هناك حقيقة عجيبة، ولكنها مع ذلك ثابتة
على نحو قاطع؛ وهي أن آليات تعامل الأبدان مع الطعام تستجيب مع
الصيام..
فلقد صمم المولى عز وجل الأبدان على نحو
يهيئ التعامل مع مركبات الطعام وفقاً لآلية تسير بنظام وتوافق في ثلاث
مراحل متتابعة.
فالمرحلة الأولى التي تعقب تناول الطعام
مباشرة تشتمل على عمليات مهمة كالهضم في المعدة والأمعا ، وعملية الامتصاص والتمثيل
من الأمعاء، وعمليات تحويل الطعام إلى سكر الجلوكوز الذي يسري في الدماء،
وإلى مواد أخرى أولية، يتيسر استخدامها لإطلاق الطاقة وبناء الأنسجة.
والمرحلة الثانية هي مرحلة تخزين الفائض
من الطاقة في المخازن المحددة لها.. فالجلوكوز الفائض يخزن في الكبد
والعضلات على هيئة نشاء حيواني -جلايكوجين- بينما يخزن فائض
الدهون في معظم أجزاء الجسم.
وتتولى المرحلة الثالثة مهمة فتح مخازن
الطاقة، وتحويل الجلايكوجين والدهون إلى جلوكوز وأحماض دهنية لإطلاق طاقتها في
الأجسام. وتختلف المرحلة الأخيرة عن سابقتيها في أنها لاتحدث مطلقاً إذا
امتنع الإنسان لمدة زمنية محددة عن تناول الطعام.. أي في صيام الإنسان.
أما تفسير ذلك فسهل ميسور: فالصائم إذا
امتنع عن تناول الطعام بدأ مستوى سكر الجلوكوز الطبيعي 80-120 ملغ/100سم 3-
في دمه، ثم ينخفض بعد نحو 6ساعات من بدء الصــوم.
والصوم تجربة روحية بالغة
العمق، ومتعددة المستويات؛ فهي لاتنحصر فقط في الإمساك عن المفطرات، وانما
تتجاوز ذلك إلى ضبط النفس عند الغضب، والامتناع عن إيذاء الناس، إلى جانب
مشاركتهم في السراء والضراء، وبذل المعروف لمن يطلبه، والصدقة إلى من يحتاج إليها.
والمسلم يعيش خلال هدا الشهر وقتً من أغلى
أوقات السنة، وفترة روحية من أعز فترات العمر؛ فترة زمنية تسمو فيها المعاشرة، ويرق
الوجدان، ويسعى المسلم إلى الإقبال بكل جوارحه نحو ما يرضي الله عز وجل داعيآ
وراجياً، تائباً ومتجرداً.
[وفاء بنت
هاشم]
