اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

المشاركات التي تم ترشيحها

(إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِ‍ِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ٦٢)

السؤال الأول:

لِمَ عبّر تعالى في هذه الآية بـ (وَٱلَّذِينَ هَادُواْ) [البقرة:62] ولم يقل اليهود؟

الجواب:

في هذا التعبير إشارة إلى أنهم ليسوا اليهود، وإنما هم الذين انتسبوا إلى اليهود ولم يكونوا من سبط يهوذا أكبر أولاد يعقوب عليه السلام.
والنصارى جمع (نصرى)، نسبة إلى الناصرة، وهي قرية نشأت فيها مريم عليها السلام أم المسيح، وقد خرجت مريم من الناصرة قاصدة البيت المقدس فولدت المسيح في بيت لحم، ولذا سمي عيسى: يسوع الناصري، ومن ثَمَّ أُطلق على أتباعه اسم: النصارى.

السؤال الثاني:

ما وجه الاختلاف من الناحية البيانية بين آية 62 في سورة البقرة، وآية 69 في سورة المائدة وآية الحج 17؟ ولماذا النصب والرفع في: (الصابئين) و(الصابئون)؟وما دلالة التقديم والتأخير؟

الجواب:

جاء ذكر كلمة (الصابئين) في القرآن في ثلاث آيات، لكن بصور مختلفة:

%D8%AC%D8%AF%D9%88%D9%84%201(1).jpg

فلماذا مثلاً في آية المائدة (69) قدّم (الصابئون) ورفعها وأخّر النصارى؟

والجواب أنه:

1ـ في آية البقرة ( 62 ) جاءت كلمة (وَٱلصَّٰبِ‍ِٔينَ) بالنصب والعطف على اسم إنّ باللفظ، وجاءت في الوضع العادي بعد اليهود والنصارى , فالتسلسل هو المناسب تاريخياً.
بينما رفع (وَٱلصَّٰبِ‍ُٔونَ) في آية المائدة على غير إرادة التوكيد، ولو أراد التوكيد لنصبها , وذلك لأنّ الصابئين هم أبعد المذكورين عن الإيمان، أي: أقلهم منزلة فقلّل التوكيد لهم؛ أي: أنّ الله جعل موازنة في آية المائدة فقدّم الصابئين ولم يؤكدهم ولم يعطهم الأولوية ليكون مقامهم كما في آية سورة البقرة مؤخرين على من ذُكر معهم , وأخّر النصارى وأكّدهم, بينما في سورة البقرة قدّم النصارى وأكّدهم وأخّر الصابئين، لكنْ جعلهم ملحوقين بالنصارى.

2ـ التقديم كان لمقتضى السياق وليس التقديم للأفضل, والسياق في سورة المائدة هو ذم عقائد النصارى وأنهم كفروا بالله وجعلوا له شركاء, فأخّر النصارى لتقترب الكلمة من متابعة ذم عقائد النصارى, قال تعالى: (لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ وَقَالَ ٱلۡمَسِيحُ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۖ إِنَّهُۥ مَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ ٱلۡجَنَّةَ وَمَأۡوَىٰهُ ٱلنَّارُۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ٧٢ لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ٧٣﴾ [المائدة:72-73].
لذلك رفع (الصابئون) للدلالة على أنهم أبعد المذكورين في الضلال؛ ولأنهم أقل منزلة، وأخّر النصارى لمتابعة السياق في ذم عقائدهم.
وكلمة (الصابئون) تعرب مبتدأ، وقد تكون اعتراضية وخبرها محذوف بمعنى: والصابئون كذلك.

3ـ الدليل على أنّ التقديم ليس من الضروري أنْ يكون للتفضيل قوله تعالى في سورة الحج: (ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ٤٠) [الحج:40] , فالمساجد هي أفضل المذكور في الآية لكن أحيانا يُقدم ما هو أقل تفضيلاً؛ لأنّ سياق الآية يقتضي ذلك، وكذلك نرى في ذكر موسى وهارون في القرآن أحيانا يُقدم موسى على هارون وأحيانا يُقدم هارون على موسى بحسب سياق الآيات.

4ـ في آية الحج رقم (17) قال فيها سبحانه: (وَٱلصَّٰبِ‍ِٔينَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ) فنصب الصابئين وقدّمهم على النصارى لأنّ السياق في سورة الحج موقف قضاء، والله سبحانه وتعالى لا يفرّق بين المتخاصمين ما داموا في طور الفصل (وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ) [النساء:58] فالمتخاصمون جميعهم سواء أمام القاضي حتى على المستوى اللغوي. قال تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡصِلُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ) [الحج:17].

5 ـ هناك فرق بين نهايتي آيتي البقرة والمائدة، علماً أنّ المذكورين في الآيتين واحد:
نهاية آية البقرة (فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:62].
نهاية آية المائدة (فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [المائدة:69].
فلماذا جاء في البقرة (فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ) [البقرة:62] ولم تأتِ في المائدة؟

والجواب على ذلك أنه:

آ ـ السياق في سورة المائدة في ذم عقائد اليهود والنصارى بشكل مسهب, أمّا في البقرة فالكلام عن اليهود فقط وليس النصارى, أي أنّ سورة المائدة تكلمت عن اليهود أكثر مما جاء في سورة البقرة, حتى أنّ القرآن لم يذكر في البقرة العقوبات التي ذكرها في المائدة, انظر آيات المائدة [60،65] وسياق الغضب في المائدة على معتقدات النصارى أشد، فاقتضى السياق أنْ يكون زيادة الخير والرحمة في المكان الذي يكون أقل غضباً أي في آية البقرة. مع ملاحظة أنّ جوَّ الرحمة ومفردات الرحمة وتوزيعها في سورة البقرة أكثر مما جاء في سورة المائدة, ولم تُجمع القردة والخنازير إلا في سورة المائدة.

ب ـ وردت الرحمة ومشتقاتها في سورة البقرة (19) مرة، بينما وردت في المائدة (5) مرات؛ لذا اقتضى التفضيل بزيادة الرحمة في البقرة، والأجر يكون على قدر العمل للذين آمنوا من أهل الكتاب قبل تحريفه وهم مؤمنون بالله واليوم الآخر إيماناً حقيقياً.

ج ـ ورد في سورة المائدة ذكرحوالي (10) أنواع من العمل الصالح، ومنها: الوفاء بالعقود ـ الوضوء ـ الزكاة ـ الأمر بطاعة الله ورسوله ـ الإحسان ـ التعاون على البر والتقوى ـ إقام الصلاة ـ الجهاد في سبيل الله ـ استباق الخيرات.
بينما ورد في سورة البقرة أكثر من (30) نوعاً من أنواع الخير، وتشمل كل ما ذُكر في المائدة عدا الوضوء إضافة إلى [ الحج والعمرة ـ الصيام ـ الإنفاق ـ العكوف في المساجد ـ بر الوالدين ـ الهجرة في سبيل الله ـ إيفاء الدين ـ الإصلاح بين الناس وغيرها كثير ]؛ لذا اقتضى كل هذا العمل في البقرة أنْ يكون الأجر أكبرفقال:(فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ) [البقرة:62].

د ـ لم ترد الآية (فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ٦٢) [البقرة:62] بهذا الشكل إلا في سورة البقرة , وترددت مفردات الجزء الأول منها (فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ) [البقرة:62] في البقرة أكثر من المائدة حسبما يلي:
 

جاء حرف (الفاء) في البقرة (751) مرة، وفي المائدة (291) مرة.
(لَهُمۡ) في البقرة (29) مرة، وفي المائدة (15) مرة.
(أَجۡرُهُمۡ) في البقرة (5) مرة، وفي المائدة (1) مرة واحدة.
(عِندَ) في البقرة (19) مرة، وفي المائدة (1) مرة واحدة.
(رَبِّهِمۡ) في البقرة (10) مرات، وفي المائدة (2) مرتان.
والله أعلم.

6ـ وقوله تعالى: (وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:38] [المائدة:69] يفيد التالي:
آـ الفاء ليست للعطف وإنما هي جواب شرط.
ب ـ نفى الخوف بالصيغة الاسمية، ونفى الحزن بالصيغة الفعلية , وخصص الحزن بالضمير (وَلَا هُمۡ) وعطف بـ (هُمۡ) على الجملة الاسمية؛ لأنها أفصح وأثبت.
ولا يصح أنْ يقال: (لا يخافون) فالخوف شيء طبيعي موجود عند الإنسان , فالمعنى أنه لا يُخشى عليه خطر، فقد يكونون خائفين لكنّ الأمان من الله أمّنهم بأنه لا خوف عليهم.
ج ـ جعل الحزن بالفعل وأسنده إليهم, ولو قال: (لا حزن) فتعني لا حزن عليهم من الغير، بينما المهم للإنسان أنْ لا يكون هو في حزن، وليس المهم حزن الآخرين عليه.
د ـ قالوا: إنّ معنى (وَلَا خَوۡفٌ) أي: على الماضي من الدنيا، فجاء بالصيغة الاسمية للتثبيت أنه لا خوف (وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) مما يقابلهم في المستقبل، وقد تتكرر دواعي الحزن فجاء بالفعل الدال على الحدوث.
هـ ـ قدّم الضمير: (هُمۡ) للقصر، فنفى عنهم الحزن وأثبته لغيرهم من أهل الضلال. 
وـ لم يقل: (لا عليهم خوف)؛ لأنه لا يصح المعنى ولو قالها لكان معناها: أنه نفى الخوف عنهم وأثبت أنّ الخوف على غيرهم، يعني يخاف على الكفار.
زـ لم يقل: (لا خوفَ)؛ لأنه في هذه الحالة تكون (لا) نافية لجنس الخوف، أي: للجميع، أمّا (وَلَا خَوۡفٌ) بالرفع فتفيد نفي الجنس ونفي الواحد, والسياق عيّن أنه لا خوف عليهم على سبيل المدح والاستغراق. والله أعلم.

السؤال الثالث:

ما المعنى العام المشترك بين آيات [ البقرة 62 ـ المائدة 69 ـ الحج 17 ]؟

الجواب:

المعنى العام للآيات: أنّ من آمن وعمل صالحا من كل هذه الفرق في زمانه أو زمان رسوله الخاص فله أجره, وهذا ما قبل بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم , أمّا بعد بعثته فلا بدّ من الإيمان به والتصديق بدعوته، ولا يصح إيمان الفرق السابقة بعد بعثة الرسول الكريم (وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ) [آل عمران:85].
وفي الآية دعوة للجميع للدخول في الإسلام، وذكر الذين آمنوا بمعنيين:

آ ـ الذين آمنوا بدين أنبيائهم وفي زمانهم آنذاك, وهؤلاء مطالبون بالدخول في الإسلام إنْ كانوا لا يزالون أحياء على زمن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ب ـ غيرهم، فالجميع حتى المسلمون مطالبون بالدخول في الإسلام، والآية تعطي تساويا للجميع في طلب الدخول في دين الإسلام, وحتى يشعر اليهود الذين يظنون أنهم شعب الله المختار أنه طالما طُلِبَ من المسلمين أنْ يدخلوا في الإيمان بدين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فمن الأولى أنْ نطالب نحن بذلك أيضاً , والله أعلم.

السؤال الرابع:

ما سبب تقديم وتأخير كلمة (الصابئين)، وما سبب رفعها ونصبها في آيتي البقرة [ 62] والمائدة [69]؟ ولِمَ بقي الوضع على أصله في آية الحج؟

الجواب:

في سورة المائدة قوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّٰبِ‍ُٔونَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [المائدة:69] وفي سورة البقرة: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِ‍ِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:62].
بشكل عام نقول: (النصب) ليس فيه إشكال، وإنما (الرفع) هو الذي كثيراً ما يُسأل عنه، والنصب معطوف على منصوب.

1ـ الرفع في آية سورة المائدة من حيث الناحية الإعرابية ليس فيه إشكال عند النحاة؛ لأنهم يقولون على غير إرادة (إِنَّ) أي: على محل إسم إنّ.
وفي الأصل اسم إنّ قبل أنْ تدخل عليه مرفوع، فهذا مرفوع على المحل، أو يجعلونه جملة: (والصابئون كذلك)، لكن لماذا فعل ذلك حتى لو خرّجناها نحوياً؟ هي ليست مسألة إعراب فالإعراب يُخرّج؛ لأنه يمكن أنْ نجعلها جملة معترضة وينتهي الإشكال، لكنْ لماذا رفع؟
(إِنَّ) تفيد التوكيد، معناه أنه قسم مؤكّد وقسم غير مؤكد، أي: (الصابئون) غير مؤكد والباقي مؤكد لماذا؟ لأنهم دونهم في المنزلة، فهم أبعد المذكورين ضلالاً، ويقول المفسرون: إنّ هؤلاء يعبدون النجوم، (صبأ) في اللغة، أي: خرج عن المِلّة، عن الدين , فالصابئون خرجوا عن الديانات المشهورة، وهم قسمان:
قسم قالوا إنهم يعبدون النجوم، وقسم متبعون ليحيى عليه السلام، فهؤلاء أبعد المذكورين، والباقون أصحاب كتاب، الذين هادوا أصحاب كتاب وعندهم التوراة، والنصارى عندهم كتاب الإنجيل، والذين آمنوا عندهم القرآن, بينما الصابئون ليس عندهم كتاب, وبالنسبة لنا هم أبعد المذكورين ضلالاً، ولذلك هم دونهم في الديانة والاعتقاد ولذلك لم يجعلهم بمنزلة واحدة فرفع فكانوا أقل توكيداً. و(إِنَّ) للتوكيد. نقول: محمد قائم،ونقول: إنّ محمداً قائم، هذه أقوى.

2ـ لكن لماذا لم يأت بها مرفوعة ووضعها في نهاية الترتيب؟
في آية التوبة (وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة:3] ما قال: (ورسولَه) بالنصب، مع أنه يمكن العطف على لفظ الجلالة (ٱللَّهَ)، فلم يعطف على اسم الجلالة وإنما عطف على المحل، أي: (ورسولُه بريء)؛ لأنّ براءة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليست ندّاً لبراءة الله تعالى ولكنها تبعٌ لها وليست مثلها، فبراءة الله تعالى هي الأولى، ولو قال: (ورسولَه) بالنصب تكون مؤكدة كالأولى، فإشارة إلى أنّ براءته ليست بمنزلة براءة الله سبحانه وتعالى، وإنما هي دونها فرفع على غير إرادة (إِنَّ)، حتى في الشعر العربي قول الشاعر جرير:
إنّ النبوةَ والخلافةَ فيهم= والمكرماتُ وسادةٌ أطهارُ
قال: (المكرماتُ) بالرفع ولم يقل: (المكرماتِ) بالنصب؛ لأنّ هؤلاء السادة لا يرتقون لا إلى النبوة ولا إلى الخلافة، هذه الدلالة موجودة في الشعر ففهمها العرب.

3ـ يبقى السؤال حول التقديم والتأخير في الترتيب: آية المائدة قال: (وَٱلصَّٰبِ‍ُٔونَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ) [المائدة:69] وآية البقرة: (وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِ‍ِٔينَ) [البقرة:62]، أي: في المائدة قدّم ورفع الصابئين؛ لأنه أتبع هذه الآية بذمّ النصارى في المائدة ذماً فظيعاً على معتقداتهم، وتكلم عن عقيدة التثليث فجعلهم كأنهم لم يؤمنوا بالله وكأنهم صنف من المشركين , قال تعالى:
(لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ) [المائدة:72]
(لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ٧٣ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى ٱللَّهِ وَيَسۡتَغۡفِرُونَهُۥۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ٧٤) [المائدة: 73 - 74].
فلمّا كان الكلام عن ذم العقائد (عقيدة النصارى) أخّر النصارى حتى تكون منزلتهم أقل وقدّم الصابئين مع أنهم لا يستحقون، وأخّر النصارى لأنه ذمّ عقيدتهم.

4ـ في سورة الحج تحدث عن مطلق الإيمان والكفر والحساب يوم القيامة، لذلك لمّا ذكرهم أولاً ذكرهم بالتأكيد ثم جمعهم جميعاً حتى يأتي معنى كلمة يفصل بينهم. لاحظ الآية: (وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰتٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يُرِيدُ١٦إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّٰبِ‍ِٔينَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلۡمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡصِلُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ) [الحج: 16 - 17] إذن هنا لا مجال ولا معنى لفصل المؤمنين؛ لأنّ الفصل سيكون يوم القيامة.

السؤال الخامس:

قال في آية البقرة: (وَعَمِلَ صَٰلِحٗا) [البقرة:62] فما الفرق بينها وبين: (فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا)؟

الجواب:

في عموم القرآن إذا كان السياق في العمل يقول: (عَمَلٗا صَٰلِحٗا) كما في آخر سورة الكهف (فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا) [الكهف:110] لأنه تكلم عن الأشخاص الذين يعملون أعمالاً سيئة , ويكون السياق في الأعمال نحو: (قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا١٠٣ ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا) [الكهف:103-104] والسورة أصلاً بدأت بالعمل (وَيُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنٗا) [الكهف:2].والله أعلم.
أمّا قوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِ‍ِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:62] فليست في سياق الأعمال فقال: (وَعَمِلَ صَٰلِحٗا). والله أعلم.

مثنى محمد الهيبان
رابطة العلماء السوريين

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
(وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ)

السؤال الأول:
ما اللمسة البيانية في تقديم كلمة (ٱلۡجَبَلَ) فى آية الأعراف: 171،وتأخير (ٱلطُّورَ) فى آية البقرة رقم 63، والنساء: 154 ؟

الجواب:

1ـ استعمل القرآن (ٱلطُّورَ) في آيتي البقرة والنساء، واستعمل (ٱلۡجَبَلَ) في آية الأعراف؛ وذلك لأنّ التهديد في آية الأعراف أشد، فاستعمل لفظ الجبل؛ لأنّ الجبل أعظم من الطور .
2ـ وأمّا سبب التقديم والتأخير فيقول سيبويه: يقدمون الذي هو أهمّ لهم وهم أعنى به.
3ـ والتقديم والتأخير في القرآن الكريم يقرره سياق الآيات، فقد يتقدم المفضول، وقد يتقدم الفاضل، والكلام في سورة الأعراف عن بني إسرائيل والطور (وَإِذۡ نَتَقۡنَا ٱلۡجَبَلَ فَوۡقَهُمۡ كَأَنَّهُۥ ظُلَّةٞ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُۥ وَاقِعُۢ بِهِمۡ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ) [الأعراف:171] فقدّم الجبل على بني إسرائيل .
أمّا في آية سورة البقرة (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ) [البقرة:63] أخّر الطور؛ لأنّ سياق الآيات في السورة هو في الكلام عن بني إسرائيل وليس في الطور نفسه.
4ـ الجبل هو اسم لما طال وعظُم من أوتاد الأرض، والجبل أكبر وأهم من الطور من حيث التكوين.
5ـ النتق أشد وأقوى من الرفع الذي هو ضد الوضع، ومن النتق أيضاً: الجذب والاقتلاع وحمل الشيء والتهديد للرمي به، وفيه إخافة وتهديد كبيرين.
ولذلك ذكر الجبلَ في آية سورة الأعراف؛ لأنّ الجبل أعظم ويحتاج للزعزعة والاقتلاع، وعادة ما تُذكر الجبال في القرآن في مواقع التهويل والتعظيم, ولذا جاء في قوله تعالى: (وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِي وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ) [الأعراف:143] ولم يقل الطور. 
6ـ لذلك استعمل (نَتَقۡنَا) مع (ٱلۡجَبَلَ) ؛لأنّ النتق والجبل أشد تهديداً وتهويلاً؛ ولأنّ المقام يقتضي ذلك، فإنه أفاض في ذكر صفات بني إسرائيل الذميمة ومعاصيهم في الأعراف ما لم يُفضه في سورتي البقرة والنساء، فاقتضى أنْ يكون كل تعبير في مكانه , والله أعلم.


السؤال الثاني:

قال في الآية: (وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ) [البقرة:63] ولم يقل: (من فوقكم) فما السبب؟

الجواب:

(من) تفيد الابتداء، وفي آية البقرة (وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ) [البقرة:63] ليس رفع الطور مباشرة من فوق رؤوسهم بل هناك مسافة بين الطور والرؤوس ولذلك لم يستعمل (من فوقكم).

السؤال الثالث:

ما سبب تخويفهم برفع الطور فوق رؤوس بني إسرائيل ؟

الجواب:

التكليف من الله تعالى، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها, والله يعلم منذ الأزل أنّ في وسعك أنْ تؤدي التكليف، ولكنّ اليهود قالوا: نحن لا نطيق التكليف وفكّروا ألا يلتزموا به بالرغم من تعدد نعم الله عليهم ، والله تعالى لم يرغم أحداً على التكليف, ولكنه – رحمة منه - خيّرهم بين التكليف وعذاب يصيبهم فيهلكهم، وهذا العذاب هو أنْ يُطبق عليهم جبل الطور, فالمسألة ليس فيها إجبار ولكن فيها تخيير, وقد خُيّر الذين من قبلهم بين الإيمان والهلاك فلم يصدقوا حتى أصابهم الهلاك.
وحين رأى بنو إسرائيل الجبل فوقهم خشعوا ساجدين على الأرض , فكان معنى سجودهم أنهم قبلوا المنهج, ولكنهم كانوا وهم ساجدون ينظرون إلى الجبل فوقهم خشية أنْ يطبق عليهم ..
ولذلك تجد سجود اليهود حتى اليوم على جهة من الوجه بينما الجهة الأخرى تنظر إلى أعلى .
ولو سألت يهودياً عن ذلك لقال : أنا أحمل التوراة واهتز منتفضاً, لأنهم اهتزوا ساعة رفع الله الطور فوقهم فكانوا في كل صلاة يأخذون الوضع نفسه ثم نقل ذلك إلى الأبناء والأحفاد، واعتقدت ذريتهم من بعدهم أنها شرط من شروط السجود عندهم, ولذلك أصبح سجودهم على جانب من الوجه، أي: على الصورة التي حدثت لهم ساعة رفع جبل الطور.
والله أعلم .

<<<<<<<<<<<<<<<<

(وَلَقَدۡ عَلِمۡتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعۡتَدَوۡاْ مِنكُمۡ فِي ٱلسَّبۡتِ فَقُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِ‍ِٔينَ٦٥)[البقرة: 65]

السؤال الأول:

الفعل (كونوا) هو فعل أمر، وفعل الأمر له معانٍ متعددة، فما أشهر معانيه؟

الجواب:

فعل الأمر هو طلب الفعل بصيغة مخصوصة , ومن أشهر معانيه :
1ـ الإباحة: (وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُواْۚ) [المائدة:2] .
2ـ الدعاء : (رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ) [نوح:28] .
3ـ التهديد : (ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ) [فُصِّلَت:40] .
4ـ التوجيه والإرشاد : (وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ) [البقرة:45] .
5ـ الإكرام : (ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٍ ءَامِنِينَ) [الحِجر:46] .
6ـ الإهانة : (ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ) [الدخان:49] .
7ـ الاحتقار : (فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ) [طه:72] .
8ـ التسوية : (ٱصۡلَوۡهَا فَٱصۡبِرُوٓاْ أَوۡ لَا تَصۡبِرُواْ) [الطور:16] .
9ـ الامتنان : (فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِ) [المُلك:15] .
10 ـ التعجب : (ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَالَ) [الإسراء:48] .
11 ـ التكذيب : (قُلۡ فَأۡتُواْ بِٱلتَّوۡرَىٰةِ فَٱتۡلُوهَآ) [آل عمران:93] .
12ـ التعجيز : (فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ) [البقرة:23] .
13ـ الإذلال : (كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِ‍ِٔينَ) [البقرة:65] .
14ـ إظهار القدرة : (قُلۡ كُونُواْ حِجَارَةً أَوۡ حَدِيدًا) [الإسراء:50] .
 
 
وزمن فعل الأمر للمستقبل , لكنه أوسع من ذلك فقد يكون دالاً على :
آـ الاستقبال المطلق قريباً أو بعيداً: (فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ) [البقرة:68] للقريب، (رَبَّنَا ٱصۡرِفۡ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَۖ) [الفرقان:65] للبعيد.
ب ـ الحال:( ثُمَّ صُبُّواْ فَوۡقَ رَأۡسِهِۦ مِنۡ عَذَابِ ٱلۡحَمِيمِ * ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ) [الدخان: 48 ، 49] فـ (ذق) من الذوق مصاحب لصب الحميم .
ج ـ الأمر الحاصل في الماضي، فقوله :( ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ) [يوسف:99] كان بعد دخولهم إياها فهو أمر يفيد الماضي. وكذلك قوله تعالى: (إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ٤٥ ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٍ ءَامِنِينَ٤٦﴾) [الحِجر:45-46] فقوله: (ٱدۡخُلُوهَا) كان بعد دخولهم الجنة، وكذلك قوله: (وَلَقَدۡ صَبَّحَهُم بُكۡرَةً عَذَابٞ مُّسۡتَقِرّٞ٣٨ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ٣٩) [القمر:38-39] فقوله: (فَذُوقُواْ) كان بعد تصبيحهم بالعذاب.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «افعل ولا حرج» فهذا من باب إقرار ما حصل في الماضي.
د ـ الأمر المستمر (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا) [البقرة:83] .

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

(قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّٰظِرِينَ٦٩)[البقرة: 69]

السؤال الأول:

ما دلالة (فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا) [البقرة:69] في الآية؟ 

الجواب:
لو قال تعالى: (بقرة صفراء) لعلِم بنو إسرائيل أنه لون الصُفرة لاسيما أنّ هذا اللون نادر في البقر، فلِمَ قيّد الصفرة بصفة فاقع؟
في هذا التعبير مزيد من التعجيز، والتقييد والتحديد لبقرة بعينها دون سواها وهنا تضييق على بني إسرائيل، فعندما شدّدوا شدّد الله تعالى عليهم.


السؤال الثاني:

ما دلالات الألوان التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ؟ 

الجواب:
الألوان التي وردت في القرآن الكريم هي : الأصفر ـ الأبيض ـ الأسود ـ الأخضر ـ الأزرق ـ الأحمر ـ الوردي ـ الأخضر الغامق . وأهم دلالات هذه الألوان هي :

1ـ اللون الأصفر :
و هو أول لون ذُكِرَ في القرآن , فقد ورد (5) مرات في (5) آيات , ومن دلالاته : 
آ ـ إدخال السرور:
﴿ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّٰظِرِينَ} [ البقرة:69].
ب ـ اﻹفساد والدمار:
﴿ وَلَئِنۡ أَرۡسَلۡنَا رِيحٗا فَرَأَوۡهُ مُصۡفَرّٗا} [ الروم:51].
ج ـ الفناء واليبوسة:
﴿ كَمَثَلِ غَيۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمٗاۖ} [ الحديد:20].
2- اللون الأبيض :
وهو ثاني اﻷلوان ذكراً في القرآن , وقد ذُكٍرَ (12) مرة في (12) آية, ومن دﻻﻻته:
آ ـ الضياء وإشراق الشمس ووقت الفجر والصباح:
﴿ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ} [ البقرة:187].
ب ـ لون وجوه أهل الجنة:
﴿ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبۡيَضَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فَفِي رَحۡمَةِ ٱللَّهِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} [ آل عمران:107].
ج ـ مرض في العين من شدة الحزن:
﴿ وَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبۡيَضَّتۡ عَيۡنَاهُ مِنَ ٱلۡحُزۡنِ فَهُوَ كَظِيمٞ} [ يوسف:84].
د ـ لون يد موسى في معجزته :
﴿ وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِيَ بَيۡضَآءُ لِلنَّٰظِرِينَ} [ الأعراف:108].
هـ ـ لون الطرق بين الجبال:
﴿ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ} [ فاطر:27].
و ـ لون شراب أهل الجنة:
﴿ بَيۡضَآءَ لَذَّةٖ لِّلشَّٰرِبِينَ} [ الصافات:46].
وللعلم فإنّ اللون الأبيض هو الأساس لجميع الألوان، وإذا تم تحليله ينتج عنه ألوان الطيف السبعة . ( انظر آية آل عمران 107).
3ـ اللون الأسود : 
وهوثالث لون ذُكِرَ في القرآن , وقد ورد ( 7) مرات على عدد أبواب النارفي الآيات : 
[ البقرة 187 ـ آل عمران مرتان 106 ـ النحل 58 ـ فاطر 27 ـ الزمر 60 ـ الزخرف 17 ] , ومن دﻻﻻته:
آ ـ ظلمة الليل:
﴿ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ } [ البقرة:187].
ب ـ لون وجوه أهل النار:
{وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ١}[ آل عمران:106].
ج ـ الكرب والهم والحزن:
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ} [ النحل:58].
د ـ اليبوسة والفناء:
{فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ} [ الأعلى:5].
ومعنى (أَحْوَىٰ) أي: أسود أي: جعله هشيمًا رميمًامسوداً.
هـ ـ لون بعض الجبال:
{وَغَرَابِيبُ سُودٞ} [ فاطر:27].
4ـ اللون اﻷخضر:
وهورابع لون ذكر في القرآن, وقد ذكر 8 مرات على عدد أبواب الجنة الثمانية في الآيات : 
[ الأنعام 99 ـ يوسف 43 , 46 ـ الكهف 31 ـ الحج 63 ـ يس 80 ـ الرحمن 76 ـ الإنسان 21 ] , وأهم دﻻﻻته:
آ ـ لون الشجر والزرع والأرض بعد المطر:
{وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ} [ يوسف:43].
ب ـ لباس أهل الجنة:
{عَٰلِيَهُمۡ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضۡرٞ وَإِسۡتَبۡرَقٞۖ} [ الإنسان:21].
ج ـ لون أغطية وسائد الجنة:
{مُتَّكِ‍ِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ} [ الرحمن:76].
5ـ اللون الأزرق : 
وهوخامس اﻷلوان ذكراً في القرآن الكريم , وذُكَرَ مرة واحدة , ودﻻﻻته
لون وجوه الكفار عند الحشر من شدة أهوال اليوم، والخوف والرهبة.
{يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ وَنَحۡشُرُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَئِذٖ زُرۡقٗا}[ طه:102]. 
6ـ اللون اﻷحمر:
وهو سادس اﻷلوان ذكراً في القرآن , وذُكِرَ مرة واحدة , ودﻻﻻته لون الطرق بين الجبال وألوان بعض الثمار:
{وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمۡرٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُود} [فاطر:27]. 
7 ـ اللون الوردي :
وهو سابع اﻷلوان ذكراً في القرآن , وذُكِرَ مرة واحدة, ودلالته لون السماء عند انشقاقها وتفطرها يوم القيامة:
{فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ وَرۡدَةٗ كَٱلدِّهَانِ} [الرحمن:37]. 
8 ـ اللون الأخضر الغامق : 
وهوثامن اﻷلوان ذكراً في القرآن، وذُكِرَ مرة واحدة , ودﻻلته لون أشجار الجنة المتكاثفة:
{مُدۡهَآمَّتَانِ} [الرحمن:64]. 
والله أعلم .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ قَالُوٓاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ لِيُحَآجُّوكُم بِهِۦ عِندَ رَبِّكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ)[البقرة: 76]

السؤال :

قوله تعالى: (بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ) [البقرة:76] ما الفرق بين (فتح الله لك) و(فتح الله عليك)؟ وما طبيعة اللام في قوله تعالى:( لِيُحَآجُّوكُم) ؟وما دلالة هذه الآية؟

الجواب:

1ـ فتح الله لك: تأتي في الخير وفي غير الخير.
2ـ فتح الله عليك: تأتي في الخير وفي غير الخير، لكنْ تأتي من فوق. 
شواهد قرآنية:
ـ قوله تعالى: (وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ) [الحِجر:14] هذا في الشر.
ـ قوله تعالى: (حَتَّىٰٓ إِذَا فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا ذَا عَذَابٖ شَدِيدٍ إِذَا هُمۡ فِيهِ مُبۡلِسُونَ) [المؤمنون:77] هذا في الشر.
ـ قوله تعالى: (لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ) [الأعراف:96] هذا في الخير.
ـ قوله تعالى: (قَالُوٓاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ لِيُحَآجُّوكُم بِهِۦ عِندَ رَبِّكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ) [البقرة:76] هذا في الخير، والله أعلم.
3ـ اللام في قوله تعالى: (لِيُحَآجُّوكُم) هي لام العاقبة أو الصيرورة , وليست للتعليل لأنهم لم يقصدوا ذلك , وإنما كان المآل والعاقبة , ولكنها مثل لام التعليل في النحو , والفعل 
( يحاجوكم ) فعل مضارع منصوب بأنْ المضمرة بعد لام العاقبة , واللام ومجرورها متعلقان بالفعل (تحدثونهم).
4ـ كان بعض منافقي اليهود يقولون للذين آمنوا إذا لقوهم: آمنا بدينكم وبرسولكم , وإذا خلا بعضهم ببعض قال الرؤساء لهم في إنكار:أتحدثون المؤمنين بما بيّن الله لكم في التوارة من أمر محمد في نعته وصفته, لتكون لهم الحجة عند ربكم يوم القيامة !!! أفلا تفقهون فتحذروا !!؟؟

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

(أَوَ لَا يَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَ)[البقرة: 77]

السؤال :

هل هذا الاستفهام في الآية حقيقي؟ وما غاية هذا الاستفهام؟

الجواب:

هل ينتظر المستفهِم جواباً لسؤاله؟ إنك قد تقول لولدك أو عاملك: ألم تعلم أني أكره هذا الأمر؟ فسؤالك لا تنتظر له جواباً، وإنما غايتك لوم الفاعل, وهذا لا يُنتظر منه جواباً وإنما الغاية لوم الفاعل.
وفي قوله تعالى: (أَوَ لَا يَعۡلَمُونَ) [البقرة:77] استفهام غايته التوبيخ ولوم القوم.
والهمزة في (أَوَلَا) هي للاستفهام التقريري, ومعناه حمل المخاطب على الإقراروالاعتراف مع التوبيخ واللوم.والواو عاطفة وهي بنيّة التقديم على الهمزة وإنما أُخرت لقوة الهمزة , و( لا ) نافية.
والله أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,

(وَمِنۡهُمۡ أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ)[البقرة: 78]

السؤال الأول:

الأميّ هو من لا يعرف القراءة ولا الكتابة لكن من أين أتى هذا اللفظ؟ ومن أين اكتسب معناه؟

الجواب:

إن كلمة (أُمِّيٍّ ) اسم منسوب, والنِّسبةُ: هي كل اسم انتهى بياء مشددة , فإذا أردنا أن ننسب رجلاً إلى اليمن نقول هو يمنيٌّ، فما الكلمة التي نُسِب إليها الأُمِّيُّ؟ إن هذا الاسم منسوب إلى الأمِّ، أي: الوالدة؛ لأنه بقي على الحال التي بقي عليها مدة حضانة أمه له فلم يكتسب علماً جديداً , لذلك قيل عنه أميّ.

السؤال الثاني:

ما المعسكرات التي واجهت الدعوة الإسلامية في مكة والمدينة؟

الجواب:

المعسكرات التي واجهت الدعوة الإسلامية هي: 

آ ـ المشركون في مكة.
ب ـ أهل الكتاب في المدينة , ومعظمهم من اليهود، أمّا النصارى فعددهم قليل.

وأهم فرق اليهود قسمان:

1 ـ (وَمِنۡهُمۡ أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ) [البقرة:78] وهؤلاء لا يعرفون من التوراة إلا ما يقوله لهم أحبارهم فقط, وهؤلاء ربما لو كانوا يعلمون ما في التوراة من صفات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لآمنوا به, والله لم ينفِ عنهم مطلق العلم ولكنه نفى خصوصية العلم؛ لأنه قال: (لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ) [البقرة:78].وهؤلاء هم العوام من اليهود , وليسوا من أهل العلم , وهؤلاء إنما معهم ظنون وتقاليد لأهل العلم منهم.
والأماني بالتخفيف جمع أُمنِيَةٍ، وبالتشديد جمع أُمنِيَّةٍ , وهؤلاء الأميّون يأخذون المعلومات البسيطة من أحبارهم فيصدقونهم دون مناقشة، فيحمل هؤلاء الأحبار أوزارهم وأوزار الذين يضلونهم بغير علم.

وكلمة (أَمَانِيَّ) [البقرة:78] لها معان مشتركة في أصل واحد، ومنها:

آ ـ ما يتخيله الإنسان فيقدّر في نفسه وقوعه، كقوله تعالى: (يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء:120] ويكون معنى الآية [78] أنّ أمانيهم في أنّ الله تعالى لا يؤاخذهم بخطاياهم، وأنّ آباءهم يشفعون لهم، وأنّ النار لا تمسهم إلا أياماً معدودة , وأنهم شعب الله المختار , وأنهم أبناء الله وأحباؤه , وأن الجنة خُلقت لهم لا لغيرهم.
ب ـ (إِلَّآ أَمَانِيَّ): بمعنى أكاذيب سمعوها من علمائهم فقبلوها على التقليد.
ج ـ (إِلَّآ أَمَانِيَّ): إلا ما يقرؤون، أي: إلا بقدر ما يتلى عليهم فيسمعونه ثم إنهم لا يتمكنون من التدبر والتأمل.
2 ـ وقسم يعلمون التوراة، ولكنهم يغيرون ما فيها ويكتبونه بأيديهم ويقولون هذا من عند الله، ولذلك توعدهم الله بالعذاب:

(فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ) [البقرة:79] وهؤلاء متعمدون للإثم, وليست صكوك الغفران إلا شكلاً من أشكال كسبهم الحرام.
فذكر القرآنُ الكريم في آيات سورة البقرة ( 76:78 ) علماء اليهود , وعوامَهم , ومنافقيهم , ومن لم ينافق منهم , فالعلماء منهم متمسكون بما هم عليه من الضلال , والعوام مقلدون لهم , ولا بصيرة عندهم , فلا مطمع لكم في الطائفتين.

السؤال الثالث:

ما نوع الاستثناء في قوله تعالى: (إِلَّآ أَمَانِيَّ) ؟

الجواب:

هذا استثناء منقطع , لأنّ الأماني ليست مندرجة تحت مدلول الكتاب , ولهذا وجب نصبُه رغم تقدم النفي , وإنما يكون ذلك في كل موضع حسن أنْ يوضع فيه مكان ( إلا ) بـ ( لكن ) فيُعلم حينئذ انقطاع معنى الثاني عن معنى الأول.والله أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

(فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ) [البقرة: 79]

السؤال الأول:

ما الفرق بين (يا ويلنا) وبين (يا ويلتي)؟

الجواب:

الويل: هو الهلاك والعذاب، واسم لوادٍ في جهنم، ويجمع على ويلات, وقد تلحقه الهاء فيصبح: الويلة: وهي الفضيحة والخزي.
وقد وردت (الويل) في عدة صيغ في القرآن الكريم وهي:

آ ـ (وَيۡلٞ) في سبعة وعشرين موضعاً.
ب ـ (وَيۡلَكَ) الأحقاف [17].
ج ـ (وَيۡلَكُمۡ) [طه:61]، القصص[ 80].
د ـ (يَٰوَيۡلَنَا) الأنبياء[14،46، 97]، يس [52]، الصافات[20]، القلم[31].
وكذلك وردت (الويلة ) في صيغتين:
آ ـ (يَٰوَيۡلَتَىٰ) [هود:72]، الفرقان[ 28].
ب ـ (يَٰوَيۡلَتَنَا) [الكهف:49]. 

السؤال الثاني:

ما فائدة ذكر كلمة (أَيۡدِيهِمۡ) في الآية؟

الجواب:

ذكرُ كلمة (أَيۡدِيهِمۡ) مع أنّ الكتابة تتم باليد؛ لتأكيد وقوع الكتابة من قِبَلهم وتبيان أنهم عامدون في ذلك, كما تقول: (نظر بعينه) مع أنّ النظر لا يكون ولا يتم إلا بالعين, وتقول: (تكلّم بفمه ) فالغاية من هذا كله تأكيد العمل. والله أعلم.

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ)[البقرة: 80]

السؤال الأول:

ما الفرق بين دلالة الجمع في (معدودة) و (معدودات)؟

الجواب:

القاعدة: وصف جمع غير العاقل: إنْ كان بالإفراد يكون أكثر من حيث العدد من الجمع السالم، كأنهار جارية وأنهار جاريات، فالجارية أكثر من حيث العدد من الجاريات، وأشجار مثمرة أكثر من مثمرات، وجبال شاهقة أكثر من حيث العدد من شاهقات، فالعدد في الأولى أكثر، وجمع السالم قلة. فهذه من المواضع التي يكون فيها المفرد أكثر من الجمع.

لذلك تكون (معدودات) جمع قلّة، وهي أقل من (10)، أمّا (معدودة) فهي تدل على أكثر من (10).

شواهد قرآنية:

ـ قال تعالى في سورة آل عمران: (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۖ وَغَرَّهُمۡ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ) [آل عمران:24] اختيار كلمة (مَّعۡدُودَٰتٖۖ) في هذه الآية؛ لأنّ الذنوب التي ذُكرت في هذه الآية أقلّ. وهذا يناسب أمنية من قال من اليهود: أنهم سيُعَذبون سبعة أيام فقط , لكل ألف سنة من عمر الدنيا سيُعَذبون يوماً واحداً في النار , وهي في زعمهم سبعة آلاف سنة , ثم ينقطع العذاب. 

ـ وقال تعالى في سورة البقرة: (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ) [البقرة:80] اختيار كلمة (مَّعۡدُودَةٗۚ) في هذه الآية؛ لأنّ الذنوب التي ذُكرت في سياق هذه الآية أكثر. انظر آيات البقرة [75: 80].وهذا يناسب أمنية من قال من اليهود: أنهم سيُعَذبون أربعين يوماً فقط , بعدد الأيام التي عبدوا فيها العجل , ثم ينقطع العذاب.

ـ وقد قال تعالى في سورة يوسف عليه السلام: (وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۢ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ) [يوسف:20] أي أكثر من 11 درهماً، ولو قال: (معدودات)، لكانت أقل.

السؤال الثاني:

ما دلالة هذه الآية؟ وما نوع الفاء في قوله تعالى: (فَلَن) ؟ وما دلالة الحرف (أَمۡ) ؟

الجواب:

1 ـ هذه من الأماني التي يعتقدها اليهود أنهم لن يُعذبوا إلا أربعين يوماً بعدد الأيام التي عبدوا فيها العجل , ثم ينقطع العذاب , فيمنون أنفسهم بذلك , فردّ الله عليهم: (قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ) [البقرة:80] فأخبر سبحانه أنّ أمر دعواهم متوقفٌ على:

آ ـ إمّا أن يكونوا قد اتخذوا عند الله عهداً, فتكون دعواهم صحيحة.

