اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57470
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180552
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8255
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53009
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40679
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  11. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33884
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  12. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32200
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13114
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  13. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  14. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37408 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  15. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • المتواجدات الآن   0 عضوات, 0 مجهول, 13 زوار (القائمه الكامله)

    لاتوجد عضوات مسجلات متواجدات الآن

  • العضوات المتواجدات اليوم

    2 عضوات تواجدن خلال ال 24 ساعة الماضية
    أكثر عدد لتواجد العضوات كان 8، وتحقق
  • أحدث المشاركات

    • الصبر في مجال الدعوة إلى الله أمر من الأهمية بمكان، حيث الحاجة إلى الكثير الكثير من التحمل، والجَلَد، والثبات، والاستمرار، الحاجة إلى الحلم، وسعة الصدر، كما هي الحاجة إلى تحمل الإيذاء مادة ومعنى؛ لذلك جاء قوله تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: {فاصبر صبرا جميلا} (المعارج:5). لنا وقفة مع هذه الآية.

      الملاحظ في الآية الكريمة أنها وصفت (الصبر) المأمور به بأن يكون {جميلا}، وقد ذكر جمهور المفسرين أن المراد بـ (الصبر الجميل) هنا هو الذي لا جزع فيه، ولا شكوى لغير الله، والصبر على أذى المشركين. ونُقل عن ابن عباس رضي الله عنهما في المراد بـ (الصبر الجميل) في الآية قوله: (لا تشكو إلى أحد غيري). وقال الطبري في بيان المراد: "اصبر على أذى هؤلاء المشركين لك، ولا يثنيك ما تلقى منهم من المكروه عن تبليغ ما أمرك ربك أن تبلغهم من الرسالة".

      فحاصل المراد فيما ذكره المفسرون في المراد من الآية هو التسلح بالصبر في مواجهة مشاق الدعوة، وعدم الجزع والشكوى، وتسليم الأمر إليه سبحانه.

      ونقل الطبري في هذا الصدد عن ابن زيد أن الأمر بـ (الصبر) كان في بداية الدعوة، ثم نُسخ بالآيات الآمرة بقتال المشركين، والحاثة على مجاهدة الكافرين. وقد بيَّن الطبري أن ما ذهب إليه ابن زيد من دعوى النسخ "قول لا وجه له، وليس ثمة دليل على صحته؛ إذ ليس في أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في (الصبر الجميل) على أذى المشركين ما يوجب أن يكون ذلك أمراً منه له به بداية أمر الدعوة؛ بل كان ذلك أمراً من الله له به في مراحل الدعوة كافة؛ لأنه لم يزل صلى الله عليه وسلم من لدن بعثه الله إلى أن توفاه في أذى منهم، وهو في كل ذلك صابر على ما يلقى منهم من أذى قبل أن يأذن الله له بحربهم، وبعد إذنه له بذلك".

      والأمر الجدير بلفت الانتباه إليه في هذه الآية، هو وصف (الصبر) بـ (الجميل)، وهو معنى لم يطل المفسرون الوقوف عنده؛ لوضوحه، ذهاباً منهم إلى أنه لا يحتاج إلى شرح وإيضاح. مع أن هذا الوصف يحتاج إلى مزيد تأمل؛ وذلك أن الناظر إلى الحياة نظرة واقعية، يجد أن المشاق تشغل مساحة غير صغيرة منها، وللتغلب على هذه المشاق وتحملها، يحتاج الإنسان فيها إلى الصبر، وترك هذا الميدان يعني ترك مساحة كبيرة دون تغطية، والإسلام يحمل الخير والجمال لهذا الإنسان في كل حالاته، وكل مجالاته؛ ولذا لم يترك هذا الجانب دون أن يزينه بجماله، فكان الصبر الجميل.

      و(الصبر الجميل) تجلد وأمل، إنه اطمئنان نفسي وروحي، إنه الموقف الأحسن والأجمل، وبعبارة أوضح نقول: إن عملية تجميل الصبر هذه ليست زخرفة قول، ولكنها حقيقة يمكن الإشارة إلى عناصرها الأولية وفق التالي:

      - جعل الله للصبر الجزاء الجزيل، والدرجات العلا، وقد تأكد هذا بالكثير من آيات القرآن الكريم، وبالكثير من أحاديث الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، ونكتفي هنا بقوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} (الزمر:10).

      - إن الله تعالى جعل معيَّته للصابرين في آيات عديدة، منها قوله عز وجل: {إن الله مع الصابرين} (البقرة:153)، وقوله سبحانه: {والله مع الصابرين} (الأنفال:66).

      - الإيمان بالقدر؛ حيث يطمئن المسلم إلى أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطاه لم يكن ليصيبه، قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير} (الحديد:22).

      هذه العوامل تجعل (الصبر) متقبلاً ومتحملاً، فالنفس مطمئنة مرتاحة إلى قدر الله، لا ينتابها القلق، ولا يشل حركتها الخوف. ثم هناك الأمل الكبير بثواب الله، كما أن الراحة عظيمة بشعور المؤمن أن الله معه في صبره يرعاه، ويسدد خطاه، وكلها عوامل إن لم تقضِ على مرارة الصبر، فإنها تخففها إلى حد كبير حتى يصبح مقبولاً، وليست مهمة الجمال في هذا الميدان إلا هذه.

      وبهذا يظل المسلم في رحاب الخير، كما ورد في الحديث الشريف: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيراً له) رواه مسلم.

      [ملحوظة: الفقرات الأخيرة المتعلقة بوصف الصبر بـ (الجميل) مستفادة من كتاب (الظاهرة الجمالية في الإسلام) لمؤلفه صالح أحمد الشامي].   اسلام ويب    
    • بين الهوى والرشد {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} [يوسف:24]

      بدلاً من أن يدهش امرأة العزيز تمسك الشاب بدينه، واعتصامه بربه، وتعففه العجيب الرائع، وطهره النقي الخالص..

      بدلاً من أن يوقظها عزمه الأكيد أمام الإغراء السافر المريد

      بدلاً من أن يبهرها نقاء جوهره الذي يزيد من جمال مظهره

      أصرت على المضي في دنسها، فقد حصرت كل وعيها -إن صح أن يسمى ذلك وعياً- في أمرٍ واحدٍ، كأن أبواب التفكير عندها مغلقة عليه...هي ثائرة ثورة لن تهدأ في ظنها سوى عندما تقضي وطرها...أجل! إنها سكرة الهوى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72] كذلك حال من أتبعه الشيطان فكان من الغاوين.

      وهنا يصور القرآن الكريم تصويراً مذهلاً مقدار جنونها البهيمي، ويظهر خطوتها التالية لكلامها، فيقول الله تعالى بالتعبير المعجز: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} [يوسف:24] كأنما يومئ بهذه العبارة إلى أنها ألقت بنفسها عليه، ورمت جسدها إليه، أو حاولت فظنت أن الاحتكاك الجسدي ربما يفل عزم الطهر الحديدي...إنها وسيلتها الأخيرة، وهي لمس الطبيعة بالطبيعة لإلقاء الجمرة في الهشيم!

      عجيبةٌ طبيعة النساء حينما يتحكم الشيطان في رفع الراية فوق تصرفاتهن؛ فإن شأن المرأة أن تكون مطلوبةً لا طالبة، وَمُرَاوَدَةً عن نفسها لَا مُرَاوِدَة، حَتى إن حماة الأنوف من كبراء الرجال؛ ليطأطئون الرءوس للفَقيرات الحسان ربات الجمال، ويبذلون لهن ما يعتزون به من الجاه والمال، بل إن الملوك ليذلون أنفسهم لمملوكاتهم وأزواجهم، ولا يأبون أن يسموا أنفسهم عبيداً لهن، كما روي عن بعض ملوك الأندلس: نحن قَوم تذيبنا الأعين النجـ ـل على أننا نذيب الحديدا

      فترانا لدى الكرهة أحرا را وفي السلم للملاح عبيدا

      إلا أن امرأة العزيز -شأن من يسير سيرها من النساء- قد زين لها هواها قضاء وطرها مهما تمنع الشاب أمامها، بل إنها -يا للعمى- تزداد عليه إقبالاً كلما ازداد منها إدباراً، فسباها في حسنه وجماله، وفي جلاله وكماله، وفي إبائه وتألهه، وأخرج المرأة من طبع أنوثتها فِي تمنعها وإدلالها لتشهد على هبوطها أمام رغبتها وإذلالها، أنزلت نفسها في سبيل ذلك من مقام السيدة المالكة بعزة سيادتها وسلطانها، ودهورت الأميرة (الأرستقراطيةَ) نفسها من عرش عظمتها وتكبرها، فلما صارحته بالدعوة إلى نفسها، ازداد عتواً واستكباراً، معتزاً عليها الديانة والأمانة، والترفع عن الخيانةِ.

      ولكن العاشقة جاءت في قضيتها ببرهان الشيطان، تقذف به كآخر محاولة لها وأقواها فهمت به، وهنا يقع ليوسف -عليه السلام- برهان ربه كما وقع لها هي برهان شيطانها. فلولا برهان ربه لانهدت مقاومته الزاهية للإغراء، واستسلم لما تلين أمامه قوة العظماء.

      {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ}

      هذه هي نهاية موقف طويل من الإغراء، بعد ما أبى يوسف في أول الأمر واستعصم...وهو تصوير واقعي صادق لحالة النفس البشرية الصالحة في المقاومة والضعف، ثم الاعتصام بالله في النهاية والنجاة..

      ولكن السياق القرآني لم يفصل في تلك المشاعر البشرية المتداخلة المتعارضة المتغالبة؛ لأن المنهج القرآني لا يريد أن يجعل من هذه اللحظة معرضاً يستغرق أكثر من مساحته المناسبة في محيط القصة، وفي محيط الحياة البشرية المتكاملة كذلك. فذكر طرفي الموقف بين الاعتصام في أوله والاعتصام في نهايته، مع الإلمام بلحظة الضعف بينهما، ليكتمل الصدق والواقعية والجو النظيف جميعاً.

      هذا ما يخطر عند مواجهة النصوص، وتصور الظروف. وهو أقرب إلى الطبيعة البشرية وإلى العصمة النبوية. وما كان يوسف سوى بشر. نعم إنه بشر مختار. ومن ثم لم يتجاوز همه الميل النفسي في لحظة من اللحظات. فلما أن رأى برهان ربه الذي نبض في ضميره وقلبه، بعد لحظة الضعف الطارئة، عاد إلى الاعتصام والتأبي.

