اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

{ فاستبقوا الخيرات } (خطبة)

المشاركات التي تم ترشيحها

يقولُ الحقُّ جلَّ وعلا: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 148]، ويقولُ تبارك وتعالى: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة: 48]، ويقولُ سبحانهُ وبحمده: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾، [المؤمنون: 75 - 61]، ويقولُ تبارك وتعالى: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 113 - 115]، ويقولُ سبحانهُ وتعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، ويقول عزَّ وجلَّ: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21]، ويقول جلَّ وعلا: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [الواقعة: 10 - 12].

 

تأملتم أحبتي في الله: ﴿ سَابِقُوا ﴾، ﴿ سَارِعُوا ﴾، ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾، ﴿ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾، وفي الحديث الصحيح: "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم"، وفي لفظ آخر: "بادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إلاَّ فَقرًا مُنسيًا، أَوْ غِنىً مُطغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفْندًا، أَوْ مَوتًا مُجْهزًا، أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ فالسَّاعَةُ أدهَى وَأَمَرُّ"، وفي الحديث الآخر: «اغتَنِم خَمسًا قبلَ خَمسٍ: شَبابَك قبلَ هَرَمِك، وصِحَّتَك قبلَ سَقَمِك، وغِناكَ قبلَ فَقرِك، وفَراغَكَ قبلَ شُغلِك، وحياتَك قبلَ مَوتِك»، ويقولُ صلى الله عليه وسلم: "التؤدةُ في كلِّ شيءٍ إلا في عمل الآخرة"؛ قالَ اللهُ تعالى على لسان موسى عليه السلام: ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84]، وقال صلى الله عليه وسلم: "من خافَ أدلج، ومن أدلجَ بلغَ المنزل"، وصَحَّ عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربع: عن عُمُرِه فيم أفناه, وعن شبابهِ فيم أبلاه, وعن مالهِ من أين اكتسبهُ وفيم أنفقهُ, وعن علمهِ ماذا عملَ به"، وفي صحيح مُسلم: «لا يَزال قَومٌ يتأخَّرُون حتى يُؤخِّرهم اللهُ في النار»، وانظروا إلى هِمم الصحابة ومسارعتهم في الخيرات، فحين سألَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه: «مَن أصبَحَ مِنكم صائِمًا؟»، قال أبو بكرٍ: أنا، فقال صلى الله عليه وسلم: «مَن تبِعَ مِنكم اليومَ جنازةً؟»، قال أبو بكرٍ: أنا، فقال صلى الله عليه وسلم: «ومَن عادَ مِنكم مريضًا؟»، فقال أبو بكرٍ: أنا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتَمعنَ في امرِئٍ إلا دخلَ الجنَّة»، والحديث في مسلم، وقال الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه, نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي"، وقال وهيب بن الورد رحمه الله: "إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحدٌ فافعَل"، وقال خالد بن معدان: "إذا فُتحَ لأحدكم بابُ خيرٍ فليسرع إليه، فإنه لا يدري متى يُغلق عنه"، وقال شُعبة بن الحجاج: "لا تقعدوا فُراغًا فإن الموت يطلُبكم"، وقال الحسن البصري: "الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما"، وظل الجنيد يقرأ القرآن الكريم، حتى وروحه تخرج، فقيل له: "أفي هذا الوقت!"، قال: "أبادرُ طيَّ صحيفتي"، وقال ابن القيِّم رحمه الله: "السَّابِقُونَ في الدُّنْيا إلى الخَيْراتِ هُمْ السَّابِقُونَ يومَ القَيامةِ إلى الجنَّات"، ويقول رحمه الله: "إضاعةُ الوقتِ أشدُّ من الموت؛ لأن إضاعَةَ الوقتِ تقطعك عن اللهِ والدارِ الآخرةِ، والموتُ يقطعك عن الدنيا وأهلها"، وقال بعض الحُكماء: "التوانِي ضياعٌ للفرص، وضياعُ الفُرَصِ غُصص".

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 9 - 11].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين.

معاشر المؤمنين الكرام، المُسابقةُ إلى الخيرات خُلُقٌ عظيمٌ، ومسلَكٌ كريمٌ، لا يتَّصِفُ به إلا الجادُّون المُشمِّرون، أصحابُ الهممِ العالية، والعزائمِ القوية، والإرادة الجادَّة..

