اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

الجمع بين الدين والدنيا

المشاركات التي تم ترشيحها

السؤال

 

الملخص:

سائل يسأل عن معنى قوله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ... ﴾ الآية، وهل يكون - وفقًا لتلك الآية – ثمة تعارضٌ بين العمل للدين والعمل للدنيا؟

 

تفاصيل السؤال:

ما معنى قول الله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[هود: 15، 16]؟ مع العلم أني دون عمل وأرغب في الحصول على المال، فهل هذا يعني أني أريد الحياة الدنيا وزينتها؟ أعاني نوعًا من التردد والارتباك؛ فعند تذكُّرِ هذه الآية أترك الدنيا دون أن أشعر، وأنا أخشى الفقر، فهل أني محقٌّ فيما أفعل، أو أن هناك خَلَلًا في فَهْمِ مقصود هاتين الآيتين؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب

 

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:

أولًا: مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، وأسأل الله لي ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.

 

ثانيًا: قال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15، 16].

 

قال أهل التفسير أن هذه الآيات في الكفار أو المنافقين الذين لا يبتغون بأعمالهم وجه الله، فيجازَون في الدنيا على أعمالهم، وليس لهم في الآخرة من نصيب؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]، أما المؤمنون، فلهم في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، يجزَون على أعمالهم في الدنيا، ويؤجرون عليها في الآخرة؛ لأنها خالصة لله وحده؛ فعن ابن عباس في قوله: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ﴾ الآية، وهي ما يعطيهم الله من الدنيا بحسناتهم، وذلك أنهم لا يظلمون نقيرًا، يقول: من عمل صالحًا التماس الدنيا، صومًا أو صلاةً أو تهجدًا بالليل، لا يعمله إلا لالتماس الدنيا، يقول الله: أوفِّيه الذي التمس في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعملُ التماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين.

 

وعن سعيد بن جبير: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا ﴾، قال: "ثوابَ ما عملوا في الدنيا من خير أعطوه في الدنيا، وليس لهم في الآخرة إلا النار، وحبط ما صَنَعوا فيها".

 

وقال الضحاك: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا ﴾: "من عمل عملًا صالحًا في غير تقوى - يعني: من أهل الشرك - أُعطِيَ على ذلك أجرًا في الدنيا: يَصِلُ رحمًا، يعطي سائلًا، يرحم مضطرًّا، في نحو هذا من أعمال البرِّ، يعجِّل الله له ثواب عمله في الدنيا، ويُوسِّع عليه في المعيشة والرزق، ويقرُّ عينه فيما خَوَّله، ويدفع عنه من مكاره الدنيا، في نحو هذا، وليس له في الآخرة من نصيب".

 

وعن وهيب: أنه بلغه أن مجاهدًا كان يقول في هذه الآية: "هم أهل الرياء، هم أهل الرياء"؛ [ينظر: تفسير الطبري: (12/ 347 – 350)].

 

فالمؤمن يسعى ويعمل ويخلص النية بأن يقصد بعمله وجه الله، لا الأشَرَ ولا البَطَرَ، ولا التفاخر ولا التكاثر، وأن يقصد إعفافَ نفسه عن سؤال الناس والاستغناء عن الخَلْقِ، والإنفاق على نفسه وأهله وكلِّ مَن تلزمه نفقتهم من الأقارب، وصلة الرحم وأداء حقِّ المال من الزكاة والصَّدقة والإنفاق في كلِّ ما يحبُّه الرَّبُّ.

 

ثالثًا: المسلم يمكنه أن يجمع بين العمل للدنيا والآخرة، ويحوِّل حياته كلها إلى أجر وثواب، وطاعة وعبودية لله تعالى؛ باستصحاب النية الصالحة في أعماله العادية، فيسعى في تحقيق مصالحه الدنيوية والأخروية معًا؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [القصص: 77].

 

وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: ((اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي...))؛ [رواه مسلم].

 

وقد اشتغل بعض الصحابة بالتجارة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره على ذلك، بلى كان من الصحابة مَن هو مِن أغنياء العرب كعثمان وعبدالرحمن رضي الله عنهما، ولكن كانت الأموال في أيديهم وليست في قلوبهم، فكانوا يتَّجِرون ويتكسبون، وكانوا ينفقون في سبيل الله.

 

وعدد من المسلمين المخلصين إذا نظروا في أمر الإسلام والدين، ثم التفتوا إلى أمر دنياهم وأعمالهم ووظائفهم، وتجارتهم ودراستهم، وجدوا تناقضًا وأحسُّوا بالإثم، ورأَوا تعارضًا بين ما هم فيه من أمور الدنيا وبين القرآن والسنة، وهذا الشُّعور قد يكون نتيجة لتصوُّرٍ خاطئ كما حدث معك أيها الأخ السائل.

