اذهبي الى المحتوى
أسيرة الغربة

قلبي مليء بالغل والحقد فكيف الخلاص؟!

المشاركات التي تم ترشيحها

قلبي مليء بالغل والحقد فكيف الخلاص؟!

 

 

 

 

السؤال:

 

 

أود أن أستشيركم في قول الله تعالى: "ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره

 

وقد أخبرنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن الحقد والغل في القلب يحلق

الدين ويذيب الحسنات، وبصراحة أنا أود أن أتخلص من غل في قلبي على

بعض الأشخاص، لكني لم أستطع، وأخاف كثيراً على الحسنات التي أعملها

ليلاً ونهاراً ولله الحمد. أفيدوني بارك الله فيكم.

 

 

 

الجواب:

 

 

المستشار/ د. عبد العزيز عبد الله المقبل

 

 

الحمد لله وحده، وبعد:

أخي الفاضل:

 

كم أعجبتني هذه الحساسية التي تعمر قلبك، فأنت في الوقت الذي

تعترف فيه بأن قدراً من (الغل) يحتل مساحة من قلبك تفزع (جداً) لإدراكك أنه

سيكون له تأثير على ما اجتهدت في جمعه وتحصيله من الحسنات.. ولعلك تستحضر سؤال

النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- أصحابه:

"أتدرون ما المفلس؟!".

 

وسارع الصحابة بالإجابة مشيرين إلى المصطلح العام المعروف للمفلس:

(المفلس فينا من لا درهم لـه ولا متاع).

 

ولكنهم فوجئوا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يشير إلى تعريف غير متداول لمصطلح المفلس،

ولكنه يمثل القيمة الحقيقية لـ (الإفلاس)، فيقول:

 

"إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا،

وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن

فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار"!

صحيح مسلم (2581).

 

 

إنه أمر مفزع حقاً أن يفاجأ الإنسان -الذي كان يشعر باغتباط لمحافظته على

أعمال الخير، وحرصه عليها- أن تلك الأعمال التي تعب في جمعها وتحصيلها قد

انتقلت منه إلى غيره، بل وحلَّت محلها أوزار استحق بها النار، ومن أجل ماذا

حدث هذا المصير المؤلم؟..

 

إرضاء لنزوة عاطفية، وتجاوباً مع انفعال عارض!

 

 

أخي الكريم:

إن الغل والحقد لـه آثاره النفسية السيئة على صاحبه، وتخيل

إنساناً يحمل فوق رأسه حملاً ثقيلاً أينما راح، وحيثما حل ماذا يناله من الضيق

والتعب، ولتعلم أن المنطوي على الغل أشدُّ تعباً، وأكثر إجهاداً منه!..

 

حين يعلم بنعمة أصابت صاحبه يظل إعصار الغل يدور داخله بقوة، ينسيه طموحاته،

ويشغله عن همومه وأعماله، ليظل خصمه هو (محور) اهتمامه، وكأنما هو ماثل أمامه

يثيره ويستفزه!!

 

ومن ثم فهو في عذاب دونه الكثير من العذاب، ولذا أخبر (الله -عز وجل- أنه ينقى قلوب

ساكني الجنة من الغل والحقد، وذلك أن صاحب الغل معذب به، ولا عذاب في الجنة)

[تفسير الثعالبي (2/191)].

 

أخي الكريم:

 

سيرة النبي الكريم صفحة مشرقة للفضائل، ولو رحت تلتمس موقفه – صلى

الله عليه وسلم– ممن آذاه لرأيت عجباً، فهو –صلى الله عليه وسلم– يكاد يقتل

نفسه من الغم حين يرى إعراضهم عن الهدى والحق، رغم خلو ساحته من المسؤولية

بالتبليغ، حتى أشفق عليه ربه –عز وجل– فقال:

"فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" [فاطر:8]

 

وحين نصره الله عليهم، بعد حروب طويلة، حرصوا في كل واحدة منها على قتله،

نراهم –كما ورد في السيرة، وليس له إسناد ثابت- يقفون بِذِلَّةٍ بين يديه، وهو يسألهم:

"ما تظنون أني فاعل بكم؟"، ولأنهم يدركون تأصّل التسامح في قلبه، وتجرده من حظوظ نفسه

لمبدئه ودينه، قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم!!

 

فقال – صلى الله عليه وسلم -:

" أقول كما قال أخي يوسف: "لا تثريب عليكم اليوم"، اذهبوا فأنتم الطلقاء!! ".

