اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57487
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180557
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8256
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53012
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40679
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  11. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33884
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  12. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32200
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13114
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  13. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  14. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37418 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  15. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • (رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ )١٥(يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ) ١٦-غافر كلمة (رَفيع) على وزن (فعيل) من الفعل رفع، وهذا الوزن يأتي بمعنى فاعل مثل (رحيم) مبالغة من راحم، وتأتي بمعنى مفعول مثل قتيل يعني مقتول، كذلك كلمة (رفيع) يصح أنْ تكون بمعنى رافع. أي: أنه سبحانه رافع لغيره، كما يرفع سبحانه بعض الخلق على بعض.
      ويصح أنْ تكون (رفيع) بمعنى مفعول أي مرتفع في ذاته، والرافع لا يرفع غيره إلا إذا كان مرتفعاً في ذاته، فرفيع هنا بمعنى مرتفع عن كل شيء، كما نقول: الله أكبر والله أعلى وأجلّ.
      فالله تعالى مرتفع الوجود لأن وجوده أزليٌّ لا عن عدم، أما وجودنا نحن فعن عدم، ووجوده سبحانه إلى دوام ووجودنا إلى عدم، وهو موجود سبحانه بذاته ووجودنا نحن به سبحانه، إذن: فهو سبحانه أحسن مرتفع في الوجود، نعم.
        والله سبحانه مرتفع في قيوميته، فنحن نعمل ونتعب وننام لنرتاح، أما هو سبحانه فلا يُتبعه عمل ولا ينام ليستريح، لذلك قال سبحانه: { { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } [البقرة: 255] وكأن الحق سبحانه يقول لنا: ناموا أنتم مِلْءَ جفونكم لأني لا تأخذني سِنَةٌ ولا نوم، يريد أنْ نطمئن ونحن في معيته سبحانه.
      وبهذه القيومية يرفع الله مَنْ يشاء، وبطلاقة قدرته سبحانه يُبقي مَنْ يشاء في الرفعة ويُنزل مَنْ يشاء إلى الضِّعَة { { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } [آل عمران: 26].
        وقوله: { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ } [غافر: 15] لأن الرفع يقتضي منزلة أعلى من منزلة، وهذه هي الدرجات أي: ما بين كل منزلة وأخرى، والدرجات لا تكون إلا في العُلُو، أما النزول إلى أسفل فتسمى مراحله دركات.
      والحق سبحانه يرفع من خَلْقه ما يشاء على ما يشاء، كما رفع من الزمان رمضان على غيره من الشهور، ورفع من المكان البيتَ الحرام وبيت المقدس، ورفع من الملائكة كما في قوله تعالى على لسان الملائكة: { { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [الصافات: 164].
      ورفع من الرسل أُولي العزم منهم، كما قال تعالى: { { تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [البقرة: 253] ويرفع من عامة الخَلْق كما قال سبحانه: { { يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة: 11] وكما رفع الله سبحانه أُولِي العلم كذلك رفع أصحاب الحركة في الحياة الذين ما أُوتوا علماً، إنما عندهم حركة تنفذ هذا العلم وتُطبِّقه وتحقق مطلوبه في الحياة، فالعلم يحتاج في تنفيذه ليد عاملة كأصحاب الحِرَف والعمال والصُّناع، لذلك قال سبحانه: { { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } [الأنعام: 165].
        إذن: عندنا رفعةٌ للزمان، ورفعة للمكان، ورفعة للملائكة، ورفعة للأنبياء، ورفعة للمؤمنين، ورفعة لأُولي العلم، وأخيراً رفعة للخلائق في الأرض، وتأمل العدالة الإلهِية في رفعة الخلائف بعضهم على بعض.
      فالحق سبحانه لم يَقُل لنا أيَّ بعض مرفوع وأيَّ بعض مرفوع عليه، ليبين لنا أن كل بعض مرفوع في شيء ومرفوع عليه في شيء آخر، إذن: لا يرفع الغني على الفقير، ولا الجميل على القبيح، ولا الذكي على الغبي، إنما يُرفع كلٌّ بحسْب عمله، كما ورد في قوله تعالى: { { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13].
        فكل الخَلْق غير ما تقدم ممَّنْ رفعهُ الله مرفوعٌ في شيء ومرفوع عليه في شيء آخر، فالنجار الذي يصنع لي المكتب مرفوع عليَّ في هذا العمل ومُفضَّل عليَّ فيه، لأنه يعرف هذه الصَّنعة ويتقنها وأنا لا أعرفها.
