟  

الجواب:

حُذفَ حرفُ الألف من حرف النداء ( يا ) في جميع القرآن الكريم , ويوحي ذلك بأنّ النداء لا بدّ أن يكون من قرب حتى يكون تأثيره مؤكداً , فعبّر عن القرب بحذف حرف الألف .
ومثل ذلك كلمات :  (يَٰٓـَٔادَمُ) (يَٰرَبِّ) (يَٰبَنِيٓ) (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ  ) (يَٰصَٰلِحُ).

والله أعلم .

<<<<<<<<<


﴿ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾

السؤال الأول:

قال هنا : (مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ)[البقرة:56] ، وقال في آية البقرة: (مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ) [البقرة:109] بينما لم يذكر (من) في آية آل عمران (بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ) [آل عمران:100] فما دلالة ذلك ؟

الجواب:

بشكل عام (مِن) للابتداء . تقول مثلاً : سافرت من مكة إلى المدينة , أي ابتداء السفر من مكة . وعندما تذكر ( من ) تكون للفترة أو للمسافة القصيرة لأنها ذكرت الابتداء , وبدون 
( من ) يمكن أن تكون للفترة أو للمسافة القصيرة أو الطويلة . انظر إلى قوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا﴾ [فصلت:10] فذكرهنا ( من ) ليدل على أنّ الرواسي ملتصقة بالأرض ليس بينها وبينها فراغ , بينما قال تعالى : (أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَٰٓفَّٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ﴾ [الملك:19] لم يذكرهنا ( من ) لأنّ بينهم وبين السماء مسافة طويلة . 

1ـ في آيتي البقرة (وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٥ ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ [البقرة:55ـ56 ]معناها أنّ الله لم يتركهم مدة طويلة ميتين .

2ـ وفي آية البقرة ﴿وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [البقرة: 109]
ذكر الله فيها أنّ كثيراً من الكفار يتمنون لو أنهم ردوا المسلمين من بعد الإيمان كافرين أي بلا مهلة (حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) فهم يتمنون الإسراع في تكفيرهم، وأنْ ينقلوهم فوراً من حالة الإيمان إلى حالة الكفر.
بينما في آية آل عمران (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ) [آل عمران:100] ففيها تحذير للمسلمين من إطاعة الكافرين؛ لأنهم ينفثون فيهم أوهامهم وضلالهم شيئاً فشيئاً حتى يردوهم مع مرور الزمن كافرين, وليس معناه أنهم ينقلونهم فوراً من الإيمان إلى الكفر.
لذلك الأولى مقام تمنٍّ، والثانية مقام تحذير.
والله أعلم.

﴿وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ﴾ 

السؤال الأول:

قدّم المفعول به، وهو(أَنفُسَهُمۡ) [البقرة:57] على الفعل، وهو (يَظۡلِمُونَ) [البقرة:57] فما دلالة هذا التقديم ؟

الجواب:
إنّ في تقديم المفعول به على فعله تأكيداً وتنويهاً:
آـ فيه تأكيد على أنّ حالهم كحال الجاهل بنفسه، فالجاهل يفعل بنفسه ما يفعله العدو بعدوّه .
ب ـ وفيه تنويه لك أيها المسلم أنّ الخروج من طاعة الله سبحانه وتعالى أولاً وآخراً فيه ظلم، ولكنه ظلمٌ لنفسك قبل ظلمك لغيرك.

