اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

أشراط القيامة الكبرى

المشاركات التي تم ترشيحها

الأشراط شبه الكبرى

 

أُوصيكم أَيُّها النَّاسُ ونفسي بتقوى اللهِ، فاتقوا اللهَ ربكم، وأخلِصُوا للهِ نياتكُم وأعمالكم، فإنَّما الأعمالُ بالنياتِ، وجِدوا واجتهِدوا في الطاعة فقد أفلحَ من جدَّ في الطاعات، والزَموا الصدْقَ مع التقوى، فإن دينَ اللهِ هو الصدقُ في المُعاملات، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

 

احبتي الكرام، ما تبقى من العلامات التي لم تظهر بعد، هي علاماتٌ شديدةُ القربِ من العلاماتِ الكبرى، بل هي بمثابة البوابةِ لها، بل إن بعضها يظهرُ في وسط الآياتِ الكبرى كما سنرى لاحقًا، ولذلك يمكنُ أن نسميها: بشبيهة العلامات الكبرى، وسيأتي الحديث عنها بحسب وقتِ ظُهورها، أمَّا أول علاماتِ الساعةِ شِبهِ الكبرى، وبوابةُ بقيةِ العلامات: فهي ظهورُ المهديِّ عليه السلامُ: يقولُ الشيخُ ابن بازٍ رحمه الله: أمرُ المهديٍ معلومٌ، والأحاديثُ فيه مُستفيضةٌ، بل مُتواترةٌ مُتعاضِدةٌ، فأمرهُ ثابتٌ، وخروجهُ حقٌّ، يخرجُ في آخر الزمانِ، فيقيمُ العدلَ والحقَّ، ويمنعُ الظلمَ والجور، وينشُر اللهُ به لواءَ الخيرِ على الأمَّة، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو لم يبقَ منَ الدُّنيا إلَّا يومٌ لطوَّلَ اللَّهُ ذلِكَ اليومَ حتَّى يَبعثَ فيهِ رجلًا منِّي أو من أَهْلِ بيتي يواطئُ اسمُهُ اسمي، واسمُ أبيهِ اسمُ أبي يملأُ الأرضَ قِسطًا وعدلًا، كما ملئت ظُلمًا وجَورًا"، صححه الألباني، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المَهديُّ منِّي، أجْلَى الجبهةِ، أقْنى الأنفِ، يملأُ الأرضَ قِسطًا وعدلًا كما مُلئتْ ظلمًا وجورًا، يملِك سبعَ سنينَ"؛ صححه الألباني، وفي رواية صحيحة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المَهْديُّ منَّا أهلَ البيتِ، يُصلِحُه اللهُ في ليلةٍ"، وفي صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: "يَعُوذُ عائِذٌ بالبَيْتِ، فيُبْعَثُ إلَيْهِ بَعْثٌ، فإذا كانُوا ببَيْداءَ مِنَ الأرْضِ خُسِفَ بِهِم"، قالَ أبو جَعْفَرٍ: "واللَّهِ إنَّها لَبَيْداءُ المَدِينَةِ"، وهذا الخسفُ هو علامةُ ظهور المهدي كما يقولُ العلماء، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيهِ اللهُ الغيثَ، وتُخرِجُ الأرضُ نباتها، ويُعطِي المالَ صِحاحًا، وتكثرُ الماشيةُ، وتعظُمُ الأمُّةُ، يعيشُ سبعًا، أو ثمانيَ"؛ صححه الألباني، وفي صحيح مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: "يكونُ في آخرِ أمتي خليفةٌ، يَحثي المالَ حثْيًا، ولا يَعُدُّه عدًّا"؛ يقول ابن حجر رحمه الله: يعملُ المهديُّ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتركُ سنةً إلا أقامها، ولا بدعةً إلا رفعها، يقومُ بالدين آخرَ الزمانِ كما قامَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم أولَهُ، يملكُ الدنيا كُلها كما مَلك ذو القرنينِ وسُليمان، يرضى عنهُ ساكِنُ السماءِ وساكِنُ الأرضِ، ويمكِّنُ اللهُ لأهلِ الإسلامِ، ويُنعمُ عليهم برغد العيش، فتُنزِلُ السماءُ بركتها، وتُخرِجُ الأرضُ خيراتها.

 

ومن علاماتِ الساعةِ شِبهِ الكبرى:الملحمةُ الكبرى، بين المسلمين والروم، ففي الحديث الصحيحِ قالَ صلى الله عليه وسلم: "ستُصالِحونَ الرُّومَ صُلحًا آمِنًا حتَّى تَغزوا أنتم وهم عدوًّا مِن ورائِهم فتُنصَرونَ وتسلَمونَ وتغنَمونَ حتَّى تنزِلوا بمَرْجٍ ذي تُلولٍ، فيقولُ قائلٌ مِن الرُّومِ: غلَب الصَّليبُ، ويقولُ قائلٌ مِن المُسلِمينَ: بلِ اللهُ غلَب، ويتداوَلونَها، فيثورُ المُسلِمُ إلى صليبِهم وهو منهُ غيرُ بعيدٍ فيدُقُّه، وتثُورُ الرُّومُ إلى كاسرِ صليبِهم فيضرِبونَ عُنقَه، ويثُورُ المُسلِمونَ إلى أسلحتِهم فيقتَتِلونَ، فيُكرِمُ اللهُ تلك العِصابةَ بالشَّهادةِ، فيأتونَ مَلِكَهم (أي الروم) فيقولونَ: كفَيْناك جزيرةَ العرَبِ، فيجتَمِعونَ لِلملحمةِ، فيأتونَ تحتَ ثمانينَ غايةً، تحتَ كلِّ غايةٍ اثنا عشَرَ ألفًا"، تخيَّلوا قرابةَ المليونِ مُقاتل، لذلك ينتشرُ الرعبُ بين المسلمين، وينسحِبُ ثُلث جيشهم؛ جاءَ في صحيح مُسلم، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بالأعْماقِ، أوْ بدابِقٍ، فَيَخْرُجُ إليهِم جَيْشٌ مِنَ المَدِينَةِ، مِن خِيارِ أهْلِ الأرْضِ يَومَئذٍ، فإذا تَصافُّوا، قالتِ الرُّومُ: خَلُّوا بيْنَنا وبيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقاتِلْهُمْ، فيَقولُ المُسْلِمُونَ: لا، واللَّهِ لا نُخَلِّي بيْنَكُمْ وبيْنَ إخْوانِنا، فيُقاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لا يَتُوبُ اللَّهُ عليهم أبَدًا، ويُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ، أفْضَلُ الشُّهَداءِ عِنْدَ اللهِ، ويَفْتَتِحُ الثُّلُثُ، لا يُفْتَنُونَ أبَدًا"، والمدينةُ التي يخرجُ منها جيشُ المسلمينَ هي دِمشقُ، ففي حديثٍ صحيحٍ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ فُسطاطَ المسلمين، يومَ الملحمةِ، بالغُوطةِ إلى جانبِ مدينةٍ يُقالُ لها: دِمشقُ، من خيرِ مدائنِ الشَّامِ".