ب ـ وإمّا أنهم متقولين على الله , فتكون دعواهم كاذبة , وهذا أبلغ في خزيهم وعذابهم.

ولمّا عُلم من حالهم , بسبب تكذيبهم وقتلهم لكثير من أنبيائهم , أنهم لم يتخذواعند الله عهداً , فتعيّن أنهم متقولون على الله , وهذا من أشنع القبائح.

2ـ الفاء في: (فَلَن) هي فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن شرط مقدر: إنْ اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده.

وأمّا الحرف: (أَمۡ) في الآية فهو حرف عطف معادل للاستفهام فهي متصلة , ويحتمل أن تكون منقطعة بمعنى: ( بل ) وكلاهما يفيد معنى التقرير والتوبيخ.

والله أعلم.

 

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 

(بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓ‍َٔتُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ)[البقرة: 81]

السؤال الأول:

قوله تعالى: (بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓ‍َٔتُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ) [البقرة:81] كيف تحيط الخطايا والإثم بالإنسان؟

الجواب:

الخطيئة اسم لما يقترفه الإنسان من آثام وجرائم، تأمل السِّوار الذي يحيط بالمعصم لا يبقي منفذاً من اليد خالياً دون إحاطة، وهذه صورة الخطايا والآثام عندما تكثر فهي تلتف حول الجسم والروح ولا تدع للإنسان مجالاً لحرية الهروب من الخطأ، كذلك الفاسق لو أبصر أيمن منه وأيسر منه ولو أبصر فوقه أو أسفل منه لما رأى إلا المنكر الذي ألِفَه واعتاده , لذلك فإنّ إحاطة الخطيئة بصاحبها معناها أنها لم تدع له منفذاً , وهذا لا يكون إلا الشرك, لأنّ من كان معه إيمان لا تحيط به خطيئته. 

السؤال الثاني:

مادلالة هذه الآية وما يستفاد منها؟

الجواب:

1ـ بلى: حرف جواب في النفي، أي: ينفي الذي قبلها، أي: نفى قول اليهود: (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ) [البقرة:80].

2ـ هنا نلاحظ أنّ الحق سبحانه قال: (بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ) [البقرة:81] وكان السياق أنْ يقال: اكتسب , ولكنْ لأنهم ظنوا أنهم كسبوا.

ونلاحظ أنّ القرآن استعمل كسب مع السيئة؛ لأنه يتحدث عن الذين أسرفوا على أنفسهم وبالغوا في المعصية حتى أحبوها وعشقوها، بل ويتحدثون بها ويجاهرون, فكأنّ المعصية تأتي منهم طبيعية يفعلونها بدون افتعال ولا احتياط، فهي في حقهم كسب لا اكتساب , ويفرحون بها كأنها مكسب، فلا يؤنبون أنفسهم ولا يلومونها ولا يندمون على معصيتهم.

3ـ وقوله تعالى: (وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓ‍َٔتُهُ) [البقرة:81] أي: إحاطة لا يوجد فيها منفذ للإفلات من الخطيئة؛ ولذلك هؤلاء ليسوا عصاة فقط، بل كانوا كافرين مشركين، فكان الجزاء(فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ) [البقرة:81] بالجملة الاسمية الدالة على الثبات.

هناك من يندم على المعصية وهذا له توبة، وهناك من يفرح بالمعصية وهذا يزداد معصية.

4ـ هذه الآية تبين حكم الله الثابت العام لكل أحد , ويدخل به بنو إسرائيل وغيرهم , وهو ردٌ من الله تعالى على بعض أمنيات اليهود بأنّ النار لن تصيبهم في الآخرة إلا أياماً معدودة , فبين الله أنه من أحاطت به خطاياه من كل جانب فعمّ الشرك والكفر فما دونه, لأنّ من معه إيمان لا تحيط به خطيئته , فهو مخلد في النار, ملازم لها ملازمة دائمة. 

السؤال الثالث:

ما دلالة الحرف (بلى) وكم مرة ورد في القرآن الكريم؟

الجواب:

(بلى) حرف جواب لاستفهام فيه حرف نفي، كقولك: ألم تفعل كذا؟ فيقول: بلى، وكما في قوله تعالى: (أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ) [الأعراف:172]. وفي «مختار الصحاح»: (بلى) جواب للتحقيق توجب ما يقال لك؛ لأنها ترك للنفي وهي ضد ( لا).

وقيل: الألف في ( بلى ) أصلية , وقيل: الأصل (بل) والألف زائدة , وقيل: هي للتأنيث بدليل إمالتها.

وقد وردت (بلى) في القرآن الكريم في (22) موضعاً، وفي ( 16) سورة, وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:

1ـ وهو اختيار القراء وأهل اللغة: الوقف عليها؛ لأنها جواب لما قبلها غير متعلق بما بعدها؛ وذلك في عشر مواضع:

البقرة موضعان( 81-112) آل عمران موضعان ( 76ـ 125) الأعراف (172) النحل (28) يس ( 81) غافر ( 50) الأحقاف ( 33) الانشقاق( 15)، وقد أجاز بعضهم الابتداء بها وليس بمختار، والله أعلم.

2ـ ما لا يجوز الوقف عليه لتعلق ما بعدها بما قبلها، وذلك في سبع مواضع:

الأنعام ( 30) في قوله تعالى (قَالَ أَلَيۡسَ هَٰذَا بِٱلۡحَقِّۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ) [الأنعام:30] وفي النحل (38) سبأ ( 3) ,الزمر (59) الأحقاف (34) التغابن (7) القيامة ( 4).

3 ـ وفيه الخلاف بين جواز الوقف ومنعه , والأحسن عدم الوقف لاتصالها بما قبلها؛ وذلك في خمس مواضع:

البقرة ( 260) في قوله تعالى (قَالَ أَوَ لَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِيۖ) [البقرة:260], الزمر (71) الزخرف ( 80) الحديد ( 14) الملك ( 9).

السؤال الرابع:

ما الفرق بين أدوات الجواب التالية: نعم ـ بلى ـ أجل ـ أي ـ جلل؟

الجواب:

أحرف الجواب هي:

نعم:

حرف تصديق ووعد وإعلام.

ـ التصديق: بعد الخبر، نحو: قد زارك محمد، فتقول: نعم.

ـ الوعد: بعد الأمر والنهي، نحو: لا تخبره بما حدث، فتقول: نعم.

ـ الإعلام: بعد الاستفهام، نحو: أحضر خالد؟ فتقول: نعم.

بلى:

مختصة بإبطال النفي، وهي لا تقع إلا بعد النفي.

شواهد قرآنية:

ـ (أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ) [الأعراف:172].

ـ (ٓ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ*  قَالُواْ بَلَىٰ) [المُلك:8 – 9].

أجل: حرف جواب يقع بعد الخبر كثيراً فيكون تصديقاً له، نحو: أزارك خالد؟ فتجيب: أجل.

إي: بكسر الهمزة وسكون الياء وهي مثل (نعم) غير أنها لا تقع إلا قبل القسم فتكون تصديقاً للمخبر ووعداً للطالب وإعلاماً للمستفهم، قال تعالى: (وَيَسۡتَنۢبِ‍ُٔونَكَ أَحَقٌّ هُوَۖ قُلۡ إِي وَرَبِّيٓ إِنَّهُۥ لَحَقّٞۖ) [يونس:53]. 

وللعلم فإن (إي) لا تكون إلا قبل القسم، وأمّا (نعم) فتكون مع القسم وغيره.

جلل: حرف بمعنى( نعم)، واسم بمعنى (عظيم).

والله أعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
(وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ)[البقرة: 83]

السؤال الأول:

ما الفرق بين (وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) [البقرة:83] و(وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) [النساء:36]؟

الجواب:

1ـ لدينا آيتان، الأولى تتحدث عن اليهود، وهي قوله تعالى: (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) [البقرة:83]؟ وفيها (ذي القربى) بدون باء.
و الآية الثانية تتحدث عن المسلمين، وهي قوله تعالى: (وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) [النساء:36] وفيها (بذي الْقُرْبَى) مع الباء.
هل هذه الباء زائدة وليس لها معنى؟ في الحقيقة لا؛ فرب العالمين بهذه الباء يرسم ما هومستقبل القربى عند اليهود وما هو مستقبل القربى عند المسلمين، أي: الترابط الأسري، والتناسب الخَلقي ومدى مسؤولية كل واحد في الأسرة.
ورب العالمين يعلم مقدماً أنه ما من أمة على وجه الأرض سوف تصل إلى ما وصل إليه المسلمون من العناية بالرحم و بالقربى، والكل يشهد بذلك، ونحن لا يوجد لدينا من يترك أمه وأباه في الملجأ، ولا يوجد من لا يعرف عمه أو خاله، أو من لا يعرف أباه أو جده، هذا مستحيل، في حين نجد عكس ذلك في بقية الأمم خاصة في أيامنا هذه.
فرب العالمين عز وجل عندما ترك الباء بهذه الآية [البقرة 83] وأثبتها في آية [النساء 36] أشار بذلك إلى أنّ هذه الأمة وحدها هي التي سوف تُعنى بالأرحام والأقارب والوالدين والتماسك الأسري مع الأعمام والأخوال والأجداد والجدات.
هذا هو أثر الباء، ووجودها في آية المسلمين وحذفها من آية أخرى لغير المسلمين. 
2ـ في آية البقرة ذُكرت الباء مع (وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا) [البقرة:83] وحُذفت مع كلمة (وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) [البقرة:83] وأمّا في آية النساء فقد ذكرت الباء مع الوالدين وذي القربى.
3ـ السياق في سورة النساء هو الكلام عن القرابات من أول السورة إلى آخرها، وليس في هذه الآية فقط؛ لذلك كان ذكر الباء مع ذي القربى في هذه الآية لمراعاة التفصيل والتوكيد.
وأمّا آية سورة البقرة فليس السياق في القرابات، وإنما عما مضى من أخذ ميثاق بني إسرائيل فحُذفت الباء في (وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) مراعاة للاختصار.
والله أعلم.

السؤال الثاني:

المطلوب إعطاء مختصر عن أهم النقاط في تفسير آية البقرة 83؟

الجواب:

1ـ قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي (يعبدون) بالياء على أنهم غيب أخبر عنهم, والباقون بالتاء على أنهم مخاطبون، والاختيار التاء.
2ـ في قوله تعالى: (تَعۡبُدُونَ) من الإعراب على خمسة وجوه:
آـ على الرفع بتقدير: بأنْ لا يعبدوا , إلا أنه لما أُسقطت (أن) رُفِعَ الفعل، كما قال طَرَفَة: 
ألا أيُّهذا اللائمي أحضـرَ الوغـــى=وأن أشهدَ اللَّذاتِ هل أنت مُخلِدِي
فأراد (أنْ أحضر) ولذلك عطف عليه (أنْ أشهد)، وأجاز هذا الوجه الأخفش والفراء والزجّاج.
ب ـ موضعه رفع على أنه جواب القسم، كأنه قيل: وإذ أقسمنا عليهم لا تعبدون, وهذا الوجه أجازه المبرد والكسائي والفراء وأحد قولي الأخفش.
ج ـ في موضع نصب حال على تقدير: أخذنا ميثاقكم غير عابدين إلا الله.
د ـ قول الفراء أنّ موضع (لا تعبدون) على النهي، إلا أنه جاء على لفظ الخبر، كقوله تعالى (لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا) [البقرة:233].
هـ ـ التقدير: أنْ لا تعبدوا، وتكون (أنْ) مع الفعل بدلاً عن الميثاق.
3ـ هذا الميثاق يدل على تمام ما لا بدّ منه في الدين , وهذا الميثاق هو من أصول الدين وشرائعه التي أمر الله بها عباده في كل رسالة, فلم يدخلها النسخ , وهذا الميثاق مكون من عشرة بنود وهي: الإيمان بالله وحده ـ بر الوالدين ـ الإحسان إلى الأقارب والأرحام ـ الإحسان إلى اليتامى ـ الإحسان إلى المساكين ـ مخاطبة الناس بالكلام الطيب ـ المحافظة على الصلاة ـ إخراج الزكاة ـ ألا يسفك بعضهم دماء بعض ـ ألا يخرج بعضهم بعضاً من داره.( البقرة 83 ـ 84 ).
4ـ قوله تعالى: (وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا) [البقرة:83] انتصب بتقدير: أحسنوا بالوالدين إحساناً، أو: وصيناهم بالوالدين، أو بتقدير: أنْ تعبدوا وتحسنوا.
5ـ أردف الحق عبادته بالإحسان إلى الوالدين، وذلك:
آـ نعمة الله على العبد أعظم النعم، ثم نعمة الوالدين.
ب ـ الله سبحانه هو الموجد والمؤثر الحقيقي للعبد، والوالدان هما المؤثر بحسب العرف الظاهر.
ج ـ لبيان عظم حقهما على الولد.
6ـ قوله تعالى: (وَٱلۡيَتَٰمَىٰ) [البقرة:83] اليتيم الذي مات أبوه حتى يبلغ الحلم، وجمعه أيتام ويتامى، ولا يقال لمن ماتت أمه: إنه يتيم , أمّا في غير الإنسان فيُتمه من قِبَلِ أمِّه.
7ـ قوله تعالى: (وَٱلۡمَسَٰكِينِ) [البقرة:83] جمع مسكين، أُخذ من السكون كأنّ الفقر قد سكنه، وهو أشد فقراً من الفقير عند أكثر أهل اللغة, وقيل غير ذلك.
وتأخرت درجتهم عن اليتامى؛ لأنّ المسكين قد ينتفع به في الاستخدام والميل إلى مخالطته أكثر من الميل إلى مخالطة اليتامى؛ ولأنّ المسكين يمكنه الاشتغال بتعهد نفسه ومصالح معيشته أكثر من اليتيم.
8ـ قوله تعالى: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا) [البقرة:83] أي: قولاً حسناً، لكنه جاء بصيغة الصفة المشبهة كقولك: رجل عدل, ليكون التقدير: ليكن قولكم للناس هو الحُسن بذاته.
وهذا القول خطاب بعد الإخبار على طريقة الالتفات، كقوله تعالى (حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَيۡنَ بِهِم بِرِيحٖ طَيِّبَةٖ) [يونس:22].
والكلام مع الناس سواء كان في الأمور الدينية أو الدنيوية الأفضل أنْ يكون بالتلطف. 
9ـ قوله تعالى: (ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ) [البقرة:83] وفيه وجوه:
آـ أنّ المقصود من تقدم من بني إسرائيل.
ب ـ أنه خطاب لمن كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ج ـ المراد بقوله: (ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ) [البقرة:83] من تقدم، وقوله: (وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ) [البقرة:83] من تأخر. والله أعلم.

السؤال الثالث:

استعمل القرآن في سياق الدعاء والبر للوالدين لفظة (ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ) [النساء:135] دون لفظة (الأبوين) فما دلالة ذلك؟
الجواب:

الوالدان مثنى الوالد والوالدة, وهو تغليب للمذكر كعادة العرب في التغليب؛ إذ يغلّبون المذكر كالشمس والقمر يقولون عنهما (القمران)، والأبوان هما الأب والأم، ولكنه غلّب المذكر ولو غلب الوالدة لقال: الوالدتان، وسواء قال: بأبويه أو بوالديه فهو تغليب للمذكر.
لكنك لا تجد في القرآن الكريم البر أو الدعاء أو التوصية إلا بذكر الوالدين لا الأبوين كما في الآيات المذكورة أعلاه.
ولم يرد استعمال (الأبوين) إلا مرة واحدة في المواريث؛ لأنّ نصيب الأب أكبر من نصيب الأم أو التساوي في الأنصبة, لكنْ في البر والتوصية والدعاء لم يأت إلا بلفظ الوالدين إلماحاً إلى أنّ نصيب الأم ينبغي أنْ يكون أكثر من نصيب الأب.
كما أنّ لفظ (الأبوين) قد يأتي للجدين، كما قال تعالى: (كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيۡكَ مِن قَبۡلُ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَۚ) [يوسف:6] ويأتي لآدم وحواء: (كَمَآ أَخۡرَجَ أَبَوَيۡكُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ) [الأعراف:27] فاختيار (الوالدين) له دلالات مهمة، وينطبق هذا على وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للصحابي الذي سأله: من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك» فأعطى كلا منهما على قدر ما قدم.
قد تقول: إنّ هذا الأمر تخلّف في قصة سيدنا يوسف عليه السلام عندما قال: (وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ) [يوسف:100] فاختار الأبوين , والجواب أنّ الأمر لم يختلف، وبيان ذلك: 
آ ـ في قصة يوسف لم يرد ذكر للأم مطلقاً، بل ورد ذكر الأب الحزين الذي فقد ابنه وذهب بصره.
ب ـ في هذا الاختيار أيضاً تكريم للأم؛ لأنّ العادة أنْ يكرم الابن أبويه وليس أنْ يكرم الأبوان الابن، وسجود التكريم حصل من الأبوين للابن، ولذلك جاء بلفظ الأبوين لا الوالدين إكراماً للأم، فلم يقل: (ورفع والديه).
ج ـ وفيها إلماحٌ أنّ العرش ينبغي أنْ يكون للرجال.
وهذا يناسب ما ذكر عن الأب فهو الأنسب من كل ناحية.
وهنا يرد سؤال: لماذا لم يرد ذكر الأم في قصة يوسف مع أنّ الأم هي التي تتأثر وتتألم وتحزن أكثر؟ والجواب: أنّ الأم إمّا أنْ تكون قد توفيت من قبل على بعض الروايات، أو أنّ أم يوسف هي أم ليوسف وأخيه بنيامين فقط وليست أم بقية الإخوة, لذلك يكون كلامها حساساً مع إخوته, أمّا يعقوب عليه السلام فهو أبوهم جميعاً، فإذا عاتبهم أو كلمهم فهو أبوهم , أمّا الأم فليست أمهم فإذا تكلمت ففي الأمر حساسية وهذا من حسن تقديرها للأمور، فكتمت ما في نفسها وأخفت لوعتها وتركت الأب يتصرف، وهذا من حسن التقدير والأدب.

السؤال الرابع:

وردت كلمة (إِحۡسَانٗا) [البقرة:83] وكلمة (حُسۡنٗاۖ) [العنكبوت: 8] في سياق الدعاء للوالدين، فما الفرق بينهما؟

الجواب:

الله سبحانه وتعالى في جميع القرآن الكريم إذا أمر بالبر والدعاء يستعمل الوالدين وليس الأبوين، ولم يستعمل الأبوين إلا في موضوع المواريث أو في أمور أخرى, ولم يذكر في القرآن موقف بر أو دعاء إلا بلفظ الوالدين, وهو مثنى الوالد مع تغليب المذكر, ومشتقة من الولادة والولادة تقوم بها الأم، وهذه إشارة إلى أنّ البر بالأم أولى قبل الأب، كما جاء في الحديث الشريف: «أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك».
وقد وردت كلمة الوالدين بالدعاء لهما في سبع آيات يمكن الاطلاع عليها من خلال الجدول التــالي:

11(6).jpg

البيـــــان:

أولاً:

هذه الدراسة أو المقارنة هي لآيات الوالدين في [العنكبوت والأحقاف ولقمان] فقط ونلاحظ ما يلي:
1ـ المراتب: الإحسان أعلى من الحُسن , فأنْ تعامل إنساناً بحُسنٍ أمرٌ عادي لكن أنْ تحسن إليه هذه مرتبة أعلى من الحُسن؛ لأنّ الإحسان يتعدى خيره للآخرين، تقول: أحسنت إليه.
2ـ حُسناً: مصدر حَسُنَ، وهو فعل لازم، تقول: حَسُنَ الشيء في نفسه, وإحساناً مصدر أحْسَنَ، فعلٌ متعدٍّ، تقول: أحسنت إليه, فالكلمتان حُسناً وإحساناً مصدران مختلفان لفعلين مختلفين, لكنّ (إحساناً) أعلى من(حسناً)، والإحسان أمكن من الحُسن في فعل الخير ونفع الآخرين.
3ـ نلاحظ ما يلي: 
آ ـ ذكر في آية الأحقاف أمرين: الحمل والوضع، وكلاهما كُره ومشقة, واستعمل: إحساناً.
ب ـ في آية العنكبوت: لم يذكر الحمل أصلاً ولا الوضع، واستعمل: حسناً.
ج ـ في آية لقمان: ذكر الحمل فقط ولم يذكر الوضع، ولم يستعمل حسناً أو إحساناً.
النتيجة: الوضع الأصعب في آية الأحقاف فناسب (إحساناً)؛ لأنها أعلى من (حسناً).
4ـ في الأحقاف الوالدان مؤمنان، وفي العنكبوت ولقمان الوالدان كافران, وبالتالي الوالدان المؤمنان يستحقان الإحسان أكثر من الوالدين الكافرين؛ فناسب في الأحقاف (إحساناً).
ثانياً ـ مقارنة بين آيتي لقمان وآية العنكبوت(حالة الوالدين في الآيتين مشركان):
1ـ في آية لقمان لم يذكر (حسناً) أو (إحساناً)، وإنما بيّن الحيثيات والمصاحبة, وذكر فيها:
آ ـ الوالدان مشركان أشد كفراً بسبب الفقرة التالية، وهي: 
ب ـ المجاهدة من كليهما بصيغة الاستعلاء (عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ) [لقمان:15] وكأنها شرط، وفيها معنى شدة الحمل على الشيء وشدة الحمل على المجاهدة وهي أقوى من (لتشرك) التي تفيد بيان الغرض والتعليل.
ج ـ سياق السورة في آداب المصاحبة من الابن للأب وبالعكس؛ ومع الوالدين ومع المجتمع ؛ وتشمل هذه الآداب: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعدم التكبر عليهم، وعدم الاختيال.
2ـ في آية العنكبوت: ذكر (حُسناً) وذكر فيها:
آ ـ الوالدان مشركان.
ب ـ المجاهدة من كليهما بصيغة (لِتُشۡرِكَ) [العنكبوت:8] اللام للتعليل, فهي أقل من (عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ).
ج ـ لم يذكر المصاحبة.
فناسب في لقمان طلب حسن المصاحبة في الدنيا انسجاماً مع طابع السورة, وناسب في العنكبوت (بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ) [العنكبوت:8]. 
والنتيجة من استعراض آيات العنكبوت والأحقاف ولقمان من ناحية السياق أو من ناحية واقع الوالدين أنّ المناسب هو: الحُسن في العنكبوت والإحسان في الأحقاف والمصاحبة بالمعروف في لقمان, والله أعلم.
هذا الموضوع هوملخص رأي الدكتور فاضل صالح السامرائي حفظه الله ورعاه.
وأما رأي الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى فهو التالي حول تفسير آية لقمان [14، 15]:
آ ـ قال: (وَوَصَّيۡنَا) [لقمان:14] ولم يقل: (وأوصينا)؛ لأنّ القرآن يستعمل التشديد إذا كان أمر الوصية شديداً ومهماً؛ لذلك يستعمل (وصّى) في أمور الدين، وفي الأمور المعنوية، والفعل المشدد يفيد التكرار؛ أي: يفيد استمرار الإحسان والبر بالوالدين.
ب ـ بالرغم أنّ الوصية بالوالدين، إلا أنّ حيثيات الوصية خاصة بالأم (حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ) [لقمان:14] فلم يذكر شيئا عن دور الأب، والسبب ـ والله أعلم ـ أنّ الله أراد أنْ يذكرنا بدور الأم خاصة؛ لأنها تصنع لك وأنت صغيرٌ لا تدرك ما تصنعه؛ فهو مستور عنك لا تعرفه, أمّا أفعال الأب وصنعه لك فجاء حال كِبَرِك وإدراكك للأمور من حولك ,فالابن يعرف ما قدّم أبوه من أجله، فدور الأب ظاهر على خلاف دور الأم؛ لذلك ذكره الله تعالى هنا (حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ) [لقمان:14] ويأتي من يقول: أليس الابن نتيجة التقاء الأب والأم فهما فيه سواء؟ فنقول: بلى، ولكنّ مشقة الأم فيه أوضح أثناء الحمل وعند الولادة, ولولا أنْ الله ربط النسل بالشهوة لزهد الناس فيه لما تتحمله الأم من مشاق، ولما يتحمله الأب من تبعات الأولاد.
ونعرف قصة المرأة التي ذهبت تقاضي زوجها؛ لأنه يريد أنْ يأخذ ولدها منها، فقالت للقاضي وقد قال لها: أليس الولد ولدكما معاً؟ قالت: بلى، ولكن حَمَلَه خِفّاً ووضعه شهوة، وحملتُه وهناً ووضعته كرهاً فحكم لها.
ومعنى: (وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ) [لقمان:14] أي: ضعفاً على ضعف، فاجتمع للمرأة ضعفها الذاتي مع ضعفٍ بسبب الجنين الذي يتغذى منها ويكبر في أحشائها يوماً بعد يوم، ومن حكمة الله في خلق الرحم أنْ جعله قابلاً للتمدد والاتساع ليحتوي الجنين في مراحل نموه إلى أن يزيد الجنين زيادة لا يتحملها اتساع الرحم فينفجر إيذاناً بولادة إنسان جديد له مقومات حياة مستقلة غير متصل بأمه بعد أنْ كان تابعاً لأمه في غذائه وفي تنفسه، ومن العجيب أنّ الرحم يتسع بقدرة الله لعدة توائم كما نرى ونسمع.
ج ـ ثم قال تعالى: (أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ) [لقمان:14] فالله هو المستحق للشكر أولاً؛ لأنه سبحانه هو الذي أنشأ من عدم وأمدَّ من عدم، ثم للوالدين لأنهما السبب الظاهري في الإيجاد وإنشاء الولد, وأنت لا تحسن شكر الله الخالق الأول والمسبب الأعلى حتى تحسن شكر الوالدين وهما السبب الثاني في وجودك.
د ـ ذكرت الآية الحمل والفصال، أي: الفطام، وبين الحمل والفطام كانت الولادة من الأم الوالدة؛ لذلك كانت الآيات التي تتحدث عن البر أو الدعاء أو التوصية للوالدين بصيغة الوالدين للتذكير بالأم التي كانت قد ولدتك، ومن هنا كان الاختيار لكلمة الوالدين دون الأبوين.
هـ ـ في هذه الآية جاءت الوصية للوالدين دون ذكرٍ لهاتين الكلمتين (حُسۡنٗاۖ) و(إِحۡسَانٗا)بل ذكر فيها حيثيات هذه الوصية وأسبابها وعللها. 
وـ في خمس آيات وردت كلمة (إِحۡسَانٗا) وهي المذكورة في الآيات أعلاه في سور [ البقرة و النساء والأنعام والإسراء والأحقاف ] بينما وردت كلمة (حُسۡنٗاۖ) في آية واحدة في سورة العنكبوت.
لكن ما الفرق بين (إِحۡسَانٗا) و(حُسۡنٗاۖ)؟ 
الفرق: أنّ الإحسان مصدر أحسن، أي: الوصية بالإحسان إليهما. تقول: أحسن فلان لفلان إحساناً, أما حُسنا فمن الحُسن وهو المصدر الأصيل لهذه المادة (حَسُن) أي: أوصيك أنْ تعمل لهم الحُسن ذاته، كما تقول: فلان عادل , فوصفته بالعدل فإنْ أردت أنْ تبالغ في هذا الوصف تقول: فلان عدل، أي: في ذاته لا مجرد وصف له، أي: كأنّ العدل تمثَّل به، وكذلك رجل صومٌ لا صائم، وهذا يسمى الوصف بالمصدر، لذلك نسمي: الكاتب بالعدل، ولا نسميه: الكاتب العادل.
إذن: (حسناً)آكد في الوصف من (إحساناً), فلماذا جاءت في هذه الآية فقط: (وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ) [العنكبوت:8] قالوا: لأنّ هذه الآية تتعرض لمسألة صعبة تمس قمة العقيدة فسوف يطلب الوالدان من الابن أنْ يشرك بالله ؛ لذا احتاج الأمر أنْ يوصى الابن بالحُسن في ذاته وفي أسمى توكيداته (حُسۡنٗاۖ) حتى لا يظن الابن أنّ دعوة الوالدين إياه إلى الشرك مبرر لإهانتهما أو التخلي عنهما، لذلك يعلمنا ربنا أنْ يكون الموقف كما في الآية 15 من سورة لقمان (فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ) [لقمان:15].والله أعلم.

مثنى محمد الهيبان
رابطة العلماء السوريين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ)[البقرة: 84]

السؤال الأول:

هذه الآية تخاطب بني إسرائيل الذين مضوا، ومع ذلك جاءت بصيغة المخاطب، فما السبب في مخاطبة من مضى؟

الجواب:

إنّ المخاطبة جاءت للخَلَف من بني إسرائيل لتبين للمؤمنين أنّ الخلف من بني إسرائيل هم بمنزلة أسلافهم؛ فأفعالهم واحدة وتصرفاتهم موروثة، والله أعلم.

السؤال الثاني:

ما دلالة هذه الآية؟

الجواب:

هذه الآية تبين تتمة بنود الميثاق المذكور في الآية السابقة , وهما:

1ـ ألا يسفك بعضُهم دماء بعض دون حدٍ أوقصاص.
2ـ ألا يخرج بعضهم بعضاً من داره.
وكان هذا يحدث في المدينة وقت تنزل الوحي , حيث كان هناك ثلاث فرق لليهود , وتحالفت كل فرقة مع الأوس والخزرج قبل الإسلام , فإذا حدث بينهما قتال , استعان كلُ حليف بحليفه من اليهود , فكان اليهوديُ يقتل اليهوديَ ويخرجه من داره.فإذا توقفت الحرب وكان بينهما أسرى , فدى بعضُهم بعضاً.
وللعلم فقد تحالفت قريظة والنضير مع الأوس , وتحالف بنو قينقاع مع الخزرج , وكل منهما يقاتل مع حليفه , ومارسوا القتل والإخراج ,وهم بذلك قد خالفوا بنود الميثاق الذي أخذه الله عليهم , وكان الله قد أخذ عليهم الميثاق ألا يقتل بعضهم بعضاً , ولا يخرج بعضهم بعضاً من داره , وإذا وجد أسيراً وجب عليه فداؤه , فعملوا بالأخير وتركوا ما قبله , فوبّخهم الله على إيمانهم ببعض الكتاب , وهو فداء الأسير , وكفرهم ببعض , وهو القتل والإخراج.
وفي الآية توبيخ لليهود السابقين واللاحقين على تضييع أحكام التوراة التي كانوا يقرون بها ويشهدون على ما فيها , وإنْ كان الخطاب موجهاً ليهود المدينة في عصر النبوة , إلا أنه عام في اليهود في كل زمان ومكان.والله أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

(ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ٨٥) [البقرة: 85]

السؤال الأول:

في هذه الآية جاءت هاء التنبيه مؤخرة على الضمير (ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ) [البقرة:85] بينما جاءت هاء التنبيه مقدمة في آية آل عمران 119 في قوله تعالى (هَٰٓأَنتُمۡ أُوْلَآءِ) [آل عمران:119] فما السبب؟

الجواب:

1ـ يُقدم التنبيه أو يُؤخر أو يُكرر بحسب الحاجة إليه, وقد يُحذف إذا لم يكن له داعٍ.
2ـ في آية آل عمران قدّم التنبيه؛ لأنه تحذيرٌ لعباده المؤمنين مما هم فيه، وأنه ينبغي لهم أنْ يحذروا وينتبهوا.
بينما في آية البقرة أخَّر التنبيه؛ لأنه أراد أنْ يُحضِّر أنفسهم أمام أعينهم هم ليشهدوا أعمالهم وصفاتهم, أي: أنتم هؤلاء المشاهدون الحاضرون بصورتكم الواضحة التي لا تخفى , فهو لم يرد تحذيرهم من أمر كما في آية آل عمران.
فالتنبيه في آل عمران لتنبيه المؤمنين ولفت انتباههم إلى أمر قد يكونون غافلين عنه, وأمّا آية البقرة فلإحضار صورتهم أمام أعينهم ليشاهدوها.

السؤال الثاني:

قوله تعالى في آية البقرة: (ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ) [البقرة:85] فيه إشكال لغوي؛ لأنّ قوله (أَنتُمۡ) للحاضرين وقوله: (هَٰٓؤُلَآءِ) للغائبين فكيف يكون الحاضر نفس الغائب؟

الجواب: 

التقدير هو:
ـ ثم أنتم يا هؤلاء.
ـ ثم أنتم، أعني: هؤلاء الحاضرين.
ـ هؤلاء تأكيد لأنتم، والخبر (تقتلون).

السؤال الثالث:

ما دلالة هذه الآية؟

الجواب:

1ـ ذكرت الآية أربع حالات لليهود فيها إيمان ببعض الكتاب دون بعض: 
آـ قتل اليهودي لليهودي الآخر المتحالف مع قبيلة أخرى: (ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ) 
ب ـ إخراج بعضهم بعضاً من داره: (وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ).
ج ـ يتعاون بعضهم مع الأعداء على إخوانه ويتقوى بهم على إخوانه ظلماً وعدواناً: (تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ) .ومعنى: (تَظَٰهَرُونَ) أي تتعاونون , وحذفت إحدى التاءين , وأصل المظاهرة مشتقة من الظهر لأن يقوي بعضهم بعضاً.
وهم في هذه البنود الثلاثة مخالفون للعهد والميثاق الذي أُخذ عليهم. 
د ـ التعاون على فك الأسرى من اليهود: (وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ) أي تنقذوهم من الأسر بالمال.
فنفذوا الأخيرة فقط ـ وهي فداء الأسير ـ وخالفوا في البنود الثلاثة الأولى فوبّخهم الله بقوله: (أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ).
2ـ بيّن الله عقوبة من ينقض الميثاق بقوله: (فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ).والفاء في: (فَمَا) هي فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن شرط مقدر كأنه قيل: إنْ شئتم أن تعرفوا جزاء من يفعل ذلك فهو...
3ـ ثم قال تعالى: (وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ) أي أنه مطلع عالم بدقائق أعمالهم , محيط بكل شؤونهم , وسوف يعاقبهم على أفعالهم وأقوالهم.

السؤال الرابع:

ما دلالة كتابة كلمة (ٱلۡحَيَوٰةِ) بالواو في الآية؟

الجواب:

ذكر الداني في كتابه ( المقنع ) أنه رُسمت في كل المصاحف الألف واواً على لفظ التفخيم لأغراض شريفة سامية تعزز المعنى , وتعطي للكلمة القرآنية آفاقها الواسعة حسب السياق , وهذه الكلمات وتسمى الأصول الأربعة هي: (ٱلصَّلَوٰةَ) (ٱلزَّكَوٰةَ) (ٱلۡحَيَوٰةِ) (ٱلرِّبَوٰاْ).
وقد وردت كلمة (ٱلۡحَيَوٰةِ) بالواو , بهذه الصورة لتبين أهمية الحياة كدار ابتلاء وكمزرعة للآخرة , وقد وردت (71) مرة في القرآن الكريم بهذا الرسم , غير أنه حين تُنسب الحياة إلى الكافرين فإنها تأتي بالصورة العادية , حيث وردت خمس مرات في القرآن الكريم كله , كما يلي:
(وَقَالُوٓاْ إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِينَ٢٩) [الأنعام:29].
(إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِينَ٣٧) [المؤمنون:37].
(أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا) [الأحقاف:20].
(وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا) [الجاثية:24].
(يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي قَدَّمۡتُ لِحَيَاتِي٢٤﴾ [الفجر:24].
والله أعلم.

*****

(أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٨٦)[البقرة: 86]

السؤال الأول:

ما الفرق بين استخدام كلمة (يُنصَرُونَ) [البقرة:86] في هذه الآية وكلمة (يُنظَرُونَ) في آية البقرة 162، وآية آل عمران 88؟

الجواب:

لنستعرض الآيات أولاً:

ـ قوله تعالى: (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٨٦) [البقرة:86].
ـ قوله تعالى: (خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ١٦٢) [البقرة:162]. 
ـ قوله تعالى: (خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ٨٨) [آل عمران:88]. 

ثانياً:

لو نظرنا في سياق الآيات في سورة البقرة التي سبقت آية 86 لوجدنا الآية (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ٨٤ ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ٨٥) [البقرة: 84،85] فالآيات تتكلم عن القتال والحرب والمحارب يريد النصر لذا ناسب أن تختم الآية 86 بكلمة (يُنصَرُونَ).
أمّا في الآية الثانية في سورة البقرة وآية سورة آل عمران ففي الآيتين وردت قبلهما ذكر اللعنة, واللعنة معناها الطرد من رحمة الله والإبعاد , والمطرود كيف تنظر إليه؟

و كلمة (يُنظَرُونَ) تحتمل معنيين:

آ ـ لا يُمهلون في الوقت.
ب ـ ولا يُنظر إليهم نَظَرَ رحمة. 
فإذا أُبعد الإنسانُ عن ربه وطُرد من رحمة الله كيف يُنظر إليه؟ إنه خارج النظر. فلمّا ذكرت اللعنة في سياق الآيتين في سورة البقرة وسورة آل عمران استوجب ذكر (يُنظَرُونَ).

السؤال الثاني:

ماذا تعني الباء في الآية (ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۖ) [البقرة:86]؟

الجواب:

في أمور الشراء الباء مع الذاهب؛ فهم أخذوا الحياة الدنيا وكان الثمن الذاهب لها هو خسرانهم الآخرة.والله أعلم.


مثنى محمد الهيبان
رابطة العلماء السوريين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ) [البقرة: 87]

السؤال الأول:

هل لمعنى لفظة (وَأَيَّدۡنَٰهُ) [البقرة:87] الواردة في الآية علاقة باليد؟ وما دلالة (وَقَفَّيۡنَا) [البقرة:87]؟

الجواب:

معنى (وَأَيَّدۡنَٰهُ) أي: قوّيناه وشددنا أزره وعضده, والفعل (أيدناه) مأخوذ من اليد، فما صلة اليد بقويّناه؟ اليد تطلق عادة على القدرة والمنعة؛ لأنها آلة القوة والدفاع عن النفس ومنع الآخرين من الاعتداء.

 

وأما معنى الفعل (وَقَفَّيۡنَا) أي أتبعنا , والمادة كلها تدل على التبعية ,والقفا كل تابع وهو مؤخر العنق , ومنه قافية الشعر لأنها تتبع البيت.

ومعنى قوله تعالى: (وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ) أي اتبعنا بعضهم بعضاً على منهاج واحد فكان منهم: داود وسليمان وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى عليهم السلام , إلى أن كانت رسالة عيسى عليه السلام حيث أنزل الله عليه الإنجيل وأيده بالمعجزات الباهرات , ثم ختم الله الرسالات برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم , ولكنّ الكفر برسل الله ظلّ ملازماً لليهود , وذلك أنهم كانوا يقولون للنبي عليه السلام: يكفينا ما أنزل الله علينا من الكتب , وما أُرسل فينا من الرسل , فنحن ماضون على شريعة الرسل السابقين , ومتّبعون لمنهجهم.

 

السؤال الثاني:

لماذا اختلفت صيغة الفعل في قوله تعالى: (فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ) [البقرة:87]؟

الجواب:

(كذبتم) فعل ماض، و(تقتلون ) فعل مضارع. 

 

آ ـ الأفعال تعبّر أحياناً عن الأحداث المستقبلية بأفعال ماضية، كقوله تعالى: (وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ) [الزُّمَر:73].

 

ب ـ أو تعبر عن الأحداث الماضية بأفعال مضارعة حكاية الحال فتُعبّر عن حدث ماضٍ بفعل مضارع، كأنما نريد أنْ نستحضر الحدث أمامنا، مثل قوله تعالى في سورة الأعراف: (وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ) [الأعراف:57].

 

ج ـ الفعل المضارع (تَقۡتُلُونَ) جاء ليدل على إمكانية تجدد وتكرار الحدث، وهم قد فعلوا ذلك فعلاً عندما حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لولا أنْ عصمه الله منهم.

السؤال الثالث

ما ترجمة: (عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ) [البقرة:87]؟

الجواب:

 

عيسى: اسم معرب , من يسوع , أو يشوع , ومعناه: السيد أو المبارك , وقد وُلد عيسى في بيت لحم سنة ست مئة وعشرين قبل الهجرة , أثناء حكم الرومان , وكان حاكم القدس من قِبَل الرومان اسمه ( هيردوس ) وجاءته الرسالة في سن الثلاثين , وبقي في الدنيا إلى سن الثالثة والثلاثين , حيث رُفع إلى السماء.

مريم: اسم عبراني , وهي ابنة عمران , من سبط يهوذا , وَلدت عيسى وهي في الثالثة عشرة من عمرها , وكان أبوها قد مات قبل ولادتها , فكفلها زكريا زوج خالتها , وكان كاهناً من أحبار اليهود. 

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 

(وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِيلٗا مَّا يُؤۡمِنُونَ)[البقرة: 88]

السؤال الأول:

مامعنى قوله تعالى (غُلۡفُۢۚ) [البقرة:88]؟

 

الجواب:

 

الغلف: جمع أغلُف، وهي الأغشية، والمعنى أنهم يقولون: قلوبنا غلف مملوءة بالعلم والحكمة وهي مغشاة بأغطية مانعة من وصول أثر دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم , أو هي كالغلاف الخالي لا شيء فيه.وكلمة (غُلۡفُۢۚ) جمع أغلف , كأنما أُغشي غلافاً فهو لا يعي , والمعنى أنّ قلوبهم مغشاة بأغطية لا يدري أحدٌ ما وراءها.

 

السؤال الثاني:

 

ما دلالة قوله تعالى (فَقَلِيلٗا مَّا يُؤۡمِنُونَ) [البقرة:88]؟

 

الجواب: 

 

في معانيها وجوه:

 

آـ لا يؤمن منهم إلا القليل.

 

ب ـ لا يؤمنون إلا بقليل مما كلفوا، حيث إنهم يؤمنون بالله ويكفرون بالرسل.

 

ج ـ لا يؤمنون أصلاً لا قليلاً ولا كثيراً، كما يقال: قليلاً ما يفعل، بمعنى لا يفعل البتة.

 

السؤال الثالث:

 

لماذا نصبت (فَقَلِيلٗا) ؟

 

الجواب:

 

لفظة (قليلاً) نصبت على تقدير:

 

آـ نائب مفعول مطلق بتقدير: إيماناً قليلاً , و( ما ) صلة.

 

ب ـ بنزع الخافض، أي: بقليل ما يؤمنون.

 

والله أعلم.