      و(الهم) اسم جنس تحته نوعان، كما قَال الإمام أحمد: الهم همان: همُّ خطرات، وهمُّ إصرار، وقَد ثبت في الصحِيح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قوله: (إن العبد إذا هم بسيئة لم تكتب عليه، وإذا تركها للَّه كتبت له حسنة، وإن عملها كتب له سيئة واحدة) وإن تركها من غيرِ أن يَتركها للَّه، لم تكتب لَه حسنة، ولا تكتب عليه سيئة، ويوسف -صلى اللَّه عليه وسلمَ- هم همًّا تركه للّه؛ ولذلك صرف اللَّه عنه السوء والفحشاء لإخلاصه، وذلك إنما يكون إذا قَام المقتضي للذنب وهو الهم، وَعارضه الإخلاص الموجب لانصراف القلب عن الذنب لله. فيوسف -عليه السلام- لم يصدر منه إلا حسنة يثاب عليها، وقد قَال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201] . وأما ما ينقَل: من أنه حل سراويله، وجلس مجلس الرجل من المرأة، وأنه رأى صورة يعقوب عاضًّا على يده، وأمثاله ذلك، فَكله مما لم يخبر اللَّه به ولا رسوله، وما لم يكن كذلك، فَإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس كذباً على الأنبياء وقَدحاً فيهم، وكل من نقله من المسلمين فعنهم نقله، لم ينقل من ذلك أحد عن نبينا صلى اللَّه عليه وسلم.

      {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24]

      إنها قصة الذين يتبعون الشهوات، ويبحثون بإلحاف كيف يتبعون من الشيطان كل الخطوات تتكرر...إنها قصة الآلام مجدداً...إنها قصة الإغواء والتزيين والإغراء...وهي مع ذلك قصة التحدي الحقيقي العظيم للشاب المؤمن المخبت.

      هذه امرأة فَائقة الحسنِ والجمال، تزينت وتهيأت للشاب القوي الغريب غير المتهم؛ لأنه أمام الناس كالابن للأسرة التي هو في بيت سيدتها، فوقع من ذلك ما حكاه صاحب "الكشاف" أنه –عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا وأنبياء الله أجمعين- مالت نفسه إلى المخالطة، ونازعت إليها عن شهوة الشباب وقَرمه ميلاً يشبه الهم به، والقصد إليه كما تقتضيه صورة تلك الحال، التي تكاد تذهب بالعقول والعزائم، وهذا من أعظم الإعجاز رداً على من ربما يقول من الشباب: يوسف نزع الله عنه الشهوة فلا يشعر بما نشعر به من الشبق وغلبة العشق، فبين الله تعالى أن به ما بهم، إن لم يكن أكمل وأشد، ولكنه كسره بـ {برهان ربه} الذي أشرق في قلبه، فالمراد بـ (همه) -عليه السلام- ميل الطبع ومنازعة الشهوة، لا القصد الاختياري، وذلك مما لا يدخل تحت التكليف، بل الحقيق بالمدح والأجر الجزيل من الله من يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم، ولو لم يكن ذلك الميل الشديد المسمى هماً لشدّته، لما كان صاحبه ممدوحاً عند الله بالامتناع؛ لأن استعظام الصبر على الابتلاء، على حسب عظم الابتلاء وشدته. ولو كان همه كهمها عن عزيمة، لما مدحه الله بأنه من عباده المخلصين.

      فتقَع التجاذبات والمنازعات بين الْحكمة والشهوة الطبيعية وبين النفس والعقل وبين جنود إبليس من الأفكار، وتذكر عظمة الجليل الكريم الغفار، وقد تقوى داعية الطبيعة والشهوة، وقد تقوى داعية العقل والحكمة، فـ (الهم) عبارة عن جواذب الطبِيعة، ورؤية (البرهان) عبارة عن جواذب العبودية، والمراد بـ (رؤية البرهان) هو حصول النور الذي يشع في القلب، ويهز الصدر، فيترتب عليه التذكر الزاجر، والإقلاع الرادع عن الإقدام على المنكرات.

      وفي مثل هذه الأحوال توجد مَرْتَبَتَانِ -كما يقول الشيخ رشيد رضا-:

      إحداهما: الكف عن المعصية؛ جهاداً للنفس، وكبحاً لها؛ خوفاً من الله - تعالى - وهي مرتبة الصالحين الأبرار.

      الثانية: مرتبة الكراهة لها، والاشمئزاز منها؛ حياء من الله ومراقَبة له، واستغراقاً في شهوده، وهي مرتبة الصديقين والنبيين الأخيار، الذين إذا عرضت لَهم الشهوة المستلذة بالطبع، بالصورة المحرمة في الشرع، عارضها من وجدان الإيمان، وَتجلي الرحمنِ، ما تغلب به روحانيتهم الملكية، على طبيعتهم الحيوانية، وهذا ما قد يحصل لمن دون الأنبياء منهم، فكيف بمن يرون (برهان ربهم) بأعين قلوبهم، وينعكس نوره عن بصائرهم، فيلوح لأبصارهم؟ وبعضهم هنا يفقد الشهوة الطبيعِية في هذه الحال، أو يفقد الشعور بالقدرة على وضعها في الموضع المحرم مع وجودها على أشدها، ولا عجب. وبعضهم لا يفقد شيئاً من ذلك إلا أنه يأتيه من النور والبرهان، ومن خوف الرحمن ما يجعله يتصور السعير، وغضب الجليل الكبير ما يصيبه خجلاً وخوفاً، فقوى النفس وانفعالاتها الوجدانِية تتنازع، فيغلِب أقواها أضعفها. حتى إن من الإباحيين والإباحيات من أهل الحرية الطبيعية من يملك في مثل تلك الخلوة منع نفسه أن يبيحها لمن يراوده عنها، لا خوفاً من الله، ولا حياء منه؛ لأنه غير مؤمن به أو بعقابه، بل وفاء لزوج أو عشيق عاهده على الاختصاص به فصدقه. فـ (البرهان) المرسل من الرحمن: "فضل إلهي يقوى به الإنسان على تحري الخير وتجنب الشر، حتى يصير كمانع له من باطنه، وإن لم يكن منعًا محسوسًا".

      {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24].

      شهد اللَّه تعالى في ختام هذه الآية على طهارة يوسف عليه السلام ونقائه في هذه الجملة المعجزة من الآية خمس مرات:

      أولها: قَوله: {لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ} واللام للتأكيد والمبالغة.

      الثَّانِية: قَوْلُهُ: {وَالْفَحْشاءَ}، والفرق بين السوء والفحشاء أن (السوء) جناية اليد ومقدمات الفاحشة من القبلة ونحوها، و(الفحشاء) هو الزنا، وهذا يدل على أن الكريم يوسف عليه السلام لم يبلغ به (الهم) حداً جعله يمد يده لها، هذا على قول من جعل (الهم) استجابة منه لها أول الأمر. ولسطوع برهان ربه في خاطره صرف الله عنه {السوء والفحشاء}، ولم يقل: لنصرفه عن السوء والفحشاء، ويظهر بذلك مدى الضياء الذي يجلل هذا الشاب فيا للبهاء ويا للهناء! (ومن ذاق عرف، ومن حُرِم انحرف)، و"أعظم مزايا البشر في قوة الإرادة، فلولاهَا لكان الْإنسان كالحيوان الأعجم عبد الطبيعة؛ ولذلك كانت المراودة احتيالاً لتحويل الإرادة، وجعلها خاضعة للمراود، وإنما يظفر فيها من كانت إرادته أقوى، وفوق ذلك عناية الله -تعالى-".

      الثالثة: قَوله: {إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا} فأضافه إليه للتشريف كقوله: {وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً} [الْفُرْقَانِ:63].

      الرابعة: قَوله: {الْمُخْلِصِينَ} على قراءة كسر اللام على أنه اسم فَاعل؛ لتدل على كونه آتياً بِالطاعات والقربات مع صفة الإخلاص.

      الخامسة: {الْمُخْلِصِينَ} بفتح اللام على أنه اسم مفعول؛ ليدل على أن اللَّه تعالى استخلصه لنفسه، واصطفاه من بين خلقه، وهو بذلك يسير على الطريق المضيء، الذي سار عليه آباؤه المخلصين من قبل، الذين أخلَصهم ربهم، وصفاهم من الشوائب، حيث وصفهم الله بقوله: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ}[ ص:45–47] ويوسف هو الحلقة الرابِعة في سلسلتهم الذهبية. والقراءتان توضحان صفتين متلازمتين: فهم مخلصون لِلَّه في إيمانهم به، وحبهم وعبادتهم له، ومخلصون عنده بالولاية والنبوة والعناية والوقاية من كل ما يبعدهم عنه ويسخطه عليهم.

      وقد بين إبليس كما حكى الله -تعالى- عنه صعوبة إغوائه للمخلصين، وهذه الصعوبة تصل حد عدم القدرة، كما قال تعالى: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص:82-83] كما قيل:   أتت فَتى خاف مقَــام ربـه ما زال ينـهى نفسه عــن الهــوى

      لم يقترف فاحشة قَط ولـم يعـــزم وَلَا أدنـى لها ولا غـــوى

      بغرة منــها وصفــوِ نيــة في معزِل تشهيه أقصى ما اشتهى

      مما يمنيه به شيطانه من حيث لا يـطـمع منــه فـي خــنــا

      لكنه استعصــم راوياً لها مـا أمــر الله بــه ومــا نـهــى   اسلام ويب
    • لما كانت الفاتحة دعاء جاء الختام بــ(آمين) بمعنى اللهم استجب، وهو ليس من الفاتحة، ولكنه يزيد الفاتحة ضياء، والتالي لها بهاء. وقد ثبت في "صحيح البخاري" عن أبِي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: (إذا قَال الإِمام {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} فقولوا آمين) -وفي رواية: (إذا أمَّن القارئ فأمنوا، فإن الملائكة تؤمن، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه). وروى البخاري في "الأدب المفرد" وابن ماجه عن عائشةَ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قَال: ((ما حسدتكم اليهود على شيء، ما حسدتكم على السلام والتأمين)).
      لماذا اختتمت الفاتحة بـ (التأمين) بخلاف السور التي تضمنت أدعيةً كسورة البقرة وسورة آل عمران فقد اختتمهما الله بالدعاء أيضاً؟

      ربما لأن الفاتحة كلها دعاء يتضمن الثناء، وقد أخرج الترمذي وحسنه والنسائي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله)، ولذا قال الله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[يونس:10].

      فالدعاء نوعان: دعاءُ تملقٍ وتضرعٍ وثناءٍ، ودعاءُ مسألةٍ وطلبٍ ورجاءٍ، وقد اجتمعا في الفاتحة بحمد الله. وعند الترمذي عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (دعوة ذي النون إذا دعا وهو في بطن الحوت {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، فإنه لم يدع بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قط إلا استجاب الله له)، وعنده أيضاً عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير). وسئل سفيان بن عيينة عن ذلك: لماذا كان أفضل الدعاء -أي مع أنه ثناء-؟ قال: ألم تسمع قول أمية ابن أبي الصلت في مدح عبدالله بن جدعان:

      أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك أن شيــــــــــمتك الحياء

      إذا أثنى عليك المرء يومـاً كفــاه مــــــن تعرضــــه الثنـاء

      كريم لا يغـــيــــره صبــــاح عن الخلق الجميل ولا مساء


      قال سفيان: فهذا مخلوقٌ حين نسب إلى الكرم اكتفى بالثناء والسؤال فيكف بالخالق المتعال جلَّ وعلا.