 

ومن علاماتِ الساعةِ شِبهِ الكبرى: فَتحُ القسطنطينيةِ وروما: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَمِعْتُمْ بمَدِينَةٍ جانِبٌ مِنْها في البَرِّ وجانِبٌ مِنْها في البَحْرِ؟ قالوا: نَعَمْ، يا رَسولَ اللهِ، قالَ: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَغْزُوَها سَبْعُونَ ألْفًا مِن بَنِي إسْحاقَ، فإذا جاؤُوها نَزَلُوا، فَلَمْ يُقاتِلُوا بسِلاحٍ ولَمْ يَرْمُوا بسَهْمٍ، قالوا: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أكْبَرُ، فَيَسْقُطُ أحَدُ جانِبَيْها.. ثُمَّ يقولوا الثَّانِيَةَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أكْبَرُ، فَيَسْقُطُ جانِبُها الآخَرُ، ثُمَّ يقولوا الثَّالِثَةَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أكْبَرُ، فيُفَرَّجُ لهمْ، فَيَدْخُلُوها فَيَغْنَمُوا.."؛ مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: "عمرانُ بيتِ المقدسِ، خرابُ يثربَ، وخرابُ يثربَ، خروجُ المَلحمةِ، وخروجُ الملحمةِ، فتحُ قسطنْطينيَّةِ، وفتحُ القسطنطينيةِ خروجُ الدجالِ" حسنه الألباني، وفي صحيح مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: " تَغْزُونَ جَزِيرَةَ العَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ"، وفي الحديث الصحيح: سُئلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تُفتحُ أولًا أقسطنطينيةُ أو رومية؟ فقالَ صلى الله عليه وسلم: "مدينةُ هرقل تُفتحُ أولًا يعني القسطنطينية"، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾.

 

معاشر المؤمنين الكرام، تبقى معنا من العلامات شِبهِ الكبرى خمسُ علامات، الأولى: ريحٌ لينةٌ تقبضُ أرواحَ المؤمنين جميعًا، والثانية: هدمُ الكعبةِ واستخراج ُكنوزها، والثالثة: خرابُ المدينةِ وهِجرانُها، والرابعة: رفعُ المصاحِفِ وذهابُ الإسلام، والخامسةُ: العودةُ لعبادة الأوثان والأصنام، ومن خلال التأمُلِ في أحاديث هذه العلامات، والحديثِ الخاصِ بالعلامات الكبرى، ونصهُ كما في صحيحِ مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: "إنها لن تَقومَ حتى ترَوا قبلَها عشْرَ آياتٍ فذَكَر الدُّخانَ، والدجَّالَ، والدابَّةَ، وطُلوعَ الشمسِ من مَغرِبِها، ونُزولَ عيسى ابنِ مريمَ صلى الله عليه وسلم، ويَأجوجَ ومَأجوجَ، وثلاثَ خُسوفٍ خَسفٌ بالمَشرِقِ وخَسفٌ بالمَغرِبِ وخَسفٌ بجزيرةِ العربِ، وآخِرُ ذلك نارٌ تَخرُجُ من اليمَنِ تَطرُدُ الناسَ إلى مَحشَرِهم"، فإنَّ العلاماتِ الخمسِ تتداخلُ كثيرًا مع العلاماتِ العشرِ الكبرى من حيثُ الترتيب، فبعدَ خروجِ المهديِّ وانتصارهِ على الرومِ في الملحمةِ الكبرى، وفتحهِ للقسطنطينية وروما، وبينما هو عائدُ للقدسِ يخرجُ الدجالُ من إيران، وبينما المهدي يُصلي بالمسلمين، ينزلُ عيسى عليه السلامُ فيقتلُ الدجال، وما أن تنتهي مُشكلةُ الدجال حتى يخرجَ يأجوجُ ومأجوجُ فيعيثونَ في الأرضِ فسادًا، فيدعو عليهم عيسى عليه السلام فيُهلِكهم اللهُ عن آخرهم، ويُرسلُ الله مطرًا يُطهرُ الأرضَ من نتنِهم، فتنزلُ البركةُ ويكثرُ الزرعُ والمواشي، ويَفيضُ المال، ولا يبقى في الأرض إلا الإسلام.. وبعدَ موتِ عيسى عليه السلامُ يبدأُ الإسلامُ بالضعفِ شيئًا فشيئًا، وتبدأ بقيةُ العلاماتِ الكبرى بالظهورِ، كالدخانِ وطلوعِ الشمسِ من مغربها، وخروجِ الدابةِ تُكلمُ النَّاسَ، وتضعُ على وجوهِهم علامةً ظاهرةً تبينُ أمؤمنٌ هو أم كافر، ثم يعودُ الإسلامُ غريبًا وترفعُ المصاحِفُ، ويعودُ الشركُ وعبادةُ الأصنام، فيرسلُ اللهُ ريحًا لينةً تقبضُ أرواحَ المؤمنين جميعًا، فلا يبقى إلا شرارُ الخلق، ثم يخرجُ ذو السويقتينِ من الحبشة، فيهدمُ الكعبةَ ويستخرجُ كنوزها، ثم تُهجرُ المدينةُ ولا يبقى فيها إلا العوافي والسِّباع، ثم تقعُ ثلاثةُ خٌسوفاتٍ عظميةٍ، خسفٌ بالمشرق، وخسفٌ بالمغرب، وخسفٌ في جزيرة العرب، وآخرُ الآياتِ نارٌ عظيمةٌ تخرجُ من عدن تسوقُ الناسَ إلى محشرهم، وهذا ترتيب اجتهاديٌ لما تبقى من العلامات، وبإذن الله سنفصلها في الحلقات القادمة، وبالأحاديث الصحيحة.