 

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ) [البقرة: 89]


السؤال الأول:

جاءت كلمة (مُصَدِّقٞ) [البقرة:89] مرفوعة في هذه الآية وفي الآية[101] بينما جاءت منصوبة في آية البقرة (مُصَدِّقٗا) [البقرة:91] وجميع الآيات هي في سورة البقرة، فلماذا؟

الجواب:

أولا: لنسنعرض الآيات: 

قوله تعالى: (وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ) [البقرة:89].

قوله تعالى: (وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ ) [البقرة:91].

قوله تعالى: (وَلَمَّا جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ) [البقرة:101].

ثانياً:

الآية[89] كتابٌ: فاعل مرفوع، فتكون الصفة (مُصَدِّقٞ) مرفوعة. 

الآية [91] جملة (وَهُوَ ٱلۡحَقُّ) الواو: واو الحال، والجملة (هو الحق) مبتدأ وخبر في محل نصب حال , و(مُصَدِّقٗا) حال منصوبة.

الآية[101] رَسُولٌ: فاعل، وتكون (مُصَدِّقٞ) صفة مرفوعة.


السؤال الثاني:

ما دلالة الفعل (يَسۡتَفۡتِحُونَ) في هذه الآية؟

الجواب:

الفعل (يَسۡتَفۡتِحُونَ) أي يستنصرون , وفتح الله على نبيه أي نصره. قال أبو العالية: كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب , يقولون لهم: اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوباً عندنا في التوراة حتى نُعذّب المشركين ونقتلهم , فلمّا بَعث اللهُ محمداً عليه السلام , ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسداً للعرب وهم يعلمون أنه رسول الله.

وقال قتادة: لمّا بعث الله محمداً , فرأوه أنه بُعث من غيرهم كفروا به , حسداً للعرب , وهم يعلمون أنه رسول الله ,يجدونه ممكتوباً عندهم في التوراة. 

 

****


{بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡ أَن يَكۡفُرُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡيًا أَن يُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٞ مُّهِينٞ} [البقرة: 90]


السؤال الأول:

ما دلالة لفظة (بَغۡيًا) في الآية؟ وما دلالة قوله تعالى: (فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ) ؟

الجواب:

1 ـ لفظة (بَغۡيًا) أي حسداً وظلماً لأن تكون النبوة في بني إسماعيل عليه السلام , والبغي: هو اشتداد في طلب شيء ما, وأصله مطلق الطلب والإرادة. وكلمة(بَغۡيًا) تعرب مفعول لأجله , وهو علة ( اشتروا ) أو علة ( يكفروا ).

2ـ قوله تعالى: (فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ) أي عاقبهم الله بغضبين:

آ ـ الغضب الأول: بسبب عبادتهم للعجل من دون الله , وعدم إيمانهم بعيسى عليه السلام وبالإنجيل , وتحريفهم للتوارة.

ب ـ الغضب الثاني: بسبب عدم إيمانهم بالرسول عليه الصلاة والسلام وبالقرآن , ونتيجة عملهم هي: (وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٞ مُّهِينٞ) من الإهانة فيُذلهم ويُخزيهم.


السؤال الثاني:

وردت لفظة ( بئسما ) في القرآن الكريم متصلة (بِئۡسَمَا) ومنفصلة (لَبِئۡسَ مَا) فما تعليل ذلك؟ 

الجواب:

1 ـ وردت لفظة (بِئۡسَمَا) في القرآن الكريم متصلة في ثلاثة مواضع وهي: 

[ البقرة 90 ـ 93 ـ الأعراف 150 ] ووردت منفصلة (لَبِئۡسَ مَا) في ستة مواضع وهي: 

[ البقرة 102 ـ المائدة 62 ـ 63 ـ 79 ـ 80 ـ آل عمران 189 ].

2ـ حرف ( ما ) في لفظ {بِئۡسَمَا} يأتي موصولاً في الآيات التي ليس فيها تفصيل , لأنه بمعنى واحد من جهة كونه مذموماً , بخلاف قوله تعالى : 

{ وَتَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ}[ المائدة: ٦٢ ] فحرف ( ما ) يشتمل على الأقسام الثلاثة التي ذكرت قبل في الآية , وكذلك قوله تعالى: 

{ تَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يَتَوَلَّوۡنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ لَبِئۡسَ مَا قَدَّمَتۡ لَهُمۡ أَنفُسُهُمۡ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَفِي ٱلۡعَذَابِ هُمۡ خَٰلِدُونَ} [ المائدة: 80 ] فحرف ( ما ) مفصول لأنه يشتمل ما بعده من الأقسام. والله أعلم.


السؤال الثالث:

ما دلالة رسم كلمة (فَبَآءُو) بدون ألف في القرآن الكريم؟ 

الجواب:

وردت كلمة (فَبَآءُو) بدون ألف في آخرها ثلاث مرات في كل القرآن الكريم في الآيات:

[ البقرة 61 ـ90 ـ آل عمران 112 ] وكلها بدون ألف في آخرها , ويوحي هذا الحذف للألف بسرعة اكتسابهم غضب الله , وهم اليهود الذين عصوا الله سبحانه فاستحقوا سرعة غضبه. والله أعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ٩١) [البقرة: 91]

 

 

السؤال الأول:

 

ما المقصود بـ (بِمَا وَرَآءَهُۥ) [البقرة:91] في الآية؟

 

 

الجواب:

 

1ـ الدين الذي كان سائداً قبل الإسلام في جزيرة العرب هو اليهودية وليس النصرانية, واليهود كانوا قبائل في جزيرة العرب، واليهودي لا يؤمن بنبوة عيسى عليه السلام، ولذلك بقي يهودياً وإلا لأصبح نصرانياً أو مسلماً. 

 

2ـ وقوله تعالى: (وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ) أي: وراء ما أنزل الله عليهم مما أنزل الله على رسله ما قبل التوراة وما بعدها؛ لأنّ وراء تفيد: خلف وأمام، ولا شكّ أنّ هذا يشمل القرآن الكريم. وجاء بما يدلّ على القرآن بالصيغة الاسمية مع واو الحال {وهو الحق}ليدل عليه بشكل ثابت وقطعي، وعلى حاله بكونه (مُصَدِّقٗا) للتوراة من غير تفاوت بينهما في الأصول.

 

3ـ والقرآن يدلّ على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فلمّا أخبر الله عنه أنه مصدق للتوراة وجب اشتمال التوراة على الإخبار عن نبوته، وإلا لم يكن القرآن مصدقاً للتوراة بل كان مكذباً لها.

 

4ـ وإذا كانت التوراة مشتملة على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهم قد اعترفوا بوجوب الإيمان بها لزمهم من هذه الجهة الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

 

 

السؤال الثاني:

 

ما دلالة صيغة الفعل المضارع في (تَقۡتُلُونَ) ؟

 

 

الجواب:

 

هذا يُسمّى حكاية الحال، بمعنى أنه إذا كان الحدث ماضياً وكان مهماً فإنّ العرب تأتي بصيغة المضارع حتى تجعل الحدث وكأنه شاخص ومُشاهد أمامك.

 

والمضارع يدل على الحال والاستقبال، والإنسان يتفاعل عادة مع الحدث الذي يشاهده أكثر من الحدث الذي لم يره أو الذي وقع منذ زمن بعيد، فالعرب تحول صيغة الأحداث إلى صيــغة مضارع وإنْ كانت ماضية.

 

وهذا الأمر ورد في القرآن كثيراً، كما في قوله تعالى في سورة البقرة: (قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [البقرة:91] قتل الأنبياء هو حالة مستغربة، وفي القرآن يأتي بصيغة المضارع مع الأشياء التي تدل على الحركة والحيوية والمهمة. 

 

وقد جاء في قوله تعالى في سورة فاطر: (وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ) [فاطر:9] جاء فعل (أرسل) بصيغة الماضي ثم فعل (فَتُثِيرُ) بصيغة المضارع ثم فعل (فَسُقۡنَٰهُ) بصيغة الماضي مع أنّ السّوق يأتي بعد الإثارة والأحداث كلها ماضية؛ لكنّ الإثارة مشهد حركة فجعلها بصيغة المضارع ليدلّ على الحضور.

 

وهذا الأمر نجده أيضاً في السيرة، ففيما روي عن الصحابي الذي قتل أبا رافع اليهودي الذي آذى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال يصف ما حصل شعراً:

 

فناديت أبا رافع فقال نعم فأهويت عليه بالسيف فأضربه وأنا دهش؟

 

فجعل صيغة المضارع للمشهد الأبرز وهو الضرب، فكأنّ السامع يرى الحادثة أمامه ويرى الصحابي وهو يضربه.

 

 

السؤال الثالث:

 

ما دلالة قوله تعالى: (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) في هذه الآية وفي القرآن الكريم؟

 

 

الجواب:

 

ورد هذا التركيب (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) في القرآن الكريم في (16) موضعاً وهي ( البقرة 91،93،248،278) وآل عمران ( 49 ,139، 175 ) المائدة ( 23، 57،112 ) الأعراف ( 85 ) الأنفال ( 1)التوبة (13) هود( 86 ) النور( 17 ) الحديد (8 ).

 

بينما ورد التركيب (إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ) في مكان واحد في آية التوبة في قوله تعالى: (يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِيُرۡضُوكُمۡ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ) [التوبة:62].

 

وهذا التركيب العجيب يضع الناس أمام أنفسهم وجهاً لوجه , وسر هذا التركيب يكمن في كلمة (إنْ) وهي أداة شرط تستعمل في القرآن عندما يكون الأمر موضع شك قابلاً للظن والاحتمال , أمّا (إذا) فتستعمل في مواضع اليقين.

 

 

وقد ورد تركيب (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) مع فئتين من الناس:

 

الأولى: وهم المؤمنون الصادقون الذين لا يُشَكُّ في صدقهم وحسن بلائهم وسابق جهادهم وصحبتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .

 

الثانية: وهم المنافقون الفاسقون الذين لا يُشَكُّ في خياناتهم وتلونهم وكذبهم.

 

ومن السهل أنْ نفهم التركيب (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) مع الفئة الثانية فهم يكذبون على الله وعلى رسوله وعلى المؤمنين، ولذلك يخاطبهم الله عز وجل بأسلوب الشك في إيمانهم ويبين للمؤمنين الصادقين كذبهم ونفاقهم، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [البقرة:91]. 

 

أمّا ورود هذا التركيب مع فئة المؤمنين الصادقين المخلصين كما في آية الأنفال: (يَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [الأنفال:1] وقد نزلت هذه الآية الكريمة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة بدر ومعه الصحابة الذين هم أكرم أهل الأرض بعد أنبياء الله , فمن الواضح أنّ مثل هذه الآية عندما ترد مع مثل هؤلاء الناس تكون تطهيراً لهم وتعليماً وتذكيراً، كأنها تضعهم في منزلة الشك في إيمانهم إنْ لم يفعلوا ما يأمرهم الله به فيهبوا للعمل بأحكام الله فيدفعوا عنهم صورة التردد والشك، وليدخلوا في دائرة الإيمان الوثيق الذي يعلمه الله منهم بصدق أقوالهم وأعمالهم.

 

 

السؤال الرابع:

 

ما دلالة لفظة (قَبۡلُ) في هذه الآية (قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ) [البقرة:91]؟

 

 

الجواب:

 

قوله تعالى: (مِن قَبۡلُ) طمأنة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أنّ قتلهم الأنبياء انتهى , وفي الوقت نفسه قضاء على آمال اليهود في أنْ يقتلوا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم .

 

وبذلك نزع الله الخوف من صدور وقلوب المؤمنين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ ما جرى للرسل السابقين من بني إسرائيل لن يجري على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم لو تآمروا على قتله عليه الصلاة والسلام فلن يفلحوا.

 

واليهود بعد نزول هذه الآية لم يتوقفوا عن تآمرهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة بمحاولة إلقاء الحجر عليه، ومرة بدس السم له، ومحاولات أخرى لكنها فشلت كلها.

 

 

السؤال الخامس:

 

كيف جاز قوله تعالى: (فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ) ولا يجوز أنْ يقال: أنا أضربك أمس؟ وما نوع الفاء في لفظة: (فَلِمَ تَقۡتُلُونَ) ؟

 

 

الجواب:

 

1ـ في الأمر قولان:

 

آ ـ أنّ ذلك جائز إذا كان بمنزلة الصفة اللازمة، كقولك: ويحك لِمَ تكذب؟ كأنك قلت: لم يكن هذا من شأنك , وكقوله تعالى: (وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ) [البقرة:102] ولم يقل: ما تلت؛ لأنه أراد من شأنها التلاوة.

 

ب ـ كأنه قال: لم ترضون بقتل الأنبياء من قبل إنْ كنتم آمنتم بالتوراة؟

 

2ـ الفاء (فَلِمَ) تسمى الفصيحة لأنها قد أفصحت عن شرط مقدر , أي إنْ كانت دعواكم صحيحة فَلِمَ تقتلون؟ واللام حرف جر , و( ما ) اسم استفهام في محل جر باللام , وحُذفت الألف من ( ما ) فرقاً بينها وبين ( ما ) الخبرية. والجار والمجرور متعلقان بالفعل ( تقتلون ).

 

والله أعلم.

 

 

السؤال السادس:

 

ما دلالة هذه الآية بشكل عام؟ 

 

 

الجواب:

 

1ـ عندما قال المسلمون لليهود آمنوا بمحمد , ردّ عليهم اليهود: نحن نؤمن بما أُنزل على نبينا موسى عليه السلام ولا نؤمن بغيره (وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ) .

 

2ـ قال تعالى: (وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ) فجاء بألف التعريف ( الحق ) بصيغة التعريف لا بصيغة التنكير, ليبيّن أنه الحق بصورة دائمة , وهو يوافق التوراة التي بين أيديكم , فوحي السماء واحد لا يختلف.

 

3 ـ ردّ الله عليهم مقالتهم بأمرين:

 

آ ـ من يكفر بالقرآن فقد كفر بالتوراة , لأنه الحق المطابق للواقع الموافق للتوراة , فهو: (ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ) .

 

ب ـ إنْ كنتم مؤمنين بما أُنزل عليكم (فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) أي إنْ كنتم كما تزعمون أنكم تؤمنون بكتب الله كالتوراة والإنجيل , وبرسل الله كموسى وعيسى عليهما السلام فلِمَ قتلتم أيها اليهود أنبياء الله كيحيى وزكريا؟! وقد حرّم الله عليكم ذلك في التوراة , ولمَ كذبتم نبيكم موسى عليه السلام؟!!!

 

والله أعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَلَقَدۡ جَآءَكُم مُّوسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ)[البقرة: 92]

 

السؤال الأول:

 

متى تُذكَّر (ٱلۡبَيِّنَٰتُ) أو تؤنَّثُ في الاستعمال القرآني؟

 

الجواب:

 

جاءت كلمة (ٱلۡبَيِّنَٰتُ) بصورها المختلفة في القرآن الكريم أكثر من 52 مرة، فإنْ جاءت بمعنى المعجزات تؤنث، وإنْ جاءت بمعنى حبل الله أو القرآن أو بمعنى الأمر والنهي تذكّر.

 

شواهد قرآنية على التأنيث، أي: بمعنى المعجزات والنبوءات: 

 

ـ (فَإِن زَلَلۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡكُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة:209].

 

ـ (كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٍ) [البقرة:213].

 

ـ (تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَٰتٖۚ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ وَلَٰكِنِ ٱخۡتَلَفُواْ فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ وَمِنۡهُم مَّن كَفَرَۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلُواْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة:253]. 

 

ـ (ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَعَفَوۡنَا عَن ذَٰلِكَۚ وَءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينٗا) [النساء:153] 

 

شواهد قرآنية على التذكير، أي: بمعنى الأمر والنهي: 

 

ـ (كَيۡفَ يَهۡدِي ٱللَّهُ قَوۡمٗا كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ) [آل عمران:86]. 

 

ـ (وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ) [آل عمران:105].

 

ـ (قُلۡ إِنِّي نُهِيتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلۡبَيِّنَٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرۡتُ أَنۡ أُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [غافر:66].

 

السؤال الثاني:

 

ما دلالة هذه الآية؟ 

 

الجواب:

 

1ـ المعنى العام: لقد جاءكم نبي الله موسى عليه السلام بالمعجزات الواضحات الدالة على صدقه , كالطوفان والجراد والقمّل والضفادع وغير ذلك ,ومع ذلك اتخذتم العجل معبوداً , بعد ذهاب موسى إلى ميقات ربه ,فلم يكن اتخاذكم العجل معبوداً عن جهل ,لذلك صار الظلم وصفاً لكم , وجاء بواو الحال المقرونة بالصيغة الاسمية الدالة على ثبوت الظلم وملازمته لكم (وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ) .

 

2ـ قوله تعالى: (وَلَقَدۡ) جاء بصيغة التوكيد , فاللام جواب قسم محذوف , و( قد ) حرف تحقيق.

 

3ـ قوله تعالى: (مِنۢ بَعۡدِهِۦ) ولم يقل: (بَعدَه ) ليفيد بقصر الزمن, أي بعد مفارقة موسى عليه السلام إلى الطور.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 

 

(وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْۖ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [البقرة: 93]

 

السؤال الأول:

 

ما معنى (وَأُشۡرِبُواْ) في الآية؟

 

الجواب:

 

الإشراب هو أنْ تسقي غيرك وتجعله يشرب، فكيف أُشربوا العجل؟

 

إنّ الشرب هو جريان الماء في عروق الإنسان، وقد عبّر الله تعالى عن شدة شغف اليهود بالعجل بشرب الماء؛ لأنّ الماء أسرى الأجسام في غيره, ولذلك يقال: الماء مطية الأدوية ومركبها التي تسافر به في أقطار البدن, فجعل شدة حبهم للعجل وعدم قدرتهم على إخراج هذا الحب الذي خالطهم أشبه ما يكون بالماء الذي لا غنى لأحد عنه وهو يسري في عروق الإنسان فيصبح جزءاً من جسم الإنسان , وكذلك حُبُّ بني إسرائيل للعجل خالط لحومهم ودماءهم حتى غدا جزءاً منهم. وقد عُبّر عن حبّ العجل بالشرب دون الأكل لأنّ شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها والطعام لا يتغلغل فيها , وفي هذا تشبيه بليغ حيث جُعلت القلوب لتمكّن حبِّ العجل منها كأنها تشرب , وقوله تعالى: (فِي قُلُوبِهِمُ) بيان لمكان الإشراب. 

 

السؤال الثاني:

 

ما أهم اللمسات اللغوية في الآية؟ 

 

الجواب:

 

1ـ إنّ إظلال الجبل لا شك أنه من أعظم المخوِّفات , ومع ذلك فقد أصرّوا على كفرهم وصرّحوا بقولهم: (سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا) وهذا يدل على أنّ التخويفَ وإنْ عَظُمَ لا يوجب الانقياد.

 

2ـ قوله تعالى: (بِكُفۡرِهِمۡۚ) فالمراد باعتقادهم التشبيه على الله وتجويزهم العبادة لغيره سبحانه وتعالى.

 

3ـ قوله تعالى: (قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ) فيه مسألتان:

 

آ ـ المراد بئسما يأمركم به إيمانكم بالتوراة , لأنه ليس في التوراة عبادة العجل , وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم , كما قال في قصة شعيب: (أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ) [هود:87].

 

ب ـ الإيمانُ عَرَض , ولا يصح منه الأمرُ والنهي , لكنّ الداعي إلى الفعل قد يشبه الأمر.

 

4ـ قوله تعالى: (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) فالمراد التشكيك في إيمانهم والقدح في صحة دعواهم.

 

والله أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,,,,

 

(قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ٩٤ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)[البقرة: 94-95]

 

السؤال الأول:

 

ما دلالة هاتين الآيتين؟

 

الجواب:

 

في هاتين الآيتين تصحيح لمزاعم اليهود أنّ الآخرة والجنة لهم من دون الناس , وأنّ النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة , وأنهم شعب الله المختار , فأمر اللهُ رسوله عليه السلام أن يبلغهم: إنْ كان الأمر كما تزعمون فتمنوا لقاء الله وادعوا على أنفسكم بالموت , فإنّ الحبيب يَودُ لقاء حبيبه , وهذا نوع من مباهلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم , وليس أمام اليهود بعد هذا الإلجاء والمضايقة إلا أحد أمرين: إمّا أن يؤمنوا بالله ورسوله , وإمّا أن يباهلوا على ما هم عليه بأن يتمنوا الموت , فامتنعوا من ذلك كله , فعلم كلُ واحد أنهم في غاية المعاندة والمحادة لله ورسوله مع علمهم بذلك . وسُميت المباهلة تمنياً لأنّ كل محقٍ يودُّ لو أهلك اللهُ المبطلَ المناظر له.

 

وجاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( لو تمنوا الموت لشرق أحدُهم بريقه ).

 

وفي قوله تعالى: (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) خروج الأمر من معناه الأصلي إلى معنى التعجيز , لأنّ ذلك ليس من صفاتهم , ولأنّ تمني الموت لا يكون إلا من شأن المقربين الأبرارلأنّ من أيقن بالشهادة اشتاق لها , وحنّ إليها.

 

ثم بيّن الله أنّ اليهود لن يتمنوا الموت أبداً بسبب ما قدمت أيديهم في حياتهم من الذنوب والتكذيب والمعاصي والكفر بالرسول عليه الصلاة والسلام , وبسبب علمهم أنّ الموت طريق الحساب والجزاء , فالموت أكره شيء لهم , وهم أحرص الناس على الحياة مهما كان نوعها , قال تعالى: (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [البقرة:95]. 

 

السؤال الثاني:

 

عبّر الله تعالى في الآية عن الذنوب والمعاصي التي ارتكبها بنو إسرائيل بقوله: (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) [البقرة:95] فلِمَ خصَّ اليد بالذنب دون غيرها مع أنهم أساءوا لعيسى عليه السلام بلسانهم وكذبهم عليه؟

 

الجواب:

 

إذا رجعت إلى فظائعهم وجدت أفظعها باليد, فأكثر ما صنعوه هو تحريف التوراة ووسيلته اليد، وأفظع ما اقترفوه قتل الأنبياء وآلته اليد.

 

السؤال الثالث:

 

نفى التمني في هذه الآية بـ ( لن) (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) [البقرة:95] ونفاه في آية الجمعة بـ ( لا ) (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ) [الجمعة:7] فما سبب الفرق؟

 

الجواب:

 

السبب هو اختلاف سياق الآيتين:

 

أولا ً ـ السياق:

 

قال في الجمعة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ٦ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ٧) 

 

وقال في البقرة: (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ٩٤ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ٩٥) 

 

فأنت ترى الفرق واضحاً بين السياقين؛ فالكلام في آية البقرة عن الآخرة, والدار الآخرة للاستقبال؛ فنفى بـ(لن)؛ إذ هو حرفٌ خاصٌ بالاستقبال.

 

وأمّا الكلام في آية الجمعة فهو عام لا يختص بزمن دون زمن (إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ) [الجمعة:6] فهذا أمر مطلق ؛ من أجل هذا نفى بـ (لا)، وهو حرف يفيد الإطلاق والعموم.

 

ثانياً:

 

لمّا كان الزمنُ في آية الجمعة عاماً مطلقاً غير مقيد نفاه بـ(لا) التي آخرها حرف إطلاق وهو الألف , ولمّا كان الزمن مقيداً في آية البقرة للاستقبال وهو زمنٌ مقيد نفاه بـ(لن) التي آخرها حرف مقيد , وهو النون الساكنة، وهو تناظر فني جميل.

 

ثالثاً:

 

تُعدّ هذه الآية بما فيها من تحدٍّ سافر لليهود إحدى معجزات القرآن وإحدى دلائل النبوة، ألا ترى أنها نفت صدور تمني الموت مع حرصهم على أنْ يظهروا تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان تمني الموت فيه تكذيب لهذه الآية ومن ثَمَّ تكذيب للنبي عليه السلام، ومع ذلك لم يُنقل عن أحد منهم أنه تمنى الموت.

 

السؤال الرابع:

 

قوله تعالى: (قَدَّمَتْ) في الآية، ما العلاقة بين التعبيرين (بما قدمت) و (بما كسبت) في القرآن الكريم؟

 

الجواب:

 

1ـ الآيات التي فيها فعل (قَدَّمَتْ) ليس فيها كسب.

 

شواهد قرآنية: (بِمَا قَدَّمَتْ)

 

البقرة 95ـ النساء 62ـ القصص47ـ الروم36ـ الشورى 48ـ الجمعة 7

 

2ـ آيات الكسب (فَبِمَا كَسَبَتْ) يسبقها شيء يدل على الكسب, والكسب هنا هو الكسب غير المشروع.

 

شواهد قرآنية: (فَبِمَا كَسَبَتْ) :

 

البقرة 225ـ الأنعام 70ـ الرعد 33ـ الروم41ـ غافر17ـ الشورى 30ـ الجاثية 22ـ المدثر 38.

 

فمثلاً: آية الشورى 30، ورد فيها قوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) وسبقها في الآية 27 قوله تعالى (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [الشورى:27] وبسط الرزق يدل على الكسب.والله أعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

(وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٖ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن يُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ) [البقرة: 96]

 

السؤال الأول:

 

ما دلالة استخدام كلمة (حَيَوٰةٖ) نكرة في هذه الآية؟

 

الجواب:

 

1ـ الآية في سياق الحديث عن اليهود, وجاءت كلمة (حَيَوٰةٖ) نكرة, وهي تعني أيَّ حياةٍ مهما كانت تافهة أو ذليلة، وهذه إشارة إلى أنهم يريدون أي حياة كانت وإنْ كانت تافهة أو مُهينة وليست الحياة الكريمة، لذا هم حرصوا على حياة تافهة ولا يتمنون الموت كما تحدّاهم به القرآن.

 

2ـ المشرك حريص على الحياة؛ لأنه يعتقد أنّ الدنيا هي الغاية, بينما اليهود أشد حرصاً على الحياة من المشركين؛ لأنهم يخافون الموت لسوء أعمالهم السابقة, وقد حُببت إليهم الخطيئة طول العمر , لذلك كلما طالت حياتهم ظنوا أنهم بعيدون عن عذاب الله, ولذلك هم لا يبالون أنْ يعيشوا في ذلة أو في مسكنة, المهم أنْ يعيشوا في أي حياة مهما كان نوعها, ولذلك جاءت بالتنكير؛ لأنّ النكرة تفيد الكثرة وهم يريدون الحياة المتطاولة، فناسب التنكير.وقوله تعالى: (أَحۡرَصَ) صيغة مبالغة من الحرص وهو طلب الاستغراق فيما يختص فيه الحظ.

 

السؤال الثاني:

 

ما دلالة الود في الآية في أنْ يعيشوا ألف سنة؟

 

الجواب:

 

1ـ قوله تعالى: (يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ) الود هو الحب، أي: أنهم يحبون أنْ يعيشوا ألف سنة أو أكثر، لكنّ هذا أيزحزحه عن العذاب؟ بالطبع لا؛ لأنّ طول العمر لا يغير النهاية.

 

2ـ قوله تعالى: (أَن يُعَمَّرَۗ ) بصيغة المبني للمجهول؛ ليدل على أنّ الأمر بيد الله وأنّ العمر ليس ملكاً لإنسان.

 

السؤال الثالث:

 

لماذا ذُكرت الألف سنة؟

 

الجواب: 

 

لأنها هي نهاية ما كان العرب يعرفونه من الحساب, ولذلك فإنّ الرجلَ الذي أَسر في الحرب أختَ كسرى فقالت له: كم تأخذ وتتركني؟ قال: ألف درهم، قالوا له: بكم فديتها؟ قال: بألف، قالوا: لو طلبت أكثر من ألف لكانوا أعطوك، قال: والله لو عرفت شيئاً فوق الألف لقلته، ولذلك كانوا يقولون عن المليون: ألف ألف.

 

وفي قوله تعالى: (أَلۡفَ سَنَةٖ) كناية عن الكثرة , وليس المراد خصوص الألف. وقيل: الألف كمال العدد بكمال ثالث رتبة , والسنة تمام دورة الشمس , وتمام ثنتي عشرة دورة للقمر.

 

السؤال الرابع:

 

أين مفعولا الفعل المتعدي (وَلَتَجِدَنَّهُمۡ) [البقرة:96] في الآية؟

 

الجواب:

 

الفعل (وَلَتَجِدَنَّهُمۡ)[البقرة:96] هو فعل متعدٍّ إلى مفعولين، وهما: الضمير(هم) في (وَلَتَجِدَنَّهُمۡ) [البقرة:96] و (أَحۡرَصَ) [البقرة:96].

 

السؤال الخامس:

 

الواو في قوله تعالى: ( وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ ) [البقرة:96] ما دلالتها؟

 

الجواب:

 

الواو في الآية على ثلاثة أقوال:

 

آـ حرف عطف بتقدير أنّ اليهود أحرص الناس على حياة وأحرص من الذين أشركوا, وهذا القول أولى، والله أعلم.

 

ب ـ استئنافية؛ أي أن الكلام تم عند قوله تعالى (عَلَىٰ حَيَوٰةٖ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ) [البقرة:96] ثم استأنف قوله.

 

ج ـ أنّ فيه تقديماً وتأخيراً، وتقديره: ولتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص الناس على حياة، ثم فسر هذه المحبة بقوله تعالى: (يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ) [البقرة:96].

 

السؤال السادس:

 

من المقصودون في الآية (ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ) [البقرة:96]؟

 

الجواب:

 

قوله تعالى: (وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ) [البقرة:96] قيل: هم المجوس، وقيل: الأعاجم، وقيل: هم مشركو العرب، وقيل: كل مشرك لا يؤمن بالمعاد.

 

السؤال السابع:

 

ما دلالة الزحزحة في الآية؟

 

الجواب:

 

قوله تعالى: (وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن يُعَمَّرَۗ) [البقرة:96] الزحزحة: هي التبعيد والإنحاء، والمراد: أنه لا يؤثر في إزالة العذاب على الكافر أقل تأثير, إنما تزحزحه الطاعة المقرونة بالإيمان الصحيح , وها هو إبليس لم ينفعه عمره الطويل أن ينجو من الناربسبب كِبره وكفره.

 

والفعل ( زُحزح ) يُستعمل لازماً ومتعدياُ , وتكرار الحروف بمثابة تكرار العمل. والزحزحة إبعاد الشيء المستثقل المترامي لما يبعد عنه. 

 

السؤال الثامن:

 

ما اللمسة البيانية في قوله تعالى: (وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96]؟

 

الجواب:

 

قوله تعالى: (وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96] و يراد به البصر والعلم، فالله بصير وعليم بأفعالهم.

 

وجاء بالفعل المضارع: (يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96] للدلالة على تجدد الحدث باستمرار.

 

السؤال التاسع:

 

في قوله تعالى: (يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96] ما الفرق بين العمل والفعل والصنع؟

 

الجواب:

 

قال: (يَعۡمَلُونَ) [البقرة:96] ولم يقل: يفعلون، أو يصنعون:

 

آـ يفعلون: الفعل عام، وقد يكون بقصد أو بغير قصد، ويصلح أنْ يقع من الحيوان أو الجماد.

 

ب ـ يعملون: في الأكثر فيه قصد، وهو مختص بالإنسان، وهو أخص من الفعل، لذلك قلّما ينسب إلى الحيوان , والعرب لم تقله إلا في البقر التي تحرث الأرض.

 

ج ـ يصنعون: الصنع أخص، وهو إجادة الفعل ويحتاج إلى دقة، ولا ينسب إلى حيوان أو جماد فهو أخص من العمل، قال تعالى: (صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ ) [النمل:88].

 

وعندما تأتي (يَصۡنَعُونَ) فتعني ما يخططون وما يدبرون بدقة وإجادة.

 

فالفعل عام والعمل أخص منه، والصنع أخص ويحتاج إلى دقة.

 

والله أعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ) [البقرة: 97]

 

 

السؤال الأول:

 

ما دلالة قوله تعالى: (مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ) [البقرة:97]؟

 

 

الجواب:

 

الحق سبحانه يريد أنْ يلفتنا إلى أعمال اليهود، فهم:

 

1ـ يقتلون الأنبياء.

 

2ـ يحرفون التوراة.

 

3ـ يعادون الملائكة وخاصة جبريل عليه السلام.

 

وعداوتهم للملائكة تؤكد ماديتهم فهم يقيسون الأمر على البشر.

 

والله يقول عن السبب:(فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ) [البقرة:97].

 

وهكذا الحق سبحانه يريد أنْ يلفتنا إلى وحدة الحق في الدين, فالمصدر هو الله جل جلاله، ورسوله من الملائكة هو جبريل، ورسله من البشر هم الرسل والأنبياء الذين بعثهم الله, وميكائيل ينزل بالخير والخصب؛ لأنّ الإيمان أصل وجود الحياة.

 

لذلك من كان عدواً للملائكة والرسل وجبريل وميكال فهو كافر, وهذا الحكم لم يخبر به الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقط، وإنما أمره بأنْ يعلنه حتى يعرفه الناس جميعاً ويعرفوا أنّ اليهود كافرون.

 

 

السؤال الثاني:

 

ما الفرق بين (نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ) [البقرة:97] في هذه الآية وبين (أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ) [البقرة:99] في آية البقرة 99؟

 

 

الجواب:

 

أولا ـ لنستعرض الآيات:

 

قوله تعالى: (قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ) [البقرة:97] وقوله تعالى (وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰتٖۖ وَمَا يَكۡفُرُ بِهَآ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقُونَ) [البقرة:99].

 

ثانياً ـ السياق:

 

1ـ آية البقرة [97] تخص اليهود، حيث أعلنوا عداءهم لجبريل عليه السلام , فكأنّ الآية تقول لهم: جبريل لم يصنع شيئاً من عند نفسه وإنما نزّل القرآن على قلب محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإذنٍ من الله تعالى ,و(على) تفيد الاستعلاء. والفعل (نزّل) بالتضعيف يفيد التكثير والتدريج.

 

2ـ آيتا البقرة [ 98،99] ذكر الله جبريل عليه السلام في الآية [98] لكنّ الله سبحانه في الآية [99] وهو يتكلم عن إنزال القرآن الكريم لم يشر إلى جبريل، وإنما أشار إلى المصدر الأول وهو الله سبحانه، فقال بصيغة التوكيد: (وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ) [البقرة:99] والحرف (إلى) يفيد الإيصال , أي: أوصلنا القرآن إليك لتبلغه للناس.

 

 

السؤال الثالث:

 

ما معنى اسم (جبريل)؟ وكم لغة في اسم (جبريل)؟ 

 

 

الجواب:

 

1ـ قال بعض أهل العلم: اسم (جبريل) معناه: عبد الله , جبر (عبد) و(ايل) الله.

 

2ـ في اسم جبريل سبع لغات: فقد قرأ ابن كثير (جَبرِيل) بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز , وقرأ حمزة والكسائي بفتح الجيم والراء مهموزاً , والباقون بكسر الجيم والراء غير مهموز بوزن (قنديل) , إضافة إلى: (جبرائل) و (وجبرائيل) و(جبرايل) و (جبرين) بالنون ومنع الصرف للتعريف والعجمة. والله أعلم. 

 

 

السؤال الرابع:

 

ما أهم الدلالات في هذه الآية؟ 

 

 

الجواب: 

 

1ـ نزلت هذه الآية رداً على زعم اليهود أنّ جبريل عدوٌ لهم , وأنّ ميكائيل وليٌ لهم.

 

2ـ قوله تعالى: (مَن كَانَ) اسم للشرط , فكيف استقام قوله تعالى: (فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ) جواباً للشرط؟ والجواب: أنّ الله سبحانه بيّن أن هذه العداوة فاسدة , لأنّ (جبريل) أُمِرَ بإنزال كتاب فيه الهداية والبشارة فأنزله , فهو من حيث إنه مأمور فهو معذور , ومن حيث أنه أتى بالهداية والبشارة فيجب أن يكون مشكوراً , فكيف تليق به العداوة !!.

 

و(الفاء) في: (فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ) عاطفة على جواب الشرط المقدّربمثابة التعليل له.والهاء في (نَزَّلَهُۥ) يعود على القرآن , وفي إضماره تفخيم لشأن صاحبه. 

 

3ـ قوله تعالى: (نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ) خُصّ القلبُ بالذكر لأجل أنّ الذي نزل به ثبت في قلبه حفظاً حتى أداه إلى أمته , فلمّا كان سبب تمكنه من الأداء ثباته في قلبه حفظاً جاز أن يُقال: نزّله على قلبك , وإنْ كان في الحقيقة نزّله عليه لا على قلبه , وكما قال تعالى: (وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ١٩٢ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ١٩٣ عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ١٩٤ بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ١٩٥ﱠ)[الشعراء:192- 195].

 

4ـ قوله تعالى: (بِإِذۡنِ ٱللَّهِ) أي بأمر الله , والإذنُ رفعُ المنع.

 

5 ـ قوله تعالى: (مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ) فمحمول على ما أجمع عليه أكثر المفسرين من أنّ المراد ما قبله من كتب الأنبياء.

 

6 ـ قوله تعالى: (وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ) فـالقرآن مشتمل على (الهدى) إلى كل خير ,ويشمل ما وقع به التكليف من أعمال الجوارح والقلوب , وهو(بشرى) ببيان الثواب للمؤمنين الذين انقادوا للحق فلا يفرقون بين كتب الله ولا بين رسله , وقُدّم الهدى على البشرى لأنّ الهدى هو الأصل , والبشرى نتيجة للمؤمن , ولا بُشرى بغير هداية. 

 

7ـ هذه الآية مدحت القرآن الكريم بخمس صفات:

 

آ ـ أنّه منزّل من عند الله سبحانه.

 

ب ـ أنه منزّل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم , وهو أكمل القلوب على الإطلاق.

 

ج ـ أنه مصدقٌ لما سبقه من الكتب السماوية المنزلة من عند الله.

 

د ـ أنه يهدي إلى الحق.

 

هـ ـ أنه بشرى للمؤمنين الصادقين العاملين بما فيه.

 

والله أعلم.

 

 

السؤال الخامس: 

 

ما هي أنواع القلوب التي ذكرت في القرآن الكريم؟

 

 

الجواب:

 

وردت كلمة (قلب) في القرآن الكريم بصيغة الإفراد في (19) موضعاً, وبصيغة التثنية في موضع واحد في آية الأحزاب (4) , وبصيغة الجمع في (112) موضعاً.

 

وأمّا أنواع القلوب التي ذكرت في القرآن الكريم فهي كثيرة منها:

 

1ـ القلب السليم: وهو قلب مخلص لله , وخالٍ من من الكفر والنفاق والرزيلة. قال تعالى:  إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ٨٩ [ الشعراء:89].

 

2ـ القلب المنيب: وهو قلب دائم الرجوع والتوبة إلى الله ومقبل على طاعته. قال تعالى:  مَّنۡ خَشِيَ ٱلرَّحۡمَٰنَ بِٱلۡغَيۡبِ وَجَآءَ بِقَلۡبٖ مُّنِيبٍ٣٣ [ ق:33].

 

3ـ القلب المخبت: وهو القلب الخاضع المطمئن الساكن. قال تعالى:  وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤۡمِنُواْ بِهِۦ فَتُخۡبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ [ الحج:54]. 

 

4ـ القلب الوجل: وهو الذي يخاف الله عز وجلّ ألا يقبل منه العمل وألا ينجو من عذاب ربه قال تعالى:  وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ[ المؤمنون:60].

 

5ـ القلب التقي: وهو الذي يعظّم شعائر الله. قال تعالى: ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ [ الحج:32].

 

6ـ القلب المهدي: وهو القلب الراضي بقضاء الله والتسليم بأمره. قال تعالى:  مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ[ التغابن:11].

 

7ـ القلب المطمئن: وهو القلب الذي يسكن بتوحيد الله وذكره. قال تعالى:ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ[ الرعد:28].

 

8ـ القلب الحي: وهو قلبٌ يعقل ما قد سمع من الأحاديث التي ضرب الله بها من عصاه من الأمم.قال تعالى: إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ [ ق:37].

 

9ـ القلب المريض: وهو الذي أصابه مرض مثل الشك أو النفاق , ولديه فجور ومرض في الشهوة الحرام. قال تعالى:  يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيۡتُنَّۚ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَيَطۡمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلۡبِهِۦ مَرَضٞ وَقُلۡنَ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا[ الأحزاب:32]. 

 

10ـ القلب الأعمى: وهو الذي لا يبصر ولا يدرك الحق والاعتبار. قال تعالى: فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ[ الحج:46].

 

11ـ القلب اللاهي: وهو القلب الغافل عن القرآن الكريم ولا يعقل ما فيه , ومشغول بأباطيل الدنيا وشهواتها. قال تعالى:  لَاهِيَةٗ قُلُوبُهُمۡۗ[ الأنبياء:3].

 

12ـ القلب الآثم: وهو الذي يكتم شهادة الحق. قال تعالى: وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥۗ [ البقرة:283].

 

13ـ القلب المتكبر: وهو القلب المستكبر عن توحيد الله وطاعته , وهو قلب جبار بكثرة ظلمه وعدوانه.قال تعالى:  كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ [ غافر:35]. 

 

[ للعلم فإنّ لفظَ (متكبرٍ) في الآية مضاف إليه وليس صفة للقلب ].

 

14ـ القلب الغليظ: وهو القلب الذي نزعت منه الرأفة والرحمة. قال تعالى: وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ[ آل عمران:159].

 

15ـ القلب المختوم: وهو الذي يسمع الهدى ولم يعقله. قال تعالى:  أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ[الجاثية:23].

 

16ـ القلب القاسي: وهو قلب لا يلين للإيمان , ولا يؤثر فيه زجر , وهو مُعرضٌ عن ذكر الله. قال تعالى: فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ[ المائدة:13].

 

17ـ القلب الغافل: وهو القلب الذي غفل عن ذكر الله سبحانه , وآثر هواه على طاعة مولاه. قال تعالى:  وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطٗا[ الكهف:28].

 

18ـ القلب الأغلف: وهو قلب مغطى , لا ينفذ إليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم. قال تعالى:وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ [ البقرة:88].

 

19ـ القلب الزائغ: وهو القلب المائل عن الحق. قال تعالى: فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ[ آل عمران:7].

 

20ـ القلب المريب: وهو قلب شاك متحير.قال تعالى:  إِنَّمَا يَسۡتَ‍ٔۡذِنُكَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱرۡتَابَتۡ قُلُوبُهُمۡ فَهُمۡ فِي رَيۡبِهِمۡ يَتَرَدَّدُونَ [ التوبة:45]. 

