اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

فوائد من كتب ابن القيم

المشاركات التي تم ترشيحها

فوائد من الجواب الكافى


ما استجلبت نعم الله واستدفعت نقمه بمثل طاعته ، والتقرب إليه ، والإحسان إلى خلقه



كانت معصية الله سبباً لمحق بركة الرزق والأجل ؛ لأن الشيطان موكل بها وبأصحابها ، فسلطانه عليهم وحوالته على هذا الديوان وأهله وأصحابه ، وكل شيء يتصل به الشيطان ويقارنه فبركته ممحوقة ، ولهذا شرع ذكر اسم الله عند الأكل والشرب واللبس والركوب والجماع ، لما في مقارنة اسم الله من البركة
 
 
أعظم الناس غروراً من اغتر بالدنيا وعاجلها ، فآثرها على الآخرة ، ورضي بها بديلاً من الآخرة .

 
إن العبد لا يزال يرتكب الذنوب حتى تهون عليه وتصغر في قلبه ، وذلك علامة الهلاك ، فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله .
 
 
كيف يجتمع التصديق الجازم الذي لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل ؟
هذا التخلف له عدة أسباب :
أحدها : ضعف العلم ونقصان اليقين ، ومن ظن أن العلم لا يتفاوت فقوله من أفسد الأقوال وأبطلها .
 فإذا اجتمع إلى ضعف العلم عدم استحضاره ، أو غيبته عن القلب كثيراً من أوقاته أو أكثرها لاشتغاله بما يضاده ، وانضم إلى ذلك تقاضي الطمع ، وغلبات الهوى ، واستيلاء الشهوة ، وتسويل النفس ، وغرور الشيطان ، واستبطاء الوعد ، وطول الأمل ، ورقدة الغفلة ، وحب العاجلة ...


 
حسن الظن إن حمل على العمل وحث عليه وساق إليه ؛ فهو صحيح ، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي ؛ فهو غرور . ومن كان رجاؤه جاذباً إلى الطاعة ، زاجراً عن المعصية ؛ فهو رجاء صحيح . ومن كانت بطالته رجاء ، ورجاؤه بطالة وتفريطاً ؛ فهو المغرور
 

 
الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه ، وحصول المطلوب ، ولكن قد يتخلف عنه أثره ، إما لضعفه في نفسه ؛ بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان ، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً ، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام ورين الذنوب


 
للدعاء مع البلاء ثلاث مقامات : أحدها : أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه . الثاني : أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء ، فيصاب به العبد ، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفاً . الثالث : أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه .


 
أنفع الأدوية الإلحاح في الدعاء وضده أن يستعجل العبد ويستبطئ الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء

 
معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألذوا بياذا الجلال والإكرام )
أى تعلقوا بها والزموها وداوموا عليها

 
سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : كما أن خير الناس الأنبياء ؛ فشر الناس من تشبه بهم من الكذابين ، وادعى أنه منهم وليس منهم ، فخير الناس بعدهم العلماء والشهداء والصديقون والمخلصون ، وشر الناس من تشبه بهم ، يوهم أنه منهم وليس منهم

 
معنى قول المؤلف : إن من عقوبات المعاصي أنها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه : قال تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ) فأخبر تعالى أن من عوقبات من ترك التقوى ؛ بأن أنساه نفسه ، أي أنساه مصالحها وما ينجيها من عذابه ، وما يوجب له الحياة الأبدية ، وكمال لذتها ، ... فترى العاصي مهملاً لمصالح نفسه مطيعاً لها ، قد أغفل الله قلبه عن ذكره واتبع هواه .
 
فالذنب يحجب الواصل ، ويقطع السائر ، وينكس الطالب ، فالقلب إنما يسير إلى الله بقوته ، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيره . فالذنب إما أن يميت القلب ، أو يمرضه مرضاً مخوفاً ، أو يضعف قوته ولا بد حتى ينتهي ضعفه إلى الأشياء التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم : الهم ، والحزن ، والعجز ، والكسل .


 
المكروه الوارد على القلب إن كان أمر مستقبل يتوقعه ، أحدث الهم ، وإن كان من أمر ماضٍ قد وقع أحدث الحزن .

 
 
فإن تخلف العبد عن أسباب الخير والفلاح ؛ إن كان لعدم قدرته فهو العجز ، وإن كان لعدم إرادته فهو الكسل . و عدم النفع منه إن كان بيديه فهو الجبن ، وإن كان بماله فهو البخل . و استعلاء الغير عليه ؛ إن كان بحق فهو من ضلع الدين ، وإن كان بباطل فهو من قهر الرجال

 
كل من أحب شيئاً غير الله عذب به ثلاث مرات : في هذه الدار ، فهو يعذب به قبل حصوله حتى يحصل ، فإذا حصل عذب به حال حصوله بالخوف من سلبه وفواته ، والتنغيص والتنكيد عليه وأنواع المعارضات ، فإذا سلبه اشتد عذابه عليه ، فهذه ثلاثة أنواع من العذاب في هذه الدار

 
القلب كلما كان أبعد من الله كانت الآفات إليه أسرع ، وكلما كان أقرب من الله بعدت عنه الآفات ، والبعد من الله مراتب بعضها أشد من بعض . والقلب مثل الطائر ؛ كلما علا بعد عن الآفات ، وكلما نزل احتوشته الآفات ، فكما أن الشاة التي لا حافظ لها وهي بين الذئاب سريعة العطب ، فكذا العبد إذا لم يكن عليه حافظ من الله ، فذئبه مفترسه ولا بد ، وإنما يكون عليه حافظ من الله بالتقوى .


يتبع

 
الكلم الطيب


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
معنى قوله تعالى : (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ) الأيدي : القوة في تنفيذ الحق ، والأبصار : البصائر في الدين ، فوصفهم بكمال إدراك الحق وكمال تنفيذه
 
لم يسلط سبحانه هذا العدو على عبده المؤمن الذي هو أحب المخلوقات إليه ؛ إلا لأن الجهاد أحب شيء إليه ، وأهله أرفع الخلق عنده درجات ، وأقربهم إليه الوسيلة .
 
نسيانه سبحانه للعبد : إهماله وتركه وتخليته عنه وإضاعته ، فالهلاك أدنى إليه من اليد للفم . وأما إنساؤه نفسه : فهو إنساؤه لحظوظها العالية ، وأسباب سعادتها وفلاحها وإصلاحها وما يكملها ، ينسيه ذلك جميعه . وأيضاً ينسيه عيوب نفسه ونقصها وآفاتها ، فلا يخطر بباله إزالتها وإصلاحها . وأيضاً ينسيه أمراض نفسه وقلبه وآلامها . فأي عقوبة أعظم من عقوبة من أهمل نفسه وضيعها ، ونسي مصالحها وداءها ودواءها
 
 
إن نعم الله ما حفظ موجودها بمثل طاعته ، ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته ، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته ، وقد جعل الله لكل شيء سبباً وآفة ، فجعل أسباب نعمه الجالبة لها طاعته ، وآفاتها المانعة منها : معصيته ، فإذا أراد حفظ نعمته على عبده ألهمه رعايتها بطاعته فيها ، وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى عصاه بها
 
- اقتضت حكمة الله في قطع يد السارق ، لأنه هو العضو الذي باشرته اليد الجناية ، فما الحكمة لم يقطع فرج الزاني الذي باشرت المعصية ؟ الجواب : أحدها : أن مفسدة ذلك تزيد على مفسدة الجناية ، إذ فيه قطع النسل وتعريضه للهلاك . الثاني : أن الفرج عضو مستور لا يحصل بقطعه مقصود الحد من الردع والزجر لأمثاله من الجناية ، بخلاف قطع اليد . الثالث : أنه إذا قطعت يده أبقيت له يداً أخرى تعوض عنها بخلاف الفرج . الرابع : أن لذة الزنا عمت جميع البدن ، فكان الأحسن أن تعم العقوبة جميع البدن
 
القلب السليم هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر ، وحب الدنيا والرياسة ، فسلم من كل آفة تبعده عن الله ، وسلم من كل شبهة تعارض خبر الله ، ومن كل شهوة تعارض أمر ربه . وقد أثنى الله على خليله بسلامة القلب فقال : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ . إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) وقال تعالى حاكياً عنه أنه قال : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) .
 

لا تتم سلامة القلب حتى يسلم من خمسة أشياء: من شركٍ يناقض التوحيد، وبدعةٍ تخالف السنة، وشهوةٍ تخالفُ الأمر، وغفلةٍ تناقضُ الذكر، وهوى نفس يناقض التجرد من شهوات الدنيا، وهذه الخمسة حُجُبٍ عن الله تعالى, لا بد للمسلم من التخلص منها بالاستعانة بالله- عز وجل
 
لماذا البدعة أحب إلى إبليس من الذنوب ؟ المذنب إنما ضرره على نفسه ، وأما المبتدع فضرره على الناس ، وفتنة المبتدع في أصل الدين ، وفتنة المذنب في الشهوة ، والمبتدع قد قعد للناس على صراط الله المستقيم يصدهم عنه ، والمذنب ليس كذلك ، والمبتدع قادح في أوصاف الرب وكماله ، والمذنب ليس كذلك ، والمبتدع متناقض لما جاء به الرسول ، والعاصي ليس كذلك
 
وما أوتي أحد بعد الإيمان أفضل من الفهم عن الله وعن رسوله
( ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
 


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
النظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ، فإن النظرة تولد الخطرة ، ثم تولد الخطرة فكرة ، ثم تولد الفكرة شهوة ، ثم تولد الشهوة إرادة ، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة ، فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع مانع ، ولهذا قيل : الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده .
 
 
ليس على النفس الأمارة أشق من العمل لله وإيثار رضاه على هواها ، وليس لها أنفع منه . وكذا ليس على النفس المطمئنة أشق من العمل لغير الله وإجابة داعي الهوى ، وليس عليها شيء أضر منه .
 
 
إذا أردت أن يستدل على ما في القلوب ؛ فاستدل عليه بحركة اللسان ، فإنه يطلعك على ما في القلب شاء صاحبه أم أبى ، قال يحي بن معاذ : القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها . فانظر الرجل حين يتكلم فإن لسانه يغترف لك به مما في قلبه حلواً أو حامضاً

 
قال تعالى ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ )
فلماذا نهى أن تأخذهم رأفة بالزنا ، مع أن هذا عام في جميع الحدود ؟
هذا وإن كان عاماً في جميع الحدود ، ولكن ذكر في حد الزنى خاصة لشدة الحاجة إلى ذكره ، فإن الناس لا يجدون في قلوبهم من الغلظة والقسوة على الزاني ما يجدونه على السارق والقاذف وشارب الخمر ، فقلوبهم ترحم الزاني أكثر مما ترحم غيره من أرباب الجرائم
 
 
منافع غض البصر :
أحدها : أنه امتثال لأمر الله ، وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى .
الثاني : أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه .
الثالث : أنه يورث القلب أنساً بالله وجمعية على الله ، فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ، ويبعده من الله ، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه .
الرابع : أنه يقوي القلب ويفرحه ، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه .
الخامس : أنه يكسب القلب نوراً ، كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة .
السادس : أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل ، والصادق والكاذب .
السابع : أنه يورث القلب ثباتاً وشجاعة وقوة ، ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة .
الثامن : أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب ، فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي
 
 
قال تعالى ( كذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) فأخبر سبحانه أنه صرف عن يوسف السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلاصـه ، فإن القلب إذا أخلـص عمله لله لم يتمكن منه عشـق الصور ، فإنه إنما يتمكن مـن القلب الفارغ . .
 
 
الداخل في الشيء لا يرى عيوبه ، والخارج منه الذي لم يدخل فيه لا يرى عيوبه ، ولا يرى عيوبه إلا من دخل فيه ثم خرج منه ، ولهذا كان الصحابة الذين دخلوا في الإسلام بعد الكفر خيراً من الذين ولدوا في الإسلام ، قال عمر : إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا ولد في الإسلام من لا يعرف الجاهلية .

 
ما صبر عليه يوسف عليه السلام من مراودة امرأة العزيز أمر صعب جدا لقوة الداعي ؟
فما قوة الداعي فيه ؟
أحدها : ما ركبه الله سبحانه في طبع الرجل من ميله إلى المرأة كما يميل العطشان إلى المائ والجائع إلى الطعام .
الثاني : أن أن يوسف كان شاباً وشهوة الشاب وحدته أقوى .
الثالث : أنه كان عزباً لا زوجة له ولا سرية ، تكسر حدة الشهوة .
الرابع : أنه كان في بلاد غربة لا يتأتى للغريب فيها من قضاء الوطر ما يتأتى لغيره في وطنه وأهله ومعارفه .
الخامس : أن المرأة كانت ذات منصب وجمال ، بحيث أن كل واحد من هذين الأمرين يدعو إلى موافقتها . السادس : أنها غير آيبة ولا ممتنعة ، فإن كثيراً من الناس يزيل رغبته في المرأة إباؤها وامتناعها .
السابع : أنها طلبت وأرادت وبذلت الجهد ، فكفته مؤنة الطلب وذل الرغبة إليها .
الثامن : أنه في دارها وتحت سلطانها وقهرها ، بحيث يخشى إن لم يطاوعها من أذاها له .
التاسع : أنه لا يخشى أن تنم عليه هي ، ولا أحد من جهتها ، فإنها هي الطالبة الراغبة .
العاشر : أنه كان مملوكاً في دارها ، بحيث يدخل ويخرج ويحضر معها ولا ينكر عليه .
الحادي عشر : أنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال .
الثاني عشر : أنها توعدته بالسجن والصغار ، وهذا نوع إكراه .
الثالث عشر : أن الزوج لم يظهر من الغيرة والنخوة ما يفرق به بينهما ويبعد كل منهما عن صاحبه . وشدة الغيرة للرجل من أقوى الموانع .