      فإذا ما جاء هذا العامل يسألني في مسألة كنت أنا مرفوعاً عليه فيها، لأنني أعرفها وهو لا يعرفها، وقلنا: إن الحق سبحانه أراد لحركة الحياة بين الخلق أنْ تُبْنى على الحاجة لا على التفضل، فكُلٌّ منا يحتاج الآخر ولا تكتمل حركةُ حياته إلا به.
        ولو قامتْ حركة الحياة على التفضّل لتعطلتْ أكثر المصالح ولما استقامتْ الحياة، وتصور أننا جميعاً تخرَّجنا في الجامعة وصرْنا علماء، مَنْ سيؤدي لنا الأعمال الأخرى؟ مَنْ يكنس الشارع؟ ومَنْ يعمل في المجاري؟ ومن يبيع في الأسواق؟ .. إلخ وهذا هو مقصود الشاعر الذي قال: النَّاسِ للنَّاسِ مِن بَدْوٍ وَحَاضِرَةٍ بَعْضٌ لِبَعْضٍ وإنْ لَمْ يَعْلَمُوا خَدَمُ فليس منا مَنْ هو مُسخَّر فقط، بل كل منا مُسخَّر في شيء ومُسخر له في شيء آخر، لذلك يقول تعالى وهو يُعلِّمنا هذا الدرس: { { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ } [الحجرات: 11].
        لذلك لا تنظر إلى عمل على أنه أفضل من عمل، إنما هناك عامل أفضل من عامل، والأفضل هو الذي يتقن عمله أكثر، فالعامل الذي يتقن عمله في الأدنى أفضل من العامل الذي لا يتقن عمله في العمل الأعلى.
      لذلك قال الإمام علي كرَّم الله وجه: (قيمة كل امرئ ما يُحسنه) فمَنْ أراد من العلو الأفضلية فليتقن عمله مهما كان هذا العمل حقيراً - أي: في نظر البعض منا - فليس في الإسلام عمل حقير، إنما هناك عامل حقير، وهو المتهاون الذي لا يجيد ولا يتقن ما في يده ولا يخلص فيه.
      وسبق أنْ ضربنا مثلاً من فرنسا ومن مناقشات مجلس الشعب الفرنسي، وقد كانوا يعرضون علينا بعض المواقف الحاسمة في هذه المناقشات، منها أن نقيب العمال كان كثير المطالب لصالح العمال، وكان يسرف في ذلك، لكن كان الوزير المسئول عن تنفيذ هذه المطالب تحكمه ميزانية وأرقام وحسابات.
      ومرَّت الأيام وصار نقيب العمال هذا وزيراً للعمل، ووقف نقيب العمال الجديد يقول له: لا أطلب منك إلا ما كنت تطلبه أنت من سابقك، فقال: لكن تحكمني ميزانيات وحسابات، فأراد أن يثير عاطفته نحو العمال، أو أراد أنْ يحرجه فقال له: لا تنْسَ أنك كنتَ في يوم من الأيام ماسح أحذية، فأخذها الوزير بصدر رَحْب وروح رياضية وردَّ عليه: نعم نعم لكنني كنتُ أجيدها. إذن: العظمة ليست في العمل إنما في إجادته.
        لذلك نقول: لو علم العامل المخلص في عمله والمتقن له عن غيب من صاحب العمل يعني يتقنه ويجيده لله، لو علم هذا العامل ما أدَّاه لمواجيد الإيمان بالله لافتخر بهذا العمل على العلماء. قالوا: كيف ذلك؟ وماذا يؤدي العامل لمواجيد الإيمان؟ نقول: لأن كل مَنْ يرى عمله المتقن يقول: الله، فكأن العمل المتقن يُشيع كلمة الجمال في الكون، ويؤدي إلى ذكر الله، وفي هذا من الثواب ما لا يَخْفى على أحد.
      وقوله تعالى: { ذُو ٱلْعَرْشِ } [غافر: 15] يعني: الذي يملك كوناً استقر له بدون شغب عليه، وهو المستقر في كمال قدرته وألوهيته، والملك لا يُتاح له الجلوس والاستواء على عرشه إلا بعد أن يستتبَّ له الأمر مع الفارق بين جلوسه سبحانه واستوائه على عرشه وبين جلوس ملوك الدنيا على عروشهم، فنحن نؤمن بهذا الجلوس دون تكييف أو تشبيه، وما دام وجوده تعالى ليس كوجودنا فكذلك جلوسه ليس كجلوسنا، وقلنا: إننا نأخذ هذه المسائل في إطار { { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى: 11].
