النفحة الرمضانية
انبثق رمضـــــان

الحمد لله الذي جعل شهر رمضان من أفضل شهور العام، ومنَّ علينا بإدراك شهر الصيام والقيام، وفضَّل أيامه على سائر الأيام، وعمَّر نهاره بالصيام، ونوَّر ليله بالقيام. والصلاة والسلام على أفضل من صلى وصام، وأتقى من تهجد وقام، وعلى آله وصحبه صلاة دائمة تتعاقب بتعاقب الضياء والظلام. أما بعـــــد:- 
   
    فإن عظم رمضان وجماله وبنهاء الشهر العظيم وروعته، بدا ظاهراً جليّا فيما يلتزمه المسلمون في شهرهم هذا من مظاهر الطاعة في كل اتجاهاتها، طاعة فيها كل معاني السمو الروحي التي تكبح جماح النفس عن نزواتها وتحد من هفواتها وشطحاتها- تتغلب فيه الروح على  البدن والجسد- وتكون النفس المؤمنة أكثر استعداداً لقبول نفحات خالقها جل وعــــلا.
أخرج ابن أبي الدنيا والطبراني وغيرهما بسند فيه نظر من حديث أنس مرفوعاً: "اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم ويأمن روعاتكم"
نعم إن لله تعالى في أيام الدهر نفحات... هذه النفحات تبعث في نفس المسلم همّة عظيمة لاغتنام الأجر واقتناص الخير... وإلا فيما نفسر إقبال الناس في مواسم الخير والخيرات كرمضان وغيره؟
قال ابن رجب رحمه الله تعالى بعد أن ساق الحديث السابق: "والسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرّب إلى مولاه بما  فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات".
 
أيها الاخوة والأخوات في الله:
إن أول نفحة إيمانية نتحدث عنها هي نفحة الصيام التي يقول المولى جل ذكره عنها: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) إن الله عز وجل شرع الصوم إيقاظاً للروح، وتصحيحاً للجسد، وتقوية للإرادة، وتعويداً على الصبر، وتعريفاً بالنعمة وتربية لمشاعر الرحمة وتدريباً على كمال التسليم لله رب العالمين... فالصوم مرتبط بالإيمان الحق بالله جل وعلا... والصوم يربي العبد على التطلع إلى الدار الآخرة حيث يتخلى عن بعض الأمور الدنيوية تطلعاًً إلى ما عند الله تعالى من الأجر والثواب، لأن مقياسه بالذي يقيس به  الربح والخسارة مقياس آخروي، فهو يترك الأكل والشرب والملذات في نهار رمضان انتظاراً للجزاء الحسن يوم القيامة، وفي ذلك توطين لقلب الصائم على الإيمان بالآخرة والتلق بها. وفي الصيام تحقيق للاستسلام والعبودية لله عز وجل...
 
فيأكل المسلم في الليل، فإذا بدا له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر أمسك عن كل شيء يفطر... ثم إذا جاء المغرب جلس على المائدة ينتظر الإذن بالأكل والفطر... فإذا انطلق الأذان (الله أكبر) مدّّّ يده إلى السفرة مسمياً الله تعالى... داعياً ربه أن يتقبل صيامه.
هذه التربية للفرد، وللمجتمع أيضاً حيث يحس أفراده بالتلاحم فتسهل عليهم العبادة... بخلاف صيام النفل مثلاً، فإن الصائم لا يجد تلاحماً معه كالفريضة.
 
هذا رمضان شهر الخيرات والنفحات... كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يكثر في هذا الشهر من العبادة، حتى إنه ريما واصل الصيام يومين أو ثلاثة، تفرغاً للعبادة. ولما واصل أصحابه نهارهم، قال: " إني لست كهيئتكم، إني يطعمني ربي ويسقيني" وكان من هدية في شهر رمضان أن يخصه بكثير العبادة والجود والعطاء... ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن،   فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة".
فرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بني آدم وكان جوده يمع أنواع الجود، من بذل العلم والمال، وبذل نفسه لله تعالى في إظهار دينه، وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم.
ولقد كان السلف رحمهم الله تعالى يستبشرون بمقدم رمضان بتجهيز أنفسهم وإصلاح بواطنهم... وليس بملء مخازن الأطعمة في بيوتهم.
باع قوم من السف جارية لهم لأحد الناس، فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات، لاستقبال رمضان كما يصنع كثير من الناس، فلما رأت الجارية ذلك منهم قالت: لمذا تصنعون ذلك؟ قالوا: لاستقبال شهر رمضان. فقالت: وأنتم لا تصومون إلا في رمضان؟! والله لقد جئت من عند قوم السنة عندهم كأنها رمضان، لا حاجة لي فيكم، ردوني إليهم.
أيها الاخوة والأخوات الكرام...
ها هو شهر الخير والبركة أقبل... فهل من مقبل تائب نادم على ما فات؟ فمن أدركه رمضان ولم يغفر له فمتى سيغفر له؟!
وها نحن نبدأ نفحات إيمانية نستعرض خلالها حال السلف رحمهم الله مع كل نفحة، علنا أن نرتسم خطاهم، وأن نسير في طريفهم.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن استقبل شهر رمضان بالخير والعافية وطلب المغفرة وأن يرزقنا صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيه عنا.
 
[فارس نت]




أتى هذا المقال من أخوات طريق الإسلام
http://akhawat.islamway.com

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://akhawat.islamway.com/modules.php?name=Sections&op=viewarticle&artid=58