 
الكلم الطيب

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

فوائد من اغاثة اللهفان

 

حال القلوب إذا عرضت عليها الفتن قلب إذا عرضت عليه فتنة أشربها ، كما يشرب الإسفنج الماء ، فتنكت فيه نكتة سوداء ، فلا يزال يشرب كل فتنة تعرض عليه حتى يسود وينتكس وهو معنى ( كالكوز مجخياً ) أي مكبوباً منكوساً
 
 
 
شبه سبحانه من لا يستجيب لرسوله بأصحاب القبور ، وهذا من أحسن التشبيه ، فإن أبدانهـم قبور لقلوبهم ، فقد ماتت قلوبهم وقُبرت في أبدانهم ، فقال تعالى (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ )
 
 
كان النصارى أخص بالضلال لأنهم أمة جهل ، واليهود أخص بالغضب ، لأنهم أمة عناد
 
 
معنى قوله تعالى ( والعصر . إن الإنسان لفي خسر . إلا الذين آمنوا ..... ) أقسم سبحانه وتعالى بالدهر الذي هو زمن الأعمال الرابحة والخاسرة ، على أن كل واحد في خسر ، إلا من كمّل قوته العلمية بالإيمان بالله ، وقوته العملية بالعمل بطاعته ، فهذا كمال في نفسه ، ثم كمّل غيره بوصيته له بذلك ، وأمره إياه به ، وبملاك ذلك وهو الصبر ، فكمّل نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح ، وكمّل غيره بتعليمه إياه ووصيته له بالصبر عليه
 
 
جمع في قوله في الحديث ( أسألك لذة النظر إلى وجهك ، وأسألك الشوق إلى لقائك ) جمع بين أطيب شيء في الدنيا ، وهو الشوق إلى لقائه سبحانه ، وأطيب شيء في الآخرة ، وهو النظر إلى وجهه سبحانه .
 
 
 
ما المراد بالتعذيب في قوله تعالى ((فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهم كافرون ) ؟
قال الحسن البصري : يعذبهم بأخذ الزكاة منها والإنفاق في الجهاد واختاره ابن جرير . وقالت طائفة : تعذيبهم بها أنهم يتعرضون بكفرهم لغنيمة أموالهم ، وسبي أولادهم ، فإن هذا حكم الكافر ، وهم في الباطن كذلك . والصواب – والله أعلم – أن يقال تعذيبهم بها هو الأمر المشاهد من تعذيب طلاّب الدنيا ومحبيها ومؤثريها على الآخرة ، بالحرص على تحصيلها والتعب العظيم في جمعها ، ومقاساة أنواع المشاق في ذلك ، فلا تجد أتعب مَنْ الدنيا أكبر همِّه ، وهو حريص بجهده على تحصيلها
 
 
من أبلغ العذاب في الدنيا : تشتيت الشمل وتفرق القلوب ، وكون الفقر نُصب عيني العبد لا يفارقه ، ولولا سكرة عشاق الدنيا بحبها لاستغاثوا من هذا العذاب
 
 
 
محب الدنيا لا ينفك من ثلاث : همٍّ لازم ، وتعب دائم ، وحسرة لا تنقضي ، وذلك أن محبها لا ينال منها شيئاً إلا طمحت نفسه إلى ما فوقه كما في الحديث عن النبي : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثاً . قال بعض السلف : من أحب الدنيا فليوطن نفسه على تحمل المصائب
 
 
 
القرآن شفاء لمرض الشهوت: بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب ، والتزهيد في الدنيا ، والترغيب في الآخرة ، والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار
 
 
 
من يبتلى بعشق الصور ؟ إنما يبتلي به القلوب الفارغة من حب الله والإخلاص له ، فإن القلب لابد له من التعلق بمحبوب ، فمن لم يكن الله وحده محبوبه وإلهه ومعبوده فلا بد أن ينعقد قلبه لغيره
 
 
 
- ما السر في قول الله عقب أمر الله المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم ( الله نور السماوات والأرض ) ؟
سر هذا الخبر : أن الجزاء من جنس العمل ، فمن غض بصره عما حرم الله عليه عوضه الله تعالى من جنسه ما هو خير منه ، فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته وقلبه ، فرأى به ما لم يره من أطلق بصره ولم يغضه عن محارم الله
 
 
 
لا يدخل المصلي عليه حتى يتطهر ، وكذلك جعل الدخول إلى جنته موقوفاً على الطيب والطهارة ، فلا يدخلها إلا طيب طاهر ، فهما طاهرتان : طهارة الأبدان ، وطهارة القلب ، ولهذا شرع للمتوضىء أن يقول عقيب وضوئه : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين .، فطهارة القلب بالتوبة ، وطهارة البدن بالماء
 
 
 
ما السر في قول ( غفرانك ) بعد الخروج من الخلاء ؟
وفي هذا من السر – والله أعلم – أن النجو يثقل البدن ويؤذيه باحتباسه ، والذنوب تثقل القلب وتؤذيه باحتباسها فيه ، فهما مؤذيان مضران بالبدن والقلب ، فحمد الله عند خروجه على خلاصه من هذا المؤذي لبدنه ، وخفة البدن وراحته ، وسأل الله أن يخلصه من المؤذي الآخر ويريح قلبه منه ويخففه
 
 
القلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضار المؤذي . ومن علامته صحته : أن يرتحل عن الدنيا حتى ينزل بالآخرة ويحل فيها حتى يبقى كأنه من أهلها وأبنائها . ومن علامة صحة القلب : أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى الله ويخبت إليه ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه . ومن علامة صحة القلب : أن لا يفتر عن ذكر ربه ، ولا يسأم من خدمته ولا يأنس بغيره إلا بمن يدله عليه ويذكره به . ومن علامات صحته : أنه إذا فاته ورده وجد لفواته ألماً أعظم من تألم الحريص بفوات ماله . ومن علامات صحته : أن يكون همه واحداً ، وأن يكون في الله . ومن علامات صحته : أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا . ومن علامات صحته : أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعاً من أشد الناس شحاً بماله .
 
 
 
قال عمر : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا . وقال الحسن : لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه : ماذا أردتِ تعملين ؟ وما أردتِ تأكلين ؟ وقال ميمون بن مهران : إن التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان عاص ومن شريك شحيح . وقال الحسن : المؤمن قوّام على نفسه ، يحاسب نفسه لله ، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا . وقال مالك بن دينار : رحم الله عبداً قال لنفسه : ألستِ صاحبة كذا ؟ ألستِ صاحبة كذا ؟ ثم زمها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله فكان لها قائد . وقال الحسن : رحم الله عبداً وقف عند همهِ ، فإن كان لله مضى ، وإن كان لغيره تأخر
 
يتبع
 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
ما الذي يعين على محاسبة النفس ومراقبتها ؟
----------------
يعينه على هذه المراقبة والمحاسبة : معرفته أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غداً إذا صار الحساب إلى غيره ، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غداً . ويعينه أيضاً : معرفته أن ربح هذه التجارة سكنى الفردوس ، والنظر إلى وجه الرب سبحانه ، وخسارتها : دخول النار والحجاب عن الرب تعالى ، فإذا تيقن هذا هان عليه الحساب اليوم
 
 
 
أضر ما على الانسان الإهمال وترك المحاسبة والاسترسال ، وتسهيل الأمور وتمشيتها ، فإن هذا يؤول به إلى الهلاك ، وهذه حال أهل الغرور: يغمض عينية عن العواقب، ويمشّي الحال، ويتكل على العفو، فيهمل محاسبة نفسه والنظر في العاقبة، وإذا فعل ذلك سهل عليه مواقعة الذنوب، وأنس بها، وعسر عليها فطامها
 
 
 
في محاسبة النفس عدة مصالح : منها : الاطلاع على عيوبها ، ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه من إزالته . ومنها : أنه يعرف بذلك حق الله تعالى عليه ، ومن لم يعرف حق الله تعالى عليه فإن عبادته لا تكاد تجدي عليه ، وهي قليلة المنفعة جداً ، فمن أنفع ما للقلب النظر في حق الله تعالى على العبد
 
 
 
الحكمة من أمر الله تعالى بالاستعاذة قبل القراءة ؟
----------------
في ذلك وجوه : منها : أن القرآن شفاء لما في الصدور يُذهب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات والإرادات الفاسدة ، فهو دواء لما أثره فيها الشيطان ، فأمر أن يطرد مادة الداء . ومنها : أن الملائكة تدنو من قارئ القرآن وتستمع لقراءته ، والشيطان ضد الملك وعدوه ، فأمر القارئ أن يطلب من الله تعالى مباعدة عدوه عنه . ومنها : أن الشيطان يُجلب على القارئ بخيله ورجْله حتى يشغله عن المقصود بالقرآن ، وهو تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد به المتكلم به سبحانه ، فيحرص على أن يحول بين قلبه وبين مقصود القرآن . ومنها : أن الشيطان أحرص ما يكون على الإنسان عندما يهمّ بالخير أو يدخل فيه ، فهو يشتد عليه حينئذ ليقطعه عنه ، وكلما كان الفعل أنفع للعبد وأحب إلى الله تعالى كان اعتراض الشيطان له أكثر
 
 
 
كيد الشيطان للإنسان : من ذلك قوله تعالى (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) قيل: (يعدكم الفقر) يخوفكم به، يقول: إن أنفقتم أموالكم افتقرتم (ويأمر بالفحشاء) قالوا: هي البخل في هذا الموضع خاصة، ويُذكر عن مقاتل والكلبي: كل فحشاء في القرآن فهي الزنا إلا في هذا الموضع فإنها البخل . والصواب: أن الفحشاء على بابها: وهي كل فاحشة ، فهي صفة لموصوف محذوف، فحذف موصوفها إرادة للعموم : أي الفعلة الفحشاء ومن جملتها : البخل .
 
 
 
من كيد عدو الله : أنه يخوف المؤمنين من جنده وأوليائه ، فلا يجاهدونهم ولا يأمرونهم بالمعروف ، ولا ينهونهم عن المنكر ، وهذا من أعظم كيده بأهل الإيمان ، وقد أخبرنا الله سبحانه عنه بهذا فقال (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ) والمعنى عند جميع المفسرين : يخوفكم بأوليائه . قال قتادة : يعظمهم في صدوركم . وأول كيده ومكره : أنه كاد الأبوين بالأيمان الكاذبة ، أنه ناصح لهما ، وأنه إنما يريد خلودهما في الجنة .
 

 

من مكايد الشيطان: أنه يأمرك أن تلقى المساكين وذوي الحاجات بوجه عبوس ولا تريهم بشراً ولا طلاقة ، فيطمعوا فيك، ويتجرأوا عليك، وتسقط هيبتك من قلوبهم، فيحرمك صالح أدعيتهم، وميل قلوبهم إليك . فيأمرك بسوء الخلق ومنع البشر والطلاقة مع هؤلاء ، وبحسن الخلق والبشر مع أولئك ، ليفتح لك باب الشر ويغلق عنك باب الخبر .
 
 
 
المقصود من زيارة القبور
----------------
ثلاثة أشياء : أحدها : تذكر الآخرة والاعتبار والاتعاظ . الثاني : الإحسان إلى الميت بالدعاء . الثالث : إحسان الزائر إلى نفسه باتباع السنة
 
 
 
الفتنة نوعان : فتنة الشبهات ، وهي أعظم الفتنتين ، وفتنة الشهوات . من ضعف البصيرة وقلة العلم ، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد وحصول الهوى . و فتنة الشبهات تُدفع باليقين ، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر ، ولهذا جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين ، فقال : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) .
 
 
 
كان من تمام رحمة أرحم الراحمين : تسليط أنواع البلاء على العبد ، فابتلاؤه له وامتحانه ومنعه من كثير من أغراضه وشهواته من رحمته به ، ولكن العبد لجهله وظلمه يتهم ربه بابتلائه . ومن رحمته سبحانه بعباده : ابتلاؤهم بالأوامر والنواهي رحمة وحمية ، لا حاجة منهم إليهم بما أمرهم به ، فهو الغني الحميد ، ولا بخل منه عليهم بما نهاهم عنه فهو الجواد الكريم . ومن رحمته : أن نقص عليهم الدنيا وكدرها لئلا يسكنوا إليها ولا يطمئنوا إليها ، ويرغبوا في النعيم المقيم في داره وجواره . ومن رحمته بهم : أن حذرهم نفسه ، لئلا يغتروا به ، فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به ، كما قال تعالى : ( ويحذركم الله نفسه ) . قال غير واحد من السلف حذرهم من نفسه لئلا يغتروا به
 
 
 
إبليس امتنع من السجود لآدم فراراً أن يخضع له ويذل ، فطلب إعزاز نفسه ، فصيره الله أذل الأذلين . وكذلك عباد الأصنام أنفوا أن يتبعوا رسولاً من البشر ، وأن يعبدوا إلهاً واحداً ، ورضوا أن يعبدوا آلهة من الأحجار . وكذلك كل من امتنع أن يَذِلَّ لله أو يبذل ماله في مرضاته أو يتعب نفسه وبدنه في طاعته ، لا بد أن يذل لمن لا يسوى ، ويبذل له ماله ، ويتعب نفسه وبدنه في طاعته عقوبة له .
 
 
 
 بعض الفوائد من قصة البقرة ؟
منها : أن الإخبار بها من أعلام نبوته  . ومنها : الدلالة على نبوة موسى وأنه رسول رب العالمين . ومنها : الدلالة على صحة ما اتفقت عليه الرسل من أولهم إلى خاتمهم : من معاد الأبدان وقيام الموتى من قبورهم . ومنها : إقامة أنواع الآيات والبراهين والحجج على عباده بالطرق المتنوعات ، زيادة في هداية المهتدين وإعذاراً وإنذاراً للظالم . ومنها : أنه لا ينبغي مقابلة أمر الله تعالى بالتعنت وكثرة الأسئلة بل يبادر بالامتثال . ومنها : أنه لا يجوز مقابلة أمر الله الذي لا يعلم المأمور وجه الحكمة فيه بالإنكار

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
فوائد من الوابل الصيب
 
 
الشكر مبني على ثلاثة أركان : الاعتراف بالنعمة باطناً ، والتحدث بها ظاهراً ، وتصريفها في مرضات وليها ومسديها ومعطيها ، فإذا فعل ذلك فقد شكرها مع تقصيره في شكرها .
 
 
الصبر هو حبس النفس عن التسخط بالمقدور ، وحبس اللسان عن الشكوى ، وحبس الجوارح عن المعصية ، كاللطم ، وشق الثياب ، ونتف الشعر ونحو ذلك
 
 
الحكمة من ابتلاء الله لعبده بالمحن إن الله تعالى لم يبتله ليهلكه ، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته ، فإن لله تعالى على العبد عبودية في الضراء ، كما له عليه عبودية في السراء ، وله عليه عبودية فيما يكره كما له عليه عبودية فيما يحب ، وأكثر الخلق يعطون العبودية فبما يحبون ، والشأن في إعطاء العبودية في المكاره ، ففيه تفاوتت مراتب العباد ، وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى
 
 
إذا أراد الله بعبده خيراً فتح له من أبواب التوبة ، والندم ، والانكسار ، والذل ، والافتقار ، والاستعانة به ، وصدق الملجأ إليه ، ودوام التضرع ، والدعاء ، والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات .
 
