اذهبي الى المحتوى
أسماء [[ أم نضال ]]

:::.. من تأليفي ..::: الروح الفلسطينية الحرّة :::

المشاركات التي تم ترشيحها

e036081c51.gif

 

 

 

أبتدئ أول قصة من سلسلة ( حكايا من فلسطين ) بهاته القصة المتواضعة .. التي ألفتها وأملي الوحيد أن أكون قد استطعت إيصال معاناة الشعب الفلسطيني الحرّ .. وأنال بها العمل رضى الله عز وجل ..

 

- - أترككم مع القصة في انتظار القصة الثانية من السلسلة - -

 

::: الروح الفلسطينية الحرّة :::

 

 

 

سارت هند ذات الأربعة عشر سنة مع خالها متشبثة بيده .. سارت ومازالت الأحداث راسخة في ذهنها عندما هاجم الصهاينة خيمتهم ونظرات الحقد تعودت الظهور على ملامحهم، وعندما بادر قائد الدورية بسؤال أمها التي كانت تئن من المرض الذي حل بها من الظروف المعيشية القاهرة في المخيم عن مكان زوجها فأجابته الأم منزعجة: ((لم نره منذ شهور ..)) فقال القائد: ((كيف لم تريه وقد جاءنا نبأ بأنه زاركم الليلة الماضية ؟ تكلمي وإلا لن تري ابنتك)) أمسكت الأم بـهند مذعورة ثم قالت: ((لقد أخبرتك أنني لم أره .. ماذا تريد منا؟)) غضب القائد فضربها بكعب بندقيته على رأسها فلم يتحمل جسمها الواهن تلك الضربة القوية فسقطت من فورها شهيدة وابنتها الوحيدة تشاهدها تحتضر أمام عينيها ...

 

بقيت هند وحيدة تبكي على أمها ساعات طوال حتى لمحت من الأفق البعيد خيال أحدهم يتقدم نحوها فإذا به خالها محمود وهو يتوكأ على عصاه، وفور وصوله علم بخبر استشهاد أخته فمسح دموع هند التي كانت تهطل كالمطر الغزير على خديها اللذان غطاهما السواد وهدَّأها قائلا: ((لا تبكي يا ابنتي، فأمك في الجنة إن شاء الله)) ثم غادرا القرية والحزن يملأ قلبيهما ...

 

قطع الخال محمود أفكار هند سائلا إياها: ((هل تعبت يا هند ؟ سنستريح هناك لتناول الخبز الذي صنعته زوجتي زينب)) وعندما وصلا إلى شجرة زيتون باسقة عديمة الثمار جلسا تحت ضلالها، وأخذت هند تتناول رغيف الخبز وشعرها الأسود المتموج يلامس وجهها الذي لا تكاد ترى فيه ابتسامة فتاة مقبلة على الحياة وإنما عينان غائرتان غلب عليهما الحزن وبشرة بيضاء لولا أن الكفاف أخفى بياضها .. وهي على تلك الحال عادت بذكرياتها التي كانت قد قضتها مع أسرتها، تذكرت عندما كانت ترجع من الكُتاب وتجد أمها قد أتمت طهو الطعام الذي لم ولن تنسى مذاقه، وعندما تجتمع وأسرتها حول المائدة وتقدم لها أمها كسرة الخبز اللذيذة مع القليل من الحساء الساخن في طبق صغير من الطين، وتذكرت أيضا عندما كانت تحفظ القرآن على معلمها العجوز في الكتاب مع أصدقائها، وعندما كانت الدوريات الإسرائيلية تأتي إلى مخيمهم ويعتدون على كُتباهم ويكسرون كل ما فيه من ألواح القرآن، فتجري إلى أمها وترتمي بحضنها باكية وأمها تربت بيدها الحنون عليها وتقول: ((لا تبكي يا عزيزتي، سيضحك عليك اليهود لما يرون دموعك .. لا تبكي ولا تيأسي وكوني قوية، فبإذن الله النصر من حليفنا)) كانت هذه الكلمات لا ترافق شفتي أمها حتى استشهدت فلم تعد تسمعها هند بعد ذلك من أحد .. وفي تلك الأثناء كان خالها يستعد لمواصلة السير وهو ينظر إليها ويقول في قرارة نفسه: ((إنها لصغيرة حقا على تحمل قسوة الحياة التي تمرّ بها)) ثم وقفت هند وتابعت المسيرة مع خالها وسط الدروب الوعرة ...