 

معاشر الكرام، إخواني المؤمنين، كنَّا قد تحدثنا  عن أشراطِ الساعةِ شبه الكبرى، وأولها المهديُ ثم الملحمة الكبرى بين المسلمين والروم، ثم فتحُ القسطنطينية وروما.. ثم ذكرت ترتيبًا اجتهاديًا لمَا تبقى من العلامات والآيات.. وميزةُ الآيات الكبرى عما سبقها من العلامات، كونها خارجةً عن المألوف، ومن خوارق العادات، وأنها تتابعُ في أثر بعضها، كنظامٍ أنقطعَ سلكهُ فتتابع..

 

................................

 

 

آيات  الاشراط الكبرى

 

أول الآيات الكبرى ظهورًا: الدجالُ، الأعورُ الكذاب، مسيحُ الضلالة، عليه لعنة الله، ومن تأمَّل الأحاديث الصحيحة التي وردت فيه، وجد من أوصافهِ أنُّه شاب جسيمٌ عقيمٌ، عظيم الخِلقةِ، عريضُ النَّحرِ، قصيرٌ مُنحني، أفحجُ، متباعدُ الساقينِ، جعدُ الشَّعرِ، أجلى الجبهةِ، كِلا عينيهِ عوراءَ مُشوَّهةٍ، احداهما مطموسةٌ وبها ظَفَرةٌ غليظةٌ، والأخرى طافيةٌ كأنها عنبة، مكتوبٌ بين عينيهِ كافر، يقرأها الكاتِبُ وغير الكاتِبِ، وهو الآن محبوسٌ في احدى الجزر النائية، يخرجُ في زمنِ اختلافٍ وفُرقةٍ، وأولُ خروجهِ في خُراسان في شمال إيران، ثم يأتي أصفهان جنوب إيران، فيتبعهُ منها سبعون ألف يهودي، ثم يدخلُ بلاد العرب من جهة العراق والشام، فيعيثُ يمينًا ويعيثُ شمالًا، يدَّعي النُّبوةَ أولًا، ثم يدَّعي الألوهية، وإنَّ من فتنتِه أنَّ معه جَنَّةً ونارًا، فنارُه جنةٌ، وجنتُه نارٌ، ويأتي بالخوارق، والأمور العِظام، وينتشرُ شرهُ، وتعظمُ فتنتهُ، وتُطوى لهُ الأرض، ويُسرعُ فيها، حتى يظهرَ عليها كلها، ويكثرُ أتباعه، ويمكثُ أربعين يومًا، يومٌ كسنة، ويومٌ كشهر، ويومٌ كأسبوع، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ، جاء في الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: "يا أَيُّها الناسُ، إنها لم تكن فتنةٌ على وجهِ الأرضِ، منذُ ذَرَأَ اللهُ ذُرِّيَّةَ آدمَ أَعْظَمَ من فتنةِ الدَّجَّالِ".. وفي البخاري قال صلى الله عليه وسلم: "ما بُعِثَ نَبِيٌّ إلَّا أنْذَرَ أُمَّتَهُ الأعْوَرَ الكَذّابَ، ألا إنَّه أعْوَرُ، وإنَّ رَبَّكُمْ ليسَ بأَعْوَرَ، وإنَّ بيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كافِرٌ".. وفي صحيح مسلم: قال صلى الله عليه وسلم: "يَأْتي المَسِيحُ مِن قِبَلِ المَشْرِقِ، هِمَّتُهُ المَدِينَةُ، حتَّى يَنْزِلَ دُبُرَ أُحُدٍ، ثُمَّ تَصْرِفُ المَلَائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشَّامِ، وَهُنَالِكَ يَهْلِكُ"، وفي صحيح مسلم أيضًا، من حديث المهديِّ والملحمةِ، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بالأعْماقِ، أوْ بدابِقٍ، فَيَخْرُجُ إليهِم جَيْشٌ مِنَ المَدِينَةِ، (وقلنا انها دمشق)، قال صلى الله عليه وسلم: "فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبيْنَما هُمْ يَقْتَسِمُونَ الغَنائِمَ، قدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بالزَّيْتُونِ، إذْ صاحَ فِيهِمِ الشَّيْطانُ: إنَّ المَسِيحَ قدْ خَلَفَكُمْ في أهْلِيكُمْ، فَيَخْرُجُونَ، وذلكَ باطِلٌ، فإذا جاؤُوا الشَّأْمَ خَرَجَ، فَبيْنَما هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتالِ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ، إذْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم، فأمَّهُمْ، فإذا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ، ذابَ كما يَذُوبُ المِلْحُ في الماءِ، فلوْ تَرَكَهُ لانْذابَ حتَّى يَهْلِكَ، ولَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بيَدِهِ، فيُرِيهِمْ دَمَهُ في حَرْبَتِهِ".

 