      ولمكانة دعاء الحمد كان لسان مقال النبيين، ومحل ترديد المبتهلين، فقد روى ابن أبي الدنيا في كتاب "الشكر" بسند حسن عن علي بن أبي طالب قال: أتى بختنصر بدانيال النبي عليه السلام، فأمر به فحبس، و(أجاع) أسدين فألقاهما في جُبٍّ معه، وطبق عليه وعلى الأسدين، ثم حبسه خمسة أيام مع الأسدين، ثم فتح غيبته بعد خمسة أيام، فوجد دانيال قائماً يصلي والأسدين في ناحية الجب لم يعرضا له، فقال بختنصر: أخبرني ماذا قلت فدُفِع عنك؟. قال: قلت: (الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، الحمد لله الذي لا يَخِيبُ من رجاه، الحمد لله الذي لا يَكِلُ من توكل عليه إلى غيره، الحمد لله الذي هو يقينا حين تنقطع عنا الحيل، الحمد لله الذي هو رجاؤنا يوم تسوء ظنوننا وأعمالنا، الحمد لله الذي يكشف حزننا عند كربنا، الحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحساناً، الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة).

      (الحمد) أصل الأذكار

      ذكر الله سبحانه وتعالى الباقيات الصالحات فقال: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف:46]، فهي التي يجتني منها الإنسان أعظم الثواب من الله عز وجل، وبها يفتح أبواب الرجاء والأمل، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بَيّنَهن فيما رواه النسائي في "السنن الكبرى" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خذوا جُنَّتَكم) –أي درعكم الذي يحميكم- قالوا: يا رسول الله! أمن عدوٍ قد حضر؟ قال: (لا! ولكن جُنَّتَكم من النار. قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فإنهن يأتين يوم القيامة مجنبات -أو منجيات- ومعقبات، وهنَّ الباقيات الصالحات)، وينبغي أن نعلم أن (الحمد لله) هي أصل الباقيات الصالحات.. لماذا؟ لأن (الحمد) هو الثناء، والثناء مرةً يكون بإثبات الكمال المطلق لله، وهذا معنى (الله أكبر)، وتارةً يكون بالاعتراف بالعجز عن درك الإدراك، وهذا معنى (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وتارةً يكون بالتعظيم ونفي النقص، وهذا معنى (سبحان الله)، وتارةً يكون بإثبات استحقاقه للعبادة دون سواه، وهذا معنى (لا إله إلا الله).

      فالكلمات الأربع (سبحان الله، والله أكبر، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله) كلها ترجع إلى (الحمد لله)؛ ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه مسلم: (والحمد لِلَّه تملأ الميزان).

      ما معنى (اللام) قبل الاسم الأعظم في قوله (الحمد لله)؟

      الجواب: (اللام) للاستحقاق، فهو سبحانه الوحيد الذي يستحق الحمد، وتدل على الاختصاص، فغيره لا يستحق الحمد إلا تبعاً له، لا على سبيل الانفراد، ولذا فإن الله سبحانه وتعالى افتتح (الكتاب) بالحمدلة، فقال: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:1، 2]، وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} [الكهف:1]. وافتتح خَلْقُ الأكوان بها، فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1]. واختتم ميزان العدل الإلهي في الآخرة بها، فقال: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر:75]، ونحن نقول راجين من الله العفو والرحمة والقبول:

      ربي لك الحمد لا أحصي الجميل إذا نفثت يوماً شكاةَ القلب في كــرب!

      فلا تؤاخِذ إذا زل اللسان، وما شيء سوى الحمد في الضراء يجمل بي

      لك الحيـــاة كما ترضى بشاشتها فيما تحِب، و إن باتت على غضـــب

      رضيت في حبِك الأيام جائرة فـعــلقَم الدهر إن أرضـــــاكَ كالعــذب


      اسلام ويب
       
    • لحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
      فإكمالاً لسلسلة (الفوائد المستنبطة من الأحاديث النبوية)؛ سأستعين ربي على استنباط الفوائد من دعاء الاستخارة، وهو حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنه.
      نص الحديث:
      عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلِّمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلِّمنا السورة من القرآن، يقول: ((إذا همَّ أحدكم بالأمْر، فليَركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم، إني أستخيرك بعلمك، وأستقدِرك بقدرَتِك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدِر، وتعلَم ولا أعلَم، وأنت علام الغيوب، اللهم، إن كنتَ تعلَم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال: عاجل أمري وآجله - فاقدره لي، ويَسِّرْه لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال: في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضِنِي به))؛ متفق عليه.
      الفوائد:
      فيه الكثير من الفوائد التربوية والإيمانية، والأحكام الفقهية، ومن ذلك ما يلي:

