رمضان وتربية الأولاد 1/2
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن رمضان شهر التربية، وشهر المحاسبة، وشهر المراجعة.
فالمؤمن يربي نفسه في رمضان، ويربي من تحته على الفضائل، ويحاسب نفسه، ويراجع حاله مع ربه، ومع الأمانات التي ائتمنه الله عليها.
وإن من أهم المهمات، وأوجب الواجبات على المؤمن؛ رعايته لأولاده، وتربيته لهم.
وهذا الشهر الكريم فرصة مباركة، لكي يقف الإنسان مع نفسه، وينظر في حاله مع أولاده، فإن كان محسناً حمد الله، وزاد إحساناً، وإن كان مقصراً نـزع عن تقصير وتدارك ما فات.
والحديث في هذه الحلقة سيكون حول تربية الأولاد، ومظاهر التقصير فيها، والسبل المعينة على تربيتهم.
أيها المسلمون الكرام!
الأولاد أمانة في أعناق الوالدين، والوالدان مسئولان عن تلك الأمانة.
قال الله -سبحانه و تعالى- : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء: من الآية58).
وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6)
وقال النبي –صلى الله عليه وسلم- : ( كلكم راع ومسئول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته) رواه البخاري.
وقال: ( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة )متفق عليه.
فالبيت هو المدرسة الأولى للأولاد، فالولد قبل أن تربيه المدرسة أو المجتمع ؛ يربيه البيت والأسرة.
وهو مدين لأبويه في سلوكه الاجتماعي المستقيم، كما أن أبويه مسؤولان إلى حد كبير عن انحرافه الخُلقي.
قال ابن القيم رحمه الله: (وكم ممن أشقى ولده، وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهمال، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة،وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قِبل الآباء) اهـ.
أيها المسلمون الكرام!
التقصير في تربية الأولاد يأخذ صوراً شتى، ومظاهر عديدة؛ تتسبب في انحراف الأولاد وغيرهم. وإذا تأملت تلك الأنماط الخاطئة في التربية، رأيتها تدور ما بين إفراط وتفريط.
فمن الأخطاء في تربية الأولاد:
تنشئهم على الجبن والهلع والخوف والفزع، فذلك يلاحظ على كثير من الناس، فتجدهم يخوفون أولادهم إذا بكـوا أو أزعجـوا؛ ليسكتـوا، ويهدأوا. فتجد بعض الناس يخوفهم بالغول، أو الحرامي، أو العفريت، أو صوت الريح أو نحو ذلك. وبعض الناس يخوفهم بالأستاذ، أو الطبيب أو المدرسة, وإذا جرح الولد أو أصيب بأي مصيبة أخذت الأم تولول، وتلطم وجهها، وتضرب صدرها وهكذا ينشأ الولد جباناً رعديداً يفرق من ظله، ويخاف مما لا يخاف منه.
ومن الخطأ في التربية –أيضاً:
تربية الأولاد على التهور، وسلاطة اللسان، والتطاول على الآخرين، وتسمية ذلك شجاعة، وهذا نقيض الأول، والحق إنما هو في التوسط.
ومن الخطأ في التربية:
تربية الأولاد على الميوعة، والفوضى، وتعويدهم على البذخ، والترف، والإغراق في النعيم، وبسط اليد لهم، وإعطائهم ما يريدون.
فمثل هذه التربية تفسد فطرتهم، وتقضي على استقامتهم، ومروءتهم، وشجاعتهم.
وفي مقابل ذلك نجد من الوالدين من يأخذ أولاده بالشدة المتناهية، فتاره يقسو عليهم أكثر من اللازم، فيضربهم ضرباً مبرحاً إذا أخطأ ولو  للمرة الأولى، ويبالغ في توبيخهم عند كل صغيرة وكبيرة، ويحرمهم من العطف والشفقة والحنان، ويقتر عليهم في النفقة؛ فلا ينفق عليهم إلا بشق الأنفس.
وهذا النمط من التربية يفسد الأولاد، ويقضي على إنسانيتهم، ويقودهم إلى البحث عن المال أو العطف خارج المنـزل إما: بالسرقة، أو بسؤال الناس، أو الارتماء في أحضان رفقة السوء.
ومن الأخطاء في التربية:
أن يقتصر اهتمام بعض الوالدين على المظاهر فحسب، فيرى أن التربية مقتصرة على توفير الطعام الطيب، والشراب الهنيء، والكسوة الفخمة، والدراسة المتفوقة، ولا يدخل عندهم تنشئة الأولاد؛ على التدين الصادق، والخلق الكريم.
ومن الأخطاء في التربية:
المبالغة في إحسان الظن بالأولاد، فتجد من الوالدين مَن لا يتفقد أولاده، ولا يعرف عن أحوالهم، ولا أصحابهم شيئاً، وتراه لا يقبل بهم عذلاً، ولا عدلاً، ولا صرفاً وذلك لفرط ثقته بأولاده. بل ربما دافع عنهم إذا شكاهم أحد إليه.
وفي مقابل ذلك، تجد من يبالغ في إساءة الظن بأولاده فتراه، يتهم نياتهم، ولا يثق بهم البتة، ويشعرهم بأنه وراءهم في كل صغيرة وكبيرة، دون أن يتغاضى عن شيء من هفواتهم أو زلاتهم.