ومن الآيات الكبرى: نزولُ نبيِّ اللهِ عيسى عليه السلام، وهو رابع الرسل فضلًا ومكانة عند الله، بعد محمدٍ وإبراهيمَ وموسى عليهم جميعًا أفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التَّسليم، فحين استوفى أجلَهُ الأولَ، رَفعهُ اللهُ جسدًا وروحًا، وهو حيٌّ الآنَ في السماء الثانيةِ، وبقيَ لهُ أجلٌ آخرَ يستوفيهِ إذا نزلَ في آخرِ الزمانِ ثم يموتُ ويدفنُ، جاء في حديثٍ صحيحٍ: قال صلى الله عليه وسلم: "وإنَّه نازلٌ، فإذا رأيتموهُ فاعرفوه: رجلٌ مربوعٌ، إلى الحُمرةِ والبياضِ، بين مُمصَّرتَيْن، كأنَّ رأسَهُ يقطُرُ، وإن لم يُصِبْهُ بَللٌ، فيُقاتِلُ النَّاسَ على الإسلامِ، فيدُقُّ الصَّليبَ، ويقتُلُ الخنزيرَ، ويضعُ الجِزيةَ، ويُهلِكُ اللهُ في زمانِه المِللَ كلَّها، إلَّا الإسلامَ، ويُهلِكُ المسيحَ الدَّجَّالَ، فيمكُثُ في الأرض أربعين سنةً ثمَّ يُتوفَّى فيُصلِّي عليه المسلمون"، قال تعالى عنهُ في سورة الزخرف: ﴿ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [الزخرف: 61]، وقال تعالى عنه في سورة النساء: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 159، أي: إن اليهود والنصارى سيسلمون جميعًا عند نزوله.. وفي صحيح مسلم، وعند الحديث عن الدجال: قال صلى الله عليه وسلم: "فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ علَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وإذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ منه جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حتَّى يُدْرِكَهُ ببَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ"، وجاء في حديثٍ صححهُ الإمام الألباني: قال صلى الله عليه وسلم: "فبَيْنَما إمامُهم قد تَقَدَّم يُصَلِّي بهِمُ الصُّبْحَ، إذ نزل عليهم عيسى ابنُ مريمَ الصُّبْحَ، فرجع ذلك الإمامُ يَنْكُصُ يَمْشِي القَهْقَرَى ليتقدمَ عيسى، فيضعُ عيسى يدَه بين كَتِفَيْهِ، ثم يقولُ له: تَقَدَّمْ فَصَلِّ؛ فإنها لك أُقِيمَتْ، فيُصَلِّى بهم إمامُهم، فإذا انصرف قال عيسى: افتَحوا البابَ، فيَفْتَحُون ووراءَه الدَّجَّالُ، معه سبعونَ ألفَ يهوديٍّ، كلُّهم ذو سيفٍ مُحَلًّى وسَاجٍ، فإذا نظر إليه الدَّجَّالُ ذاب كما يذوبُ المِلْحُ في الماءِ، وينطلقُ هاربًا، فيُدْرِكُه عند بابِ لُدٍّ الشرقيِّ، فيقتلُه، فيَهْزِمُ اللهُ اليهودَ، فلا يَبْقَى شيءٌ مِمَّا خلق اللهُ عَزَّ وجَلَّ يَتَواقَى به يهوديٌّ، إلا أَنْطَقَ اللهُ ذلك الشيءَ، لا حَجَرٌ ولا شجرٌ ولا حائطٌ ولا دابةٌ، إلا الغَرْقَدَةُ، فإنها من شَجَرِهِم لا تَنْطِقُ، إلا قال: يا عبدَ اللهِ المسلمَ هذا يهوديٌّ فتَعَالَ اقتُلْه. فيكونُ عيسى ابنُ مريمَ في أُمَّتِي حَكَمًا عَدْلًا، وإمامًا مُقْسِطًا يَدُقُّ الصليبَ، ويَذْبَحُ الخِنْزيرَ، ويضعُ الجِزْيةَ، ويتركُ الصدقةَ، فلا يُسْعَى على شاةٍ ولا بعيرٍ، وتُرْفَعُ الشحناءُ والتباغُضُ، وتُنْزَعُ حِمَةُ كلِّ ذاتِ حِمَةٍ، حتى يُدْخِلَ الوليدُ يدَه في فِيِّ الحَيَّةِ، فلا تَضُرُّه، وتَضُرُ الوليدةُ الأسدَ فلا يَضُرُّها، ويكونُ الذئبُ في الغنمِ كأنه كلبُها، وتُمْلَأُ الأرضُ من السِّلْمِ كما يُمْلَأُ الإناءُ من الماءِ، وتكونُ الكلمةُ واحدةً، فلا يُعْبَدُ إلا اللهُ، وتضعُ الحربُ أوزارَها، وتُسْلَبُ قريشٌ مُلْكَها، وتكونُ الأرضُ كفاثورِ الفِضَّةِ، تُنْبِتُ نباتَها بعَهْدِ آدمَ حتى يجتمعَ النَّفَرُ على القِطْفِ من العنبِ فيُشْبِعُهم، ويجتمعُ النَّفَرُ على الرُّمَّانةِ فتُشْبِعُهم".

 

أيها الأحبة الكرام، يقولُ الحقُّ جلَّ وعلا: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ﴾ [لأنعام: 158]، جاء في حديثٍ صحيح، قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ إذا خَرَجْنَ لا يَنفعُ نفسًا إيمانُها لمْ تَكُنْ آمَنَتْ من قبلُ أو كَسبَتْ في إيمانِها خيرًا: طُلوعُ الشمسِ من مَغرِبِها، والدَّجَّالُ، ودابَّةُ الأرضِ"، ويقولُ جلَّ وعلا: ﴿ وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الزخرف: 48].

 

 

معاشر المؤمنين الكرام، ثالثةُ الآيات الكبرى، هي خروجُ يأجوجَ ومأجوج، وهم كما جاء في الأحاديث الصحيحة، أُمتانِ من بني آدم، أعدادُهم ضخمةٌ هائلةٌ جدًّا، عِراضُ الوجوهِ، صِغارُ العيونِ، حُمرُ الشُعورِ، كأنَّ وجوهَهم المجانُّ المطرَّقة، همجٌ متوحشون، شديدٌ كُفرهم، كثيرٌ إفسادُهم، قويةٌ أجسادُهم، حتى إنَّهُ لا قُدرةَ لأحدٍ بقتالهم؛ قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 96]، وجاءَ في الحديث الصحيح فيما بعد الدجال، قال صلى الله عليه وسلم: "فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إلى عِيسَى: إنِّي قدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَانِ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إلى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِن كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ علَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ ما فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فيَقولونَ: لقَدْ كانَ بهذِه مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حتَّى يَكونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِن مِئَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ اليَومَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فيُرْسِلُ اللَّهُ عليهمُ النَّغَفَ في رِقَابِهِمْ، فيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إلى الأرْضِ، فلا يَجِدُونَ في الأرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إلى اللهِ، فيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ البُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لا يَكُنُّ منه بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الأرْضَ حتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ: أَنْبِتي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَومَئذٍ تَأْكُلُ العِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ في الرِّسْلِ، حتَّى أنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإبِلِ لَتَكْفِي الفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ البَقَرِ لَتَكْفِي القَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الغَنَمِ لَتَكْفِي الفَخِذَ مِنَ النَّاسِ".

 

ولمن يسألُ اين يسكنُ هؤلاء، ولم لا نراهم وهم بتلك الكثرةِ الكاثرة، وماذا يأكلون، وكيف يعيشون الآن، فالجواب: أنَّ وجودهَم وخروجهَم ثابتٌ في الكتاب والسنة، أما مكانُ وجودِهم على التَّحديد، فهو من علم الغيب الذي أخفاهُ الله عنَّا، كما أخفى عنا عالم الملائكة، وعالم الجنَّ، وعالم الأرواح، رغم وجودهم بالقرب منا؛ قال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الأسراء: 85]، نسأل الله لنا لكم العلم النافع، والعمل الصالح، والنجاة من الفتن.