      1- في الحديث دلالة على: أن الاستخارة تشرع عندما يَهُمُ الإنسان بالأمر من الأمور؛ لقوله في الحديث: ((إذا همَّ)).
      2- دلَّ الحديث بمفهومه على: أن الاستخارة لا تشرع عند الخواطر والأفكار التي تسبق للذهن، والتي لا يكاد يسلم منها أحد غالبًا؛ لقوله في إحدى روايات الحديث: ((إذا أراد أحدكم الأمر))، فالهمُّ المطلق في الرواية الأولى بيَّنَتْه الإرادة في الرواية الثانية، ويخرج عن ذلك الخواطر.
      3- الاستخارة في الحديث تشمل:
      أ - طلب خير الأمرين، وهذا مأخوذ من معناها اللغوي.
      ب - وتشمل أيضًا إذا أراد الإنسان فعل أمر ما؛ لقوله في الحديث: ((إذا أراد أحدكم)).
      4- ظاهر الحديث يدل على أن الاستخارة تشمل الأمور الواجبة والمستحبة والمباحة، وليس المراد أحيانًا الاستخارة في أصل فعلها، وإنما في أمور أخرى تتعلق بالأمر الواجب؛ كوقت فعله وطريقة أدائه، أو عند تزاحم الواجبات والمستحبات، وهكذا، فليس من الضرورة أن تكون الاستخارة في أصل أداء الفعل الواجب حتى تُمنع، وعموم الحديث: ((إذا أراد أحدكم الأمر)) يؤيد ذلك حيث أطلق الأمر.
      5- الحديث يدل الإنسان المسلم على عدم الانسياق وراء الخواطر والأفكار التي تَرِدُ على الذهن؛ ولهذا لم يشرع لها الاستخارة، وكم تسببت هذه الخواطر: من وسوسة، وضياع للأوقات، وإشغال للذهن.
      6- يدل الحديث بمنطوقه على تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة سُوَرَ القرآن، حتى صار غيرها يقاس عليها من حيث الأهميةُ وعدمُها؛ ولهذا قال الراوي: ((كما يعلمنا السورة من القرآن))، فدل على فشو ذلك بينهم وانتِشاره، وهي سمة المجتمع المسلم.
      7- يدل الحديث على نشر العلم، وتعليم الناس الأذكار والأوراد، وإعادتها حتى يتم حفظها، وهذا واجب الدعاة اقتداء بنبيهم - صلى الله عليه وسلم - وتعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم هذا الذكر دليل صريح على ذلك.
      8- لا يدخل في الحديث الهمُّ بالمحرمات والمكروهات؛ لأن مجرد كونها منهيَّاتٍ فهذا يدل على كونها شرًّا للعبد؛ ولذلك لا يستخار فيها، ولمصادمتها الأوامر الشرعية.
      9- يدل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا همَّ)) إلى أن ما يرد إلى الذهن يمكن تقسيمه إلى:
      أ - خواطر لا يهتم بها.
      ب - وإلى: همٍّ.
      والفرق بينها أن الهمَّ يرافقه إرادة وعزيمة على الفعل أو الترك؛ ولهذا جاء في الرواية الثانية: ((إذا أراد أحدكم الأمر)). كما يمكن تقسيمها بناء على الحديث إلى:
      أ - همٍّ معه إرادة: وهو المراد في الحديث في الروايتين.
      ب - همٍّ لا إرادة معه: وهذا لاغٍ لا حكم له.
      10- دلَّ الحديث بصريح منطوقه على: أن صلاة الاستخارة ركعتان؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فليركع ركعتين))، ولا عبرة بالرواية التي أطلقت الصلاة في رواية الحاكم: ((فليصلِّ ما شاء))، ففيها تضعيف في سندها، ويقوي ضعفها مخالفتُها روايةَ الصحيحين.
      11- دلَّ الحديث على: أن صلاة الاستخارة تكون من غير صلاة الفريضة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مِن غير الفريضة))، وعلى هذا لا يصح الاستخارة في ركعتي الفجر.
      12- يَدُلُّ الحديث على أن نيَّةَ الفريضة لا يدخل معها نيَّةٌ أخرى، فإن التشريك في النيَّة يضعفها؛ ولهذا قال في الحديث: ((من غير الفريضة)).
      13- يدل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من غير الفريضة)) على: أن الاستخارة تصح في ركعتي تحية المسجد والسنن الرواتب؛ فإنها داخلة في عموم: ((من غير الفريضة)).
      14- على القول بجواز كونها في السنن الرواتب، فالحديث يدل على تداخل النية بين الاستخارة والركعتين غير الفريضة، والتداخل بين بعض العبادات يصح بشروطٍ محلُّها كتب الفقه.
      15- يدل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع)) على: أن نيَّة الاستخارة ينبغي أن تصاحب المصلي قبل البدء بالصلاة حتى ينتَهِي مِنْها.
      وعلى هذا لو شرع إنسانٌ بصلاةِ ركعَتَيْن للسنّة الراتبة أو سنة مطلقة، ثم طرأت عليه نية الاستخارة، فإن مفهوم الحديث يدل على أن هذه النية لا تصح، ولا بد من نية تخص الاستخارة قبل البدء بالركعتين. 16- لم يرد في هذا الحديث وغيره السور التي تستحب القراءة بهما في ركعتي الاستخارة، وعلى هذا تبقى القراءة فيهما مطلقة من غير تقييد بسورة معينة أو آيات معينة.
      17- قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: ((ثم ليقل)) يدل في ظاهره على أن هذا الدعاء بعد صلاة الركعتين، وقد اختلف أهل العلم في مَوطِن ذلك على قولين:
      أ - يقال الدعاء قبل السلام.
      ب - يقال الدعاء بعد السلام.
      وظاهر الحديث يؤيد القول بأنه بعد السلام، لقوله: ((فليركع ركعتين ثم ليقل))، فيفهم منه أنه عزل الركعتين عن الدعاء، والمسألة محتملة، والأمر واسع - بإذن الله - سواء قبل السلام أم بعده. 18- دعاء الاستخارَة يدل على ضعف العبد، وقلة علمه، فهو يستخير ربَّه في أمره، مما يدل على أنه لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، ومن تأمَّل ألفاظ الدعاء تبيّن هذا الأمر بوضوح، فقوله: ((فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر))، وغيرها يدل على ذلك.
      19- وكذلك يدل دعاء الاستخارة على: أن الإنسان قد يُقدِم على فعْل أمر، ويعود هذا الأمر بالضرر عليه من حيث كان يرجو خيره، فليس بالضرورة أن ما كان خيرًا في نظر الإنسان يكون خيرًا له في دينه وحياته، وقديمًا قيل: "مِن مَأمَنِه يُؤتَى الْحَذَرُ".
      20- يربي هذا الدعاء في قلب المؤمن التوكل على الله، فإن دُعاء الاستخارة فيه تفويض الأمر إلى الله مع بذل سبب الدعاء، وهذا هو المعنى الحقيقي للتوكل فقوله: ((اللهم، إن كنت تعلم أن هذا الأمر)) فبهذا فوَّض العبد أمره لربه.
      21- يربي هذا الدعاء قلب المؤمن كذلك على تعظيم الله - سبحانه وتعالى - وهو أهل للتعظيم، فقول العبد: ((وأستقدرك بقدرتك؛ فإنك تقدر ولا أقدر))، فيه مِن التعظيم ما يعود نفعه على قلب المؤمن؛ ولهذا إن استَشعَرَ العبدُ ذلك حال دعائه، أدرك أن الله منجز له حاجته بإذن الله.
      22- كما يربِّي هذا الدعاء قلب المؤمن على عظمة منزلة علم الله المحيط بكل شيءٍ، فقول العبد: "وأنت علاَّم الغيوب" تشعر العبد المؤمن بمعيّة الله وعلمه المحيط، فهو يستخير إلهًا عليمًا لا تخفى عليه خافيةٌ، وهذا الشعور له أيضًا أثرٌ واضحٌ على اعتقاد العبد حال الدعاء.
      23- في الحديث إثبَات صفات الله - سبحانه وتعالى - الَّتي تليق به، ومن ذلك صفتي العلم والقدرة، وهذا دليل لأهل السنة المثبتة للصفات.
      24- يدل دعاء الاستخارة على تعبُّد العبد المؤمن بآثار الأسماء الحسنى والصفات العُلَى، فمِن صفات الله العلم والقدرة، وآثارها أن العبْد يَسْأل ربه بعلمه وقدرته أن يكتب له الخير، وهكذا التعبُّد لله ببقية الأسْمَاء الحسنى.
      فالتعبد لله باسمه الرزَّاق يعني ألا يسأل العبد في رزقه إلا ربَّه، وألا يتوكل إلا عليه، وليعلم أن ما كتب له من رزق فسيلاقيه، فيورث له ذلك الرضا بالقضاء. 25- يدل الحديث على أن العبد لا غنى له عن الله طرفة عين، فالعبد يستخير الله في أخص أموره وحاجاته، فلا يعلم العبد مصلحة نفسه، فالله له الغنى المطلق، وبالمقابل العبد له الفقر المطلق.
      26- دعاء الاستخارة له أثر بيِّن على قلب المؤمن فيورثه الطمأنينة؛ فإن العبد إذا استخار الله، وقال هذا الدعاء - أورثه ذلك طمأنينةً في قلبه، تنقطع معها كل الاضطرابات والأوهام، وألفاظ الدعاء تؤيد ذلك، فقوله: ((إن كنتَ تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي))، وقوله: ((فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به)) - يؤيد ذلك.
      27- ومن آثار الاستخارة على القلب أنها تزيد محبته لربه؛ ولهذا يطلب العبد استخارة ربه، لما في قلبه من محبته، ويرضى بما يكتبه له، ويزيد على الرضا درجة الطمأنينة، والمحبة من أجل أعمال القلوب.
      28- في الحديث بَيَان أهمية صلاة الاستخارة في حياة المسلم؛ ولهذا حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على بيانها وتعليمها لأصحابه، كما يعلمهم السورة من القرآن؛ وذلك لشدَّة الحاجة لها، فلا يحسن بالمسلم الجهل بها أو هجرها والتكاسُل عنها، أو الاستغناء بغيرها.
      29- الحديث يدل على أن صفة الاستخارة: ركعتان تؤدَّى على صفة الصلاة المعروفة؛ ولهذا أحال النبي - صلى الله عليه وسلم - صفتها إلى ما هو معروف عندهم ومقرَّر، فقال – صلى الله عليه وسلم -: ((فليركع ركعتين من غير الفريضة)).
      30- صلاة الاستخارة تدل على أهمية الصلاة في حياة المسلم، فلم يقتصر المستخير على الدعاء مع أهميته المعروفة، وإنما أضاف إليها صلاة ركعتين بين يدي دعائه، ومن هذا الباب ندرك السر في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يفزع إلى الصلاة كلما حَزَبَه أمر.
      31- الصلاة بين يدي الدعاء كالتحية بين يدي الملوك قبل تقديم الطلب، والله - سبحانه وتعالى - ملك الملوك، والصلاة صلة بين العبد وبين ربه، وهي المناجاة؛ ولهذا كان دعاء الاستخارة بعد الصلاة لا قبلها.
      32- بدأ المستخير دعاءه بقوله: ((اللهم))، فسأل ربه بالألوهية، وهي تتضمَّن العبادة، فكأنَّه يقول: ((أنت إلهي وأنا عبدك))، ولا أقرب من الإله الحق لعبده الصادق.
      33- لفظ ((اللهم)) يشتَمل على الأسماء الحسنى، فكلها: إما متضمنة أو مستلزمة لاسم ((الله))، فناسب أن يقدم به المستخير بين يدي دعائه.
      34- قوله: ((اللهم، إنِّي)) فيها تخصيص وتأكيد، وهذا هو الأنسب لحال المستخير أن يتَّجه بقوله وفعله لبيان فقره بين يدي ربه، فخصص نفسه اقتضاء لتخصيص حاله.
      35- بدأ المستخير بنفسه، فقال: ((اللهم، إنِّي))؛ لأن العبد هو صاحب الحاجة والطلب.
      36- قوله: ((أستخيرك)) الألف والسين والتاء لزيادة الطلب؛ فالمستخير ملحٌّ على ربه أن يختار له الخير، ويصرف عنه الشر، هذا الإلحاح تبيّن حتى بألفاظ دعائه، إضافة لحاله، فتوافق اللسان مع الحال، وهذا أقوى الدواعي للتأثير.
      37- الكاف في قول العبد: ((أستخيرك))، إضافة إلى كونها كاف الخطاب بين العبد وبين ربه - فهي تفيد التخصيص، فكأن العبد بهذه الكاف يقول بلسان حاله: لا أستخير غيرك، وهذا هو لسان مقاله.
      38- الباء في قوله: ((بِعِلْمِكَ))، وقوله: ((بقدرتك)) للاستعانة، أي: أطلب خير الأمرين مستعينًا بعلمك وقدرتك؛ وعلى هذا فهي تربي المؤمن على الاستعانة بربه.
      39- ويحتمل أن تكون الباء للتوسل، وعلى هذا يكون المستخير توسل إلى الله بعلمه وقدرته، وهما أمران يتعلقان بمراد العبد من الاستخارة، والتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته من الأعمال المشروعة.
      40- المناسبة ظاهرة بين العلم والقدرَة وبين طلب الاستخارة، فإن المستخير لا يعلم الخير: أيْنَ يكون؟ وكذلك لا يقدِر عليه لو علمه.
      فأتى باسمين مناسبين لمسألته، وهذا من فقه الدعاء أن يأتي الإنسان في دعائه بما يناسبه من الأسماء الحسنى. 41- قَدم في هذا الدعاء العلم على القدرة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم، إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك))؛ فإن المستخير يسأل ربه أوَّلاً بعلمه للخير، ثم تأتي بعد ذلك قدرة الله على تيسير الخير للعبد، فرتبهما في الدعاء حسب ترتيبهما في الوجود.