 
جمع النبي بقوله في الحديث [ أبوء لك بنعمتك عليّ ، وأبوء بذنبي ] جمع بين مشاهدة المنة ، ومطالعة عيب النفس والعمل . فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان . ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت
 
 
أقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى باب الإفلاس ، فلا يرى لنفسه حالاً ، ولا مقاماً ، ولا سبباً يتعلق به ، ولا وسيلة منه يمنّ بها .
 
 
استقامة القلب بشيئين : أحدهما : أن تكون محبة الله تعالى تتقدم عنده على جميع المحاب ، فإذا تعارض حب الله وحب غيره ، سبق حب الله حب ما سواه ، وما أسهل هذا بالدعوى ، وما أصعبه بالفعل الثانية : تعظيم الأمر والنهي ، وهو ناشئ عن تعظيم الآمر والناهي
 
 
قضى الله قضاء لا يرد ولا يدفع ، أن من أحب شيئاً سواه عذب به ولا بد ، وأن من خاف غيره سلط عليه ، وأن من اشتغل بشيء غيره كان شؤماً عليه ، ومن آثر غيره عليه لم يبارك فيه
 
 
علامة تعظيم الأوامر رعاية أوقاتها وحدودها ، والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها ، والحرص على تحسينها وفعلها في أوقاتها والمسارعة إليها عند وجوبها ، والحزن والكآبـة والأسف عند فوت حق من حقوقها
 
 
تتفاضل الأعمال عند الله بتفاضــل ما في القلـوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها .
 
 
ليس الشأن في العمل ، إنما الشأن كل الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه و معرفة ما يفسد الأعمال في حال وقوعها ، ويبطلها ويحبطها بعد وقوعها من أهم ما ينبغي أن يفتش عليه العبد ، ويحرص على عمله ويحذره .
 
 
علامات تعظيم المنــاهي الحرص على التباعد من مظانها وأسبابها وما يدعو إليها ، ومجانبة كل وسيلة تقرب منها . وأن يغضب لله عز وجل إذا انتهكت محارمــه ، وأن يجد في قلبه حزناً وكسرة إذا عصى الله في أرضه . وأن لا يسترسل مع الرخصة إلى حد يكون صاحبه جافياً غير مستقيم على المنهج الوسط
 
 
ما أمر الله بأمر إلا كان للشيطان نزغتان إما تقصير وتفريط ، وإما إفراط وغلو ، فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين
 
 
إن ضعفت النفس عن ملاحظة قصر الوقت وسرعة انقضائه ، فليتدبر قوله عز وجل [ كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ] . وقوله عز وجل [ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ] .
 
الكلم الطيب
 
يتبع

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
الالتفات المنهي عنه في الصلاة قسمان :
أحدهما : التفات القلب عن الله عز وجل إلى غير الله تعالى .
والثاني : التفات البصر ، وكلاهما منهي عنه .
و مثل من يلتفت في صلاته ببصره أو بقلبه ، مثل رجل استدعاه السلطان ، فأوقفه بين يديه ، وأقبل يناديه ويخاطبه ، وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يميناً وشمالاً ، وقد انصرف قلبه عن السلطان ، فلا يفهم ما يخاطبه به ، لأن قلبه ليس حاضراً معه ، فما ظن هذا الرجل أن يفعل به السلطان ، أفليس أقل المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتاً مبعداً قد سقط من عينيه .
 
الصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام ، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور ، وبطنه عن الطعام والشراب ، وفرجه عن الرفث ، هذا هو الصوم المشروع ، لا مجرد إمساك عن الطعام والشراب .
 
للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء ، ولو كانت من فاجر أو ظالم ، بل من كافر ، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء ، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم ، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه
 
الشح : هو شدة الحرص على الشيء والإحفاء في طلبه والاستقصاء في تحصيله ، وجشع النفس عليه . والبخل : منع إنفاقه بعد حصوله وحبه وإمساكه
 
السخاء نوعــان :
فأشرفهما : سخاؤك عما بيد غيرك .
والثاني : سخاؤك ببذل ما في يدك .
فقد يكون الرجل من أسخى الناس وهو لا يعطيهم شيئاً ، لأنه سخا عما في أيديهم . .
 
صدأ القلب بأمرين :
بالغفلة والذنب ،
وجلاؤه بشيئين :
بالاستغفار والذكر
 
فإما لسان ذاكر ، وإما لسان لاغ ، ولا بد من أحدهما ، فهي النفس إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك بالباطل وهو القلب ، إن لم تسكنه محبة الله سكنه محبة المخلوقين ولا بد ، وهو اللسان ، إن لم تشغله بالذكر شغلك باللهـو ، وهو عليك ولا بد ، فاختر لنفسك إحدى الخطتين ، وأنزلها إحدى المنزلتين .
 
سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة . وقال لي مرة : ما يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري ، إن رحت فهي معي لا تفارقني ، وإن حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحـة . وكان يقول في محبسه في القلعة : لو بذلت لهم ملء هذه القلعـة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمـة . وكان يقول في سجوده وهو محبوس : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك . وقال لي مرة : المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى ، والمأسور من أسره هواه .
 
أفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان و ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده ، لأن ذكر القلب يثمر المعرفة ، ويهيج المحبة ، ويثير الحياء ، ويبعث على المخافة ، ويدعو إلى المراقبة ، ويزع عن التقصير في الطاعات ، والتهاون في المعاصي والسيئات ، وذكر اللسان لا يثمر شيئاً من ذلك الإثمار ، وإن أثمر شيئاً منها فثمرة ضعيفة .
 
الذكر أفضل من الدعاء ، لأن الذكر ثناء على الله بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه ، والدعاء سؤال العبد حاجته فأين هذا من هذا والدعاء الذي يتقدمـه الذكر والثناء ، أفضل وأقرب إلى الإجابـة من الدعاء المجرد ، فإن إنضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته وافتقاره واعترافه كان أبلغ في الإجابة وأفضل .
 
معنى قوله صلى الله عليه وسلم
[ من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ]
الصحيح :
أن معناها كفتاه من شر ما يؤذيه ، وقيل : كفتاه من قيام الليل ، وليس بشيء
 
هل يكفي في التوبة من الغيبة الاستغفار للمغتاب ، أم لا بد من إعلامه وتحليله ؟
في هذه المسألة قولان للعلماء :
والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه ، بل يكفيه الاستغفار له وذكره بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها ،
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية .
 
الكلم الطيب

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

فوائد من كتاب الفوائد

من وطن قلبه عند ربه سكن واستراح، ومن أرسله في الناس اضطرب واشتد به القلق‏.‏ لا تدخل محبة الله في قلب فيه حب الدنيا إلا كما يدخل الجمل في سم الإبرة‏.‏ إذا أحب الله عبدا اصطنعه لنفسه واجتباه لمحبته واستخلصه لعبادته فشغل همته بخدمته‏.‏
 
خراب القلب من الأمن والغفلة، وعمارته من الخشية والذكر‏.‏
 
إذا غذي القلب بالتذكر وسقي بالتفكر ونقي من الدغل،‏ رأى العجائب وألهم الحكمة‏.‏
 
شغلوا قلوبهم بالدنيا، ولو شغلوها بالله والدار الآخرة لجالت في معاني كلامه وآياته المشهودة ورجعت إلى أصحابها بغرائب الحكم وظرف الفوائد‏.‏
 
على قدر الرغبة في الدنيا ورضاه بها يكون تثاقله عن طاعة الله وطلب الآخرة
 
ما أتي من أتي إلا من قِبَل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء، ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء‏.‏ وملاك ذلك الصبر فإنه من الإيمان بمنزله الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس فلا بقاء لجسد‏.‏
 
قوله‏:‏ ‏{‏واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه‏}‏ ‏(‏الآية‏:‏ 24 من سورة الأنفال‏.‏‏)‏ المشهور في الآية أنه يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان، ويحول بين أهل طاعته وبين معصيته، وبين أهل معصيته وبين طاعته، وهذا قول ابن عباس وجمهور المفسرين‏.‏ وفي الآية قول آخر‏:‏ أن المعنى‏:‏ أنه سبحانه قريب من قلبه لا تخفى عليه خافية فهو بينه وبين قلبه، ذكره الواحدي عن قتادة، وكان هذا أنسب بالسياق؛ لأن الاستجابة أصلها بالقلب، فلا تنفع الاستجابة بالبدن دون القلب، فإن الله سبحانه بين العبد وبين قلبه، فيعلم هل استجاب له قلبه وهل أضمر ذلك أو أضمر خلافه‏؟‏
 
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
 
الجاهل يشكو الله إلى الناس، وهذا غاية الجهل بالمشكو والمشكو إليه فإنه لو عرف ربه لما شكاه، ولو عرف الناس لما شكا إليهم‏.‏ ورأى بعض السلف رجلا يشكو إلى رجل فاقته وضرورته، فقال‏:‏ يا هذا، والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك
 
قوله تعالى‏:‏ ‏{والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا‏ } (سورة الفرقان الآية 73‏.‏‏)‏ قال مقاتل‏:‏ إذا وعظوا بالقرآن لم يقعوا عليه صما لم يسمعوه، وعميانا لم يبصروه، ولكنهم سمعوا وأبصروا وأيقنوا به‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ لم يكونوا عليها صما وعميانا، بل كانوا خائفين خاشعين‏.‏ وقال الكلبي :‏ يخرون عليها سمعا وبصَرا‏.‏ وقال الفراء‏:‏ وإذا تلي عليهم القرآن لم يقعدوا على حالهم الأولى كأنهم لم يسمعوه
 
مصدر ما في العبد من الخير والشر والصفات الممدوحة والمذمومة من صفة المعطي المانع‏.‏ فهو سبحانه يصرف عباده بين مقتضى هذين الاسمين، فحظ العبد الصادق من عبوديته بهما الشكر عند العطاء، والافتقار عند المنع، فهو سبحانه يعطيه ليشكره، ويمنعه ليفتقر إليه، فلا يزال شكورا فقيرا‏.‏
 
جمع فيك عقل الملك وشهوة البهيمة وهوى الشيطان وأنت للغالب عليك من الثلاثة‏:‏ إن غلبت شهوتك وهواك زدت على مرتبة ملك، وإن غلبك هواك وشهوتك نقصت عن مرتبة كلب‏.‏
 
علمت كلبك فهو يترك شهوته في تناول ما صاده احتراما لنعمتك وخوفا من سطوتك‏.‏ وكم علمك معلم الشرع وأنت لا تقبل‏.
 

الجنة ترضى منك بأداء الفرائض، والنار تندفع عنك بترك المعاصي، والمحبة لا تقنع منك إلا ببذل الروح‏.‏

 
تذكر حلاوة الوصال يهن عليك مر المجاهدة‏.‏
 
اعرف قدر ما ضاع وابك بكاء من يدري مقدار الفائت‏.‏ لو تخيلت قرب الأحباب لأقمت المأتم على بعدك‏.‏ لو استنشقت ريح الأسحار لأفاق منك قلبك المخمور
 
من استطال الطريق ضعف مشيه
 
لو صحت محبتك لاستوحشت ممن لا يذكرك بالحبيب‏.‏ واعجبا لمن يدعى المحبة ويحتاج إلى من يذكره بمحبوبة، فلا يذكره إلا بمذكر‏.‏ أقل ما في المحبة أنها لا تنسيك تذكر المحبوب‏.‏
 
يتبع

الكلم الطيب

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
لو تغذى القلب بالمحبة لذهبت عنه بطنة الشهوات‏.‏
 
 
احترز من عدوين هلك بهما أكثر الخلق‏:‏ صادّ عن سبيل الله بشبهاته وزخرف قوله، ومفتون بدنياه ورئاسته‏.‏
 
سبحان الله، ظاهرك متجمل بلباس التقوى، وباطنك باطية لخمر الهوى، فكلما طيبت الثوب فاحت رائحة المسكر من تحته، فتباعد منك الصادقون وانحاز إليك الفاسقون‏.‏
 
احذر نفسك، فما أصابك بلاء قط إلا منها، ولا تهادنها، فوالله ما أكرمها من لم يهنها، ولا أعزها من لم يذلها، ولا جبرها من لم يكسرها، ولا أراحها من لم يتعبها، ولا أمنها من لم يخوفها، ولا فرحها من لم يحزنها‏.‏
 
تالله ما عدا عليك العدو إلا بعد أن تولى عنك الولي، فلا تظن أن الشيطان غلب ولكن الحافظ أعرض‏.‏
 
ليس للعابد مستراح إلا تحت شجرة طوبى، ولا للمحب قرار إلا يوم المزيد‏.‏
 
يا منفقا بضاعة العمر في مخالفة حبيبه والبعد منه، ليس في أعدائك أضر عليك منك‏.‏
 
سبحان الله، تزينت الجنة للخُطَّاب فجَدُّوا في تحصيل المهر، وتعرف رب العزة إلى المحبين بأسمائه وصفاته فعملوا على اللقاء وأنت مشغول بالجيف‏.‏
 
إطلاق البصر ينقش في القلب صورة المنظور، والقلب كعبة، والمعبود لا يرضى بمزاحمة الأصنام‏
 
لولا تقدير الذنب هلك ابن آدم من العجب‏.‏ ذنب يذل به أحب إليه من طاعة يدل بها عليه‏.‏
 
التوبة من الذنب كشرب الدواء العليل، ورب علة كانت سبب الصحة‏.‏
 
العبد لا يريد بمعصيته مخالفة سيده ولا الجرأة على محارمه، ولكن غلبات الطبع، وتزيين النفس والشيطان، وقهر الهوى، والثقة بالعفو، ورجاء المغفرة‏.‏ هذا من جانب العبد، وأما من جانب الربوبية فجريان الحكم، وإظهار عز الربوبية وذل العبودية، وكمال الاحتياج، وظهور آثار الأسماء الحسنى‏:‏ كالعفو والغفور والتواب والحليم، لمن جاء تائبا نادما، والمنتقم والعدل وذي البطش الشديد لمن أصر ولزم المجرة‏.‏ فهو سبحانه يريد أن يرى عبده يفرده بالكمال ونقص العبد وحاجته إليه‏.‏ ويشهده كمال قدرته وعزته وكمال مغفرته وعفوه ورحمته، وكمال بره وستره وحلمه وفضله فهو هالك لا محالة‏.‏ فلله كم في تقدير الذنب من حكمة وكم فيه مع تحقيق التوبة للعبد من مصلحة ورحمة‏.‏
 