 

قد تحدثنا عن أولِ ثلاثِ آياتٍ من أشراطِ الساعةِ الكبرى، وهي الأعورُ الدجال، الفتنةُ الأكبرُ والأخطرُ على الإطلاق، ونزولُ عيسى عليه السلام، ليقتُلَهُ ويحكمَ بالعدل، وخروجُ يأجوجَ ومأجوجَ بأعدادِهم الهائلةِ جدًّا التي لا قِبَلَ لأحدٍ بها، وموتُهم بالنَّغفِ في رقابهم بعدَ أن دعا عليهم نبيُّ اللهِ عيسى عليه السلام.. ثم يعمُّ السلامُ ولا يبقي إلا الإسلام، وتكونُ الكلمةُ واحدةً، وتضعُ الحربُ أوزارَها، وتحلُّ البركةُ في الأرض، وبعد أن يحكمَ عيسى عليه السلامُ أربعينَ سنةً، يموتُ ويُصلى عليه ويدفن، ثم يعقبهُ رجلٌ صالحٌ يسيرُ على هديه، ثم تأخذُ الأمورُ من بعدهِ بالتَّدهور والخراب، وينتشرُ الضلال والفساد شيئًا فشيئًا.. ثم تبدأُ بقيةُ الآياتِ الكبرى بالظهور تباعًا.

وليس هناك ترتيبٌ مؤكدٌ لخروجها، لكن المتأمِّل يخمن أن تكون آية الدخان هي من يظهرُ قبل غيرها..

يقولُ الحقُّ جلَّ وعلا: ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الدخان: 10، 11]، فهي إذًا آيةٌ عظيمةٌ، ظاهرةٌ بينة، وهي كما جاء في الحديث الصحيح من الآيات العشرِ الكبرى، فهي آيةٌ عامة، يصل أثرها لأهل الأرض جميعًا؛ لقوله تعالى: ﴿ يَغْشَى النَّاسَ ﴾، وهي نوعٌ من العذاب الشديد، لم يرد له تفسيرٌ محدد؛ لقوله تعالى: ﴿ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾، وإن كان جاءَ في الأثر: أنها تملأ ما بين السماء والأرض، ولا يجد المؤمن منهُ إلا كالزكمة، وأما الكافرُ فتثقبُ مسامعه.

 

ولا شك أن هذه الآيةَ العظيمةَ ستقعُ بعد موتِ عيسى عليه السلام، وبعدَ أن يضعُفَ الإسلامُ، وينتشر الضلال والشرك، وبعد وقوعها سيعودُ النَّاسُ إلى ربهم، ويُعلِنون توبتهم، فيكشفُ الله العذابَ عنهم، لكنهم سُرعانَ ما يعودونَ لضلالهم وغيِّهم، قال تعالى في الآية بعدها: ﴿ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴾ [الدخان: 15]، وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: ((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخُوَيصَّةَ أَحَدِكُمْ))، ووردت أخبارٌ عن تفاصيل هذا الدخان كلَوْنِه، ومدة بقائه، وما يفعله بالنَّاس، ولكنها أخبارٌ لا تصح.

 

ومن الآيات الكبرى: طلوعُ الشمسِ من مغربها، وهي أعظمُ الآياتِ وأكبرها، فلا يراها أحدٌ من الناس إلا آمن.. ففي صحيح البخاري: قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِها، فإذا طَلَعَتْ فَرَآها النَّاسُ آمَنُوا أجْمَعُونَ، فَذلكَ حِينَ: ﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ﴾ [الأنعام: 158]، فطلوعُ الشمسِ من مغربها هو أولُ الآياتِ الكبرى المؤذنةِ بتغير أحوالِ العالم، ومقدمةٌ لقيامِ الساعةِ، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ﴾ [غافر: 84، 85].

 

وفي صحيح مُسلم: قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا))، وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثٌ إذا خَرَجْنَ لا يَنفعُ نفسًا إيمانُها لمْ تَكُنْ آمَنَتْ من قبلُ أو كَسبَتْ في إيمانِها خيرًا: طُلوعُ الشمسِ من مَغرِبِها، والدَّجَّالُ، ودابَّةُ الأرضِ))، قال الإمام ابن كثير: "فهذا دليلٌ على أن من أحدثَ إيمانًا أو توبةً بعد طلوعِ الشمسِ من مغربها لا تُقبلُ منه".

 

ومن آيات الساعةِ الكبرى المرتبطةِ بطلوع الشمسِ من مغربها: خروجُ دابَّةِ الأرض، ففي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أوَّلَ الآياتِ خُروجًا طلوعُ الشَّمسِ من مغربِها أو الدَّابَّةُ على النَّاسِ ضُحًى، فأيَّتُهما كانت قبل صاحبتِها، فالأخرَى على أثرِها))؛ فآيةُ الدابةِ من الآيات الكبرى التي يعمُّ أثرها جميعَ الناس، وهي ثابتةٌ في الكتابِ والسنة، وهي مخلوقٌ مهولٌ، فريدةٌ في شكلها، وفي فعلها، وتعتبرُ من خوارق العادات، غيرِ المألوفةِ عند الناس؛ ولذلك ستحدثُ أثرًا بالغًا عند ظهورها.. ولم يثبت في وصفها أو مكانِ خروجها أو مُدةِ مُكثها حديثٌ صحيح، لكنها كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ﴾ [النمل: 82]، فهي دابةٌ عظيمةٌ تخرجُ من الأرض، تُكلم الناس؛ أي: تخاطبهم بكلامٍ مسموعٍ مفهوم، وهي كذلك تَكْلُمُهم أي تجرحُهم وتَسِمُهم وسمًا على وجوهِهم، وسمًا يميزُ المؤمنَ من الكافر، وفي الأثرِ أنَّها تسِمُ أنف الكافر، وتجلو وجه المؤمن، حتى يتنادى الناس بيا مؤمن أو يا كافر.. قال صلى الله عليه وسلم: ((تَخرُجُ الدَّابَّةُ فتَسِمُ النَّاسَ على خَراطيمِهم))؛ صححه الألباني.. قال ابن حجر رحمه الله: طلوع الشمسِ من مغربها يسدُّ بابَ التوبة، فتجيءُ الدابةُ فتميزُ بين المؤمن والكافر، تكميلًا للمقصود من إغلاق باب التوبة، والله أعلم.

