اذهبي الى المحتوى
المشرفة

قصة آدم عليه السلام

المشاركات التي تم ترشيحها

الوجه الرابع: أن الله أسكنه وزوجه الجنة لا يجوع فيها ولا يعرى ولا يظمأ فيها ولا يضحى وهذا من أعظم التكريم واللطف حتى بعد نزوله إلى الأرض فقد بقي تعلق القلب بالوطن الأول والرجاء بالعودة إليه وقد ورث بنو آدم هذه الرغبة الدفينة العميقة في نفوسهم ، أن الأرض ليست لهم وطنًا ولا مستقرًا ، ولذا هم يبغون عنها حولاً إلى مسكن آخر وهو الجنة كما قيل: فسكنى الجنة أول ما سكن الإنسان هو من لطف الله وكرمه ورحمته بعباده ، والصحيح وهو ظاهر القرآن أن الجنة التي أسكنها آدم هي جنة الخلد التي في السماء لأن الألف واللام في {الْجَنَّةَ } هي للعهد وقوله تعالى:{قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا} دليل على أنها في السماء وقال النبي صلي الله عليه وسلم: « خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها »، رواه مسلم من حديث أبي هريرة ، فالإطلاق يقتضي ما يتبادر إلى الذهن وهي جنة الخلد ، وأما ما احتج بها من قال أنها جنة في الأرض بأن جنة الخلد لا خروج منها وأنها ليس فيها ما ينهى عنه ونحو ذلك فالجواب أن هذه صفتها في الآخرة إذا دخلها المؤمنون ولا يلزم أن تكون قبل ذلك بغير هذه الصفة فقد دخل النبي صلي الله عليه وسلم الجنة في المعراج ، ثم نزل منها إلى الأرض حتى مات بها ؛ ففي صحيح مسلم «ثم أدخلت الجنة فإذا بها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك »، وأما أن إبليس لا يدخلها فلا دليل على أن إبليس قد دخل الجنة فيمكن أن يوسوس من خارجها ؛ فها هي وسائله اليوم في بلاد الكفر تملأ العالم أمرًا بالمنكر ونهيًا عن المعروف من خلال وسائل الاتصال المعاصرة: من تليفزيون وإذاعة وبث مباشر وغير ذلك من وسائل الإغواء والوسوسة بالشر ، دون أن يخرجوا من بلادهم فما المانع أن يوسوس من خارج الجنة من دون الحاجة إلى تكلف البحث في الإسرائيليات ودخوله في فم الحية ، ونحو ذلك مما لا خبر صادق يجب قبوله وتصديقه مع مخالفتها لما ذكر الله من إهباطه ، ولا دليل على عودته بوجه من الوجوه فالصحيح إذًا قول جماهير أهل العلم من أن الجنة التي أسكنها آدم وزوجه هي جنة الخلد التي في السماء.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الوجه الخامس: قوله تعالى: {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً}، والرغد الهنيء الواسع الطيب ، وجعل الأمر إلى مشيئتهما أيضًا؛ من أنواع التكريم والرأفة والرحمة، وأحل الله لهما كل شيء في الجنة، ولم يحرم عليهما إلا شجرة واحدة ، وهذا كله دال على سعة فضل الله ورحمته وتكريمه للإنسان ، والمرء إذا تفكر في كل هذا شعر بالشرف والكرامة فاللهم لك الحمد أن جعلتنا أبناء لآدم عليه السلام ، الذي نال كل هذا التكريم ، فعلى العاقل أن يراعى كل هذا التكريم، ويحفظ نفسه ولا يهينها بمعصية الله ومخالفته والله المستعان.

 

وقوله عزَّ وجلَّ: {وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} ، نهى الله عز وجل آدم وزوجه عن هذه الشجرة بعينها لم يبين لنا سبحانه نوعها ولا جنسها ولا فائدة في تعيين ذلك والاختلاف فيه كما قال ابن جرير -رحمه الله- والصواب في ذلك أن يقال إن الله جل ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها فأكلا منها ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين؛ لأن الله تعالى لم يوضح لعباده دليلاً على ذلك في القرآن ولا من السنة الصحيحة ، وقد قيل كانت شجرة البُر ، وقيل كانت شجرة العنب ، وقيل كانت شجرة التين ، وجائز أن تكون واحدة منها وذلك علم إذا علم لم ينتفع العالم به وإن جهله جاهل لم يضره جهله به. والله أعلم ) ا.هـ.