      42- قوله: ((أستقدرك)) يحتمل:
      أ - أن العبد يطلب من ربه أن يجعل له قدرة على هذا الأمر.
      ب - أن العبد يطلب من ربه أن يُقدِّر له الخير، أي: من باب القضاء والقدر.
      والأمران محتَمَلان وبينهما تلازم من وجه، فما قَدَر عليه الإنسان فهو من قدر الله الذي قدَّره على عبده، وكلا الأمرين بيد الله - سبحانه وتعالى - فرجع الأمر له. 43- قوله: ((وأسألك من فضلك العظيم)) يدل على: أن الفضل بيَد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
      44- كما يدل قوله: ((وأسألك من فضلك العظيم)) على: أن فضل الله لا نهاية له، فالله عظيم وفضله عظيمٌ.
      45- كما يدل قوله: ((من فضلك)): أن ما يعطيه الله لعبده من خير، فهو محض فضلٍ من الله وليس بحقٍّ يستحقه العبد، وإنما لكمال فضله سبحانه، وهذا يؤيد مذهب أهل السنة في أن الله ليس عليه حق واجب؛ إلا ما أوجبه هو على نفسه - سبحانه وتعالى.
      46- قوله: ((فإنك تقدر ولا أقدر)): فيها تَبَرُّؤٌ من الحول والقوة، فكأن العبد يقول: "لا حول لي ولا قوة إلا بالله"، فهو يحصر القوة والقدرة لربه، ويتبرأ من حوله وقوته إلا فيما أقدره عليه ربه، وهذا هو المعنى العملي لقولنا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
      47- الملاحظ أنه في بداية الدعاء قدَّم العلم على القدرة فقال: ((أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك))؛ لكنه في وسط الدعاء عكس الأمر، فقدَّم القدرة على العلم، فقال: ((فإنك تقدر، ولا أقدر، وتعلم، ولا أعلم))؛ وذلك لأنه قال: ((وأسألك من فضلك العظيم))، وفضل الله لا يقدر عليه إلا الله؛ فلهذا قال بعدها: ((فإنك تقدر ولا أقدر))، فقدم القدرة لتعلقها بتحصيل الفضل.
      48- في حديث الاستخارة حسن الاستهلال في الدعاء، فيُقدِم الداعي لربه بين يدي دعائه مقدمة يثني فيها على الله، ويعترف بتقصيره وجهله، ويرجع الأمر كله لله، ثم يأتي بطلبه؛ ولهذا يقول الداعي في دعاء الاستخارة بعد تلك المقدمة: ((اللهم إن كنت تعلم)).
      49- قوله: ((إن كنت تعلم)) ليس على سبيل الشك، ولا يجوز الشك بعلم الله، لكن الشك هنا متجه إلى كونه في الخير والشر، وليس إلى أصل العلم، وكلام العرب سائغ على هذا الأسلوب.
      50- لا يكتفي المستخير بقوله: ((إن كنت تعلم أن هذا الأمر))، بل يسمي حاجته هنا بدليل رواية "فيسمي حاجته"، وفي رواية "ثم يسميه بعينه".
      51- قوله: ((إن كنت تعلم هذا الأمر)) دليل على: أن الاستخارة لا تكون في أمرين معًا؛ بل لا بد من أمرٍ واحدٍ.
      52- في أكثر الروايات تقديم الدين على الدنيا في قوله: ((في ديني ومعاشي))، وفي رواية ((ديني ودنياي))، وهذا من باب تقديم الأهمِّ، وفيه تربية للمؤمن على أن أمرَ الدِّين أهم من أمر الدنيا، وهو كذلك.
      53- قوله: ((ومعاشي)) يراد به الدنيا ما توضحه الروايات الأخرى. 54- الجمع بين لفظتي: ((ديني ومعاشي)) في الخير والشرِّ، يدل على أن ما كان خيرًا في دين المرء كان خيرًا في معاشه، وما كان شرًّا على دين المرء كان شرًّا على معاشه.
      55- قوله: ((وعاقبة أمري)) المراد بذلك الآخرة، فيكون المستخير سأل ربه الخير في ثلاثة أمور:
      أ - في دينه.
      ب - في معاشه، وهي دنياه.
      ج - في عاقبة أمره، وهي آخرته.
      ومن رزق الخير في هذه الثلاثة فقد اكتملت سعادته، وهنأ عيشه.
      56- قوله: "أو قال: عاجل أمرى وآجله" اختلف أهل العلم في موضعها على أقوال:
      أ - قيل: بدل من الألفاظ الثلاثة في الرواية الأولى، وعلى هذا يكون لفظ الحديث: ((إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في عاجل أمري وآجله)).
      ب - وقيل: بدل من اللفظين الأخيرين في الرواية الأولى، وعلى هذا يكون لفظ الحديث: ((إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني وعاجل أمري وآجله)).
      والذي يظهر أن موضعها بدل الألفاظ الثلاثة كلها، والله أعلم وأحكم.
      57- الرواية التي تجمع بين ((ديني ومعاشي وعاقبة أمري)) رجحها ابن القيم - رحمه الله - على رواية ((عاجل أمري وآجله))، فقال: "والصحيح اللفظ الأول، وهو قوله: ((ديني ومعاشي وعاقبة أمري))؛ لأن عاجل الأمر وآجله هو مضمون قوله: ((ديني ومعاشي وعاقبة أمري))، فيكون الجمع بين المعاش وعاجل الأمر وآجله تكرارًا بخلاف ذكر المعاش والعاقبة، فإنه لا تكرار فيه، فإن المعاش هو عاجل الأمر، والعاقبة آجله"[1].
      58- وجود هذه الروايات المتعددة في "عاجل أمري" و"عاقبة أمري" و"دنياي وآخرتي" تدل على صحة رواية الحديث بالمعنى عند السلف، وهو الصحيح من أقوالهم.
      59- قوله: ((ومعاشي)) وفي رواية: ((ودنياي)) يدل على اهتمام الإسلام بأمر المعاش والدنيا، وسؤال الله الخير فيها، ولا يتعارض هذا مع الأمر بالزهد في الدنيا، وفي هذه الفقرة من الحديث رد على متصوفة أهل الزهد.
      60- حديث الاستخارة يدل على منهج أهل السنة والجماعة في باب القدر، وأن الله كتب كل شيء وقدره.
      61- كما يدل على أنه لا يكون شيءٌ إلا بقدر الله، وهذا أيضًا من منهجِهم.
      62- ويدل كذلك حديث الاستخارة على أن الله يمحو ما يشاء ويُثبِت، بدليل قوله: ((واصرفه عني واصرفني عنه)).
      63- دعاء الاستخارة يدل على أن الله ربط الأسباب بمسبباتها، ومن الأسباب دعاء الله سبحانه وتعالى، ولو لم تكن له فائدة، لكان قوله لغوًا لا فائدة فيه.
      64- صيغة المبالغة في الحديث "علاَّم الغيوب" تدل على إرجاع العبد العلم كله لله - سبحانه وتعالى - وأن العبد لا يعلم من علم الغيب شيئًا، فمن ادعى ذلك فقد كذب وكفر.
      65- قدَّم الخير على الشر في هذا الحديث في قوله: ((إن كنتَ تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي)) من باب التفاؤل، وهو الأليَق مع الله، والأنسَب لحال العبد؛ ففيه فقه من حيث الألفاظ.
      66- دل الحديث على أن العبد يحتاج للخير في ثلاثة أمور:
      أ - أن يُقَدِّرَ الله له الخير، أو يُقْدِرَهُ الله عليه، أي: يجعل فيه القدرة؛ ولهذا قال: ((فاقدره لي)).
      ب - أن ييسره الله له؛ لأن الخير إن كان عسيرًا استهلك وقتًا وجهدًا في تحصيله، وقد يستصعبُهُ فيتركَ طلبَهُ؛ ولهذا كان من المناسب قوله: ((ويسّره لي)).
      ج - أن يبارك له فيه، فإن لم تحصل البركة فإن العبد لا يستفيد من الخير كثيرًا، فكان من المناسب قوله: ((وبارك لي فيه)).
      وبهذه الثلاثة يكمل الخير كله على الإنسان، نسأل الله الكريم من فضله.
      67- ودل الحديث على أن العبد يحتاج في الشر الذي يقدره الله عليه إلى:
      أ - أن يصرف الله الشر عن العبد؛ ولهذا قال العبد في دعائه: "فاصرفه عني".
      ب - أن يصرِف الله العبد عن الشر، فإن العبد جهولٌ ظلومٌ؛ ولهذا حَسُن قوله في دعائه: ((واصرفني عنه)).
      ج - أن يقدر الله للعبد خيرًا مما صرفه عنه من الشر؛ ولهذا قال: ((واقدر لي الخير)).
      د - أن يُرَضِّي الله عبدَه بالخير الذي قدره له، فإن العبد من جهله أحيانًا أنه إذا لم يَرْضَ بما قدَّره الله له تبْقَى نفسُه معلَّقة بمُرادها الأول الذي صرفها الله عنه، فلا تزال معلَّقة به، فتفسد عليها حياتها لفقدانها الرضا بالخير الجديد الذي كُتب لها؛ ولهذا قال العبد: ((ثم رضِّنِي به)).
      68- جمع الله لعبده المؤمن التوفيق في هذا الحديث من ثلاث جهات:
      أ - أن يقدر له الخير، ويعينه، وييسره له.
      ب - أن يصرف عنه الشر، ويصرفه عنه.
      ج - أن يعوضه عن الشر خيرًا، ثم يُرَضِّيه به.
      فأي رحمة واسعة هذه الرحمة، وأيُّ كرم عظيم هذا الكرم.
      69- يدل قوله: ((واصرفه عني، واصرفني عنه)) على: أن العبد يَسأل ربَّه تمام المباعدة بينه وبين الشر، ولا يكون هذا إلا بأن يصرف الله الشر عن العبد، ثم يصرف العبد عن الشر، فكلاهما مصروف عن الآخر، وبهذا تحصل تمام المباعدة.
      70- كما يفيد قوله: ((واصرفني عنه)) على أن العبد يسأل ربه ألا يبقى في قلبه بعد ذلك تعلق بهذا الأمر الذي يريد فعله؛ لأن إرادة القلب تتحول إلى عمل، فاحتاج العبد أن يسأل ربه تمام الصرف لئلا يتعلق به.
      71- قوله: ((واصرفني عنه)) تدل على جهل الإنسان، فقد يصرف الله الشر عن العبد، لكن العبد لجهله بمآلات الأمُور يحرص على هذا الأمر، ويتتبَّعُه، ويتحسَّر لفوته، وقد يسأل ربه، فاحتاج العبد أن يجمع في دعائه بين ((واصرفه عني)) و((واصرفني عنه)).
      72- قوله في هذا الدعاء: ((ثم أرضِنِي به))، وفي رواية: ((ثم رضِّني به)) - دليل على أن من أنعم الله عليه بنعمة، فعليه أن يرضى بها ليكمل عليه الخير، وأن السخط قد يطرد الخير الذي قدَّره الله.
      73- في الحديث دليلٌ على: أن من استخار ربه بشيءٍ فلم يكتب له، فعليه أن يزيل تعلقه من قلبه؛ ليكون أهنأ لعيشه، وأكثر طمأنينة لقلبه، وهذا حلٌّ عمليٌّ لكثير من مَسائل الناس اليوم، حيث تذهب أنفسهم حسرات على فوات خير يظنُّونه؛ لكن الله لم يكتبه لهم لحكمة يعلمها سبحانه.
      74- في سؤال الإنسان لربِّه الخير بدأ بالتقدير فقال: ((فاقدره لي))، وفي سؤاله صرف الشر أخَّر التقدير، وهو الأنسب؛ لأنه يريد صرف الشر عنه أولاً، ثم بعد ذلك يقدر مكانه خيرًا.
      75- في دعاء الاستخارة تمام الخضوع والذل لله، ومن تأمل ألفاظ الاستخارة، وجدها في غاية التذلل لله، فقد نسب العلم كله لله، والقدرة له، ونفى العلم عن نفسه، ونفى قدرته على فعل شيءٍ، ولا شك أن التذلل لله أحد ركني العبادة، والمحبة ركنها الثاني وقد مضى التنبيه عليه.
      76- من فوائد دعاء الاستخارة: أنه يورث الطمأنينة، ويزيل الاضطراب الذي يحصل عند البعض حين الإقدام على فعل شيءٍ أو ترك شيءٍ، وهذا الاضطراب والتردد كثيرًا ما يعكر على الإنسان صفو حياته، فجاءت الاستخارة مزيلة لكل هذه الأمور، مورثة العبد المؤمن الطمأنينة.
      77- صلاة الاستخارة بابٌ من أبواب تحصيل الحسنات؛ لما فيها من الصلاة والدعاء، ولو لم يحصل المستخير إلا على أجر صلاته ودعائه لكفى، فكيف وفضائل الله عليه تترَى؟
      78- الاستخارَة دليل على: أن المؤمن لا يثق بشيءٍ ثقتَه بربه - سبحانه وتعالى - ولهذا يترك ما أعطاه الله من دقة تفكير وملاحظة، ويلجأ لاستخارة ربه في صلاته، وهذا نابع من الثقة بالله وحسن الظن به.
      79- لم يَرِدْ في هذا الحديث علامة انشراح الصدر أو غيرها من العلامات، وهذا الحديث هو العمدة في الباب؛ ولهذا لا يشترط أن ينشرح صدر العبد بعد صلاة الاستخارة، وإنما يفعل الإنسان ما يريد فإن تيسر له كان من تيسير الله، وإن تعثر كان من صرف الله عنه، وقد يرزق بعض الناس انشراحًا في الصدر لأمر معيَّن بعد الاستخارة، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
      80- من صلَّى صلاة الاستخارة، وفعل ما ظهر له بعد ذلك - فعليه ألا يندم، ولو لم يوافق ذلك هواه، كأن يستخير الإنسان في زواج، ثم يحدث طلاق بينهما، فالمؤمن الحق راضٍ بما اختاره الله له، ولو لم يوافق هواه ورغبته.
      وبهذا انتهى ما أردتُ.
      أسأل الله أن يفتح على قلبي من بركات علمه، وأن يجعل عملي في رضاه، وأن يتقبله مني، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
       