 

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا وقلوب المسلمين على طاعتك ومحبتك , واجعل قلوبنا سليمة مطمئنة , وثبتنا على ذلك. اللهم آمين.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ٩٨ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَﱠ [البقرة:98ـ99]

 

 

السؤال الأول:

 

 

ما دلالة ذكر الملائكة ثم ذكر جبريل وميكال في هذه الآية؟

 

 

الجواب:

 

 

لدينا نوعان رئيسان من العطف:

 

 

الأول: يسمى من باب عطف الخاص على العام لأهمية المذكور، كما في الآية (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة:98] جبريل وميكال من الملائكة، وهما من رؤساء الملائكة فذكرهم لأهميتهم، وهذا كثير في القرآن نحو:

 

قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) [البقرة:238] والصلاة الوسطى من الصلوات؛ فهذا من باب عطف الخاص على العام.

 

وقوله تعالى عن الجنة: (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) [الرحمن:68] هذا لأهمية هذا الأمر وخصوصيته.

 

وكذلك فإنّ جبريل وميكال عليهما السلام ليسا كعموم الملائكة، لكنهم منهم فيسمونه عطف الخاص على العام، وذكر هؤلاء دلالة على أنّ للمذكور مزية خاصة ليست كالعموم.

 

 

الثاني: هو عطف العام على الخاص، كما في قوله تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة:136] وإبراهيم وإسماعيل من النبيين.

 

وهذا له قيمة بلاغية دلالية ليُظهر أهميته، فعندما يذكر الصلاة الوسطى والمحافظة عليها يذكرها لأهميتها الخاصة، وعندما يذكر جبريل وميكال يذكرهما لأنهما ليسا كعموم الملائكة؛ فجبريل مختص بالوحي.

 

 

السؤال الثاني:

 

 

ما معنى اسم (جبريل)؟

 

 

الجواب:

 

 

(جبريل) اسم عبراني للملك المرسَل من الله تعالى بالوحي لرسله وهو مركّب من كلمتين: كلمة (جِبر) وكلمة (إيل)، فأما كلمة (جِبر) فمعناها عبد أو القوة، وكلمة (إيل) تعني اسماً من أسماء الله في العبرانية.

 

وقد ورد اسم جبريل في القرآن في عدة صور منها: (جِبريل)، وبها قرأ الجمهور، ومنها (جَبريل) وبها قرأ ابن كثير، ومنها (جِبرائيل) وبها قرأ حمزة والكسائي، و(جَبرائيل) وبها قرأ أبو بكر عن عاصم.

 

 

السؤال الثالث:

 

 

ما دلالة ختام الآية في قوله تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة:98]؟

 

 

الجواب:

 

 

قوله تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة:98] هي إجابة عامة وليست للشرط فقط , والمقصود بها إرادة العموم، ولا يكون الجواب منحصراً بالشخص المذكور، فلم يقل مثلا: (عدو لهم) بل أفاد أنّ هؤلاء كافرون، والآية تشمل كل الكافرين، وهؤلاء دخلوا في زمرة الكافرين، ولا تقتصر عداوة الله تعالى على هؤلاء، وإنما تعم جميع الكافرين.

 

 

فأفاد في الآية أمرين:

 

 

آ ـ أنّ هؤلاء كافرون.

 

ب ـ وأنّ عداوة الله ليست مقصورة عليهم، وإنما تشمل كل كافر.

 

والآية نظير قوله تعالى في سورة الأعراف: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [الأعراف:170] فجاءت للعموم ولم يقل تعالى: (لا نضيع أجرهم) للأفراد، حتى لا يكون الأمر مقتصرا على الذين يمسكون بالكتاب ويقيمون الصلاة؛ بل ليشملهم ويشمل غيرهم من المصلحين.

 

والله أعلم.

 

 

السؤال الرابع:

 

 

ما أهم الدلالات في الآيتين؟

 

 

الجواب:

 

 

1ـ كيف يجوز أن يكونوا أعداء الله ومن حق العداوة الإضرار بالعدو وذلك محال على الله؟ والجواب: أنّ معنى العداوة لا يصح إلا في المخلوقات ومنها البشر , لأنّ العدو للغير هو الذي يريد إنزال المضار به , وهذا محال على الله , بل المُراد منه أحد وجهين: إما أن يعادوا أولياء الله فيكون ذلك عداوة لله , كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [المائدة:33] أو المُراد كراهتهم القيام بطاعة الله وعبادته , فلمّا كان العدولا يكاد يوافق عدوه شبّه طريقتهم في هذا الوجه بالعداوة.

 

2ـ قال بعض أهل العلم: إنّ معنى اسم (وَمِيكَالَ) هو اسم عبودية لله , وهو اسم لملك موكل بأمر الله بإيصال الأرزاق لأصحابها.

 

3ـ (الواو) في(وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ) قيل حرف عطف , وقيل بمعنى (أو) بمعنى من كان عدواً لأحدٍ من هؤلاء فإنّ الله عدوٌ لجميع الكافرين.

 

4ـ قوله تعالى: (عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) أراد عدو لهم إلا أنه جاء بالظاهر ليدل على أنّ الله تعالى إنما عاداهم لكفرهم وأنّ عدواة الملائكة كفر.

 

5ـ قوله تعالى: (وَلَقَدْ) اللام جواب لقسم محذوف , و(قد) حرف تحقيق.

 

6 ـ قوله تعالى: (أَنْزَلْنَا) جاء بضمير الجمع للتعظيم ,والإنزال هو تحريك الشيء من الأعلى إلى الأسفل , وذاك لا يتحقق إلا في الجسمي فهو على هذا الكلام محال , لكنّ جبريل لمّا نزل من الأعلى إلى الأسفل سُمي ذلك إنزالاً.

 

7ـ قوله تعالى: (إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) فالأظهر أنّ المراد من الآيات البينات آيات القرآن الدالة على صدق النبي عليه السلام , وفيها ما يدل على الغيب ودلائل التوحيد. والبينة هي الدلالة الفاصلة بين القصة الصادقة والكاذبة.

 

8ـ قوله تعالى: (وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ) الفسق في اللغة خروج الإنسان عمّا حُد له كما قال تعالى: (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف:50] , وتقول العرب للنواة إذا خرجت من الرطبة عند سقوطها فسقت النواة ,وفي قوله تعالى: (الْفَاسِقُونَ)وجهان:

 

آ ـ أنّ كل كافر فاسق ولا ينعكس , فكأنّ ذكر الفاسق يأتي على الكافر وغيره.

 

ب ـ المُراد بذلك الكافر المتجاوز عن كل حد في كفره الذي تجاوز كل حدٍ مستحسن في العقل والشرع. وجاء بالصيغة الاسمية الدالة على الصفة الدائمة. والله أعلم.

 

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 

قال تعالى:

 

(وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[البقرة: 102]

 

 

السؤال الأول:

 

 

في قوله تعالى: (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) [البقرة:102] لم نسب الله تعالى تعليم السحر لليهود؟

 

 

الجواب:

 

 

نسب الله تعالى تعليم السحر لليهود؛ لأنهم اشتُهروا في هذا المجال وعُرِفوا به وعُرف بهم حتى غدا سمة من سماتهم , وقد اعتقد المسلمون في المدينة أنّ اليهود سحروا المسلمين فلا يولد لهم؛ ولذلك استبشروا لما وُلِد عبد الله بن الزبير، وهو أول ولد للمهاجرين في المدينة.

 

 

السؤال الثاني:

 

 

ما السِّحرُ؟

 

 

الجواب:

 

 

السحر هو مجموعة أشياء تفعلها تفرق بها بين الناس أو تؤذيهم أو تُنسّيهم, كما في آية البقرة [102]، والإنسان مليء بالطاقات الهائلة في الخير والشر, وواجبنا أنْ نتجه إلى الخير ونوجه طاقاتنا إلى الخير ونبتعد عن الشر.

 

وقال (الحرالي): السحر هو قلب الحواس في مدركاتهاعن الوجه المعتاد لها في صحتها عن سبب باطل لا يثبت مع ذكر الله.

 

وجاء في التفسير الكبير: والسحر في عُرف الشرع مختصٌ بكل أمر يُخفى سببُه ويُتخيل على غيرحقيقته ,ويجري مجرى التمويه والخداع , ومتى أطلق ولم يقيد أفاد ذمّ فاعله. 

 

ومن وسائل استجلاب الطاقة:

 

1ـ الصمت: وفي الحديث «إذا رأيتم الرجل يُطيل الصمت فهو يُلقن الحكمة».

 

2ـ الخلوة والابتعاد عن كثرة الاختلاط مع الناس.

 

3ـ التأمل.

 

4ـ طاعة الله.

 

5ـ التدريب العقلي لإبراز طاقات الإنسان.

 

 

السؤال الثالث:

 

 

ما دلالة استخدام صيغة الفعل المضارع في قوله تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ) [البقرة:102]؟

 

 

الجواب:

 

 

هما علّما الناس وانتهى الأمر، الفعل المضارع قد يستخدم ليعبّر به عن الماضي فيما نسميه (حكاية الحال)، كما يُعبّر عن الماضي للمستقبل، كما في قوله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [البقرة:144] وقوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة:91] فالفعل (تقتلون)، وقال معها: (من قبل).

 

وحكاية الحال هو أن يُعبّر عن الحال الماضية بالفعل المضارع للشيء المهم كأنْه يجعله حاضراً أمام السامع، واستحضار الصورة في القرآن كثير وفي غير القرآن.

 

 

السؤال الرابع:

 

 

ما إعراب (مَا) المتكررة في هذه الآية (مَا تَتْلُو) (وَمَا كَفَرَ) (وَمَا أُنْزِلَ) (وَمَا يُعَلِّمَانِ ٍ) (مَا يُفَرِّقُونَ) (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ) (مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ)؟

 

 

الجواب:

 

 

ـ (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ) [البقرة:102] هذه مفعول به (اسم موصول). 

 

ـ (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ) [البقرة:102] هذه نافية.

 

ـ (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ) [البقرة:102] معطوفة على السحر(اسم موصول). 

 

ـ (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا) [البقرة:102] هذه نافية.

 

ـ (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ) [البقرة:102] هذه مفعول به بمعنى الذي.

 

ـ (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ) [البقرة:102] هذه نافية.

 

ـ (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) [البقرة:102] هذه نافية بمعنى ليس، وما دام الجار والمجرور قد تقدم على اسمها فإنها لا تعمل، وقد تكون حجازية، لكن لا نعرفها لوجود (من) الزائدة نحوياً، لأنّ الخبر جار ومجرور.

 

 

السؤال الخامس:

 

 

ما أهم دروس هذه الآية الكريمة؟

 

 

الجواب:

 

 

وقفات مختصرة سريعة عند الآية الكريمة:

 

1ـ الحق سبحانه يقول: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ) [البقرة:102] ولكنّ الشياطين تلت وانتهت، واستحضار اليهود حتى الآن لما كانت تتلوه الشياطين دليل على أنهم يؤمنون به وأنّ هذا الاتباع مستمر حتى الآن فجاء بصيغة المضارع.والفعل (تتلو) أي تقرأ وتتبع , وعبّر بالمضارع إشارة إلى كثرته واستمراره.

 

2ـ الجن فيهم المؤمن وفيهم الكافر, والشياطين هم مردة الجن المتمردون على منهج الله.

 

3 ـ قوله: (عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) [البقرة:102] أي: على أيام مُلك سليمان , وهو ابن داود عليه السلام (1032 ـ975) قبل الميلاد , وتولى ملك بني إسرائيل سنة 1014 قبل الميلاد , وقيل أنّ اسم (سليمان) مشتق من السلامة.

 

4 ـ قوله: (مِنْ أَحَدٍ) لتأكيد الاستغراق. 

 

5ـ كانت الشياطين قبل نزول القرآن يسترقون السمع لكنْ بعد البعثة النبوية امتنع ذلك كله.

 

6ـ أراد الله أولاً أنْ ينفي تهمة الكفر عن سليمان عليه السلام قبل أنْ يحكي حكاية الشياطين.

 

7ـ حين أعطى الله سليمان المُلك، كان الشياطين يملأون الأرض بالسحر وكتبه، فأخذ سليمان عليه السلام هذه الكتب، وقيل: إنه دفنها تحت عرشه, فلما مات عثرت الشياطين على هذه الكتب، وقال أولياؤهم من أحبار اليهود: إنّ هذه الكتب من السحر هي التي كان سليمان يسيطر بها على الجن والإنس وإنها كانت منهجه وأشاعوها بين الناس، فأراد الله أنْ يبرىء سليمان من هذه التهمة ومن أنه حكم بالسحر ونشر الكفر، فقال: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) [البقرة:102]. 

 

8ـ قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [البقرة:102] وصف أهل الكتاب بالعلم على سبيل التوكيد (ولقد) ونفاه في آخر الآية عنهم؛ لأنهم لم يعملوا بعلمهم.وفي هذا فن رفيع من البلاغة وهو تنزيل العالِم منزلة الجاهل , فإنّ صدر الآية يدل على ثبوت العلم في أنه لا نفع لهم في شراء كتب السحر والشعوذة واختيارها على كتب الله , وآخرالآية ينفي عنهم العلم , فإنّ (لو) تدل على امتناع الثاني لامتناع الأول , نظراً لأنهم لم يعلموا بعلمهم.

 

9ـ السحر تخيُّلٌ , والشياطين لهم القدرة على التشكل بأي صورة من الصور، ونحن لا نستطيع أنْ ندرك الشيطان على صورته الحقيقية، ولكنه إذا تشكل نستطيع أنْ نراه في صورة مادية, وهو لا يبقى في تشكله إلا لمحة ثم يختفي في ثوان؛ لأنّ قانون التشكل يحكمه، وهذا من رحمة الله بنا، وإلا لكانوا أفزعونا وجعلوا حياتنا جحيماً.

 

10ـ السحر يؤدي إلى اختلال التوازن في الكون؛ لأنّ الساحر يستعين بقوة أعلى في عنصرها من الإنسان وهو الشيطان، وهو مخلوق من النار خفيف الحركة قادر على التشكل.

 

11ـ الإنسان عندما يطلب تعلم السحر وكيف يسخر الجن يدعي أنه يفعل الخير في الكون ولكنها ليست حقيقة؛ لأنّ هذا يعينه على الطغيان, والذي يخل بالأمن هو عدم التكافؤ بين الناس, والله سبحانه يريد تكافؤ الفرص ليحفظ أمن وسلامة الكون؛ ولذلك يقول لنا: لا تطغوا وتستعينوا بالشياطين في الطغيان فيفسد أمن الكون.

 

12ـ شاءت حكمة الله تعالى أنْ يضع في الكون ما يجعل كل مخلوق لا يغتر بذاتيته, فقد اغتر إبليس بذاتيته ورفض أنْ يسجد لآدم ؛ لذلك لمّا أراد الله أنْ يعلم البشر من القوانين ما يجعل هذا العنصر الأعلى - وهو الشيطان - يخضع للأدنى - وهو الإنسان- حتى يعرف كل خلق الله أنه إنْ ميزهم الله في عنصر من العناصر فإنّ هذا ليس بإرادتهم ولكنْ بمشيئة الله سبحانه.

 

ولذلك أرسل الملكين ببابل هاروت وماروت ليعلما الناس السحر الذي يُخضع الأعلى عنصراً للأدنى.وقال الحرالي: هما مَلَكان جُعلا مَلِكين في الأرض.

 

و(هاروت وماروت): علمان أعجميان بدليل منع الصرف , ولو كانا من الهرت والمرت ـ أي بمعنى الكسر ـ لانصرفا.و(خَلاق) بفتح الخاء أي النصيب.و(بابل) مدينة قديمة تقع أنقاضها على الفرات قرب الحلة شرق بغداد , والاسم ممنوع من الصرف للعلمية والعُجمة , وكانت (بابل) أكثر البلاد عملاً بالسحر, وكان سحرتُها قد سخّروا العامة وجرّوهم إلى عبادة الكواكب والأصنام فحدث فساد كبير , فأراد الله أن يكشف حقيقة السحر على يد الملكين (هاروت وماروت) فكانا يعلمان الناس أبواب السحرليفرقوا بين السحر والمعجزة , فيعرفوا أنّ الذي يدعي النبوة من السحرة كاذباً , وأنهم سحرة وليسوا أنبياء , فكانا يعلمان الناس بعض أبواب السحر ويقولان: إنما نحن فتنة وابتلاء من الله فلا تكفر بتعلمك السحر واستخدامه ولا تتعلم ما يضر ولا ينفع , مما يؤذي الناس ويفرق بينهم.

 

13 ـ هذان الملكان كلِّفا بأنْ يعلِّما الناس السحر وأنْ يحذّرا بأنّ السحر فتنة تؤدي إلى الكفر، وأنّ السحر لا ينفع إلا في الشر وفي التفريق بين الرجل وزوجه، وأنّ ضرر السحر لا يقع إلا بإذن الله وقد فعلا ذلك , والفتنة هي الامتحان.

 

وقوله تعالى: (فَلَا تَكْفُرْ) الفاء هي الفصيحة , و(لا) ناهية , والفعل (تكفر) مضارع مجزوم بلا , أي: إذا شئت اتباع الطريق السوي فلا تكفر بتعلمه. 

 

14 ـ ما قيل: إنّ امرأة جميلة فتنت الملكين قصة غير صحيحة مطلقاً، تتنافى مع طبيعة الملائكة بأنهم لا يعصون الله ما أمرهم.

 

15 ـ الله يخبرنا أنْ تعلم السحر يضر ولا ينفع, وتجد من يعمل بذلك يعتمد في رزقه على غيره من البشر، ويظل يبحث عن إنسان يغريه ليأخذ منه ماله, وتجد أنّ حياته وكل أموره غير مستقرة، وكل من يعمل بالسحر يموت فقيراً , ثم يلعنه الله ولا يكون له في الآخرة إلا النار.

 

16ـ الله سبحانه وتعالى إذا كانت حكمته قد اقتضت أنْ يكون السحر من فتن الدنيا وابتلاءاتها فإنه سبحانه قد حكم على كل من يعمل بالسحر بأنه كافر، ولذلك لا يجب على الإنسان أنْ يتعلم أو يقرأ عن السحر؛ لأنه وقت تعلمه قد يقول: سأفعل الخير، ثم ما يلبث أن يستخدمه في الشر, كما أن الشياطين التي يستعين بها الساحر غالباً ما تنقلب عليه لتذيقه وبال أمره، واقرأ قوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) [الجن:6].

 

17 ـ للعلم: كان سحرة اليهود يزعمون أنّ الله تعالى أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود , فأكذبهم الله بهذا , وأخبر نبيه محمداً أنّ السحرهو من عمل الشياطين , وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال: (من أتى كاهناً أو عرّافاً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد) حديث حسن ورجاله ثقاة.

 

اللهم إنك قد أقدرت بعض خلقك على السحر والشر , ولكنك احتفظت لنفسك بإذن الضر فأعوذ بما احتفظت به بما أقدرت عليه بحق قولك: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة:102].

 

ومن أنواع السحر المعروف قديماً:

 

1ـ سحر الكلدانيين، وهم قوم يعبدون الكواكب ويعتقدون أنّ أفعال الخير والشر تصدر منها.

 

2ـ سحر أصحاب الأوهام مع النفس القوية.

 

3ـ الاستعانة بالأرواح الأرضية، مثل الجن.

 

4ـ التخيلات والأخذ بالعيون.

 

5ـ الأعمال العجيبة نتيجة الحيل.

 

6ـ الاستعانة بخواص استعمال المواد مثل الكبريت والفوسفور وخواص الكهرباء.

 

7ـ أعمال الخفة والتمويه.

 

وللعلم فإنّ كلمات منظومة السحر في القرآن هي: [ السحر ـ العين ـ الحسد ـ النفث ].

 

والله أعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [البقرة: 104]

السؤال الأول:

ما مناسبة نزول هذه الآية عقب آيات السحر؟ 

الجواب:

نُهيَ المؤمنون عن التلفظ بكلمة (رَاعِنَا) وهذه كلمة تشبه كلمة في العبرانية تعني المسبّة، فقال المنافقون واليهود: كنا نسبّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سرّاً فأعلنوا بها الآن، فأنزل الله تعالى النهي عن هذه الكلمة وكشف عمل اليهود والمنافقين.

لكنْ ما مناسبة نزول هذه الآية عقب آيات السحر؟ لو رجعنا إلى أصل السحر لرأيناه يرجع إلى التمويه وأنّ من ضروب السحر ما هو تمويه الألفاظ، فأذى الشخص بقول أو فعل لا يُعلم مغزاهما كخطابه بلفظ يفيد معنى ومقصود المتكلم به أذى، كما فعل المنافقون بقولهم: (رَاعِنَا) فهم يظهرون معنى ويبطنون غيره.

السؤال الثاني:

ما دلالة هذه الآية؟

الجواب:

1ـ اعلم أنّ الله قد خاطب المؤمنين بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) في تسعة وثمانين موضعاً من القرآن، وكان يخاطب في التوراة بقوله: (يا أيها المساكين)، فكأنه سبحانه لمّا خاطبهم أولاً بالمساكين أثبت المسكنة لهم آخراً، والمسكنة هي تشديد المحن حيث قال: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) [البقرة:61] وهذا يدل على أنه تعالى لمّا خاطب هذه الأمة بالإيمان أولاً؛ فإنه يعطيهم الأمان من العذاب في النار يوم القيامة.

واسم المؤمن من أشرف الأسماء والصفات، فخاطبنا الله به فنرجو من فضله وكرمه أنْ يعاملنا في الآخرة بأحسن المعاملات , اللهم آمين.

وقوله تعالى في هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) هو أول نداء للمؤمنين في سورة البقرة , وفيه يُعلّم اللهُ سبحانه الأمة الإسلامية الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأن لا يتشبهوا باليهود في سوء استخدامهم للألفاظ حال حديثهم مع رسوله عليه السلام في حياته , ومع شرعه ودعوته بعد مماته.

وفي هذا النداء يكشف لنا القرآن شيئاً من أساليب اليهود , ومن سوء أدبهم مع الرسول عليه السلام فيحذرنا أن نكون مثلهم , أو نصنع مثل صنيعهم , كما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (من تشبه بقوم فهو منهم).

2ـ في الآية الكريمة نداء للمؤمنين بأنْ يمتنعوا عن قول (رَاعِنَا) ويقولوا بدلاً عنها (انْظُرْنَا) أي أمهلنا وأنسئنا.

كلمة (رَاعِنَا) في اللغة العربية مشتقة من الرعاية والراعي، وتصبح الكلمة بمعنى: احفظنا وخذ بيدنا وراقبنا وتأنّ بنا حتى نفهم , ومعناها في العبرية: اسمع لا سمعت. 

لكن هذه الكلمة عند اليهود في لغتهم العبرانية مأخوذة من الرعونة, ولذلك كانوا إذا سمعوا من صحابة رسول الله كلمة (رَاعِنَا) اتخذوها وسيلة للسباب بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , والمسلمون لا يدرون شيئاً، لذلك أمرهم الله أنْ يتركوا هذه الكلمة حتى لا يجد اليهود وسيلة لستر سبابهم وأمرهم بأن يقولوا: (انْظُرْنَا).

3ـ ثم قال الحق بعدها: (وَاسْمَعُوا) وهنا يشير الله إلى الفرق بين اليهود والمؤمنين، فاليهود قالوا: (سمعنا وعصينا) ولكنّ الله يقول للمؤمنين (وَاسْمَعُوا) سماع طاعة وسماع تنفيذ.

سعد بن معاذ رضي الله عنه سمع واحداً من اليهود يقول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (رَاعِنَا) وسعد كان سابقاً من أحبار اليهود ويعرف لغتهم , فلمّا سمع ما قاله فهم مراده فذهب إلى اليهودي وقال له: لو سمعتها منك مرة أخرى لضربت عنقك. فقال اليهودي: أَوَلستم تقولونها لنبيكم؟ أهي علينا حرام وحلال لكم؟ فنزلت هذه الآية.

كلمة (رَاعِنَا) وكلمة (انْظُرْنَا) لهما نفس المعنى , ولكن كلمة (انْظُرْنَا) ليس لها نظير في لغة اليهود التي تعني الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

4ـ ثم قال: (وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [البقرة:104] أي: من يقول: (رَاعِنَا) إساءة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم عذاب أليم، وقدّم الجار والمجرور للحصر.

5ـ كلمة (راعنا) هي فعل أمر, والفاعل ضمير مستترتقديره (أنت) , و(نا) مفعول به , وهذا في الأصل , والمُراد به في الآية الحكاية, فتعرب كلمة أُريد بها لفظها دون معناها في محل نصب مفعول به. وكذلك الأمر في كلمة (انظرنا).

6ـ المفعول به لفعل الأمر: (واسمعوا) لم يذكرمعه المسموع بل أطلقه ليعم ما أمرباستماعه من الخير , بتقدير: اسمعوا كل ما يقوله لكم الرسول عليه السلام من القرآن والأحكام والمسائل.

والله أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

قال تعالى:(مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [البقرة: 105]

السؤال الأول:

ما دلالة وصف الفضل بالعظيم؟

الجواب:

وُصِف الفوز في القرآن الكريم وكذلك الفضل بأنه عظيم وكبير ومبين.

الفضلُ وُصِفَ بالعظيم في ثماني آيات في القرآن كله, ووصف بالكبير في ثلاث آيات, ووصف بالمبين في آية واحدة.

والخلاصة التي نقدمها في هذا الموضوع ابتداء قبل استعراض الآيات:

1ـ أنّ الوصف إذا كان بلفظ العظيم يكون متصل الإسناد مباشرة باسم الجلالة (الله)، ويكون الوصف متعدداً.

2ـ وعندما تكون الإشارة إلى فضل من الله تعالى بغير إسناد مباشر للفظ الجلالة (الله) يوصف الفضل بالكبير.

3ـ وعندما يكون الأمر دنيوياً ويكون شيئاً مباشراً ظاهراً ملموساً يستعمل كلمة (مبين) في وصف الفضل. 

4ـ جاءت كلمة (الفضل) في القرآن معرّفة، أي: (الفضل)، وجاءت نكرة أيضاً ؛ أي: فضل، فإذا كان ما قبلها معرّفاً جاءت معرّفة، وإذا كان ما قبلها نكرة جاءت نكرة.

شواهد قرآنية (الفضل العظيم) 8 آيات:

قوله تعالى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [البقرة:105] فلمّا كان الفضل متصلاً بخبر اسم الجلالة كان استعمال كلمة (العظيم) للفضل.

وكذلك الآيات: آل عمران [74 ,174] النساء [113] الأنفال [29] الحديد [21 ,29] الجمعة [4]. 

أمّا من حيث المعنى، فلو نظرنا إلى الآيات في قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) [البقرة:105] سنجده سبحانه يختص الرحمة التي هي شيء واسع بمن يشاء، والدليل على سعة الرحمة قوله تعالى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف:156] وعندما يكون الشيء واسعاً يتناسب معه استعمال كلمة (العظيم)، وعندما يكون الشيء منحصراً تستعمل كلمة (الكبير).

شواهد قرآنية (الفضل الكبير) 3 آيات:

ـ (وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر:32].

ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [الشورى:22]. 

ـ (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا) [الإسراء:87].

شواهد قرآنية (الفضل المبين) 1 آية:

(وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) [النمل:16].

السؤال الثاني:

لِمَ عطف الله تعالى قوله (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) [البقرة:105] على (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) [البقرة:105] مع أنّ المشركين كافرون؟

الجواب:

لقد عطف الله تعالى قوله: (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) [البقرة:105] على (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) [البقرة:105] لئلا يقع في الظن أنّ الحسد يقع من أهل الكتاب وحدهم دون غيرهم، فالكفر سبب البُغض والحسد لأيٍّ ما كان وفي أيِّ زمن كان.

السؤال الثالث:

الحرف (مِنْ) تكرر في الآية ثلاث مرات، فما دلالة كل مرة؟

الجواب:

(مِنْ) الأولى للبيان؛ لأنّ الذين كفروا جنس تحته نوعان: أهل الكتاب والمشركون, والثانية: لاستغراق الخير, والثالثة: لابتداء الغاية.

السؤال الرابع:

ما الدروس المستفادة من هذه الآية بشكل مختصر؟

الجواب:

1ـ لمّا بيّن سبحانه في الآيات السابقة حال اليهود والكفار في العداوة والمعاندة حذّر المؤمنين منهم بهذه الآية، فنفى عن قلوبهم الود والمحبة لكل ما يظهر به فضل المؤمنين.

والخيرهو الوحي والرسالة والاصطفاء، وكذلك الرحمة كقوله تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) [الزُّخرُف:32] والمعنى أنهم يرون أنفسهم أحق بأنْ يوحى إليهم فيحسدوكم ولا يحبوا أنْ ينزل عليكم شيء من الوحي.والكفار يحسدون النبي عليه السلام أنّ الله قد اختصه بالرسالة الخاتمة , وانتقالها إلى العرب من بني إسرائيل , ويتمنون زوال النعمة عنه , كما قال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء:54].

2ـ ثم بيّن سبحانه أنّ ذلك الحسد لا يؤثر في زوال ذلك، فإنه سبحانه يختص برحمته وإحسانه من يشاء.

3ـ قوله تعالى: (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ) (الواو) عاطفة على أهل الكتاب , و دخلت (لا) للتأكيد. 

4ـ الفعل (اخنص) فعل متعدّ , يقال: خصّه بكذا, واختصّه وخصّصه وأخصّه فاختصّ به.

5ـ قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) الاختصاص عناية تعين المختصَّ لمرتبة ينفرد بها دون غيره , والرحمة عطاءٌ من الله للمرحوم في ظاهره وباطنه , أدناه كشف الضر وكف الأذى , وأعلاه الاختصاص. ورحمة الله وسعت كل شيء.

والله أعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قال تعالى:(مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[البقرة: 106]

السؤال الأول:

في الآية هناك قراءتان لكلمة (نُنْسِهَا) ما الفرق بينهما؟

الجواب:

قرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وأبو جعفر وخَلَف (نُنْسِهَا) وقرأها ابن كثير وأبو عمرو (ننسأها)، فأمّا قراءة (نُنْسِهَا) فهي من النسيان، أي: نُنسي الناس إياها وذلك بأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بترك قراءتها حتى ينساها المسلمون، وقراءة (ننسأها) بمعنى نؤخِّرها، أي نُؤخِّرُ تلاوتها، أو نؤخر العمل بها، مما يؤدي إلى إبطال العمل بقراءتها أو بحكمها.

السؤال الثاني:

ولكن لِمَ قال تعالى: (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا) [البقرة:106] ولم يبين بأي شيء هي أفضل وخير من الآية المنسوخة؟

الجواب:

(نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا) أُجمِلت جهة الخيرية ولم يُذكر وجه الخير؛ لتذهب نفسك كل مذهب ممكن، فقد ترى أنّ الخيرية في الاشتمال على ما يناسب مصلحة الناس، ويرى غيرك ما فيه رفق بالمكلفين ورحمة بهم في مواضع الشدة وهكذا.

السؤال الثالث:

ما الفرق بين الإنساء والنسيان؟ وما علاقة النسيان بالشيطان؟

الجواب:

1ـ النسيان: خلقه الله في الإنسان؛ لذلك ينسى الشخص من تلقاء نفسه، ويكون عما كان. أمّا السهو فيكون عما لم يكن.

2ـ الإنساء: من أنسى , مثل: أكرم إكراماً.

3ـ لا النسيان ولا الإنساء يختص بالشيطان, لكنْ قد تستطيع أن تُنسي شخصاً أمراً ما بإلهائك إياه ببعض الأمور الأخرى.

4ـ الله تعالى ينسب الإنساء لنفسه كما في قوله تعالى: (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ) [الحشر:19].

شواهد قرآنية: 

ـ آية طه [52] (لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى) [طه:52] لا ينسى من تلقاء نفسه.

ـ آية الكهف [63] (وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ) [الكهف:63] فتى موسى يتكلم عن نفسه أنّ الشيطان بسبب وساوسه ألهاه فنسي.

ـ آية يوسف [42] (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) [يوسف:42] هذا سرد لما حدث؛ يتكلم عن الشخص الذي ظن أنه ناج, أي: أنّ الشيطان بسبب وساوسه وإلهائه له جعله ينسى موضوع يوسف عليه السلام.

ـ آية البقرة [286]: (إِنْ نَسِينَا) [البقرة:286] عامة من تلقاء أنفسهم.

ـ آية المؤمنون: (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) [المؤمنون:110] أي: أنّ انشغالكم بسخرية المؤمنين أنساكم ذكر الله والإيمان به.

ـ آية البقرة [106] (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) [البقرة:106] متعلقة بالله تعالى.

السؤال الرابع:

ما اهم دلالات هذه الآية؟

الجواب:

1ـ هذه الآية تشير إلى الحملة الماكرة التي يشنها اليهود ضد الإسلام بالتشكيك والطعن فيه , وهذا الأمر قديم متجدد , وهو نفسه ما تقوم به الصهيونية العالمية والصليبية العالمية في كل عصر ومِصر , فقد اعتذراليهودعن إيمانهم بالنبي محمد عليه السلام بقولهم: (قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ) [البقرة:91] ويكفرون بغيره , وهم يزعمون أنّ شريعتهم لا تُنسخ , وأنّ محمداَ صلى الله عليه وسلم وصفها بأنها حق , وأنه جاء مصدقاً لها , فكيف يكون شرعه مبطلاً للتوراة !!؟

2ـ أثار تحويل القبلة إلى الكعبة بعد أن كانت إلى بيت المقدس حسد اليهود للنبي عليه السلام وللإسلام وأهله , فانتهزوا هذه الفرصة للطعن في الإسلام فقالوا: إنّ محمداً يأمر أصحابه بأمر وينهاهم عنه غداً , ويقول لهم اليوم قولاً ويخالفه غداً , فنزلت هذه الآية لتبين أنّ الله ما يرفع من حكمٍ أو يبدله إلا أتى بما هو خير منه وأنفع بما يتفق مع مصلحة العباد , بعد أن يكون الحكم الأول قد أدى وظيفته في الوقت المناسب , ويأت الله بخير من الآية المنسوخة حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية , فهو سبحانه قادر لا يعجزه شيء. 

3ـ اليهود يزعمون أنّ التوارة لا تُنسخ , وأنّ ذلك مانعٌ لهم من الدخول في الإسلام , والواقع أنّ التوارة قد نُسخت جزئياً بشريعة عيسى عليه السلام , فرفعت بعض أحكامها وأثبتت أحكاماً أخرى , فهو نسخٌ لها في الجملة. أمّا شريعة محمد عليه السلام فقد أبطلت شريعة عيسى إبطالاً تاماً , وأبطلت أيضاً ما قبلها من سائر الشرائع , فهو رفعٌ كلي لجميع ما سبق من الشرائع , بحيث لا يجوز لأحد أي يعتنق أي شريعة سماوية أو أرضية غير الإسلام.

4ـ النسء تأخير عن وقت إلى وقت , ففيه مدارٌ بين السابق واللاحق بخلاف النسخ , لأنّ النسخ معقب للسابق والنسء مداول للمؤخر , وهو نمطٌ عليٌ خفيُ المنحنى ,ومن أمثاله ما وقع في النسء من نهي النبي عليه السلام عن لحوم الأضاحي , كما جاء في حديث البخاري عن طريق عبد الرحمن بن عابس عن أبيه قال: قلت لعائشة: أنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث؟ قالت: ما فعله إلا في عام جاع فيه الناس , فأراد أن يُطعم الغنيُ الفقيرَ.(تفسير نظم الدرر). 

وأما النسيان والتنسية فمعناه أخفى من النسيء , وهو ما يظهره الله من البيانات على سبيل إدخال النسيان على من ليس شأنه أن ينسء , كالسنن التي أبداها النبي عليه السلام عن تنسيته كما ورد من قوله: (إني لأُنَسّى لأسُنّ) , وقال عليه الصلاة والسلام: (بئسما لأحدكم أن يقول: نَسيتُ , بل هو نُسّي) , ومنه قيامه عليه السلام من اثنتين وسلامه من اثنتين حتى أظهر سنّة ذلك لأمته.

5ـ ورد أنّ النسخ على ثلاثة أنواع:

آ ـ نسخُ الآية والحكم معاً: (أي الآية لم تعد تقرأ وحكمها قد رُفع فليس معمولاً به , كما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يُحرمْن فنُسخن بخمس رضعات معلومات).

هذا عند جمهور العلماء , وعند الشافعية لا يرون جواز نسخ القرآن بالسنة.

ب ـ نسخ التلاوة دون الحكم: [ أي الآية نُسخت وبقي الحكم , كحكم الرجم في سورة النور: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله) ] وقيل أنها نُسخت لشناعة وقوع الزنا من الشيخ والشيخة وبقي الحكم معمولاً به , كما ثبت في السنة في رجم الزاني المحصن والزانية المحصنة مثل ـ ماعز الأسلمي والغامدية ـ 

ج ـ نسخ الحكم وبقاء التلاوة: كما في آية تقديم الصدقة عند مناجاة الرسول آية المجادلة رقم 12 في قوله تعالى:

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

ومن ذلك نسخت الوصية للوالدين الواردة في آية المواريث في آية النساء 11 وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ نُسخت بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث)

والله أعلم.

 

<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<

قال تعالى :(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة: 107]

السؤال الأول:

ما فائدة تقديم الجار والمجرور (لَهُ مُلْكُ) [البقرة:107] ؟

الجواب:

هذا يفيد الحصر والقصر، أي: لا أحد يملك السماوات والأرض إلا الله سبحانه وحده .

السؤال الثاني:

ما الفرق بين الملك والملكوت ؟

الجواب:

كلمة المُلك والملكوت كلمتان مشتقتان من (ملك)، وزيادة المبنى تؤدي إلى زيادة المعنى، فبصورةٍ أولية كلمة (الملكوت) هي أوسع من كلمة (المُلك)، وبهذا المعنى استعملت في القرآن الكريم .

فعندما نأتي إلى قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) [الأعراف:185] وعطف الخلق العام (وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) [الأعراف:185] كله داخل في ملكوته , فالعطف هنا هو من عطف الخاص على العام، فكل ما خلق هو داخل ضمن عموم كلمة (الملكوت). والملك والملكوت كله لله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة:107] . 

والفارق بين الملك والملكوت أنّ الله سبحانه يمكن أنْ يعطي من ملكه جلت قدرته لعبيده يتصرفون فيه من سلطان أو مال، فكل ما في الكون هو ملك لله سبحانه وتعالى، فيعطي لهؤلاء العبيد, وهو لا يخرج من ملكية الله سبحانه وتعالى بل هو باقٍ، ويستعمله عبيده على سبيل العارية المردودة والمسترجعة، فله ملك السموات والأرض.

وعندما ننظر لاستعمال الملك والملكوت في القرآن الكريم، نجد أنّ الملك يمكن أنْ يوجه إلى عبيد الله سبحانه وتعالى، أي: إلى البشر، لكن لم يرد في القرآن الكريم أنه أعطي من الملكوت للبشر (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ) [آل عمران:26] فالملك ملك الله سبحانه وتعالى ممكن أنْ يُعار بعضه ؛ أي: يُملك على سبيل الإعارة نحو قوله تعالى : (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) [النور:33] أي: هو مال الله .

أمّا الملكوت فهو العز والسلطان، وملكوت الله سلطانه، والملكوت ملك الله خاصة , أي: لا يعطي منه لأحد، والملك داخل في الملكوت، والملكوت عام، فالله عز وجل لم يقل : (تؤتي الملكوت من تشاء) بل (تُؤْتِي الْمُلْكَ) وملك الله عز وجل ما في السموات وما في الأرض، فملكوت الله عز وجل واسع، والملكوت هو هذا الملك الواسع مما لا يمكن أنْ يتخيله الإنسان.

وفي قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الأنعام:75] الموطن موطن تعجب وموطن عظمة، فقال: نريه ملكوت السماوات والأرض .

وقد وردت كلمة (مَلَكُوتَ) في القرآن الكريم أربع مرات، وليس فيها إشارة إلى إعطائها لأحد، والآيات هي : الأنعام [75] الأعراف [185] المؤمنون[ 88 ] يس [ 83 ]

و(ملكوت) كلمة عربية على وزن فعلوت مثل رهبوت، وفي اللغة :الرهبة والرهبوت وتعني الرهبة العظيمة .

السؤال الثالث:

ما دلالة هذه الآية ؟

الجواب:

1ـ لمّا حكَمَ الله بجواز النسخ في الآية السابقة ,عقبه ببيان أنّ ملك السماوات والأرض له لا لغيره , فإذا كان مالكاً لكم , متصرفاً فيكم , فإنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد , فيأمر عباده وينهاهم كيف يشاء , وعليهم الطاعة والقبول فهو المالك البر الرحيم في أقداره وأوامره ونواهيه وليس لأحد أن يعترض عليه فيما يشرعه لعباده من الأحكام .

2ـ الكلُ مملوكٌ ومربوبٌ لله سبحانه وتعالى , وهو جلّ شأنه يُغير ويبدل وفق حكمته وما تقتضيه الأحوال والمصلحة لهم , فيأمر عباده وينهاهم كما يشاء , وعليهم الطاعة والقبول , ولا حَجْرَ عليه ـ سبحانه ـ في أقداره وأوامره ونواهيه .

3ـ الله سبحانه وليُّ عباده ونصيرهم , فيتولاهم في تحصيل منافعهم , وينصرهم في دفع مضارهم .

4 ـ من عصى الله , فليس لأحد من دونه الله من وليّ يتولاهم , ولانصير يمنعهم من عذاب الله .

5ـ من تأمّل ما وقع في القرآن والسنة من النسخ , عرف بذلك حكمة الله ورحمته بعباده , وإيصالهم إلى مصالحهم , من حيث لا يشعرون بلطفه . 

والله أعلم .

 

<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<

 

قال تعالى :(أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) [البقرة: 108]

السؤال الأول:

في قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ) [البقرة:108] ما المتروك؟ وما المأخوذ ؟

الجواب:

الباء مع الذاهب (بِالْإِيمَانِ) أي: أنّ الإيمان عندهم ذهب بعد أنْ أخذوا محله الكفر .

السؤال الثاني:

قوله تعالى: (ضَلَّ) من منظومة كلمات (التيه)، فما هذه الكلمات ؟

الجواب:

كلمات منظومة (التيه) هي :

ـ تاه: ومنه التيه في الأرض (تيْهان) ، والتيه في العقيدة، (تائه)، وهو المتحير الذي لا يعرف المكان الذي هو فيه ولا كيف يتوجه فهو تائه وتيهان.

