اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57999
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9068
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180629
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259988
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8330
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4165
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25482
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30261
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53085
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40675
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97012
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36839
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29722
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. مملكتكِ الجميلة

    1. 41315
      مشاركات
    2. 33884
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91747
      مشاركات
  11. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32205
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13119
      مشاركات
    3. 34855
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  12. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  13. IslamWay Sisters

    1. English forums   (38428 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  14. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخواتي الغاليات يشغلني كثيرًا ما يحدث في هذا الزمان وهذا الجيل بالرغم من التقنيات الحديثة التي يعيشها هذا الجيل إلا أنني أجد الكثير إلا ما رحم ربي يتبرم ويقنط من حياته أمام اي ابتلاء أو ضائقة تمر به بل ويلوم والديه على أنهم السبب فيما هو فيه وترى الآباء والأمهات عاجزون عن تقويمهم وتغيير سلوكهم بسبب ذلك العالم المنفتح على جميع الثقافات الأخرى دون رابط أو ضابط فعجيب هو أمر الإنسان وتلك النماذج التي لا ترى نعم الله وينكر وجودها لماذا وصلنا لهذا الحال لماذا نقف مكتوفي الأيدي وأين حمد الله على النعم التي رزقهم الله إياها؟!  لماذا دائمًا هذا الجيل ينفر ويُنفّر غيره! أليس هذا من كفران النعم التي يعذب الله الناس بسببها، في حين أنهم لو شكروا لزادهم منها، فقال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]. يقول الشيخ السعدي رحمه الله في هذه الآية: "وقال لهم حاثًا على شكر نعم الله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} أي: أعلم ووعد، {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} من نعمي، {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} ومن ذلك أن يزيل عنهم النعمة التي أنعم بها عليهم، والشكر: هو اعتراف القلب بنعم الله والثناء على الله بها وصرفها في مرضاة الله تعالى، وكفر النعمة ضد ذلك". وقال ابن كثير رحمه الله فيها: "وقوله: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} أي: لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ} أي: كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها، {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} وذلك بسلبها عنهم، وعقابه إياهم على كفرها، وقد جاء في الحديث: «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه». وفي المسند: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به سائل «فأعطاه تمرة»، فتسخطها ولم يقبلها، ثم مر به آخر «فأعطاه إياها»، فقبلها وقال: تمرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم «فأمر له بأربعين درهمًا» -أو كما قال- قال الإمام أحمد: حدثنا أسود، حدثنا عمارة الصيدلاني عن ثابت، عن أنس قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم سائل«فأمر له بتمرة» فلم يأخذها -أو: وحش بها- قال: «وأتاه آخر فأمر له بتمرة»، فقال: سبحان الله! تمرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال للجارية: «اذهبي إلى أم سلمة فأعطيه الأربعين درهمًا التي عندها»" تفرد به الإمام أحمد... ألا لنحمد الله على نعمه حتى لا نُحرم ونُعذب بسبب جحودنا وكفرنا بتلك النعم التي حُرم منها الكثير، وليزيدنا الله منها ويحفظها لنا من الزوال، بل قد تكون سبب في عفوه ورضاه إن أحسنا استخدامها ووجهناها لطاعته وابتغاء مرضاته، وحتى نكون من القليلالشكور الذين قال الله تعالى فيهم: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} [الأعراف:10].  فاللهم اجعلنا من القليل الشكور  واهدنا وذرياتنا واهدي بنا اللهم آمين   
    • الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد: فالعناء من المواضيع التي تكلم عليها العلامة ابن القيم, رحمه الله في عدد من كتبه وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره.     ●  الغناء ينبت النفاق في القلب:       [كتاب: مدارج السالكين في منازل السائرين]   قال ابن مسعود رضي الله عنه: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل. وهذا كلام عارفٍ بأثر الغناء وثمرته, فإنه ما اعتاده أحد إلا نافق قلبه وهو لا يشعر, ولو عرف حقيقة النفاق وغايته لأبصره في قلبه, فإنه ما اجتمع في قلب محبة الغناء ومحبة القرآن إلا وطردت إحداهما الأخرى, وقد شاهدنا نحن وغيرنا ثقل القرآن على أهل الغناء وسماعه, وتبرُّمهم به, وصياحهم بالقارئ إذا طول عليهم, وعدم انتفاع قلوبهم بما يقرؤه, فلا تتحرك ولا تطرب ولا يهيج منها بواعث الطلب, فإذا جاء قرآن الشيطان فلا إله إلا الله, كيف تخشع منهم الأصوات, وتهدأ الحركات, وتسكن القلوب وتطمئن, ويقع البكاء والوجد, والحركة الظاهرة والباطنة, والسماحة بالأثمان والثياب, وطيبُ السهر وتمنِّى طول الليل! فإن لم يكن هذا نفاقاً فهو آخيَّة النفاق وأساسه.     ●  ما ظهرت المعازف في قوم وفشت فيهم إلا سُلط عليهم العدو: والذي شاهدناه نحن وغيرنا وعرفناه بالتجارب أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم وفشت فيهم واشتغلوا بها إلا سُلط عليهم العدو, وبُلُوا بالقحط والجدب وولاة السوء, والعاقل يتأمل أحوال العالم وينظر, والله المستعان.                [كتاب: إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان]     ●  الغناء يلهي القرآن ويصده عن فهم القرآن وتدبره: اعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق, ونباته فيه كنبات الزرع بالماء, فمن خواصه: أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره, والعمل بما فيه, فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبداً, لما بينهما من التضاد, فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى, ويأمر بالعفة, ومجانبة شهوات النفوس, وأسباب الغي وينهى عن اتباع خطوات الشيطان والغناء يأمر بضد ذلك كله ويحسنه ويُهيج النفوس إلى شهوات الغي, فيثير كامنها, ويزعج قاطنها, ويحركها إلى كل قبيح     ●  حكم الغناء عند الأئمة الأربعة: قال الإمام أبو بكر الطرطوشي في كتابه في تحريم السماع: أما مالك فإنه نهى عن الغناء, وعن استماعه...وسئل عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء, فقال: إنما بفعله عندنا الفساق. وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء, ويجعله من الذنوب. وأما الشافعي فقال: إن الغناء لهو مكروه, يُشبه الباطل والمحال, ومن استكثر منه فهو سفيه تُرد شهاته. وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه, وأنكروا على من نسب إليه حله. وأما مذهب الإمام أحمد فقال عبدالله ابنه: سألت أبي عن الغناء. فقال: الغناء يُنبتُ النفاق في القلب.     ●  سماع الغناء من المرأة الأجنبية وأما سماعه من المرأة الأجنبية أو الأمرد فمن أعظم المحرمات وأشدها فساداً.       ●  سماع الغناء من مكايد الشيطان: من مكايد عدو الله ومصايده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين, وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة الذي يصد القلوب عن القرآن ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان فهو قرآن الشيطان والحجاب الكثيف عن الرحمن وهو رقية اللواط والزنى وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى كاد به الشيطان النفوس المبطلة وحسنه لها مكراً منه وغروراً وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه فقلبت وحيه واتخذت لأجله القرآن مهجوراً. مزامير الشيطان أحبُّ إليهم من استماع سور القرآن, لو سمع أحدهم القرآن من أوله إلى آخره لما حرك له ساكناً, ولا أزعج له قاطناً, ولا أثار فيه وجداً, ولا قدح فيه من لواعج الشوق إلى الله زنداً, حتى إذا تلي عليهم قرآن الشيطان وولج مزموره سمعه, تفجرت ينايبع الوجد من قلبه على عينيه فجرت, وعلى أقدامه فرقصت, وعلى يديه فصفقت, وعلى سائر أعضائه فاعتزت وطربت, وعلى أنفاسه فتصاعدت, وعلى زفراته فتزايدت, وعلى نيران أشواقه فاشتعلت                      [كتاب: الكلام على مسألة السماع]     ●  صوت القرآن وصوت الغناء: صوت القرآن يُسكِّن النفوس ويُطمئنها ويُوقرها, وصوت الغناء يستفزها ويُزعجها ويُهيجها,...