 

ومن علامات الساعة شبه الكبرى: رفعُ المصاحفِ واختفاءُ الإسلام، ففي حديثٍ صححه الإمام الألباني، قال صلى الله عليه وسلم: ((يَدْرُسُ الإسلامُ كما يَدرُسُ وَشْيُ الثَّوبِ، حتَّى لا يُدْرَى ما صِيامٌ، ولا صَلاةٌ، ولا نُسُكٌ، ولا صدَقةٌ، ولَيُسْرَى على كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ في ليلةٍ، فلا يَبْقى في الأرضِ مِنه آيةٌ، وتَبْقى طوائفُ مِن النَّاسِ: الشَّيخُ الكبيرُ والعَجوزُ يَقولون: أدرَكْنا آباءَنا على هذه الكلمةِ: لا إلهَ إلَّا اللهُ؛ فنحنُ نَقولُها))، وفي حديثٍ موقوفٍ على الصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لَيُسْرَيَنَّ عَلَى الْقُرْآنِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلا يُتْرَكُ آيَةٌ فِي مُصْحَفٍ وَلا فِي قَلْبِ أَحَدٍ إِلا رُفِعَتْ".. ثم قرأ قول الله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا ﴾ [الإسراء: 86]، والحديثُ له حكم الرفع؛ لأنه من الغيبيات.. وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية: "يُسرى به في آخر الزمان من المصاحف والصدور، فلا يبقى في الصدور منه كلمة، ولا في المصاحف منه حرف".

 

ومن علامات الساعة شبه الكبرى: عودة الشرك وعبادة الأوثان، ففي حديثٍ صححه الألباني، قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تقومُ الساعةُ حتى تلحقَ قبائلُ من أمَّتي بالمشركينَ، وحتى يعبدوا الأوثان))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى لا يقالَ في الأرضِ: لا إله إلا اللَّهُ))؛ صححه الألباني.. وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَذْهَبُ اللَّيْلُ والنَّهارُ حتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ والْعُزَّى))، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنْ كُنْتُ لأَظُنُّ حِينَ أنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33] أنَّ ذلكَ تامًّا! قالَ: ((إنَّه سَيَكونُ مِن ذلكَ ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَوَفَّى كُلَّ مَن في قَلْبِهِ مِثْقالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِن إيمانٍ، فَيَبْقَى مَن لا خَيْرَ فِيهِ، فَيَرْجِعُونَ إلى دِينِ آبائِهِمْ))؛ رواه مسلم.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الزخرف: 48].

 

 

معاشر المؤمنين الكرام: ومن علامات الساعة شبه الكبرى: ريحٌ لينة تقبضُ أرواح المؤمنين، ففي صحيح مسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثم يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا كَرِيحِ المِسْكِ مَسُّهَا مَسُّ الحَرِيرِ، فلا تَتْرُكُ نَفْسًا في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنَ الإيمَانِ إلَّا قَبَضَتْهُ، ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عليهم تَقُومُ السَّاعَةُ))، وفي رواية: ((فبينما هُمْ كذلِكَ إذ بعَثَ اللهُ ريحًا طيبَةً فتأخُذُهُمْ تَحَتَ آباطِهِم، فتَقْبضُ روحَ كلِّ مؤمنٍ وكلِّ مسلمٍ، ويبقى شرارُ الناسِ يتهارجونَ فيها تَهارُجَ الحمُرِ، فعليْهِم تقومُ الساعَةُ)).

 

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثم يُرْسِلُ اللهُ رِيحًا باردةً من قِبَلِ الشامِ، فلا يَبْقَى على وجهِ الأرضِ أحدٌ في قلبِه مِثْقالُ ذَرَّةٍ من إيمانِ إلا قَبَضَتْهُ، حتى لو أنَّ أحدَكم دخل في كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْ عليه حتى تَقْبِضَه))؛ صححه الألباني.

 

ومن علامات الساعة شبه الكبرى: هدمُ الكعبة الشريفة، ففي صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يخرِّبُ الكعبةَ ذو السُّوَيْقتينِ منَ الحبَشةِ))، وفي صحيح البخاري، قال صلى الله عليه وسلم: ((كأنِّي أنظُرُ إليه أسودَ أفحَجَ يقلعُها حَجَرًا حَجَرًا)) يعني الكعبةَ.

 

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: قال صلى الله عليه وسلم: ((اسْتمتعوا من هذا البيتِ؛ فإنَّه قد هُدِمَ مرتينِ، ويُرْفَعُ في الثالثةِ))، والحديث صححهُ الألباني.

 

وقال صلى الله عليه وسلم: ((تأتي الحبَشةُ فيُخرِّبونَهُ خرابًا لا يُعمَرُ بعدَهُ أبدًا، وَهُمُ الَّذينَ يستخرِجونَ كنزَهُ))، والحديث صححه الألباني.

 

ومن علامات الساعة شبه الكبرى: نفي المدينة لشرارها ثم خرابها.. ففي صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَنْفِيَ المَدِينَةُ شِرَارَهَا، كما يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ))، قال الإمام النووي: الأظهر أنه في زمن الدجال.

 

وفي البخاري، قال صلى الله عليه وسلم: ((ليسَ مِن بَلَدٍ إلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إلَّا مَكَّةَ والمَدِينَةَ؛ ليسَ له مِن نِقَابِهَا نَقْبٌ إلَّا عليه المَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ ومُنَافِقٍ)).

 

وفي البخاري: يقولُ أبو هريرة رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((يَتْرُكُونَ المَدِينَةَ علَى خَيْرِ ما كَانَتْ، لا يَغْشَاهَا إلَّا العَوَاف - يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ والطَّيْرِ - وآخِرُ مَن يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِن مُزَيْنَةَ يُرِيدَانِ المَدِينَةَ، يَنْعِقَانِ بغَنَمِهِما، فَيَجِدَانِهَا وحْشًا، حتَّى إذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ، خَرَّا علَى وُجُوهِهِمَا)).

 

ومن آيات الساعةِ الكبرى: الخسوف الثلاثة؛ خسفٌ بالمشرق، وخسفٌ بالمغرب، وخسفٌ بجزيرة العرب، وهي التي وردت في حديث الآيات الكبرى، ومن الأحاديث الواردة حولها يستشعرُ المتأمِّلُ أنها من آخر الآيات ظهورًا.. ومعنى الخسف الغوص في الأرض، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص: 81]، وقال تعالى: ﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النحل: 45].