 
لما علم السيد أن ذنب عبده لم يكن قصدا لمخالفته ولا قدحا في حكمته، علمه كيف يعتذر إليه‏:‏ ‏{‏فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه‏}‏‏(‏سورة البقرة، الآية 37‏.‏‏)‏‏.‏
 
لما سلم لآدم أصل العبودية لم يقدح فيه الذنب‏.‏ ابن آدم، لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لقيتك بقرابها مغفرة‏.‏
 
إذا رأيت الرجل يشتري الخسيس بالنفيس ويبيع العظيم بالحقير، فاعلم بأنه سفيه‏.‏
 
النفوس متطلعة إلى النهايات والأواخر دائما، ولهذا قال موسى للسحرة أولا‏:‏‏{‏ألقوا ما أنتم ملقون‏}‏‏(‏ سورة يونس، الآية 80‏.‏‏)‏ فلما رأى الناس فعلهم تطلعوا إلى ما يأتي بعده‏
 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
كم جاء الثواب إليك فوقف بالباب فرده بواب‏:‏ سوف، ولعل، وعسى‏.‏ كيف الفلاح بين إيمان ناقص، وأمل زائد، ومرض لا طيب له ولا عائد، وهوى مستيقظ، وعقل راقد، ساهيا في غمرته، عمها‏ ‏ في سكرته، سابحا في لجة جهله، مستوحشا من ربه، مستأنسا بخلقه، ذكر الناس فاكهته وقوته، وذكر الله حبسه وموته، الله منه جزء يسير من ظاهره، وقلبه ويقينه لغيره‏.‏
 
 
من أحدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته، ومن أفطر قبل غروب الشمس ذهب صيامه ضائعا، ومن أساء في آخر عمره لقي ربه بذلك الوجه‏.
 
فائدة‏:‏ المأثم والمغرم جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المأثم والمغرم فإن المأثم يوجب خسارة الآخرة، والمغرم يوجب خسارة الدنيا‏.‏
 
جمع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله‏:‏ ‏"‏فاتقوا الله وأجملوا في الطلب‏"‏ ‏(‏رواه ابن ماجه في التجارات‏.‏‏)‏ بين مصالح الدنيا والآخرة، ونعيمها ولذاتها إنما ينال بتقوى الله، وراحة القلب والبدن وترك الاهتمام والحرص الشديد والتعب والعناد والكد والشقاء في طلب الدنيا إنما ينال بالإجمال في الطلب، فمن اتقى الله فاز بلذة الآخرة ونعيمها، ومن أجمل في الطلب استراح من نكد الدنيا وهمومها، فالله المستعان‏.
 
صاح بالصحابة واعظُ‏:‏ ‏{‏اقترب للناس حسابهم‏}‏‏(‏سورة الأنبياء، الآية‏:‏ 24‏.‏‏)‏‏.‏ فجزعت للخوف قلوبهم فجرت من الحذر العيون ‏{‏فسالت أودية بقدرها‏}‏‏.‏
 
بين العبد وبين الله والجنة قنطرة تقطع بخطوتين‏:‏ خطوة عن نفسه، وخطوة عن الخلق، فيسقط نفسه ويلغيها فيما بينه وبين الناس، ويسقط الناس ويلغيهم فيما بينه وبين الله، فلا يلتفت إلا إلى من دله على الله وعلى الطريق الموصلة إليه‏.‏
 
 
ودع ابن عون ‏ رجلاً فقال‏:‏ عليك بتقوى الله، فإن المتقي ليست عليه وحشة‏.‏ وقال زيد بن أسلم‏ كان يقال‏:‏ من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا‏.‏ وقال الثوري لابن أبى ذئب‏:‏ إن اتقيت الله كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئا‏
 
 
اللذة تابعة للمحبة، تقوى بقوتها وتضعف بضعفها، فكلما كانت الرغبة في المحبوب والشوق إليه أقوى كانت اللذة بالوصول إليه أتم، والمحبة والشوق تابع لمعرفته والعلم به، فكلما كان العلم به أتم كانت محبته أكمل، فإذا رجع كمال النعيم في الآخرة وكمال اللذة إلى العلم والحب، فمن كان بالله وأسمائه وصفاته ودينه أعرف كان له أحب وكانت لذته بالوصول إليه ومجاورته والنظر إلى وجهه وسماع كلامه أتم‏.‏
 
 
لا تسأم من الوقوف على الباب ولو طردت، ولا تقطع الاعتذار ولو رددت، فإن فتح الباب للمقبولين دونك فاهجم هجوم الكذابين وادخل دخول الطفيلية وابسط كف‏:‏ ‏{‏وتصدق علينا‏}‏‏(‏الآية‏:‏ 88 من سورة يوسف‏.‏‏)‏‏.‏
 
أوثق غضبك بسلسة الحلم فإنه كلب إن أفلت أتلف‏.‏
 
غرس الخلوة يثمر الأنس‏.‏
 
 
إنما تفاوت القوم بالهمم لا بالصور
 
لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم وظلمة في قلوبهم وكدر في أفهامهم ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربي فيها الصغير، وهرم عليها الكبير، فلم يروها منكراً، فجائتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن، والنفس مقام العقل، والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى، والمنكر مقام المعروف، والجهل مقام العلم، والرياء مقام الإخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل، فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور، وأهلها هم المشار إليهم، وكانت قبل ذلك لأضدادها، وكان أهلها هم المشار إليهم‏
 
كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه وولد لا يعذره وجار لا يأمنه وصاحب لا ينصحه وشريك لا ينصفه وعدو لا ينام عن معاداته ونفس أمارة بالسوء ودنيا متزينة وهوى مرد وشهوة غالبة له وغضب قاهر وشيطان مزين وضعف مستول عليه، فإن تولاه الله وجذبه إليه انقهرت له هذه كلها، وإن تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة‏.‏
 
شهوات الدنيا كلعب الخيال، ونظر الجاهل مقصور على الظاهر، فأما ذو العقل فيرى ما وراء الستر‏.‏ لاح لهم المشتهَى فلما مدوا أيدي التناول بان لأبصار البصائر خيط الفخ فطاروا بأجنحة الحذر وصوبوا إلى الرحيل
 
 
لما رأى المتيقظون سطوة الدنيا بأهلها وخداع الأمل لأربابه، وتملك الشيطان وقيادة النفوس رأوا الدولة للنفس الأمارة لجئوا إلى حصن التضرع والالتجاء كما يأوي العبد المذعور إلى حرم سيده‏.‏
 
قال يحيى بن معاذ ‏ من جمع الله عليه قلبه في الدعاء لم يرده‏.‏ قلت‏:‏ إذا اجتمع عليه قلبه وصدقت ضرورته وفاقته وقوي رجاؤه فلا يكاد يرد دعاؤه‏.‏
 
 
من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه بنعيم الإقبال عليه والإنابة إليه‏.‏ وأعجب من هذا علمك أنك لا بد لك منه وأنك أحوج شيء إليه وأنت عنه معرض، وفيما يبعدك عنه راغب‏.‏
 
لما عرف الموفقون قدر الحياة الدنيا وقلة الحياة الدنيا وقلة المقام فيها أماتوا فيها الهوى طلباً لحياة الأبد لما استيقظوا من نوم الغفلة استرجعوا بالجد ما انتهبه العدو منهم في زمن البطالة فلما طالت عليهم الطريق تلمحوا المقصد فقرب عليهم البعيد، وكلما أمرت لهم الحياة حلا لهم تذكر‏:‏ ‏{‏هذا يومكم الذي كنتم توعدون‏}‏‏(‏الآية‏:‏ 103 من سورة الأنبياء‏.‏‏)‏‏.‏
 
طائر الطبع يرى الحبة وعين العقل ترى الشرك، غير أن عين الهوى عمياء
 
القواطع محن يتبين بها الصادق من الكاذب فإذا خضتها انقلبت أعواناً لك توصلك إلى المقصود‏.‏
 
من فقد أنسه بين الناس ووجده في الوحدة فهو صادق ضعيف‏.‏ ومن وجده بين الناس وفقده في الخلوة فهو معلول‏.‏ ومن فقده بين الناس وفي الخلوة فهو ميت مطرود، ومن وجده في الخلوة وفي الناس فهو المحب الصادق القوي في حاله، ومن كان فتحه في الخلوة لم يكن مزيده إلا منها، ومن كان فتحه بين الناس ونصحهم وإرشادهم كان مزيده معهم، ومن كان فتحه في وقوفه مع مراد الله حيث أقامه في أي شيء استعمله كان مزيده في خلوته ومع الناس، فأشرف الأحوال ألا تختار لنفسك حالة سوى ما يختاره لك ويقيمك فيه فكن مع مراده منك ولا تكن مع مرادك منه‏.‏
 
قيل لبعض العباد‏:‏ إلى كم تتعب نفسك فقال‏:‏ راحتها أريد‏.‏
 
يا بائعاً نفسه بهوى مَنْ حُبُّه ضنى ووصله أذى، وحسنه إلى فنا، لقد بعت أنفس الأشياء بثمن بخس كأنك لم تعرف قدر السلعة ولا خسة الثمن حتى إذا قدمت يوم التغابن لك الغبن في عقد التبايع‏.‏ لا إله إلا الله، سلعة‏:‏ الله مشتريها وثمنها الجنة والدلال الرسول، ترضى ببيعها بجزء يسير مما لا يساوي كله جناح بعوضة‏.‏
 
 
كم قطع زرع قبل التمام فما ظن الزرع المستحصد‏.‏ اشتر نفسك فالسوق قائمة والثمن موجود‏.‏ لا بد من سنة الغفلة ورقاد الهوى ولكن كن خفيف النوم فحراس البلد يصيحون‏:‏ دنا الصباح‏.‏
 
 
إذا عرضت نظرة لا تحل فاعلم أنها مسعر حرب فاستتر منها بحجاب ‏{‏قل للمؤمنين‏}‏‏(‏الآية‏:‏ 30 من سورة النور‏.‏‏)‏ فقد سلمت من الأثر ‏{‏ وكفى الله المؤمنين القتال‏}‏‏.‏‏(‏الآية‏:‏ 25 من سورة الأحزاب‏.‏‏)‏
 
 
الذنوب جراحات، ورب جرح وقع في مقتل‏.‏ لو خرج عقلك من سلطان هواك عادت الدولة له‏.‏ دخلت دار الهوى فقامرت بعمرك‏.
 
 
بحر الهوى إذا مد أغرق، وأخوف المنافذ على السابح فتح البصر في الماء‏.‏
 
 
إياك والمعاصي فإنها أذلت عِزَّ ‏{‏ اسجدوا‏}‏ وأخرجت إقطاع ‏:‏‏{‏ اسكن‏}‏‏.‏ يا لها لحظة أثمرت حرارة القلق ألف سنة ما زال يكتب بدم الندم سطور الحزن في القصص ويرسلها مع أنفاس الأسف حتى جاءه توقيعُ‏:‏ ‏{‏فتاب عليه‏}‏‏.‏
 
 
ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره إليه، إنما العجب من مالك يتحبب إلى مملوك بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه‏.‏ كفى بك عزًّا أنك له عبد ** وكفى بك فخراً أنه لك رب
 
ارجع إلى الله واطلبه من عينك وسمعك وقلبك ولسانك، ولا تشرد عنه من هذه الأربعة فما رجع من رجع إليه بتوفيقه إلا منها، وما شرد من شرد عنه بخذلانه إلا منها، فالموفق يسمع ويبصر ويتكلم ويبطش بمولاه، والمخذول يصدر ذلك عنه بنفسه وهواه‏.‏
 
أرض الفطرة رحبة قابلة لما يغرس فيها، فإن غرست شجرة الإيمان والتقوى أورثت حلاوة الأبدان، وإن غرست شجرة الجهل والهوى فكل الثمر مر‏.‏
 
 
من عظم وقار الله في قلبه أن يعصيه وقره الله في قلوب الخلق أن يذلوه‏.‏
 
طوبى لمن أنصف ربه فأقر بالجهل في عمله والآفات في عمله والعيوب في نفسه والتفريط في حقه، والظلم في معاملته، فإن آخذه بذنوبه رأى عدله وإن لم يؤخذ بها رأى فضله، وإن عمل حسنة رآها من منته وصدقته عليه، فإن قبلها فمنة وصدقة ثانية، وإن ردها فلكون مثلها لا يصلح أن يواجه به، وإن عمل سيئة رآها من تخليه عنه، وخذلانه له، وإمساك عصمته عنه، وذلك من عدله فيه، فيرى في ذلك فقره إلى ربه وظلمه في نفسه، فإن غفر له فبمحض إحسانه وجوده وكرمه‏.‏
 
لما طلب آدم الخلود في الجنة من جانب الشجرة عوقب بالخروج منها‏.‏ ولما طلب يوسف الخروج من السجن من جهة صاحب الرؤيا لبث فيه بضع سنين‏.‏
 
 
دافع الخطرة، فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة، فإن لم تفعل صارت شهوة، فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهِمَّة‏.‏ فإن لم تدافعها صارت فعلا‏.‏
 
يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين‏:‏ بكاؤه على نفسه، وثناؤه على ربه‏.‏
 

 

 

المخلوق إذا خفته استوحشت منه وهربت منه، والرب تعالى إذا خفته أنست به وقربت إليه‏.‏
 
كيف يكون عاقلا من باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة‏.‏
 
 
الدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة فكيف بغم العمر‏.‏
 
 
للعبد ستر بينه وبين الله وبينه وبين الناس، فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس‏.‏ للعبد رب هو ملاقيه وبيت هو ساكنه، فينبغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه، ويعمر بيته قبل انتقاله إليه‏
 
