اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

وقفات تدبرية في سورة السجدة (27-28) أيمن الشعبان

المشاركات التي تم ترشيحها


صور بسم الله الرحمن الرحيم مزخرفة



( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ).[1]
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ لَمَّا بَيَّنَ الْإِهْلَاكَ وَهُوَ الْإِمَاتَةُ بَيْنَ الْإِحْيَاءِ لِيَكُونَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الضُّرَّ وَالنَّفْعَ بِيَدِ اللَّهِ، وَالْجُرُزُ الْأَرْضُ الْيَابِسَةُ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا.[2]
واختير المضارع في قوله نسوق لاستحضار الصورة العجيبة الدالة على القدرة الباهرة[3]، الدالّ على التجدّد والاستمرار، ففي كل الأوقات يسوق الله السحب، فينزل منها المطر على الأرض (الجرز).[4]

والسوق يكون تارة للسحاب كما في قوله سبحانه ( والله الذي أَرْسَلَ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ )، إذ تسوق الرياح السحاب فتنقله إلى حيث يأمرها الله، ثم يسوق الماء من السحاب بإنزاله إلى الأرض، ثم يساق إلى الأنهار، ويسلكه ينابيع في الأرض.
وكلمة جرز فيها قوة، تتناسب مع مادة السورة وموضوعها اليقين والخضوع.
قَدَّمَ الْأَنْعَامَ عَلَى الْأَنْفُسِ فِي الْأَكْلِ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الزَّرْعَ أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ يَصْلُحُ لِلدَّوَابِّ وَلَا يَصْلُحُ لِلْإِنْسَانِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ الزَّرْعَ غِذَاءُ الدَّوَابِّ وَهُوَ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَأَمَّا غِذَاءُ الْإِنْسَانِ فَقَدْ يَحْصُلُ مِنَ الْحَيَوَانِ، فَكَأَنَّ الْحَيَوَانَ يَأْكُلُ الزَّرْعَ، ثُمَّ الْإِنْسَانُ يَأْكُلُ مِنَ الْحَيَوَانِ.
الثَّالِثُ: إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْأَكْلَ مِنْ ذَوَاتِ الدَّوَابِّ وَالْإِنْسَانُ يَأْكُلُ بِحَيَوَانِيَّتِهِ أَوْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ فَكَمَالُهُ بِالْعِبَادَةِ.[5]
أَوْ بَدَأَ بِالْأَدْنَى ثُمَّ تَرَقَّى إِلَى الْأَشْرَفِ، وَهُمْ بَنُو آدَمَ.[6]
وَجَاءَتِ الْفَاصِلَةُ: أَفَلا يُبْصِرُونَ، لِأَنَّ مَا سَبَقَ مَرْئِيٌّ، وَفِي الْآيَةِ قَبْلَهُ مَسْمُوعٌ، فَنَاسَبَ: أَفَلا يَسْمَعُونَ.[7]


من هداية الآية:
كمال وعظيم قدرة الله سبحانه وتعالى، وقيوميته على الخلق من قوله " نسوق".
هذه آية نشاهدها جميعاً، لكن المراد هنا مشاهدة تمعُّن وتذكّر وعظة وتعقُّل، نهتدي من خلالها إلى قدرة الخالق عَزَّ وَجَلَّ.[8]

في الآية السابقة والتي معنا تذكرة بليغة في الموت والحياة، فكما أن الأرض تموت ثم تحيا بالماء، كذلك أنت يا إنسان ستموت وتفارق الدنيا، ثم يبعثك الله مرة أخرى لتقف بين يدي الله سبحانه في مشهد عظيم للحساب.

يصور لنا ربنا سبحانه وتعالى في هذه الآية مشهد عجيب لكمال قدرته وتمام تدبيره، فكأن الرياح تسوق السحاب كالسائق للدابة، ثم ينزل الماء منها إلى الأرض الجرز!

نعم الله ومننه علينا كثيرة وعظيمة، وهنا يذكرنا منها إحياء الأرض التي مات نباتها أو يبس، للنتفع من ثمرها وحبها.