 

ومع غروب الشمس وصلا إلى القرية التي يقطن بها خالها وزوجته زينب، دخل الخال محمود إلى منزله فاستقبلته زوجته مرحبة: ((حمدا لله على سلامتك، من معك .. هند؟ .. كيف حالك وأين والدتك؟)) نظرت هند بعينين حزينتين تملأهما دموع الأسى والحزن وقالت: ((لقد استشهدت أمّي يا خالتي ..)) بكت زينب بحرارة واحتضنت هند ثم أدخلتها وأطعمتها وأخذتها لغرفتها لتستريح من عناء الطريق ...

 

وفي اليوم التالي وبعد أن استيقظت هند وجدت بجانبها منديلا أبيضا طرز فيه اسمها واسم أمها فتعجبت وسألت خالها: ((هذا منديل أمي الذي كان مع أبي، من الذي أحضره؟)) فأجابها خالها بروية: ((لقد كان أبوك هنا البارحة وترك لك هذه الذكرى وهو يسلم عليك، لم يشأ أن يوقظك لأنك كنت مرهقة كثيرا)) أمسكت هند بالمنديل وتمعنت فيه بعينين غائرتين ثم قالت: ((يا خال، هل بإمكانك أن تأخذني حيث والدي؟)) نظر إليها خالها فرأى نظرات جدّيّة بعينيها فقال لها: ((ما زلت صغيرة على ذلك يا عزيزتي، والطبيعة بالجبال قاسية عليك)) طأطأت هند رأسها بحزن وأخذت المنديل وخرجت إلى عتبة باب البيت فرأت المناظر التي غيرها الإحتلال .. رأت المنازل التي آلت إلى ركام والخيم والأكواخ منتشرة هنا وهناك، وأطفال القرية يلعبون بثياب رثة لا تكاد تغطي أجسادهم الهزيلة، ولاحظت أن القرية تكاد تخلو من الشباب .. أين هم؟ .. إمّا أنهم استشهدوا أو التحقوا بصفوف الجهاد، ففكرت هند مليًّا وأخذت تحدث نفسها: ((يا إلهي .. إلى متى سنبقى على هذه الحال ؟ أهكذا ستستمر بنا الحياة ؟ إلى متى تبقى شعوبنا متفرقة لا تسمع نداء قدساه ؟ لا يجب أن تكون أمة حبيب الله هكذا .. يجب أن نفعل شيئا لننصر ديننا ونحمي أرضنا وعرضنا ..)) وفي تلك الأثناء قطع خالها محمود حبل أفكارها قائلا: ((فيما تفكرين يا هند ؟ ما هذا الأمر المهم الذي يشغل بالك ؟ حدثيني بالأمر يا عزيزتي)) ارتسمت على وجه هند ابتسامة تحمل وراءها معاناتها ثم أجابت خالها: ((لقد كنت أسأل نفسي، كيف لنا نحن المسلمين أن نرضى بهذه العيشة المذلة ؟ إننا تحت عصمة الإستعمار يُرَحِّلنا حيث يشاء ويفعل بنا ما يشاء .. ألا ينقل التلفاز ما يكفي من معاناتنا إلى العالم ؟ ماذا يريدون بعد .. الصهاينة وهم يقتلوننا عبير المباشر وشاهدونا .. التعذيب والتنكيل عبر المباشر أيضا وشاهدونا .. ماذا ينتظرون منا ؟)) اقترب منها خالها وجلس بجانبها وقال: ((الكل يعلم ذلك يا عزيزتي، لكن ما عسانا نفعل هنا ؟)) وقفت هند ونظرت لعيني خالها بثقة وقالت: ((نصعد إلى الجبال ونجاهد في سبيل وطننا، انظر إلى القرية كيف صارت وكيف اختفى الشباب)) شعر الخال محمود بالفخر من كلام هند وقال لها مبتسما: ((الجهاد هو الأمر الذي كنت أنوي فعله عندما كنت بعمرك، فقد كنت أريد الصعود إلى الجبل وحمل البندقية وأن أستنشق رائحة البارود مع أبي وإخوتي المجاهدين)) استغربت هند كلام خالها وسألته: ((وما الذي منعك من ذلك يا خالي؟)) فرفع الخال رأسه وأجابها: ((المسؤولية .. فلم يرفض والدي فكرة جهادي معه إلا خوفا على المصير الذي ستؤول إليه عائلتنا، لقد كنت أكبر إخوتي وسأصبح المسؤول بعد رحيل والدي إلى الجهاد، وقد أصبحت كذلك، وهذا ما منعني من القتال، هل فهمت يا بنيتي؟)) أومأت هند برأسها أن نعم ثم صمتت برهة وقالت بعدها: ((وهل مازالت بندقية جدي معك يا خالي؟)) ارتاب الخال من سؤالها وراوده الشك بأنها ستهرب لتبحث عن أبيها فقال لها بعد مدة: ((بلى إنها معلقة على حائط غرفتي، لكن لماذا تسألين ؟)) وقبل أن تجيب هند فوجئت بدورية عسكرية إسرائيلية قادمة نحو منزل خالها .. نزل الجنود وأحاطوا بالمكان ثم تقدم قائدهم ووقف أمام الخال محمود وقال: ((مرحبا يا محمود، من هذه الفتاة الجميلة؟)) ونظر إلى هند نظرة خبيثة ثم مد يده إلى وجهها لكن الخال أمسكه بقوة وقال له: ((إنها ضيفة يا إلياهو، وأنت تعلم من تكون)) وبدى كأنهما يعرفان بعضهما منذ زمن، عندما رأى الجنود ذلك صوبوا أسلحتهم نحو الخال محمود الذي لم يبالي بهم، فنظر إليه القائد ببرودة أعصاب وابتسامته الخبيثة لم تفارق ملامحه وقال لـهند: ((طبعا أعرفها، فهي ابنة سعيد الإرهابي)) غضبت هند وصاحت بوجهه: ((اخرس ولا تتكلم عن أبي بهذه الألفاظ أيها النجس)) ضحك القائد ثم قال لها: ((أتعلمين أنه لديك نفس النظرة والنبرة التي لدى أبوك؟ إنك تشبهينه تماما .. عَرَب حمقى ..)) لم تتحمل هند المزيد من الكلام المقرف الذي يقوله القائد فتقدمت منه وصفعته بقوة وقالت له: ((اخرس، إن العرب أشرف منكم يا قطاع الطرق الأنجاس)) أطلق الجنود النار من فورهم على هند إلا أن الخال محمود ارتمى عليها وحماها فأصابته رصاصات الصهاينة في كل مكان من جسده وسقط شهيدا وهو يحاول حماية هند ...