فتبارك من جعل كلامه شفاء لصدور المؤمنين, وحياةً لقلوبهم, ونوراً لبصائرهم, وغذاءً لقلوبهم, ودواءً لأسقامهم, وقرةً لعيونهم, وفتح به منهم أعيناً عُميناً, وآذاناً صُماً وقلوباً غلفاً,..فأشرقت به الوجوه, واستنارت به القلوب.       ●  أدلة تحريم الغناء: قال تعالى: ﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡم وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَاب مُّهِين * وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا وَلَّىٰ مُسۡتَكۡبِرًا كَأَن لَّمۡ يَسۡمَعۡهَا كَأَنَّ فِيٓ أُذُنَيۡهِ وَقۡراًۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [لقمان:6-7] فسر غير واحد من السلف لهو الحديث بأنه الغناء,...فقال أبو الصهباء: سألت عبدالله بن مسعود عن هذه الآية فقال: هو الغناء والاستماع إليه. وقال إبراهيم النخعي والحسن البصري في هذه الآية: إنه الغناء. وقال عكرمة عن ابن عباس في قوله: ﴿ أَفَمِنۡ هَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ تَعۡجَبُونَ * وَتَضۡحَكُونَ وَلَا تَبۡكُونَ * وَأَنتُمۡ سَٰمِدُونَ﴾ [النجم:59-61] إنَّ السمود هو الغناء, يقال: سمد فلان إذا غنى, وقد فُسر السمود باللهو, وفسر بالإعراض, وفسر بالغفلة, وفسر بالأشر والبطر, ولا ينافى تفسيره بالغناء, فإن الغناء ثمرة ذلك كله, فإن الحامل عليه اللهو والغفلة والإعراض والأشر والبطر, وذلك كله مناف للعبودية. قال تعالى: ﴿ وَٱستفزِزۡ مَنِ ٱستَطَعتَ مِنهُم بِصَوۡتِكَ ﴾ [الإسراء:64] قال مجاهد: هو الغناء والمزامير, وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم: (( صوتاً أحمق فاجر)) ولو كان مباحاً لما كان فاجراً فروى البخاري في صحيحه من حديث عبدالرحمن بن عوف قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي حِجره إبراهيم, يعني: ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو يجود بنفسه, وعيناه تذرفان, فقلت: يا رسول الله! أو تبكي؟ أو لم تنه عن البكاء ؟ فقال: ( إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: رنة عند مصيبة وشق جيب وخمش وجوه, ورنة شيطان عند نعمة ولهو ولعب.))       ●  مفاسد السماع: هذا السماع...كم حصل به من مفسدةٍ...فكم أفسدَ من دين, وأمات من سنة, وأحيا من فجور وبدعة, وكم هُدِمَ به من مرضاة الله ورسوله, وبُني به من مساخطه ومساخط رسوله, ولا إله إلا الله كم جلب من شرك, وأخفى من توحيد, وكم فيه من فتحٍ لطرق الشيطان, وصدٍّ عن سبيل الله وعن الإيمان, وكم أنبت في القلب من نفاقٍ, وغرَسَ فيه من عداوة لدين الله وشقاق, وكم وقع فيه من رقية للزنا والحرام, وتسهل به من طريق إلى ما كرهه الله من المعاصي والآثام, وكم قرت به للشيطان وحزبه من عيون وتقرحت به لأولياء الله وحزبه من جفون, وكم مالت به الطباعُ إلى ما حرمه الله ورسوله عليها وكم سكرت به النفوس فعربدت بالمحارم وانقادت قسراً إليها هذا ولو لم يكن فيه من المفاسد إلا ثِقلُ استماع القرآن على قلوب أهله, واستطالته إذا قُرئ بين يدي سماعهم, ومرورهم على آياته صُماً وعمياناً, لم يحصل لهم منه ذوق ولا وجد ولا حلاوة, بل ولا يصغى أكثر الحاضرين أو كثير منهم إليه, ولا يُقومون معانيه, ولا يغضون أصواتهم عند تلاوته. فإذا جاء السماع الشيطاني خشعت منهم الأصوات, وهدأت الحركات, ودارت عليهم كؤوس الطرب والوجد, وحدا حينئذٍ حادي الأرواح إلى محل السرور والأفراح. ومن مفاسده: أنه يُثقل على القلوب الفكر في معاني القرآن وحقائق الإيمان, فبحسب انصرافه إلى السماع يكون انصرافه عن ذلك, فمستقل ومستكثر. وكذلك يُثقل على اللسان ذكر الله, وإن خف الذكر على لسانه كان ذكراً مجرداً عن مواطأة القلب للسان, وهذا أمر يعلمه السماعي الصادق من نفسه, ولا يمكنه جحده بقلبه فما اجتمع السماع والذكر والقرآن في موطن إلا وطرد أحدهما الآخر, فلا يجتمعان إلا حرباً, لا يجتمعان سلماً قط. كم أُفسِد بالسماع من قلب, وكم سُلِب من نعمة, وكم جُلِب من نقمة, وكم رُكِب به من فرج حرام, وكم استُحلَّ به من المحارم والآثام, وكم صَدَّ عن ذكر الله وعن الصلاة, وكم قطع على السالكين سبيل النجاة, وكم تهافت به فراشُ العقول والأحلام في الجحيم, وكم فاتها به من حظها من الله وجنات النعيم ؟ ومن مفاسده: أنه يميل بسامعه إلى اللذات العاجلة, ويدعو إلى استيفائها من جميع الشهوات بحسب الإمكان...وبين الغناء وشهوة الجماع ولذته أقرب نسبٍ من جهة أن الغناء لذة الروح, والجماع أكبر لذات النفس, فيجتمع داعي اللذتين على طبع مستعد ونفس فارغة, فيجد الداعي محلاً فارغاً لا مدافع له, فيتمكن منه,كما قيل: أتاني هواها قبل أن أعرِف الهوى       فصادف  قلباً فارغاً    فتمكـنا وبالجملة فمفاسد هذا السماع في القلوب والنفوس والأديان أكثر من أن يحيط بها العدُّ, ومن عرف مقاصد الشرع في سدِّ الذرائع المفضية إلى الحرام قطع بتحريم هذا السماع, فإن النظر إلى الأجنبية واستماع صوتها لغير حاجة حرام سدًّ للذريعة. فتحريم...الآلات المطربة من تمام حكمة الشارع, وكمال شريعته, ونصيحته للأمة, فإنه لو حرّم ما اشتمل على المفاسد, وما هو وسيلة وذريعة إليه, ولو أباح وسائل المفاسد مع تحريمها لكان تناقضاً يُنزه عنه, ولو أن عاقلاً من العقلاء حرَّم مفسدة وأباح الوسيلة المفضية إليها لعدَّه الناس سفيهاً متلاعباً.       ●  الداهية الكبرى القول بجواز هذا السماع: قال غير واحد من السلف: ادعى قوم محبة الله تعالى, فأنزل الله تعالى: ﴿ قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ﴾  [آل عمران:31] فلم يقل: فارقصوا واطربوا على صوت المزامير والشبابات, والألحان المطربات, بالتوقيعات والنغمات, فمن أضلُّ سبيلاً ممن يدعي محبة الله ويزعم أنه يتقرب إليه بهذا السماع الشيطاني. فالمصيبة العظمة والداهية الكبرى: نسبة ذلك إلى دين الرسول صلى الله عليه وسلم وشرعه, وأنه أذن في ذلك لأمته, وأباحه لهم وأطلقه, ورفع الحرج عن فاعله, مع اشتماله على هذه المفاسد المضادة لشرعه ودينه وأظلم من هذه البلية وأشدُّ: اعتقاد أنه قُربة حتى يُتقرب به إلى الله, ودين يُدان الله به, وأن فيه من صلاح القلوب وعمارتها بالأحوال العلية والصفات الزكية ما يجعله أفضل من كثير من النوافل, كقيام الليل وقراءة القرآن, وطلب ما يُقرب إلى الله من العلم النافع والعمل الصالح وأعظم من هذا كلِّه بليةً ومصيبةً اعتقاد أن تأثُّر القلوب به أسرع وأقوى من تأثرها بالقرآن, وأنه قد يكون أنفع للعبد من سماع القرآن, وأن فتحه أعجل وأقوى من فتح القرآن من وجوه متعددة. ولا ريب أن هذا من النفاق الذي أنبته الغناء في القلب, فإنه كما قال ابن مسعود: " الغناء يُنبتُ النفاقَ في القلب كما يُنبت الماءُ البقلَ "وأي نفاق فوق هذا النفاق؟ ولا ريب أن ارتكاب المحرمات مع العلم بتحريمها أسهلُ وأسلمُ عاقبةً من ارتكابها على هذا الوجه, فإن هذا قلب للدين, ومشاققة لرسول رب العالمين, واتباع لغير سبيل المؤمنين, وقد قال تعالى: ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا﴾  [ النساء: 115]     ●  تحذير سائر طوائف أهل العلم من الغناء والسماع: يتبين لمن له قلب حي وبصيرة منور بنور الإيمان, أن الغناء والسماع الشيطاني وآلات اللهو إنما نصبها الشيطان مضادةً لأمر الله ومعارضةً لما شرعه لعباده, وجعله سببَ صلاح قلوبهم  وأديناهم, واستخف الشيطان وحزبه وحسن لهم ذلك, فأطاعوه, وزينه لهم فاتبعوه, ولما فعلوا ذلك واستجاب لهم من قّل نصيبه من العلم والإيمان, صاح بهم جند الله وحزبه من كل قطر وناحية, وحذَّروا منهم, ونهوا عن مشابهتهم والاقتداء بهم من سائر طوائف أهل العلم, فصاح بهم أئمة الحديث, وأئمة الفقه, وأئمة التفسير, وأئمة الزهد والسلوك إلى الله, وحذروا منهم كل الحذر.     ●  الغناء من أصوات الشيطان: قال تعالى للشيطان: ﴿ وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ ﴾ [الإسراء:64] فالصوت الشيطاني يستفز بني آدم, وصوت الشيطان كل صوت في غير طاعة الله, نُسِبَ إلى الشيطان لأمره به ورضاه به, وإلا فليس هو الصوت نفسه, فصوت الغناء وصوت النوح وصوت المعازف...كلها من أصوات الشيطان, التي يستفز بها بني آدم فيستخفهم ويُزعجهم, ولهذا قال السلف في هذه الآية: " إنه الغناء"             [كتاب: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح]     ●  الغناء مفتاح الزنا: جعل الغناء مفتاح الزنا.                            [كتاب: تحفة المودود بأحكام المولود]     ●  تربية الصغار على تجنب سماع الغناء. وكذلك يجب أن يجنب الصبيُّ إذا عقل مجالس اللهو والباطل، والغناء.
      كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ صيد الفوائد    
    • الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وجنده، وبعد:
      الخلائق جميعا سيجمعهم الله تعالى في يوم تشيب له الولدان، وتتصدع فيه القلوب وتقشعر له الأبدان، في مشهد مهول، وأحوال فظيعة، وأوقات عصيبة، ومواقف عظيمة؛ ( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ )[1].