 

وحين نتأمل في كلمة: (لا تثريب عليكم) نجدها اختيرت بعناية، لتتناسب مع النفس

الكريمة الكبيرة، فهي تحمل معاني تدور حول:

 

(أي لا تأنيب عليكم، ولا عتب عليكم اليوم، ولا أعيد عليكم ذنبكم في حقي بعد اليوم)

[تفسير ابن كثير (2/642)]!!

 

 

إنه طيٌّ كامل لصفحة، وفتح لصفحة أخرى جديدة، إنه وعد بنسيان (تام) لكل ما جرى

من أمور (سلبية) تشعرهم بمجرد (الخجل) منه!..

 

وصفحة حياته العطرة – صلى الله عليه وسلم – مليئة بسطور العفو والصفح، خاصة وقد أكد

هذا المعنى عنده ربه -عز وجل- في وصيته لـه: (فاصفح الصفح الجميل) [الحجر:85]، أي:

(فأعرضْ عنهم إعراضا جميلا، ولا تعجل عليهم، وعاملهم معاملة الصفوح الحليم)

[فتح القدير للشوكاني(3/201)].

 

والصفح الجميل: (هو – كما قال عليٌّ وابن عباس - رضي الله عنهما-: الرضا بغيرعتاب)

[الدر المنثور في التفسير بالمأثور (5/94)].

 

أخي الكريم:

 

لعل من الوسائل العملية التي يمكن أن تساعد في التخلص من الغل والحقد ما يلي:

 

(1) أهمية استشعار أن الإنسان لا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يحب لأخيه ما يحب

لنفسه ، كما أخبر بذلك المصطفى – صلى الله عليه وسلم-: (ولا يتم ذلك إلا بترك

الحسد والغل والحقد والغش وكلها خصال مذمومة) [فتح الباري (1/58].

 

 

(2) استشعار الإنسان أن تخلصه من الغل والحقد يمنحه راحة نفسية كبيرة؛ عاجلة

وآجلة، (وقد أثنى الله تعالى على خليله إبراهيم - عليه السلام - بسلامة القلب،

فقال: (وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم)، وقال -حاكياً عنه- أنه

قال: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم

 

والقلب السليم هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرياسة،

فسلم من كل آفة تبعده من الله، وسلم من كل شبهة تعارض خبره، ومن كل شهوة تعارض أمره،

وسلم من كل إرادة تزاحم مراده، وسلم من كل قاطع يقطعه عن الله. فهذا القلب السليم في جنة

معجلة في الدنيا وفي جنة في البرزخ وفي جنة يوم المعاد)

[الجواب الكافي (84)].

 

 

(3) إن المسلم ينبغي له أن يتسامى عن الأخلاق الدنيئة، وعلى رأسها الغل

والحقد، وأن يغلب عليه العفو والصفح، وقد أدَّب الله عز وجل رسوله –صلى الله

عليه وسلم- بقوله: "ولا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ

عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" [فصلت : 34]

 

(قال ابن عباس: أمره الله تعالى في هذا الآية بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند

الإساءة، فإذا فعل الناس ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم)

[الجامع لأحكام القرآن (15/314)].

 

وذلك الأمر ليس سهلاً أو يسيراً، فهو يحتاج إلى صدق ومجاهدة، ولذا جاء بعد الآية السابقة

قوله تعالى: (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)

[فصلت:35]

 

أي وما يلقى (هذه الفعلة الكريمة والخصلة الشريفة "إلا الذين صبروا" بكظم الغيظ واحتمال

الأذى، "وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" أي نصيب وافر من الخير . قاله ابن عباس)

[الجامع لأحكام القرآن (15/316)].

 

وقد دعا النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه للتسامي والترفع، ابتغاء ما عند

الله، فقال لهم: "ألا أدلكم على مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة؟"

 

قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن

ظلمك" أخرجه أحمد (17334) والبيهقي في الشعب (8080)، وأصله في

صحيح مسلم (814).

 

وقد ضرب أبو بكر –رضي الله عنه– نموذجاً رائعاً في العفو والصفح، فقد شقَّ

عليه ما رُميتْ به ابنته عائشة أم المؤمنين –رضي الله عنها– من الإفك، وشقَّ

عليه أكثر أن يكون ممن خاض في الإفك مسطح بن أثاثة –رضي الله عنه- وكان أبو

بكر -رضي الله عنه-ينفق عليه لقرابته منه وحاجته.