      [1] "جلاء الأفهام"، 1/324.


      عقيل بن سالم الشمري

      شبكة الالوكة
    • الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فإن الغاية العظمى من أحاديث السنة النبوية العمل بها وتطبيقها، ولا يكون ذلك إلا بعد فهمها والغور في معانيها، واستخراج ما هو أغلى من اللؤلؤ والمرجان، وقد سبق إلى ذلك سلفُنا الصالح، فكانت رسائلُ ابن رجب الحنبلي رحمه الله خيرَ شاهد على إفراد كل حديث من أحاديث السنة بالدراسة، خاصة في جانب فوائده التربوية الإيمانية، فأحببت أن أسير على منهجه في دراسة الحديث من حيث الفوائد المستنبطة، ويكفيني أن أحاكي القوم وأتشبه بهم في الطريقة، وقد اخترت حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما"، واختياري يرجع إلى عدة أمور: 1- لصحته، فقد رواه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، برقم (2577). 2- لأنه حديث قدسي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه وتعالى. 3- لأنه يجمع فقرات عدة، وهذا مظنة لكثرة الفوائد. 4- لتداوله على ألسنة الخطباء والوعاظ وغالب الناس اليوم. 5- سهولة ألفاظه التي سهلت حفظه.
      وقد جعلت منهجي في استنباط فوائد هذا الحديث أن أقسم الحديث إلى أجزاء، ثم أستنبط من كل جزء ما فتح الله به علي من الفوائد، وقد يوجد في بعض الفوائد شيء من التداخل إلا أن ذلك لازم لمن أراد أن يحلل ألفاظ الحديث، ويدقق في الفوائد المستنبطة، ويقتنص الوقفات التربوية، والآن إلى نص الحديث، ثم إلى الفوائد المستنبطة منه.
      نص الحديث: عن أبي ذَرٍّ عن النبي صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عن اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قال: يا عِبَادِي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلا من هَدَيْتُهُ فاستهدوني أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلا من أَطْعَمْتُهُ فاستطعموني أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إلا من كَسَوْتُهُ فاستكسوني أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وأنا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جميعًا فاستغفروني أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي لو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا على أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ما زَادَ ذلك في مُلْكِي شيئا، يا عِبَادِي لو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا على أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ما نَقَصَ ذلك من مُلْكِي شيئا، يا عِبَادِي لو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ ما نَقَصَ ذلك مِمَّا عِنْدِي إلا كما يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يا عِبَادِي إنما هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ".
      فوائد الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا"، فيه فوائد كثيرة ومنها: الفائدة الأولى: دل الحديث على أن الله يتكلم سبحانه وتعالى كما يشاء، كلامًا يليق بجلاله وعظمته، كما هو منهج أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات، كما أن لفظ الحديث يرد على كل من نفى صفة الكلام عن الله متأولاً أو غير متأول، وذلك لصراحة قوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله".
      الفائدة الثانية: في الحديث مناداة الله لعباده، وهذا من رحمته بهم، وأنه أقرب لهم، وهذا مما يبعث السكينة في قلوب عباده المؤمنين.
      الفائدة الثالثة: دل الحديث على أن جميع الخلق عباد الله شرعًا وقدرًا، أما المؤمنون فهم عباد الله الذين استجابوا لأمره، وأما الكفار فهم مخاطبون أيضا بهذا الحديث لدخولهم تحت العبودية لله قهرًا.
      الفائدة الرابعة: الحديث يدل على لطف الله بعباده، حيث بدأهم بالمناداة من غير سؤال منهم وبهذا يفرح المؤمنون.
      الفائدة الخامسة: دل على أن صفة العبودية تشريف؛ لأن مقتضى الخطاب أن يختار المنادي أحب الأسماء للسامع فيناديه بها، فالله اختار صفة "يا عبادي" مما يدل على أن من دخل من العباد تحت هذه الصفة؛ فقد شَرُف غاية الشرف، فإن العبودية لله تقتضي الخلاص مما سواه.
      الفائدة السادسة: تقديم النداء "يا عبادي" دليل على أهمية ما بعده، فإن هذا المقصود من النداء، ولهذا فإن المؤمن يصغي سمعه لما يقال بعد النداء، خاصة إذا كان من ربه، كما في الحديث.
      الفائدة السابعة: دل الحديث بلفظه الصريح على تحريم الظلم مطلقا، وذلك من عدة أوجه: أ- حرف التوكيد "إن".   ب- ضمير المتكلم "الياء" في قوله "إني".   ج- لفظ التحريم في قوله "حرمت" وهو يفيد المنع أكثر من أي صيغة أخرى.   د- "أل" الجنسية في قوله "الظلم" التي تفيد الاستغراق، فيشمل جميع أنواع الظلم.   هـ- تكرار لفظي "التحريم والظلم" في قوله: "إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا"، فنلاحظ تكرار "حرمت ومحرما" وقوله: "الظلم فلا تظالموا"، ولا شك بأن هذا التكرار يفيد المنع بصورة أكبر.   و- ختم الجملة الأولى من الحديث بقوله: "فلا تظالموا" مع أن المعنى المراد فُهم مما سبقها في قوله "إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما".   فإن المعنى قد تم عند قوله "محرما" لكنه أعاد المعنى المراد مرة أخرى بقوله: "فلا تظالموا"، وهذا أيضا يفيد المنع قوة.
      الفائدة الثامنة: دل الحديث أن الله هو المشرع المُحِل المُحرِّم، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فإن قوله: "إني حرمت الظلم على نفسي" تدل على تحريم الله لما يشاء وبالمقابل تحليله لما يشاء.
      الفائدة التاسعة: يؤخذ من الحديث أن من صيغ العزيمة على الطلب أو الترك أن يخبر الواحد عن نفسه، ويبدأ قبل غيره، ولهذا فإن الله أخبر عن نفسه فال: "إني حرمت الظلم على نفسي".   فمن أراد أن يأمر أمرًا، أو ينهى عنه فليبدأ بنفسه قولا وعملا، فإن ذلك أشد وقعًا.
      الفائدة العاشرة: فيه إثبات النفس لله سبحانه وتعالى.
      الفائدة الحادية عشرة: دل على عدم التلازم بين ما يحرمه الله على نفسه وما يحرمه علينا، فقد: أ- يحرم على نفسه أمرًا ويحرمه أيضًا علينا كالظلم في هذا الحديث. ب- يحرم على نفسه أمرًا ولا يحرمه علينا كجميع النقائص من السنة والنوم وغيرها. ج- يبيح لنفسه أمرًا ويحرمه علينا كالكبر في حقه سبحانه وتعالى.   والظلم من النوع الأول، ولهذا قال: "وجعلته بينكم محرما" مما يدل على أن هناك أمورًا حرمها على نفسه لم يحرمها علينا، والله أعلم.
      الفائدة الثانية عشرة: قوله: "فلا تظالموا" يحتمل معنيين: أ- النهي عن البدء بالظلم، أي أن يبدأ الإنسان أخاه بالظلم. ب- النهي عن الرد والانتقام بالظلم، أي أن ينتقم الإنسان لنفسه بظلم غيره. وكلا المعنيين مراد في الحديث، فالظلم منهي عنه ابتداء واستدامة.
      الفائدة الثالثة عشرة: يفهم من الحديث تحريم إنكار المنكر عن طريق ظلم صاحبه، ولا يسوغ لنا المنكر الذي يمارسه صاحبه أن نتعدى حدود الشرع فيه فنقع بالظلم.
      الفائدة الرابعة عشرة: دل الحديث على أن الظلم لا مصلحة فيه البتة، ولهذا مُنع وحُرم تحريما مطلقا.
      الفائدة الخامسة عشرة: قوله: "وجعلته بينكم محرمًا" يفيد أن الإنسان عليه الاستسلام لحكم الله، فلا يقدر على تبديله أو تغييره، وهذا كما أنه في الظلم فكذلك في سائر أحكام الله التي جعلها بيننا.
      الفائدة السادسة عشرة: دل الحديث على أن الظلم لن يقع منه سبحانه وتعالى أبدًا، ولهذا لم يعد صيغة التحريم على نفسه كما أعادها في حق الناس.   فقد قال في حق الناس: "وجعلته بينكم محرما" ثم أعاد التحريم مرة أخرى فقال: "فلا تظالموا"، أما في حق نفسه سبحانه وتعالى فقال: "إني حرمت الظلم على نفسي"، ولم يقل: فلن أظلم، مما يدل على أنه لن يظلم أبدًا فإنه إذا حرم شيئًا فلن يفعله، بخلاف الناس فقد يحرم الله عليهم أمرًا فيفعلونه، فاقتضى أن تتكرر صيغة المنع في حقهم فقط.
      الفائدة السابعة عشرة: لفظ الحديث في تحريم الظلم يؤيد مذهب أهل السنة والجماعة في معنى الظلم الذي حرمه الله على نفسه، وهو: أن الله قادر على الظلم لكنه حرمه على نفسه؛ والتحريم والمنع يكون للشيء المقدور عليه، أما المستحيل والممتنع فغير مقدور عليه أصلا حتى تمنع منه النفس.
      الفائدة الثامنة عشرة: الحديث رد على أصحاب وحدة الوجود؛ لأن الحديث أثبت أن هناك ربًّا يحرم، وهناك عبادًا حُرم عليهم أيضًا الظلم، فهما شيئان مختلفان رب وعبد.
      قوله صلى الله عليه وسلم: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم" فيها فوائد، منها: الفائدة التاسعة عشرة: تكرار النداء في قوله: "يا عبادي" فيه زيادة عناية بعباده ورأفة ورحمة وشفقة عليهم، حيث تكرر النداء في الحديث تسع مرات، وهو أمر يوحي لك بالمبالغة في ذلك.
      الفائدة العشرون: قدم في الحديث الضلالة والهدى على الجوع والطعام، والعري واللباس، فقال: "كلكم ضال إلا من هديته" قبل قوله: "كلكم جائع" وقوله: "كلكم عار" ذلك من باب تقديم الأهم، فالضلال أشد خطرًا من الجوع والعري، والهداية أتم من الطعام واللباس.   وهذا يشعرنا بالاهتمام بالهداية أكثر من اهتمامنا بطعامنا ولباسنا، وأن ندرك خطر الضلال أكثر من إدراكنا خطر الجوع والعري.
      الفائدة الحادية والعشرون: دل الحديث على أن كل من لم يهده الله فهو ضال، ولهذا قال: "كلكم ضال" فلم يستثن من ذلك أحدًا.
      الفائدة الثانية والعشرون: دل الحديث بصريح لفظه أن الله هو الهادي المضل، وهذا من كماله سبحانه وتعالى.
      الفائدة الثالثة والعشرون: دل الحديث على أن الهداية بيد الله لقوله: "إلا من هديته" فمنه تطلب، وبه يستعان للحصول عليها، فعلى من طلبها أن يلتجئ لمالكها ويستجديه ويلح عليه، فإنها فضل منه سبحانه ومنّة.