ـ ضاع : الضياع يكون بالإهمال وقلة الوعي، نحو قوله تعالى: (أَضَاعُوا الصَّلَاةَ) [مريم:59] و (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ) [آل عمران:195].

ـ فقدَ : الفقدان هو زوال الشيء عنوة وهو عزيز, والفقد لا يكون إلا لعزيز, والضائع لا يعود، والمفقود يعود وقد لا يعود،: (قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ) [يوسف:71] .

ـ ضلّ : الضلال هو الخروج عن طريق مستقيم واضح إلى طريق متعرج مجهول, وفي القرآن تطلق كلمة (ضلّ والضلال) على الكفر والشرك وتطلق على النسيان (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا) [البقرة:282] وعلى الخطأ اليسير (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [يوسف:8] .

ـ الضلال البعيد : كل ضلال بعيد في القرآن هو كفر وشرك، والضالون مخلدون في النار(إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) [الشورى:18] .

ـ الضلال عن سواء السبيل: كان مؤمناً فتحيّر فارتد مشركاً فهو من المرتدين, انظرآية البقرة: ( وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) [البقرة:108] .

ـ الضلال المبين: هو آخر فرصة للضال قبل أنْ تأتيه العقوبة، وتطلق على الكافرين المشركين الخالدين في النار. قال تعالى : (لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [مريم:38] .

السؤال الثالث:

ما أهم دلالات هذه الآية ؟

الجواب:

1ـ ( أمْ ) عاطفة منقطعة بمعنى ( بل ) , وللعلم فإنّ ( أمْ ) تأتي متصلة ومنقطعة , فالمتصلة تأتي بمعنى ( أي ) نحو : أضربت أخاك أم وبّخته ؟ بمعنى : أي ذلك فعلتَ ؟ وسُميت متصلة لأنّ ما قبلها لا يستغني عما بعدها, وذلك أنها وقعت بين شيئين أو أشياء لا يُكتفى بأحدها , فإنّ طَلبَ التعيين لا يتحقق إلا بأكثر من واحد , وأمّا المنقطعة فتقع بين جملتين مستقلتين وتفيد الاضراب عن الكلام الأول , ومعناها في الغالب ( بل ) .

2ـ الإرادة في الخلق في الفعل ( تريدون ) هو نزوع النفس لبادٍ تستقبله , وعبّر بالفعل المضارع لاحتمال تكرر الأمر مع الزمن .

3 ـ ( سواء السبيل ) هو وسطه وخياره , والغرض التشبيه دون نفس الحقيقة , ووجه الشبه في ذلك أنّ من سلك طريق الإيمان فهو جارٍ على الاستقامة المؤدية إلى الفوز والظفر بالثواب والنعيم , فالمبدل لذلك بالكفر عادل عن الاستقامة فقيل إنه ضلّ سواء السبيل .

والله أعلم .

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قال تعالى : (وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ)[البقرة:109]

 



السؤال الأول:
 

 

قال هنا في آية البقرة: (مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ) [البقرة:109] وقال في آية البقرة: (مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ) [البقرة:56] بينما لم يذكر (من) في آية آل عمران (بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ) [آل عمران:100] فما دلالة ذلك ؟

 


الجواب:
 

 

بشكل عام (مِن) للابتداء . تقول مثلاً : سافرت من مكة إلى المدينة , أي ابتداء السفر من مكة . وعندما تذكر ( من ) تكون للفترة أو للمسافة القصيرة لأنها ذكرت الابتداء , وبدون

 

( من ) يمكن أن تكون للفترة أو للمسافة القصيرة أو الطويلة . انظر إلى قوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا ﴾ [فصلت:10] فذكرهنا ( من ) ليدل على أنّ الرواسي ملتصقة بالأرض ليس بينها وبينها فراغ , بينما قال تعالى : (أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَٰٓفَّٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ ﴾ [الملك:19] لم يذكرهنا ( من ) لأنّ بينهم وبين السماء مسافة طويلة .

 

1ـ في آيتي البقرة : (وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٥ ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ٥٦﴾[البقرة:55ـ56 ] معناها أنّ الله لم يتركهم مدة طويلة ميتين .

 

2ـ وفي آية البقرة : ﴿ وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ١٠٩﴾ [البقرة: 109] ذكر الله أنّ كثيراً من الكفار يتمنون لو أنهم ردوا المسلمين من بعد الإيمان كافرين أي بلا مهلة (حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) فهم يتمنون الإسراع في تكفيرهم، وأنْ ينقلوهم فوراً من حالة الإيمان إلى حالة الكفر.

 

بينما في آية آل عمران (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ) [آل عمران:100] ففيها تحذير للمسلمين من إطاعة الكافرين؛ لأنهم ينفثون فيهم أوهامهم وضلالهم شيئاً فشيئاً حتى يردوهم مع مرور الزمن كافرين, وليس معناه أنهم ينقلونهم فوراً من الإيمان إلى الكفر.

 

لذلك الأولى مقام تمنٍّ، والثانية مقام تحذير.

 

والله أعلم.

 



السؤال الثاني:
 

 

لم قال تعالى: (مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) [البقرة:109] ولم يقل منهم؟

 


الجواب:
 

 

في قوله تعالى: (مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) [البقرة:109] تأكيد على تأصيل هذا الحسد فيهم وصدوره من أنفسهم أكثر من قوله منهم.

 


السؤال الثالث:
 

 

ما أهم الوقفات والدروس في الآية ؟

 


الجواب:
 

 

1ـ قوله تعالى : ﴿ وَدَّ كَثِيرٞ) هو تعليل لمعنى الكلام في الآية السابقة رقم 108 وهو : ألا تتبدلوا الكفر بالإيمان , بعد تعليله بالضلال . وكما قال تعالى أيضاً : (مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ خَيۡرٖ مِّن رَّبِّكُمۡۚ) [البقرة:105].

 

2ـ قوله تعالى : ﴿ لَوۡ يَرُدُّونَكُم) أي : بأجمعكم , وليس قسماً منكم .

 

3ـ قوله تعالى : ﴿ مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ) جاء بـ ( من ) للتعبير أنّ تمنيهم يريدونه أن يتحقق في زمن يسير .

 

4ـ قوله تعالى : ﴿ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) ( حسداً ) مفعول لأجله , وسببه ما آتاكم الله من الخير الهادي إلى الجنة , والحسد قلق النفس من رؤية النعمة على الغير , وقوله تعالى : ﴿ مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم ) هو تأكيد على تأصيل هذا الحسد فيهم وصدوره من أنفسهم أكثر من قوله منهم.

 

5ـ قوله تعالى : ﴿ مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ ) أي من صحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم , وأنه خاتم النبيين المرسل إلى الناس جميعاً بشهادة ما طابقه من التوراة .

 

6 ـ قوله تعالى : ﴿ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ) الفاء في ( فاعفوا ) فاء الفصيحة .

 

وهنا في الآية بيّن الله للمؤمنين طريقة التعامل مع أهل الكتاب بأن لا يقابلوا الحقد بالحقد ولا السيئة بالسيئة , حتى يأتي الله بأمره , عندما أُمِرَ المسلمون بالقتال بعد أن اشتدت قوتهم وأجلي اليهود عن المدينة , ونُصروا عليهم , والله قدير لا يعجزه شيء .

 

وللعلم فإنّ ( العفو ) هو ترك العقوبة على الذنب , و( الصفح ) هو الإعراض عنه وعدم مواجهته باللوم ونحوه , لذا فالصفح أبلغ من العفو , ويكون معنى الآية : أيها المؤمنون اتركوا معاقبتهم وأعرضوا عنهم حتى يأذن الله لكم في الانتصار منهم بعد أن تتهيأ أسباب النصر .

 

والله أعلم .

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 


قال تعالى :(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة: 110]

 


السؤال الأول:
 

 

أداة الشرط (ما) في الآية ماذا تفيد من معنى ؟

 


الجواب:
 

 

(ما) : أداة شرط وهي أعم من (مَن)، وهي لغير العاقل: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) [آل عمران: ١١٥] ، ولصفات العقلاء نحو: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) [النساء:24] وهي تفيد الزمان نحو: (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ) [التوبة:7] أي: مدة استقامتهم لكم , كما تكون غير زمانية كما في هذه الآية (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ) [البقرة:110].

 


السؤال الثاني:
 

 

يقول تعالى في هذه الآية: (بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:110] وفي آية أخرى يقول: (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [البقرة:96] فهل للتقديم والتأخير لمسة بيانية؟

 


الجواب:
 

 

التقديم والتأخير يأتي لسبب، والسياق قد يكون الحاكم والموضح للأمور، فإذا كان السياق في الكلام أو الآية عن العمل يقدّم العمل على البصر, وإذا كان الكلام ليس في السياق عن العمل أو الكلام عن الله تعالى وصفاته يقدّم صفته.

 


شواهد قرآنية :
 

 

1ـ فمن باب تقديم العمل على البصر، قوله تعالى:
 

 

ـ (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:110] السياق عن العمل والله بهذا العمل بصير.

 

ـ (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:265] هذا إنفاق وهو عمل فقدّم العمل .

 

ـ (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:233] الرضاعة عمل فقدّم العمل .

 

-(وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:237] العفو عمل فقدّم العمل.

 

ـ (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [هود:111] توفية العمل فقدّم العمل.

 

ـ (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود:112] الكلام عن العمل فقدّم العمل .

 

ـ (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [سبأ:11] قدّم العمل.

 

ـ (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فُصِّلَت:40] قدّم العمل.
 

 

2ـ ومن باب تقديم البصر على العمل، قوله تعالى:
 

 

ـ (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [البقرة:96] ليس فيها عمل فقدّم صفة من صفاته تعالى .

 

ـ (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [المائدة:71] لا يوجد عمل فقدّم صفة من صفاته تعالى .

 

ـ (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحُجُرات:18] يتكلم عن الله تعالى فيقدم صفة من صفات الله تعالى.

 


السؤال الثالث:
 

 

ما دلالة هذه الآية ؟
 

 

الجواب:
 

 

هذه الآية دعوة للمسلمين لاصلاح شؤونهم مع الله ومع الناس , بأن يشتغلوا بإقامة الصلاة وأداء الزكاة , وأعمال البروالخير, ريثما يأذن الله بقتال الكفار ,والله لن يضيع ثواب أعمالكم , فهو سبحانه بصير بجميع أعمالكم .

 

والله أعلم .

,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 


قال تعالى : (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة: 111]

 


السؤال الأول:
 

 

في الآية طلب كشف مدى صدق دعواهم وهو نوع من طلب التحقيق، فما دلالة ذلك ؟ وما فرق التحقيق عن التبيين ؟

 


الجواب:
 

 

التحقيق هو كشف مدى صدق الدعوى، وهو يختلف عن التبيين الذي هو لمعرفة صدق الخبر، والفرق بين التبيين والتحقيق أنك في الأول تجعل صاحب الخبر يبيّن , أمّا في الآخر فإنك تجعل صاحب الدعوى يأتي بالبرهان على صحة دعواه كما في هذه الآية.

 


السؤال الثاني:
 

 

ما كلمات منظومة التحري والتحقيق في القرآن الكريم؟

 


الجواب:
 

 

كلمات منظومة التحري والإحاطة والتحقق هي:

 


التحري:
 

 

التحري هو أن تتناول الأمر من جانبه سراً بدون أنْ يشعر بك أحد للوصول إلى اليقين.

 

وهناك طريقتان للتحرّي، وهما:

 

أ- طريق التجارب تجربة بعد تجربة. قال تعالى:

 

 {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن: 14]، فهم لم يعرفوا من مرة واحدة ولكنهم مروا بتجارب عديدة حتى وصلوا إلى الرشد.

 

وقال أيضاً: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 51].

 

حيث تحرّى إبراهيم عليه السلام الكوكب والقمر والشمس فأدى به التحري إلى الرشد، وهو أرقى أنواع التفكير العقلي.

 

ب- استعمال الشك للوصول إلى اليقين، كما في قوله تعالى:

 

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 260].

 

فالتحري يوصل إلى اليقين والذي يؤمن بالدين يتم بعد يقينه بهذا الدين وبأنه هو الدين الصحيح.

 


الاستخبار:
 

 

هو أنْ تكشف خطط العدو وتعرف تصرفاته من بعيد كما فعل الهدهد مع ملكة سبأ {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: 22] وقوله تعالى: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 94]، والخبر يكون من قريب، أمّا الاستخبار والنبأ فيكون من بعيد.

 


التبيّن:
 

 

هو المراقبة من بعيد أو التغلغل في صفوف الآخرين لمعرفة صدق الخبر؛ لأنه لا بدّ من التيقن من صحة الخبر أو كذبه، كما في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]، بمعنى اطلب البيان وهو التفصيل الكامل عمن الذي نقل الخبر.

 


التحقيق:
 

 

هو كشف مدى صدق الدعوى، وهو يختلف عن التبين الذي يكون هو كما أسلفنا لكشف صدق الخبر، والفرق بين التبيين والتحقيق أنك في الأول تجعل صاحب الخبر يبين، وأمّا في الآخر فأنت تجعل صاحب الدعوى يأتي ببرهان على صحة دعوته، قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111]، فقد طلب تعالى منهم أنْ يأتوه بالبرهان على صدق دعواهم تلك، وعلى صاحب الخبر أنْ يبين عمّا قال بالتفصيل، وعلى صاحب الدعوى أنْ يبرهن عن دعواه بالدليل.

 


التحسس:
 

 

هو معرفة مكان شيء أو شخص غائب أو مفقود، ولابدّ من الانطلاق بالحركة للسؤال عن هذا الغائب أو المفقود في محاولة لإيجاده، ولابدّ من استعمال كافة الحواس حتى تجعل المفقود أو الغائب مشاهداً، كما في قوله تعالى في سورة يوسف {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] .

 

والفرق بين التحسس والتجسس، أنّ التحسس يكون للصديق أو لمصلحتك، أمّا التجسس فهو محاولة اكتشاف غيب العدو وحركاته وخططه، ويكون ذلك عن طريق استراق السمع ونشر العيون، وهذا يكون لمصلحة الآخرين، وهو نوعان:

 

- إيجابي مع العدو: كما فعل الهدهد في قصة سبأ، لأنه قد يدفع شر العدو ويفشل خططه، أو قد يعين على مهاجمته.

 

ـ سلبي مذموم على المسلمين: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12] ونهى عنه الرسول ﷺ بقوله: «لا تحسسوا ولا تجسسوا» وهذا من خائنة الأعين، وقد تجسس عمربن الخطاب رضي الله عنه مرة على شاربي خمر فحاججوه فاعتذر منهم.

 


القصّ والقصص:
 

 

هذه كانت موهبة وأصبحت الآن علماً قائماً بذاته، وقد كان السابقون يقصون آثار الناس ويتعرفون على آثار شخص ما من بين آلاف الآثار، وكان هذا العلم يسمى (قصّ الأثر).

 

أمّا الآن فلدينا بصمة الأصابع، وبصمة الصوت، والشفرة الوراثية، وبصمة الشعر والعين وغيرها، وهذه كلها تطوير لعلم القصّ حتى إنّ الكلاب الآن تستخدم لتقصي الأثر. قال تعالى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} القصص 11 وقال:{قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64]، أي اتبعوا آثارهم حتى وصلوا إلى المكان المراد.

 


التوسم:
 

 

التوسم من الفراسة وهو من اللامعقول كالقص سابقاً، فالله يعطي من يشاء من عباده بصيرة عظيمة، وهو ناجم في الغالب عن طاعة، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [ الحجر: 75].

 

وكما في قصة الخضر حيث كشف الله تعالى له أنّ الغلام سيكون شقياً، وكذلك في قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما نادى من فوق المنبر: (يا سارية الجبلَ الجبلَ)، ومن ضمنها أيضا الرؤيا الصالحة، وكمافي الحديث «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله».

 


التنقيب:
 

 

هو البحث عن الشيء الثمين في موقع معين، قال تعالى : {وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشٗا فَنَقَّبُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ هَلۡ مِن مَّحِيصٍ} [ق: 36].

 

هذه جملة الأساليب التي يكتشف بها الإنسان بعض الغيب فيصبح مشاهداً، وهي أساس حركة الكون كله من البحث عن المعادن والخصب والمرض والمجرمين وكل الاكتشافات.

 


السؤال الثالث:
 

 

ما أهم الدلالات في هذه الآية؟

 


الجواب:
 

 

1ـ هذه الآية تبين زعم اليهود بأنّ الجنة خُلقت لهم وحدهم, والردُّ على ذلك .

 

2ـ الهود : جمع هائد , كعائذ وعُوذ , فإنْ قيل : كيف قيل : كان هوداً ؟ على توحيد الاسم وجمع الخبر ؟ والجواب : حمل الاسم على لفظ ( من ) والخبر على معناه .

 

3ـ إنْ قيل : قوله تعالى على لسان اليهود {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ} أمنية واحدة , وقوله تعالى :

 

{تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ}  جمع فما تفسير ذلك ؟ والجواب : أُشير إلى الأماني السابقة :أمنيتهم أن لا ينزل على المؤمنين خيرٌ من ربهم ـ أمنيتهم أن يردونهم كفاراً ـ أمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم . والمعنى : تلك الأماني الباطلة أمانيهم .

 

وقيل : إنّ شدة تمنيهم لهذه الأمنية بأن لا يدخل الجنّة غيرُهم وتأصلها في نفوسهم فجُمعت وتوزعت في قلوبهم فلم تترك فراغاً لغيرها .

 

4ـ قوله تعالى: {هَاتُوا} (هات) بمعنى أحضر . ودلتْ الآية على أنّ المدعي سواء ادعى نفياً أو إثباتاً , فلا بدّ له من الدليل والبرهان , وإلا تكون دعواه باطلة . قال الشاعر :

 

من ادعى شيئاً بلا شاهد =لا بدّ أن تبطل دعواه

 

5ـ قوله تعالى : {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} شرط وفعله , والجواب محذوف , والتقدير : فهاتوا برهانكم .

 

6ـ قرأ أبو جعفر ﮋ أَمَانِيُّهُمْ ﮊ بياء مدّية بعد النون ثم هاء مكسورة , وقرأ باقي القرّاء كقراءة حفص بياء مشددة بعدها هاء مضمومة .

 

والله أعلم .

مثنى محمد هبيان
رابطة  العلماء السوريين


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قال تعالى :(بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ١١٢) [البقرة: 112]


السؤال الأول:
قال تعالى في هذه الآية: (بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ) [البقرة:112] وورد الفعل (أَسۡلَمَ) فيها بالماضي , وفي آية لقمان ورد الفعل بالمضارع (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] فما الفرق بينهما؟
الجواب:
أولاً ـ استعراض الآيات :
آية البقرة (بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:112] .
آية لقمان (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ) [لقمان:22].
ثانياً ـ اختلاف الصيغ بين الآيتين :



سياق الآيتين يوضح الاستعمال من الناحية اللغوية :
1ـ أسلم، أي: انقاد واستسلم وخضع واتبع وفوّض.
آ ـ معنى (أسلم إلى الله) أي:انقاد له وفوض أمره إليه وسلم نفسه إليه كما يُسلَّم المتاعُ إلى الرجل إذا دُفع إليه، والمراد التوكل عليه والتفويض إليه، و(إلى) هنا هي للغاية.
ب ـ ومعنى: (أسلم وجهه لله) أي: جعل نفسه لله خالصاً، أي: لله فقط ، والاختصاص والوجه بمعنى النفس والذات، فاللام للملك والاختصاص، أمّا (إلى) فهي للغاية؛ لذلك (أسلم له) أعلى من (أسلم إليه).
وقد وردت في عموم القرآن الكريم متصرفات الفعل (أسلم) متعدية باللام، ولم يرد ذلك الفعل متعدياً بإلى إلا في آية لقمان( 22).
2ـ أنه إذا وقع فعل الشرط مضارعاً بعد أداة الشرط فهذا يفيد التكرار غالباً، وإذا وقع بالماضي يفيد وقوع الحدث مرة في الغالب .
المعنى العام للتعبير:
استعمال (إلى) تدل على أنّ الله هو الغاية، والغاية لا بُدّ لها من طريق للهداية يوصّل إليها.
أمّا اللام، فتعني الوصول لله مباشرة دون قطع طريق، وهذا الوصول لا يكون إلا بدرجة عالية من الإخلاص لله.
فمعنى آية لقمان: أنك على الطريق الموصل إلى الله تعالى، وأنك تؤدي ما افترضه عليك.
ومن إسلام الوجه لله قول ملكة سبأ : (وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [النمل:44] فالكلام هنا على لسان ملكة، فلم تقل: أسلمت لسليمان، لكنْ قالت: (وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [النمل:44].
وإسلام الوجه لله أو إخلاص العمل لله عملية دقيقة تحتاج من العبد إلى كثيرٍ من المجاهدة لأنّ النفس لا تخلو من هفوة.

ما سبب اختيار الفعل (أسلم) ؟
1ـ ذكرنا أنّ أهم معاني (أسلم )هو الاتباع والتفويض.
آـ معنى الاتباع :
في آية لقمان [21] قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ يَدۡعُوهُمۡ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ) [لقمان:21] فذكر فيها الاتباع للآباء بمعنى أنهم أسلموا قيادة أمرهم إلى الشيطان، فناسب هنا ذكر اتباع الله فقال: (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] .
ب ـ معنى التفويض :
ذكر في آية لقمان [22] أنّ المرء يفوض أمره إلى الله وخاصة في حالة الشدائد، فقال تعالى: (فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ ) [لقمان:22] فكأنها تعصم من الشدائد؛ لأنّ حبل الله متين مأمون انقطاعه؛ ولأنّ النتيجة هي بيد الله وإلى الله عاقبة الأمور .
لذلك ناسب اختيار (يُسلم)
مقارنة بين آية البقرة (112 ) وآية لقمان (22) :
1ـ جاءت لفظة (أَسۡلَمَ) بالماضي في سورة البقرة، وجاءت بصيغة المضارع في آية لقمان ؛ وذلك بسبب :
آ ـ في البقرة جاءت رداً على اليهود والنصارى، كما جاء في قوله تعالى: (وَقَالُواْ لَن يَدۡخُلَ ٱلۡجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ تِلۡكَ أَمَانِيُّهُمۡۗ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ) [البقرة:111] فجاء الرد (بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ) [البقرة:112] أي: دخل في الإسلام، وهذا يحدث مرة واحدة في العمر، والباقي أعمال فجاءت في صيغة الماضي.
ب ـ أمّا في آية لقمان فجاء بصيغة المضارع؛ لأنّ معاني الاتباع متعددة والتفويض يتكرر في كل أمر عند الشدائد فناسب فعل المضارع.
2ـ يقدّم القرآن الجار والمجرور على الفعل (أسلم) في مقام التوحيد ونفي الشرك، فيقول: (فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ) [الحج:34] وفي غيره لا يقدم.

شواهد قرآنية :
آـ (وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ) [الحج:34] فقدّم الجار والمجرور (فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ) لأنه تقدمها (فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ) .
ب (وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) [الزُّمَر:54] لم يقدّم الجار والمجرور؛ لأنها ليست في مقام التوحيد.
ج ـ آية لقمان [ 22] لم يقدم الجار والمجرور؛ لأنها ليست في مقام التوحيد.
د ـ وتقديم الجار والمجرور يفيد الحصر كما في قوله تعالى : (ءَامَنَّا بِهِۦ وَعَلَيۡهِ تَوَكَّلۡنَاۖ) [المُلك:29].
وكذلك في آية الملك قدّم الجار والمجرور على الفعل (وَعَلَيۡهِ تَوَكَّلۡنَاۖ ) [المُلك:29] وقدم الفعل (ءَامَنَّا) [المُلك:29] على الجار والمجرور (ءَامَنَّا بِهِۦ) [المُلك:29] وذلك لأنّ الإيمان ليس منحصراً في الإيمان بالله فقط, بل لا بدّ معه من الإيمان بالرسل والملائكة والكتب واليوم الآخر وغيره مما يتوقف عليه صحة الإيمان عليه، بخلاف التوكل فإنه لا يكون إلا على الله وحده لتفرده بالقدرة والعلم القديمين، لذلك قدّم الجار والمجرور فيه ليؤذن باختصاص التوكل من العبد على الله دون غيره؛ لأنّ غيره لا يملك ضراً ولا نفعاً فيتوكل عليه .
لذلك لا يصح من الناحية البيانية أنْ تقول (به آمنا).
3ـ قال في لقمان: (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] بالتعدية بـ (إلى) وقال في البقرة: (أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ) [البقرة:112] والسبب كا ذُكر أعلاه؛ فمعنى (يسلم وجهه إلى الله) أي: يفوض أمره إلى الله ويتوكل عليه، ولذا كان جواب الشرط: (فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ) [لقمان:22] .
بينما معنى (أسلم وجهه لله) أي: دخل في الإسلام واستسلم لوجه الله وانقاد له وجعل نفسه خالصاً له، ولذا كان الجواب: (فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:112].
4ـ قوله تعالى: (وَهُوَ مُحۡسِنٞ) [البقرة:112] أي: يسلم وجهه إلى الله في حالة اتصافه بالإحسان
5ـ قوله تعالى: (وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ) [لقمان:22] :
آ ـ (وَإِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] قدّم الجار والمجرور لتفيد الحصر، وهي رد على الكفرة في زعمهم مرجعية آلهتهم لبعض الأمور، والآية تفيد أنّ الأمور جميعها هي صائرة إليه عزّ وجلّ لا إلى غيره، فيجازي الله سبحانه المتوكل عليه أحسن الجزاء، ويجازي ذلك المجادل بما يليق به بمقتضى الحكمة .
ب ـ وأل التعريف في قوله: (ٱلۡأُمُورِ) [لقمان:22] هي للاستغراق.
وبشكل عام وفي كلا الآيتين (من أسلم لله) و(أسلم إلى الله) كلاهما محسن , ولذلك قال القدامى : (أسلم لله) أعلى من (أسلمت إلى الله) كما قال الرازي: واختلف الأجر وكل أجر مناسب لكل واحد، ذاك فوض أمره إلى الله فقد استمسك بالعروة الوثقى، وذاك جعل نفسه خالصاً لله فله أجره عند ربه، وكونه مسلماً دخل في الإسلام. والله أعلم.


السؤال الثاني:
ما أهم دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
(بَلَىٰۚ) هو حرف جواب لإثبات ما نفوه من دخول غيرهم الجنة .
2ـ بيّن سبحانه أنّ الأمر ليس كما زعم كل فريق من اليهود والنصارى, من أنّ الجنة تختص بطائفة منهم دون غيرها , وإنما يدخل الجنة كلُ من أخلص دينه لله فأسلم وجهه له , وامتثل لأوامر الله ونواهيه في كل تصرفاته ,وعمل صالحاً , وتوجه خالصاً بقلبه لله تعالى .
3ـ قوله تعالى : (وَهُوَ مُحۡسِنٞ) دلالة الإخلاص لله في عمله الصالح .
4 ـ قوله تعالى : (وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ) أي مما يصيبهم في المستقبل , وقوله تعالى : (وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) أي :على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.
5ـ الآية تشير إلى أنّ العمل المتقبّل له شرطان :
آ ـ أن يكون خالصاً لله من الرياء والشرك .
ب ـ أن يكون موافقاً للشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
6 ـ قرأ يعقوب : ( لا خوفَ عليهم) بفتح الفاء , على أنّ ( لا ) نافية للجنس تعمل عمل إنّ , وقرأ الباقون بتنوين الفاء المرفوعة (وَلَا خَوۡفٌ) على أنّ ( لا ) ملغاة نحوياً لا عمل لها , وقرأ حمزة ويعقوب بضم الهاء من ( عليهُم ) وكسرها الباقون (عَلَيۡهِمۡ) . والله أعلم .

 

 

<<<<<<<<<<<<<<<<<<<

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة: 113]


السؤال الأول:


متى يأتي الفعل(كانوا) أو (كنتم) مع كلمة (يختلفون) و(تختلفون)، كما في الآيات (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة:113] (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [يونس:19] ؟ ومتى لا يأتي الفعل ( كان ) كما في آية يونس 19 ؟ وما سبب ذلك ؟

الجواب:


عندما يقول القرآن: (كَانُوا) أو (كُنْتُمْ) فالكلام عن يوم القيامة، والاختلاف كان في الدنيا كما في قوله تعالى :( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة:113] فالاختلاف كان في الدنيا, علماً بأنّ (كان) هو فعل ماض ناقص، وأحياناً يأتي تاماً، وله استخدامات كثيرة.
وأمّا قوله تعالى: (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [يونس:19] فهذه الآن، وليس في يوم القيامة (فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [يونس:19] لأنها تقصد الدنيا؛ فلا حاجة للفعل (كان) .

السؤال الثاني:


لماذا أنّث الفعل (وَقَالَتِ الْيَهُودُ) [البقرة:113] (وَقَالَتِ النَّصَارَى) [البقرة:113] في الآية ؟

الجواب:


القاعدة تقول :


1ـ يجوز تذكير وتأنيث جمع التكسير.
2ـ يونث الفعل مع الكثرة ويذكر مع القلة : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ) [الحُجُرات:14] (وَقَالَتِ الْيَهُودُ) [البقرة:113] (وَقَالَتِ النَّصَارَى) [البقرة:113] ؛ لأنّ الأعراب كُثر واليهود كُثُر والنصارى كُثر كذلك فأنث , ويذّكر مع القلة كما في قوله تعالى : (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) [يوسف:30].

السؤال الثالث:


ما أهم دروس هذه الآية ؟


الجواب:


1ـ هذه الآية تفصيلٌ لما ذُكر في الآية السابقة (111) .
2 ـ روي أنّ وفد نجران من النصارى لمّا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم , فقالت اليهود : ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بعيسى عليه السلام والإنجيل , وقالت النصارى لهم نحوه وكفروا بموسى عليه السلام والتواراة .
3ـ الخلاف كان يخصّ الأمور العامة , وما يتصل بالنبوات .
4 ـ قوله تعالى : (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ) الواو للحال والكتاب للجنس , أي قالوا ذلك وهم أهل العلم والتلاوة للكتب , وحقّ لمن حمل التوراة والإنجيل أو غيرها من كتب الله أن لا يكفر بالباقي لأنّ كل واحد من الكتابين مصدّق للثاني وشاهد لصحته .
5 ـ قوله تعالى : (كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) هم كفّار العرب الذين قالوا إنّ المسلمين ليسوا على شيء , فبيّن تعالى أنه إذا كان قولُ اليهود والنصارى وهم يقرأون الكتاب لا يقبل ولا يُلتفت إليه فقول كفارالعرب أولى ألا يلتفت إليه .
6 ـ هذه الآية رقم ( 113 ) ذكرت المخالفة الرابعة والعشرين (24 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة , وهي تحمل مضمون : تكذيب كل من البهود والنصارى للآخر.والله أعلم .

السؤال الرابع:


وردت لفظة ( في ما ) في القرآن الكريم متصلة (فِيمَا) ووردت منفصلة (فِي مَا) فما تعليل ذلك ؟


الجواب:


1ـ وردت لفظة : ( في ما ) في القرآن الكريم منفصلة (فِي مَا) في ( 11) موضعاً وهي : [ البقرة240 ـ المائدة 48 ـ الأنعام 145 ـ 165 الأنبياء102 ـ النور 14 ـ الشعراء 146 ـ الروم 28 ـ الزمر 3 ـ 46 الواقعة 61 ] .

كما وردت متصلة (فِيمَا) في ( 24) موضعاً في (23) آية وهي: [ البقرة 113 ـ 213ـ 229 ـ 234 ـ 235 ـ آل عمران 55 ـ 66ـ النساء 24 ـ 95ـ المائدة 93ـ الأعراف 190ـ الأنفال68 ـ يونس 19 ـ 93 ـ النحل124 ـ الحج 69ـ المؤمنون 100ـ القصص 77 ـ السجدة 25 ـ الأحزاب 5 ـ 38 ـ الجاثية 17ـ الأحقاف 26 ].
2ـ في آية البقرة : (فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: 240] جاءت منفصلة (فِي مَا ) لأنّ لفظ ( ما ) يقع على فرد واحد من أنواع مختلفة من البدلية أو الجمع , يدل على ذلك تنكيره بالآية(مِنْ مَعْرُوفٍ ) ودخول حرف التبعيض عليه , فهو حسي يقسّم , بخلاف قوله تعالى : (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 234 ] فهذا موصول لأنّ ( ما ) واقعة على شيء واحد غير مفصّل , يدلك عليه وصفه(بِالْمَعْرُوفِ) .

3ـ وفي آية الأنبياء : ﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: 102]
هو مفصول , لأنّ شهوات النفس مختلفة أو مفصّلة في الوجود , وكذلك الأمر في باقي المواضع فتدبرها .

والله أعلم .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة: 114]

 

السؤال الأول:

ما نوع الاستفهام فى الآية؟

الجواب:

يوجد في هذه الآية استفهام بـ (وَمَنْ) وليس الغرض منه الاستفهام الحقيقي وانتظار جواب، وإنما هو استفهام إنكاري خرج إلى النفي، ومعناه : أي لا أحد أظلمُ ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه.

وللعلم فإنّ إعراب ( من ) اسم استفهام في محل رفع مبتدأ ومعناه النفي .

السؤال الثاني:

ما المساجد المقصودة في الآية حتى جُمِعت؟

الجواب:

نزلت الآية في أهل مكة؛ لأنهم منعوا المسلمين دخول المسجد الحرام , ومع ذلك نرى أنّ الآية قد جُمِع فيها المسجد (مَسَاجِدَ) للتعظيم من شأن المسجد، وهذا واضح كما يقول الفرد في معرض الفخر والتعظيم لنفسه: (نحن نقول) وكذلك كلمة (المساجد) أتت جمعاً ليكون الوعيد شاملاً لكل مخرِّب لمسجد أو مانع العبادة فيه.

 

السؤال الثالث:

ما الفرق بين استعمال كلمتي (عقاب وعذاب) كما وردتا في القرآن الكريم؟

الجواب:

هذه الكلمات هي من لهجات مختلفة فليس بينها فروق، ويستدلون بكلمة السكين والمُدية.

وأمّا عن كلمتي (العقاب والعذاب ) في القرآن الكريم فهو أنّ :

1ـ كلمة العقاب ومشتقاتها وردت في القرآن في ـ 64ـ موضعاً.

2ـ كلمة العذاب ومشتقاتها وردت في القرآن في ـ370ـ موضعاً.

3ـ الفعل الثلاثي لكلٍ من الكلمتين (عذب) و(عقب)، والحرفان الأول والثالث مشتركان بينما الخلاف في الحرف الثاني.

وحرف الذال من أحرف الرخاوة وفيه امتداد، بينما حرف القاف من أحرف الشدة وفيه سرعة، ويسمى في الدراسات الحديثة حرفاً انفجارياً، وأمّا حرف الذال ففيه طول ورخاوة؛ ولذلك فإن امتداد الذال يكون للدنيا والآخرة.

لذلك نستنتج أنّ كلمة (العقاب) تكون للشيء السريع، والشيء السريع يكون في الدنيا، ومن هنا نجد أنّ الآيات التي تحدثت عن عقوبات الأمم السابقة في الدنيا جاء معها كلمة (العقوبة).

4ـ أي أنّ العقاب فيه شدة وسرعة واستعملها القرآن في الدنيا، بينما استعمل (العذاب) في الدنيا والآخرة.

5ـ ليس في القرآن (سريع العذاب) وإنما (سريع العقاب) كما في قوله تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنعام:165] والآية وصفٌ لله سبحانه وتعالى, لكنه جلّت قدرته لم يصف نفسه بأنه سريع العذاب.

6ـ العذاب: الفعل (عذّب) والعذاب قد يكون في الدنيا نحو قوله تعالى: (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ) [البقرة:114]، وقد يكون في الآخرة (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة:114]، وجاء بها بمعنى العقاب (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور:2] فهذه عقوبة سمّاها عذاباً، ما يدل على أنّ العذاب أوسع من العقاب؛ لأنه يستعمل دنيا وآخرة ويستعمل بمكان العقاب.

 

شواهد قرآنية على العقاب :

(إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ) [الأنعام:165].

(ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ) [الحج:60].

(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [آل عمران:137] .

 

شواهد قرآنية على العذاب :

(لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة:114] عذاب في الدنيا والآخرة.

(وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ) [الحشر:3].

 

السؤال الرابع:

ما أهم دلالات هذه الآية؟

الجواب:

1ـ هذه الآية ليست مجرد شرط وجزاء , بل المُراد أنّ منْ الكفار من منع عمارة المساجد وسعى في خرابها , وبيّن الله تعالى جزاء من يعمل مثل ذلك .

2ـ قوله تعالى : (وَسَعَى) أي اجتهد وبذل جهده .

3 ـ قوله تعالى : (وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) يشمل الخراب الحسي ( الهدم والتخريب ) والخراب المعنوي ( منع الذكرين لاسم الله فيها ومنع المصلين والمتعبدين ) وهذا عام لجميع من اتصف بهذه الصفة قديماً وحديثاً .

4 ـ قوله تعالى : (خِزْيٌ) هو الذل والهوان والإذلال والفضيحة .

( مساجد ) جمع مسجِد , وهو اسم لمكان السجود , وكان من حقه أن يأتي على وزن (مفعَل) بفتح العين , لأنّ عين مضارعه مضمومة , ولكنه سُمع بالكسر شذوذاً , ومثل ذلك أيضاً : المطلِع والمشرِق والمغرِب , وفي هذه الحالة السماع أفصح , مع أنه يجوز الفتح . وللمساجد أحكام كثيرة خاصة فيها .

6 ـ هذه الآية رقم ( 114 ) ذكرت المخالفة الخامسة والعشرين (25 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة , وهي تحمل مضمون : تخريب اليهود وغيرهم مساجد الله.والله أعلم .

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 

وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 115]

 

السؤال الأول:

قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) [البقرة:115] لِمَ خصّ الله تعالى ملكه بالمشرق والمغرب؟

الجواب:

لم تذكر الآية جهة الشمال والجنوب، وإنما ذكرت فقط المشرق والمغرب؛ لأنّ الأرض تنقسم بالنسبة لمسير الشمس إلى قسمين: قسم يبتدئ من حيث تطلع الشمس، وقسم ينتهي من حيث تغرب الشمس. وخصّ الله المشرق والمغرب بالذكر لأنهما محل الآيات العظيمة فهما مطالع الأنوار ومغاربها فإذا كان مالكاً لها كان مالكاً لكل الجهات وأي جهة توجهتم إليها في الصلاة بأمر الله فإنكم مبتغون وجهه ولم تخرجوا عن ملكه وطاعته واللام في الآية (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) هي لام الاختصاص والله أعلم.

 

السؤال الثاني:

ما الفرق بين (ثُمَّ) بالضم، و (فَثَمَّ) بالفتح؟

الجواب:

1ـ ثُمَّ - بالضم-: حرف عطف يفيد الترتيب والتراخي، كما في آية عبس: 21، وآية هود: 52.

2ـ ثَمَّ: ظرف بمعنى هناك، وهو للبعيد بمنزلة هنا للقريب، وقد تلحقها التاء فيقال: ثَمَّة – بالتاء-.

ولذلك من الخطأ الشائع أن يقال: ومن ثُمَّ - بالضم – والصحيح: ومن ثَمَّ - بالفتح.

 

السؤال الثالث:

وردت لفظة ( أينما ) في القرآن الكريم متصلة  {أَيْنَمَا} ومنفصلة  {أَيْنَ مَا } فما تعليل ذلك؟

الجواب:

1ـ وردت لفظة ( أينما ) متصلة { أَيْنَمَا} في أربعة مواضع وهي: [البقرة: 115ـ النساء 78 ـ النحل 76 ـ الأحزاب 61 ] ووردت منفصلة {أَيْنَ مَا } في ثمانية مواضع وهي:

[ البقرة 148 ـ آل عمران 112 ـ الأعراف 37 ـ مريم 31 ـ الشعراء 92 ـ غافر 73 ـ الحديد 4 ـ المجادلة 7 ].

2 ـ لفظة {أينما} تكون موصولة إذا كانت ( ما ) غير مختلفة الأقسام في الفعل الذي بعدها نحو:  {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ} { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا} {أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا} {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} فهذه كلها لم تخرج عن ( أين ) الملكي وهو متصلٌ حساً ولم يختلف فيه الفعل الذي مع (ما ) بينما تفصل ( أين ) عن ( ما) حيث تكون ( ما ) مختلفة الأقسام والأماكن في الوصف الذي بعدها وذلك للتفصيل كما في الآيات الثمانية المبينة أرقامها أعلاه. والله أعلم.

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 115]

 


السؤال الأول:

 

قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) [البقرة:115] لِمَ خصّ الله تعالى ملكه بالمشرق والمغرب؟

 


الجواب:

 

لم تذكر الآية جهة الشمال والجنوب، وإنما ذكرت فقط المشرق والمغرب؛ لأنّ الأرض تنقسم بالنسبة لمسير الشمس إلى قسمين: قسم يبتدئ من حيث تطلع الشمس، وقسم ينتهي من حيث تغرب الشمس. وخصّ الله المشرق والمغرب بالذكر لأنهما محل الآيات العظيمة فهما مطالع الأنوار ومغاربها فإذا كان مالكاً لها كان مالكاً لكل الجهات وأي جهة توجهتم إليها في الصلاة بأمر الله فإنكم مبتغون وجهه ولم تخرجوا عن ملكه وطاعته واللام في الآية (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) هي لام الاختصاص والله أعلم.

 


السؤال الثاني:

 

ما الفرق بين (ثُمَّ) بالضم، و (فَثَمَّ) بالفتح؟

 


الجواب:

 

1ـ ثُمَّ - بالضم-: حرف عطف يفيد الترتيب والتراخي، كما في آية عبس: 21، وآية هود: 52.

 

2ـ ثَمَّ: ظرف بمعنى هناك، وهو للبعيد بمنزلة هنا للقريب، وقد تلحقها التاء فيقال: ثَمَّة – بالتاء-.

 

ولذلك من الخطأ الشائع أن يقال: ومن ثُمَّ - بالضم – والصحيح: ومن ثَمَّ - بالفتح.