      والحق سبحانه وتعالى استتبَّ له الأمر في الكون دون منازع، بدليل قوله سبحانه: { { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [فصلت: 11].
        ولأنه سبحانه رفيع الدرجات، وهو سبحانه ذو العرش أراد سبحانه أنْ يضفي من رفعته على المؤمنين به، وأن يرفعهم على غيرهم، وألاَّ يتركهم هَمَلاً وهمجاً بدون منهج، لذلك أنزل عليهم رُوحاً منه سبحانه:
        { يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [غافر: 15].
      فما كان سبحانه ليستعبد الخَلْق ثم يتركهم، إنما أنزل لهم المنهج الذي يحكم حركتهم في الحياة بافعل كذا، ولا تفعل كذا، وهذا هو قانون الصيانة الذي يضمن للبشر الصلاح والرِّفْعة وعُلُوَّ المنزلة، وجعل هذا المنهج اختياراً، مَنْ شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، مَنْ شاء أطاع ومَنْ شاء عصى، ليرى المؤمن أثر رفعة الله له في الآخرة حين يُدخِله الجنةَ دار النعيم الباقي، حيث لا فَوْتَ للنعمة، ولا مَوْتَ للوجود.
        وهذا المنهج جاءنا في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ينظم حركة حياتنا حتى تتكامل الحركات ولا تتصادم، فحين ترى شرع الله يقيد حركتك في شيء، فاعلم أنه قيَّد حركات الملايين من أجلك، فحين ينهاك عن السرقة مثلاً يُقيّد حركتك وأنت فرد ويمنع يدك أنْ تمتد لما لا تملك، وفي المقابل قيَّد ملايين الأيدي حتى لا تمتد إلى مالك أنت، حين أمرك بغضِّ البصر وحفظ المحارم أمر الخَلْق جميعهم أنْ يغضُّوا أبصارهم عن محارمك .. إلخ فتأمل مَنِ المستفيد من تطبيق هذا المنهج؟
        وقوله: { يُلْقِي ٱلرُّوحَ } [غافر: 15] الروح لها معَانٍ عدَّة. فالذي يتبادر إلى الذِّهْن أنها هي الروح التي تدبّ في المادة فتمنحها الحياة والحركة، وهذه هي الروح التي ألقاها الخالق سبحانه في آدم فتحرَّك وأدت كل الجوارح وظائفها بعد أنْ كانت طيناً.
      ثم أراد سبحانه أنْ يحرس حركة المادة حتى لا تنطق في شهواتها، فأنزل روحاً أخرى من عنده سبحانه هي المنهج القيمي في القرآن الكريم؛ لذلك قال سبحانه: { { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال: 24].
      كيف يُحييهم وهم أحياء مخاطبين بهذا الكلام؟ نعم هم أحياء حياةَ المادة بالروح التي دبَّتْ في أجسامهم فتحركوا بها، إنما المراد هنا حياة أرقى من حياة المادة هي حياة القيم التي تُرقِّي حركة الإنسان وتجعلها دائماً في الخير لنفسه ولمن حَوْله، وكما أن حياة المادة لها روح كذلك حياة القيم لها روح.
      لذلك سمَّى القرآنَ روحاً، وسمَّى الذي نزل به من الملائكة رُوحاً، فقال سبحانه: { { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [الشورى: 52].
      وقال: { { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } [الشعراء: 193].
        هذه هي حياة القيم والمثُل الرفيعة، الحياة التي تُؤهلك لحياة أخرى باقية لا تفنى، ولك أنْ توازن بين حياة تُؤهِّلك للدنيا الفانية وحياة تؤهلك للآخرة الباقية، لابدَّ أنك ستجد الروح الثانية أعظم وأفضل من الأولى.
      ويكفي في التفريق بينهما أن الروح الأولى، وهي روح المادة تسري في المؤمن والكافر، وبهذه الروح يأتي كفر الكافر ومعصية العاصي، أمَّا روح المنهج والقيم فلا تكون إلا للمؤمن، ولا تُحرِّكه إلا في الخير حركةً سويّة تُسعده وتسعد مَنْ حوله في الدنيا قبل الآخرة.
      لذلك قال سبحانه: { { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [العنكبوت: 64] ومعنى (الحيوان) يعني: الحياة الحقيقية الدائمة الباقية التي لا ينتهي نعيمها ولا يدركها فناء، وإنْ كان نعيم البشر في الدنيا على قَدْر حركتهم وإمكاناتهم فنعيمهم في الآخرة على قدر المنعم سبحانه.