      الفائدة الرابعة والعشرون: دل على عدم الاعتماد على النفس، وعدم الوثوق بالصفات الشخصية في تحصيل الهداية لأنها بيد الله يؤتيها الله من يشاء، ولهذا أسند الله الهداية إلى نفسه فقط فقال: "فاستهدوني أهدكم"، فلا يغتر الإنسان بما لديه من قدرات وذكاء، بل إنك تجد في الواقع المرير من هو مفرط في الذكاء بعيد عن الهداية، والأمر بيد الله وحده.
      الفائدة الخامسة والعشرون: قوله: "فاستهدوني أهدكم" ومثله "فاستطعموني أطعمكم" و"فاستكسوني أكسكم" كلها تفسير عملي لقولنا: "لا حول ولا قوة إلا بالله " الذي يدل على أن الإنسان لا تحول له، ولا قوة على التحول إلا بإعانة الله له، ومن ذلك هدايته والضروريات من حياته كطعامه ولباسه، وهذا يبين لنا ضرورة الارتباط بين المؤمن والحوقلة من خلال أمثلة الحديث المذكور.
      الفائدة السادسة والعشرون: دل قوله: "كلكم ضال" وقوله: "كلكم جائع" وقوله: "كلكم عار" على تساوي الخلق عند الله، وأن التفاضل بينهم يكون على الأعمال التي يعملونها.
      الفائدة السابعة والعشرون: يدل قوله: "فاستهدوني أهدكم" على تفاوت الناس في الهداية بناء على طلبهم إياها من الله، وعلى ما يعطيهم الله منها، فليسع الإنسان إلى تحصيل أكبر قدر ممكن من الهداية، خاصة وأن طريق طلبها واضح هو طلبها من الله.
      الفائدة الثامنة والعشرون: دل على إثبات منهج أهل السنة والجماعة في قولهم: إن الإيمان يزيد وينقص، فإن الهداية تزيد وتنقص كما دل عليه هذا الحديث.
      الفائدة التاسعة والعشرون: في هذا الجزء من الحديث فتح لباب التنافس في دروب الخير والأعمال الصالحة؛ فإن قوله: "فاستهدوني أهدكم" تفتح باب طلب الهداية، فمن شاء فليوسع ومن شاء فليقصر، وكذلك بقية الأعمال التي هي تطبيق عملي لهداية الله للإنسان، فترى المجتمع يتفنن في تحصيل أنواع الأعمال الصالحات.
      الفائدة الثلاثون: هذا الجزء من الحديث "كلكم ضال إلا من هديته" يعطينا تصورًا حقيقيا عن معشر البشر الذين نخالطهم، فهم ضُلال إلا من هداه الله، وجوعى إن لم يطعمهم الله، وعراة إن لم يكسهم الله، وهذا التصور يفيد في معرفة التعامل مع الناس، ويحدد لنا مقدار اعتمادنا عليهم في تحصيل المراد، كما يورث فينا العزة ونحن نتعامل مع قوم لا يملكون لأنفسهم طعامًا وكساء فضلا لغيرهم، فتجد المؤمن على هذا يعاملهم ويعرف قدرهم خوفا ورجاء.
      الفائدة الحادية والثلاثون: في قوله: "إلا من هديته" بيان لفضل الرسل الكرام عليهم السلام؛ لأن الله هدى بهم الناس، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، فعلى أيديهم كانت هداية الناس، فكم لهم من الفضل علينا بعد الله، ونحن لا ندرك ذلك حقيقة الإدراك، فصل اللهم وسلم عليهم جميعا.
      الفائدة الثانية والثلاثون: يدل الحديث على حاجة الإنسان إلى الهداية في كل لحظة من لحظات حياته؛ لأن قوله: "كلكم ضال إلا من هديته" يفيد العموم في كل أوقات الإنسان، فهو ضال محتاج لهداية ربه، وهذا يفيد تعلق المؤمن بربه دائمًا، وهو سبحانه وتعالى أولى به.
      الفائدة الثالثة والثلاثون: الله سبحانه وتعالى أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، فقال: "فاستهدوني أهدكم" فهذا أمر ووعد، فلا عذر بعد ذلك للبطال.
      ثم قال صلى الله عليه وسلم: "يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم"، وهذا فيه من الفوائد ما يلي: الفائدة الرابعة والثلاثون: دل هذا الجزء من الحديث أن الإنسان ضال حتى عن أمور معاشه وملبسه إن لم يهده الله إليها وييسرها له، وهذا يبين عظم فاقة الإنسان لربه.
      الفائدة الخامسة والثلاثون: يربي الحديث افتقار المؤمن لربه حتى في طعامه وشرابه وملبسه، فالإنسان جائع عارٍ إن لم يطعمه الله ويكسه.
      الفائدة السادسة والثلاثون: دل الحديث بصريح عبارته أن الرزق من عند الله، فعلام يحزن الإنسان إن فاته نصيبه؟!
      الفائدة السابعة والثلاثون: الحديث يشعر بأن الله يقسم الأرزاق بين عباده، فيطعم هذا ويحرم هذا، ويكسو بعض العباد ويعري آخرين، والمؤمن إن علم ذلك خرج من قلبه الحسد، فعلام الحسد على شيء ليس للعبد فيه تصرف، وإنما المتصرف الله سبحانه وتعالى، وبهذا أيضًا يزيد اليقين في قلبه برزق الله.
      الفائدة الثامنة والثلاثون: في الحديث إظهار لمنَّة الله سبحانه وتعالى على خلقه في هدايته لهم وإطعامهم وكسوتهم، وهذه المنَّة لا حدود لها، ويجب أن تقابل بالشكر.
      الفائدة التاسعة والثلاثون: يربي الحديث المؤمن على التفكر في حياة نفسه، من طعامه وشرابه ولباسه، وهذا من أعظم الأشغال التي ينبغي أن ينشغل بها المسلم.
      الفائدة الأربعون: التفكر في معاني الحديث يطرد العجب والكبر من قلب المؤمن، فإذا كان لا يستطيع أن ينفع نفسه في أهم ضرورياته من الأكل واللباس فبماذا يفخر ويعجب؟
      الفائدة الحادية والأربعون: نص الحديث على الطعام في قوله: "كلكم جائع إلا من أطعمته" ولم يذكر الشراب لأنه داخل في معنى الطعام، فذكر أحدهما يغني عن الآخر.
      الفائدة الثانية والأربعون: قُدم الطعام على الكساء في الحديث من باب تقديم الأهم بالنسبة للخلق، فالإنسان يصبر على العري إلا أنه يشق عليه الصبر على الجوع، فتناسق الحديث حسب اهتماماتنا.
      الفائدة الثالثة والأربعون: دل هذا الجزء من الحديث على أن الله هو المطعم والكاسي سبحانه وتعالى، فكل طعام أو كساء رُزقه العبد فهو من ربه فليحمده عليه.
      الفائدة الرابعة والأربعون: دل الحديث بالمقابل على أن من أصابه الجوع والعري فالله منعه، فعليه الرجوع وطلب الأمر من مصدره سبحانه وتعالى.
      الفائدة الخامسة والأربعون: اقتصر في الحديث على الضروريات في الحياة من الطعام والكسوة لتعلق قلوب الناس بها أكثر من غيرها، ولأنه يدخل عليهم الضرر في فواتها أكثر مما يدخل الضرر في غيرها، وإلا فإن كل شيء بيد الله، والله معطيه أو مانعه.
      الفائدة السادسة والأربعون: لم يرد في رواية مسلم ذكر للمال، فلم يقل: وكلكم فقير إلا من أغنيته فاستغنوني أغنكم، والذي يظهر من السبب والله أعلم أن المال غير مقصود لذاته، وإنما يقصد للطعام والكسوة وضروريات الحياة، فاستغنى بذكر الغاية عن الوسيلة.
      الفائدة السابعة والأربعون: أظهر الحديث ضعف الإنسان غاية الضعف؛ إذ لا يملك لنفسه هداية ولا طعامًا ولا كساء، فأي ضعف فوق هذا الضعف، وهذا الذي يجعل الأمر محتما على الإنسان ألا يستقل بنفسه وإنما بغيره، ولا يوجد أقوى من أن يرتبط بربه، كما أن الحديث أظهر حاجة الإنسان لربه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين حتى في ضرورياته التي لا بد له منها.
      الفائدة الثامنة والأربعون: دل الحديث على أنه ما من نعمة دقت أو عظمت إلا هي من عند الله، وهذا يؤخذ من قوله: "كلكم جائع إلا من أطعمته"، ومعلوم أن الطعام متفاوت قلة وكثرة.
      الفائدة التاسعة والأربعون: في الحديث دلالة على أن العري مذموم عند جميع البشر، يسعون لرفعه عن أنفسهم كما يسعون في رفع الجوع، وبهذا نرد على طائفة الطبائعيين الذين يرون أن من الطبيعة أن يبقى الإنسان عاريًا، وكفى بهذا الحديث ذمًّا لهم عند جميع البشر.
      ثم قال صلى الله عليه وسلم: "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم"، وفي هذا فوائد كثيرة منها: الفائدة الخمسون: مناسبة هذا الجزء من الحديث "إنكم تخطئون بالليل والنهار" لما سبق قبلها من قوله: "كلكم عار إلا من كسوته" أنه لما ذكر العري الحسي، ذكر بعدها العري المعنوي وهي الذنوب، فتناسقت ألفاظ الحديث.
      الفائدة الحادية والخمسون: دل هذا الجزء من الحديث على كثرة خطأ بني آدم لقوله: "إنكم تخطئون بالليل والنهار"، وهذا أصل فيهم، فلا يحق لأحد ادعاء الكمال.
      الفائدة الثانية والخمسون: دل هذا الجزء من الحديث على عظيم علم الله سبحانه وتعالى الذي لا تخفى عليه خافية، إذ إنه يحصي جميع خطايا بني آدم.
      الفائدة الثالثة والخمسون: دل قوله: "إنكم تخطئون بالليل والنهار" على حلم الله سبحانه وتعالى الذي يرى خطايا بني آدم ولا يعاجلهم بالعقوبة.
      الفائدة الرابعة والخمسون: في الحديث رد على القدرية الذين يزعمون نفي تقدير الله للمعاصي، فالحديث صريح في أن الله علم ذنوب العباد وقدرها لقوله: "إنكم تخطئون بالليل والنهار".
      الفائدة الخامسة والخمسون: في الحديث فتح لباب الرجاء أمام المذنبين.
      الفائدة السادسة والخمسون: دل قوله: "وأنا أغفر الذنوب جميعًا" على أن الله لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، فالحمد لله على مغفرة ربنا.
      الفائدة السابعة والخمسون: دل قوله: "فاستغفروني أغفر لكم" على أن الإنسان لا غنى له عن الاستغفار؛ لأن ذنوب العباد بالليل والنهار فلا يزيلها إلا الاستغفار، فالحمد لله الذي فتح لنا بابًا له.
      الفائدة الثامنة والخمسون: دل قوله: "إنكم تخطئون بالليل والنهار" أن الله كتب على ابن آدم حظه من الذنوب مدرك ذلك لا محالة، فعلى الإنسان الاشتغال بالمجاهدة، ومحاولة التقليل والإصلاح بعد الوقوع.
      الفائدة التاسعة والخمسون: دل الحديث على أن الله كتب علينا الذنوب، إلا أنه فتح بابًا لإزالتها، فيعالج هذا بذاك.
      الفائدة الستون: هذا الجزء من الحديث "إنكم تخطئون بالليل والنهار" يربي في قلب المؤمن مراقبة الله؛ لأن الله يعلم ذنوبه ويطلع عليها.
      ثم قال صلى الله عليه وسلم: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني"، وهذا فيه من الفوائد ما يلي: الفائدة الحادية والستون: مناسبة هذا الجزء من الحديث لما قبله أنه لما بيّن لهم نعمه على العباد، وأنه يطعمهم ويكسوهم ويهديهم، بيّن لهم في هذا الجزء من الحديث أنهم لن يصلوا إلى ضرره أو مصلحة تعود إليه، فقال: "إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني".
