اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

قوانين السعادة في القرآن

المشاركات التي تم ترشيحها

 

1931204x300.jpg


الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل مخلوق وخير مبعوث، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هديه إلى يوم الدين وبعد.


1 – السعادة كما يصورها القرآن:
فإنَّ من رحمة الله سبحانه وتعالى بخلقه أن رسم لهم سبيل السعادة في دنياهم وفي أخراهم، وهو طريق لا استحالة فيه ولا مشقَّة حقيقية، قد جربه الكثيرون ففازوا بالسعادتين:
لقد استراحوا في هذه الحياة الدنيا: لقد غمرهم الرضى، وأحاط بهم الاطمئنان، ولفَّتهم أردية السعادة.
ولقد ضمن الله تعالى لهم حياة هنيئة في الآخرة: يظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله، ويكفل لهم عدم الخزي حين يغمر الخزي كثيراً من الخلائق، ويدخلهم الجنة برحمته، ويريهم وجهه الكريم تفضلاً منه سبحانه. هذه السعادة في الدنيا والآخرة وعد الله بتحقيقها لكل من توفر فيه شرطان.
الأول: الإيمان.
الثاني: العمل الصالح.


يقول سبحانه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97].
لقد وعد الله تعالى بتحقيق الحياة الطيبة في هذه الآية الكريمة لكل فرد تحقق فيه الشرطان، ونصَّ الله سبحانه فيها على الأنثى، وسوَّى بين الذكر والأنثى، وفي ذلك دعوة صريحة أو ضمنية للنساء إلى القيام بالعمل الصالح، والتحلي بمكارم الأخلاق، مَثَلُهنَّ في ذلك مَثَلُ الرجال سواءً بسواء، وذلك حتى تعم السعادة جميع أفراد الأسرة، وذكر الله سبحانه ثمرة تحقيق هذين الشرطين في صورة من التأكيد المؤكد، وهي الحياة الطيبة في هذه الدنيا، والحياة الطيبة إنما هي السعادة.
ثم بيَّن سبحانه في صورة أيضاً من التأكيد المؤكد أنه سيجزيهم في الآخرة، وأن جزاءهم سوف لا يكون على مستوى متوسط أعمالهم وإنما سيكون بأحسن ما كانوا يعملون.
هذه السعادة تتحقَّق للفرد باعتباره فرداً إذا حقَّق ما اشترطه الله سبحانه، وتتحقَّق للأسرة باعتبارها أسرة إذا تكاتف أفرادها متعاونين متضامنين على توفير الشرطين: يرى كل من أفرادها أنه مسؤول عن نفسه وعن الآخرين فيتناصحون من أجل سعادتهم:
ألم تر إلى سيدنا إسماعيل: لقد كان في نفسه (صادق الوعد).
أي أنه صدق مع الله تعالى في عهد الإيمان والعمل الصالح، ولقد كان بالنسبة لأسرته: (يأمر أهله بالصلاة والزكاة).
ومن أجل ذلك (كان عند ربه مرضيًّا).


وهذا قانون إلهي عام: ليس خاصًّا بسيدنا إسماعيل، ولا بفرد معيَّن، وإنما هو شامل لكل من انضوى تحت لواء الإيمان والعمل الصالح.
وقد بيَّن سبحانه عمومه في آيات كثيرة من القرآن الكريم، وبيَّن سبحانه، أنه كما يشمل الفرد وكما يشمل الأسرة فإنه يشمل أيضاً المجتمع.
فالمجتمع الذي يحقق الشرطين يصل إلى السعادة.


وإذا كانت الآية التي نحن بصددها هنا تعلن في وضوح تام عن السعادة في عمومها وشمولها في الدنيا والآخرة فإن آيات أخرى تبين زوايا جميلة من السعادة وتحدد في تفصيل بعض الجوانب:
يقول سبحانه: ﴿أَلَآ إِنَّ أَوۡلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ٦٢ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ٦٣ لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ﴾[يونس:62-64].
والآيات الكريمة تشتمل على زوايا كبرى من زوايا السعادة منها.