في الآية إشارة وتشبيه القلوب القاسية التي لا تنتفع بالمواعظ والآيات، بالأرض الجرز التي لا نبات فيها فهي ميتة كالقلب القاسي ميت.
قال ابن عطاء فى الآية نوصل بركات المواعظ الى القلوب القاسية المعرضة عن الحق فتتعظ بتلك المواعظ.[9]

من تمام رحمة الله بنا أن جعل الأرض عبارة عن خزان كبير للماء، حتى نجده عند فقده لا أن نفقده عند وجوده!

ينبغي لطالب الحق ومنشد الاستقامة الاجتهاد في العبادات والطاعات، فكما أن الأرض الميتة تحتاج للماء باستمرار حتى تنبت وتحيا، كذلك القلب يحتاج للعبادة الدائمة حتى ينتعش ويحيا.

فرق بين قلب ميت لا تنفع فيه موعظة ولا تذكرة، كالأرض السبخة التي لا تنبت نباتا البتة، وهنا مصداق قوله تعالى( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )، وبين قلب ضعيف الإيمان لو ذكرته ذكر، وزجرته انزجر، وكررت عليه الموعظة استجاب وتذكر، كالأرض الجرز.

أهمية تخول الناس بالموعظة وعدم تركهم غافلون لاهون ساهون، فكما أن الأرض الجرز تحتاج للماء، فالعصاة والمبتعدون عن صراط الله يحتاجون للموعظة من العلماء والدعاء والوعاظ.

تشير الآية إلى أهمية شكر النعم، بعد مشاهدتها والنظر إليها والاعتبار الذي ينتج عنه بصيرة، ثم شكر لله على نعمائه، بطاعته وامتثال أوامره.

أهمية النظر لنعم الله المشاهدة وعجيب صنعه ومخلوقاته وإتقانه، فإنها ترقق القلب وتثبت الإيمان بعد التأمل والتفكر والتدبر.

اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.
 

------------------------------------
[1] (السجدة:27).
[2]مفاتيح الغيب.
[3]ابن عاشور.
[4]الشعراوي.
[5]مفاتيح الغيب.
[6]البحر المحيط.
[7]البحر المحيط.
[8]الشعراوي.
[9]روح البيان.



فواصل ورود لتزيين المواضيع ، فواصل متحركة ، ثابته لتزيين المواضيع ، جديد  فواصل واكسسوارات لتزيين المواضيع - حياه الروح 5





(وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (28)
بعد أن أقام الله سبحانه وتعالى الحجج الباهرات والبراهين الواضحات والأدلة البينات، على الكافرين وتوعدهم بالعذاب الأدنى في الدنيا قبل العذاب الأكبر عند جمعهم وحشرهم ( لعلهم يرجعون )، ناسب أن يذكر الله سبحانه إحدى أبرز مقولات الكفار لأنبيائهم، فقال سبحانه( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )[1].

هذه مقولة فيها بشاعة وقبح وعناد واستكبار، لذلك كررها ربنا سبحانه وتعالى في القرآن في سبع مواضع لبيان جرمهم وعظيم كفرهم، في ست مواضع لفظ مطابق وهو قوله سبحانه( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )،
وفقط في الآية التي معنا

( متى هذا الفتح ).

لأن السورة مادتها اليقين، والفتح هو وعد وزيادة، أي زيادة معنى ويقين على باقي الآيات فتأمل! فيطلب الكفار ما في الوعد من نتيجة، وهو الفتح والقضاء والفصل.
إذ بعد أن بين الله للكفار الأدلة الكونية، من خلق السماوات والأرض وإحياء الأرض بعد موتها، وأحوال الأمم السابقة التي أهلكها، مع ذلك أصروا على الكفر والجحود والتكذيب والاستكبار لهذه الأدلة.
( ويقولون ) في صيغة الجمع في إشارة إلى أن أهل الباطل من الكفار اجتمعوا واتحدوا جميعا على هذه المقولة!