تأمل خطاب القرآن تجد ملكاً له الملك كله وله الحمد كله، أزِمَّة الأمور كلها بيده ومصدرها منه ومردّها إليه، مستوياً على سرير ملكه، لا تخفى عليه خافية في أقطار مملكته، عالماً بما في نفس عبيده، مطلعاً على أسرارهم وعلانيتهم، منفرداً بتدبير المملكة، يسمع ويرى، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، يخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقدر ويدبر، الأمور نازلة من عنده دقيقها وجليلها، وصاعدة إليه لا تتحرك في ذرة إلا بإذنه ولا تسقط ورقة إلا بعلمه‏.‏
 
 
أنزه الموجودات وأظهرها وأنورها وأشرفها وأعلاها ذاتاً وقدراً وأوسعها‏:‏ عرش الرحمن جل جلاله، لذلك صلح لاستوائه عليه، وكل ما كان أقرب إلى العرش كان أنور وأنزه وأشرف مما بعد عنه، ولهذا كانت جنة الفردوس أعلى الجنات وأشرفها وأنورها وأجلها لقربها من العرش إذ هو سقفها، وكل ما بعد عنه كان أظلم وأضيق، ولهذا كان أسفل سافلين شر الأمكنة وأضيقها وأبعدها من كل خير‏.‏ وخلق الله القلوب وجعلها محلاًّ لمعرفته ومحبته وإرادته فهي عرش المثل الأعلى الذي هو معرفته ومحبته وإرادته‏.‏
 
 
فائدة من دعاء " اللهم اجعل القرءان ربيع قلبى ..." ولما كان الصدر أوسع من القلب كان النور الحاصل له يسري منه إلى القلب؛ لأنه قد حصل لما هو أوسع منه، ولما كانت حياة البدن والجوارح كلها بحياة القلب تسري الحياة منه إلى الصدر ثم إلى الجوارح سأل الحياة له بالربيع الذي هو مادتها، ولما كان الحزن والهم والغم يضاد حياة القلب واستنارته سأل أن يكون ذهابها بالقرآن فإنها أحرى ألا تعود‏.‏ وأما إذا ذهبت بغير القرآن من صحة أو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولد فإنها تعود بذهاب ذلك‏.‏
 
الرب تعالى يدعو عباده في القرآن إلى معرفته من طريقين‏:‏ أحدهما‏:‏ النظر في مفعولاته‏" اى جميع ما خلق " ثانيهما‏:‏ التفكر في آياته وتدبرها، فتلك آياته المشهودة، وهذه آياته المسموعة المعقولة‏.‏
 
من تحقق بمعاني الفاتحة علماً ومعرفة وعملاً وحالاً فقد فاز من كماله بأوفر نصيب، وصارت عبوديته عبودية الخاصة الذين ارتفعت درجتهم عن عوام المتعبدين، والله المستعان‏.‏
 
 
حظ العبد من النعمة على قدر حظه من الهداية، وحظه منها على قدر حظه من الرحمة
 
قوله‏:‏ ‏{‏اهدنا الصراط المستقيم‏}‏ يتضمن بيان أن العبد لا سبيل له إلى سعادته إلا باستقامته على الصراط المستقيم، وأنه لا سبيل له إلى الاستقامة على الصراط إلا بهدايته‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏غير المغضوب عليهم ولا الضالين‏}‏ يتضمن بيان طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم، وأن الانحراف إلى أحد الطرفين انحراف إلى الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد، والانحراف إلى الطريق الآخر انحراف إلى الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل‏.‏ فأول السورة رحمة وأوسطها هداية وآخرها نعمة‏.‏
 
قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏ لعمر‏ ‏"‏وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏" فالذي نظن في ذلك -والله أعلم- أن هذا خطاب لقوم قد علم الله سبحانه أنهم لا يفارقون دينهم بل يموتون على الإسلام، وأنهم قد يفارقون بعض ما يقارفه غيرهم من الذنوب ‏ ، ولكن لا يتركهم سبحانه مصرِّين عليها، بل يوفقهم لتوبة نصوح، واستغفار وحسنات تمحو أثر ذلك، ويكون تخصيصهم بهذا دون غيرهم؛ لأنه قد تحقق ذلك فيهم وأنهم مغفور لهم‏.‏
 
 
من صفات اهل الجنه : {‏وجاء بقلب منيب‏}‏ ‏(‏الآية‏:‏ 33 من سورة ق‏.‏‏)‏، قال ابن عباس‏:‏ راجع عن معاصي الله مقبل على طاعة الله‏.‏ وحقيقة الإنابة‏:‏ عكوف القلب على طاعة الله ومحبته والإقبال عليه‏.‏ ثم ذكر سبحانه جزاء من قامت به هذه الأوصاف بقوله‏:‏ ‏{‏ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود ‏.‏ لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد‏}‏
 
من صفات اهل الجنه : ‏{‏من خشي الرحمن بالغيب‏}‏ ‏(‏الآية‏:‏ 33 من سورة ق‏.‏‏)‏، يتضمن الإقرار بوجوده وربوبيته وقدرته،وعلمه واطلاعه على تفاصيل أحوال العبد، ويتضمن الإقرار بكتبه ورسله وأمره ونهيه، ويتضمن الإقرار بوعده ووعيده ولقائه، فلا تصح خشية الرحمن بالغيب إلا بعد هذا كله‏.‏
 
 
من صفات اهل الجنه : اواب حفيظ لما كانت النفس لها قوتان‏:‏ قوة الطلب وقوة الإمساك، كان الأواب مستعملاً لقوة الطلب في رجوعه إلى الله ومرضاته وطاعته، والحفيظ مستعملاً لقوة الحفظ في الإمساك عن معاصيه ونواهيه، فالحفيظ‏:‏ الممسك نفسه عما حرم عليه، والأواب‏:‏ المقبل على الله بطاعته‏.‏
 
قال عبيد بن عمير‏:‏ الأواب‏:‏ الذي يتذكر ذنوبه ثم يستغفر منها، وقال مجاهد‏:‏ هو الذي إذا ذكر ذنبه استغفر منه‏.‏ وقال سعيد بن المسيب ‏ :‏ هو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب‏.‏
 
المراد بقوله‏:‏ ‏"‏نحن‏"‏ فى قوله تعالى " ونحن اقرب اليه من حبل الوريد "أي ملائكتنا، كما قال‏:‏ ‏{‏ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه‏}‏ ‏(‏الآية 18 من سورة القيامة‏.‏‏)‏ أي إذا قرأه عليك رسولنا جبريل، قال‏:‏ ويدل عليه قوله‏:‏ ‏{‏ إذ يتلقى المتلقيان‏}‏ ‏(‏الآية‏:‏ 17 من سورة ق‏.‏‏)‏ فقيد القرب المذكور بتلقي الملكين فلا حجة في الآية لحلولي ولا معطل‏.‏
 
 
إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه ، وألق سمعك ، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه ، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله .
 
تفسير قوله تعالى ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) قوله ( إن في ذلك لذكرى ) إشارة إلى ما تقدم من أول السورة إلى ههنا ، وهذا هو المؤثر . وقوله ( لمن كان له قلب ) فهذا هو المحل القابل ، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله . وقوله ( أو ألقى السمع ) أي وجّه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له ، وهذا شرط التأثر بالكلام . وقوله ( وهو شهيد ) أي شاهد القلب حاضر غير غائب .
 
معنى قوله تعالى ( وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ):أخبر سبحانه أن قرينه وهو الذي قرن به في الدنيا من الملائكة يكتب عمله . وقوله يقول لما يحضره : هذا الذي كنت وكلتني به في الدنيا قد أحضرته وأتيتك به ، هذا قول مجاهد . وقال ابن قتيبة : المعنى هذا ما كتبته عليه وأحصيته من قوله وعمله حاضر عندي . والتحقيق أن الآية تتضمن الأمرين، أي هذا الشخص الذي وكلتُ به، وهذا عمله الذي احصيته عليه
 
حقيقة الإنابة عكوف القلب على طاعة الله ومحبته والإقبال عليه
 
بركة الأرض : من بركتها أن الحيوانات كلها وأرزاقها وأقواتها تخرج منها ، ومن بركتها أنك تودع فيها الحب فتخرجه لك أضعاف أضعاف ما كان ، ومن بركتها أنها تحمل الأذى على ظهرها وتخرج لك من بطنها أحسن الأشياء وأنفعها ، فتواري منه كل قبيح ، وتخرج له كل مليح ، ومن بركتها أنها تستر قبائح العبد وفضلات بدنه ، وتواريها وتضمه وتؤويه ، وتخرج له طعامه وشرابه ، فهي أحمل شيء للأذى وأعوده بالنفع ، فلا كان من التراب خير منه وأبعد من الأذى وأقرب إلى الخير
 
الرب تبارك وتعالى يدعو عباده في القرآن إلى معرفته من طريقين : أحدهما : النظر في مفعولاته ، والثاني : التفكر في آياته وتدبرها ، فتلك آياته المشهودة ، وهذه آياته المسموعة . فالنوع الأول كقوله (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ ...... ) وقوله (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ) وهو كثير في القرآن . والثاني كقوله ( أفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) وقوله (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ) وقوله (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ) .
 
متى شهد العبد أن ناصيته ونواصي العباد كلها بيد الله وحده يصرفهم كيف يشاء ، لم يَخَفْهم بعد ذلك ، ولم يرجهم ، ولم يُنزلهم منزلة المالكين ، بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين ، فمتى شهد نفسه بهذا المشهد صار فقره وضرورته إلى ربه وصفاً لازماً له ، ومتى شهد الناس كذلك لم يفتقر إليهم ولم يعلق أمله ورجاءه بهم ، فاستقام توحيده وتوكله وعبوديته
 
 
يتضمن قول العبد في الحديث ( اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك )ان العبد ليس له غير باب سيده وفضله وإحسانه . وأن سيده إن أهمله وتخلى عنه هلك ولم يؤهِ أحد ، ولم يعطف عليه ، بل يضيع أعظم ضيعة . وفي ضمن ذلك الاعتراف بأنه مربوب مدبَّر مأمور منهي ، إنما يتصرف بحكم العبودية لا بحكم الاختيار لنفسه ، فليس هذا شأن العبد بل شأن الملوك الأحرار ، وأما العبيد فتصرفهم على محض العبودية . ويتضمن التزام عبوديته من الذل والخضوع والإنابة وامتثال أمر سيده واجتناب نهيه ودوام الافتقار إليه واللجأ إليه والاستعانة به والتوكل عليه . وفيه أيضاً : إني عبد من جميع الوجوه : صغيراً وكبيراً ، حياً وميتاً ، مطيعاً وعاصياً ، معافى ومبتلى بالروح والقلب واللسان والجوارح .
 
قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضدهِ ، وهذا كما أنه في الذوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات ، فإذا كان القلب ممتلئاً بالباطل اعتقاداً ومحبة لم يبقَ فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع ، كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه إلا إذا فرّغ لسانه من النطق بالباطل ، وكذلك الجوارح إذا اشتغلت بغير الطاعة لم يمكن شغلها بالطاعة إلا إذا فرغها من ضدها ، فكذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته وحبه والشوق إليه والأنس به لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته وحبه والشوق إلى لقائه إلا بتفريغه من تعلقه بغيره
 
 
السر في ذلك ، أي أن القلب لا يمكن شغله بمحبة الله إلا إذا فرغ من محبة غير الله : أن إصغاء القلب كإصغاء الأذن ، فإذا أصغى إلى غير حديث الله لم يبق فيه إصغاء ولا فهم لحديثه ، كما إذا مال إلى غير محبة الله لم يبق فيه ميْل إلى محبته
 
قوله تعالى ( ألهاكم التكاثر ) يدخل فيه كل ما يكاثر به العبدُ غيره ، سوى طاعة الله ورسوله ، وما يعود عليه بنفع معاده ، فهو داخل في هذا التكاثر ، فالتكاثر في كل شيء من مال أو جاه أو رياسة أو نسوة أو حديث أو علم ، ولا سيما إذا لم يحتج إليه ، والتكاثر في الكتب والتصانيف وكثرة المسائل وتفريعها وتوليدها ، والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره ، وهذا مذمـوم إلا فيما يقرب إلى الله ، فالتكاثر فيه منافسـة في الخيرات ومسابقة إليها
 
 
إضاعة الوقت أشد من الموت ، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة ، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها
 
أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها وأنفع لها في معادها
 
 
لو نفـع العلم بلا عمل لما ذم الله سبحانه أحبـار أهل الكتاب ، ولو نفع العمل بلا إخـلاص لما ذم المنافقين
 
من خلقه الله للجنة لم تزل هـداياها تأتيه من المكاره ، ومن خلقه للنار لم تزل هداياها تأتيـه من الشهوات .
 
التقوى ثلاث مراتب : إحداها : حميّة القلب والجوارح عن الآثام والمحرمات ، والثانية : حميّتها عن المكروهات ، والثالثة : الحمية عن الفضول وما لا يعني . فالأولى تعطي العبد حياته ، والثانية تفيده صحته وقوته ، والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته
 
إذا جرى على العبد مقدور يكرهه فله فيه ستة مشاهد ، أحدها : مشهد التوحيد ، وأن الله هو الذي قدّره وشاءه وخلقه ، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن . الثاني : مشهد العدل ، وأنه ماضٍ فيه حكمه ، عدل فيه قضاؤه . الثالثة : مشهد الرحمة ، وأن رحمته في هذا المقدور غالبة لغضبه وانتقامه ورحمته حشوه . الرابع : مشهد الحكمة ، وأن حكمته سبحانه اقتضت ذلك ، لم يقدّره سدى ولا قضاء عبثاً . الخامس : مشهد الحمد ، وأن له سبحانه الحمد التام على ذلك من جميع وجوهه . السادس : مشهد العبودية ، وأنه عبد محض من كل وجه تجري عليه أحكام سيده وأقضيته بحكم كونه ملكه وعبده ، فيصرفه تحت أحكامه القدرية كما يصرفه تحت أحكامه الدينية .
 
بعض نتائج المعصية : قلة التوفيق ، وفساد الرأي ، وخفاء الحق ، وفساد القلب ، وخمول الذكر ، وإضاعة الوقت ، ونفْرة الخلق والوحشة بين العبد وبين ربه ، ومنع إجابة الدعاء ، وقسوة القلب ، ومحق البركة في الرزق والعمر ، وحرمان العلم ، ولباس الذل .
 
