اذهبي الى المحتوى
أمّ عبد الله

الإنسان لا ينظر إلى ما في يده

المشاركات التي تم ترشيحها

 

الإنسان لا ينظر لما في يده

 

أ.منى مصطفى 

 

أجدُها تذبل يومًا بعد يوم، فتتهافت على بقيَّة شعاع من فرح يَبرق في نفسها بدافع الأمل، فأراها تركُض خلف الشراء والألوان والأصباغ والزينة تارة، وتارةً يَخبو الأمل، فتعود تتَّشح بالسواد مع خُفوت في الفرحة وانطفاء لأسباب الحياة في نفسها، ثم يلمَع لها ذلك الشعاعُ مجددًا، فتعود كطفلة ما مسَّ قلبَها همٌّ، وهكذا تتقلب بين يأس ورجاء، حتى سألتني يومًا يائسةً: معي مبلغ من المال، ماذا أفعل به؟ كثيرًا ما انتظرتُ لأجهِّز به نفسي، لكن يبدو أن هذا لن يحدث، حتى ما كنتُ اشتريتُه في السابق، واحتفظتُ به ليوم زواجي بدأتُ أستخدمه الآن، فلا داعي للتخزين! فلا زوج ولا ولد، وماتت أمي وهرم أبي، وانشغل إخوتي كلٌّ بحياته!

 

وصلتني رسالتها كاملة، وفهمتُ ما تقوله نبرةُ صوتها أكثرَ مما فهمت كلامها، فهي تنتظر بحماس قدومَ ذلك الزوج المرجو، والذي لَمَّا يظهر بعدُ في جملة أرزاقها، وقد أضناها الانتظارُ؛ لأنها تُوقِف حياتها على قدوم مَن لم يقدِّر الله قدومَه للآن رغم هروب السنين من بين يديها!

 

حزِنتُ لآلامها، ولكني خالفتُها فكرتَها، فبالرغم من أنني من المتحمسات لتزويج الشباب، والزواج المبكر أيضًا، فإن الاستغناء عما لم يظهر في جملة أرزاقنا أولى بالعاقل، ماذا عساك أن تفعلي في قضاء الله سبحانه وتعالى، فقد حرَمك من نعمة واحدة، ولكنه أمطرك بوابل صيِّب من النعم، فالحمد لله على ما منع والحمد لله على ما منح، فكم شرٍّ صرَفه الله عنكِ، وكم خيرٍ أصابكِ اللهُ به ومَن تُحبين، علمتِ أم جهلتِ!

 

يا حبيبتي، إني أعيذك بالله أن تكوني من الغافلات التائهات عن طريق الحق، فما الزوج والولد إلا باب واحد للجنة مع مسؤولية كبيرة!

 

تفحَّصي نِعمَ الله عليك، واحمَديه عليها، وأقبلي على الحياة بكل ما أُوتيتِ من خير، حُرمت الزوج، فهل أنت باخعة نفسك على أثره؟ لا والله، لا يليق بك إلا دربُ المؤمنة التي لا تضل طريقها أبدًا؛ لأنها تعلم الغاية من خلْقِها.

 

انتبهي، فأنتِ خُلقتِ لتسكني الجنة، وما هذه الدنيا بكل ما فيها إلا ممر ضيق، وعليك ألا تفقدي الطريق للجنة وسط الشعور بالفقد، وربُّك الحكم العدل لن يَتِركِ من صبرك شيئًا، فأمرُ المؤمن كلُّه خير، وكما أن المنح نعمة، فالمنع نعمة قد تكون أعظمَ، فكم من زوجٍ كان سببًا في خسران زوجته الدنيا والآخرة!

 

وكم من ولدٍ ربما وصل بوالديه للسجن أو العوز والكفر - نعوذ بالله - والواقع من حولك خيرُ شاهد على ذلك، وقصة الغلام التي حدَثت مع سيدي الخضر وموسى عليهما السلام، ألم يقتُل الخضر الغلام رحمةً بأبويه المؤمنَيْنِ؟! ﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ [الكهف: 80، 81]، تأمَّلي حكمةَ القتل (حفظ والديه من شره)، ثم تأملي كرم الله (أبدلهما الله خيرًا منه)!

 

فاستبشري برحمة الرحمن الرحيم، فقد عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم الشهداء من هذه الأمة غير الشهيد الذي يُقتَل في سبيل الله سبعة، فقال: (الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد؛ أي: من مات بالطاعون والغرق شهيد ...) إلى أن قال: (والمرأة تموت بجُمْعٍ شهيدة)، أو (والمرأة تموت جمعاءَ شهيدة)؛ رواه الإمام مالك في الموطأ.

 

والمقصود بهذا كما قال بعض أهل العلم: المرأة التي تموت بكرًا، فلِشِدةِ ما وجدتْ في حياتها رفع الله درجتها وأجزل لها الثواب، فبلَّغها مراتبَ الشهداء.

 

فالزوج والولد من الرزق الذي لا حيلةَ فيه، فليكن الرضا رفيق حياتك والصبرُ نبراسَها، ولتصنعي لنفسك محيطًا اجتماعيًّا يليق بك، ويُعينك على طاعة الله، ولتغرسي خيرًا حيث حللتِ، ينفعك في دنياك وأخراك، ولتنتقي من أولاد إخوتك عقلًا راجحًا تخطين فيه خطوط القرآن والسنة، وتُفرغين فيه عاطفتك، وتحظين منه بالبرِّ كبيرًا وصغيرًا، فالعمة والخالة أمهات أُخريات للإنسان، ولا أظن أن يرفض إخوانك وأخواتك اهتمامك بأولادهم، وإن رفضوا فما أكثر منافذ الخير التي فتَحها الله جل في عُلاه أمام عباده، ابحثي عن باب تنفذين منه إلى الله الواحد، وجِدِّي فيه، فلا أنت أول النساء اللائي لم يتزوَّجنَ ولا آخرهنَّ، ولن أُذكرك بما مضى من رفض وتضييق على الخُطَّاب عندما كنتِ تظنين أن حبل السنين بيدك! بل أنتهزها فرصة لأُنبه مَن هنَّ في مقتبل العمر: لا تبالغي في صفات وميزات الزوج المرتقب، فلا حياة كاملة في دنيا الناس، احتكمنَ إلى شرع الله وكفى، وأعيذكنَّ بالعليم البصير أن تخسرنَ دينكنَّ باللجوء للسحرة، أو الولوج في علاقات محرمة بُغية نيل ما لم يكتُبه الله لكنَّ، وحسبُكنَّ قربُ الله وأنسُه، واشغَلْنَ أنفسكنَّ بما ينفع من عملٍ أو تثقيفٍ، وحفظِ قرآنٍ، وكل ما يُقرِّبكنَّ من الله عز وجل!

 

وفي نهاية حواري معها اهتدينا لأن تقدم للحج بالمبلغ الذي ادَّخرته، وها هي تستعد له من الآن، فاللهم لك الحمد.

 

كم شرٍّ صرَفه الله عنك وعمَّن تحب، فيما أشهدك وفيما خفِي عليك! وكم خيرٍ أصابك الله به ومن تحب، فيما أشهدك وفيما خفي عليك! إني أُعيذك بالله أن تكون له كنودًا، تعدُّ البلايا وتنسى النعم.



 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×