1 – أن الذين آمنوا وكانوا يتقون: أي الذين حقَّقوا الإيمان والعمل الصالح، هم أولياء الله.
2 – ولأنهم أولياء الله فلا خوف عليهم.
3 – ولأنهم أولياؤه سبحانه فإنهم لا يحزنون.
4 – ولأنهم حقَّقوا الإيمان والعمل الصالح فإن لهم البشرى في الحياة الدنيا.
5 – ولهم البشرى في الآخرة.
ثم يؤكد الله تعالى كل ذلك بأنه لا تبديل لكلمات الله، إنَّ وعده حق، ومن أوفى بعهده من الله؟


ثم يوجِّه الله سبحانه الأذهان: أذهان الصالحين وأذهان المنحرفين على السواء بأن ذلك، لا غيره، إنما هو الفوز العظيم:
ويقول سبحانه في هذه المعاني: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ١٣ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ١٤﴾ [الأحقاف:13-14].
ويقول سبحانه في شيء من الايضاح الجميل الشائق:﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ٣٠ نَحۡنُ أَوۡلِيَآؤُكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَشۡتَهِيٓ أَنفُسُكُمۡ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ٣١ نُزُلٗا مِّنۡ غَفُورٖ رَّحِيمٖ٣٢ وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ٣٣ وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ٣٤ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٖ٣٥ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيم﴾[فصلت:30-36].

3dlat.net_07_15_11f9_317867.png


2 – من زوايا السعادة:


ولله سبحانه وتعالى في عالم الروح وفي عالم الاجتماع قوانين لا تتخلف.
وكما أنه سبحانه رسم في عالم المادة نواميس تسير في انتظام، فإنه سبحانه رسم في عالم الأخلاق، وفي محيط الإيمان، وفي ظواهر الاجتماع، قوانين تسير في نظام محكم.
بل إنه أن يمكن يقال: إن قوانين الطبيعة إنما هي (عادات الطبيعة)، أما القوانين التي عبَّر الله سبحانه وتعالى عنها في القرآن الكريم أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأحاديث القدسية أو في الأحاديث النبوية وأكدها سبحانه فإنها نواميس لا تتخلف.
ولقد أبان الله سبحانه منها عما يحتاج إليه الإنسان في سعادته الخالدة.


من هذه القوانين:


1 – قانون الاستغفار، أو قانون سعة الرزق:
يقول تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ [هود: 52].
ويقول سبحانه: ﴿فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارٗا١٠ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا١١ وَيُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّٰتٖ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَٰرٗا﴾[نوح:10-12].


2 – قانون التقوى، أو قانون تفريج الكربات وسعة الرزق:
يقول تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا٢ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ﴾ [الطلاق: 2-3].
ويقول سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ...﴾ [الأعراف: 96].


3 – قانون التوكل:
يقول سبحانه: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ...﴾ [الطلاق: 3].


4 – قانون النصر:
يقول سبحانه: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40].
ويقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7].
مع العلم بأن النصر دائماً إنما هو من عند الله، يقول تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: 126].


5 – قانون الجهاد، أو قانون الهداية:
يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا...﴾ [العنكبوت: 69].
جاهدوا أنفسهم من أجل الله، وجاهدوا أعداء الله سبحانه من أجله تعالى، إذا فعلوا ذلك فإن الله يهديهم إلى الصراط المستقيم: يسدِّد خطاهم، ويمنحهم التوفيق فيما يأتون وفيما يدعون. ويضعهم على أبواب النصر، وينصرهم بالفعل.