 
يا مخنث العزم أين أنت والطريق طريق تعب فيه آدم ، وناح لأجله نوح ، ورمي في النار الخليل ، وأُضجع للذبح إسماعيل ، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ، ونشر بالمنشار زكريا ، وذبح السيد الحصور يحيي ، وقاسى الضر أيوب ، وزاد على المقدار بكاء داود ، وسار مع الوحش عيسى ، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم
 
الدنيا كامرأة بغي لا تثبت مع زوج ، إنما تخطب الأزواج ليستحسنوا عليها ، فلا ترضى بالدياثة
 
ما أخذ العبد ما حرم عليه إلا من جهتين : إحداهما : سوء ظنه بربه ، وأنه لو أطاعه وآثره لم يعطه خيراً منه حلالاً . والثانية : أن يكون عالماً بذلك وأن من ترك لله شيئاً أعاضه خيراً منه ولكن تغلب شهوته صبرَه وهواه عقلَه . فالأول من ضعف علمه ، والثاني من ضعف عقله وبصيرته
 
 
العمل بلا إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملاً يثقله ولا ينفعه .
 
من تلمح حلاوة العافية هانت عليه مرارة الصبر .
 
من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه من العمل ، وبأي شغل يشغله
 
 
الاجتماع بالإخوان قسمان : أحدهما : اجتماع على مؤانسة الطبع ، وشغل الوقت ، فهذا مضرته أرجح من منفعته ، وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت . الثاني : الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر ، فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها ، ولكن فيه ثلاث آفات : إحداها : تزين بعضهم لبعض . الثانية : الكلام والخلطة أكثر من الحاجة . الثالثة : أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود .
 
طالب الله والدار الآخرة لا يستقيم له سره وطلبه إلا بحبسين : حبس قلبه في طلبه ومطلوبه ، وحبسه عن الالتفات إلى غيره ، وحبس لسانه عما لا يفيد ، وحبسه على ذكر الله وما يزيد في إيمانه ومعرفته ، وحبس جوارحه عن المعاصي والشهوات ، وحبسها على الواجبات والمندوبات
 
 
جمع النبي  بين تقوى الله وحسن الخلق في قوله ( اتق الله .. وخالق الناس بخلق حسن ) لأن تقوى الله تُصلح ما بين العبد وبين ربه ، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه ، فتقوى الله توجب له محبة الله ، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته
 
الرزق والأجل قرينان ، فما دام الأجل باقياً كان الرزق آتياً ، وإذا سد عليك بحكمته طريقاً من طرقه فتح لك برحمته طريقاً أنفع لك منه . فتأمل حال الجنين يأتيه غذاؤه وهو الدم ، من طريق واحدة وهو السرة ، فلما خرج من بطن الأم وانقطعت تلك الطرق فتح له طريقين اثنين وأجرى له فيهما رزقاً أطيب وألذ من الأول لبناً خالصاً سائغاً ، فإذا تمت مدة الرضاع وانقطعت الطريقان بالفطام فتح طرقاً أربعة أكمل منها : طعامان وشرابان ، فالطعامان من الحيوان والنبات ، والشرابان من المياه والألبان وما يضاف إليهما من المنافع والملاذ ، فإذا مات انقطعت عنه هذه الطرق الأربعة ، لكنه سبحانه فتح له – إن كان سعيداً – طرقاً ثمانية ، وهي أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ، فهكذا الرب سبحانه : لا يمنع عبده المؤمن شيئاً من الدنيا إلا ويؤتيه أفضل منه وأنفع له ، وليس ذلك لغير المؤمن
 
من عرف نفسه اشتغل بإصلاحها عن عيوب الناس .
 
 
أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس بالإخلاص ، وعن نفسك بشهود المنّة ، فلا ترى فيه نفسك ولا ترى الخلق
 
 
دخل الناس النار من ثلاثة أبواب : باب شبهة أورثت شكاً في دين الله . وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته . وباب غضب أورث العدوان على الآخرين .
 
أصول الخطايا كلها ثلاثة : الكبر : وهو الذي أصار إبليس إلى ما أصاره . والحرص : وهو الذي أخرج آدم من الجنة . والحسد : وهو الذي جر أحد ابني آدم على قتل أخيه .
 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
لا يتم الوصول إلا بترك ثلاثة أشياء ‏:‏
العوائد والرسوم والأوضاع التي أحدثها الناس ‏.‏
الثاني ‏:‏ هجر العوائق التي تعوقه عن إفراد مطلوبه وطريقه وقطعها ‏.‏
الثالث ‏:‏ قطع علائق القلب التي تحول بينه وبين تجريد التعلق بالمطلوب ‏.‏
والفرق بينهما أن العوائق هي الحوادث الخارجية والعلائق هي التعلقات القلبية بالمباحات ونحوها‏.‏ وأصل ذلك ترك الفضول التي تشغل عن المقصود من الطعام والشراب والمنام والخلطة ، فيأخذ من ذلك ما يعينه على طلبه ويرفض منه ما يقطعه عنه أو يضعف طلبه ، والله المستعان ‏.‏




المطلب الأعلى موقوف حصوله على همة عالية ونية صحيحة ، فمن فقدهما تعذر عليه الوصول إليه ، فإن الهمة إذا كانت عالية تعلقت به وحده دون غيره ‏.‏ وإذا كانت النية صحيحة سلك العبد الطريق الموصلة إليه ، فالنية تفرد له الطريق والهمة تفرد له المطلوب



اعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته لا ببدنه‏.‏
والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب لا تقوى الجوارح




الغيرة لها حد إذا جاوزته صارت تهمة وظنا سيئاً بالبريء، وإذا قصرت عنه كانت تغافلاً ومبادئ دياثة‏.‏



للراحة حد وهو إجماع النفس والقوى المدركة والفعالة للاستعداد للطاعة واكتساب الفضائل وتوفرها على ذلك بحيث لا يضعفها الكد والتعب ويضعف أثرها، فمتى زاد على ذلك صار توانيا وكسلا وإضاعة وفات به أكثر مصالح العبد، ومتى نقص عنه صار مضرا بالقوى موهنا لها وربما انقطع به كالمنبتِّ الذي لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى‏.‏





للشهوة حد وهو راحة القلب والعقل من كد الطاعة واكتساب الفضائل والاستعانة بقضائها على ذلك، فمتى زادت على ذلك صارت نهمة وشبقا والتحق صاحبها بدرجة الحيوان ، ومتى نقصت عنه ولم يكن فراغا في طلب الكمال والفضل كانت ضعفا وعجزا ومهانة‏.‏



للغضب حد وهو الشجاعة المحمودة والأنفة من الرذائل والنقائص ، وهذا كماله، فإذا جاوز حده تعدى صاحبه وجار، وإن نقص عنه جبن ولم يأنف من الرذائل‏



الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة ، فإنها إما أن توجب ألما وعقوبة ، وإما أن تقطع لذة أكمل منها، وإما أن تضيع وقتا إضاعته حسرة وندامة ، وإما أن تثلم عرضا توفيره أنفع للعبد من ثلمه ، وإما أن تذهب مالا بقاؤه خير له من ذهابه ، وإما أن تضيع قدرا وجاها قيامه خير من وضعه ، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقا لم يكن يجدها قبل ذلك، وإما أن تجلب هما وغما وحزنا وخوفا لا يقارب لذة الشهوة، وإما أن تنسى علما ذكره ألذ من نيل الشهوة ، وإما أن تشمت عدوا وتحزن وليا وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة، وإما أن تحدث عيبا يبقى صفة لا تزول ، فإن الأعمال تورث للصفات والأخلاق‏.‏



قوله تعالى‏:‏
‏(‏‏(‏وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون‏)‏‏)‏‏(‏ البقرة ‏:‏ الآية رقم ‏:‏ ‏(‏216‏)‏‏.‏‏)‏
في هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد ، فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب ، والمحبوب قد يأتي بالمكروه ، لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة ، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة لعدم علمه بالعاقب




مبنى الدين على قاعدتين‏:‏
الذكر والشكر، قال تعالى‏(‏‏(‏فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون‏)‏‏)‏‏(‏ سورة البقرة، الآية‏:‏ 152‏.‏‏)‏ ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ‏ :‏ ‏"‏والله إني لأحبك فلا تنس أن تقول دبر كل صلاة ‏:‏ اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك‏"‏ ، وليس المراد بالذكر مجرد ذكر اللسان بل القلبي واللساني، وذكره يتضمن ذكر أسمائه وصفاته وذكر أمره ونهيه وذكره بكلامه ، وذلك يستلزم معرفته والإيمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله والثناء عليه بأنواع المدح‏.‏ وذلك لا يتم إلا بتوحيده‏.‏ فذكره الحقيقي يستلزم ذلك كله ويستلزم ذكر نعمه وآلائه وإحسانه إلى خلقه‏




فائدة جليلة‏:
مخالفة الأمر أعظم من عمل المنهي عنه
أن ذنب ارتكاب النهي مصدره في الغالب الشهوة والحاجة
وذنب ترك الأمر مصدره في الغالب الكبر والعزة
ولا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر
ويدخلها من مات على التوحيد وإن زنا وسرق‏.‏

قال سهل بن عبد الله :
‏ ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهي
لأن آدم نهي عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه
وإبليس أمر أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه




عبودية النعم فمعرفتها والاعتراف بها أولا ، ثم العياذ به أن يقع في قلبه نسبتها وإضافتها إلى سواه وإن كان سببا من الأسباب فهو مسببه ومقيمه ، فالنعمة منه وحده بكل وجه واعتبار ثم الثناء بها عليه ومحبته عليها وشكره بأن يستعملها في طاعته‏.‏




الأصول التي انبنى عليها سعادة العبد ثلاثة، ولكل واحد منها ضد، فمن فقد ذلك الأصل حصل على ضده‏:‏ التوحيد وضده الشرك، والسنة وضدها البدعة، والطاعة وضدها المعصية‏.‏ ولهذه الثلاثة ضد واحد وهو خلو القلب من الرغبة في الله وفيما عنده ومن الرهبة منه ومما عنده‏.‏



أقرب الوسائل إلى الله ملازمة السنة والوقوف معها في الظاهر والباطن ودوام الافتقار إلى الله وإرادة وجهه وحده بالأقوال والأفعال، وما وصل أحد إلى الله إلا من هذه الثلاثة وما انقطع عنه أحد إلا بانقطاعه عنها أو عن أحدها‏.‏



إنما يقطع السفر ويصل المسافر بلزوم الجادة وسير الليل، فإذا حاد المسافر عن الطريق ونام كله فكيف يصل مقصده‏؟‏


قال يحيى بن معاذ ‏:‏
عجبت من ثلاث ‏:‏

رجل يرائي في عمله مخلوقا مثله ويترك أن يعمله لله ، ورجل يبخل بماله وربه يستقرضه منه ولا يقرضه منه شيئا ، ورجل يرغب في صحبة المخلوقين ومودتهم ، والله يدعوه إلى صحبته ومودته



إذا أراد الله بعبد خيرا جعله معترفا بذنبه ممسكا عن ذنب غيره، جوادا بما عنده، زاهداً فيما عند غيره، محتملا لأذى غيره، وإن أراد به شرا عكس ذلك‏.‏



للقلب ستة مواطن يجول فيها لا سابع لها‏:‏
ثلاثة سافلة وثلاثة عالية‏:‏ فالسافلة‏:‏ دنيا تتزين له، ونفس تحدثه، وعدو يوسوس له‏.‏
فهذه مواطن الأرواح السافلة التي لا تزال تجول فيها‏.‏
والثلاثة العالية‏:‏ علم يتبين له، وعقل يرشده، وإله يعبده‏.‏ والقلوب جوالة في هذه المواطن‏.‏




الرضا سكون القلب تحت مجاري الأحكام‏.‏

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

والقلب يمرض كما يمرض البدن وشفاؤه في التوبة والحمية، ويصدأ كما تصدأ المرآة وجلاؤه بالذكر‏.‏ ويعرى كما يعرى الجسم وزينته التقوى، ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن، وشرابه المعرفة والمحبة والتوكل والإنابة والخدمة‏.‏ إياك والغفلة عمن جعل لحياتك أجلا ولأيامك وأنفاسك أمداً، ومن كل ما سواه بد ولا بد لك منه‏.‏
  

أعظم التوكل على الله التوكل في الهداية وتجريد التوحيد ومتابعة الرسول وجهاد أهل الباطل ، فهذا توكل الرسل وخاصة أتباعهـم
  

سر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب على الله وحده ، فلا يضره مباشرة الأسباب مع خلو القلب من الاعتماد عليها والركون إليها ، كما لا ينفعه قوله : توكلت على الله ، مع اعتماده على غيره وركونه إليه وثقته به ، فتوكل اللسان شيء ، وتوكل القلب شيء ، فقول العبد : توكلت على الله مع اعتماد قلبه على غيره ، مثل قوله : تبتُ إلى الله ، وهو مصر على معصيته مرتكب لها .
  
الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله ، فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له ، وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات
  

عامة مصالح النفوس في مكروهاتها ، كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها
  

قضاء الرب سبحانه في عبده دائر بين العدل والمصلحة والحكمة والرحمة، لا يخرج عن ذلك البتة
  

لا تتـم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا ، ولا يستقيم الزهد في الدنيا إلا بعد نظرين صحيحين : النظر الأول : النظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها واضمحلالها ونقصها وخستها وألم المزاحمة عليها والحرص عليها ، مع ما في ذلك من الغصص والنغص والأنكاد . النظر الثاني : النظر في الآخرة وإقبالها ومجيئها ولا بد ، ودوامها وبقائها ، وشرف ما فيها من الخيرات والمسرات والتفاوت الذي بينه وبين ما ههنا .
  

كل أحد مطبوع على أن لا يترك النفع العاجل واللذة الحاضرة إلى النفع الآجل واللذة الغائبة المنتظرة ، إلا إذا تبين له فضل الآجل على العاجل ، وقويت رغبته في الأعلى الأفضل .إذا آثر الفاني الناقص كان ذلك ، إما لعدم تبيّن الفضل له ، وإما لعدم رغبته في الأفضل ، وكل واحد من الأمرين يدل على ضعف الإيمان وضعف العقل والبصيرة . فإن الراغب في الدنيا الحريص عليها المؤثِر لها ، إما أن يصدّق بأن هناك أشرف وأفضل وأبقى ، وإما أن لا يصدق ، فإن لم يصدّق بذلك كان عادماً للإيمان رأساً ، وإن صدّق بذلك ولم يؤثره ، كان فاسد العقل سيء الاختيار لنفسه .
  

