اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

ظالم أشبه بمظلوم

المشاركات التي تم ترشيحها

ما رأيت ظالمًا أشبه بمظلوم من ولدٍ عاق يعيش مقاطعًا لوالديه مخاصمًا لهما لا يحادثهما ولا يجالسهما ولا يضاحكهما ولا يمازحهما ولا يطلب رضا الله في طاعتهما.

 

 

يزعم أنهما لا يفهمانه أو يمتنعان من تلبية رغباته، يظن بهما الضن عليه، والبخل بأسباب سعادته، فيعيش محرومًا من والديه وهما بين يديه، ومن التلذذ بالنظر إليهما ومطالعة صفحة وجههما وليس دون ذلك قليل أو كثير، حتى إذا ماتا تمنى نظرة إلى وجههما، وودّ لو بذل في سبيل ذلك كل ما يملك، وما إلى ذلك من سبيل، يتحسر على ما فاته من رضاهما وقد كان ذلك سهلا ميسورًا، ويبكي على مقاطعته لهما وقد كانت مواصلتهما لا تتطلب كثيرًا ولا قليلًا، إذ أنّ أقل القليل منه كان سيرضيهما.

 

فلو رأيته بعد وفاتهما وقد أظلمت الدنيا في عينيه، وعلت الكآبة وجهه، لقلت رجلًا جهنَّميًّا رجع من الدار الآخرة ليخبر عن حال أهل العذاب، أو معذبًا قضى الله عليه بالعذاب منذ أن خلق إلى يوم موته، فربما ترثي لحاله، وتأخذك الشفقة عليه، وربما تبكى لحاله، وتظنه مظلومًا وما هو بمظلوم، وإنما هو ظالم، وما تراه في وجهه ليست دلائل ظلم وقع عليه، وإنما هي آثار ظلمه لوالديه، إن الكآبة التي تعلوا وجهه ليست وليدة اليوم، وإنما هي الكآبة التي كانت تعلوا وجه والديه حزنًا على موته رغم حياته، والحزن الذى يعلو محياه ليس لأنّ ظالمًا قد اعتدى عليه، لكن لأنَّ الحزن الذى كان يرتسم على وجه والديه قد انتقل إليه، فورثه مع ما ورث عنهما من مالٍ ومتاع.

 

ويل ٌ للآباء من الأبناء الذين لا يقدّرون حكمة الآباء، ولا يرون ضيق أسباب المعيشة في أيديهم، فهم يظنّون أنّ آباءهم يمنعونهم حقًّا مشروعًا لهم، ويرون أن آباءهم يقفون حجر عثرةٍ في سبيل سعادتهم، ويضنّون عليهم بوسائل السعادة والرفاهية، ولا يعلمون أنّ الآباء يودُّ أحُدهم لو قطّع جسده إربًا فقسَّمه بين أبنائه ليرى البسمةَ تعلوا محيَّاهم، وأنّه يودّ لو فقد حياته في سبيل حياتهم، وأنّه لو عرض لأحدهم عارضٌ من مرضٍ أو غيِره لتقطّع قلبُ والديه حزنًا عليه، يودُّون لو فدوه بأنفسهم، يقول لسان حالهم ( روحنا لروحك الفداء، ونفسنا لنفسك الفداء ) وأنّه يوم يبرأ من علّته، ويبلُّ من مرضه لا تسعهم الدنيا فرحةً، وأنَّ ابتسامته تنير الكون، وأنَّ فرحته تجعل الدُّنيا تعزف أعذب الألحان.

 

ما أقسى قلوب الأبناء حين يُحمِّلون آباءهم مالا يطيقون، ويكلِّفونهم مالا يستطيعون، ويتمنَّون منهم مالا يكون، ثم لا يعذرون، ويا ليتهم يعلمون أنَّ الآباء لو كانت النُّجوم في أيديهم لنسجوا منها عقدًا جميلًا زيَّنوا به صدور الأبناء، ولو كانت الدُّنيا ملكًا لهم لبذلوها هيِّنة لأولادهم، ولو أنَّ مفاتيح الجنَّةِ كانت بأيديهم لأدخلوا أبناءهم قبلهم.

 

لا تحلوا دنيا الآباء إلا بفرحة الأبناء، ولا تزهر ورود ربيع الآباء إلاَّ بابتسامة الأبناء، ولا طعم للقمة هنيئة يطعمها الآباء في غياب الأبناء، إذا أكل الأبناء شبع الآباء، وإذا ضحك الأبناء فرح الآباء، وإذا شُفى الأبناء دبَّت العافية ُ في قلوب الآباء.

 

ألا فليعلم الأبناء أنَّ الآباء لا يدَّخرون وُسعًا في سبيل سعادتهم، ولا يُقصِّرون إلاَّ لضيق ذات اليد، ولا يمتنعون إلاَّ ريثما يُعِدُّون. يودُّ الآباء لو نزعوا أكبادهم ليحيا الأبناء.

 

جاءت امرأةَ مسكينة تسأل السيدة عائشة ومعها ابنتان لها فأطعمتها السيدة عائشة ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجب السيدة عائشة شأنها فذكرت الذى صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنَّ الله قد أوجب لها بها الجنَّة، وأعتقها بها من النَّار". رواه مسلم

 

أرأيتم يا معشر الأبناء:

إنَّ التي نزعت التَّمرة من فيها لقادرةٌ على أن تنزع بضعةً من كبدها لتمنحه لولدها راضيةً لو تطلَّب الأمر ذلك، وتفعل ذلك.

 

أيها الأبناء:

اطمئنُّوا وقروا عينًا إنَّ الأم التي تنزع التَّمرة من فيها لتطعمها لأبنائها رغم حاجتها الماسَّة إليها لن تبخل على أبنائها بدريهماتٍ يطلبونها ترى سعادتهم فيها وهي تملكها، وإنَّ الأب الذي يُمضى سحابةَ نهاره وشطرًا من ليله سعيًا وراء لقمة عيش يُطعمها لأبنائه لن يضنَّ عليهم بجنيهات يتمنونها وهو يجد سبيلًا إليها.

 

لا يمنع الآباءَ من العطيَّة للأبناء إلا ضيق ذات اليد، ولو وجدوا لما منعوا.

 

إنَّ الأم التي ضرب بها رسول الله المثل ليقرِّب لأصحابه سعة رحمةِ الله: (في الحديث المتفق عليه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة في السبي تسعى كلما وجدت صبيًا أخذته فألصقته بثديها ترضعه فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أترون هذه طارحةً ولدها في النَّار؟ قلنا: لا والله وهى تقدر ألا تطرحه، فقال صلى الله عليه وسلم للهُ أرحم بعبادِهِ من المرأة بولدها).

 

هذه الأم لن تمنع أبناءها ما يشتهون وهي قادرة على أن تعطيه لهم، لكنها قسوةُ الحياة وضيقُ ذات اليد.

 

فاطمئنوا وقرُّوا عينًا ولا تكلِّفوا آباءكم مالا يطيقون، وعيشوا في كنفهم راضين، ومتعوا أعينكم بالنظر إليهم قبل أن تكون النظرة من أحدهما أغلى من ملء الأرض ذهبًا... وهيهات أن تُقبَل.

 


المعتز بالله كامل
شبكة الاوكة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×