 


السؤال الثالث:

 

وردت لفظة ( أينما ) في القرآن الكريم متصلة  {أَيْنَمَا} ومنفصلة  {أَيْنَ مَا } فما تعليل ذلك؟

 


الجواب:

 

1ـ وردت لفظة ( أينما ) متصلة { أَيْنَمَا} في أربعة مواضع وهي: [البقرة: 115ـ النساء 78 ـ النحل 76 ـ الأحزاب 61 ] ووردت منفصلة {أَيْنَ مَا } في ثمانية مواضع وهي:

 

[ البقرة 148 ـ آل عمران 112 ـ الأعراف 37 ـ مريم 31 ـ الشعراء 92 ـ غافر 73 ـ الحديد 4 ـ المجادلة 7 ].

 

2 ـ لفظة {أينما} تكون موصولة إذا كانت ( ما ) غير مختلفة الأقسام في الفعل الذي بعدها نحو:  {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ} { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا} {أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا} {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} فهذه كلها لم تخرج عن ( أين ) الملكي وهو متصلٌ حساً ولم يختلف فيه الفعل الذي مع (ما ) بينما تفصل ( أين ) عن ( ما) حيث تكون ( ما ) مختلفة الأقسام والأماكن في الوصف الذي بعدها وذلك للتفصيل كما في الآيات الثمانية المبينة أرقامها أعلاه. والله أعلم.

<<<<<<<<<<<<<

 

(وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ١١٦ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ١١٧ ﱠ[البقرة: 116-117]

 


السؤال الأول:

 

ما دلالة ختام الآية (116 ) بالوصف بالقنوت فى هذه الآية؟

 


الجواب:

 

1ـ القنوت هو الخضوع والانقياد مع الخوف، وهذا الأمر لا يقوم به إلا كل عاقل مبصر؛ فلذلك جمع الله تعالى في هذه الآية كلمة (قانت) جمع مذكر سالم (قَانِتُونَ) وهو مختص بجمع الذكور العقلاء ليبيّن لنا سمة أهل الخشوع والقنوت إنهم أصحاب العقول الراجحة التي تخشى الله عن إرادة وبصيرة.

 

2ـ والقنوت أصله الدوام، ثم استعمل على أربعة وجوه:

 

آـ الطاعة: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ) [آل عمران:43].

 

ب ـ طول القيام: لمّا سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت».

 

ج ـ السكون: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة:238].

 

د ـ الدوام.

 


السؤال الثاني:

 

ما الإضاءات الفكرية في هذه الآية؟

 


الجواب:

 

أراد الله سبحانه أنْ يرد على الذين حاولوا أنْ يجعلوا لله معيناً في ملكه الذين قالوا اتخذ الله ولداً، وجاء الرد في ثلاث نقاط:

 

آ ـ (سُبْحَانَهُ) أي: تنزه الله أنْ يكون له ولد.

 

ب ـ (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ).

 

ج ـ (وَالْأَرْضِ).

 

فإذا كان هذا ملكه وإذا كان الكون كله من خلقه وخاضعاً له فما حاجته للولد؟

 

1ـ قضية (إنّ لله ولداً) جاءت في القرآن الكريم (19) مرة ومعها الرد عليها؛ لأنها قضية في قمة العقيدة، فقد تكررت وتكرر الرد عليها مرة بعد مرة.

 

2ـ الله سبحانه يريدنا أنْ نعرف أنّ هذا ادعاء خطير مستنكر، ولقد عالجت سورة مريم هذه المسألة علاجاً واسعاً اشترك فيه انفعال السماوات والأرض والجبال حتى كادت الجبال تخر وكادت الأرض تنشق من هذا الافتراء على الله.

 

3 ـ السؤال هنا: ما الشبهة التي جعلتهم يقولون: ولد الله؟ النصارى فُتِنُوا في ولادة عيسى عليه السلام؛ لأنّ عنصر الأبوة ممتنع، وكان الأولى أنْ يُفتنوا بولادة آدم؛ لأنه بدون أب ولا أم، ومن العجيب أنّ النصارى لم يذكروا الفتنة في آدم، وذكروا الفتنة فيما فيه عنصر غائب من عنصرين غائبين في آدم.

 

4ـ الملكية تنافي الولدية، لماذا؟ لأنّ الذي يخلق شيئاً يكون فاعلاً، والفاعل له مفعول، والمفعول لا يكون منه أبداً، هل رأيت واحداً صنع صنعة منه؟ الذي يصنع سيارة أو طائرة هل هي من لحمه ودمه؟ طبعاً لا.

 

إذن مادام ملكية فلا يقال: إنها من نفس جنس صاحبها، ولا يقال: إنّ الفاعل أوجد من جنسه، وكل فاعل يوجد شيئاً أقل منه.

 

وقول الله في الآية: سبحانه؛ أي تنزيه له، لماذا؟ لأنّ الولد يُتخذ لاستبقاء حياة والده، فهو يحمل اسمه بعد أنْ يموت ويرث أملاكه، إذن هو من أجل بقاء نوعه، والذي يريد بقاء نوعه لا يكفيه أنْ يكون له ولد واحد.

 

5ـ إذن فما سبب اتخاذ الولد؟ هل هو معونة؟ الله لا تضعف قوته.. هل هو ضمان للحياة؟ الله حياته أزلية.

 

إذن كل هذا الكون لم يضف صفة من صفات الكمال إلى الله، بل إنّ الله بكمال صفاته هو الذي أوجده.

 

6 ـ لو فرضنا جدلاً أنّ لله ولداً، فأين ذرية الولد؟ لم نر ولم نسمع أولاداً لمن زعموا أنه ابن لله.

 

وماذا استجد على الله وعلى كونه بعد اتخاذ الولد كما يزعمون؟ لم يتغير شيء في الوجود.

 

إذن فالولد لم يعط الإله أي مظهر من مظاهر القوة؛ لأنّ الكون قبل أنْ يوجد الولد وبعده لم يتغير فيه شيء.

 

7 ـ ثم إذا كان لله سبحانه زوجة وولد فمن الذي وجد أولاً؟ إذا كان الله وُجِدَ أولاً ثم بعد ذلك أوجد الزوجة والولد فهو خالق وهما مخلوقان.

 

وإذا كان كل واحد قد أوجد نفسه فهم ثلاثة آلهة!!!

 

إذن الكمال الأول لله لم يزده الولد شيئاً؛ ومن هنا يصبح وجوده لا قيمة له.

 


السؤال الثالث:

 

قوله تعالى: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ولم يكرر اسم الموصول (مَا) كما في آية طه: 6، وآية سبأ: 1، أو في آيات التسبيح؟

 


الجواب:

 

1ـ إذا قصد بالسياق قصد الجنس أو الاهتمام بما هو المقصود في الآية لم يكرر ذكر اسم الموصول إلا مرة واحدة، كما في هذه الآية وآية الرحمن: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن:29].

 

2ـ والقرآن يكرر اسم الموصول (ما) في مواطن الشمول والإحاطة والتفصيل، كما في آية طه: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى).

 

فقد كرّر اسم الموصول (ما) في سورة طه؛ لأنّ الموطنَ موطنُ شمولٍ وإحاطةٍ وتفصيل، فقد ذكر أنّ له (مَا فِي السَّمَاوَاتِ) و (وَمَا فِي الْأَرْضِ) و (وَمَا بَيْنَهُمَا) و (وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) بينما أجملَ في سورة النحل فلم يكرر.

 

3 ـ التفصيل في آيتي سبأ واضحٌ في قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ١ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) [سبأ: 1 - 2] لذا كرّر اسم الموصول، بخلاف آية البقرة حيث لم يفصل فلم يكرر.

 

4ـ وأمّا تكرار اسم الموصول مع آيات التسبيح فسيتبين في حينه.

 


السؤال الرابع:

 

لماذا جاء بـ (ما) في الآية وهي لغير العاقل، ولم يأت بـ (من) وهي للعاقل؟

 


الجواب:

 

1ـ جاء بـ (ما) لتتناول جميع الأشياء؛ لأنّ (ما) تشمل صفات العقلاء وتشمل ذوات غير العاقل. بينما (مَن) مختصة بالعقلاء لذلك (ما) أوسع استعمالاً من (مَن).

 

2ـ يقال: كيف جاء بـ (ما) وهي لغير العاقل، مع قوله: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) [البقرة:116] والجواب: كأنه جاء بـ (ما) دون (مَن) تحقيراً لشأنهم.

 

السؤال الخامس:

 

قوله تعالى في الآية (اتَّخَذَ) ما الفرق اللغوي بين الفعلين أخذ واتخذ؟

 


الجواب:

 

1ـ ورد الفعل ( اتخذ ) في القرآن الكريم في عشرين موضعاً ووردت صيغ أخرى كثيرة مشتقة نحو: [ اتخذت ـ اتخذوا ـ تتخذوا ـ يتخذ ـ....]

 

وورد الفعل ( أخذ ) في أحد ( 11) موضعاً ووردت صيغ أخرى كثيرة مشتقة نحو:

 

[ أخذنا ـ أخذناهم ـ يأخذه ـ يأخذونها ـ....].

 

2ـ الفعل ( أخذ ) بمعنى تناول بيده والأمر منه ( خذ ) و( الأخذ ) المصدر ويستعارفيقال: أخذه بلسانه إذا تكلم فيه بمكروه وجاء بمعنى العذاب في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ) [هود:102] وقوله (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) [الحجر:83] وأصله في العربية الجمع ومنه قيل للغدير: وِخْذ وإخْذ والجمع: وِخاذ وإخاذ.

 

والاتخاذ: أخذ الشيء لأمر يستمر فيه مثل الدار يتخذها مسكناً ويكون الاتخاذ التسمية والحكم ومنه قوله تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) [الفرقان:3] أي سموها بذلك وحكموا لها به.

 

والله أعلم.

 


السؤال السادس:

 

ما أهم دلالات الآية (117 )؟

 


الجواب:

 

1ـ قوله تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) البديع والمبدع بمعنى واحد وهو مثل: أليم بمعنى مؤلم وحكيم بمعنى مُحكم غير أنّ في ( بديع ) مبالغة على استحقاق الصفة في غير حال الفعل على تقدير أنّ من شأنه الإبداع والإبداع الإنشاء على غير مثال سبق ونقيض الإبداع الاختراع على مثال ولهذا السبب فإنّ الناس يسمون من قال أو عمل ما لم يكن قبله

 

( مبتدعاً ) وخصّ السموات والأرض بالإبداع لأنهماأعظم ما يُشاهد من المخلوقات.

 

2ـ قوله تعالى: (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا) لفظ ( القضاء ) في القرآن يأتي على وجوه منها:

 

آ ـ بمعنى الخلق: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت:12] يعني خلقهنّ.

 

ب ـ بمعنى الأمر: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء: 23].

 

ج ـ بمعنى الحكم: ولهذا يُقال للحاكم: قاضياً.

 

د ـ بمعنى الإخبار: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ) [الإسراء:4].

 

هـ ـ بمعنى الفراغ من الشيء: (وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ) [هود:44]

 

3 ـ قوله تعالى: (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا) أي إذا خلق شيئاً أو حكم بأن يفعل شيئاً.

 

4 ـ المُراد من قوله تعالى: (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) هو سرعة نفاذ قدرة الله في تكوين الأشياء أي يوجد وفق ما أراد الله من حال العدم إلى حال الوجود لا يستعصي عليه ولا يمتنع منه. قال تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس:82].

 

وللعلم فإنّ الفعل ( كن ) في هذه الآية فعل أمر من كان التامة بمعنى حدث وكذلك الفعل:

 

( فيكون ) تام بمعنى يحدث.

 

5 ـ الآية رقم ( 116 ) ذكرت المخالفة السادسة والعشرين (26 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة وهي تحمل مضمون: (قول اليهود: عزير ابن الله) والله أعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
(وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [البقرة: 118]




السؤال الأول:


ما استخدامات كلمة (آية) في القرآن الكريم ؟



الجواب:


كلمة (آية) وردت في القرآن الكريم لخمسة معان؛ وهي :

1 ـ البناء العالي: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) [الشعراء:128].

2 ـ عبرة و موعظة: (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) [يونس:92].

3 ـ جملة من القرآن: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ) [النحل:101].

4 ـ علامة واضحة: (لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ) [البقرة:118].

5 ـ المعجزة: (وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:91].



السؤال الثاني:


ما دلالة هذه الآية ؟



الجواب:


هذه الآية رقم ( 118 ) ذكرت المخالفة السابعة والعشرين (27 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة , وهي تحمل مضمون : مشابهة اليهود للوثنيين في جرأتهم على الله تعالى , وحيث قال المشركون الجهلة الذين لا علم لهم : لولا يكلمنا الله كما كلّم موسى من قبل , أو تأتينا آية حسية كنزول مَلك من السماء يؤيد دعوى محمد صلى الله عليه وسلم , وقد بيّن الله سبحانه في هذه الآية أنّ اليهود يشابهون المشركين في هذا , ولو علم الله أنهم يؤمنون لأجابهم .

وقد جاء في أسباب النزول أنّ رافع بن حريملة اليهودي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنْ كنت رسولاً من الله كما تقول , فقل لله ليكلمنا حتى نسمع كلامه , فنزلت الآية .والله أعلم .


<<<<<<<<<<<<<


(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾
[البقرة: 120]




السؤال الأول:


ما دلالة كلمة (مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] في هذه الآية؟ ولماذا لم ترد كلمة (ملتيهما)؟



الجواب:


لو قال تعالى: (ملتيهم) لكان المعنى: لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتيهما، ولن ترضى عنك النصارى حتى تتبع ملتيهما وهذا لا يصح؛ لأنّ اليهود يريدون أنْ يتّبع ملتهم فقط وليس ملتيهما، وكذلك النصارى. وللعلم فإنّ الملّة اسم للشريعة المتّبعة المكونة من العقائد والعبادات والأخلاق.



السؤال الثاني:


لماذا جاء بـ (وَلَا) في قوله: (الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى) [البقرة:120]؟



الجواب:


1ـ لو قال: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم) من دون (لا) لاحتمل ذلك أحد معنيين:

آ ـ أنّ الجميع لا يرضون حتى تتبع ملتهم، بمعنى أنك إذا اتبعت ملة اليهود رضيت عنك اليهود والنصارى.

ب ـ وإذا اتبعت ملة النصارى رضيت عنك اليهود والنصارى، وهذا المعنى لا يصح وهو غير مراد.

2 ـ لذلك يبقى فقط احتمال ثان، وهوما نصت عليه الآية، بمعنى أنه لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتهم، و لن ترضى عنك النصارى حتى تتبع ملتهم.

3ـ ونلاحظ أنّ القرآن كرر النفي؛ وذلك حتى نفهم أنّ رضا اليهود غير رضا النصارى، ولو قال الحق: (ولن ترضى عنك اليهود و النصارى) بدون (لا) لكان معنى ذلك أنهم مجتمعون على رضى واحد أو متفقون، ولكنهم مختلفون بدليل أن الله قال فيهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ }[البقرة: ١١٣].



السؤال الثالث:


ما الفرق في المعنى بين قوله تعالى: (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة:120] وقوله: (وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [الشورى:31]؟



الجواب:


التعبير (مِنْ دُونِ اللَّهِ) يعني من غير الله، أمّا التعبير (مِنَ اللَّهِ) أي: ليس لكم ولي من الله ينصركم، ولم يهيء لكم ولياً أو أحداً ينصركم، وليس هنالك نصير من جهة الله ينصركم، من الملائكة أو من غير الملائكة أمّا (من دون الله) فتعني من غير الله، إذن المعنى مختلف تماماً.



السؤال الرابع:


ما الفرق بين (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ) [البقرة:145] وبين (بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ) [البقرة:120] في الآيتين: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة:145] وفي الآية (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة:120]؟



الجواب:




هناك فرقان:


آـ استعمل في الأولى [120] اسم الموصول (الَّذِي) واستعمل (مَا) في الآية الثانية

[ 145].

ب ـ كما استعمل في الآية [ 145] (مِنْ بَعْدِ) واستعمل في الآية [120] (بَعْدَ).

الحكم النحوي: اسم الموصول ( الذي ) يوصف بأنه مختص، و ( ما ) مشترك. والمختص أعرف من المشترك.

أي أنّ ( الذي ) أعرف من ( ما ) لأنّ ( ما ) تكون للمفرد والمذكر والمؤنث والمثنى والجمع، أمّا ( الذي ) فهي خاصة بالمفرد المذكر. إذن ( الذي ) أعرف باعتباره مختص، و(ما) عام.

السياق:

1ـ قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ١٢٠ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ١٢١) [البقرة:120، 121] فقوله تعالى: (يَتْلُونَهُ) [البقرة:121] أي: الكتاب، أي: التوراة والإنجيل إذن صار محدداً، (يَتْلُونَهُ) أي: يتبعون العلم الذي جاء به إذن تحدد الذي بالسياق في هذه الآية.

2ـ جاءت الآية [145] في موضوع تحويل القبلة كما في الآية [144] التي سبقتها (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [البقرة:144] هذا مطلق ولم يحدد بشيء فاستعمل ( ما ) في المطلق، واستعمل ( الذي ) في المقيَّد.

3ـ استعمل ( الذي ) في الآية الأولى 120، بينما استعمل ( ما ) في الآية الثانية 145، علماً بأنّ كليهما اسم موصول، لكنّ أحدهما أعرف من الآخر، فاسم الموصول ( الذي ) هو اسم مختص للمفرد المذكر، بينما اسم الموصول ( ما ) هو مشترك يستعمل لذوات غير العقلاء ولصفات العقلاء، أي: أنها تقع على ذاتٍ متصفة بوصف من صفات العقلاء، وهو اسم موصول مشترك في المفرد والمثنى والجمع المذكر والمؤنث فاستعمل ( الذي ) في الأخص، واستعمل

( ما ) في المطلق.

4ـ التعبير (مِنْ بَعْدِ ) من لابتداء الغاية، ابتداء المكان، بداية الشيء من كذا إلى كذا، وتدل على الالتصاق، وأمّا (بَعْدَ ) فتحتمل أنْ هناك فاصلا زمنيا.

أي: أنّ التحذير باتباع أهواء أهل الكتاب يبدأ مباشرة من لحظة مجيء العلم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتحويل القبلة وليس هناك وقت للانتظار، ولو لم يذكر (من) لاحتمل الموضوع التأخير مدة من الزمن.

وقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ) [البقرة:145] السياق في الكلام في تحويل القبلة، وتحويل القبلة متى يؤمر به المسلم؟ عندما تنزل الآية مباشرة ينبغي أنْ يتحول إلى القبلة، ومن سمع بها نفّذها، والذي كان في الصلاة وسمع هذه الآية اتجه مباشرة إلى الكعبة، إذن (من) لابتداء الغاية.

بينما الآية الأولى 120 ليس فيها هذا الشيء فلم يقل (من).



شواهد قرآنية:


آـ (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) [يس:9] أي: أنّ هناك فاصلا يبدأ من أيديهم يمنعهم من الحركة، ولو قال: (بين أيديهم) بدون (من) لاحتمل وجود مسافة بين أيديهم والسد.

ب ـ (وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ) [فُصِّلَت:5] أي: أنّ الحجاب لم يترك فاصلاً بينهما.

ج ـ (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا) [فُصِّلَت:10] أي: مباشرة ليس هنالك فاصل، ولو قال: ( فوقًها ) كانت تحتمل القريب والبعيد.

د ـ (أَفَلَمۡ يَنظُرُوٓاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوۡقَهُمۡ) [ق:6] مسافة كبيرة.

هـ ـ (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ) [النساء:154] هناك مسافة بين الطور ورؤوسهم.



السؤال الخامس:


في قوله تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ) [البقرة:120] وقوله في آية الأنعام: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) [الأنعام:121] ما سبب الاختلاف في مستوى التوكيد؟



الجواب:


1ـ القاعدة اللغوية: يستعمل القرآن اللام للتوكيد، فقوله: (وَلَئِنِ ) آكد من قوله: (وَإِنْ).

2ـ قال تعالى في آية الأنعام [121]: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ١٢١).

وقال في آية البقرة: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) [البقرة:120] فأكّد في آية البقرة باللام دون آية الأنعام.

والسبب أنّ آية البقرة تستدعي قدراً زائداً من التوكيد؛ فإنها تحذير للرسول صلى الله عليه وآله وسلم من ترك ملة الإسلام واتباع اليهود والنصارى وهو من أكبر المعاصي، إذ كيف يصح من رسولٍ يتنزل عليه الوحي من ربه أنْ يترك أمر الله إلى ملة أخرى لا يرضاها ربه؟ فاحتاج ذلك إلى قدر من الوعيد أكبر.

أمّا آية الأنعام فهي في الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، لذلك ترى أنّ المعصية في آية البقرة أشد وأكبر فاحتاج ذلك إلى قدر من التوكيد أكبر.



السؤال السادس:


قوله تعالى في هذه الآية: (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ) [البقرة:120] بينما قال في آية الأنعام [51]: (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ ) فزاد (من) المؤكدة في البقرة فما دلالــة ذلك؟



الجواب:


1ـ آية الأنعام (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأنعام:51] هم على كل حال مؤمنون بهذا اليوم وترجى لهم التقوى.

2ـ أمّا آية البقرة فقد ذكرفيها أنّ اليهود والنصارى لن ترضى عن الرسول حتى يترك دينه ويتبع ملتهم، وهذا كفر صريح وانسلاخ من الدين، ولذا عقب عليه بقوله: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) [البقرة:120] أي: إنّ فعل ذلك ما له من الله من ولي ولا نصير، فالفرق بين المقامين واضح، فاحتاج الكلام في آية البقرة إلى توكيد نفي الولي والنصير دون آية الأنعام.

3 ـ وكذلك المقام في آية الرعد: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ) [الرعد: 37].



السؤال السابع:


ما دلالة ضمير الفصل (هُوَ) في آية البقرة [120] قوله تعالى: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) بينما قال في آية آل عمران [73]: (إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) وفي آية الأنعام [71] (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)؟



الجواب:


1ـ قال في آية البقرة [120]: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) أي: قدّم هدى الله، وجاء بضمير الفصل.

وقال كذلك في آية الأنعام [71 ]: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) أي: قدّم هدى الله، وجاء بضمير الفصل.

بينما قال في آية آل عمران [73]:( إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) فقدّم الهدى ولم يأت بضمير الفصل.

2ـ لعل السبب - والله أعلم - أنّ الآيتين الأوليين في الأديان، فالأولى في اليهودية والنصرانية والثانية في الشرك، فناسب الرد بتقديم الهدى وهو الإسلام، فكأنه قال لهم: إنّ الإسلام هو الهدى الكامل الصحيح التام لا هدايتكم، فناسب تقديمه وحصر الهداية عليه، وجاء بضمير الفصل توكيداً لهذا المعنى.

أمّا الآية الثالثة فهي ليست في الموازنة بين أهل الأديان، وإنما هي رد على تصرف سيِّءٍ ومكر، حيث قالت طائفة من أهل الكتاب: آمنوا بما أنزل على محمد وجه النهار واكفروا آخره وقولوا نحن آمنا به ظناً بأنه حق ولكن استبان لنا أنه باطل فرجعنا عنه إلى ديننا الذي هو الحق لعلهم يرجعون عن دينهم، فنزلت الآية رداً على مكرهم وكيدهم وادعائهم الهدى، فقال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) [آل عمران:73] أي: أنّ الهدى أنْ يهديكم الله إلى الدين الصحيح وإلى الحق وليس الهدى أنْ تعملوا مثل هذا المكر والتبييت، والله أعلم.



السؤال الثامن:


ما سبب اختلاف الفاصلة بين آية البقرة [120] (وَلَا نَصِيرٍ) وفاصلة آية الرعد [37] (وَلَا وَاقٍ)؟



الجواب:


آية الرعد [37] هي قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ).

1ـ في آية الرعد قال: (وَلَا وَاقٍ) [الرعد:37] والواقي هو الحافظ وهو أعم من النصير؛ لأنّ الواقي قد يكون عاقلاً أو من الجمادات أو غيرها، فالسقف واق والملابس واقية وأمّا النصير فلا يكون إلا عاقلاً قادراً.

2ـ حدد الأهواء وعينها في آية البقرة (حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] ولم يحددها في الرعد بل أطلقها، فجعل العام وهو الواقي مع العام وهو عموم الأهواء مع الاسم الموصول المشترك

( ما ) وجعل الخاص مع الأهواء المحددة مع الاسم الموصول المختص وهو) الذي ).

3ـ النصير ينصر صاحبه على الخصم ويمكّنه منه، وأمّا الواقي فإنه يحفظه منه وقد لا يتمكن من نصره، ولذلك فوجود النصير أتم في النعمة من وجود الواقي.

لذلك جعل نفي النصير وهو النعمة الأتم، مع الوزر الأعظم وهو ترك ملة الإسلام، وجعل نفي الواقي الذي هو دون ذلك مع ما هو أقل وهو إنكار بعض الأحزاب بعض ما أنزل إليه.

4ـ تناسب الفاصلة مع السياق، ففي آية البقرة (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [البقرة:120] فإذا اتبع ملتهم كان منهم، وأهل الملة ينصرون أتباعهم على غيرهم، فنفى النصير عنه.

وأمّا آية الرعد فلم يذكر فيها ذلك، وإنما قال: (وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) [الرعد:36] واتباع البعض قد لا يقتضي النصرة ومحاربة الأعداء من أجل ذلك البعض، لكن ربما يحفظونه إذا وقع في شدة.

5ـ انظر الجدول التالي حيث يتبين تناسب اختيار الكلمات مع تناسب عدد التكرار في السورتين:

السورة تكراركلمة (نصير) تكراركلمة (واق) الآيات

البقرة 2 - 107- 120

الرعد - 2 34- 37

6ـ تناسب الفاصلة في كل سورة والله أعلم.



السؤال التاسع:


ما الدرس المستفاد من قوله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى) [البقرة:120]؟




الجواب:


كان اليهود يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدخل كيد ولؤم، فيقولون: هادنا، أي: قل لنا ما في كتابنا حتى ننظر إذا كنا نتبعك أم لا فأراد الله أنْ يقطع على اليهود مكرهم فأخبر رسوله بأنه لا اليهود ولا النصارى سيتبعون ملتك وإنما يريدون أن تتبع ملتهم.

والخطاب وإنْ كان للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو أيضاً لأمته إلى يوم القيامة، فلينتبه المسلمون إلى ذلك ولذلك يجب أن نستعيذ بالله من أن نصنع تصرفاً نرضي به اليهود أو النصارى لأنّ ذلك معناه أنني تبعت ملتهم لأنّ الله قال(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [البقرة:120].


ويجب أن نفرق بين الرضا وبين التعايش لأنّ التعايش يقتضيك أن تتحمل فعل قالبٍ لا بحب قلب بينما الرضا أن ترضى فعل القالب بحب قلب.


ولذلك كان عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع اليهود لا رضى منه عن اليهود وإنما كان تعايشاً وما كان للرسول عليه السلام أن يفعل فعلاً ترضى عنه به اليهود لأنّ النصارى واليهود إنْ رضوا عن واحد فليُحكم بأنه قد فارق ملة الله تعالى بنص الآية والعياذ بالله.

وهذه الآية رقم ( 120 ) ذكرت المخالفة الثامنة والعشرين (28 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة وهي تحمل مضمون: محاولة إخراج المسلمين من دينهم.والله أعلم.


رابطة العلماء السوريين
(وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [البقرة: 118]




السؤال الأول:


ما استخدامات كلمة (آية) في القرآن الكريم ؟



الجواب:


كلمة (آية) وردت في القرآن الكريم لخمسة معان؛ وهي :

1 ـ البناء العالي: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) [الشعراء:128].

2 ـ عبرة و موعظة: (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) [يونس:92].

3 ـ جملة من القرآن: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ) [النحل:101].

4 ـ علامة واضحة: (لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ) [البقرة:118].

5 ـ المعجزة: (وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:91].



السؤال الثاني:


ما دلالة هذه الآية ؟



الجواب:


هذه الآية رقم ( 118 ) ذكرت المخالفة السابعة والعشرين (27 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة , وهي تحمل مضمون : مشابهة اليهود للوثنيين في جرأتهم على الله تعالى , وحيث قال المشركون الجهلة الذين لا علم لهم : لولا يكلمنا الله كما كلّم موسى من قبل , أو تأتينا آية حسية كنزول مَلك من السماء يؤيد دعوى محمد صلى الله عليه وسلم , وقد بيّن الله سبحانه في هذه الآية أنّ اليهود يشابهون المشركين في هذا , ولو علم الله أنهم يؤمنون لأجابهم .

وقد جاء في أسباب النزول أنّ رافع بن حريملة اليهودي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنْ كنت رسولاً من الله كما تقول , فقل لله ليكلمنا حتى نسمع كلامه , فنزلت الآية .والله أعلم .


<<<<<<<<<<<<<


(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾
[البقرة: 120]




السؤال الأول:


ما دلالة كلمة (مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] في هذه الآية؟ ولماذا لم ترد كلمة (ملتيهما)؟



الجواب:


لو قال تعالى: (ملتيهم) لكان المعنى: لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتيهما، ولن ترضى عنك النصارى حتى تتبع ملتيهما وهذا لا يصح؛ لأنّ اليهود يريدون أنْ يتّبع ملتهم فقط وليس ملتيهما، وكذلك النصارى. وللعلم فإنّ الملّة اسم للشريعة المتّبعة المكونة من العقائد والعبادات والأخلاق.



السؤال الثاني:


لماذا جاء بـ (وَلَا) في قوله: (الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى) [البقرة:120]؟



الجواب:


1ـ لو قال: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم) من دون (لا) لاحتمل ذلك أحد معنيين:

آ ـ أنّ الجميع لا يرضون حتى تتبع ملتهم، بمعنى أنك إذا اتبعت ملة اليهود رضيت عنك اليهود والنصارى.

ب ـ وإذا اتبعت ملة النصارى رضيت عنك اليهود والنصارى، وهذا المعنى لا يصح وهو غير مراد.

2 ـ لذلك يبقى فقط احتمال ثان، وهوما نصت عليه الآية، بمعنى أنه لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتهم، و لن ترضى عنك النصارى حتى تتبع ملتهم.

3ـ ونلاحظ أنّ القرآن كرر النفي؛ وذلك حتى نفهم أنّ رضا اليهود غير رضا النصارى، ولو قال الحق: (ولن ترضى عنك اليهود و النصارى) بدون (لا) لكان معنى ذلك أنهم مجتمعون على رضى واحد أو متفقون، ولكنهم مختلفون بدليل أن الله قال فيهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ }[البقرة: ١١٣].



السؤال الثالث:


ما الفرق في المعنى بين قوله تعالى: (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة:120] وقوله: (وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [الشورى:31]؟



الجواب:


التعبير (مِنْ دُونِ اللَّهِ) يعني من غير الله، أمّا التعبير (مِنَ اللَّهِ) أي: ليس لكم ولي من الله ينصركم، ولم يهيء لكم ولياً أو أحداً ينصركم، وليس هنالك نصير من جهة الله ينصركم، من الملائكة أو من غير الملائكة أمّا (من دون الله) فتعني من غير الله، إذن المعنى مختلف تماماً.



السؤال الرابع:


ما الفرق بين (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ) [البقرة:145] وبين (بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ) [البقرة:120] في الآيتين: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة:145] وفي الآية (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة:120]؟



الجواب:




هناك فرقان:


آـ استعمل في الأولى [120] اسم الموصول (الَّذِي) واستعمل (مَا) في الآية الثانية

[ 145].

ب ـ كما استعمل في الآية [ 145] (مِنْ بَعْدِ) واستعمل في الآية [120] (بَعْدَ).

الحكم النحوي: اسم الموصول ( الذي ) يوصف بأنه مختص، و ( ما ) مشترك. والمختص أعرف من المشترك.

أي أنّ ( الذي ) أعرف من ( ما ) لأنّ ( ما ) تكون للمفرد والمذكر والمؤنث والمثنى والجمع، أمّا ( الذي ) فهي خاصة بالمفرد المذكر. إذن ( الذي ) أعرف باعتباره مختص، و(ما) عام.

السياق:

1ـ قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ١٢٠ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ١٢١) [البقرة:120، 121] فقوله تعالى: (يَتْلُونَهُ) [البقرة:121] أي: الكتاب، أي: التوراة والإنجيل إذن صار محدداً، (يَتْلُونَهُ) أي: يتبعون العلم الذي جاء به إذن تحدد الذي بالسياق في هذه الآية.

2ـ جاءت الآية [145] في موضوع تحويل القبلة كما في الآية [144] التي سبقتها (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [البقرة:144] هذا مطلق ولم يحدد بشيء فاستعمل ( ما ) في المطلق، واستعمل ( الذي ) في المقيَّد.

3ـ استعمل ( الذي ) في الآية الأولى 120، بينما استعمل ( ما ) في الآية الثانية 145، علماً بأنّ كليهما اسم موصول، لكنّ أحدهما أعرف من الآخر، فاسم الموصول ( الذي ) هو اسم مختص للمفرد المذكر، بينما اسم الموصول ( ما ) هو مشترك يستعمل لذوات غير العقلاء ولصفات العقلاء، أي: أنها تقع على ذاتٍ متصفة بوصف من صفات العقلاء، وهو اسم موصول مشترك في المفرد والمثنى والجمع المذكر والمؤنث فاستعمل ( الذي ) في الأخص، واستعمل

( ما ) في المطلق.

4ـ التعبير (مِنْ بَعْدِ ) من لابتداء الغاية، ابتداء المكان، بداية الشيء من كذا إلى كذا، وتدل على الالتصاق، وأمّا (بَعْدَ ) فتحتمل أنْ هناك فاصلا زمنيا.

أي: أنّ التحذير باتباع أهواء أهل الكتاب يبدأ مباشرة من لحظة مجيء العلم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتحويل القبلة وليس هناك وقت للانتظار، ولو لم يذكر (من) لاحتمل الموضوع التأخير مدة من الزمن.

وقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ) [البقرة:145] السياق في الكلام في تحويل القبلة، وتحويل القبلة متى يؤمر به المسلم؟ عندما تنزل الآية مباشرة ينبغي أنْ يتحول إلى القبلة، ومن سمع بها نفّذها، والذي كان في الصلاة وسمع هذه الآية اتجه مباشرة إلى الكعبة، إذن (من) لابتداء الغاية.

بينما الآية الأولى 120 ليس فيها هذا الشيء فلم يقل (من).



شواهد قرآنية:


آـ (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) [يس:9] أي: أنّ هناك فاصلا يبدأ من أيديهم يمنعهم من الحركة، ولو قال: (بين أيديهم) بدون (من) لاحتمل وجود مسافة بين أيديهم والسد.

ب ـ (وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ) [فُصِّلَت:5] أي: أنّ الحجاب لم يترك فاصلاً بينهما.

ج ـ (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا) [فُصِّلَت:10] أي: مباشرة ليس هنالك فاصل، ولو قال: ( فوقًها ) كانت تحتمل القريب والبعيد.

د ـ (أَفَلَمۡ يَنظُرُوٓاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوۡقَهُمۡ) [ق:6] مسافة كبيرة.

هـ ـ (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ) [النساء:154] هناك مسافة بين الطور ورؤوسهم.



السؤال الخامس:


في قوله تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ) [البقرة:120] وقوله في آية الأنعام: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) [الأنعام:121] ما سبب الاختلاف في مستوى التوكيد؟



الجواب:


1ـ القاعدة اللغوية: يستعمل القرآن اللام للتوكيد، فقوله: (وَلَئِنِ ) آكد من قوله: (وَإِنْ).

2ـ قال تعالى في آية الأنعام [121]: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ١٢١).

وقال في آية البقرة: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) [البقرة:120] فأكّد في آية البقرة باللام دون آية الأنعام.

والسبب أنّ آية البقرة تستدعي قدراً زائداً من التوكيد؛ فإنها تحذير للرسول صلى الله عليه وآله وسلم من ترك ملة الإسلام واتباع اليهود والنصارى وهو من أكبر المعاصي، إذ كيف يصح من رسولٍ يتنزل عليه الوحي من ربه أنْ يترك أمر الله إلى ملة أخرى لا يرضاها ربه؟ فاحتاج ذلك إلى قدر من الوعيد أكبر.

أمّا آية الأنعام فهي في الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، لذلك ترى أنّ المعصية في آية البقرة أشد وأكبر فاحتاج ذلك إلى قدر من التوكيد أكبر.



السؤال السادس:


قوله تعالى في هذه الآية: (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ) [البقرة:120] بينما قال في آية الأنعام [51]: (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ ) فزاد (من) المؤكدة في البقرة فما دلالــة ذلك؟



الجواب:


1ـ آية الأنعام (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأنعام:51] هم على كل حال مؤمنون بهذا اليوم وترجى لهم التقوى.

2ـ أمّا آية البقرة فقد ذكرفيها أنّ اليهود والنصارى لن ترضى عن الرسول حتى يترك دينه ويتبع ملتهم، وهذا كفر صريح وانسلاخ من الدين، ولذا عقب عليه بقوله: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) [البقرة:120] أي: إنّ فعل ذلك ما له من الله من ولي ولا نصير، فالفرق بين المقامين واضح، فاحتاج الكلام في آية البقرة إلى توكيد نفي الولي والنصير دون آية الأنعام.

3 ـ وكذلك المقام في آية الرعد: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ) [الرعد: 37].



السؤال السابع:


ما دلالة ضمير الفصل (هُوَ) في آية البقرة [120] قوله تعالى: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) بينما قال في آية آل عمران [73]: (إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) وفي آية الأنعام [71] (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)؟



الجواب:


1ـ قال في آية البقرة [120]: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) أي: قدّم هدى الله، وجاء بضمير الفصل.

وقال كذلك في آية الأنعام [71 ]: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) أي: قدّم هدى الله، وجاء بضمير الفصل.

بينما قال في آية آل عمران [73]:( إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) فقدّم الهدى ولم يأت بضمير الفصل.

2ـ لعل السبب - والله أعلم - أنّ الآيتين الأوليين في الأديان، فالأولى في اليهودية والنصرانية والثانية في الشرك، فناسب الرد بتقديم الهدى وهو الإسلام، فكأنه قال لهم: إنّ الإسلام هو الهدى الكامل الصحيح التام لا هدايتكم، فناسب تقديمه وحصر الهداية عليه، وجاء بضمير الفصل توكيداً لهذا المعنى.

أمّا الآية الثالثة فهي ليست في الموازنة بين أهل الأديان، وإنما هي رد على تصرف سيِّءٍ ومكر، حيث قالت طائفة من أهل الكتاب: آمنوا بما أنزل على محمد وجه النهار واكفروا آخره وقولوا نحن آمنا به ظناً بأنه حق ولكن استبان لنا أنه باطل فرجعنا عنه إلى ديننا الذي هو الحق لعلهم يرجعون عن دينهم، فنزلت الآية رداً على مكرهم وكيدهم وادعائهم الهدى، فقال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) [آل عمران:73] أي: أنّ الهدى أنْ يهديكم الله إلى الدين الصحيح وإلى الحق وليس الهدى أنْ تعملوا مثل هذا المكر والتبييت، والله أعلم.



السؤال الثامن:


ما سبب اختلاف الفاصلة بين آية البقرة [120] (وَلَا نَصِيرٍ) وفاصلة آية الرعد [37] (وَلَا وَاقٍ)؟



الجواب:


آية الرعد [37] هي قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ).

1ـ في آية الرعد قال: (وَلَا وَاقٍ) [الرعد:37] والواقي هو الحافظ وهو أعم من النصير؛ لأنّ الواقي قد يكون عاقلاً أو من الجمادات أو غيرها، فالسقف واق والملابس واقية وأمّا النصير فلا يكون إلا عاقلاً قادراً.

2ـ حدد الأهواء وعينها في آية البقرة (حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] ولم يحددها في الرعد بل أطلقها، فجعل العام وهو الواقي مع العام وهو عموم الأهواء مع الاسم الموصول المشترك

( ما ) وجعل الخاص مع الأهواء المحددة مع الاسم الموصول المختص وهو) الذي ).

3ـ النصير ينصر صاحبه على الخصم ويمكّنه منه، وأمّا الواقي فإنه يحفظه منه وقد لا يتمكن من نصره، ولذلك فوجود النصير أتم في النعمة من وجود الواقي.

لذلك جعل نفي النصير وهو النعمة الأتم، مع الوزر الأعظم وهو ترك ملة الإسلام، وجعل نفي الواقي الذي هو دون ذلك مع ما هو أقل وهو إنكار بعض الأحزاب بعض ما أنزل إليه.

4ـ تناسب الفاصلة مع السياق، ففي آية البقرة (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [البقرة:120] فإذا اتبع ملتهم كان منهم، وأهل الملة ينصرون أتباعهم على غيرهم، فنفى النصير عنه.

وأمّا آية الرعد فلم يذكر فيها ذلك، وإنما قال: (وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) [الرعد:36] واتباع البعض قد لا يقتضي النصرة ومحاربة الأعداء من أجل ذلك البعض، لكن ربما يحفظونه إذا وقع في شدة.

5ـ انظر الجدول التالي حيث يتبين تناسب اختيار الكلمات مع تناسب عدد التكرار في السورتين:

السورة تكراركلمة (نصير) تكراركلمة (واق) الآيات

البقرة 2 - 107- 120

الرعد - 2 34- 37

6ـ تناسب الفاصلة في كل سورة والله أعلم.



السؤال التاسع:


ما الدرس المستفاد من قوله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى) [البقرة:120]؟




الجواب:


كان اليهود يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدخل كيد ولؤم، فيقولون: هادنا، أي: قل لنا ما في كتابنا حتى ننظر إذا كنا نتبعك أم لا فأراد الله أنْ يقطع على اليهود مكرهم فأخبر رسوله بأنه لا اليهود ولا النصارى سيتبعون ملتك وإنما يريدون أن تتبع ملتهم.

والخطاب وإنْ كان للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو أيضاً لأمته إلى يوم القيامة، فلينتبه المسلمون إلى ذلك ولذلك يجب أن نستعيذ بالله من أن نصنع تصرفاً نرضي به اليهود أو النصارى لأنّ ذلك معناه أنني تبعت ملتهم لأنّ الله قال(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [البقرة:120].


ويجب أن نفرق بين الرضا وبين التعايش لأنّ التعايش يقتضيك أن تتحمل فعل قالبٍ لا بحب قلب بينما الرضا أن ترضى فعل القالب بحب قلب.


ولذلك كان عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع اليهود لا رضى منه عن اليهود وإنما كان تعايشاً وما كان للرسول عليه السلام أن يفعل فعلاً ترضى عنه به اليهود لأنّ النصارى واليهود إنْ رضوا عن واحد فليُحكم بأنه قد فارق ملة الله تعالى بنص الآية والعياذ بالله.