 

وقد يكون نتيجة لممارسة خاطئة وعمل محرَّم، فالذين يعملون في المحرَّمات وظيفة وتجارة ودراسة شعورهم بالتعارض حقيقي وصحيح، ويجب أن يحصل؛ لأنهم يعملون في مجال محرَّم منافٍ للدين، وتصير أمور دنياهم مخالفة لأحكام دينهم، فيجب على هؤلاء ترك المحرَّمات التي هم فيها واقعون.

 

ومِن المسلمين مَن يشعر بالتعارض لأنَّه غلَّب جانب الدنيا على جانب الدِّين في الاهتمام والعمل، فغبن نفسه وفوَّت عليها حسنات كثيرة لو حصَّلها لارتفع عند الله في الآخرة.

 

ومِن المسلمين مَن يرَون التعارض لخطأ في التصوُّر لقضية طريق الدنيا وطريق الدين، فهؤلاء ينبغي أن يُبصروا ويفقهوا ليزول اللبس، فلا يتعذَّبون ويعملون وهم في راحة ويصرُّ البعض على زعم أنَّ العبادة تتعارض مع الاكتساب والعمل في الصناعة والتجارة والزراعة، وأنَّ من أراد الآخرة، فلا بدَّ أن يطلِّق الدنيا طلاقًا باتًّا حتى يَصْلُح قلبه، وأنَّ الصحابة لم يفتحوا البلدان إلا بعد أن تركوا الدنيا وتفرَّغوا تمامًا للجهاد، وهذا الكلام فيه تعسُّف بالغ ومنافاة لمصلحة الإنسان وفطرته التي فطره الله عليها، وبعيد عن الحكمة والعقل السليم والواقع، وهو مغاير قبل ذلك كله لحال الصحابة رضي الله عنهم، ولتبيُّن الموقف يُنظر فيما جاءت به الشريعة من الأحكام في العمل الدنيوي، والحث على الكسب من عمل اليد، وأن اليد العليا خير من اليد السفلى، وكيف طبَّق الصحابة ذلك في حياتهم والامتزاج بين الدنيا والآخرة في حياة الصحابة.

 

فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةِ الْجَبَلِ يُؤَذِّنُ بِالصَّلاةِ وَيُصَلِّي فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا؛ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلاةَ يَخَافُ مِنِّي، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّة))؛ [رواه النسائي (660)].

 

فلم يترك العمل، ولم يفوِّت الصلاة، فجمع بينهما.

 

وقال الله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ﴾ [البقرة: 275].

 

وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: "بَاب الْخُرُوجِ فِي التِّجَارَةِ"، وَقَوْلِ اللَّهِ تعالى: ﴿ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 10]؛ قال ابن المنيِّر: "غرض البخاري إجازة الحركات في التجارة، ولو كانت بعيدة، خلافًا لمن يتنطع ولا يحضر السوق"؛ [فتح الباري].

 

وسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَفْضَلِ الْكَسْبِ فَقَالَ: ((بَيْعٌ مَبْرُورٌ، وَعَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ))؛ [رواه أحمد (15276)].

 

ونقل ابن حجر رحمه الله عن الزبير بن بكار في الموفقيات من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه تاجرًا إلى بُصرَى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ما منع أبا بكر حبُّه لملازمة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا منع النبي صلى الله عليه وسلم حبُّه لقرب أبي بكر عن ذلك؛ لمحبتهم في التجارة)).

 

وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ))؛ [رواه البخاري (1932)].

 

فهذه الشَّريعة الإسلامية المباركة بمبادئها المبثوثة في القرآن والسنة وبالتطبيق العملي لها من قِبَل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تحثُّ على العمل للدنيا والآخرة، وتذمُّ البطالة والكسل، ومدَّ اليد إلى الناس، فلا ينبغي لمسلم يفصل ويفصم الدنيا على الآخرة، وهذا عبدالرحمن بن عوف عندما آخى بينه النبي صلى الله عليه وسلم وبين سعد بن الرَّبيع، فقال له: ((بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ، فَدَلُّوهُ عَلَى السُّوق، فَذَهَبَ فَاشْتَرَى وَبَاعَ وَرَبِحَ))؛ [البخاري: (1907)]، ولم يقبل هِبَتَه، وأكل من جدِّه وعمل يده، والله أعلم.

 

هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة
 
شبكة الالوكة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×