 

هرعت هند إلى غرفة خالها بسرعة وسط إطلاق الرصاص وصراخ زينب زوجة الخال، وحملت بندقية خالها المعلقة على الحائط وذهبت إلى حيث الجنود وشرعت تطلق النار عليهم عشوائيا والدموع تنهمر من عينيها وهي تتذكر كل الشهداء الأبطال الذين فدوا بأرواحهم من أجل بلدهم فلسطين .. والجنود يبادلونها الإطلاق حتى أصيبت برصاصات العدو الغادرة لتنغرز في جسدها الصغير .. إلا أن قوة إيمانها وعشقها لفلسطينيتها لم تُسقِطا البندقية من يديها وظل إصبعها على الزناد حتى قتلت القائد وجنديين وأصابت آخرين .. ثم سقطت فوق خالها غارقة في دمائها التي اختلطت مع دمائه الطاهرة ... استشهدت هند وهي تدافع عن شرفها وبلدها كما أرادت وتمنت طوال حياتها .. استشهدت وهي تحمل البندقية التي ستلتقي بها ربها وباقي الشهداء الأبطال .. التحقت بأمها وخالها اللذان سبقاها لجنة عرضها السماوات والأرض والتي لا شقاء فيها ولا بكاء ...

 

 

أحلى سلام

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×