ومع أن مقولة الكفار تلك وقعت وحصلت سابقا، فلماذا وردت بصيغة المضارع ( يقولون )؟! في إشارة إلى أنهم استمروا عليها وتوارثوها جيلا عن جيل ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ )[2].
عندما قال ربنا سبحانه في آية سابقة متوعدا المشركين ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )، هنا قالوا: ( متى هذا ) يريدون موعدا زمانيا لتحقيق ذلك وحصوله! وهذا فيه إشارة إلى أن أهل الباطل لا يردون الحجة بالحجة ولا البرهان بالبرهان ولا الدليل بالدليل!
الله سبحانه وتعالى بين لهم بالحجج والبراهين والأدلة الكونية لعظيم قدرته على إحياء الموتى من جديد، وهذا يقتضي عقلا أن يمتثلوا لأوامر النبي فيطيعوه ويتبعوه، وبدلا من التأمل والتفكر وإعمال النظر في تلك الحجج، تركوها وانتقلوا لأمر لا يقدم ولا يؤخر .. لا يضر ولا ينفع، فلو كان يوم الفصل الآن أو بعد آلاف السنين فما الذي سيتغير بالنسبة لتلك الحجج؟!! لا شيء.
( إن كنتم صادقين ) وكأنهم هم الأتقياء الأنقياء! والمؤمنون بخلاف ذلك حاشاهم! كما قال سلفهم( أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) موازين مقلوبة عند هؤلاء.

تجد كثيرا ممن ليس لهم علم ولا أصل ولا تاريخ ولا تجارب بل حتى ولا شهادة، يتحدثون في أمور الأمة المهمة وينظر لها، وقد يترتب على تلك القضايا مصير شعوب بأكملها، وهذا زمان العولمة والانفتاح الإعلامي فتجدون ذلك والله المستعان.
وهؤلاء أنفسهم ينتقصون أهل الحق بأنهم على ضلال وهم الصادقون، مع أن الأمر بالعكس!
ينبغي على المسلم أن لا ينظر إلى القائل، أيا كانت قبيلته أو جنسيته أو لونه وعرقه أو اسمه ونسبه، بل ينظر لما معه من الحق، لذلك قيل: اعرف الحق تعرف أهله! استدل ثم اعتقد!

ولا ينبغي أن تأخذ موقفا من إنسان أو جماعة أو فئة أو مؤسسة أو هيئة، حتى تسمع ما عندهم من الحق والباطل والحجج، ثم تأخذ الحق منهم حتى لو كان خصما لك، كما أخذ عليه الصلاة والسلام الحق من الشيطان، صدقك وهو كذوب.
أهل الباطل دائما وأبدا عندما تأتي له بالدليل ينصرف لأشياء خارجة عن موضوع النقاش.
وحصلت مناظرة بين ملحد ومسلم، فقال الملحد: أنا لا أؤمن إلا بما أرى؟!
فقال المسلم: هل لديك عقل؟! فقال: طبعا.
فقال المسلم: كيف تؤمن بالعقل ولم تره؟!!
فنحتاج للأدلة العقلية لنستدل على أمثال هؤلاء، وعندما جاء ملحد لأبي حنيفة رحمه الله وقال له: أنا لا أؤمن بأن هذا الكون له خالق ومدبر ومسير!!
قال له أبو حنيفة: هل رأيت السفينة المحملة بالبضائع تأتي إلى هذا الميناء ثم تحمل حمولتها ثم تنتقل إلى غيره وتفرغ الشحنات وهكذا، فهل تتوقع أن ما يحصل من تلقاء نفسه؟!!
قال: لابد من قبطان ومن يقودها!!
فقال أبو حنيفة: من باب أولى هذا الكون يدبرها خالق.

هنا إشارة إلى أن الله ناصر عباده المؤمنين، ولكن بشرط تحقيق الإيمان المطلوب منهم، من خلال أسباب النصر التي بينها الله سبحانه في كتابه وكلها معنوية! ولو تخلف النصر لعلمنا يقينا أن خللا في تلك الأسباب قد حصل، كما هو في أحد.

اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.
 

---------------------
[1]( السجدة:28).
[2]( الزخرف: 23).


صيد الفوائد


dce1292abc04fbe0dbd9909775030b08.jpg

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×