معذرة يا رمضان

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فقد أمرنا الله بذلك في قوله: يٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَـأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]. يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

وبعد:

معذرة يا رمضان!!!

معذرة يا شهر الخير والعزة والبركة والانتصارات!!!
معذرة إليك إذا لم تجد عندنا ما كنت تأمل وترجو...
لقد كنت تشرق على أمة الإسلام وهي عزيزة لم تقف على الأبواب، ولم تستعطف الأعداء ولم تخضع للكافرين.
كنت تشرق عليها وإن في كل أرض منها أذاناً يعلو، ومنائر ترتفع، وشعائر يعالن بها الناس.
كنت تشرق عليها وإنها لسيدة العالم، وقائدة الدنيا.

واليوم على ماذا تشرق؟؟

على جرح فلسطين الدامي؟ أم على آلام أفغانستان؟ أم على مذبحة الإسلام في البوسنة والهرسك؟ أم على فجيعة الشاشان؟ أم  على مصيبة كشمير؟
معذرة يا رمضان لقد أطرقت رؤوسنا خجلاً، وعدت إلينا وقد غرقنا في ذلنا..

رمضان عدت وهذه أوطاننا عم الفساد بها وزاد وطالا          ضاعـــت مقاييس الفضيلة بيننا وتبدلت أحوالنا أوحالا 
وما فتئ الزمان يدور حتى مضى بالمجد قوم آخرونا           وأصبح لا يرى في الركب قومي وقد كانوا أئمته سنينا
وآلمني وآلم كـل حر سؤال الدهر أين المسلمونا؟

معذرة يا رمضان!!!

كنت تأتي قوما أعدوا العدة لاستقبالك، وفهموا سرك، وعرفوا مغزاك، فهم ينتظرونك ويترقبونك، ويتهيأون لك بالصلاة والصيام والتهيئة العبادية، كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يدركوا فضيلتك، ثم يدعونه باقي العام أن يتقبل، كانوا يقولون: اللهم سلمنا إلى رمضان، وسلم  لنا رمضان، وتسلمه منا.

لقد علم هؤلاء أنك جئت لتعلمهم كيف يترفعون عن المظاهر الحيوانية التي غاية أكلها الأكل والشرب وإشباع الغريزة، وعلموا أنك جئت لتعلمهم كيف يخرجون من شهواتهم النفسانية.

هذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يؤتى له بإفطاره وقد كان صائماً وفيه نوعان من الطعام، فيبكي! فيسأله أهله: ما يبكيــك؟ فيقول: تذكرت مصعب بن عمير مات يوم مات ولم نجد ما نكفنه به إلا بردة إذا غطينا رأسه بدت قدماه، وإذا غطينا قدميه بدا رأسه، ونحن اليوم  نأكل من هذه الأنواع، وأخشى أن تكون طيباتنا عجلت لنا!!!

واليوم يا رمضان إلى من تأتي؟

إلى قوم ما عرفوا عنك إلا أنك شهر الجوع في النهار والشبع في الليل؟ إلى قوم ما عرفوا عنك إلا أنك شهر التنويع في الأطعمة والإكثار منها؟ إلى قوم لم يكن زادهم لاستقبالك إلا طعاما وشرابا؟ وكأنك يا رمضان جئت تعلمهم فنون الطبخ، وطرائق الأكل!!!

معذرة يا رمضان!!!

كنت تطل على قوم أسهر لك ليلهم، وأظمأوا نهارهم، وأدركوا أنك موسم لا يعوض فبذلوا الغالي والنفيس.
سمعوا قول الله: أَيَّامًا مَّعْدُوداتٍ [البقرة:184]. فأرادوا ألا تضيع منهم.
كنت تنظر إليهم، وهم بين باك غلبته عبرته، وقائم غفل عن دنياه، وساجد ترك الدنيا وراء ظهره، وداع علق كل أمله في الله.