أساس كل خير أن تعلم أن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فتيقن حينئذ أن الحسنات من نِعمه فتشكره عليها وتضرع إليه أن لا يقطع عنك ، وأن السيئات من خذلانه وعقوبته فتبتهل إليه أن يحول بينك وبينها ، ولا يكلك في فعل الحسنات وترك السيئات إلى نفسك .
  

ما ضربَ عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله . خلقت النار لإذابة القلوب القاسية . أبعد القلوب من الله القلب القاسي
  

إذا قسا القلب قحطت العين . قسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة : الأكل والنوم والكلام والمخالطة . كما أن البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطعام والشراب ، فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنجح فيه المواعظ .
  

القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها . القلوب آنية الله في أرضه ، فأحبها إليه أرقها وأصلبها وأصفاها .
  

من أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهوته
  

خراب القلب من الأمن والغفلة ، وعمارته من الخشية والذكر . الشوق إلى الله ولقائه نسيم يهب على القلب يُروّح عنه وهج الدنيا
  

الإخلاص هو ما لا يعلمه ملَك فيكتبه ولا عدو فيفسده ، ولا يُعجب به صاحبه فيبطله
  

اتباع الهوى وطول الأمل مادة كل فساد ، فإن اتباع الهوى يعمي عن الحق معرفة وقصداً ، وطول الأمل ينسي الآخرة ويصد عن الاستعداد لها
  

كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها فلا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه لأن أحكام الرب سبحانه كثيراً ما تأتي على خلاف أغراض الناس ، ولا سيما أهل الرياسة ، والذين يتبعون الشهوات ، فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيراً .
  

أفضل ما اكتسبته النفوس وحصلته القلوب ونال به العبد الرفعة في الدنيا والآخرة هو العلم والإيمان ، ولهذا قرن بينهما سبحانه في قوله (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ) وقوله (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) ، وهؤلاء هم خلاصة الوجود ولبه والمؤهلون للمراتب العالية
  


يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله ، أما من تركها صادقاً مخلصاً من قلبه لله ، فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلة ليُمتحن أصادق هو في تركها أم كاذب ، فإن صبر على تلك المشقة قليلاً استحالت لذة ، قال ابن سيرين : سمعت شريحاً يحلف بالله ، ما ترك عبد لله شيئاً فوجد فقـده ، وقولهم : من ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً منه حق ، والعِوض أنواع مختلفة ، وأجل ما يُعوض به الإنس بالله ومحبته وطمأنينة القلب به وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى
  

أقرب الوسائل إلى الله ملازمة السنة والوقف معها في الظاهر والباطن ، ودوام الافتقار إلى الله ، وإرادة وجهه وحده بالأقوال والأفعال ، وما وصل أحد إلى الله إلا من هذه الثلاثة ، وما انقطع عنه أحد إلا بانقطاعه عنها أو عن أحدها .
  

عشرة أشياء ضائعة لا ينتفع بها : علم لا يعمل به ، وعمل لا إخلاص فيه ولا اقتداء ، ومال لا ينفق منه ، فلا يستمتع به جامعه في الدنيا ولا يقدمه أمامه إلى الآخرة ، وقلب فارغ من محبة الله والشوق إليه والأنس به ، وبدن معطل من طاعته وخدمته ، ومحبة لا تتقيد برضا المحبوب وامتثال أمره ، ووقت معطل عن استدراك فارط أو اغتنام بر وقربة ، وفكر يجول فيما لا ينفع ، وخدمة مَن لا تقربك خدمته إلى الله ، ولا تعود عليك بصلاح دنياك ، وخوفك ورجاؤك لمن ناصيته بيد الله وهو أسير في قبضته ولا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً .

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أعظم الإضاعات ؛ إضاعتان :
إضاعة القلب ، وإضاعة الوقت

فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة ،
وإضاعة الوقت من طول الأمل
فاجتمع الفساد كله في اتباع الهوى وطول الأمل
والصلاح كله في اتباع الهدى والاستعداد للقاء .




التعبد لله بالنعم أن يستكثر قليلها عليه ، ويستقل كثيره شكره عليها ، ويعلم أنها وصلت إليه من سيده من غير ثمن بذله فيها ولا وسيلة منه توسل بها إليه ولا استحقاق منه لها ، وأنها لله في الحقيقة لا للعبد ، فلا تزيده النعم إلا انكساراً وذلاً وتواضـعاً ومحبة للمنعـم ، وكلما جـدّد له نعمـة أحدث لها عبودية ومحبة وخضـوعاً وذلاً .



من ترك الاختيار والتدبير في رجاء زيادة أو خوف نقصان أو طلب صحة أو فرار من سقم ، وعلم أن الله على كل شيء قدير ، وأنه المنفرد بالاختيار والتدبير ، وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه ، وأنه أعلم بمصلحته من العبد وأقدر على جلبها وتحصيلها منه ، وأنصح للعبد منه لنفسه ، وأرحم به منه بنفسه ، وأبرّ به منه بنفسه ، ........... وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك ضعيف بين يدي ملك عزيز قاهر ، له التصرف في عبده بكل ما يشاء ، وليس للعبد التصرف فيه بوجه من الوجوه ، استراح حينئذ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات



لا تستصعب مخالفة الناس والتحيز إلى الله ورسوله ولو كنت وحدك ، فإن الله معك ، وأنت بعينه وكلاءته وحفظه لك ، وإنما امتحن يقينك وصبرك ، وأعظم الأعوان لك على هذا بعد عون الله التجرد من الطمع والفزع ، فمتى تجردت منهما هان عليك التحيز إلى الله ورسوله ، وكنت دائماً في الجانب الذي فيه الله ورسوله .




علامة صحة الإرادة أن يكون همّ المريد رضا ربه ، واستعداد للقائه ، وحزنه على وقت مرّ في غير مرضاته ، وأسفهِ على قربه والأنس به ، وجماع ذلك : أن يصبح ويمسي وليس له همّ غيره




الزهد
ترك ما لا ينفع في الآخرة
والورع
ترك ما يخشى ضرره في الآخرة





قال تعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ) وقال (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ )
فأخبر عن آياته المشهودة العيانية أنها إنما ينتفع بها أهل الصبر والشكر ، كما أخبر عن آياته الإيمانية القرآنية أنها إنما ينتفع بها أهل التقوى والخشية والإنابة ومَن كان قصده اتباع رضوانه ، وأنها إنما يتذكر بها من يخشاه سبحانه كما قال ( طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ) وقال في الساعة (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ) . وأما من لا يؤمن بها ولا يرجوها ولا يخشاها فلا تنفعه الآيات العيانية ولا القرآنية ، ولهذا لما ذكر سبحانه في سورة هود عقوبات الأمم المكذبين للرسل وما حل بهم في الدنيا من الخزي ، قال بعد ذلك ( إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ) فأخبر أن في عقوباته للمكذبين عبرة لمن خاف عذاب الآخرة





العبد إذا آمن بالكتاب واهتدى به مجملاً وقبِل أوامره وصدق بأخباره ، كان ذلك سبباً لهداية أخرى تحصل له على التفصيل ، فإن الهداية لا نهاية ولو بلغ العبد فيها ما بلغ ، فكلما اتقى العبد ربه ارتقى إلى هداية أخرى ، فهو في مزيد هداية ما دام في مزيد من التقوى .
قال تعالى
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ )
فهداهم أولاً للإيمان ، فلما آمنوا هداهم للإيمان هداية بعد هداية ،
ونظير هذا قوله تعالى
(وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً )
وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً )
ومن الفرقان ما يعطيهم من النور الذي يفرقون به بين الحق والباطل ، والنصر والعز الذي يتمكنون به من إقامة الحق وكسر الباطل .




ما على وجه الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان .




لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار ، والضب والحوت . فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس ، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة ، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخـلاص



من علامات السعادة والفلاح أن العبد كلما زيد في علمه زيد في تواضعه ورحمته . وكلما زيد في عمله زيد خوفه وحذره . وكلما زيد في عمره نقص من حرصه . وكلما زيد في ماله زيد في سخائه وبذله . وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم



 
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

علامات الشقاوة:
أنه كلما زيد في علمه زيد في كبره وتيهه . وكلما زيد في عمله زيد في فخره واحتقاره للناس وحسن ظنه بنفسه . وكلما زيد في عمره زيد في حرصه . وكلما زيد في ماله زيد في بخله وإمساكه . وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في كبره وتيهه




أركان الكفر أربعة :
الكبر والحسد والغضب والشهوة
فالكبْر يمنعه الانقياد ، والحسد يمنعه النصيحـة وبذلها ، والغضب يمنعه العدل ، والشهوة تمنعه التفرغ للعبادة . فإذا انهدم ركن الحسد سهل عليه قبول النصح وبذله ، وإذا انهدم ركن الغضب سهل عليه العدل والتواضع ، وإذا انهدم ركن الشهوة سهل عليه الصبر والعبادة .



معرفة الله سبحانه نوعان :
الأول : معرفة إقرار وهي التي اشترك فيها الناس البر والفاجر والمطيع والعاصي .
والثاني : معرفة توجب الحياء منه والمحبة له وتعلق القلب به والشوق إلى لقائه وخشيته والإنابة إليه والأنس به والفرار من الخلق إليه ، وهذه هي المعرفة الخاصة الجارية على لسان القوم .

ولهذه المعرفة بابان واسعان :
الباب الأول : التفكر والتأمل في آيات القرآن كلها ، والفهم الخاص عن الله ورسوله .
والباب الثاني : التفكر في آياته المشهودة وتأمل حكمته فيها وقدرته ولطفه وإحسانه وعدله وقيامه بالقسط على خلقه .




ليس على العبد أضر من ملَلهِ لنِعَم الله ، فإنه لا يراها نعمة ، ولا يشكره عليها ولا يفرح بها ، بل يسخطها ويشكوها ويعدّها مصيبة ، هذا وهي من أعظم نعم الله عليه ، فأكثر الناس أعداء نعم الله عليهم .


ليس للعبد شيء أنفع من صدقهِ ربه في جميع أموره مع صدق العزيمة ، فيصدُقُه في عزمه وفي فعله ، قال تعالى (فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ ) فسعادته في صدق العزيمة وصدق الفعل ، فصدق العزيمة جمعها وجزمها وعدم التردد فيها بل تكون عزيمة لا يشوبها تردد ولا تلوّم ، فإذا صدقت عزيمته بقي عليه صدْق الفعل ، وهو استفراغ الوسع وبذل الجهد فيه ، وأن لا يتخلف عنه بشيء من ظاهره وباطنه ، فعزيمة القصد تمنعه من ضعف الإرادة والهمة ، وصدق الفعل يمنعه من الكسل والفتور .



من صدق الله في جميع أموره صَنَع الله له فوق ما يصنع لغيره ، وهذا الصدق معنى يلتئم من صحة الإخلاص وصدق التوكل ، فأصدق الناس من صحّ إخلاصه وتوكله



من أعظم الظلم والجهل أن تطلب التعظيم والتوقير لك من الناس
وقلبك خال من تعظيم الله وتوقيره .



كل ذي لب يعلم أنه لا طريق للشيطان عليه إلا من ثلاث جهات :
أحدها : التزيد والإسراف ، فيزيد على قدر الحاجة فتصير فضلة وهي حظ الشيطان ومدخله إلى القلب . وطريق الخلاص منه : الاحتراز من إعطاء النفس تمام مطلوبها من غذاء أو نوم أو لذة أو راحة ، فمتى أغلقت هذا الباب حصل الأمان من دخول العدو منه .
الثانية : الغفلة ، فإن الذاكر في حصن الذكر ، فمتى غفل فتح باب الحصن فولجه العدو فيعسر عليه أو يصعب إخراجه .
الثالثة : تكلف ما لا يعنيه من جميع الأشياء




للعبد بين يدي الله موقفان :
موقف بين يديه في الصلاة ، وموقف بين يديه يوم لقائه .
فمن قام بحق الموقف الأول هوّن عليه الموقف الآخر ،
ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه شدد عليه ذلك الموقف



قوله تعالى
( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ )
متضمن لكنز من الكنوز وهو أن كل شيء لا يطلب إلا ممن عنده خزائنـه ، ومفاتيـح تلك الخزائن بيديـه ، وأن طلبه من غيره طلب ممن ليس عنـده ولا يقـدر عليه .




قوله تعالى
( وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى )
متضمن لكنز عظيم ، وهو أن كل مراد إن لم يرد لأجله ويتصل به فهو مضمحل منقطع ، فإنه ليس إليه المنتهى ، وليس المنتهى إلا إلى الذي انتهت إليه الأمور كلها فانتهت إلى خلقه ومشيئته وحكمته وعلمه ، فهو غاية كل مطلوب ، وكل محبوب لا يحب لأجله فمحبته عناء وعذاب ، وكل عمل لا يراد لأجله فهو ضائع وباطل





إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله ،وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله ، وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله ، وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة ، فتعرف أنت إلى الله وتودد إليه ، تنل بذلك غاية العز والرفعة .



من عشق الدنيا نظَرَت إلى قدرها عنده فصيّرته من خدمها وعبيدها وأذلته ،
ومن أعرض عنها نظرتْ إلى كبر قدره فخدمته وذلت له .




الدنيا جيفة ، والأسد لا يقع على الجِيَف .