 

وقد رجح هذا أيضًا الرازي وابن كثير -رحمهما الله-، وأما ما عند أهل الكتاب في كتاب العهد القديم أنها شجرة المعرفة وأن الله قد أهبطه من الجنة لأنه صار كما زعموا (كواحد منا يعرف الخير والشر) ، وأنه سبحانه وتعالى عن قولهم خشي أن يأكل من شجرة الخلد فيخلد كالإله فوضع عليها سيفًا ولهيبًا لحمايتها وأهبط آدم وزوجه وإبليس إلى الأرض ، فهذا من ضلالات أهل الكتاب وترهاتهم وأباطيلهم عن الله عز وجل ، وهذا يخالف ظاهر القرآن في أن تعليم آدم الأسماء كلها ومن ذلك أسماء الأفعال التي فيها الخير والشر سابق على أكله من الشجرة، ثم فيها من وصف الرب سبحانه بما لا يجوز من أن الذي وقع من أكل الشجرة وما تبعه من معرفة الخير والشر بزعمهم وقع بغير إرادته سبحانه وكذا وصفه عز وجل بالخوف من أن يأكل آدم من شجرة الخلد فيخلد كل هذا من وصف الرب بصفات النقص التي يتصف بها المخلوقون كما وصفوا المخلوق ـ وهو آدم عليه السلام ـ بأنه صار كالإله يعرف الخير والشر ، تعالى الله أن يشبهه أحد من خلقه أو يشبه هو أحدًا من خلقه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ، ولكن اليهود مولعون بالتشبيه والتمثيل والتحريف في كتبهم قد ملئوها بأنواع التمثيل والإلحاد في أسماء الله وصفاته ومحدودية علمه وقدرته سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا. وفي إباحة كل أشجار الجنة وتحريم شجرة واحدة يغني عنها غيرها بيان لسعة رحمة الله فيما شرع لعباده ، وهذه النسبة بين الحلال الواسع وبين الحرام الضيق القليل بحمد الله لم تزل باقية في شريعة الإسلام فالأصل في الأشياء الحل، والحرام استثناء قليل لما فيه من الخبث والضرر: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ} [الجاثية:13]، قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157] ، ومن تأمل تشريعات الإسلام في أنواع المحرمات من الأطعمة والأشربة واللباس والبيوع والمعاملات لوجد الحلال هو الأكثر الأعم والحرام هو الاستثناء الأقل، ومع ذلك فأكثر الأرض قد عمها الحرام وانتشر فيها، وقد ضيق الناس على أنفسهم أبواب الحلال حتى لا يكاد الحلال الذي لا شبهة فيه في زماننا يدرك إلا بشق الأنفس وما هذا إلا لشقوتهم وتعاستهم فإن الرزق يطلب الإنسان كما يطلبه أجله ففي الحديث الحسن قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: « إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها كما تستوفي أجلها فاتقوا اللَّه وأجملوا في الطلب ، خذوا ما حل لكم ودعوا ما حرم » ، فطلب الحرام لا يزيد في الرزق بل ينال العبد ما كتب الله شقيًا ظالمًا بدلاً من أن ينال بدله من الحلال سعيدًا محمودًا مرضيًا عنه ، والله قد جعل من كل شيء حرمه مندوحة في الطعام والشراب والمكاسب والفروج والمعاملات والأخلاق ، ولكن جهل الإنسان وظُلمه إذ لم يلتزم بالشرع هو الذي يدفعه إلى طلب الحرام ومواقعته ؛ فاللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.

 

وقوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} ، قال ابن كثير: «يصح أن يكون الضمير في قوله: { عَنْهَا } عائدًا إلى الجنة فيكون معنى الكلام كما قرأ عاصم بن بَهدلة وهو ابن أبي النجود { فَأَزَلَّهُمَا } أي فنحاهما ، ويصح أن يكون عائدًا على أقرب المذكورين وهو الشجرة؛ فيكون معنى الكلام كما قال الحسن وقتادة: فأزلهما أي من قبيل الزلل؛ فعلى هذا يكون تقدير الكلام فأزلهما الشيطان عنها أي بسببها؛ كما قال تعالى: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [الذاريات: 9] أي يصرف بسببه من هو مأفوك ولهذا قال تعالى: {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} أي من اللباس والمنزل الرحب ، والرزق الهنيئ والراحة » ا.هـ.

 

بين سبحانه في هذه الآية إرادة الشيطان السوء بالإنسان فهو يوقعه في الزلل ليزول عنه الخير والسعة التي جعله الله فيها من الحلال ، وذلك بأن يوقعه فيما حرم الله ، وقد نسب الله إليه الإزالة والإيقاع في الزلل والإخراج من الجنة ؛ لأن ذلك كان بسعيه وتسببه ، هكذا فعل مع الأبوين وهكذا يفعل مع بني آدم رغبة في شقائهم وإرادة في حصول العذاب لهم حقدًا وحسدًا وبغضًا وكراهية ، ومع وضوح ذلك منه إلا أن أكثر الناس يتخذونه وليًا من دون الله يطيعون أمره ، ويقبلون باطله ويتبعونه في الكفر والفسوق والعصيان ، فيا حسرة العباد على أنفسهم ويا خيبة أكثر بني آدم إذ لم يعاملوا هذا العدو المذل الذي يريد بهم كل شر بما يستحقه من العداوة، وقد بين لهم خالقهم حقيقة أمره ، وأمرهم باتخاذه عدوًا فقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6].

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×