وهذه الآية رقم ( 120 ) ذكرت المخالفة الثامنة والعشرين (28 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة وهي تحمل مضمون: محاولة إخراج المسلمين من دينهم.والله أعلم.


رابطة العلماء السوريين

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) [ البقرة: 123 ]

السؤال الأول:

لماذا حذف الجار والمجرور المقدر( فيه ) مع الفعل (تَجْزِي) [البقرة:123] في الآية؟

الجواب:

انظر الجواب في آية البقرة [48 ] في الحلقة ( 55 ) على موقع رابطة العلماء السوريين المنشورة بتاريخ 28/ 05 / 2020 م.

السؤال الثاني:

قوله تعالى في الآية: (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) [البقرة:123]، وقال في آية البقرة [48]:( وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) [البقرة:48] فما سبب هذا الاختلاف؟ ومتى تذكر الشفاعة أو تؤنث؟

الجواب:

1ـ في آية البقرة [48] قوله تعالى (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ) [البقرة:48].

آ ـ ذكّر الفعل (يُقْبَلُ) مع الشفاعة؛ لأنّ الشفاعة هنا لمن سيشفع، أي: للشافع وهو مذكر.

ب ـ الشفاعة ليست مؤنثة حتى تكون الشفاعة مطلقة.

ج ـ إذا فصلت بين المؤنث الحقيقي والمؤنث المجازي يجوز التذكير والتأنيث، تقول: ذهب إلى الجامعة فاطمة وذهبت إلى الجامعة فاطمة، هكذا إذا كان هناك فصل، لكنْ: ذهبت فاطمة لا يجوز غير هذا: ذهبت فاطمة.

د ـ أمّا المؤنث المجازي، فتقول: طلعت الشمس، وطلع الشمس، ابتداء فهذا مؤنث مجازي.

2ـ في آية البقرة[ 123] أنّث الفعل، فقال: (وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) [البقرة:123] ؛لأنّ المقصود هي الشفاعة نفسها وليس الكلام عن الشفيع.

3ـ في آيات يس 23 قوله تعالى (لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا) [يس:23] وآية النجم [26] قوله تعالى:( لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا) [النجم:26] أنّث الفعل؛ لأنّ المقصود هي الشفاعة نفسها.

السؤال الثالث:

ما خصوصية استعمال القرآن لكلمتي: العدل والقسط؟

الجواب:

1ـ القسط: هو الحظ والنصيب، والقرآن لم يستعمله إلا مع الموازين، وهذا من خصوصية الاستعمال القرآني والقسط يستعمل مع غير الميزان، لكنّ القرآن يستعمله مع الميزان ولا يستعمل العدل مع الميزان، والقسط قد يكون في القسمة وفيه ارتباط بالآلة (قسطاس).

ولذلك في القرآن الكريم لم يستعمل مع الوزن إلا القسط، نحو قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) [الرحمن:9]، وقوله تعالى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ) [الإسراء:35] والقسطاس هو ميزان العدل، وأصل كلمة قسطاس عدل، فسموا الميزان قسطاساً؛ لأنه عدل.

2ـ العدل معناه المساواة في الأحكام، وعندنا عَدلٌ وعِدلٌ، فالعِدلُ ـ بكسر العين ـ فهو فيما يُبصر من الأشياء تقول: هذا عِدل هذا، مثل حِملَينِ متساويين.

أمّا العَدلُ ـ بفتح العين ـ فهو أحكام ومساواة في الحكم وفيما لا يُبصر من الأشياء، نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) [المائدة:95] أي: ذوا قسط (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) [المائدة:95] والصيام لا يُبصر (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا ) [الأنعام:70] لم يقل كل قسط، (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ) [البقرة:123]. والله أعلم.

 

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 

(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ١٢٤) [ البقرة: 124 ]

السؤال الأول:

ما الدروس المستفادة من هذه الآية؟

الجواب:

1ـ (إذ) معناها اذكر وقت أنْ ابتلى اللهُ إبراهيم بكلمات.

2ـ الابتلاء هو الامتحان، والابتلاء ليس شراً ولكنه مقياس لاختبار الخير والشر وهو من أسس التربية.

3ـ الابتلاء هنا بكلمات، والكلمات جمع كلمة، والكلمة قد تطلق على الجملة، كقوله تعالى: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا) [الكهف:5].

4ـ قال العلماء: إنّ الابتلاءات كانت عشرة، وقالوا: أربعين، منها عشرة في سورة التوبة (الآية112)، وعشرة في سورة المؤمنون (الآيات 1ـ10) وعشرة في الأحزاب (الآية 35) وعشرة في المعارج (الآيات 22ـ34 ).

ونخرج من هذا الجدل بأنْ نقول: إنّ الله ابتلى إبراهيم عليه السلام بكلمات تكليفية (افعل كذا ولا تفعل كذا) فقد ابتلاه في النار فلم يجزع، فأتاه جبريل عليه السلام فيقول: ألك حاجة؟ فيرد إبراهيم: أمّا إليك فلا، وأمّا إلى الله فعلمه بحالي يغنيه عن سؤالي، وابتلي بذبح ابنه الوحيد وهو شيخ كبير فيطيع بنفس مطمئنة. وقيل:هي خصال الفطرة العشرة: المضمضة ـ الاستنشاق ـ السواك ـ قص الشارب ـ غسل البراجم ( عُقد الأصابع ) ـ تقليم الأظافر ـ نتف الإبط ـ حلق العانة ـ الختان ـ غسل مكان البول والغائط.

وكون إبراهيم أدى جميع التكليفات بعشق وحب وزاد عليها من جنسها فقد نجح في الابتلاء ووفّى (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم:37] فكان الله أعز عليه من نفسه وأهله وولده.

5ـ كافأه الله بقوله: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) [البقرة:124] أي: إماماً للبشر، فاستقبل إبراهيم هذه البشرى وأراد أنْ ينقل الإمامة إلى أولاده وأحفاده حتى لا يحرموا من القيم الإيمانية خلال حياتهم، فردّ الله على إبراهيم بقضية إيمانية أيضاً فيها تقريع لليهود الذين تركوا القيم وعبدوا المادة فقال: (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة:124] وعهد الله هو الفاعل الذي يجذب صاحبه.

6ـ في الآية استقراء للغيب أنه سيأتي من ذرية إبراهيم من سيفسق ويظلم، والمقصود بذلك اليهود.

7ـ الرسالة ليست ميراثاً، ومن العجائب أنّ موسى وهارون عليهما السلام كانا رسولين، والرسول الأصيل موسى وجاء هارون ليشد أزره، وشاءت مشيئة الله أنْ تستمر الرسالة في ذرية هارون وليس في ذرية موسى.

8ـ الأنبياء اصطفاؤهم اصطفاء قيم، وأبناؤهم هم الذين يأخذون منهم هذه القيم، وليسوا الذين يأخذون الجنس والدم واللون، وانظر إلى قصة نوح عليه السلام مع ابنه لتتحقق من ذلك.

9ـ إمامة الناس عطاء ألوهية لا يناله إلا المؤمن، أمّا الرزق فعطاء ربوبية يناله المؤمن والكافر؛ لأنّ الله هو الذي استدعانا للحياة جميعاً وكفل لنا الرزق جميعاً.

10 ـ ( إبراهيم ) اسم أعجمي معناه: أبٌ رحيم أو أبو الأمم ينتسب إلى سام بن نوح عليه السلام وُلد حوالي 2000 قبل الميلاد في الأهواز أو (أور ) الكلدانية ثم انتقل به والده إلى حُوران ثم إلى بابل أرض النمرود وتزوج سارة وهاجر بها إلى مصر بسبب الجفاف والقحط الذي أصاب البلاد وأهدى له ملك مصر ( هاجر ) أم إسماعيل وقيل تُوفي إبراهيم سنة 1773 قبل الميلاد وجميع الطوائف من اليهود والنصارى والعرب تعتز بنسبها وصلتها بخليل الرحمن وكلها تؤمن به وبدعوته ورسالته.وقد جاء محمد عليه السلام بما جاء به إبراهيم عليه السلام.

السؤال الثاني:

ما دلالة تأخير لفظ (ربه) فى قوله تعالى (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ) [البقرة:124]؟

الجواب:

الابتلاء هو الاختبار، فإن كلّفت شخصاً بشيء فما يكون تكليفك له متضمناً معنى اختيار فعله أو تركه.

وابتلاء الله لإبراهيم تكليف له؛ لأنّ الله كلفه بأوامر ونواهٍ. وفي هذه الآية تقديم ما حقه التأخير، فـ (إِبْرَاهِيمَ) مفعول به، وقد تقدّم على الفاعل (رَبُّهُ) فما الهدف من هذا التقديم؟

المقصود من هذا تشريف سيدنا إبراهيم عليه السلام بإضافة اسم ربه إلى اسمه وهو الهاء في قوله (رَبُّهُ) أي: رب إبراهيم.

السؤال الثالث:

لم سمى الله عز وجل إبراهيم إماماً فى الآية؟

الجواب:

سمّى الله تعالى إبراهيم في هذه الآية إماماً، وقصد بإمامته أنه رسول، فلِمَ عدل عن تسميته رسولاً إلى تسميته إماماً؟

والجواب: ليكون ذلك دالاً على أنّ رسالته تنفع الأمة المرسَل إليها بالتبليغ وتنفع غيرهم من الأمم بطريق الامتداد، لاسيما وأنّ إبراهيم عليه السلام قد طوّف بالآفاق.

السؤال الرابع:

قوله تعالى (قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) [البقرة:124] (من) للتبعيض،فلِمَ خصّ إبراهيم بالدعاء بعض ذريته؟

الجواب:

قال: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [البقرة:124] ولم يقل: ذريتي؛ لأنه يعلم أنّ حكمة الله تعالى تقتضي ألا يكون جميع أبناء الرجل ممن يصلحون لأن يُقتدى بهم، ولذلك لم يسأل الله تعالى ما هو مستحيل عادة، لأنّ ذلك ليس من آداب الدعاء، ولم يجعل الدعاء عاماً شاملاً لكل الذرية بحيث يقول: (وذريتي).

السؤال الخامس:

لماذا نصبت كلمة الظالمين في الآية (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة:124]؟

الجواب:

الظالمين مفعول به والعهد الفاعل، الظالمين مفعول به منصوب بالياء؛ لأنه جمع مذكر سالم.

السؤال السادس:

وردت كلمة (إِبْرَاهِيمَ) في القرآن كله بالياء إلا في سورة البقرة جاءت بدون الياء (إِبْرَاهِمَ) فما دلالة ذلك؟

الجواب:

وردت كلمة (إبراهيم) في القرآن الكريم 69 مرة، منها 15 مرة في سورة البقرة كلها بدون الياء، والباقي 54 مرة بالياء.

وهذا من خط المصحف، والقاعدة تقول: خط المصحف لا يقاس عليه.

والمصحف كتبه عدد كبير من الكتبة، فمرة يرسم حرف العلة ومرة لا يرسم، وأحيانا يكون الرسم لاختلاف القراءات، فيوضع الرسم الذي يجمع القراءات المتواترة، مثل (ملك) في سورة الفاتحة بدون ألف؛ لأنه ورد قراءة متواترة ( ملك يوم الدين) وشروط القراءة الصحيحة أنْ تكون موافقة لرسم المصحف.

وكلمة (إبراهيم) في سورة البقرة ورد فيها قراءتان متواترتان: إحداهما (إبراهام) بدون ياء، والثانية بالياء، فكتبت بالشكل الذي يحتمل القراءتين. والله أعلم.

السؤال السابع:

هل من تفصيل أكثر وأوسع للسؤال السابق؟

الجواب:

كلمة (إبراهيم) اسم أعجمي، والعرب كانت تتصرف في الاسم الأعجمي، وورد في «زاد المسير» أنه في إبراهيم ست لغات، وهي: إبراهيم ـ وهي أشهرها ـ إبراهُم ـ إبراهَم ـ إبراهِم ـ إبراهام ـ إبرهم.

1ـ لقد وردت كلمة (إبراهيم) في القرآن الكريم 69مرة، اختلف القراء في 33 موضعاً منها 15مرة في سورة البقرة كتبت كلها بدون الياء (إبراهم) وذلك في الآيات التالية:

(124ـ125ـ125ـ126ـ127ـ130ـ132ـ133ـ135ـ136ـ140ـ258ـ258ـ 258ـ260).

والباقي 54 مرة موزعة على 24 سورة أخرى غير سورة البقرة مكتوبة بالياء إبراهيم وذلك حسب الجدول التالي:

1(20).jpg

2(19).jpg

3(10).jpg

المجموع: 69 مرة، وعدد السور25 سورة.

2ـ حذفوا ياء (إبراهيم) في سورة البقرة فقط، وكتبوها (إبراهم) مع وضع إشارة ياء صغيرة فوق الكلمة لتدل على وجود قراءتين متواترتين.

3ـ رسمت كلمة إبراهيم بلا ياء في المصاحف العراقية والشامية وفي مصحف الإمام، أمّا في باقي المصاحف فرسمت بياء.

وبالتالي فإنّ رسمها بلا ياء في سورة البقرة ليس مجمعاً عليه، ولكنّ المصحف المنتشر برواية حفص ترسم فيه بحذف الياء في سورة البقرة.

قال الإمام الشاطبي رحمه الله في «عقيلة أتراب القصائد»:

والحذفُ في ياءِ ابراهيمَ قيل هنا=شامٌ عراقٌ ونِعمَ العِرقُ ما انتشـرا

أي: حُذِفت ياء (إبراهيم) من الرسم الشامي والكوفي والبصري.

4ـ وسبب ذلك بشكل عام هو وجود قراءتين، لكن بشكل عام نجد أنّ:

آ ـ خط المصحف لا يقاس عليه.

وللعلم فقد حصل تطور في تاريخ الكتابة منذ زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبدأت الكتابة العربية تستقر، ولذلك نرى أكثر من رسم للكلمة، مثل كلمة (لكيلا) فيمكن كتابتها موصولة أو مفصولة، (لكي لا) وكلاهما جائز عند العرب.

ب ـ الإمام عبد الله بن عامر الشامي هو أحد القراء السبعة المشهورين لدى علماء القراءات، ولابن عامر راويان هما: هشام بن عمار الدمشقي، والآخر أحمد بن ذكوان الدمشقي.

أمّا هشام فقرأ كلمة (إبراهيم) بالألف في ثلاثة وثلاثين موضعاً، منها جميع ما في سورة البقرة أي: قرأها (إبراهام) أي: بإبدال الياء ألفاً وأمّا ابن ذكوان فقرأها بالألف وبالياء.

وفي سورة البقرة فقط اجتمع الراويان بالألف هشام وابن ذكوان، فكتبت بدون ياء في سورة البقرة مع وضع ياء صغيرة فوقها للدلالة على القراءة الأخرى.

لذلك نرى أنّ قراءة الياء في المرسوم بها قياسية، وفي محذوفها اصطلاحية كما في كلمة (إسرائيل) و(الداع).

ج ـ كتابة مصحف ابن عامر ومصحف المدينة رواية حفص عن عاصم متقاربة.

د ـ هكذا وصلت إلينا صيغة الكتابة من الصحابة رضوان الله عليهم الذين كتبوا القرآن ولم ينكشف سر ذلك لأحد، والله سبحانه علام الغيوب، والرسم بُني على حكمة ذهبت بذهاب كتبته.

5ـ (للعلم فإنّ التوراة تذكر في الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين أنّ سيدنا إبراهيم عليه السلام كان اسمه ( إبراهم ) وكان عمره 86 سنة لما ولدت هاجر ابنه إسماعيل عليه السلام ولمّا بلغ إبراهيم 99 سنة تكلم الله معه وقال له: إنه سيكون أباً لجمهور من الأمم فلا يدعى اسمه بعد ( إبراهم ) بل سيكون اسمه ( إبراهيم ) لأنه سيكثر نسله ويجعله أمماً وبشره بإسحق عليه السلام وبارك له في إسماعيل وإسحق....

ونخلص من ذلك أنّ سيدنا إبراهيم عليه السلام كان له اسمان هما ( إبراهم) وذلك قبل أن يرزقه بالولد وعندما رزقه الله بالولد إسماعيل وإسحق جعل اسمه ( إبراهيم ) بزيادة الياء لأنّ زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى. وهناك لفتة لطيفة أنّ اسم ( إبراهم) بدون ياء هو في سورة البقرة فقط أي في بداية القرآن الكريم وهو ما يتمشى مع بداية عُمر سيدنا إبراهيم عليه السلام ).

من كتاب( إعجاز رسم القرآن ) لمحمد شملول.

والله أعلم.

 

رابطة العلماء السوريين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ١٢٦)[ البقرة: 126 ]

 

السؤال الأول:

 

ما الفرق بين قوله تعالى: (رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا) [البقرة:126] وقوله تعالى: (رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا ٱلۡبَلَدَ ءَامِنٗا) [إبراهيم:35]؟

 

الجواب:

الآية الأولى هي دعاء سيدنا إبراهيم قبل أنْ تكون مكة بلداً، فجاء بصيغة التنكير (بَلَدًا) [البقرة:126]، أمّا الآية الثانية فهي دعاء سيدنا إبراهيم بعد أنْ أصبحت مكة بلداً معروفاً فجاء بصيغة التعريف في قوله: (ٱلۡبَلَدَ) [إبراهيم:35].

في الآية الثانية المكان صار بلداً وصار فيه ناس، بل أكثر من ذلك جاء إليه من يعبد الأصنام، وقوله تعالى: (وَٱجۡنُبۡنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعۡبُدَ ٱلۡأَصۡنَامَ) [إبراهيم:35] معناه: أنّ هناك في البلد من القبائل أو من الأعراب الذين سكنوا مع هاجر من كانوا يعبدون الأصنام، فلا يريد لذريته أنْ يتأثروا بهؤلاء فانصب الطلب على الأمن ودفع عبادة الأصنام.

 

السؤال الثاني:

قوله تعالى في البقرة قال: (ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ) [البقرة:126] بضمير المفرد وفي آية لقمان: 24 بالجمع (نُمَتِّعُهُمۡ قَلِيلٗا ثُمَّ نَضۡطَرُّهُمۡ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٖ) [لقمان:24] فما الفرق بينهما؟

 

الجواب:

حتى نفهم المسألة نقرأ سياق آية البقرة؛ لأنّ السياق هو الذي يوضّح (وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ) [البقرة:126] إذن آية البقرة في مكة، وأمّا آية لقمان فهي عامة (نُمَتِّعُهُمۡ قَلِيلٗا) [لقمان:24] كلام عام، وليس في بلد معين ولا لأناس معيَّنين.

1ـ آية البقرة هي دعاء على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام لأهل مكة قبل أنْ توجد حيث ذكر (بَلَدًا)، وأمّا آية لقمان فهي عامة و ليست في بلد معين أو أناس معينين، لذلك نجد أنَّ:

آ ـ في آية لقمان حيث توجد الكثرة النسبية جاء فيها بالجمع(نُمَتِّعُهُمۡ) [لقمان:24] (نَضۡطَرُّهُمۡ) [لقمان:24].

ب ـ وفي آية البقرة العدد أقل نسبياً، فجاء بضمير الإفراد (أَضۡطَرُّهُۥ) [البقرة:126] والله هو صاحب البيت (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ) [البقرة:125] وهو يتولى العذاب.

2ـ في آية البقرة جاء فيها قوله تعالى: (وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ) [البقرة:126] وهذا هوطلب الرزق كنوع من التمتيع، وهذا ليس في التبليغ؛ لذلك عندما قال: (وَمَن كَفَرَ) [البقرة:126] كان الجواب (فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا) [البقرة:126].

وأمّا في آية لقمان فقال: (وَمَن كَفَرَ) و(نُمَتِّعُهُمۡ قَلِيلٗا) و(نَضۡطَرُّهُمۡ) كلها بالجمع؛ لأنها تخص التبليغ والدعوة.

3ـ قال في آية لقمان: (إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٖ) وفي البقرة: (إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ ) [البقرة:126] والثانية فيها حرق فهي أشد من (إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٖ) فقد يكون بعصا غليظة مثلاً، والسبب في ذلك أنّ آية البقرة هي في أهل مكة، وفي مكة قد تتضاعف السيئات كما تتضاعف الحسنات، فالمعاصي فيها أكبر ذنباً والعذاب بسبب ذلك أشد؛ لأنّ من أساء في مكة ليس كمن أساء في غيرها، ولذلك شدّد العذاب فقال: (عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ) [البقرة:126]. والله أعلم.

4ـ وفي القرآن يراعي هذا الشيء، نحو قوله تعالى: (وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يَعۡقِلُونَ) [يونس:42] الذين يستمعون أكثر من الذين ينظرون، فقال: يستمعون، هذه تسمى مناسبة، وهذا ما جعل المفعول في لقمان بالجمع، وفي البقرة بالمفرد.

 

السؤال الثالث:

جاء في الآية لفظة النداء (رَبِّ) [البقرة:126] وفي آيات كثيرة (رَبَّنَا) فهل من معانٍ لهذا النداء؟

 

الجواب:

1ـ كلمة (رَبَّنَا) هي منادى بإسقاط حرف النداء، والمنادى هو طلب الإقبال، وهو اسم يقع بعد أداة من أدوات النداء، وأدوات النداء تختلف باختلاف المسافة بينك وبين المنادى.

آ ـ فإذا كان المنادى بجوارك تقول: محمدٌ افعل كذا، أي:بدون أداة نداء.

ب ـ فإنْ كان بعيداً قليلاً تقول: أمحمدُ، أي: باستعمال الهمزة.

ج ـ فإنْ كان أبعد من سابقه تقول: يا محمد، أي: باستعمال الياء.

د ـ فإنْ كان أبعد من سابقه تقول: أيا محمد، أي: باستعمال الهمزة والياء.

2ـ إذا أضيف المنادى إلى ياء المتكلم، جاز حذف الياء والاستغناء عنها بالكسرة، نحو قوله تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا) [طه:114].

3ـ قد يأتي المنادى ويحذف حرف النداء، كقوله تعالى: (رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ) [الحشر:10].

وأنت أيها المؤمن حين تنادي ربك وإنْ لم تكن أنت قريباً من الله فالله قريب منك، ولذلك لا تستخدم أداة النداء لا للقريب ولا للبعيد، ويكفي في هذا القرب قول الله تعالى: (وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ) [ق:16].

وقد ورد في القرآن الكريم لفظ (رَبِّ) كمنادى في خمس وستين آية بدون أداة نداء، أولها في سورة البقرة في الآية [126] على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام (وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا) [البقرة:126] إلى قول نوح عليه السلام في سورة نوح: (رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ) [نوح:28].

والله قريب منا بالفعل، وإنْ حدث بُعدٌ فمنك أنت أيها العبد، وأكثر ما يكون العبد قرباً من الله حين يكون مضطراً حتى إنْ كان بعيداً عن الله قبل الاضطرار.

وفي آيتين فقط من كتاب الله نودي الربُّ تبارك وتعالى بأداة النداء، وهذان الموضعان حكاية عن كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهما:

(وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا) [الفرقان:30].

(وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ) [الزُّخرُف:88] والسؤال لماذا لم تأتِ أداة النداء إلا من سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في نداء ربه؟

والجواب: أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان شديد الحرص على هداية قومه ونصرة دعوته حتى خاطبه ربه بقوله: لَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ  [الشعراء:3].

وقد مرّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمواقف صعبة لدرجة جعلته يستبطىء نصر الله، كما قال سبحانه في سورة البقرة الآية [214]: وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ٢١٤ [البقرة: ٢١٤] فخاف صلى الله عليه وآله وسلم أنْ يكون بعُدَ عن ربه، وهذا البعد ما هو إلا مظنة من رسول الله أو اتهامٌ للنفس فلمّا ذهب صلى الله عليه وآله وسلم يدعو ربه ويشتكي إليه أنّ قومه هجروا القرآن نادى ربه من منزلة البعيد، فقال:(يا رب)، وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم ظن في نفسه التقصير أو الفشل، ورأى أنّ ذلك يُبعده عن ربه، لكنّ الله تعالى أنصفه وأكد نداءه، بل وأقسم به فقال الحق عز وجل: (وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ٨٨ فَٱصۡفَحۡ عَنۡهُمۡ وَقُلۡ سَلَٰمٞۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ) [الزُّخرُف:88-89].

أي: أقسم بقولك: (إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا٣٠) [الفرقان:30] والله تعالى يقسم بما يشاء على ما يشاء، ولم يقسم بأحد من الخلق إلا برسول الله، في قوله: (لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ) [الحِجر:72] وأقسم الله كذلك بقول رسوله فقال سبحانه: (وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ٨٨) [الزُّخرُف:88].

4ـ بشكل عام يجوز حذف حرف النداء نحو قوله تعالى: (يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ) [يوسف:29] و يلزم ذكر حرف النداء مع ( الله ) ومع اسم الجنس سواء كان نكرة مقصودة أم غير مقصودة واسم الإشارة فإذا ناديت ( الله ) قلت: يا الله وكذلك اسم الجنس نحو: ( يا رجل ) و ( يا هذا ) كما يلزم ذكر حرف النداء في الاستغاثة والتعجب والندبة نحو: يا لخالد ويا للهول.

 

5ـ من أغراض حذف حرف النداء:

آ ـ الحذف للعجلة بقصد الفراغ من الكلام بسرعة نحو قولك:( خالد احذر )

ب ـ الحذف للإيجاز والاختصار وذلك كما في قوله تعالى: (قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي) [الأعراف:150] فحذف حرف النداء ( يا ) من المنادى (ابن أم ) في حين ذكرها في سورة طه: (قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ) [طه:94] والسبب ـ والله أعلم ـ أنّ السياق في سورة الأعراف سياق إيجاز واختصار بخلاف آيات طه وإليك كلاً من السياقين:

قال الله في سورة الأعراف:

{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗا قَالَ بِئۡسَمَا خَلَفۡتُمُونِي مِنۢ بَعۡدِيٓۖ أَعَجِلۡتُمۡ أَمۡرَ رَبِّكُمۡۖ وَأَلۡقَى ٱلۡأَلۡوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأۡسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُۥٓ إِلَيۡهِۚ قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي فَلَا تُشۡمِتۡ بِيَ ٱلۡأَعۡدَآءَ وَلَا تَجۡعَلۡنِي مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ١٥٠ قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِأَخِي وَأَدۡخِلۡنَا فِي رَحۡمَتِكَۖ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ١٥١ } [الأعراف:150-151].

وقال في سورة طه:

{ فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي٨٦ قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيُّ}[طه:86-87].

ثم ذكر موقف هارون عليه السلام: ( وَلَقَدۡ قَالَ لَهُمۡ هَٰرُونُ مِن قَبۡلُ يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوٓاْ أَمۡرِي) [طه:90] ثم توجه باللوم إلى هارون: { قَالَ يَٰهَٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذۡ رَأَيۡتَهُمۡ ضَلُّوٓاْ٩٢ أَلَّا تَتَّبِعَنِۖ أَفَعَصَيۡتَ أَمۡرِي٩٣ ) [طه:92-93] فأجابه هارون عليه السلام: { قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقۡتَ بَيۡنَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَلَمۡ تَرۡقُبۡ قَوۡلِي٩٤) [طه:94] ويستمر الكلام.. ولذلك نجد أنّ الكلام في سورة الأعراف كان مختصراً موجزاً وكان الموقف موقف عجلة وإسراع فحذف ( يا) النداء تمشياً مع هذا الحذف والاختصار وأمّا في سورة طه فالسياق سياق إطالة وسؤال ورد ولوم فجاء بـ ( يا ).

ومن الحذف أيضاً قوله تعالى: (يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ) [يوسف:29] فقد أرادوا ستر الموضوع والكف عن الخوض فيه فقالوا ذلك بأخصر طريق فحذف حرف النداء تمشياً مع هذا الاختصار والتستر.

ج ـ قد يكون ذكر ( يا ) للزيادة في التنبيه والتقريع كما في قوله تعالى:{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ١ }[الحج:1]

د ـ قد يكون الحذف لقرب المنادى من المنادي سواء كان قرباً حقيقياً مادياً أم معنوياً فكأنّ المنادى لقربه لا يحتاج إلى واسطة لندائه كأنْ تقول لمن هو قريب جداً منك: ( خالد أتدري ما حلّ بفلان؟) ونحو قوله تعالى: { رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِۚ) [هود:73] وقوله: { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا٣٣ ) [الأحزاب:33]. والله أعلم.

 

السؤال الرابع:

ما أهم الدعوات التي جاءت على لسان إبراهيم عليه السلام في هذه الآية والآيات التي تليها وتتحدث عن البيت الحرام؟

 

الجواب:

 

آ ـ ساق القرآن الكريم في هذه الآية والآيات التي تليها سبع دعوات من جوامع كلم النبوة:

1ـ دعا إبراهيمُ عليه السلام أن يجعل البلد الحرام بلداً آمناً حتى يستطيع الناس أداء الحج والعمرة.

2ـ ودعاه أن يرزق أهل مكة أنواع الثمرات في وقت كانت فيه مكة صحراء قاحلة.

3 ـ ودعاه وهو يرفع قواعد البيت مع ابنه إسماعيل أن يتقبّل منهما عملهما.

4 ـ ودعا ربه أن يثبتهما على الإسلام وهو التوحيد الخالص وأن يُخرج من ذريتهما أمة مسلمة موحدة لربها.

5ـ وسأل ربه أن يبصّره وذريته بمعالم الدين وطرق العبادة ومنها مناسك الحج.

6 ـ وسأل ربه التوبة والتجاوز عن الذنوب.

7 ـ وسأل ربه أخيراً أن يبعث من أهل مكة رسولاً منهم تنطلق رسالته من مكة إلى العالم أجمع ليعلّمهم القرآن والسنة ويطهرهم من الشرك وسوء الأخلاق.

ب ـ قرأ ابن عامر ( فأُمْتِعه ) بسكون الميم وتخفيف التاء على أنه مضارع الفعل (أمتع ) المعدّى بالهمز وقرأ غيرُه(فَأُمَتِّعُهُۥ) بفتح الميم وتشديد التاء مضارع الفعل ( متّع ) المعدّى بالتضعيف.والله أعلم.

 

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,


 

(وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ)[ البقرة: 127 ]

 

السؤال الأول:

 

ما فائدة الضمير (أَنتَ) في الآية؟

 

الجواب:

 

جاء الخبر(ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ) معرفةً، ووقع بين (إِنَّكَ) والخبر (ٱلسَّمِيعُ) ضمير الفصل (أَنتَ) بقصد المبالغة في كمال الوصفين السميع والعليم له سبحانه وتعالى، ولينزَل سمع وعلم غيره منزلة العدم، ألا ترى أنك لو قلت لرجل: أنت سامع، إذا أردت أنه أحد السامعين، أما إذا عرّفت فقلت: أنت السامع، فهذا يعني أنه السامع لا غيره.

 

السؤال الثاني:

 

هل يُضمَرُ القول في القرآن الكريم؟ وما حالات إضمار القول؟

 

الجواب:

 

1ـ الأصل أنْ يُذكر فعل القول والمقول، كقوله تعالى: (قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ) [مريم:30] (قَالَ) هي فعل القول، و (إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ) هي المقول.

2ـ قد يُحذف فعل القول ويُذكر القول، كقوله تعالى في آية التوبة والبقرة:

ـ (نَّظَرَ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ هَلۡ يَرَىٰكُم مِّنۡ أَحَدٖ) [التوبة:127] أي: يقولون: (هَلۡ يَرَىٰكُم مِّنۡ أَحَدٖ) [التوبة:127] ولم يذكر فعل القول.

ـ (وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ ) [البقرة:127] أي: يقولون: ربنا تقبل منا، بدون ذكر فعل القول.

3ـ قد يُذكر فعل القول ويُحذف المقول، كقوله تعالى في آية يونس:

ـ (قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا) [يونس:77] ؛ وبيان ذلك:

آـ قال موسى: أتقولون للحق لمّا جاءكم، هنا فعل القول والمقول من موسى عليه السلام لقومه، بمعنى: أي ما تقولون في الحق الذي جئت به؟

ب ـ ثم بعد أنْ ذكر فعل القول لقوم موسى وهو (أَتَقُولُونَ) [يونس:77] حذف عنه المفعول به وهو مقولهم لدلالة الحال عليه.

ج ـ ثم قال مرة أخرى: (أَسِحۡرٌ هَٰذَا) [يونس:77] وهذا استفهام على سبيل الإنكار، ثم احتج على أنه ليس بسحر في قوله: (وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّٰحِرُونَ) [يونس:77].

4ـ قد يُذكر مقولان لقائلين مختلفين ويُحذف الفعل لواحد منهما، كقوله تعالى:

ـ (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۢۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ) [النحل:28] ففي الآية مقولان:

آـ (مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۢۚ) [النحل:28] وهذا مقول الظالمي أنفسهم، وذكر فعل القول (ألقوا) أي: أسلموا وأقروا بالعبودية عند الموت، فقالوا: ما كنا نعمل من سوء، والمراد بالسوء هنا: الشرك.

ب ـ (إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ) [النحل:28] وهذا مقول الملائكة رداً عليهم وتكذيباً، وأُدمج المقولان، وهو مفهوم من السياق.

5ـ أن يُذكر فعل القول ومقوله، ثم يدمجه مع مقول آخر.

 

شواهد قرآنية:

 

آية يوسف: [51ـ52]:

ـ (قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ٥١ ذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي كَيۡدَ ٱلۡخَآئِنِينَ) [يوسف: 51 - 52] وتفصيل ذلك:

آ ـ (قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ) [يوسف:51] في الآية فعل القول: قالت، ومقولها: أنا راودته.

ب ـ (ذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ) [يوسف:52] هذا مقول يوسف عليه السلام عند أكثر المفسرين.

آية النمل[34]:

ـ (قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةٗۚ) [النمل:34] وهذا كلام بلقيس، ثم إنه تعالى قال: (وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ) [النمل:34].

آية آل عمران [9]:

ـ (رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِۚ) [آل عمران:9] هذا كلام الداعي، ثم قال: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ) [آل عمران:9].

6ـ أنْ يُذكر فعل القول ولا يُذكر المقول، بل يُذكر فحواه، كقوله تعالى:

ـ (قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ) [إبراهيم:31] أي: أقيموا الصلاة، وهذا فحوى القول.

ـ (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ) [الإسراء:53] أي: يقولوا القول الحسن.

والله أعلم.


مثنى محمد هبيان

رابطة العلماء السوريين


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ) [ البقرة:129 ]

 

السؤال الأول:

 

ما دلالة الفرق في الترتيب بين آية سورة البقرة (رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ١٢٩) [البقرة:129] وآية سورة الجمعة (هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ٢) [الجمعة:2]؟

 

الجواب:

أولا:

وردت في القرآن الكريم مثل هذه الآيات أربع مرات، ثلاثاً منها عن الله تعالى، ومرة على لسان إبراهيم عليه السلام، وهي الآيات التالية:

1. سورة البقرة: (كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ١٥١) [البقرة:151].

2. آل عمران: (لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ١٦٤ ) [آل عمران:164].

3. سورة الجمعة: (هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ٢) [الجمعة:2].

وعلى لسان إبراهيم عليه السلام:

4. سورة البقرة: (رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ١٢٩) [البقرة:129].

وهذا يعود إلى ترتيب الأولويات والأهمية في الخطابين، فعندما دعا إبراهيم عليه السلام ربه أنْ يرسل رسولاً أخَّرَ جانب تزكية الأخلاق إلى آخر مرحلة بعد تلاوة الآيات وتعليمهم الكتاب والحكمة.

أمّا في آية سورة الجمعة وسورة البقرة:151 وسورة آل عمران: فالخطاب من الله تعالى بأنه بعث في الأميين رسولاً يتلو عليهم آياته ويزكيهم قبل مرحلة يعلمهم الكتاب والحكمة؛ لأنّ الجانب الخُلُقي يأتي قبل الجانب التعليمي، ولأنّ الإنسان إذا كان غير مزكّى في خلقه لن يتلقى الكتاب والحكمة على مُراد الله تعالى، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أهم صفاته أنه على خلق عظيم كما شهد له رب العزة بذلك في قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ٤) [القلم:4].

والتزكية هي ربع المهمّة المحمدية (تلاوة الآيات، تعليم الكتاب، تعليم الحكمة، التزكية).

ثانياً ـ هذا الترتيب في الآية؛ لأنّ آيات القرآن تعلمنا التفكير والمنطق ودقة اللفظ وترتيب الأفكار، والله سبحانه وتعالى رتب هذه الصفات على حسب ترتيب وجودها؛ لأنّ أول تبليغ الرسالة القرآن ثم يكون تعليم معانيه، كما في قوله في موضع آخر: (فَإِذَا قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ١٨ ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا بَيَانَهُۥ١٩ ) [القيامة:18-19] فإذا ما حصلت على علم القرآن انتقلت إلى المرحلة الأخيرة وهي التزكية.

 

السؤال الثاني:

ما دلالة قوله تعالى: (رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ) [البقرة:129] في الآية؟

 

الجواب:

كلمة (رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ) [البقرة:129] تَرُدُّ على اليهود الذين أحزنهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العرب، وأنّ الرسالة كان يجب أن تكون فيهم.

ونحن نقول لهم: إنّ جدنا وجدكم إبراهيم، وأنتم من ذرية يعقوب بن إسحاق، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم وأخ لأسحاق، ولا حجة لما تدّعونه من أن الله فضّلكم واختاركم على سائر الشعوب، إنما أراد الله أنْ يسلب منكم النبوة؛ لأنكم ظلمتم في الأرض وعهدُ الله لا يناله الظالمون.

ثم قال الله: (وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَه ) [البقرة:130] فهو سفيه لا يملك عقلاً يميز بين الضار والنافع.

ثم قال: (وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ١٣٠) [البقرة:130] فقد اصطفاه الله في الدنيا بالمنهج وبأنْ جعله إماماً وبالابتلاء، وهو في الآخرة من الصالحين، أي: من الفائزين.

وقد يظن كثير من الناس أنّ مقامات الناس في الدنيا وزخرفها مبرر لأنْ يعتقدوا أنّ لهم منزله عالية في الآخرة.

نقول: لا، فمنازل الدنيا لا علاقة لها بالآخرة، ولذلك قال الله: (وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ) وأضاف: (وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ) لنعلم أنّ إبراهيم عليه السلام له منزلة عالية في الدنيا والآخرة معاً.

 

السؤال الثالث:

قوله تعالى في هذه الآية [129] (رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ) ) بينما قال في آية آل عمران [164]: (مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ) وفي آية التوبة: 128 (مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ ) فلماذا؟

 

الجواب:

آية البقرة في سياق دعاء إبراهيم عليه السلام وهو عام.

أمّا في آل عمران والتوبة فهما في سياق ذكر المِنَّة على المؤمنين، فناسب ذكر (مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ) لمزيد الحنُوِّ والمنة، وكذلك{ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٢٨} [التوبة: ١٢٨]

 

السؤال الرابع:

ما الحكمة في ذكر إبراهيم عليه السلام مع محمد عليه الصلاة والسلام في في الصلوات الإبراهيمية في التشهد الأخير في كل صلاة؟

 

الجواب:

1ـ إنّ إبراهيم عليه السلام دعا لمحمد عليه السلام حيث قال: (رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ١٢٩) [البقرة:129] فلمّا وجب للخليل على الحبيب حقّ دعاءه له قضى الله تعالى عنه حقه بأن أجرى ذكره على ألسنة أمته إلى يوم القيامة.

2ـ إنّ إبراهيم عليه السلام سأل ذلك ربه بقوله: {وَٱجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡقٖ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ٨٤}[الشعراء: 84] يعني: أبق لي ثناء حسناً في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فأجابه الله تعالى إليه وقرن ذكره بذكر حبيبه إبقاء للثناء الحسن عليه في أمته.

3ـ إبراهيم عليه السلام كان أب الملة: {مِّلَّةَ أَبِيكُمۡ إِبۡرَٰهِيمَۚ} [الحج: 78] ومحمد عليه السلام كان أب الرحمة: {بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٢٨} [التوبة: 128].

4 ـ إبراهيم عليه السلام كان منادي الشريعة في الحج: {وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ} [الحج: 27] وكان محمد عليه السلام منادي الدين: {سَمِعۡنَا مُنَادِيٗا يُنَادِي لِلۡإِيمَٰنِ} [آل عمران: 193] فجمع الله بينهما في الذكر الجميل.

وفي الحديث: ( أنا دعوة أبي إبراهيم وبُشرى أخي عيسى ورؤيا أمي ) أخرجه الحاكم والبيهقي. والله أعلم


فواصل متحركة للمواضيع روعة | Christmas ornaments, Flower images, Holiday  decor

 

 

(وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ١٣٠ إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ١٣١)[البقرة: 131]

 

 

السؤال الأول:

ورد الفعل (أَسۡلِمۡۖ) بالماضي في آية البقرة (131) وفي آية لقمان [22] ورد بالمضارع (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] فما الفرق بينهما؟

 

الجواب:

انظرالجواب في آية البقرة ( 112) أو انظر في الحلقة (93 ) على موقع رابطة العلماء السوريين.

 

السؤال الثاني:

قوله تعالى: (أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [البقرة:131] ما الفرق بين (عالم- عوالم- عالمين- علاّم) في الاستعمال؟

 

الجواب:

1ـ القاعدة اللغوية:

صيغة الجمع ( فواعل ) هي جمع تكسير، وهي إمّا أنْ تكون:

آ ـ جمعاً لمؤنث بصيغة فاعلة نحو: كافرة وكوافر ـ ساجدة وسواجد ـ نازلة ونوازل.

ب ـ أو جمعاً لغير العاقل بصيغة فاعل، نحو: قارض وقوارض ـ زاحف وزواحف ـ ناقص ونواقص.

2ـ (عالمين):

ومفردها (عالم) ولم تجمع على عوالم في القرآن الكريم حسب القاعدة اللغوية أعلاه والسبب في ذلك أنّ المقصود بها في السياقات القرآنية هو العاقلون، فأحياناً المقصود منها هو عالم الناس وأحياناً عالم الإنس والجن (الثقلان)، وأحياناً عالم الملائكة والشياطين، وأحياناً يتسع معناها فتشمل المخلوقات كافة العاقلين وغير العاقلين لذلك ينبغي أنْ تجمع كلمة (عالم) على (عالمين) إشارةً إلى العاقلين من الإنس والجن والملائكة والشياطين لتمييزها عن العوالم غير العاقلة.

قال الفرّاء وأبو عبيدة: العالم عبارةٌ عما يعقل من (الإنس والجن والملائكة والشياطين) ولا يقال للبهائم: عالم.