ومن مظاهر الخطأ في تربية الأولاد:
التفريق بينهم، سواء كان ذلك مادياً، أو معنوياً؛ فهناك من يُفِّرق بين أولاده في العطايا، والهدايا، والهبات. وهناك من يفرق بينهم بالملاطفة والمزاح والمحبة، إلى غير ذلك من صور التفريق، التي تسبب شيوع البغضاء، وتبعث على النفور والتنافر.
ومن مظاهر الخطأ في تربية الأولاد:
ترك المبادرة في تزويج الأبناء، مع الحاجة والقدرة، وتأخير تزويج البنات، والمتاجرة بهن، وتزويجهن بغير الأكْفَاء.
وهذا من إضاعة الأمانة، والتسبب في شقاء الأولاد.
ومن مظاهر التقصير في حق الأولاد:
تسميتهم بأسماءٍ سيئة، أو مخالفة، فمن الناس من لا يأبه بذلك، ومنهم من يسمي ولده بالاسم القبيح؛ بحجة أن جده فلاناً، أو جدته فلانة تسموا بهذا الاسم، فهو يرى أن من البر، أن يسمي بأسمائهم، ولو كانت غير مناسبة.
ومن الأخطاء التي تقع في تسمية المواليد تسميتهم بالأسماء الممنوعة شرعاً؛ كتسميتهم بأسماء الله المختصة به مثل: أن يسمي الولد بالأحد، أو الله، أو الرحمن، أو الخالق.
ومن ذلك تسميتهم بالأسماء المعبدة لغير الله مثل: عبد النبي، أو عبد علي، أو عبد الحسين.
وكذلك تسميتهم بالأسماء الأجنبية، الخاصة باليهود والنصارى؛ لأن هذا يجر ولو على المدى البعيد إلى موالاتهم.
ومن الخطأ في التسمية، تسميتهم بأسماء الجبابرة، والطواغيت. وتسميتهم بالأسماء التي يظن أنها من أسماء الله كالتسمية بـ (عبد المقصود، وعبد الموجود، وعبد الستار ).
ومن ذلك تسميتهم بالأسماء المكروهة أدباً وذوقاً، كالأسماء التي تحمل في ألفاظها تشاؤماً أو معاني تكرها النفوس.
ومن ذلك تسميتهم بالأسماء التي تسبب الضحك والسخرية، أو التي توحي بالتمتع، والغرام، وخدش الحياء.
أيها المسلمون الكرام!
ومن صور التقصير في تربية الأولاد:
مكث الوالد طويلاً خارج المنـزل؛ خصوصاً إذا كان ذلك لغير حاجة؛ فهذا يعرض الأولاد للفتن، والمصائب، والانحراف، ويحرم الأولاد من النفقة والرعاية.
ومن الخطأ في تربية الأولاد:
الدعاء عليهم، قال النبي –صلى الله عليه وسلم- (لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاءً؛ فيستجيب لكم) رواه مسلم.
ومن مظاهر الخطأ في تربية الأولاد:
تربيتهم على سفاسف الأمور، وسيئ العبارات، ومرذول الأخلاق؛ ومن ذلك: فعل المنكرات أمام الأولاد، وجلب المنارات لهم في المنـزل، والعهد للخادمات والمربيات بتربية الأولاد؛ خصوصاً إذا كن غير مسلمات.
ومما يتسبب في ضياع الأولاد وانحرافهم:
  • كثرة المشكلات بين الوالدين.
  • ترك البنات يذهبن للسوق بلا محرم.
  • إهمال الهاتف وترك مراقبته.
  • الغفلة عما يقرؤه الأولاد.
  • قلة الاهتمام باختيار مدارس الأولاد.
  • قلة التعاون مع مدارسهم أو انعدامه بالكلية.
ومن الخطأ في تربية الأولاد:
احتقارهم، وترك تشجيعهم، فبعض الناس يسخر كثيراً بأولاده، ويشنع عليهم إذا أخطأوا، ويسكتهم إذا تكلموا ؛ مما يجعل الولد عديم الثقة بنفسه، وأشـد صور السخرية، أن يسخر بالولد إذا استقام على طاعة، فتجد من الآباء من يسخر بابنه إذا رآه مستقيما مطبقاً للسنة مقبلاً على العلم، فهذه السخرية قد تسبب انحراف الولد، فيكون عالة على والده، وسبباً لجر البلايا إليه، وما علم ذلك الوالد أنه هو الرابح الأول من صلاح ابنه في الدنيا والآخرة.
ومن الخطأ في التربية قلة العناية بتربية الأولاد على تحمل المسؤولية، وعدم إعطائهم فرصة للتصحيح والتغيير للأفضل.
وهكذا ينشأ الولد وهو يشعر بالنقص، وقلة الثقة بالنفس.
هذه بعض مظاهر التقصير في تربية الأولاد.
فماذا نؤمل بعد هذا الإهمال؟!! وماذا سنحصد من جرّاء هذا التقصير؟!!
ومن هنا نعلم أي جناية نجنيها علي الأولاد حين تقذف بهم إلى معترك الحياة في جو، هذه التربية الخاطئة!
ثم ما أسرعنا إلى الشكوى إذا رأيناهم عاقين متمردين، ونحن قد غرسنا بأيدينا بذور الانحراف!
أيها المسلمون الكرام!
للحديث بقية -إن شاء الله– حيث سيكون حول السبل المعينة على تربية الأولاد.
والسلام عليكم ورحمة اله وبركاته.
 
 
[الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد]
www.Islamtoday.net




أتى هذا المقال من أخوات طريق الإسلام
http://akhawat.islamway.com

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://akhawat.islamway.com/modules.php?name=Sections&op=viewarticle&artid=100