        ثم أنت تعيش في الدنيا عُرْضة للموت يهددك في كل لحظة، وربما يهجم عليك بغتة فليس له وقتٌ ولا سِنٌّ معين، وليس له سبب يرتبط به، فمنا مَنْ يموت بعد عام، ومنا مَنْ يموت بعد مائة عام، ومنا مَنْ يموت وهو في بطن أمه، الموت لا يفرق بين كبير أو صغير، ولا بين مريض أو سليم. لذلك أبهمه الله، لماذا؟ لِنظلَّ دائماً ذاكرين له منتظرين هجمته، فكأن الإبهام هنا هو عَيْن البيان.
      لذلك الحق سبحانه ينبهنا إلى هذه المسألة في قوله تعالى: { { تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [الملك: 1-2].
      تأمل { { خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ } [الملك: 2] فبدأ بالموت وقدَّمه على الحياة، وكأنه سبحانه يقول لنا: لا تستقبلوا الحياة إلا وفي أذهانكم الموت، لماذا؟ لأن ذكر الموت يمنع الغرور بالدنيا والركون إليها ويضبط سلوك الإنسان، فلا يتحرك إلا في الخير لأنه دائماً يعمل حسابَ العواقب التي تنتظره.
        وقوله سبحانه: { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [غافر: 15] يعني: على مَنْ يختاره ويصفيه لهذه المنزلة، وهذا مثل قوله تعالى { { ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ } [الحج: 75].
      وقوله تعالى: { { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [الأنعام: 124].
      ثم يوضح الحق سبحانه العلة من قوله: { يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [غافر: 15] لماذا؟ { لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } [غافر: 15] يعني: إياك أنْ تفهم أن المسألة تنتهي بنهاية الحياة الدنيا، ويفلت أهل المعاصي بمعاصيهم وأهل الظلم بظلمهم لا، إنما هناك مرجع ومردٌّ إلى هذا الإله الذي كفرت به أو الذي عصيته وتجرأت على محارمه، تذكّر هذه الحقيقة مهما نفرت عنه بالكفر أو نَبَا جانبك عن جانب ربك، فأنت مردود إليه رغماً عنك، موقوفٌ بين يديه، لا مهربَ لك منه أبداً، ولا مفرَّ.
      وقلنا: إن الإنذار يعني التخويف من شرٍّ قبل أوانه لتستعدَّ له بأنْ تتجنب دواعي ما يخيف لتسلم منها، ولا معنى للأنذار ساعة وقوع الحدث، لابدَّ أنْ يكون قبل الحدوث بفترة كافية تمكنني من أن أتدارك الأمر وأعمل حسابي.
        وقوله { يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } [غافر: 15] أي: التلاقي، والتلاقي لا ينشأ إلا عن تباعد كان موجوداً بين شيئين، فبين أيِّ الأشياء يكون هذا التلاقي؟ قالوا: التلاقي هنا والمراد يوم القيامة سيكون في عدة صور، ففي الآخرة سترى الملائكة الذين آمنتَ بهم في الدنيا إيماناً غيبياً وتلتقي بهم مشهداً.
      وفي الآخرة سترى رحمك وأسرتك الكبيرة من لَدُنْ أبيك آدم حتى آخر ولد له في الدنيا، ستلتقي بهم جميعاً، وسترى هذا الرحم الذي قطعته في الدنيا، ستتمثل لك هذه الشجرة الكبيرة متشابكة الأغصان متداخلة الفروع، وعندها ستقول: كيف قطعتُ هذه الرحم؟ وكيف جفوتُ هذه القربات لسبب وبدون سبب، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم لآدم، وآدم من تراب" .
      ويقول الحق سبحانه في الحديث القدسي: "أنا الرحمن، وهذه الرحم اشتققتُ لها اسماً من اسمي، فمَنْ وصلها وصلْتُه، ومَنْ قطعها قطعتُه" .
      وسيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه دخل عليه حاجبه في يوم من الأيام وقال: يا أمير المؤمنين رجل بالباب يقول أنه أخوك، فقال له: أَلاَ تعرف إخوتي؟ قال: هكذا يقول الرجل، قال أدْخِلْه، فلما دخل على معاوية قال له: أيّ إخوتي أنت؟ قال: أنا أخوك من آدم، فضحك معاوية، وقال: رحمٌ مقطوعة، والله لأكُوننَّ أول مَنْ وصلها، ثم قرَّبه وأعطاه ما يريد.