      الناس يوم القيامة صنفان، إما آمنون كما في قوله تعالى( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )[2]، هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك، له، ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة[3]، ( لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ )[4]، والصنف الآخر: خائفون نادمون متحسرون يحزنهم الفزع الأكبر.
        والحسرة: شدة التلهف والندم والتأسف، على ما فات ومضى، وهو تعبير عن الحزن لمصاب وقع، ومن أسماء يوم القيامة " يوم الحسرة" قال تعالى( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ )[5]، وأي: حسرة أعظم من فوات رضا الله وجنته، واستحقاق سخطه والنار، على وجه لا يتمكن من الرجوع، ليستأنف العمل، ولا سبيل له إلى تغيير حاله بالعود إلى الدنيا؟![6].
        وَالْمُرَادُ بِيَوْمِ الْحَسْرَةِ يَوْمُ الْحِسَابِ، أُضِيفَ الْيَوْمُ إِلَى الْحَسْرَةِ لِكَثْرَةِ مَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنْ تَحَسُّرِ الْمُجْرِمِينَ عَلَى مَا فَرَّطُوا فِيهِ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاةِ، فَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ كَأَنَّهُ مِمَّا اخْتَصَّتْ بِهِ الْحَسْرَةُ، فَهُوَ يَوْمُ حَسْرَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ يَوْمَ فَرَحٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّالِحِينَ.[7]
      وباعتبار آخر الناس جميعا يتحسرون يوم القيامة، المؤمن والمحسن يتحسر لعدم ازدياده من الطاعة والإحسان، والمسيء يتحسر لتفريطه في جنب الله وضياع أوقاته في المعاصي والموبقات.
      { وأنذرهم يوم الحسرة } نفسه في ذلك المشهد العظيم، يوم تزل القدم، ولا ينفع الندم، للمسيء على إساءته، وللمحسن على عدم ازدياده من الإحسان.[8]

        هنالك حسرات خاصة لأهل الإيمان بسبب تفريطهم وتركهم أعمال محددة أو مقارفة أمور معينة، من ذلك:

      - حسرة من ترك قراءة سورة البقرة لمن استطاع ذلك، فإذا عاين البركة والخير والأجر العميم فيما لو كان قرأها وتدبرها وانتفع بما فيها؛ فإنه يتحسر ولات ساعة مندم!
      يقول عليه الصلاة والسلام( اقرؤوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أخْذَها بركةٌ، وترْكُها حسرةٌ، ولا تستطيعُها البطَلَةُ ).[9]

      - حسرة أصحاب المجالس التي تخلو من ذكر الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم:
      يقول عليه الصلاة والسلام( ما قعد قومٌ مَقعدًا لم يذكروا فيه اللهَ عزَّ وجلَّ، ويُصلُّوا على النَّبيِّ، إلَّا كان عليهم حسرةً يومَ القيامةِ، وإن دخلوا الجنَّةَ للثَّوابِ )[10].

      - من حرص على الإمارة والمنصب والقيادة والمكانة، ثم لم يؤد حقها تكون عليه حسرة يوم القيامة:
      يقول عليه الصلاة والسلام( إنكم ستَحرصون على الإمارةِ، وإنها ستكونُ ندامةً و حسرةً، فنعْمَتِ المُرْضِعَةُ، و بِئْسِتِ الفاطمةُ ).[11]

      - الحسرة على أعمال صالحة خالطتها الشوائب والأكدار، من رياء وسمعة وعُجُب ومنة:
      قال تعالى( وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ )[12].

          أما حسرات الكفار والمجرمين والعصاة والظالمين المفرطين يوم القيامة عديدة ومتنوعة، هي عذاب معنوي أشد من العذاب الجسدي والحسي، من ذلك:

      - حسرة أهل النار:
      قال عليه الصلاة والسلام( لا يَدخلُ الجنةَ أحدٌ إلَّا أُرِيَ مَقعدَهُ من النارِ لوْ أساءَ لِيزدادَ شُكرًا، ولا يَدخلُ النارَ أحدٌ إلَّا أُرِيَ مَقعدَهُ من الجنةِ لوْ أحسَنَ لِيكونَ عليه حسرةً )[13].

      - حسرة الكفار وتمنيهم الموت يوم القيامة:
      قال تعالى( يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا )[14].
      ولهذا كان الكفار يتمنون الموت من شدة الحسرة والندم.[15]

      - حسرة أتباع الشيطان الذين استجابوا لنزغاته ووساوسه، عندما يتخلى عنهم في النار:
      قال تعالى( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )[16].

