رمضان شهر العفة
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد.. فإن رمضان شهر العفة، وشهر شرف النفس وزكائها؛ ذلك أن الصائم يدع طعامه ، وشرابه، وشهوته لله عز وجل ويداوم على هذا الصنيع شهراً كاملاً؛ فيحصل له بذلك حبس النفس عن شهواتها، وفطامها عن مألوفاتها، وتعديل قوتها الشهوانية؛ لتستعد لطلب ما فيه سعادتها، ونعيمها، وقبول ما تزكو به في حياتها الأبدية؛ فالصيام لجام المتقين، وجنة المحاربين ، ورياضية الأبرار والمتقين.
والصيام يقوي الإرادة، ويدرب الصائم على أن يمتنع باختياره عن شهواته، ولذة حيوانيته؛ فيصل بذلك إلى حالة من نفسية بالغة السمو، ويروض نفسه رياضة عملية، على معالي الأمور، ومكارم الأخلاق.
وما أشد حاجة النفوس إلى أن تروض على خلق العفة. ومن العفة؛ ألا يكون الإنسان عبداً لشهواته ، مسترسلاً مع كافة رغباته، فالنفس طلقة لا تقف عند حد
 
ومن يطــعم النفسَ ما تشتهي     كمن يطعم النارَ جزل الحطبْ 
 

ولا يكون من وراء اتباع الشهوات إلا إذلال النفس، وموت الشرف، والضعة والتسفّل.
وإن من عجائب حكمة الله، أن جعل مع الفضيلة ثوابها من الصحة، والنشاط، وحسن الأحدوثة!
وجعل مع الرذيلة عقابها من المرض، والحِطة، وسوء السمعة.
ولو لم يأت من فضائل العفة، إلا أن يسلم الإنسان من شرور الفواحش، وينأى بنفسه عن أضرارها المتنوعة .كيف وقد قال الله –عز وجل- : (وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ) (الأنعام: من الآية151).
ولا ريب أن أعظم الفواحش؛ فاحشتا اللواط، والزنا، قال ابن القيم –رحمه الله– متحدثاً عن تلك الفاحشتين: فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين، من هاتين الفاحشتين، وهي خاصية في تبعيد القلب من الله؛ فإنهما من أعظم الخبائث، فإذا انصبغ القلب بهما بعد ممن هو طيب،  لا يصعد إليه إلا طيب، وكلما ازداد خبثاً ازداد من الله بعداً.
وقال -رحمه الله– مبيناً أضرار اللواط: (فإنه يحدث الهم، والغم، والنفرة، عن الفاعل والمفعول.
وأيضاًَ: فإنه يسوَّد الوجه، ويظلم الصدر، ويطمس نور القلب ويكسو الوجه وحشة تصير كالسيماء، يعرفها من له أول فراسة.
وأيضاً: فإنه يوجب النفرة، والتباغض الشديد، والتقاطع بين الفاعل والمفعول ولابد.
وأيضاً: فإنه يفسد حال الفاعل والمفعول، فسادً لا يكاد يرجى بعد صلاح؛ إلا أن يشاء الله بالتوبة النصوح.
وأيضاًَ: فإنه يذهب بالمحاسن منهما، ويكسوهما ضدها، كما يذهب بالمودة بينهما، ويبدلهما بها تباغضاً، وتلاعناً.
وأيضاً: فإنه من أكبر زوال النعم، وحلول النِّقم؛ فإنه يوجب اللعن، والمقت من الله ، وإعراضه عن فاعله، وعدمَ نظره إليه؛ فأي خير يرجوه بعد  هذا، وأي شرِّ يأمنه، وكيف حياة عبد حلَّت عليه لعنة الله ومقته، وأعرض عنه بوجهه، ولم ينظر إليه!!
وأيضاً: فإنه يذهب بالحياء جملة، والحياء هو حياة القلوب؛ فإن فقدها القلب استحسن القبيح، واستقبح الحسن، وحينئذٍ فقد استحكم فساده.)
إلى أن قال –رحمه الله– متحدثاً عن أضرار اللواط:
(وأيضاً: فإنه يورث من الوقاحة، والجرأة، ما لا يورثه سواه.
وأيضاً: فإنه يورث من المهانة، والسِّفال والحقارة ما لا يورثه غيره.
وأيضاً: فإنه يكسو العبد حلة المقت، والبغضاء، وازدراء الناس، واحتقارهم إياه، واستصغارهم له –ما هو مشاهد بالحس). اهـ.
ولقد أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن لهذه الفعلة أضراراً كبيرة، على نفوس مرتكبيها، وعقولهم، وأبدانهم.
فمن أضرارها: التأثير على الأعصاب، والمخ، وأعضاء التناسل، والدوسنتاريا، والتهاب الكبد الفيروسي ، بل كثيراً ما يؤدي إلى أمراض الشذوذ الخطيرة: كالزهري، والسيلان، والهربس ، والإيدز.
بل إنهما على رأس الأسباب، المؤدية لتلك الأمراض.
وأكثر هذه الأضرار، يشترك فيها الزنا مع اللواط، ثم إن الزنا يجمع خلال الشر كلها، من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة،  ووأد الفضيلة؛ فالزنا سبب للفقر ، ولذهاب حرمة فاعله، وسقوطه من عين الله، وأعين عباده ، والزنا يسلب صاحبه اسم البر، والعفيف، والعدل، ويعطيه اسم الفاجر، والفاسق، والزاني، والخائن.
ومن أضرار الزنا: الوحشة التي يضعها في قلب الزاني، وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه، فالعفيف على وجهه حلاوة، وفي قلبه أنس، ومن جالسه استأنس به، والزاني بالعكس من ذلك تماماً.
ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة، والسرور، وانشراح الصدر، وطيب العيش لرأى أنه فاته أضعاف أضعاف من حصل له.
والزنا يجرئ على قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين ، وكسب الحرام ، وظلم الخلق، وإضاعة المال، والأهل، والعيال.
والزنا يذهب بكرامة الفتاة، ويكسوها عاراً لا يقف عندها، بل يتعداها إلى أسرتها، حيث تدخل العار على أهلها، وزوجها، وأقاربها، وتنكس به رؤوسهم بين الخلائق.
وإذا حملت المرأة من الزنا، فقتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل ، وإذا حملته على الزوج أدخلت على أهلها وأهله أجنبياً ليس منهم، فورثهم ورآهم، وخلا بهم وانتسب إليهم.
والزنا جناية على الولد، فإن الزاني يبذر نطفته على وجه يجعل النسمة المخلقة منها مقطوعة النسب إلى الآباء، فكان الزنا سبباً لوجود الولد عارياً من الروابط التي تربطه بأدنى قربى يأخذون بساعده إذا زلت به نعله.
وفي الزنا جناية على الولد، وتعريض به لأن يعيش وضيعاً بين الأمة، مدحوراً من كل جانب، فما ذنب هذا المسلكين؟ وأي قلب يحتمل ذلك المصير؟

أيها المستمعون الكرام:
هذا نزر يسير من أضرار الفواحش، ويتبين لنا من خلال ذلك مدى ما يصل إليه الإنسان إذا هو فارق العفة، واتبع هواه بغير هدى من الله. وهكذا تبين لنا أثر الصوم في تنمية خلق العفة.
اللهم إنا نسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام. 
 
[الشيخ محمد الحمد] 




أتى هذا المقال من أخوات طريق الإسلام
http://akhawat.islamway.com

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://akhawat.islamway.com/modules.php?name=Sections&op=viewarticle&artid=88