 

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((سيكون بعدي خسفٌ بالمشرق وخسفٌ بالمغرب وخسفٌ في جزيرة العرب))، قلت: يا رسول الله، أيخسف بالأرض وفيها الصالحون؟ قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أكثر أهلها الخبث)).

 

وهذه الخسوف العظيمة غير الخسف الخاص بالجيش الذي يُبعث لمطاردة المهدي في أول ظهوره فيخسفُ به قرب المدينة.. والله أعلم بالصواب.

 

تبقى من كل العلامات والآيات،  نارٌ تخرجُ من عدن تسوقُ الناسَ إلى محشرهم؛ جاءَ في صحيح مُسلم: عنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: «مَا تَذَاكَرُونَ؟» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ قَالَ: «إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ» فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّال، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ اليَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ"، وفي لفظٍ: «وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قُعْرَةِ عَدَنٍ تَرْحَلُ النَّاسَ»، وفي حديثٍ صححهُ الألباني قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سَتَخْرُجُ نَارٌ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ مِنْ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ، أَوْ مِنْ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ»، قَالُوا: فَبِمَ تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالشَّأْمِ»، ومن حديثٍ متفقٍ عليه، قال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عن هذه النار: «تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قالوا: وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أمْسَوْا».

 

أيها الأحبة الكرام، عرفنا سابقًا أنَّ الساعةَ لا تقومُ إلا على شِرار الخلقِ وعبدةِ الأوثانِ، وبعدَ أنَّ تَقبِضَ الريحُ اللينةُ أرواحَ جميعَ من تبقى من المؤمنين، ففي صحيح مسلم: "ثم يُرْسِلُ اللهُ رِيحًا باردةً من قِبَلِ الشامِ، فلا يَبْقَى على وجهِ الأرضِ أحدٌ في قلبِه مِثْقالُ ذَرَّةٍ من إيمانِ إلا قَبَضَتْهُ، حتى لو أنَّ أحدَكم دخل في كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْ عليه، حتى تَقْبِضَه، فيَبْقَى شِرَارُ الناسِ، في خِفَّةِ الطيرِ، وأحلامِ السِّباعِ، لا يَعْرِفُونَ معروفًا، ولا يُنْكِرونَ مُنْكَرًا، فيتمثلُ لهم الشيطانُ، فيقولُ: أَلَا تستجيبونَ؟ فيقولونَ: بِمَ تَأْمُرُنا؟ فيأمرُهم بعبادةِ الأوثانِ، فيعبدونَها، وهم في ذلك دارُّ رِزْقُهُم، حَسَنٌ عَيْشُهُم، ثم يُنْفَخُ في الصورِ"، فعلى هؤلاء الاشرار تقومُ الساعةُ وينفخُ في الصور، وعندهم تنتهي الدنيا، وتبدأُ أحداثُ الآخرةِ، والسببُ في كونِ أرضِ الشامِ هي أرضُ المحشر لهؤلاء الأشرار، أنها أرضُ الأمنِ والإيمانِ، فخيرُها وبركتها لا تنقطع حتى بعد قبْض المؤمنين، ولأنَّ النار التي تحشرُ الناسَ حين تنتشرُ في كل البقاع، تكونُ في جهة الشام أخفَّ من غيرها، فيقصدها الناس لذلك، جاء في حديث صحَّحه الألباني، قال صلى الله عليه وسلم: "الشام أرضُ المحشر والمنشر"، ففي بداية الأمر تخرج تلك النار العظيمة من عدن، من بحر حضرموت، ثم تنتشر في كل الأرجاء لتسوق أولئك الأشرار إلى بلاد الشام، وهناكَ تقومُ عليهم الساعة، ففي صحيح البخاري عن أنَسٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أمَّا أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ، فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ»، والحكمة من خروج هذه النار وحشرها للناس، والعلم عند الله أنه نوعٌ من العذابِ لهؤلاء الأشرار في الدنيا قبل الآخرة ..

 

أيها الكرام، لقد سخَّر الله تعالى للبشر في هذه الأزمان المتأخرة أجهزةٍ علميةٍ متقدمةٍ، ووسائلَ تقنيةٍ مُتطورةٍ، كالأقمار الصناعية، والتلسكوبات الدقيقة، والغواصاتِ الضخمة، فتمكن الإنسانُ بها أن يصلَ لأماكنَ عميقةٍ جدًّا، ما كانَ له أن يصل بدونها، كقاع البحارِ والمحيطاتِ، وإلى أعماقٍ تزيدُ عن العشرةِ كيلو مترات تحت سطحِ البحر، فاكتشفوا أنَّ هناك أخاديدَ ناريةٍ هائلة، يمتُد بعضها لآلافِ الكيلومترات، حتى إنهم تمكَّنوا من تصويرها بكل دقة، ففي قاع البحرِ الأحمر مثلًا فالق بحري طويل، يمتد من أوله لآخرة، وكثيرٌ من أجزاء هذا الفالق الطويل عبارةٌ عن أخاديدَ ناريةٍ مُشتعلة، تزيدُ كلما اتَّجهنا جنوبًا، وتكونُ أكثر زيادةً قربَ باب المندب ومدينة عدن، فهل لهذه الأخاديد الهائلةِ علاقةُ بالنار التي ستخرجُ في آخر الزمانِ، وتحشرُ الناسَ إلى بلاد الشامِ؛ الحديثُ الصحيحُ يشيرُ إلى أن نارًا عظيمةً ستخرجُ من قاع أرضِ عدن، وفي روايةٍ صحيحةٍ ستخرجُ نارٌ من بحر حضرموت تطردُ الناسَ إلى محشرهم، كما أنَّ المتأمِّلَ في كتاب اللهِ تعالى، يُلاحظُ أنَّ الله جلَّ وعلا أقسمَ في سورة الطَّورِ بهذا النوع من البحار المشتعلةِ، فقال تعالى: ﴿ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴾ [الطور: 6]، وتأمَّل في جواب القسمِ في الآية التي تليها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ ﴾ [الطور: 7، 8]، فالتشابهُ واضحٌ، والقرآن حمَّال أوجه، لكن لا دليلَ على الربطِ بينهما، واللهُ أعلمُ بالصواب.

 

.