      - حسرة المجرمين منكسي رؤوسهم عند معاينة العذاب:
      قال تعالى( وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ )[17].

      - حسرة وندم المفرطين عند معاينة الموت:
      قال تعالى( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )[18]، أي: مجرد قول باللسان، لا يفيد صاحبه إلا الحسرة والندم، وهو أيضا غير صادق في ذلك، فإنه لو رد لعاد لما نهي عنه.[19]

      - الكافر يوم القيامة يرى أنه لم يلبث في الدنيا إلا قليلا فيتحسر على ذلك:
      قال تعالى( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ )[20].

      - حسرة عظيمة لمن خسر نفسه وأهله يوم القيامة:
      قال تعالى( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )[21].

      - حسرة المكذبين بلقاء الله ويوم القيامة:
      قال تعالى( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ )[22]، يقول تعالى مخبرا عن خسارة من كذب بلقاء الله وعن خيبته إذا جاءته الساعة بغتة، وعن ندامته على ما فرط من العمل، وما أسلف من قبيح الفعال.[23]

      - حسرة المشركين لعدم اتباعهم ما أُنزل من القرآن:
      قال تعالى( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ . أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ )[24].

      - حسرة مَن جانب طريق الهداية والتقوى:
      قال تعالى( أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )[25].

      - حسرة المفرطين عند رؤية العذاب:
      قال تعالى( أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ )[26].

      - حسرة الظالمين بمختلف أصنافهم:
      قال تعالى( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا )[27]، ويوم يعضّ الظالم نفسه المشرك بربه على يديه ندما وأسفًا على ما فرط في جنب الله.[28]
      وعض اليدين كناية عن شدة الحسرة والندامة والغيظ، لأن النادم ندما شديدا، يعض يديه. وليس أحد أشد ندما يوم القيامة من الكافرين.[29]

      - حسرة الظالمين عند رؤية العذاب، وعدم تمكنهم من الافتداء والتحلل من الظلم:
      قال تعالى( وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ).

      - حسرة من اتخذ قرناء السوء وصاحبهم في الدنيا:
      قال تعالى مخبرا عن حال هذا الصنف( يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا )[30]، تشتد حسراته وتتصاعد زفراته يَقُولُ: يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا.[31]

      - حسرة من ضيع ماله في الدنيا ولم ينفق منه في سبيل الله؛ عند معاينة الموت:
      قال تعالى( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ )[32].
      الإنفاق إنما ينفع إذا كان عن ملكة السخاء، وهيئة التجرد في النفس. فأما عند حضور الموت، فالمال للوارث لا له، فلا ينفعه إنفاقه، وليس إلا التحسر والتندم، وتمني التأخير في الأجل بالجهل.[33]

      - حسرة أهل النار عند معاينتهم وإذاقتهم أشد العذاب، مطالبين ربهم بالخروج منها والرجوع للدنيا ليعملوا الصالحات، لكن هيهات!
      قال تعالى عن أهل النار أعاذنا الله وإياكم منهم( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ )[34].

      - حسرة أهل النار عندما يناديهم أصحاب الجنة وقد فازوا بالنعيم المقيم:
      قال تعالى( وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ )[35].
      وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ، أي إذا استقروا في منازلهم، أَصْحابَ النَّارِ توبيخا وتحسيرا لهم.[36]

      - حسرة أهل النار بعد طلبهم من أهل الجنة شرب الماء والطعام:
      قال تعالى( وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ )[37].

      - حسرة أهل النار بعد ندائهم خزنة جهنم وطلب التخفيف من العذاب:
      قال تعالى( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ . قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ )[38].

      - حسرة أهل النار بعد جواب مالك خازن النار لهم بأنهم خالدون ماكثون فيها بلا موت:
      قال تعالى( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ )[39]، أي: مقيمون فيها، لا تخرجون عنها أبدا، فلم يحصل لهم ما قصدوه، بل أجابهم بنقيض قصدهم، وزادهم غما إلى غمهم.[40]

      - حسرة الكفار على الأموال التي أنفقوها للصد عن سبيل الله:
      قال تعالى( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ )[41].

      - حسرة الإمعات أتباع كل ناعق، المقلدين المتعصبين لغيرهم دون بينة أو برهان، عندما يتخلى عنهم ويتبرأ منهم المتبوعين:
      قال تعالى( وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ )[42].

      - المقلدون الطائعون لأسيادهم وكبرائهم ومنظريهم ورؤسائهم، يتحسرون لأنهم أيقنوا ما كانوا فيه من ضلال:
      قال تعالى( وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا . رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا )[43].

      - الحسرة على أعمال محدثة ومُبتَدعة تخالف الشريعة:
      قال تعالى(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )[44].

      - أعمال الكفار يتحسرون عليها لأنهم فقدوا أصل الإيمان والتوحيد:
      قال تعالى( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ )[45].

      - الأعمال التي لم تكن خالصة لوجه الله يتحسر عليها أهلها لأنها ذهبت سدى وهباءً:
      قال تعالى( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا )[46].

      - حسرة من تعلم العلم ولم يعمل به:
      قال حاتم الأصم رحمه الله: ليس في القيامة أشد حسرة من رجل علم الناس علمًا فعملوا به ولم يعمل هو به، ففازوا بسببه وهلك هو.[47]

      - كل أخوة وصداقة قائمة على غير تقوى الله، كصداقة المنفعة واللذة يتحسر أهلها يوم القيامة:
      قال تعالى( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ . يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ )[48].
      أي: لا خوف يلحقكم فيما تستقبلونه من الأمور، ولا حزن يصيبكم فيما مضى منها، وإذا انتفى المكروه من كل وجه، ثبت المحبوب المطلوب.[49]

      - المنافقون والمنافقات يتحسرون لعدم تمكنهم من اقتباس نور أهل الإيمان يوم القيامة:
      قال تعالى( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ )[50].

      - كل من أضاع وقته في الدنيا بالملهيات، والخطايا والمنكرات، ولم يستجيب لأوامر رب الأرض والسماء، سيتحسر يوم القيامة على جميع الأوقات:
      قال تعالى( يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي )[51]، أي أيام حياتي في الدنيا أو لأجل حياتي هذه الباقية التي لا موت بعدها[52].

      نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن لا يجعلنا من النادمين المتحسرين يوم القيامة



      [1] ( الحج: 2 ).
      [2] ( الأنعام:82 ).
      [3] تفسير ابن كثير.
      [4] ( الأنبياء:103).
      [5] ( مريم:39 ).
      [6] تفسير السعدي.
      [7] التحرير والتنوير.
      [8] تفسير البقاعي.
      [9] صحيح الجامع برقم 1165.
      [10] السلسلة الصحيحة برقم 76، وفي رواية ( ما من قومٍ اجْتَمَعُوا في مَجْلِسٍ، فَتَفَرَّقُوا و لمْ يَذْكُرُوا اللهَ إلَّا كان ذلكَ المَجْلِسُ حَسْرَةً عليهم يومَ القيامةِ ) كما في السلسلة الصحيحة برقم 2557، وهذا يشمل كل المجالس دون استثناء حتى المجاميع في مواقع التواصل كالفيسبوك والواتس آب وغيرها، لذلك وجب الانتباه فالأمر جد خطير.
      [11] صحيح الترغيب والترهيب برقم 2178.
      [12] (الزمر:47).
      [13] صحيح الجامع برقم 7668.
      [14] (النبأ:40).
      [15] تفسير السعدي.
      [16] (إبراهيم:22).
      [17] (السجدة:12).
      [18] (المؤمنون:99-100).
      [19] تفسير السعدي.
      [20] (يونس:45).
      [21] (الزمر:15).
      [22] (الأنعام:31).
      [23] تفسير ابن كثير.
      [24] ( الزمر:55-56).
      [25] ( الزمر:57).
      [26] (الزمر:58).
      [27] (الفرقان:27).
      [28] تفسير الطبري.
      [29] التفسير الوسيط.
      [30] (الفرقان:28).
      [31] تفسير القاسمي.
      [32] (المنافقون:10).
      [33] تفسير القاسمي.
      [34] (فاطر:37).
      [35] (الأعراف:44).
      [36] تفسير القاسمي.
      [37] (الأعراف:50).
      [38] (غافر:49-50).
      [39] (الأعراف:77).
      [40] تفسير السعدي.
      [41] (الأنفال:36).
      [42] (البقرة:167).
      [43] (الأحزاب:67-68).
      [44] (الكهف:103).
      [45] (النور:39).
      [46] (الفرقان:23).
      [47] إحياء علوم الدين(1/63).
      [48] ( الزخرف:67-68 ).
      [49] تفسير السعدي.
      [50] (الحديد:13).
      [51] (الفجر:24). [52] نظم الدرر في تناسب الآيات والسور.