6 – قانون التوبة:
ونتيجة التوبة الخالصة النصوح: المغفرة، وفي القرآن ما لا يكاد يحصى من الآيات إثباتاً لذلك. بيد أن الذي نريد أن نتحدث عنه إنما هو قانون التوبة في ذروتها:

وممَّا لا شك فيه أن التوبة أنواع:

أ – نوع هو أدناها، وهو التوبة من الذنوب والمعاصي والآثام، وقد وعد الله التائبين من هذا النوع المغفرة.
ب – ونوع هو توبة من الغفلة عن الله تعالى، وهو نوع وسط بين التوبة من الذنوب والتوبة التي هي عبادة.
جـ - أما النوع الأسمى فهو التوبة مع عدم ذنب، والتوبة مع عدم الغفلة: التوبة حيث لا معصية ولا غفلة، والتوبة لأن الله سبحانه أمر بالتوبة، وتكرار التوبة لأن الله سبحانه يحب ذلك.
وقانون هذه التوبة التي ليست لذنب ولا لغفلة، وإنما لأمر الله تعالى هو ما رسمه الله بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ [البقرة: 222].
ولقد عبَّر الله سبحانه بقوله: التوابين، ولم يعبر بالتائبين؟ لأن الله سبحانه يحب الإنابة إليه على الدوام، والرجوع إليه باستمرار: أي التوبة دائماً.
ونتيجة ذلك هي هذه المنزلة الكبرى، وهي حب الله سبحانه للتوابين.


7 – وللرحمة قوانين عدة:
أ – الراحمون... يرحمهم الرحمن.
ب – ارحموا من في الأرض.... يرحمكم من في السماء.
ويتصل بقوانين الرحمة ما يلي من مرويَّات الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
جـ - (من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا... نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر... يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد... ما كان العبد في عون أخيه).
د – أما القانون الذي أعلنته السيدة خديجة رضوان الله عليها، والذي كانت نتيجته عدم الخزي في الدنيا والآخرة، فهو أيضاً من قوانين الرحمة.
لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم للسيدة خديجة رضي الله عنها: لقد خشيت على نفسي.
فقالت له فوراً: "كلا والله ما يخزيك الله أبدا".
هذه النتيجة التي ذكرتها رضوان الله عليها لم تتكرها دون ذكر مقدمتها؛ أما المقدمة فهي: إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وهذه الأوصاف الجليلة الجميلة، إنما تتبلور كلها في كلمة واحدة هي: الرحمة.
والمقدمة والنتيجة يكونان قانوناً من قوانين الرحمة، يعلن أن كل من أراد أن لا يخزيه الله فليكن رحيماً.
هـ - (ومن أحبَّ أن يُبسطَ له في رزقه، ويُنْسَأَ له في أثره... فليصل رحمه) (البخاري ومسلم) ومعنى ينسأ له في أثره أي: يؤخر له في أجله وعمره كما يقول الإمام النووي.

3dlat.net_07_15_11f9_317867.png
3 – الشقاء:


وإذا كان القرآن الكريم قد رسم طريق السعادة في عمومه وشموله، وفصَّل الأمر في زوايا منه، فإنه رسم طريق الشقاء في عمومه وشموله، وفصَّل أيضاً الأمر في زوايا منه.
وطريق الشقاء في عمومه وشموله تصوِّره الآية القرآنية التي تقابل بالضبط آية السعادة التي افتتحنا بها الحديث يقول تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124].
إن هذا الذي أعرض عن ذكر الله جلَّ وعلا إيماناً وأعرض عنه عملاً صالحاً، فإن جزاءه في هذه الحياة الدنيا معيشة يغمرها الشقاء، ويوم القيامة يحشره الله تعالى متخبطاً لا يهتدي إلى طريق النجاة.


إن هذا الذي أعرض عن ذكر الله تعالى فأصابه الله بالمعيشة الضنك، سيشعر بهذا الضنك ولو كان في سعة من المال وبحبوحة من الغنى، سيصيبه الله بالشعور بالضنك غنيًّا كان أو فقيراً، ويصور الله سبحانه شعوره بالضنك في الرَّخاء والشدَّة خير تمثيل حينما يصوره في خسته بالكلب: إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث؛ أي: يلهث في جميع أحواله.
يقول سبحانه:﴿وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ١٧٥ وَلَوۡ شِئۡنَالَرَفَعۡنَٰهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُۥٓ أَخۡلَدَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُۚ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلۡكَلۡبِ إِن تَحۡمِلۡ عَلَيۡهِ يَلۡهَثۡ أَوۡ تَتۡرُكۡهُ يَلۡهَثۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَاۚ فَٱقۡصُصِ ٱلۡقَصَصَ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ١٧٦ سَآءَ مَثَلًا ٱلۡقَوۡمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا وَأَنفُسَهُمۡ كَانُواْ يَظۡلِمُونَ﴾[الأعراف:175-177].