      الفائدة الثانية والستون: قدم الضر في هذا الجزء من الحديث على النفع، فقال: "لن تبلغوا ضري"؛ لأن الغالب الحرص على دفع الضر قبل جلب النفع، فجاء الحديث تمشيا مع الغالب، والله أعلم.
      الفائدة الثالثة والستون: الملاحظ أنه في جملة نفي الضر عنه أكدها بقوله: "إنكم لن تبلغوا ضري"، أما الجملة الثانية (ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني) فخلت من التوكيد، والذي يظهر أن ذلك لتمام بيان عجز البشر في جانب إنزال الضر بالله سبحانه وتعالى، فأكد هذا المعنى بحرف التوكيد "إنكم"، وفي ذلك من هوانهم وضعفهم ما فيه.
      الفائدة الرابعة والستون: دل الحديث بصريح لفظه عن استغناء الله عن خلقه تمامًا، وفي ذلك من عظمته وملكه ما يوجب التعلق به وحده.
      الفائدة الخامسة والستون: دل الحديث على أن الله هو الذي يُحَب لذاته، وهذا لله وحده، فإن غيره يعطي لمصلحة ترجع إليه أو لدفع ضرر عنه، وهذا يُنقِص قدر محبته، أما الله سبحانه وتعالى فيعطي الخلق لا لمصلحة ترجع إليه، ولهذا يحبه المؤمن كل الحب وأخلصه.
      ثم قال: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئا"، وفي ذلك من الفوائد ما يلي: الفائدة السادسة والستون: مناسبة هذا الجزء من الحديث لما سبق من قوله: "إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني" أن ما سبق فيه نفي النفع والضر مباشرة من الخلق لله سبحانه وتعالى، ثم بيّن بعدها نفي النفع غير المباشر، وإنما عن طريق أعمال العباد فاكتمل الكمال لله سبحانه وتعالى، فكأن المعنى أن الله يقول لعباده: لن تبلغوا ضري أو نفعي مباشرة، أو غير مباشرة وإنما بحسب تقواكم وفجوركم، والله أعلم.
      الفائدة السابعة والستون: نسب التقوى والفجور في الحديث للقلب، مما يدل على أنه محلها، فليهتم المؤمن بقلبه.
      الفائدة الثامنة والستون: قوله: "واحد" للتأكيد وهي أكمل حالة يكون عليها الناس، أن يكونوا جميعًا على أتقى قلب رجل منهم، فإن حالات التقوى المتصورة بناء على الحديث: أ- أن يكون بعض الخلق أتقياء. ب- أن يكون كل الخلق أتقياء. ج- أن يكونوا على قلب رجل تقي منهم. د- أن يكونوا على أتقى قلب رجل منهم، وهذه أكمل الحالات، فالحديث نفى زيادة ملك الله في هذه الحالة الأكمل، فانتفاؤه في غيرها من باب أولى، وكذلك الأمر بالنسبة للفجور.
      الفائدة التاسعة والستون: دل قوله: "ما زاد ذلك في ملكي شيئًا" على أن مُلْك الله بلغ منتهاه في العظمة والسعة، فلا يزاد فيه شيء، فسبحانه وتعالى.
      الفائدة السبعون: قوله: "شيئًا" نكرة في سياق نفي فتعم أي شيء، وهذا المنتهى في عظمة ملك الله؛ إذ لا يزداد بمقدار أي شيء ولو كان متناهي الصغر.
      الفائدة الحادية والسبعون: قوله: "أولكم وآخركم" يدخل فيه ما ذكر في الراويات الأخرى من قوله: "حيكم وميتكم" وقوله: "ورطبكم ويابسكم" فعمت الروايات المخلوقات كلها فسبحان الله.
      الفائدة الثانية والسبعون: دل الحديث بصريحه على أن الله لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، فمهما كان الخلق أتقياء لم يزد ذلك في ملك الله شيئا، ومهما كان الخلق فجارًا لم ينقص ذلك من ملك الله شيئا.   ثم قال صلى الله عليه وسلم: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر"، وفي ذلك من الفوائد ما يلي:
      الفائدة الثالثة والسبعون: مناسبة هذا الجزء من الحديث لما قبلها من قوله صلى الله عليه وسلم: "لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا" فقد يقال بأن الفجار لا يسألون الله ولذلك لا ينقص ما عند الله، فأتت هذه الجملة "قاموا في صعيد واحد فسألوني" لتزيل هذا اللبس، ولتبين لنا عظم ما عند الله مع سعة عطاياه.
      الفائدة الرابعة والسبعون: دل هذا الجزء من الحديث بمنطوقه على عظمة ما عند الله من عدة أوجه، وهي: أ- أن السائلين هم الخلق جميعًا أولهم وآخرهم لقوله: "أولكم وآخركم". ب- أن من ضمن السائلين الجن أيضا لقوله: "وجنكم".   ج- أن هؤلاء السائلين جميعا قاموا في مكان واحد، فكانت حاجاتهم في وقت واحد ومكان واحد، ولا شك أن هذا أعظم في دلالته على ما عند الله مما لو كانوا متفرقين.   د- أن حاجات هؤلاء السائلين مختلفة متفرقة، وهذا أعظم في دلالته على ما عند الله مما لو كانت حاجاتهم متفقة.   هـ- أن الله أجاب هؤلاء السائلين كل فيما طلبه.   ومع كل هذا لم ينقص مما عند الله فسبحانه وتعالى ملكه.
      الفائدة الخامسة والسبعون: في الحديث ضرب الأمثال، وهذا من وسائل التقريب.
      الفائدة السادسة والسبعون: قوله صلى الله عليه وسلم: "كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر" هذا التشبيه يدل على عظم ما عند الله مقارنة بما أعطى السائلين.
      الفائدة السابعة والسبعون: هذا التشبيه يدل على أن ما عند الله لا ينقص ولا ينفد، وذلك من خلال ما يلي: أ- البحر كمية هائلة من الماء لا حساب له. ب- المخيط أداة صغيرة لا يعلق بها شيء. ج- المخيط صقيل لا يعلق به ماء أصلاً.   فكانت النتيجة أن البحر لم ينقص أصلاً، فما عند الله أعظم من البحر.
      الفائدة الثامنة والسبعون: تدل على كرم الله سبحانه وتعالى؛ إذ يسأل عباده أن يسألوه، ويعدهم بالإجابة.
      الفائدة التاسعة والسبعون: قوله: "فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي" مرادف لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ [الحجر: 21].
      ثم قال صلى الله عليه وسلم: "يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه"، وفي ذلك من الفوائد الشيء الكثير، ومنها: الفائدة الثمانون: في هذا الجزء من الحديث رد على الجبرية؛ إذ نسب الأعمال للعباد، فقال: "إنما هي أعمالكم".
      الفائدة الحادية والثمانون: في قوله: "إنما هي أعمالكم" مع قوله: "فاستهدوني أهدكم" تأصيل لمذهب أهل السنة والجماعة في باب القدر وهو: أن الهداية والإضلال بيد الله، والعبد له قدرة واختيار، وعمله ينسب إليه، ولهذا نسب الأعمال إليهم فقال: "أعمالكم" ولا يكون هذا إلا مع مباشرتها بقدرتهم واختيارهم.
      الفائدة الثانية والثمانون: قوله: "ثم أوفيكم إياها" تحتمل الموافاة في الدنيا، وتحتمل الموافاة في الآخرة، وعلى هذا ما يصيب الإنسان في الدنيا من سوء فبسبب أعماله، فليحذر العبد المؤمن.
      الفائدة الثالثة والثمانون: على القول بأن الموافاة تكون في الدنيا، فإن حرف"ثم" في قوله: "أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها" يفيد التراخي، وعلى هذا قد يعمل الإنسان السوء ثم تتأخر موافاة الله له، وهذا يجعلنا لا نغتر بحلم الله عنا، ولا نأمن من الاستدراج، وبالمقابل قد يعمل الإنسان الخير وتتأخر موافاة الله له، وهذا يجعلنا نحتسب أجورنا عند الله في الآخرة.
      الفائدة الرابعة والثمانون: دل قوله: "أحصيها لكم" على أن كل ما عمل الإنسان من عمل فهو مكتوب محفوظ عند الله، وعلى هذا كم من الذنوب نسيها الإنسان وهي مكتوبة عليه؟ فلنلزم الاستغفار.
      الفائدة الخامسة والثمانون: في قوله: "أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها" إظهار للعدل الذي اتصف الله به، والذي تمثل هنا في موافاة كل عامل بما عمل، وهذا يرجح مذهب أهل السنة في تفسيرهم الظلم الذي تنزه الله عنه بأنه بخس إنسان من حسناته، أو أن يوضع عليه من أوزار غيره، وهذا نفاه الله لعدله في قوله: "إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ".
      الفائدة السادسة والثمانون: جمع الحديث أعمال القلوب الثلاثة، وهي: أ- المحبة: وهذا في جميع ألفاظ الحديث حيث إنها تزيد من محبة العبد لربه. ب- الرجاء: وهذا في قوله: "وأنا أغفر الذنوب جميعا". ج- الخوف: وهذا في قوله: "إنما هي أعمالكم أحصيها لكم". وعلى هذه الثلاثة تدور بقية الأعمال القلبية.
      الفائدة السابعة والثمانون: دل قوله: "فمن وجد خيرًا فليحمد الله" أن دخول الجنة يكون بفضل الله وحده، وليس بمجرد الأعمال، فإن أعمال العباد لا تؤهل الإنسان لدخول الجنة، وإنما يدخلها المؤمنون بفضل الله، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحدًا عملُهُ الجنة، قالوا: ولا أنت يارسول الله، قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته" أخرجه البخاري (5349) ومسلم (2816).
      الفائدة الثامنة والثمانون: يدل الحديث على أن الجن مكلفون بعبادة الله سبحانه وتعالى كالإنس، وسيحاسبهم الله على أعمالهم، كما في لفظ الحديث.
      الفائدة التاسعة والثمانون: يورث الحديث الحياء من الله سبحانه وتعالى، فمع غناه الكامل وعظمته إلا أنه ينادي عباده لدعائه واستغفاره.
      الفائدة التسعون: الحديث دليل على أن الله يحب مدح نفسه، وهو أهل للمدح، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من شخص أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه" متفق عليه أخرجه البخاري (4358) و(4922) و(6968) ومسلم ( 2760).
      فهذه تسعون فائدة تخللها فوائد أخرى، يسر الله وأعان على استنباطها فله الحمد وحده، سائلا الله أن ينفعني بها، وأن يتقبلها خالصة لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.   عقيل بن سالم الشمري شبكة الالوكة  
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182177
    • إجمالي المشاركات
      2535451
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93202
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    chaima12
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×