      صيد الفوائد


         
    • وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ٥٦ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ٥٧ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ ٥٨ -الذاريات   قوله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ .. } [الذاريات: 56] الخَلْق هو إيجاد المادة من عدم وتصويرها على غير مثال سابق، والخَلْق بهذه الصورة لا يكون إلا لله وحده، ومع ذلك لم يحرم خَلْقه من هذه الصفة، فأعطاهم صفة الخَلْق على قدرهم.
      وقال سبحانه عن نفسه: { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [المؤمنون: 14] فأنت خالق حينما تبرز للوجود شيئاً جديداً لم يكُنْ من قبل، كالذي يصنع الكوب مثلاً من الرمل يُسمَّى خالق لأنه أوجده، نعم هو خالق ولم يُحرم ثمرة جهده.
      أما الحق سبحانه فهو أحسن الخالقين، ومعلوم أن البشر يخلقون من مادة موجودة، أما الحق سبحانه فيخلق من غير موجود، البشر يخلقون مادة جامدة لا حياةَ فيها، أما الخالق سبحانه فيخلق خَلْقاً حياً مُتجدداً ينمو ويكبر، إلى غير ذلك من الوجوه في هذه المسألة، فنحن نخلق لكن الله أحسنُ الخالقين.
        ثم إن الحق سبحانه خَصَّ هنا الجنَّ والإنس في مسألة العبادة، ولم يذكر خَلْقاً آخر أعظم هم الملائكة، قالوا: لم يذكر الملائكة في هذا المقام لأنهم خُلِقوا للعبادة وليس لهم اختيار فيها، فهم مخلوقون بدايةً، ومُهيَّئون لعبادة الله، وجُبِلوا على ذلك { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6].
        والحديث هنا عن الخَلْق المختار الذي ينتظر منه الطاعة، وينتظر منه العصيان. فإنْ قلتَ: فلماذا قدَّم الجن على الإنس في هذه المسألة؟
      قال بعض العلماء: قدَّم الجن على الإنس، لأن العبادة إما سرية وإما جهرية، وعبادة الجن سِرية لأننا لا نراهم، والعبادة السرية أفضل لأنها لا يدخلها الرياء، أما عبادة الإنس فجهرية في الغالب ويدخلها الرياء.
      وهذا القول يمكن الردّ عليه بأن عبادة الجن سرية بالنسبة لنا، لأننا لا نراهم لكن جهرية بالنسبة لجنسه، ويمكن أيضاً أنْ يدخلها الرياء، فهم يرى بعضهم بعضاً.
      لكن يمكن توجيه المسألة توجيهاً آخر، فنقول: لو أنك قرأتَ القرآن باستيعاب لوجدتَ أن الجن خُلِقوا قبلنا { وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ } [الحجر: 27] فقدَّمه على الإنس لأنه خُلِق قبلهم.
      ثم إن معظم انصراف الإنس عن العبادة بسبب الشيطان وهو من الجن { إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ .. } [الكهف: 50] ولهذا قدِّموا علينا في مسألة العبادة.
        والأسلوب في قوله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56] أسلوب قصر. أي: قصر خَلْق الإنس والجن على العبادة، فهي العلة الوحيدة لهذا الخَلْق، ما خلقهم لشيء آخر سوى عبادته سبحانه.
        والعبادة تعني طاعة العابد للمعبود في أمره ونهيه، وهذه العبادة بهذا المعنى هي العبادة الحق، وهي مطلوب الله من العباد، لذلك لا يقبل الله إلا ما كان له خالصاً.
      وهذه العبادة الحق لا يأتي بها كُلُّ الخلق، بل يأتي كُلٌّ منهم على قدر روحه وعلى قدْر نظره للإله الحق الذي يعبده.
        والناس كبشر متفاوتون في هذه المسألة، وأعلاهم فيها هم الرسل، وأفضل الرسل خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الذي حقَّق العبادة على وفْق مراد الحق سبحانه منها.
      لذلك البعض يغالي فيقول: ما خُلق الكون كله إلا من أجل محمد صلى الله عليه وسلم، ونقول، يكفي أنه صلى الله عليه وسلم أحسنُ عابد لله، لأن العبادة معنى، والمعنى لا يتحقق إلا بعابد حَقٍّ، وهو الذي يؤدي المراد لله.
      وهذا العابد الحق لا يأتي من الناس العاديين، إنما يأتي من الأنبياء وسيد الأنبياء وخاتمهم سيدنا رسول الله، فهو خير مَنْ حقق العبادة لله.
        إذن: علَّة الخَلْق هي العبادة، والله تعالى مُنزَّه في أفعاله عن العلة، فهو سبحانه يفعل ما شاء لما شاء فيما شاء. والعلة الممنوعة في أفعاله تعالى العلة التي تعود عليه سبحانه.
      أما العِلة التي تعود على غيره فلها تعليل، فالعبادة ليستْ له سبحانه إلا لمصلحة الخَلْق جميعاً، لأنها هي التي تسعدهم في الدنيا وتُنجيهم في الآخرة، ولا يعود على الله منها شيء، لأنه سبحانه الغني عن خَلْقه، فلا تنفعه طاعتهم ولا تضره معصيتهم.
      فقد خلق الخَلْق بكامل صفات الكمال فيه، فلم يزدد بهذا الخلق صفة لم تكُنْ له من قبل، فهو خالق قبل أنْ يخلق، ورازقٌ قبل أن يرزق، ومُسبَّح قبل أنْ يُوجد ما يُسبِّحه.
        وإذا كانت العبادة كما قلنا طاعة العابد للمعبود في أمره افعل ولا تفعل، فهي بهذا المعنى تشمل حركة الحياة كلها، ولا تقتصر على الصلاة والصيام والزكاة كما يريدها البعض من الذين يعزلون الدين عن حركة الحياة.
      يقولون: لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة. وهذا قول باطل وغير صحيح، والذين فعلوا ذلك يريدون أنْ يجعلوا لأنفسهم سلطة زمنية تخضع لأهوائهم ليفعلوا ما يريدون.
      لقد تعمدوا عدم الارتباط بمنهج السماء في إدارة شئون الأرض، لأن منهم السماء يقيد حركتهم، ونسُوا أنه أيضاً يقيد حركة المحكومين لمصالحهم.
        إذن: منهج الله شمل الحياة كلها، من قمة لا إله إلا الله إلى إماطة الأذى عن الطريق، ولو كان الأمر كما يقولون أنترك القاتل فلا يُقتل، ونترك الزاني فلا نقيم عليه الحد، ونترك شارب الخمر، ونترك المفسدين يفسدون، ونترك الناس لا يتناهون عن منكر فعلوه؟
      إذن: ماذا يريدون من تعطيل شرع الله وعزله عن حركة الحياة، الحق سبحانه جعل العبادة لصالح الخلق، تنظم حركة حياتهم وتسعدهم.
      ودائماً في هذه المسألة نذكر الحديث القدسى: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في مُلكى شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً" .
      فكيف نُقصي دين الله عن حركة حياتنا، وقد تدخل في أبسط الأمور، "فدخل رجل عاصٍ الجنة لأنه سقى كلباً، ودخلتْ امرأة النار في هرة حبستها" ، فما بالك بالإنسان الذي كرَّمه الله، أنهتم بسياسة الكلاب ونترك سياسة البشر؟
        وورد أيضاً في الحديث القدسي: "يا بن آدم، خلقتُك لعبادتي فلا تلعب" يعني جدّ في حركة الحياة، لأن اللعب حركة بلا فائدة وبلا مغزى، والله يريد لحركة العباد أنْ تكون حركة نافعة ذات مغزى.
      فلو أنك أخذت جانب العبادة وأهمها الصلاة مثلاً، ألستَ تحتاج لإقامة هذا الواجب إلى ستر العورة كيف؟ ثياب تلبسها، كيف تصل إليك هذه الثياب؟
      تأمل من أول زراعة القطن إلى أنْ يصلك ثوب تلبسه، إنها رحلة طويلة من السعي والعمل والجد، يشترك فيها آلاف يخدمونك في هذه المسألة.