السؤال الثاني:

ما الفرق بين قوله تعالى فى سورة البقرة : (وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) [البقرة:57] وفي آل عمران : (وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِنۡ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) [آل عمران:117] بدون (كانوا) ؟

الجواب:

في العموم عندما يتكلم القرآن عن الحال، أي: الوقت الحالي وليس الزمن الماضي يقول: (أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) وعندما يتكلم عن الأقوام البائدة القديمة الماضية يقول: (كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) [البقرة:57] . فيستعمل ( كانوا ) للدلالة على الزمن الماضي .
انظر كذلك الآيات : العنكبوت [ 40] التوبة [70] الأعراف [160]

السؤال الثالث:

ما دلالة اختلاف رسم كلمة (ٱلۡغَمَامَ) و(ٱلۡغَمَٰمَ) في القرآن الكريم؟ 

الجواب:

وردت كلمة (ٱلۡغَمَٰمَ) في القرآن الكريم ( 4) مرات , إثنان منها بالألف الوسطية , وإثنان :بدون ألف وسطية , والحالتان هما :
الحالة الأولى : (ٱلۡغَمَامَ) 
﴿وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ ﴾ [البقرة:57].
﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ﴾ [البقرة:210].
جاءت (ٱلۡغَمَامَ) بألف وسطية في سورة البقرة لتدل أنّ الغمام لم يكن مضموماً وإنما كان متفرقاً, حيث كان بنو إسرائيل في شك من الإيمان بموسى عليه السلام حتى يروا الله جهرة . وتعني آية البقرة 210 أنهم ينتظرون رؤية الله مظللاً بالغمام منفصلاً عن الملائكة .
الحالة الثانية :(ٱلۡغَمَٰمَ)
(وَقَطَّعۡنَٰهُمُ ٱثۡنَتَيۡ عَشۡرَةَ أَسۡبَاطًا أُمَمٗاۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنۢبَجَسَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۚ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡغَمَٰمَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ١٦٠﴾ ) [الأعراف:160]. 
(وَيَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلۡغَمَٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ تَنزِيلًا) [الفرقان:25]. 
جاءت كلمة (ٱلۡغَمَٰمَ) بدون ألف وسطية مما يوحي بأنّ الغمام كان قريباً من بعضه , وبذلك كان الظل وارفاً , وكان هذا جزاء للأمة التي ذكرها الله من قوم موسى(وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ) [الأعراف:159]. 
وآية الفرقان تعني أنّ الغمام كان كثيفاً يوم القيامة . والله أعلم .


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ٦١)

السؤال الأول:

ما المقصود بـ (مصر) في الآية ؟

الجواب:

كلمة (مِصۡرٗا) منونة، يعني أي: مدينة من المدن، وليست مصر المعروفة؛ لأنّ هذه الثانية تكون ممنوعة من الصرف (وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦ) [يوسف:21]، فإذا صرفت تكون أي مدينة، فقوله تعالى : (مِصۡرٗا) معناه أي بلدة؛ لأنّ ما طلبوه ليس هنا في الصحراء وإنما في أي مدينة. 

السؤال الثاني:

كلمة (ضرب) تكررت في القرآن كثيراً بمعانٍ مختلفة، فكم معنى لها في اللغة؟

الجواب:

الضرب كثير في اللغة، وهو في اللغة: إيقاع شيء على شيء، والضرب مختلف في اللغة، وهذا يسمى (مشترك لفظي) أي: كلمة تتعدد معانيها بتعدد سياقها .
ومن ذلك :
ـ الضرب باليد والعصا.
ـ ضرب الدراهم، أي سكّها .
ـ الضرب في الأرض، أي: سار أو تاجر (وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ) [النساء:101] تجارة أو ابتغاء الرزق .
ـ ضرب على يد فلان: إذا حجر عليه (وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ) [البقرة:61] مثل الخيمة، وضرب على يده : إذا تبايعا وتعاقدا على البيع. 
ـ المنع من السمع (فَضَرَبۡنَا عَلَىٰٓ ءَاذَانِهِمۡ فِي ٱلۡكَهۡفِ سِنِينَ عَدَدٗا) [الكهف:11] .
ـ ضرب المثل: يعني بيّنه (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥ) [يس:78]. 
ـ بمعنى الإهمال (أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ) [الزُّخرُف:5] يعني : نهملكم . 
ـ ضرب الوتد : يعني دقّه .
ـ ضرب ابنه : يعني ربّاه.