وقد يكون شر هؤلاء عميماً فلا يكون هناك من مناص لتدميرهم: فرادى أو جماعات، كليًّا أو جزئيًّا، وانظر بالله هذه الآيات الكريمة من سورة العنكبوت ففيها عظة وعبرة للأفراد والجماعات؟ للأفراد من أمثال: (قارون وفرعون، وهامان)، وللجماعات التي ذكر الله فيها: مدين، وعاداً، وثمود.
يقول تعالى:﴿وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُوٓاْ إِنَّا مُهۡلِكُوٓاْ أَهۡلِ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِۖ إِنَّ أَهۡلَهَا كَانُواْ ظَٰلِمِينَ٣١ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطٗاۚ قَالُواْ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَن فِيهَاۖ لَنُنَجِّيَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥٓ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ٣٢ وَلَمَّآ أَن جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗاۖ وَقَالُواْ لَا تَخَفۡ وَلَا تَحۡزَنۡ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهۡلَكَ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ٣٣ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰٓ أَهۡلِ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ٣٤ وَلَقَد تَّرَكۡنَا مِنۡهَآ ءَايَةَۢ بَيِّنَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ٣٥ وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗا فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱرۡجُواْ ٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ٣٦ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دَارِهِمۡ جَٰثِمِينَ٣٧ وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَٰكِنِهِمۡۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسۡتَبۡصِرِينَ٣٨ وَقَٰرُونَ وَفِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانُواْ سَٰبِقِينَ٣٩ فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِ حَاصِبٗا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّيۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ٤٠ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ٤١ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ٤٢ وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ٤٣﴾[العنكبوت: 31-43].
3dlat.net_07_15_11f9_317867.png



4 – اجمال طريق السعادة، وطريق الشقاء:

ثم تدبر هذه السورة الكريمة، سورة الليل فإنها تتحدَّث عن سعي الناس في الحياة واختلاف أساليبه وطرقه متحدِّثة بذلك عن طريق السعادة وعن طريق الشقاء، يقول تعالى:﴿وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ١ وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ٢ وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ٣ إِنَّ سَعۡيَكُمۡ لَشَتَّىٰ٤ فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ٥ وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ٦ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ٧ وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ٨ وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ٩ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ١٠ وَمَا يُغۡنِي عَنۡهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ١١ إِنَّ عَلَيۡنَا لَلۡهُدَىٰ١٢ وَإِنَّ لَنَا لَلۡأٓخِرَةَ وَٱلۡأُولَىٰ١٣ فَأَنذَرۡتُكُمۡ نَارٗا تَلَظَّىٰ١٤ لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى١٥ ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ١٦ وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى١٧ ٱلَّذِي يُؤۡتِي مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ١٨ وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ١٩ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ٢٠ وَلَسَوۡفَ يَرۡضَىٰ﴾[الليل:1-21].


لقد بيَّن القرآن القوانين الاجتماعية التي تتعلق بالفرد، وتتعلق بالأسرة، وتتعلق بالمجتمع الكبير، لقد بيَّنها بالتعبير الإلهي في دقته وروعته، وبيَّنها في تأكيد واضح.
ولقد اتَّبع سلفنا الصالح هذه التعاليم في فجر الإسلام وصدره الأول: في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الصدِّيق، وفي عهد الفاروق رضي الله عنهما، فكانت الحياة الطيبة الراضية، وكان النصر والفتح المبين.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم


من كتاب: في إحياء المفاهيم الإسلامية (1): القرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ص 3-15.
اختارها وصححها: مجد مكي




4e468104b61b166e2e18cb5c17d9d3c9.jpg


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×