        إذن: حركة الحياة ليست هي الصلاة فحسب، بل كل ما يعينني على أداء الصلاة وكل ما يعينني على أداء الزكاة والصوم والحج.
      إذن: العبادة أمر شائع في كل حركة الحياة، فكيف نفصل الدين عن حركة الحياة كلها، فضلاً عن أنْ نفصله عن سياسة أمر الخَلْق وتدبير شئونهم؟
        وقوله سبحانه: { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } [الذاريات: 57].
      أي: ما أريد من خَلْقي أنْ يرزقوني، نعم لأنه هو سبحانه الرزاق المتكفّل بأرزاق كُلِّ الخلق، فكيف ينتظر منهم رزقاً، وهو يرزق مؤمنهم، ويرزق كافرهم؟ كيف وهو موجود سبحانه قبل أنْ يُوجدوا، وله صفات الكمال كلها قبل أنْ يخلقهم.
        ومن باطن هذا الرزق يرزق الناسُ بعضهم بعضاً، فرزق هذا من يد هذا، والحق سبحانه وتعالى يشجع العبد على أنْ يعطي فيقول له: حينما ترزق عبدي فكأنك رزقتني، وحينما تعطيه كأنك أعطيتني.
      ذلك لأنه تعالى هو الذي خلق الناس واستدعاهم إلى الوجود، وتكفَّل لهم بالرزق، فيد الله ممدودة لخَلْقه بخَلْقه، لذلك سمَّى الصدقة على الفقير قرضاً، فقال: { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً .. } [البقرة: 245].
        وفي الحديث القدسي: "يا بن آدم مرضتُ فلم تعدني، فيقول العبد: يا رب كيف أعودك وأنتَ رَبُّ العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عُدْتَه لوجدتني عنده. يا بن ادم استطعمتك فلم تطعمني، فيقول: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول: لقد استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمتَ أنك لو أطعمته لوجدتَ ذلك عندي ..." .
        إذن: فعل الخير يقع في يد الله قبل أنْ يقع في يد العبد، والحق سبحانه وتعالى لو أراد لأنزلَ رزقه إلى عباده مباشرة، لكن جعله من أيدي الناس لأيدي الناس ليزرع بينهم الألفة والمودة والمحبة، ويشيع بينهم التراحم وعدم الاستكبار، فالله يريد المجتمع أنْ تكاتف وأنْ يتعاون.
      وقوله تعالى: { وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } [الذاريات: 57] فعطف الطعام على الرزق، لماذا؟ سبق أنْ بيَّنا أن الرزق هو كلّ ما يُنتفع به، وعلى هذا فالعلم رزق، والحلم رزق، والكرم رزق، والصحة رزق وهكذا، فالرزق هنا الرزق العام لذلك خَصَّ بعده الطعام لأنه أظهر شيء في الرزق، وبه تقوم الحياة وتستبقي. قالوا: ولم يذكر الشراب لأنه داخل في الطعام.
        { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } [الذاريات: 58] السياق هنا يؤكد على هذه الحقيقة ليرسخها في الأذهان، ليطمئن كلٌّ منا على أن رزقه مضمون { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ .. } [الذاريات: 58] فاستخدم إن ثم ضمير المنفصل هو { ذُو ٱلْقُوَّةِ  .. } [الذاريات: 58] أي: صاحب القوة. وهذا يعني أن الذات شيء، والقوة شيء منفصل عنها.
      وفي موضع آخر يتكلم عن القوة والغلبة فيقول: { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [المجادلة: 21] فالقوة هنا في الذات، فلم يقل هنا ذو قوة. لأن المقام مقام بيان للغلبة في وجه المعاندين.
      لذلك قال { قَوِيٌّ .. } [المجادلة: 21] والقوي هو الذي يغلب، لكن قد تتكاتف عليه قوى أخرى تغلبه، فقال { عَزِيزٌ } [المجادلة: 21] يعني: غالب لا يُغلب أبداً. وهنا قال: { ٱلْمَتِينُ} [الذاريات: 58] أي: الشديد في قوته، لأن القوة قد يصيبها الوهن فتضعف.     فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ ٥٩ -الذاريات من أساليب القرآن أنْ يذكر المتقابلات، فبعد أنْ تكلم عن المؤمنين يتكلم عن كفار مكة، فهم المقصودون بقوله تعالى: { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ .. } [الذاريات: 59] ظلموا بتكذيبهم وعنادهم لرسول الله ووقوفهم في وجه الدعوة، فاستحقوا أنْ يكون لهم { ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِم .. } [الذاريات: 59] أي: نصيب من العذاب مثل نصيب أصحابهم من المكذِّبين في الأمم السابقة عاد وثمود وفرعون.
      والذَّنوب هو الدلو الذي نُخرج به الماء من البئر، والحبل الذي يُشدُّ به الدلو يسمى الرِّشَاء، فإنْ كان الماء كثيراً خرج الدلو ثقيلاً بطيئاً، لذلك قالوا: وأبطأ الدِّلاء فيضاً أملؤها وأثقل السحائب مشياً أحفلها والشاعر العربي يُعبر عن هذا المعنى، فيقول: وإذا امْرؤ مدح امرَءاً لِنواله وأطال فيه فقد أطال هجاءَه
      لو لم يقدّر فيه بعد المستقى عند الورود لما أطال رشاءَه لأن بُعْد الماء في البئر يستدعي طول الرشاء، كذلك بُعْد النوال عند الممدوح يستدعي طول المديح.
      إذن: استخراج الماء بالدلو كانت عادة عربية، وإن كان الذَّنُوب يُصب له الماء ليشربوا في الدنيا، لكن الذنوب هنا سيصب عليهم العذاب صَباً.
      كما قال تعالى: { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } [الحج: 19] يصب على المكذبين من قريش، كما صبّ على قوم نوح وعاد وثمود وقوم فرعون، لأن الكفر ملة واحدة على مرِّ العصور.
      لذلك لما تكلم الحق سبحانه عن عذاب قوم لوط قال: { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } [هود: 82-83] فالعذاب الذي نزل بالسابقين ليس بعيداً عن اللاحقين.
      وهنا أكد على هذا المعنى فقال: { فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } [الذاريات: 59] لأنه واقع بهم لا محالة وغير بعيد عنهم، والمسألة مسألة وقت وأوانٍ ينتظرهم.     فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ ٦٠ -الذاريات   كلمة (ويل) قالوا: واد في جهنم، وقالوا: ويل. يعني: هلاك وعذاب ولَعْن من الله لهؤلاء الذين خرجوا عن طاعته ولم يُؤدوا المهمة التي خُلِقوا من أجلها وهي عبادة الله وحده.
      فلما استغنوا عن الله استغنى اللهُ عنهم، فأبعدهم من رحمته وخلَّدهم في عذابه، فلا يقضي عليهم فيموتوا، ولا يخفف عنهم من عذابها.
      لذلك حكى الله عنهم: { وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } [الزخرف: 77] وقال عنهم: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ .. } [النساء: 56].
        وقوله تعالى: { مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } [الذاريات: 60] أي: يومهم الذي وعدهم اللهُ به وحذَّرهم منه، فالله تعالى لم يأخذهم على غِرّة، ولم يتركهم في غفلة، إنما بيَّن لهم العواقب. فقال: { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا .. } [فصلت: 46].   التفاسير العظيمة      
    • (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ ٤٣ فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ ٤٤ فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ ٤٥ )-الذاريات