ـ سجد مرة بن شراحيل لله حتى أكل التراب جبهته. [نزهة:335].
ـ كان صفوان بن سليم يقوم من الليل حتى ترم قدماه وتظهر فيها عروق خضر. [نزهة:498].
ـ وصلى عبد الله بن الزبير في الحرم وإن حجارة المنجنيق لتتساقط بين يديه وخلفه م يشعر بها!
ـ وبكى عمر رضي الله عنه حتى صار في خديه خطان أسودان من أثر الدمع!
ـ وسمع عبد الله بن الفضيل قوله تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذّبَ بئَاياتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27]. فبكى حتى غشي عليه، ثم حمل ميتاً!

لقد صدق فيهم قول الله تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ  لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17].

واليوم على من تطل يا رمضان؟

هل تطل إلا على مساكين ليس في ليلهم إلا اللهو واللعب؟
هل تطل إلا على حمقى تركوا الصلاة وانشغلوا بهذه القنوات الفضائية؟
هل تطل إلا على كسالى غاية جهد أحدهم أن يصلي مع الإمام ثمان ركعات ثم ينصرف معجبا مزهوا وكأنه قضى حق العبادة، وفرغ من واجب الله عليه؟
هل تطل إلا على قساة القلوب، الذين يتولج القرآن سمعهم بكرة وعشية فلا تهتز له قلوبهم ولا تدمع له أعينهم؟

سامحنا يا رمضان ... لقد قست قلوبنا! تحجرت أفئدتنا! قحطت أعيننا! لم نعد نحس بحلاوة الطاعة، ولا بجمال العبادة، ولا بأنس المناجاة!!!

معذرة يا رمضان!!!

لقد كنت تفد إلى قوم تآخوا على غير أرحام بينهم، عرفوا قيمة الإخاء فلزموه، وفهموا قدره فقاموا بحقوقه وواجباته، وعرفوا قوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم)) فكانوا بحق إخوة وأحباباً.

كانوا جسداً واحداً، يرحم الكبير الصغير، ويحترم الصغير الكبير، يعيشون بالود، ويتعاملون بالحب، حياتهم صفاء، وعيشهم وفاق، لا تباغض، ولا تحاسد، ولا حقد.

يألم أحدهم لألم أخيه، ويأسى لأساه، يقضي حوائجه، ويسد خلته، ويتلمس مصالح ليقضيها.

جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنه وهو معتكف يسأله قضاء حاجة له، فقام ابن عباس ليخرج معه، فقالوا له: إنك معتكف! فقال: لأن أسعى في قضاء حاجة أخي أحب إلى من اعتكاف شهرين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واليوم يا رمضان... هل تفد إلا على قوم استبدلوا العداوة بالإخاء، والخصومة بالصفاء، ورضوا بالتباغض والشحناء؟! وكأنه لم ينته إليهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((ترفع الأعمال إلى الله كل اثنين وخميس فيغفر لمن شاء إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء فيقول: انظروا هذين حتى يصطلحا)).

هل تفد إلا على قوم ضمر فيهم حس الأخوة الإيمانية، والرابطة الربانية؟ فهم لا يشعرون بمصاب إخوانهم في شرق الأرض وغربها، ولا يهتزون للأعراض المنتهكة والأراضي المغتصبة، والحقوق المهدرة.

هل تفد إلا على مجتمع لا يكاد يعرف فيه الجار جاره، والقريب قريبه؟

معذرة يا رمضان...

هذه جراحنا... هذا واقعنا الذي نعيشه.
هكذا تبدلت الدنيا، وتغير الناس، واستحال الزمن زمنا آخر.
هكذا نحن...

فهل نجد في أيامك هذه المباركات ما يغير الحال؟
وهل تكون لنا محطة نخرج منها بوجه غير الوجه الذي دخلنا به؟

نرجو ذلك...

[خطبة من موقع المنبر]





أتى هذا المقال من أخوات طريق الإسلام
http://akhawat.islamway.com

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://akhawat.islamway.com/modules.php?name=Sections&op=viewarticle&artid=85