السؤال الثالث:

قوله تعالى (وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ) [البقرة:61] لِمَ لمْ يقل ربنا سبحانه وتعالى مثلاً : (أصابتهم الذلة والمسكنة) ؟ أليست هذه الصيغة تؤدي معنى ( ضربت عليهم الذلة والمسكنة)؟

الجواب:

تخيل قوماً أقاموا في مكان ما فضربت عليهم قُبّة، كيف تشاهد هذه الصورة؟ إنك تتخيل أفراداً ماكثين تحت قُبّة بحيث تحوطهم من كل جانب وتظلّهم, وكذلك هذه الآية فقد شبّه الله تعالى الذلة والمسكنة بالقبة التي أحاطت أهلها فلازموها ولم يغادروها، فكانت الذلة والمسكنة بيتهم الذي لايغادرونه ولا يحولون عنه، والمسكنة هي الفقر، وأُخِذ هذا المعنى من السكون؛ لأنّ الفقر يقلل حركة صاحبه ويجعله يؤثِر السكون.

السؤال الرابع:

ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى: (وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ) [البقرة:61] في سورة البقرة وقوله سبحانه: (وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ) [آل عمران: 112] في سورة آل عمران؟ ما دلالة الاختلاف بين : (النبيين والأنبياء) وبين: (بغير حق وبغير الحق) ؟

الجواب:

قال تعالى في سورة البقرة : (وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ) [البقرة:61].
وقال سبحانه في سورة آل عمران: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران:21] و (ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ) [آل عمران:112] .

 أولا ً : (النبيين ـ أنبياء) :
1ـ جمع المذكر السالم بشكل عام يفيد القلة، نحو : نبيون . 
2ـ جمع التكسير يفيد الكثرة، نحو : أنبياء .
لذلك من حيث اللغة (الأنبياء) أكثر من (النبيين) من حيث العدد؛ لأنّ (الأنبياء) جمع تكسير وهو من جموع الكثرة، و(النبيين) جمع مذكر سالم وهو من جموع القلة.

ثانياً : بغير حق ، بغير الحق .
1ـ كلمة (الحق) معرّفة: تعني الحق الذي يدعو للقتل، وهو معلوم (النفس بالنفس) فهناك أمور يستحق بها القتل. 
2ـ أمّا (بغير حق) نكرة، فهي تعني لا حق يدعو إلى القتل ولا إلى غيره، فإذا أراد تعالى أنْ يبيّن لنا العدوان يذكر (بغير حق).
3ـ عندما يقول القرآن: (وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ) [آل عمران:112] هذا أعظم وأكبر جرماً من : (وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ) [آل عمران:21] ؛ لأنّ الأنبياء أعم وأشمل , وكلمة (حَقّٖ) من دون أي داعٍ؛ فهذا أكبر جرماً .
بينما (وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ) [البقرة:61] النبيون أقل، و(الحق): الحق الذي يدعو إلى القتل . 

ثالثاً ـ السياق :
نلاحظ في مقام الذم والكلام عن بني إسرائيل أنّ القرآن يقول: (وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ) [آل عمران:112] ؛لأنها أكثر وأعظم جُرماً من : (يقتلون النبيين بغير الحق)
وفي القرآن الكريم عندما يذكر معاصي بني إسرائيل يذكر (الأنبياء) لكثرة معاصيهم.

السؤال الخامس:

ما دلالة رسم كلمة (وَبَآءُو) بدون ألف في القرآن الكريم ؟ 

الجواب:

وردت كلمة (وَبَآءُو) بدون ألف في آخرها ثلاث مرات في كل القرآن الكريم في الآيات :
[ البقرة 61 ـ90 آل عمران 112 ] وكلها بدون ألف في آخرها , ويوحي هذا النقص في حذف الألف بسرعة اكتسابهم غضب الله , وهم اليهود الذين عصوا الله سبحانه فاستحقوا سرعة غضبه . والله أعلم .


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×