      معنى { وَفِي ثَمُودَ .. } [الذاريات: 43] أي: وآية أيضاً في ثمود، وهم قوم سيدنا صالح عليه السلام { إِذْ قِيلَ لَهُمْ .. } [الذاريات: 43] أي: اذكر إذ قيل لهم { تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ } [الذاريات: 43] وهذا تهديد لهم ووعيد بعد ما فعلوه مع نبي الله صالح، يقول لهم تمتعوا إلى حين، فسوف يعاجلكم العذاب، وسيأخذكم الله أخْذَ عزيز مقتدر.
      ومع هذا التهديد والتوعُّد ظلوا على عنادهم { فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ .. } [الذاريات: 44] فلم يُجد معهم التهديد، والعتو يعني: مالوا عن أمر بهم وتركوه وهجروه


      وهذا الفعل (عتى) عُتواً يتعدى بـ (على) كما في قوله تعالى: { أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } [مريم: 69] وهنا تعدَّى بعن { فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ .. } [الذاريات: 44] فقد عتوا عن الأمر لا على الآمر { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ } [الذاريات: 44] الصاعقة صوت مزعج يأتي من أعلى تصاحبه إما نار حارقة، أو ريح مدمرة.
      { فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ .. } [الذاريات: 45] أي لِهول ما نزل بهم فزعوا فزعاً أقعدهم، فلم يستطيعوا القيام ولا الهرب من باب أوْلَى، فالصاعقة صعقتهم وأفقدتهم القوى { وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ } [الذاريات: 45] يعني: لم يستطيعوا نصر أنفسهم، ولم ينصرهم أحد، ولم يدافع عنهم أحد.






      وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ ٤٦ -الذاريات


      قوم نوح أيضاً آية وعبرة { مِّن قَبْلُ .. } [الذاريات: 46] قبل فرعون وقبل عاد وثمود { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } [الذاريات: 46] خارجين عن طاعة الله مُكذِّبين لنبيه نوح عليه السلام.
      وقد بسط القرآن قصتهم في مواضع أخرى بالتفصيل، وأن نوحاً لبث في دعوتهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل، وأنهم صَمُّوا آذانهم عن دعوته واستغشوا ثيابهم، وأصرُّوا واستكبروا استكباراً إلى أنْ يئس منهم نوح فدعا عليهم. { { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } [نوح: 26-27].
      وهنا أجمل القول فيهم { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } [الذاريات: 46] أي: خارجين عن طاعة الله من قولنا: فسقت الرطبة عن قشرتها. أي: انسلختْ منها.
      والرطب هو البلح اللين الذي توفر له الماء ففيه مائية، لذلك جعله الله تعالى طعاماً للسيدة مريم، فقال سبحانه: { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً .. } [مريم: 25-26] أي: كانت الرطب بالنسبة لها طعاماً وشراباً في آنٍ واحد.
      فهذه صورة بيانية تُصوِّر شرع الله بالغشاء الذي يحمي الثمرة، فالشرع يحمي المؤمن كما تحمي القشرة الثمرة، فاحذر أنْ تخرج عن هذا الغشاء الذي يسترك ويحميك ويُزينك.   وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ٤٧ وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ ٤٨ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ٤٩


      السماء يُراد بها كلّ مَا علانا { بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ .. } [الذاريات: 47] أي بقوة واقتدار وحكمة والبناء يتطلب العملية التي فيها مكين. ثم قال { وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا .. } [الذاريات: 48] أي: مهَّدناها وبسطناها.
      فالسماء فيها صفة الثبات، فقال { بَنَيْنَٰهَا .. } [الذاريات: 47] والأرض صفتها التغيير، فالمرتفع منها يصير إلى منخفض والتضاريس عليها يطرأ عليها التغيير، فقال { فَرَشْنَاهَا .. } [الذاريات: 48] وهيأناها على وضع يُريح سكانها كما نُهيء للطفل فراشه، فلا يكون فيه ما يقلقه.
      { فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } [الذاريات: 48] من كلمة المهد، وهو الفراش المريح، وحتى فراش الطفل دائماً ما ننظفه ونغيره من حين لآخر، فكذلك الأرض من صفتها التغيُّر وعدم الثبات.
      وقوله سبحانه { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الذاريات: 49] وفي موضع آخر قال تعالى: { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [يس: 36] هذه الكلمة { وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [يس: 36] جعلتنا ننتظر زوجية لا نعرفها.
      ومع تقدم البحث العلمي وجدنا زوجية في الذرة، ووجدنا أن المطر لا يتكوَّن إلا إذا حدث له تلقيح ذري، وعرفنا الزوجية في التيار الكهربائي، ووجدوها حتى في الجمادات.
      وما يزال في جُعْبة العلماء الكثير، وكلها مسائل كانت العقول لا تطيقها قبل ذلك، لأن الأمة العربية التي نزل فيها القرآن كانت أمة أمية، ليس عندها شيء من الثقافة، ولو كُشفتْ لهم هذه الأمور ربما ضاقوا بها وانصرفوا بسببها عن أصل الدعوة.
      لذلك الحق سبحانه وتعالى يعطيهم برقية موجزة في { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ .. } [فصلت: 53] ليظلّ الباب مفتوحاً يستوعب كل التطورات ويحتاط لكل جديد.
      فالسين دلتْ على المستقبل و(نريهم) مضارع يفيد الاستمرار، فهذه الاكتشافات باقية، ومعينها لا ينضب إلى يوم القيامة.
      وإذا كانت عملية التكاثر في الغالب والجمهرة أنها تأتي من ذكر وأنثى، فالحق سبحانه يحتفظ لنفسه بطلاقة القدرة، ويعطينا نماذج من البشر جاءتْ على غير هذه القاعدة.
      وكأنه سبحانه يقول لنا: إياكم أنْ تظنوا أنني أقف عند هذه الأسباب بل أخلق ما أشاء، أخلق من زوجين، وأخلق بلا زوجين أصلاً، وأخلق من زوج واحد.
      يعني: استوعبت طلاقة القدرة في هذه المسألة كلّ أوجهها، ثم { وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً .. } [الشورى: 50] فيتوفر الزواج، لكن لا يأتي التكاثر.
      ولأن مسألة خلق الأزواج كلها مسألة عجيبة استهلها الحق سبحانه بقوله: { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا .. } [يس: 36] يعني: لا تتعجب لأنك أمام قدرة الله، وتنزه سبحانه عن أنْ تقيسه بشىء آخر.


      فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ٥٠ وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ٥١ -الذاريات
          هذا أمر بالفرار، والفرار أي الهرب يكون من مخُوف يقبل عليك وأنت تخاف منه، وتريد أنْ تنجو بنفسك منه وتفر إلى مأمن يحميك، وهذه العملية عناصرها فارٌّ، ومفرور منه، ومفرور إليه.
      والمخاطبون هنا من الله تعالى هم عباده يقول لهم { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ .. } [الذاريات: 50] من أي شيء يفرون؟
      إذا كان الفرار إلى الله، فهم يفرّون من كل ما يناقض الله، ومن كلِّ ما يخالف شرعه، يفرون من إبليس الذي ينازع الله في التكاليف، يفرون من شهوات نفوسهم، يفرون إلى الله من الأهواء والنزوات، يفرون من العذاب إلى النعيم المقيم.
      إذن: معنى الفرار هنا الانتقال من شيء مخيف إلى شيء آمن، ولن تجدوا لكم ملجأ أأمن لكم من حضن خالقكم سبحانه، ففيه الأمن والراحة والسعادة والنعيم، حتى العقوبة حينما يُشرِّعها على المخالفة يُشرِّعها من أجل أنْ تعودوا إليه وتفروا إلى ساحته.
      فهو سبحانه حريص عليكم لأنكم عباده وصنعته، وكلُّ صانع يحرص على سلامة صنعته وحمايتها مما يتلفها.
      ونحن بدورنا نتعلم من ربنا تبارك وتعالى هذا الدرس فنتقن أعمالنا، كما علَّمنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أنْ يُتقنه" .
      فإتقان الصَّنعة يزيد النغمة الإيمانية العقدية في الكون، ويكفي أن كل مَنْ يرى صنعتك يقول: الله الله، فتكون أنت سبباً لذكر الله، وهذه النغمة لا يرددها الإنسان فحسب، إنما يرددها الكون كله ويطرب لها، فالإنسان ما هو إلا فرد في هذه المنظومة الذاكرة.
      إذن: { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ .. } [الذاريات: 50] تعلقوا بحبله، واستمسكوا بهديه، وكونوا في جانبه، كونوا مع شرعه، سيروا معه حيث سار، كما يقولون عندنا في الفلاحين (اتشعلق في ربنا وحط رجلك زي ما أنت عايز) فما دُمْتَ في جنب الله فلن يضرك شيء، وصدق القائل:
      يا رب حُبك في دمي وكياني نورٌ أغر يذوبُ في وجداني
      أنا لا أضام وفي رحابك عصمتي أنا لا أخافُ وفي رضاك أماني
      وقوله تعالى: { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [الذرايات: 50] المتكلم هنا رسول الله فهو النذير من عند الله، وقال { نَذِيرٌ .. } [الذاريات: 50] لأن الفرار يناسبه الإنذار لتفرّ مما يخيفك إلى ما يُؤمِّنك. و{ مُّبِينٌ } [الذاريات: 50] أي: نذارتي لكم واضحة، وحجتي بيِّنة ظاهرة.
      { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [الذاريات: 51] أي: لا تتخذوا إلهاً إلا الله تأتمرون بأمره، ومعلوم أن الذين عبدوا الأصنام أو عبدوا ما دون الله تعالى، عبدوها لأنها لا أوامرَ لها ولا تكاليف ولا منهجَ، لذلك كانت عبادتها باطلة.
      أما الله تعالى فهو الإله الحقّ الذي يستحق أنْ يُعبد وأنْ يُطاع في أمره ونهيه، والنهي في { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ .. } [الذاريات: 51] متعلق بالأمر في { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ .. } [الذاريات: 50] حيث لا إله غيره، ولا ملجأ لكم إلا هو.
      وهذا هو الدين الحق الذي ارتضته الفطْرة السليمة منذ كُنَّا في مرحلة الذر، وأخذ الله علينا هذا العهد { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ .. } [الأعراف: 172].
      وما شذَّ الخَلْق عن هذا العهد إلا بسبب الغفلة أو وسوسة الشيطان ونزغات وشهوات النفوس، وما عبد الكفارُ الأصنام إلا لإرضاء فطرة التدين فيهم، عبدوها تديناً بها؛ إرضاء للفطرة، وارتياحاً لعدم التبعة؛ لأنها لا أمر لها، ولا نهي.
      وعلى العاقل قبل أنْ يقدم على العمل أنْ يستحضر عواقبه والجزاء عليه، فحينما يُقبل على المعصية يتصوَّر العذاب الذي ينتظره عليها، وحينما يكسل عن الطاعة يتصوَّر النعيم الذي أُعِدّ له، ولو فعل الناسُ ذلك ونظروا في العواقب لفرُّوا من المعصية إلى الطاعة.





      كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ٥٢ أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ٥٣ -الذاريات


      قوله تعالى: { كَذَلِكَ .. } [الذاريات: 52] أي: كما حدث لمَنْ تقدم، وحصل لهم ما حصل من نزول العذاب بهم بالصاعقة وبالريح العقيم فانتظر أنْ ينزل بهم مثل هذا، فما هم عنه ببعيد، ولا تحزن فلستَ أول رسول يُكذِّبه قومه { كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [الذرايات: 52].
      وسبق أن اتهموا رسل الله بالسحر وبالجنون، فاصبر { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [غافر: 77].
      يعني: إن لم ينزل بهم العذاب في الدنيا فهو ينتظرهم في الآخرة.
      وقد رحم الله هؤلاء المكذِّبين لرسوله رغم كفرهم وعنادهم تقديراً لوجود رسول الله بينهم، وهذا هو معنى قوله تعالى: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال: 33].
      وقد كان سيدنا رسول الله حريصاً على هداية قومه مهما حدث منهم، وكان يناجي ربه دائماً يقول: أمتي أمتي.
      وسبق أنْ بيَّنا بطلان هذا الاتهام، فالنبي لا يكون أبداً ساحراً ولا مجنوناً، فهاتان الصفتان أبعد ما تكونان عن وصف النبي، لأنه قدوة في السلوك وما شاهدتم عليه أبداً علامة من علامات السحر أو الجنون.
      ولو كان ساحراً لسحركم فآمنتم به كما آمن غيركم، ولو كان مجنوناً لما استطاع ترتيب الأمور على هذه الصورة ولما بلَّغكم رسالة ربه، ثم إن الاتهام بالسحر ينافي الاتهام بالجنون، فكيف جمعتم عليه هاتين الصفتين؟
      لذلك يقول تعالى بعدها: { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ .. } [الذاريات: 53] كأن الأمم المكذِّبة على مَرِّ التاريخ أوصى بعضهم بعضاً بهذا القول: قولوا للنبي ساحر ومجنون، وكأنه اتفاق مسبق بينهم وإصرار منهم على تكذيب الرسل، والتمادي في اللدد والعناد.
      لذلك يُضرب الله عنهم وعن اتهاماتهم، ويقول: { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } [الذاريات: 53] أي: دعْكَ من هؤلاء، فهم قوم طاغون. أي: متجاوزون للحدود.





      فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ ٥٤ وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٥٥


      معنى: { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ .. } [الذاريات: 54] أعرض عنهم ودَعْك منهم، فأنت غير مطالب بأن تحملهم على الإيمان، وما عليك إلا البلاغ وفقط، وفي أكثر من موضع خاطب الحق سبحانه نبيه بهذا المعنى: { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 3].
      أنت ستهلك نفسك من أجلهم وحرصاً على هدايتهم، والهداية ليست مهمتك، مهمتك البلاغ والهداية من الله { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [الشعراء: 4].
      يعني: لو شئتُ لجعلتُهم مؤمنين قهراً كإيمان السماء والأرض، لكنني أريد أيمانَ القلب لا إيمانَ القالب.
      { فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } [الذاريات: 54] يعني: لا لوم عليك في عدم إيمانهم، وإنْ حدث لوْم لرسول الله فهو لوْم له لا عليه، لوْم لصالحه ورحمة به صلى الله عليه وسلم، كما لامه ربّه في مسألة الأعمى عبد الله بن أم مكتوم فقال تعالى: { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } [عبس: 1-3] لامه لأنه كلَّف نفسه فوق طاقتها، وأعرض عن هذا المؤمن حِرْصاً منه على هداية صناديد قريش.
      وقوله سبحانه: { وَذَكِّرْ .. } [الذاريات: 55] يعني مهمتك أنْ تُذكِّر الناس بالله وبمنهج الله، ذكِّر وفقط، ذكِّر مَنْ جاءك ومَنْ انصرف عنك { فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الذاريات: 55]، فالمؤمن هو الذي ينتفع بالتذكير ويتمسَّك بالإيمان.


      التفاسير العظيمة  
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • **راضية** تشعر الآن ب راضية
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182596
    • إجمالي المشاركات
      2536254
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93298
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    Hend khaled
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ الحب الحقيقي للنبي ﷺ ليس في إقامة مولدٍ لم يشرعه، وإنما في اتباع سنته، وإحياء ما أحياه، واجتناب ما نهى عنه، قال ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [رواه مسلم]

×