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم متحركة


فوائد من طريق الهجرتين


يحسن إعمال اللسان في ذم الدنيا في موضعين :
أحدهما : موضع التزهيد فيها للراغب .
والثاني : عندما يرجع به داعي الطبع والنفس إلى طلبها ، ولا يأمن إجابة الداعي ، فيستحضر في نفسه قلة وفائها وكثرة جفائها وخسة شركائها ، فإنه إن تم عقله وحضر رشده زهد فيها ولا بد



الغنى قسمان :
غنى سافل ، وغنى عال .
فالغنى السافل الغنى بالعواري المستردة من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ، وهذا أضعف الغنى ، فإنه غنى بظل زائل ، وعارية ترجع عن قريب إلى أربابها ، فإذا الفقر بأجمعه بعد ذهابها ، وكأن الغنى بها كان حلماً فانقضى ، ولا أحب إلى الشيطان وأبعد عن الرحمن من قلب ملآن بحب هذا الغنى والخوف من فقده



قال بعض السلف :
إذا اجتمع إبليس وجنوده لم يفرحوا بشيء كفرحهم بثلاثة أشياء :
مؤمن قتل مؤمناً ، ورجل يموت على الكفر ، وقلب فيه خوف الفقر



موضوع حول التسامح مقدمة عرض خاتمة - بحث Google
هو في وادٍ والناس في واد . خاضع متواضع سليم القلب . سلس الانقياد للحق . سريع القلب إلى ذكر الله . بريء من الدعاوى ، لا يدعي بلسانه ولا بقلبه ولا بحاله . زاهد في كل شيء سوى الله . راغب في كل ما يقرب إلى الله . لا يفرح بموجود ، ولا يأسف على مفقود . من جالسه قرت عينه به . ومن رآه ذكرته رؤيته بالله سبحانه . وصفه الصدق والعفة والإيثار والتواضع والحلم والوقار والاحتمال . لا يتوقع لما يبذله للناس منهم عوضاً ولا مدحة . لا يعاتب ولا يخاصم ولا يطالب ولا يرى له على أحد حقاً ولا يرى له على أحد فضلاً . مقبل على شأنه ، مكرم لإخوانه ، بخيل بزمانه ، حافظ للسانه .



عذاب الحجاب ( عن رب العالمين )
من أعظم أنواع العذاب الذي يعذب به أعداءه ،
كما قال تعالى ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) .


كل من أحب شيئاً دون الله لغير الله فإن مضرته أكثر من منفعته ، وعذابه أعظم من نعيمه ، فما علق العبد رجاءه وتوكله بغير الله إلا خاب من تلك الجهة ، ولا استنصر بغيره إلا خذل .


السعيد الرابح من عامل الله فيهم ولم يعاملهم في الله ، وخاف الله فيهم ولم يخفهم في الله ، وأرضى الله بسخطهم ولم يرضهم بسخط الله ، وراقب الله فيهم ولم يراقبهم في الله ، وأمات خوفهم ورجاءهم وحبهم من قلبه ، وأحْيا حب الله وخوفه ورجاءه فيه .



موضوع حول التسامح مقدمة عرض خاتمة - بحث Google
معنى قوله تعالى ( وخلق الإنسان ضعيفاً ) :
قال طاوس ومقاتل وغيرهما : لا يصبر عن النساء .
وقال الحسن : هو خلقه من ماء مهين .
وقال الزجاج : ضعف عزمه عن قهر الهوى .
والصواب أن ضعفه يعم هذا كله ، وضعفه أعظم من هذا وأكثر ، فإنه ضعيف البنية ، ضعيف القوة ، ضعيف الإرادة ، ضعيف العلم ، ضعيف الصبر


الرب تعالى أسماؤه كلها حسنى ليس فيها اسم سوء ، وأوصافه كلها كمال ليس فيها صفة نقص ، وأفعاله كلها حكمة ليس فيها فعل خال عن الحكمة والمصلحة



معنى قوله ( الحمد كله لله )
فهذا له معنيان :

أحدهما : أنه محمود على كل شيء ، وبكل ما يحمد به المحمود التام .
والمعنى الثاني : أن يقال ( لك الحمد كله ) أي الحمد التام الكامل ، فهذا مختص بالله عز وجل ليس لغيره فيه شركة . والتحقيق أن له الحمد بالمعنيين جميعاً .


كمال العبد وصلاحه يتخلف عنه من إحدى جهتين :
إما أن تكون طبيعته يابسة قاسية غير لينة ولا منقادة ولا قابلة لما به كمالها وفلاحها .
وإما أن تكون لينة منقادة سلسلة القياد ، لكنها غير ثابتة على ذلك ، بل سريعة الانتقال عنه كثيرة التقلب . فمتى رزق العبد انقياداً للحق وثباتاً عليه فليبشر ، فقد بشر بكل خير .



موضوع حول التسامح مقدمة عرض خاتمة - بحث Google
إذا ابتلى الله عبده بشيء من أنواع البلايا والمحن :
فإن ردّه ذلك الابتلاء والمحن إلى ربه ، وجمعه عليه وطرحه ببابه ، فهو علامة سعادته وإرادة الخير به ، والشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت .
وإن لم يردّه ذلك البلاء إليه بل شرد قلبه عنه ورده إلى الخلق وأنساه ذكر ربه والضراعة إليه والتذلل بين يديه والتوبة والرجوع إليه فهو علامة شقاوته وإرادة الشر به .


إن الله إذا أراد بعبده خيراً سلب رؤية أعماله الحسنة من قلبه ، والإخبار بها من لسانه ، وشغله برؤية ذنبه ، فلا يزال نصب عينيه حتى يدخل الجنة


طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، وويل لمن نسي عيبه وتفرغ لعيوب الناس ،
فالأول علامة السعادة والثاني علامة الشقاوة


صدق التأهب للقاء الله ، هو مفتاح جميع الأعمال الصالحة والأحوال الإيمانية



موضوع حول التسامح مقدمة عرض خاتمة - بحث Google
من الناس من يكون سيد عمله وطريقه الذي يعد سلوكه إلى الله طريق العلم والتعليم . ومن الناس من يكون سيد عمله الذكر ، قد جعله زاده لمعاده ورأس ماله لمآله . ومن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الصلاة . ومن الناس من يكون طريقه الإحسان والنفع المتعدي ، كقضاء الحاجات وتفريج الكربات . ومن الناس من يكون طريقه تلاوة القرآن وهي الغالب على أوقاته . ومن الناس من يكون طريقه الصوم ، فهو متى أفطر تغير عليه قلبه . ومن الناس من طريقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قد فتح الله له فيه ونفذ فيه منه إلى ربه . ومنهم من يكون طريقه الذي نفذ فيه الحج والاعتمار .


إن الرب إذا أعرض عن جهة دارت بها النحوس ، وأظلمت أرجاؤها ، وانكسفت أنوارها ، وظهرت عليها وحشة الإعراض ، وصارت مأوى للشياطين ، وهدفاً للشرور ، ومصباً للبلاء


العبد من حين استقرت به قدمه في هذه الدار فهو مسافر فيها إلى ربه ، ومدة سفره هي عمره الذي كتب له ، فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه تعالى ، ثم قد جعلت الأيام والليالي مراحل لسفره ، فكل يوم وليلة مرحلة من المراحل ، فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر


حقيقة الزهد هي أن تزهد فيما لا ينفعك .
والورع أن تتجنب ما قد يضرك .


موضوع حول التسامح مقدمة عرض خاتمة - بحث Google
ليس الزهد أن تترك الدنيا من يدك وهي في قلبك ، وإنما الزهد أن تتركها من قلبك وهي في يدك ، وهذا كحال الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز الذي يضرب بزهده المثل مع أن خزائن الأموال تحت يده ، بل كحال سيد ولد آدم حين فتح الله عليه من الدنيا ما فتح ، ولا يزيده ذلك إلا زهداً


من أعظم الأشياء ضرراً على العبد بطالته وفراغه ، فإن النفس لا تقعد فارغة ، بل إن لم تشغلها بما ينفعها شغلته بما يضره ولا بد .


ليس للعبد أنفع من قصر الأمل ، ولا أضر من التسويف وطول الأمل .



المحبة المشتركة ثلاثة أنواع :
أحدها:
محبة طبيعية مشتركة، كمحبة الجائع للطعام، والظمآن للماء وغير ذلك ، وهذه لا تستلزم التعظيم.
والنوع الثاني :
محبة رحمة وإشفاق ، كمحبة الوالد لولده الطفل ونحوها ، وهذه أيضاً لا تستلزم التعظيم
. والنوع الثالث :
محبة أنس وإلف ، وهي محبة مشتركة – في صناعة أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر – بعضهم بعضاً ، وكمحبة الإخوة بعضهم بعضاً .
فهذه الأنواع الثلاثة هي المحبة التي تصلح للخلق بعضهم من بعض ، ووجودها فيهم لا يكون شركاً في محبة الله .


المحبة الخاصة التي لا تصلح إلا لله وحده ومتى أحب العبد بها غيره كان شركاً لا يغفره الله ، فهي محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع والتعظيم ، فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير الله أصلاً



موضوع حول التسامح مقدمة عرض خاتمة - بحث Google
قال بعض السلف :
من علم وعمل وعلّم فذلك يدعى عظيماً في ملكوت السماء


سمى ذلك الإنفاق قرضاً حسناً
حثاً للنفوس وبعثاً لها على البذل ، لأن الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولا بد طوّعت له نفسه بذله ، وسهل عليه إخراجه ، فإن علم أن المستقرض مليّ وفيّ محسن كان أبلغ في طيب قلبه وسماحة نفسه ، فإن علم أن المستقرض يتجر له بما اقترضه وينميه له ويثمره حتى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح ، فإن علم أنه مع ذلك كله يزيده من فضله وعطائه أجراً آخر من غير جنس القرض ، وأن ذلك الأجر حظ عظيم وعطاء كريم فإنه لا يتخلف عن قرضه إلا لآفة في نفسه من البخل والشح أو عدم الثقة بالضمان ، وذلك من ضعف إيمانه . ولهذا كانت الصدقة برهاناً لصاحبها .


غيْرة المحبين لله تعالى أن يغار أحدهم لمحارم الله إذا انتهكت

الكلم الطيب

5af0f443ed554325f91cef718a967ad6.jpg

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
13499635501.gif



فوائد من مدارج السالكين
 

على قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار ، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذا الصراط يكون سيره على ذاك الصراط، فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالطرْف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الركاب

ينبغي على العبد النظر إلى الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط المستقيم ، فإنها الكلاليب التي بجنبتَيْ ذاك الصراط ، تخطفه وتعوقه عن المرور عليه

في دعائه صلى الله عليه وسلم ( والخير كله بيديك ، والشر ليس إليك ) لا يلتفت إلى تفسير من فسره بقوله ( والشر لا يُتقرب به إليك ، أو لا يصعد إليك ) فإن المعنى أجل من ذلك ، وأكبر وأعظم قدراً ، فإن أسماؤه كلها حسنى ، وأوصافه كلها كمال، وأقواله كلها صدق وعدل: يستحيل دخول الشر في أسمائه وأصافه، أو أفعاله أو أقواله

لما كان طالب الصراط المستقيم طالب أمر أكثر الناس ناكبون عنه ، مريداً لسلوك طريق موافقُه فيها في غاية القلة والعزة ، والنفوس مجبولة على وحشة التفرد ، وعلى الإنس بالرفيق ، نبه الله سبحانه على الرفيق في هذه الطريق وأنهم هم
(الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ) ، ليزول عن الطالب للهداية وسلوط الصراط وحشة تفرده عن أهل زمانه وبني جنسه ، فلا يكترث بمخالفة الناكبين عنه له ، فإنهم هـم الأقلـون قدراً ، وإن كانـوا الأكثرين عدداً

من أراد أن تصدق رؤياه فليتحر الصدق وأكل الحلال والمحافظة على الأمر والنهي ، ولينم على طهارة كاملة مستقبل القبلة ، ويذكر الله حتى تغلبه عيناه ، فإن رؤياه لا تكاد تكذب البتة . وأصدق الرؤيا : رؤية الأسحار ، فإنه وقت النزول الإلهي ، واقتراب الرحمة والمغفرة ، وسكون الشياطين ، وعكسه رؤيا العتمة ، عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية

القلب يعرض له مرضان عظيمان، إن لم يتداركهما العبد تراميا به إلى التلف ولابد، وهما الرياء، والكبر. فدواء الرياء بـ
[ إياك نعبد ] ودواء الكبر بـ[ إياك نستعين ] .

الاستعانة تجمع أصلين : الثقة بالله ، والاعتماد عليه وكلما كان العبد أتم عبودية كانت الإعانة من الله له أعظم

13580893912.gif


أفضل ما يُسأل الرب تبارك وتعالى : الإعانة على مرضاته ، وهو الذي علّمه النبي لمعاذ بن جبل فقال: يا معاذ! والله إني لأحبك ،
فلا تنس أن تقول دبر كل صلاة : اللهم أعني ذكرك وشكرك وحسن عبادتك . فأنفع الدعاء : طلب العون على مرضاته ، وأفضل المواهب : إسعافه بهذا المطلوب .

تأملت أنفع الدعاء : فإذا هو : سؤال العون على مرضاته ، ثم رأيته في الفاتحة في :
إياك نعبد وإياك نستعين .

الواجب على الإنسان إذا أعطاه الله ما أعطاه بلا سؤال ان: تسأله أن يجعله عوناً لك على طاعته ، وبلاغاً إلى مرضاته ، ولا يجعله قاطعاً لك عنه ، ولا مبعداً عن مرضاته ، فلا تظن أن عطاءه كل ما أعطى لكرامة عبده عليه ، ولا منعه كل ما يمنعه لهوان عبده عليه ، ولكن عطاؤه ومنعه ابتلاء وامتحان يمتحن بهما عباده .

العمل لأجل الناس وابتغاء الجاه والمنزلة عندهم، ورجائهم للضر والنفع منهم: لا يكون من عارف بهم البتة، بل جاهل بشأنهم، وجاهل بربه، فمن عرف الناس أنزلهم منازلهم، ومن عرف الله أخلص له أعماله وأقواله

أفضل العبادات قيل : أنفعها وأفضلها : أشق على النفوس وأصعبها . قالوا : لأنه أبعد الأشياء عن هواها وهو حقيقة التعبد ، وقالوا : والأجر على قدر المشقة ، ورووا حديثاً لا أصل له ( أفضل الأعمال أحمزها ) أي أصعبها وأشقها . وقيل : أفضل العبادات التجرد ، والزهد في الدنيا ، والتقلل منها .

أفضل العبادات :ما فيه نفع متعد ، فرأوه أفضل من ذي النفع القاصر . وقيل : إن أفضل العبادة ، العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته



معنى قوله تعالى
( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ) قال الشافعي : لا يؤمر ولا ينهى ، وقال غيره : لا يثاب ولا يعاقب ، والصحيح الأمران


العبودية نوعان : عامة ، وخاصة . فالعبودية العامة : عبودية أهل السموات والأرض كلهم لله ، برِهم وفاجرهم ، مؤمنهم وكافرهم ، فهذه عبودية القهر والملك ، قال تعالى
(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً ) . وقال تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ، وقال تعالى ( ومَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ ) . والنوع الثاني : فعبودية الطاعة والمحبة ، قال تعالى (يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ) وقال تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً )


13499639361.gif

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×