اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

عشر فوائد لغض البصر / ابن القيم

المشاركات التي تم ترشيحها


آيات القرآن בטוויטר: "قل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا من أَبْصَارِهِمْ  وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذلك أَزْكَىٰ لهم ۗ إن الله خَبِيرٌ بِمَا  يَصْنَعُونَ #سورة_النور… https://t.co/eORBngo4HV"

في غض البصر عدة منافع:

أحدها: أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده، وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى، وما سَعِدَ من سَعِدَ في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره، وما شَقِيَ من شَقِيَ في الدنيا والآخرة إلا بتضييعِ أوامره.

الثاني: أنَّه يمنعُ من وُصولِ أثرِ السمّ المسموم الذي لعلَّ فيه هلاكُه إلى قلبه.

الثالث: أنه يورثُ القلبَ أُنسًا بالله وجمعيَّة على الله؛ فإنَّ إطلاقَ البصرِ يفرِّقُ القلب ويشتِّتُه ويبعدِه من الله، وليس على العبد شيء أضرّ من إطلاق البصر؛ فإنه يوقع الوحشة بينَ العبدِ وبينَ ربِّه.

الرابع: أنه يقوّي القلبَ ويفرِحُه كما أنَّ إطلاقَ البصرِ يُضْعِفُه ويحزنُه.

الخامس: أنه يكسب القلب نورًا كما أنَّ إطلاقه يكسبه ظلمة، ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقيب الأمر بغضِّ البصر؛ فقال: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور من الآية:30]، ثم قال إثر ذلك: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ غڑ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور من الآية:35] أي: مَثَلُ نورِهِ في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه. وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان؛ فما شئتَ من بدعة وضلالة، واتباع هوى، واجتناب هدى، وإعراض عن أسباب السعادة، واشتغال بأسباب الشقاوة! فإنَّ ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب؛ فإذا فقد ذلك النور بقي صاحبُه كالأعمى الذي يجوسُ في حنادِسِ الظلام.

السادس: أنه يورِثُ الفِرَاسة الصادقةَ التي يميّز بها بين المحقّ والمبطل، والصادق والكاذب، وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول: "مَنْ عَمَرَ ظاهرَه باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغضَّ بصرَه عن المحارم، وكفَّ نفسَه عن الشهوات، واعتاد أكل الحلال: لم تخطئ له فراسة". وكان شجاعٌ هذا لا تخطئ له فراسة، والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله، ومن تركَ شيئًا عوضه الله خيرًا منه، فإذا غضَّ بصره عن محارم الله عوَّضه الله بأن يطلق نور بصيرته؛ فعوَّضَه عن حبسه بصرَه لله، وفتح له باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة الصادقة المصيبة التي إنما تنالُ ببصيرة القلب. وضدّ هذا ما وصف الله به اللوطيَّة من العَمَهِ الذي هو ضدُّ البصيرةِ؛ فقال تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72]؛ فوصفهم بالسَّكْرَةِ التي هي فسادُ العقلِ، والعَمَهِ الذي هو فَسَادُ البصرِ؛ فالتعلّق بالصوَرِ يوجب فسادَ العقلِ، وعَمَهُ البصيرةِ يُسْكِرُ القلبَ؛ كما قال القائل: سُكْرانِ سُكْر هوى وسُكْر مُدَامَةٍ *** ومتى إفاقة من به سُكران وقال الآخر: قالوا جُننتَ بمن تهوى فقلت لهم *** العشق أعظم مما بالمجانين العشق لا يستفيق الدهرَ صاحبُه *** وإنما يصرع المجنون في الحين



السابع: أنه يورثُ القلبَ ثباتًا وشجاعةً وقوَّةً، ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة، وسلطان القدرة والقوة؛ كما في الأثر: "الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله". ومثل هذا تجد في المتبع هواه من ذلّ النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها، وما جعل الله سبحانه فيمن عصاه كما قال الحسن: "إنهم وان طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين؛ فإنَّ المعصية لا تفارق رقابهم، أبى الله إلا أن يذلَّ من عصاه". وقد جعل الله سبحانه العزَّ قرين طاعته، والذلَّ قرين معصيته؛ فقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون من الآية:8] وقال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} .
والإيمان قول وعمل، ظاهر وباطن، وقال تعالى: {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا غڑ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه} [فاطر من الآية:10]، أي من كان يريد العزة فيطلبها بطاعة الله وذِكْرِه من الكلم الطيب والعمل الصالح، وفي دعاء القنوت: «لا يذلُّ من واليتَ، ولا يعزُّ من عاديتَ» (صحيح أبي داود). ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه، وله من العزّ بحسب طاعته، ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه، وله من الذل بحسب معصيته.


الثامن: أنه يسدّ على الشيطان مدخلَهَ من القلب فإنّه يدخلُ مع النظرة وينفذ معها الى القلب أسرع من نفوذ الهواءِ في المكان الخالي؛ فيمثِّلُ له صورةَ المنظورِ إليهِ ويزيّنها ويجعلها صَنَمًا يعكف عليه القلب، ثم يَعِدُهُ ويمنّيه ويوقد على القلب نار الشهوة، ويلقى عليه حطبَ المعاصي التي لم يكن يتوصَّل إليها بدون تلك الصورة؛ فيصير القلب في اللهب؛ فَمِنْ ذلك اللهب تلك الأنفاسُ التي يَجِدُ فيها وَهَجَ النار، وتلك الزَفَرَات والحُرُقَات؛ فإنَّ القلبَ قد أحاطت به النيران من كلِّ جانب؛ فهو في وسطها كالشاة في وسط التنّور. لهذا كانت عقوبة أصحابِ الشهواتِ بالصور المحرَّمَةِ أن جُعِلَ لهم في البرزخ تنّورٌ من نار، وأودعتْ أرواحَهم فيه إلى حَشْرِ أجسادِهم؛ كما أراها الله لنبيّه في المنامِ في الحديثِ المتَّفَق على صحته.

التاسع: أنّه يفرِّغُ القلبَ للفِكْرَةِ في مصالحه والاشتغالِ بها، وإطلاقُ البَصَر يشتِّتُ عليه ذلك، ويحول عليه بينه وبينها؛ فتنفرِطُ عليه أمورُه، ويقعُ في اتِّبَاع هواه، وفي الغفلة عن ذكر ربِّه؛ قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف من الآية:28]، واطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحسبه.

العاشر: أن بينَ العينِ والقلبِ منفذًا أو طريقًا يوجب اشتغالَ أحدِهما بالآخر، وأن يصلح بصلاحه، ويفسد بفساده؛ فإذا فسد القلبُ فسدَ النظر، وإذا فَسَدَ النظرُ فَسَدَ القلب، وكذلك في جانب الصلاح؛ فإذا خربت العين وفسدت : خرب القلب وفسد، وصار كالمزبلة التي هي محلُّ النجاساتِ والقاذوراتِ والأوساخِ؛ فلا يصلح لسكنى معرفة الله ومحبته والإنابة إليه والأنس به والسرور بقربه فيه، وإنما يسكن فيه أضداد ذلك.

فهذه إشارة إلى بعض فوائد غضّ البصر تُطْلِعُكَ على ما وراءها.

طريق الاسلام

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×