أيها الأحبة الكرام، لا شك أن مُدارسةَ أشراطِ الساعةِ وآياتها، لها فوائدٌ كبيرةٌ، وثمراتٌ عظيمةٌ، فمن أهم فوائدها أنَّ كثرةَ أحاديث الفتنِ وأشراطِ الساعةِ وآياتها وتنوُّعِها واستفاضتها، يدل على شِدةِ اهتمامِ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر، وشدةُ اهتمامه بأمرٍ ما، دليلٌ على شِدةِ خطورة هذا الأمر، وعلى ضرورة التنبُّهِ لهُ، وأخذِ الأسبابِ المنجيةِ منهُ، ويدل كذلك على عِظمِ شفقةِ النبي صلى الله عليه وسلم، وشِدةِ حرصه ونُصحهِ لأمته، فقد أكثرَ صلى الله عليه وسلم من التَّحذيرَ من تلك الفتن العظيمة، وشدَّد على خطورتها، لتكونَ أجيالُ المسلمينَ على مرِّ العصورِ على درايةٍ تامَّةٍ بأسبابِ النجاةِ وطُرقِ السلامةِ، ولتتضحَ لهم جادةُ الصوابِ، فهو القائل صلى الله عليه وسلم: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك"؛ يقول الإمام السفاريني رحمه الله: "ولَما كان أمرُ الساعةٍ شديدًا، وهولها مزيدًا، وأمرُها بعيدًا، كانَ الاهتمامُ بشأنها أكثر من غيرها، ولهذا أكثرَ النبي صلى الله عليه وسلم من بيانِ أشراطِها وأماراتها، وأخبر عمَّا بين يديها من الفتن البعيدة والقريبة، ونبَّه أمَّتهُ وحذَّرهم ليتأهبوا لتلك العقبةِ الشديدة"، ويقول العلامة البرزنجي رحمه الله: لذا كان حقًّا على كلِّ عالمٍ أن يُشيعَ أشراطها، ويبثَ الأحاديثَ والأخبارَ الواردةَ فيها بين الأنام، ويسرُدها مرةً بعد أخرى على العوام، عسى أن ينتهوا عن بعضِ الذنوب، ويَلينَ منهم بعضُ القلوب، وينتبِهوا من سِنةِ الغفلةِ، ويغتنموا الفُرصةَ قبل نفادِ المهلة، ومن الفوائد المهمة أنَّ تعلُّمَ أشراطِ الساعةِ ومدارستِها، والإكثارَ من العبادات والأعمالِ الصالحة، هاذانِ هما أقوى أسبابِ دفعِ الفتنِ، والسلامةِ منها حتى عند وقوعها، ولذلك علَّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تفاصيلَ الفتن، كالوصف الدقيقِ للدجالِ، وهو أعظمُ الفتن، وصفاتِ النساءِ الكاسياتِ العاريات، وغيرها، وقال في الحديث الصحيح: "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم"، وقال في صحيح مسلم: "بادِرُوا بالأعْمالِ سِتًّا"، وذكر بعض الأشراط، ومن الفوائد العظيمة أنَّ مدارسةَ أشراطِ الساعةِ وآياتها يزيدُ في إيمانِ المسلمِ باليوم الآخرِ، وما يتعلقُ به من أخبارٍ وغيبياتٍ، ويُسهِمُ في إيقاظِ القلوبِ من غفلتها، فإذا استيقظت القلوب وازدادَ الإيمانُ، ازدادَ المسلمُ حِرصًا على الأعمال الصالحةِ، وبُعدًا عن الأعمالِ السيئة، وفي المقابلِ فإنَّ البعدَ عن مُدارسةِ أشراطِ الساعة وآياتها، يمُد في الأمل، ويُضعِفُ الإيمان، ويُقلِلُ من مكانة الساعةِ وخطورتها في القلب، ويُزهِدُ في التزودِ من الأعمالِ الصالحةِ، ولا سيما في هذا العصرِ الذي كثُرت فيه الملهيات ومُسببات الغفلة، فما أعظمَها من نصيحةٍ، وما أشفقهُ من ناصح صلوات الله، ومن الفوائد العظيمة لدراسة أشراط الساعة أنَّ وقوعَ الأحداثِ وفقَ ما أخبرَ به الصادِقُ المصدوق صلى الله عليه وسلم يعتبرُ من أقوى مثبتاتِ الإيمانِ في القلوب، ومن أكبرِ أسبابِ زيادةِ اليقينِ بصدق ما أخبرَ به سيدُ المرسلين، وأنَّ العاقبةَ ستكونُ للمتقين، وأنَّ الخزيَ والبوارَ سيحِيقُ بالظالمين والمكذبين، ومن أعظمِ فوائدِ تعلُّم أشراطِ الساعة، معرفةُ التَّصرفِ الصحيحِ عندَ وقوعها، كعدم الأخذِ من جبلِ الذَّهبِ، والهروبِ من الدجال وعدمِ إتيانه، ومعرفةُ الصفةِ الصحيحةِ للمهدي، وعلامةِ خروجه، إلى غير ذلك من التوجيهات والوصايا المهمَّة التي أرشدَ إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم للسلامة من الفتن، والثَّباتِ على الحق، ومن الفوائد الجميلة بيانُ شموليةِ الإسلامِ لكل مناحي الحياة، وصلاحيتهِ المطلقةِ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، وأنَّ فيه بيانًا شافيًا لكل ما يحتاجهُ الناسُ من أمور دينِهم ودنياهم في كلِّ زمانٍ ومكان، ومن الفوائد كذلك: إشباعُ فضولِ الإنسانِ نحو معرفةِ أحداثِ المستقبل، وما غُيِّبَ عنه، فالإنسانُ مفطورٌ على ذلك، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "العلم بما سيكون وما سيحدث في المستقبل، علمٌ حلو عند النفس، فلا أحد إلا وهو يتمنى أن يعلم الغيب، ويطلع عليه، ويُدرك ما سوف يكون في غدٍ"؛ انتهى كلامه رحمه الله، وعلم أشراط الساعة وآياتها، من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وقد بيَّن الله بعضه للنبي صلى الله عليه وسلم، فبيَّنه لنا كأننا نراه رأي العين، فالحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ويا بن آدم عش ما شئتَ فإنك ميت، وأحبِب مَن شئت فإنك مفارقه، واعمَل ما شئت فإنك مَجزي به، البر لا يَبلى والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان، اللهم صلِّ...

 

 

 
شبكة الالوكة
 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×