 

عُلوُّ القَدْرِ بالهِمَمِ العوالي، وعِزُّ المَرءِ في طلبِ المعالي بقَدْرِ الكَدِّ تُكْتَسَبُ المَعالِي، ومَن طَلبَ العُلا سَهِرَ الليالِي، ومَن رَامَ العُلا مِن غيرِ كَدٍّ، أضاعَ العُمْرَ في طَلَبِ المُحَالِ.

 

إذا هبَّت رياحك فاغتنِمها *** فإن لكل خافقةٍ سكونَا

♦   ♦   ♦

وإذا كانت النفوس كبارًا *** تعِبت في مُرادها الأجسام

♦   ♦   ♦

ولم أر في عيوب الناس عيبًا *** كعجز القادرين على التمام

♦   ♦   ♦

ومن يتهيَّب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر

♦   ♦   ♦

 

فاستبقوا الخيرات، فلله أقوامٌ يُبادِرُون الأوقات، ويَستثمرون الدقائقَ والثوانيَ واللحظات، يبادرونَ أيامهم قبلَ فنائِها، وأعمارِهم قبلَ انقضائِها، فالحياةُ قصيرةٌ، والفرصُ محصورةٌ، والصوارفُ والشواغِلُ كثيرةٌ، والأيامُ تمرُّ سِراعًا، وتمضي تباعًا، ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ [فاطر: 37]، حَتَّى ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]، فيكون الجواب: كلَّا.

 

استبقوا الخيرات قبل نفادِ الأجل، وتوقفِ العمل، وانقطاعِ الرجاءِ والأمل: ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الزمر: 56 - 58].

 

استبقوا الخَيراتُ، فالخيراتُ ميدانٌ واسعٌ متنوعٌ، صلواتٌ وزكَوات، وصِيامٌ وصدَقات، وقراءةٌ وذكر، وصلةُ رحمٍ وبرُّ والدين، ومساعدةُ محتاجٍ، وإغاثَةُ ملهُوفٍ، وزِيارةُ مريضٍ، وإحسانٌ للجار، وطلَبٌ للعلمِ، ودعوةٌ إلى الله، وأمرٌ بمعروفٍ ونهيٌ عن مُنكر، ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

 

استبقوا الخيرات، فمن اجتهدَ ورفعَ نفسَهُ, علتْ وارتفعتْ، ومن قصَّرَ بها ووضَعَها, سَفُلَتْ وانحدرتْ، ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 19].

 

استبقوا الخيرات، وتنافسوا فيها تكونوا من أهلها، وأكثِروا منها تأْلفوها وتتعوَّدوا عليها، ولازموها تُعرفوا بها وتنسبوا إليها، ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17].

 

استبقوا الخيرات، واعمَلوا للدنيا بقدر بقائِكم فيها، واعملوا للآخرة بقدر بقائِكم فيها، واعمَلوا لله تعالى على قدر محبتِكم له وطلبِكم لرضاه، واعمَلوا للجنة على قدر شوقِكم إليها، وحرصِكم عليها.

 

استبقوا الخيرات، وسارِعُوا كما سارَعَ المسارِعون تلحقوا بهم، وسابِقُوا كما سابَقَ السابِقون تفوزوا معهم فوزًا عظيمًا، ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].

 

استبقوا الخيرات، وحرِّكوا الهِمم، وشدُّوا العزائم، فإنَّما يُقاسُ المرءُ بهمَتِهِ، فمن صَلَحَتْ همَّتُهُ وصَدَقَ فيها، صَلحَ لهُ ما وراءَ ذلكَ من الأعمَالِ، ورُبَّ هِمَّةٍ أوصلت للقمَّة، ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].

 

ألا فاتقوا الله عباد الله، واستبقوا الخيرات، وسارعوا، وسابقوا، واصبروا وصابروا، واتقوا الله ورابطوا، ومن أرادَ الراحةَ هناك، فليترك الراحة هنا، ومن أرادَ أن لا يتعبَ هناك، فليتعب هنا.

 

ويا بن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبِب مَن شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يَبلى والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان، اللهم صلِّ.



الشيخ عبدالله محمد الطوالة 
 
شبكة الالوكة
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×