3ـ علاّم:

وردت في القرآن الكريم أربع مرات في آيات: ( المائدة 109و 116، التوبة 78، سبأ 48) وهي مبالغة من عالم وقد تكون علاّمة بزيادة تاء التأنيث للمبالغة لكنْ لا تستعمل مع الله تعالى ولم يقل القرآن: علاّمة، لأنّ علم الله لا يترقى بلاغة ولا كمية. والله أعلم.

 

السؤال الثالث:

ما أهم الدروس في هاتين الآيتين؟

 

الجواب:

1ـ الآية رقم ( 130 ) ذكرت المخالفة التاسعة والعشرين (29 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة وهي تحمل مضمون: عدول اليهود عن الإيمان بمحمد وهو ( دعوة إبراهيم).والله أعلم.

2 ـ لمّا ذكر الله تعالى في الآيات السابقة فضائل إبراهيم عليه السلام بيّن هنا أنه لا يَعدِلُ عن دين إبراهيم إلا من كان سفيه العقل خائر الرأي والسفاهة وخفة الرأي في مقابلة ما يُراد منه من المتانة والقوة.

3ـ لذلك يا أيها اليهود: إنْ كنتم تفتخرون بالانتساب إلى إبراهيم عليه السلام فإنه هو الذي دعا ربه أن يبعث في هذه الأمة رسولاً منهم فمن يكفر بمحمد فقد كفر بإبراهيم.

ثم بيّن الله منزلته في الدنيا والآخرة فقال: (وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ} وأنه استجاب مسرعاً لوحي ربه حين أمره بالتوحيد فقال: (إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ١٣١}[البقرة:131].

4ـ المذكور في الآية ( 131 ) هو المزية الخامسة المستحسنة التي حكاها الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام وأمّا المزايا الأربعة الأخرى فقد ذُكرت في الآيات السابقة.

والله أعلم.
 


فواصل متحركة للمواضيع روعة | Christmas ornaments, Flower images, Holiday  decor

 

(وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ١٣٢) [البقرة:132]



 

السؤال الأول:

ما الفرق بين (وَصَّىٰ) و (أوصى )؟

 

الجواب:

1ـ الله تعالى يقول: (وَصَّىٰ) بالتشديد إذا كان أمر الوصية شديدا ومهماً، لذلك يستعمل وصّى في أمور الدين، وفي الأمور المعنوية: (وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ١٣٢) [البقرة:132] (وَلَقَدۡ وَصَّيۡنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِيَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ ) [النساء:131] .

أمّا (أوصى) فيستعملها الله تعالى في الأمور المادية:( يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ) [النساء:11] .

2ـ لم ترد في القرآن (أوصى) في أمور الدين إلا في مكان واحد اقترنت بالأمور المادية، وهو قول السيد المسيح عليه السلام : (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيّٗا٣١) [مريم:31] ، وفي غير هذه الآية لم ترد (أوصى) في أمور الدين، أمّا في هذا الموضع الوحيد فقد اقترنت الصلاة بالأمور المادية، وقد قالها السيد المسيح في المهد وهو غير مكلف أصلاً، وجاء بعدها ذكر الزكاة.

 

السؤال الثاني:

ما أهم النقاط في الآية؟

 

الجواب:

1ـ ذكرت هذه الآية الأمر السادس المستحسن التي حكاها الله عن إبراهيم عليه السلام .

2 ـ الضمير ( بها ) في قوله تعالى : (وَوَصَّىٰ بِهَآ) يعود إلى :

آ ـ الملة : (وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ) وهو الأقوى والأولى .

ب ـ أو إلى قوله تعالى : (أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ١٣١) .

3ـ قوله تعالى : (وَيَعۡقُوبُ) معطوف على إبراهيم ، والمعنى أنه وصّى كوصية إبراهيم .

4 ـ خصّص إبراهيمُ بنيه بالوصية وعمّمها على الجميع لبيان شدة الاهتمام بها وأهميتها ورعايتها، وللعلم فإنّ لفظ ( الوصية ) أوكد من ( الأمر ) لأنّ الوصية تكون عند الخوف من الموت، وفي ذلك الوقت يكون احتياط الإنسان لدينه أشد وأتم ، ومن مات على شيء بُعث عليه.

5 ـ وردت (يابَنيَّ) بفتح الباء ثلاث مرات في القرآن الكريم في سياق الأب الناصح، ووردت (يا بُنيَّ) بضم الباء ست مرات في سياقات مختلفة، لتمثل أعظم وصية من الأب لابنه للتمسك بالدين.

6 ـ قوله تعالى : (فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ) أي : لا يأتيكم الموت إلا وأنتم على الإسلام, لأنّ من عاش على شيء مات عليه ، ومن مات على شيء بعث عليه , فالحياة على الإسلام نعمة ، والموت على الإسلام توفيق. والله أعلم .

 


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

( أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ) [البقرة: 133]

 

السؤال الأول:

ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل (حضر، وجاء) في القرآن الكريم مع الموت؟

الجواب:

من الناحية اللغوية:

فعل (حضر):الحضور في اللغة: يعني الوجود، وليس معناه بالضرورة المجيء إلى الشيء، يقال: كنت حاضراً إذ كلّمه فلان، بمعنى (شاهد وموجود)، وهو نقيض الغياب, ويقال: كنت حاضراً مجلسهم، وكنت حاضراً في السوق، أي: كنت موجوداً فيها.

أما المجيء: فهو الانتقال من مكان إلى مكان، فالحضور إذن غير المجيء، ولهذا نقول: الله حاضر في كل مكان، وهو دليل وجوده في كل مكان.

وفي القرآن يقول تعالى: (فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ رَبِّي جَعَلَهُۥ دَكَّآءَۖ) [الكهف:98] بمعنى: جاء الأمر، وكذلك قوله تعالى: (حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ) [هود:40]. إذن الحضور معناه الشهود، والمجيء معناه الانتقال من مكان إلى مكان.

من الناحية البيانية:

أمّا من الناحية البيانية ففى قوله تعالى في سورة البقرة: (أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ١٣٣) [البقرة:133] وفي المؤمنون: (حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ٩٩) [المؤمنون:99].

القرآن الكريم له خصوصيات في التعبير، وكلمتا (حضر) و(جاء) لكل منها خصوصية أيضاً، فأمّا التعبير (حضر الموت) فيستعمل للكلام عن أحكام ووصايا بوجود الموت حاضراً مع الشهود، وأمّا التعبير (جاء) فيستعمل مع فعل الموت إذا كان المراد الكلام عن الموت وأحوال الشخص في الموت.

فحضور الموت يُستعمل في القرآن الكريم في الأحكام والوصايا كما في آية سورة البقرة، وكأنّ الموت هو من جملة الشهود، والقرآن هنا لا يتحدث عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت، فالكلام هو في الأحكام والوصايا (إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ) [البقرة:180] ووصية يعقوب لأبنائه بعبادة الله الواحد.

أمّا مجيء الموت في القرآن فيستعمل في الكلام عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت كما في آية سورة المؤمنون، حيث يريد هذا الذي جاءه الموت أنْ يرجع ليعمل صالحاً في الدنيا، فالكلام إذن يتعلق بالموت نفسه وأحوال الشخص الذي يموت.

ويستعمل الفعل (جاء) مع غير كلمة (الموت) أيضاً كالأجل (فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ) [الأعراف:34] وسكرة الموت (وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّ) [ق:19] ولا يستعمل هنا (حضر الموت)؛ لأنه كما أسلفنا (حضر الموت) تستعمل للكلام عن أحكام ووصايا بوجود الموت حاضراً مع الشهود، أمّا (جاء) فيستعمل مع فعل الموت إذا كان المراد الكلام عن الموت وأحوال الشخص في الموت.

 

السؤال الثاني:

ما دلالة تقديم المفعول به مع ذكر الموت (إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ ) [البقرة:133] وما الفرق بين (حضر) و(جاء) و(أدرك) و(أصاب)؟

الجواب:

1ـ جاء لفظ الموت فاعلاً في 11 موضعاً في القرآن الكريم كله، ويقول العلماء: إنّ تقديم المفعول به وإبعاد الفاعل، هو إمّا للاهتمام بالمقدَّم والتلهف لمعرفة الفاعل، أو لإبعاد شبح الموت، وهو شيء مكروه لكل البشر فالكل لا يحب قدومه.

2ـ انظر الجدول التالي للأفعال التي جاءت مع الموت في القرآن:

%D8%AC%D8%AF%D9%88%D9%84(5).jpg

المجموع: 11 موضعاً

الفعل (حَضَرَ)

فعل (حضر) هو من الحضور وهو نقيض الغياب، وقولك: كنت حاضراً معهم، أي: موجوداً، ولهذا نقول: (الله حاضر في كل مكان)، ونلمس بالفعل (حضر) شدة القرب.

واستعمل القرآن الكريم في الآيات حضور الموت للأحكام والوصايا، وكأنّ الموت من جملة الشهود، والقرآن لا يتحدث في آيات (حضر) عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت، لكنّ الكلام هو في الأحكام والوصايا (إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ) [البقرة:180] ووصية يعقوب لأولاده.

الفعل (جَآءَ)

فيه معنى القرب الشديد وتحقق الوقوع، والفعل (جاء) معناه الانتقال من مكان إلى مكان، وفي القرآن (فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ رَبِّي جَعَلَهُۥ دَكَّآءَۖ) [الكهف:98] بمعنى( لم يكن موجوداً، وإنما جاء الأمر) وكذلك (فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ) [المؤمنون:27].

و مجيء الموت في القرآن يستعمل في الكلام عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت كما في آية المؤمنون [99] وآية الأنعام [61].

وكذلك يستعمل فعل (جاء) مع غير كلمة الموت كالأجل (فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ) [الأعراف:34] وسكرة الموت (وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ) [ق:19].

الفعل: (يُدۡرِكُ)

أدرك: أي: لحق به وقبض عليه، وفيه صورة الملاحقة، كما في آية النساء( 78 )، حيث تصور الآية من ينتقل من مكان لآخر هرباً من الموت، والموت يسعى وراءه حتى يدركه ولو كان متحصناً في بروج مشيدة. (أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ) [النساء:78]

الفعل: (يَأۡتِيَ)

إتيان الموت: المراد به إتيان أسبابه من وسائل التعذيب و الكلام عن المعذَّب بنار جهنم، كما في آية إبراهيم: (وَيَأۡتِيهِ ٱلۡمَوۡتُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٖۖ ) [إبراهيم:17].

الفعل: (يَتَوَفَّى 😞

كلمة (توفّى) تأتي في القرآن على ثلاثة ألوان:

 (ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا) [الزُّمَر:42].

 (قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ) [السجدة:11].

 (تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا) [الأنعام:61].

فهو سبحانه ينسب الموت له ولملك الموت ولرسله، فأخذ الأرواح وقبضها إلى الله أمراً، وإلى ملك الموت وسيلة وواسطة، وإلى الرسل تنفيذاً.

 

السؤال الثالث:

لماذا لا يُذكر سيدنا إسماعيل مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في القرآن؟

الجواب:

انظر الجواب في السؤال الأول في الآية [125].

 

السؤال الرابع:

ما الفرق في الاستعمال القرآني بين الوالد والأب؟

الجواب:

يستعمل القرآن لفظة (الوالدان) للأب المباشر، أي: أبو الولد وأمه، بينما تأتي لفظة (الأب) بمعنى أشمل من الوالد، إذ يندرج في تضاعيفه معنى: الجد والعم والأب الوالد، كما في آية البقرة [133] (أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ١٣٣) [البقرة:133].

لذلك نجد أنّ الأبوة بمعناها الشامل تضمنت: الجد إبراهيم، والعم إسماعيل، والأب الوالد: إسحق.

 

السؤال الخامس:

في الآية متعاطفان (قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ) [البقرة:133] فما أهم أقسام العطف في اللغة ؟

الجواب:

المتعاطفان يكونان على أقسام:

1ـ عطف الشيء على مغايره،وهو الأصل، نحو: رأيت محمداً وخالداً.

2ـ عطف الشيء على مرادفه، نحو:هذا كذب وافتراء.

3ـ عطف العام على الخاص، آية الحجر 87، ونحو: اشتريت رماناً وفاكهة.

4ـ عطف الخاص على العام: آية البقرة 98، ويأتي لبيان الأهمية، فإنّ جبريل وميكال هم رؤساء الملائكة وليسوا كعمومهم، ومثله آية البقرة 238، وآية الرحمن 68.

5ـ عطف الشيء على نفسه لزيادة الفائدة، كما في آية البقرة 133.

6ـ عطف الصفات بعضها على بعض والموصوف واحد: سورة الأعلى الآيتان 1ـ4، ونحو: مررت برجل فقيه وشاعر وكاتب.

7ـ عطف الاسم على الفعل وبالعكس، والأصل أنْ يعطف الاسم على الاسم والفعل على الفعل.

8ـ قد يعطف الاسم المشبه بالفعل كاسم الفاعل على الفعل وبالعكس، كما في آية الملك 19، وآية الأنعام 95، حيث عطف اسم الفاعل ( وَمُخۡرِجُ) على الفعل ( يُخۡرِجۡ )، وكذلك في آيتي سورة العاديات (3 ـ4) ( فَٱلۡمُغِيرَٰتِ صُبۡحٗا٣ فَأَثَرۡنَ بِهِۦ نَقۡعٗا٤ ).

 

السؤال السادس:

ما أهم النقاط في هذه الآية ؟

الجواب:

1ـ لمّا حكى الله عن إبراهيم عليه السلام في الآية السابقة أنه بالغ في وصية بنيه في الدين والإسلام، ذكر في هذه الآية أنّ يعقوب وصّى بنيه بمثل ذلك تأكيداً للحجة على اليهود والنصارى، وزيادة في البيان.

2ـ ( أمْ ) هي للاستفهام أو العطف، وتأتي متصلة بما قبلها، وتأتي منقطعة بمعنى ( بل ) على الأغلب.

3 ـ قوله تعالى: (إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ) (إذ ) الأولى وقت الشهادة و( إذ ) الثانية وقت الحضور.

4 ـ الآية دالة على اهتمام الأنبياء بأولادهم وشفقتهم عليهم:

آ ـ فقد سألهم عن ميراث الدين لا الدنيا.

ب ـ سكرات الموت لم تنس يعقوب عليه السلام الدعوة للتوحيد , فقد كان يطمئنُّ على أعظم اهتماماته: مستقبل التوحيد في قلوبهم.

ج ـ ما ألطف جوابهم على أبيهم , أثنوا عليه بالتوحيد, و بروه بالثناء على آبائه أيضا, (قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ) وكان يمكن أن يقولوا: نعبد الله.

د ـ من واجب الآباء تفقد سلامة العقيدة في نفوس أبنائهم , لتكون العقيدة حاجزاً بينهم وبين الانحرافات المختلفة وخاصة الفكرية , والأولاد هم يمثلون المشروع الذي تعيش من أجله وستظهر بصماته حتى في اللحظات الأخيرة من الحياة، ولله درالنفوس الكبيرةالتي تظل تعطي حتى آخر قطرة من اناء الحياة.

5 ـ قوله تعالى: (مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ) لفظ ( ما ) لغير العقلاء، فكيف أطلقه في المعبود الحق ؟ والجواب: لفظ ( ما ) عام في كل شيء , والمعنى: أي شيء تعبدون ؟

ولفظة ( ما ) يمكن أن تستعمل للسؤال عن ذات غير العاقل مثل: ما هذا؟ هذا حصان، ما تأكل؟ آكل كذا، وتستعمل أيضاً لصفات العقلاء مثل:من هذا؟ تقول: خالد، ما هو؟ تقول: تاجر، شاعر.

وفي القرآن:

ـ قوله تعالى: (فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ) هذا صفة عاقل، أي: انكحوا الطيّب من النساء.

ونظير ذلك قوله تعالى: (وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا٧) [الشمس:7] والذي سواها هو الله، وقوله (وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ٣) [الليل:3] من الخالِق؟ الله هو الخالق.

ـ و (ما) قد تكون للسؤال عن حقيقة الشيء (قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحۡمَٰنُ) [الفرقان:60] يسألون عن حقيقته، وفرعون قال: (قَالَ فِرۡعَوۡنُ وَمَا رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ٢٣ ) [الشعراء:23] يتساءل عن الحقيقة.

ـ وقد يؤتى بها للتفخيم والتعظيم، والتعظيم قد يكون في الخير أو في السوء أو ما يصيبه من السوء.

قال تعالى: (ٱلۡقَارِعَةُ١ مَا ٱلۡقَارِعَةُ٢ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ٣ ) [القارعة:1-2-3] وقال: (وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡيَمِينِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡيَمِينِ٢٧ ) [الواقعة:27] وقال: (وَأَصۡحَٰبُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلشِّمَالِ٤١) [الواقعة:41].

6 ـ لمّا تقدّم ذكر ( الإله ) في إضافتين:( قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ) بينوا أنّ المُراد فيهما واحداً تحقيقاً للبراءة من الشرك فقالوا: (إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا)

والله أعلم

 

رابطة العلماء السوريين

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡ‍َٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ١٣٤)[البقرة: 134]

 

السؤال الأول:

 

ما الدروس المستفادة من الآية؟

 

الجواب:

 

1ـ المقصود بالآية الأمم التي ذكرهم الله في الآيات المتقدمة، والمعنى أنه ليس لكم نفع سيرتهم ولا أفعالهم.

 

2ـ الآية دالة على بطلان التقليد، ولو كان التقليد جائزاً لكان كسب المتبوع نافعاً للتابع.

 

3ـ الآية دالة على ترغيبهم في الإيمان واتباع الرسول محمد ﷺ.

 

4ـ الآية دالة على أنّ الأبناء لا يثابون على طاعة الآباء، بخلاف قول اليهود بأنّ صلاح آبائهم ينفعهم، قال تعالى: (وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ ) [الأنعام:164] وقوله: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ) [الأنعام:164] وفي الحديث: «من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه».

 

5ـ الآية تدل على بطلان قول من يقول من اليهود: الأبناء يعذبون بكفر آبائهم.

 

6ـ الآية تدل على أنّ العبد مكتسِبٌ، وجعل كسبه شبيهاً بكسب الأموال.

 

السؤال الثاني:

 

لماذا كررت (تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ ) في الآيتين 134و 141، مع أنّ الآيتين متجاورتان؟

 

الجواب:

 

1ـ الآية الأولى وردت إثباتاً لما نفاه أهل الكتاب من دين الإسلام الذي وصّى به إبراهيم ويعقوب.

 

2ـ وأمّا الثانية فوردت نفياً لما ادَّعَوه من أنّ إبراهيم ومن ذُكر بعده كانوا هوداً أو نصارى.

 

والمعنى العام: أنّ أولئك فازوا بما تدينوا به من دين الإسلام وعليكم إثم مخالفتهم وما اقترفتم عليهم من التهود والتنصر الذي هم براء منه.

 

3ـ الآيتان [133 و 134] تقول لليهود: إنّ نسبكم إلى إبراهيم وإسحاق لن يشفع لكم عند الله بما حرفتموه وغيرتموه في التوراة وبما تفعلونه خلاف ما شرّع الله، فاعلموا أنّ عملكم هو الذي ستحاسبون عليه وليس نسبكم.

 

أما الآية: 141، فقد قالوا: إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق كانوا هوداً أو نصارى.

 

والله تبارك وتعالى لا يجادلهم وإنما يقول لهم: لنفرض، وهذا فرض غير صحيح، أنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق كانوا هوداً أو نصارى، فهذا لن يكون عذراً لكم؛ لأنّ لهم ما كسبوا ولكم أنتم ما كسبتم، فلا تأخذوا ذلك حجة على الله يوم القيامة.

 

لذلك فإنّ سياق الآية الأولى يقول: لا شفاعة لكم يوم القيامة في نسبكم إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، بينما سياق الآية الثانية يقول: لا حجة لكم يوم القيامة في قولكم: إنهم كانوا هوداً أو نصارى، فلن ينفعكم نسبكم إليهم ولن يقبل الله حجتكم.والله أعلم.

 

4 ـ جاء في كتاب كشف المعاني لابن جماعة: قوله تعالى: {تلكَ أمة قد خلت} [البقرة:134-141] كررها مع قرب العهد بالأولى فما فائدة ذلك؟

 

والجواب: أنّ الأولى: وردت تقريراً لإثبات ما نفوه من دين الإسلام الذي وصّى به إبراهيمُ ويعقوبُ، ومعناه أنّ أولئك أدوا ما عليهم من التبليغ والوصية فلهم أجر ذلك، ولكم من الوزر والإثم بما خالفتموهم ما يعود عليكم وباله.

 

وأمّا الثانية: فوردت نفياً لما ادعوه من أنّ إبراهيم ومن ذكر بعده كانوا هوداً أو نصارى. ومعناه: أنّ أولئك فازوا بما تدينوا به من دين الإسلام، وعليكم إثم مخالفتهم، وما اقترفتم عليهم من التهود والتنصر الذي هم براء منه. والله أعلم.

 

image.png.e526fdf2d10b8360fd6f35efff731698.png

 

(وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ١٣٥ )[البقرة: 135]

 

السؤال الأول:

 

قوله تعالى في الآية: (قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ حَنِيفٗاۖ) [البقرة:135] ما معنى (حنيفاً)، وما دلالتها؟

 

الجواب:

 

الحَنفُ: هو الميل عن الضلال إلى الاستقامة، والحَنفُ: الميل في المشي عن الطريق المعتاد، وسُمِّيَ دينُ إبراهيم حنيفاً على سبيل المدح للمِلّة؛ لأنّ الناس يوم ظهور ملّة إبراهيم كانوا في ضلالة عمياء، فجاء دين إبراهيم مائلاً عنهم، فلُقّب بالحنيف لقب مدح.

 

السؤال الثاني:

 

ما الفرق بين الدين والملة والشريعة ؟

 

الجواب:

 

1ـ الملة: اسم لجملة الشريعة ، وأصل الملة في اللغة (الملُّ) وهو التكرار من قولك: طريق مليل، إذا تكرر سلوكه ، لذلك (الملة) تفيد استمرار أهلها عليها ، ويقول أحدنا : مللتُ من الأمر إذا كرره كثيراً . وقد وردت في القرآن الكريم ( 15 ) مرة بعدة صيغ ، منها : [ملتنا ـ ملتهم ـ ملتكم ] لكنها جاءت مفردة: ( ملة إبراهيم ـ ملة آبائي إبراهيم) (8) مرات .

 

وجاءت الكلمة أيضاً بمعاني الإملاء من قبل الآخرين ، كما في الآيات :

 

(وَلۡيُمۡلِلِ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ ) [البقرة:282].

 

( فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا) [الفرقان:5].

 

ومن ذلك قولهم : أمليت على فلان ، وكذلك مادة الإملاء في المدارس .وجاء في لسان العرب : قوله تعالى : ( حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ ) [البقرة:120] أي : سنتهم وطريقتهم.

 

فكلمة ( ملة ) تستعمل في معنيين :

 

آ ـ طريق يسلكه الناس دائماً .

 

ب ـ أوامر وضوابط يلتزمها الناس ، وقد تم تلقيها من أناس آخرين كالآباء والأجداد ، سواء بالحق أو الباطل، لذا هناك ملة حق وملة باطل .

 

2ـ الدين: اسم لما عليه كل واحد من أهله، لذلك يقال: فلان حسن الدِّين، ولا يقال: حسنُ المِلَّةِ. والدين فيه معنى الطاعة والخضوع والإلزام ، والدين ما تُدين به نفسك فتخضع وتطيع .

 

وإذا أُطلق الدين فهو الطاعة العامة التي يجازى عليها بالثواب، قال تعالى: (إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ) [آل عمران:19] وإذا قُيد اختلفت دلالته، وقد يسمى الدين والملة باسم الآخر في بعض المواقع لتقارب معنييهما، والدين ما يُطاع فيه المعبود، ولكل واحد منا دين.

 

3ـ الشريعة: لغة : مورد الماء الذي يؤخذ منه، وهي الطريقة المأخوذ فيها إلى الشيء، وسمي الطريق إلى الماء (الشريعة)، وقيل: (الشارع ) لكثرة الأخذ فيه .

 

ومن هنا جاءت كلمة ( الشريعة ) في الإسلام ، لأنّ الناس تنهل وتأخذ منها كما ينهل الناس من مورد الماء , فهي كالماء للبشر .

 

4 ـ الملة لا تضاف إلا إلى نبي : ( ملة إبراهيم ) ولا يقال : ملة الله ، بل دين الله .

 

ويقال : فلان حسن الدين ، ولا يقال : حسنُ الملة . وقيل : كل ملة دين ، وليس كل دين ملة . والله أعلم .

 

السؤال الثالث:

 

ما أهم نقاط هذه الآية ؟

 

الجواب:

 

1ـ الآية رقم ( 135 ) ذكرت المخالفة الثلاثين (30 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة ، وهي تحمل مضمون : دعوى أهل الكتاب أنّ الهداية في اتباع دين كل واحد منهما.

 

2ـ قوله تعالى : (حَنِيفٗاۖ) نصب على الحال من إبراهيم .

 

3ـ قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : (وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ) فيه إشارة إلى أنّ كلا الفريقين من اليهود والنصارى مشرك بالله تعالى ، وفيه ثناء على ملة إبراهيم عليه السلام ، وأنها هي الحنيفية السمحة المائلة عن الشرك ، وفيه تعريض لليهود والنصارى بالذم ، وأنهم حرّفوا وبدلوا وأشركوا مع الله غيره .

 

والله أعلم .

 

image.png.9654eac06af00afa9cc6aa5d869092e4.png



 

( قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ١٣٦ ) [البقرة: 136]

 

السؤال الأول:

 

جاء في نفس الآية: (أُنزِلَ) و (أُوتِيَ) فما الفرق بينهما في الدلالة ؟

 

الجواب:

 

الإنزال يأتي من السماء ويستعمل للكتب، أمّا الإيتاء فهو يستعمل للكتب وغيره مثل المعجزات؛ لذلك (الإيتاء ) أوسع من (الإنزال) .

 

في سورة البقرة نجد أنّ حجج موسى عليه السلام لم تكن في الكتاب، وإنما جاءه الكتاب بعدما أُوتي المعجزات .

 

وجدير بالذكر أنه لم ترد في القرآن كله كلمة ( أنزل ) مطلقاً لموسى عليه السلام، وإنما استعملت معه كلمة (أُوتِيَ) .

 

أمّا بالنسبة للرسول ﷺ فقد جاء الفعلان : (وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ سَبۡعٗا مِّنَ ٱلۡمَثَانِي وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِيمَ٨٧ ) [الحِجر:87] وقوله : {وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ} [البقرة: ٤] .

 

السؤال الثاني:

 

قوله تعالى في آية البقرة [136] (وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ) وفي آية آل عمران [84] (وَٱلنَّبِيُّونَ) بدون الإيتاء، فلماذا ؟

 

الجواب:

 

تقدّم آية آل عمران، قوله تعالى: (وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ) [آل عمران:81] فأغنى عن إعادة إيتائهم ثانياً، ولم يتقدم مثل ذلك في البقرة، فصرح به بإيتائهم ذلك .

 

السؤال الثالث:

 

ما الفرق بين (أُنزِلَ إِلَيۡنَا) و(أُنزِلَ عَلَيۡنَا) في آيتي البقرة [136] وآل عمران [84]؟

 

الجواب:

 

أولاً : استعراض الآيات :

 

(قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ١٣٦ ) [البقرة:136].

 

(قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ٨٤) [آل عمران:84].

 

ثانياً : البيان :

 

1ـ الحرف (إلى) يأتي للغاية أو الوصول، والحرف (على) فيه نوع من الاستعلاء، كما في قوله تعالى: (فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ فِي زِينَتِهِۦ) [القصص:79].

 

2ـ آية البقرة [136] فيها دعوة مباشرة لغير المسلمين أنْ يأتوا إلى الإسلام، فهو حديث بشر لبشر فقال المسلمون: (وما أُنزل إلينا) أي: هذا القرآن قد وصل إلينا وتسلمناه وهو خير مما عندكم، فجاءت (إلينا) بمعنى الوصول، ثم عُطف ما بعده عليه، فقال: (وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ) [البقرة:136] .

 

3ـ آية آل عمران [84] هي في أخذ الميثاق على الأنبياء أنْ يوصوا أتباعهم باتباع النبي محمد ﷺ الذي سيأتي ، وميثاق الله تعالى فيه علو ورفعة، فناسب (وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا) [آل عمران:84] .

 

4ـ أعاد في آية البقرة كلمة: أوتي (وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ) [البقرة:136] ولم يعدها في آية آل عمران، والسبب أنّ إيتاء النبيين ورد في آل عمران في الآية 81 قوله (لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم) فلم يكررها، بينما هناك لم يذكرها فكررها .

 

السؤال الرابع:

 

هل من زيادة في التفصيل في جواب السؤال السابق ؟

 

الجواب:

 

قال في آية البقرة: (وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا) وكرر (أُوتِيَ) مرتين.

 

وفي آية آل عمران: (وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا) ولم يكرر (أُوتِيَ).

 

أولاً : معنى الأحرف :

 

(على) موضوعة لكون الشيء فوق الشيء أومجيئه من علو، ومن معاني (إلى) المنتهى أو الانتهاء، كما تقول: سرت من الدار إلى السوق.

 

ثانياً : البيـــان :

 

1ـ آية البقرة مصدرةٌ بخطاب المسلمين: (قُولُوٓاْ) فوجب أنْ يختار لهم (إلى)؛ فالمؤمنون لم ينزل الوحي عليهم من السماء، وإنما أُنزل على الأنبياء ثم انتهى من عندهم إليهم، فلمّا كان (قُولُوٓاْ) خطاباً لغير الأنبياء، وكان لأممهم كان اختيار (إلى) أولى من اختيار (على).

 

ولمّا كانت سورة آل عمران قد صدّرت بما هو خطاب للنبي ﷺ وهو قوله : (قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا) [آل عمران:84] كانت (على) أحق بهذا المكان؛ لأنّ الوحي أنزل عليه.

 

2ـ أنّ تكرار لفظ (أُوتِيَ) في البقرة يقتضيه التعبير لأكثر من سبب :

 

آ ـ آية البقرة جاءت في سياق ذكر عدد من الأنبياء وأخبارهم، مثل إبراهيم وإسماعيل ويعقوب وبنيه وغيرهم من الأنبياء، فلمّا جرى ذكر الأنبياء السابقين ناسب ذلك تكرار الإيتاء لهم، بخلاف آية آل عمران فإنها ليست في مثل هذا السياق .

 

ب ـ آية البقرة وردت بعد قوله تعالى: (وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ ) [البقرة:135] فلمّا جرى ذكر هاتين الملتين ناسب ذلك تخصيص نبيهما بالإيتاء.

 

ج ـ آية آل عمران وردت بعد أخذ الميثاق من النبيين على الإيمان بسيدنا محمد ﷺ إنْ هم أدركوه، قال تعالى: (وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ٨١) [آل عمران:81] .

 

كما وردت في سياق التأكيد على الإسلام والإيمان به فقد قال قبلها : (أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ٨٣) [آل عمران:83] وقال بعدها :( وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ٨٥ ) [آل عمران:85] فناسب ذلك عدم تكرار الإيتاء للأنبياء فيها؛ وذلك لأنّ السياق فيما أوتي سيدنا محمد لا فيما أوتي الأنبياء الآخرون.

 

لذلك لمّا كان السياق في البقرة في ذكر الأنبياء ذكر الإيتاء لهم، ولمّا كان السياق في آل عمران في الإيمان بمحمد ودينه وأخذ الميثاق من الأنبياء على الإيمان به ناسب عدم تكرار الإيتاء للأنبياء .

 

د ـ إنّ مشتقات الإيتاء من نحو: آتى وآتينا وأوتي وغيرها، وردت في سورة البقرة في 34 موضعاً، وفي آل عمران 19 موضعاً، فاقتضى الجو التعبيري تكرار لفظ الإيتاء في البقرة دون آل عمران. والله أعلم .

 

السؤال الخامس:

 

في الآية الكثير من حرف العطف (الواو) فهل من فكرة عن حروف العطف في اللغة ؟

 

الجواب:

 

حروف العطف تتوسط اسمين أو فعلين، ويكون للاسم أو الفعل الذي يليها نفس حكم الاسم أو الفعل الذي يسبقهما من حيث الإعراب، وهي تسعة أحرف :

 

1ـ حرف الواو :

 

وهي لمطلق الجمع، وقد تأتي للترتيب كما في آية البقرة: 136، وآية الوضوء المائدة: 6، وقد تأتي بدون الترتيب، كما في آية البقرة: (قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ) [البقرة:136] فلا شك أنّ ما أنزل إلينا متأخر عما أنزل إلى باقي الآنبياء.

 

والواو تستعمل مقرونة : بـ( إمّا ) و(لكن) و(لا)، وتستعمل في عطف الشيء على نفسه أو مرادفه أو لعطف العام على الخاص، كما في آية الحجر: 87، والبقرة: 136، ونوح: 28 .

 

وأمّا عطف الخاص على العام، كما في آية البقرة: 98، والبقرة: 238 ، فلا تختص بها الواو بل قد يشاركها فيه غيرها نحو : مات الناس حتى الأنبياء .

 

والتقديم والتأخير موضوع هام يرجى الرجوع إليه في باب التقديم والتأخير لبيان تفاصيله وأمثلته.

 

2ـ حرف الفاء :

 

وتفيد الترتيب والتعقيب:

 

وربما لا تفيد الترتيب، بل لعطف مفصّل على مجمل، نحو آية النساء: (فَقَدۡ سَأَلُواْ مُوسَىٰٓ أَكۡبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوٓاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ) [النساء:153] فقوله: (أَرِنَا ٱللَّهَ جَهۡرَة) هو تفصيل لقوله: (فَقَدۡ سَأَلُواْ مُوسَىٰٓ أَكۡبَرَ مِن ذَٰلِكَ).

 

ويمكن للفاء في القرآن أنْ لا تفيد التعقيب كما في آيتي الأعلى: (وَٱلَّذِيٓ أَخۡرَجَ ٱلۡمَرۡعَىٰ٤ فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ٥) [الأعلى: 4-:5] فالغثاء لا يعقب خروج المرعى بل يكون بعده بمدة، كما في آية الزمر: (أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَلَكَهُۥ يَنَٰبِيعَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ حُطَٰمًاۚ) [الزُّمَر:21] فعبّر عن جعله حطاماً بـ (ثم).

 

لكنْ يمكن القول : إنّ الأصل في الفاء أنْ تكون للتعقيب، وهذا التعقيب قد يكون حقيقياً (ثُمَّ أَمَاتَهُۥ فَأَقۡبَرَهُۥ٢١ ) [عبس:21] وقد يكون مجازياً الهدف منه تقصير المدة حسب المقام، فقد تقول: الدنيا قصيرة، في مقام، وتقول : الدنيا طويلة، في مقام آخر.

 

وقد تفيد الفاء الدلالة على السبب، كقوله تعالى: (فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيۡهِۖ ) [القصص:15] وكذلك البقرة [22]، وربما لا تفيد السبب، كما في قوله تعالى: (فَرَاغَ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ فَجَآءَ بِعِجۡلٖ سَمِينٖ٢٦ فَقَرَّبَهُۥٓ إِلَيۡهِمۡ قَالَ أَلَا تَأۡكُلُونَ٢٧) [الذاريات:26-27].

 

3ـ الحرف (ثُمَّ) :

 

يفيد الترتيب والتراخي :

 

والتراخي إمّا للزمان وهي المهلة، أو للتباين في الصفات وغيرها من غير قصد مهلة زمانية.

 

4 ـ الحرف (حتَّى) :

 

حرف عطف يفيد الغاية، وحتى للعطف لا تفيد ترتيباً، بل هي كالواو.

 

5ـ الحرف (أَمْ) :

 

وهي متصلة ومنفصلة ، والمتصلة تنحصر في نوعين :

 

آـ أنْ تتقدم عليها همزة يطلب بها وأم للتعيين، نحو: أخالد عندك أم محمد ؟

 

ب ـ أنْ تتقدم عليها همزة التسوية، كقوله تعالى: (سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ٦) [البقرة:6].

 

والمنفصلة : تقع بين جملتين مستقلتين وتفيد الإضراب عن الكلام الأول، وقد يكون الاستفهام الذي تفيده إمّا حقيقياً أو غير حقيقي ويراد به الإنكار والتوبيخ، كقوله تعالى: (أَمۡ لَهُ ٱلۡبَنَٰتُ وَلَكُمُ ٱلۡبَنُونَ٣٩) [الطور:39] .

 

6ـ الحرف (أو) :

 

وله عدة معان منها :

 

آـ الشك: نحو قوله تعالى: (قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖ) [المؤمنون:113].

 

ب ـ الإبهام.

 

ج ـ التخيير.

 

د ـ الإباحة: إذا دخلت (لا) الناهية على التخيير أو الإباحة امتنع فعل الجميع، نحو قوله تعالى: {وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا٢٤} [الإنسان: ٢٤].

 

هـ ـ الإضراب: نحو قوله تعالى: (وَأَرۡسَلۡنَٰهُ إِلَىٰ مِاْئَةِ أَلۡفٍ أَوۡ يَزِيدُونَ١٤٧ ) [الصافات:147] وقيل: (أو) هنا للإبهام أو للتخيير، حسب ما يراه الرائي.

 

وـ التقسيم: نحو: الناس مسلم أو كافر .

 

زـ بمعنى الواو: كقوله ﷺ : «اسكن أُحُد، فما عليك إلا نبي أو صدّيق أو شهيد».

 

7 ـ الحرف (لكن) : تفيد الاستدراك، نحو: ما أقبل محمد لكنْ خالد، وتعطف بعد نفي أو نهي بشرط إفراد معطوفها.

 

8 ـ الحرف (بل) :

 

حرف إضراب يدخل على المفردات والجمل ، فإنْ دخلت على جملة كان معنى الإضراب إمّا إبطالياً وإمّا إنتقالياً.

 

الإضراب الابطالي :

 

هو أنْ تأتي جملة تبطل معنى الجملة السابقة، كما في آية الأنبياء: (وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۚ بَلۡ عِبَادٞ مُّكۡرَمُونَ٢٦) [الأنبياء:26] .

 

الإضراب الانتقالي :

 

فهو أنْ تنتقل من غرض إلى غرض آخر مع عدم إبطال الكلام الأول، نحو قوله تعالى في آية الأعلى: (قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ١٤ وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ١٥ بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا١٦ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ١٧ ) [الأعلى:14-15-16-17] .

 

وحرف : (لا بل) فتفيد توكيد الإضراب نحو : جاء محمد لا بل خالد .

 

9ـ الحرف (لا) :

 

وتفيد النفي وتعطف بثلاثة شروط:

 

آ ـ أنْ يسبقها إثبات: أقبل محمد لا خالد .

 

ب ـ أنْ لا تقترن بعاطف، فإذا قلت: ما جاء محمد ولا خالد، كانت الواو عاطفة و(لا) زائدة تفيد التوكيد.

 

ج ـ أنْ يتعاند متعاطفاها، نحو : أقبل رجل لا امرأة، بخلاف: أقبلت هند لا امرأة؛ لأنّ هند امرأة .

 

السؤال السادس:

 

قوله تعالى في الآية : (لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ) فكيف تمّ عطف ( لا ) النافية على ما قبلها ؟

 

الجواب:

 

انظر الجواب في حرف العطف ( لا ) في نهاية السؤال السابق .

 

السؤال السابع:

 

في الآية ذكر للأسباط والأبناء، فما منظومة الأبناء والأحفاد والذرية في اللغة والقرآن ؟

 

الجواب:

 

البنون :

 

تُطلق على الأطفال الصغار سواء كانوا أبناءك المباشرين أو أبناء أبنائك فكلهم بنون، وأبناء الأبناء فريقان:

 

آ ـ الحفيد هو ابن الابن الذي يعيش مع جده.

 

ب ـ الذين يعيشون بعيداً عن أجدادهم فيسمون بنين إذا كانوا صغاراً، فإذا كبروا يسمون أبناء.

 

شواهد قرآنية :

 

(ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ) [الكهف:46] .

 

حفــد : الحفد: جمع حافد، وهو الخادم المتطوع لخدمة المتقن لحرفته .

 

الأحفاد هم أولاد الأولاد، ويقال لهم : بنون إذا كانوا صغاراً، وإذا كبروا صاروا أبناء .

 

شواهد قرآنية : (وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ) [النحل:72].

 

الأسباط : السبط هو ولد البنت، مقابل الحفيد الذي هو ولد الابن ، فالأصل هم أبناء البنات، وتطلق أيضاً بشكل استثنائي على أحفاد الأنبياء سواء كانوا أبناء بنين أو أبناء بنات، أي: هم ذرية الأنبياء. والسبط في بني إسرائيل كالقبيلة في العرب .

 

شواهد قرآنية :

 

(وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ) [البقرة:136].

 

الذرية: مشتقة من ذرأ، أي: الإيجاد بكثرة، أو من الذَّرِّ: وهو التفريق أي تتفرق الأسر من كثرتها.

 

النسل: هو الولد لكونه ناسلاً، قال تعالى: (ثُمَّ جَعَلَ نَسۡلَهُۥ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن مَّآءٖ مَّهِينٖ٨ ) [السجدة:8] .

 

السلالة : قيل: للوليد سليل؛ لأنه سلّ من أبيه وأمه.

 

شواهد قرآنية: (وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن طِينٖ١٢) [المؤمنون:12]

 

السؤال الثامن:

 

ما أهم نقاط هذه الآية ؟

 

الجواب:

 

1 ـ هذه الآية ردٌ على اليهود والنصارى حيت آمنوا بانبيائهم وكفروا بما جاء بعدهم ، وفرّقوا بينهم في الأديان .

 

وقد اشتملت الآية على ضرورة الإيمان بجميع الرسل وجميع الكتب ، وأن لا يكون المؤمنون مثل اليهود والنصارى الذين قالوا: نؤمن ببعض ونكفر ببعض. وقد أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا بهذه الكتب ويصدّقوها، ولا يعملوا بما فيها، لأنّ العمل فيها قد انتهى أمده ، وليس في وسع أحدٍ العمل بغير القرآن .

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ أهل الكتاب كانوا يقرؤون التوراة بالعبرية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة : (لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالله وما أنزل إلينا ) صحيح البخاري .

 

2ـ قوله تعالى : (وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ) أي خاضعون مستسلمون ذليلون منقادون لربكم .والله أعلم .

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×