 

فلما نزلت الآيات ببراءة عائشة –رضي الله عنها- قال أبو بكر –رضي الله عنه- والله

لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً، ولا أنفعه بنفع أبداً بعد الذي قال لعائشة ما قال، وأدخل عليها

ما أدخل، فأنزل الله في ذلك: "ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين

والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم"

[النور:22]

 

فقال أبو بكر –رضي الله عنه-والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق

عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً [تفسير الطبري (9/288)].

 

 

وما أجمل تلك المشاعر التي حملتها تلك الأبيات:

 

إني شَكوتُ لِظالِمي ظُلمي ... وَغَفَرتُ ذاكَ لَهُ عَلى عِلمِ

رَأَيتُهُ أَسدى إِلي يَداً ... لَما أَبانَ بِجَهلِهِ حِلمي

رَجَعت إِساءَته عَلَيه وَإِحساني ... فَآَب مُضاعَفا تَجرُمي

وَغَدوتُ ذا أَجرٍ وَمحمَدَةٍ ... وَغدا بِكَسب الذَمِ وَالإِثمِ

مازالَ يَظلِمُني وَأَرحَمَهُ ... حَتى بَكيت لَهُ مِنَ الظُلمِ

 

 

(4) التحلي بالصفات التي يغلب على الظن أنها تسهم بقوة في إزالة الغل والحقد،

ومن ذلك ما ما رُوي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم :

 

"تصافحوا يذهب عنكم الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء"

[قال ابن عبد البر في التمهيد (21/11): وهذا يتصل من وجوه شتى، حسان كلها].

ورُوي عنه -صلى الله عليه وسلم-:

 

"تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر". أخرجه الترمذي (2130).

 

 

(5) استشعار أثر الإحن والضغائن في حجب المغفرة عن المسلم، فقد روى أبو هريرة

-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:

"تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئًا، إلا

رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين

حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلح"

أخرجه مسلم (2565).

 

هذا بعض ما يساعد في التخلص من الغل والحقد، ويدفع إلى (تنظيف) القلب منهما.

أسأل الله أن يمنّ عليك بالهداية والثبات، ويعينك على التخلص من كل ما ينقص

إيمانك، أو يحبط أعمالك.

 

 

 

 

المصدر:

موقع الاسلام اليوم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

اخزاتى ما اجمل هذه الاية واجمل هذا الدعاء

الذى بسببه وبكثرة دعائى به الحمد لله وبفضل الله وصلت الى مرحلة نسيان المخطئين فى حقى ولا احمل لاى انسان ضغينة او حقد

بعد ما كانت اى كلمة تضايقنى

 

وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } الحشر:10

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } الحشر:10

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

 

الحبيبات ..

 

أم منونة

الوجه الآخر

أميرة القطب

رقية المصرية

ايا نفس اصبرى فالموعد الجنة

 

بــوركتن أخواتي, جزاكن الله خيـرآ

اسأل الله عـز وجل أن ينزع الغلّ والحقد من قلوبنا وأن يُودِع فيها كلّ حبٍ وطمأنينة

اللهم آميــن.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكِ الله الجنه

 

حقاً يستحق الرفع

 

رفع الله قدركــِ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكِ الله خيرا اختى الحبيبة أسيرة الغربة

وأضيف إلى كلام حضرتك كلا قرأته من فترة كبيرة يحمل معنى أن الأنسان إذا غضب من شخص ما فيجد أن قلبه سرعان يمتلىء بالغل والحقد من هذا الشخص ويتذكر منه كل افعاله الماضية مما يزيد الأمر عندئذٍ فماذا يفعل؟ فليدعو له قدر المستطاع

يعنى مثلا يحدث هذا معى إن ضايقتنى صديقة لى بموقف معين وبعدها أتذكر كم مرة فعلت معى مواقف شبهية فأتدارك نفسى مسرعة وأدعو لها بإخلاص شديد

والحمد لله أصبحت هذه طبيبعيتى لو احد ضايقنى لن يحصد منى سواء الدعاء

 

اللهم طهر قلوبنا جميعا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزيت كل خير على هذا النقل القيم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكى الله وجزاكم الله جميها كل خير على هذا الموضوه القيم والمهم

 

اختى همس النسمة حبيبتى مالك ليه بس قلبك مليان غل منهم ليه

حاولى تقرى كلام اخواتنا وادعى كتير وان شاء الله ترتاحى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×