      ومن التلاقي الذي سيكون في الآخرة أنْ يلتقي المظلومُ بظالمه، والخصمُ بمخصومه، نعم وعند الله تجتمع الخصومُ، وعلى العاقل أن يحسب لهذا اللقاء ألف حساب، ومَنْ تدبَّر العواقب نجا.
        ومن التلاقي في الآخرة أنْ يلتقي الإنسان بصحيفة أعماله التي أحصتْ عليه كل صغيرة وكبيرة { { أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ } [المجادلة: 6]. { { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً } [آل عمران: 30].
      يوم يقول لك ربك: { { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [الإسراء: 14].
      ثم يرتفع التلاقي إلى قمته، فيلتقي المؤمنون بربهم عز وجل حين يتجلَّى عليهم سبحانه فيروْنَه، وتكون هذه أعظم النعم تفضلاً من الله وكرماً واقرأ: { { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } [القيامة: 22-25].
      وإذا كانت رؤية الحق سبحانه هي أعظم النعم للمؤمنين فهي أشدّ ألوان العذاب للكافرين لأنهم سيُحرمون منها { { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } [المطففين: 15] يومها ستشتد حسرتهم وأسفهم: { { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [النور: 39].
      وجد اللهَ الذي كفر به في الدنيا، ووجد العاقبة التي طالما حذَّرناه منها وذكّرناه بها.
        وقوله تعالى: { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } [غافر: 16] أي: في هذا اليوم يوم التلاقي يأتون بارزين علانية بعد أن كانوا مُستترين بسيئاتهم في الدنيا، اليوم يُفتضح أمرهم ويُكشف سترهم { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } [غافر: 16] الجميع في ساحة واحدة: الملوك والسُّوقة، السادة والعبيد، الرؤساء والمرؤوسون، الجميع في مقام العبودية.
      لذلك سينادي الحق سبحانه: { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [غافر: 16] يقولها الحق سبحانه لأنه تعالى كان يُملِّك بعضنا في الدنيا، أما في الآخرة فلا مُلْك إلا لله وحده، لذلك يجيب على هذا السؤال المؤمن والكافر، الجميع يقولون { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16] نعم لأنه إله غيره ولا ملك سواه.
        ومعنى { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [غافر: 16] أن المُلْك لله اليوم وقبل اليوم، فهذه الحقيقة التي أنكرها الكفار في الدنيا اعترف بها المؤمنون الذين رضوا بالله رباً، يُؤتي الملك مَنْ يشاء، وينزع الملْك ممَّنْ يشاء، ويُعز من يشاء ويُذلُّ مَنْ يشاء.
      فكلمة { ٱلْيَوْمَ } مُوجَّهة هنا إلى الكافرين الذين أنكروا هذه الحقيقة في دنياهم، لكنهم اعترفوا بها في الآخرة فأقرّوا { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16].   التفاسير العظيمة    
    • دفع الإشكال عن قوله تعالى: (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين).   السؤال ذكرت الآية ٥٨ من سورة الصافّات أنّ المؤمنين يموتون مرة واحدة فقط، وأيضا الآية ٥٦ من سورة الدخان، لكن في سورة غافر الآية ١١ تكلّم الله عن موتتين وحياتين، كيف نوفّق بين هذه الآيات؟ لقد رأيت في بعض تفسيراتك لسورة غافر الآية ١١ أنّ هناك موتتين لكل من المؤمنين والكفّار؛ لأنّ الموتة الأولى قد وقعت بالفعل كما في السؤال:(248517)، إذا كان الأمر كذلك، ألا يتعارض هذا مع تلك الآيات في سورة الصافّات والدخان؟   الجواب الحمد لله. أولًا: الإماتتان في قوله تعالى عن الكفار: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ غافر/11، ما ذكره الشنقيطي في قوله: "والإماتة الأولى هي كونهم نطفًا وعلقًا ومضغًا، والإماتة الثانية هي موتهم عند انقضاء آجالهم في الدنيا، والإحياءة الأولى نفخ الروح فيهم وإخراجهم أحياء من بطون أمهاتهم، والإحياءة الثانية بعثهم من قبورهم أحياء يوم القيامة"، انتهى من "أضواء البيان"(2/ 273)، وينظر: "العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير" (4/ 219-220).   ثانيًا: ما ذكره الله تعالى عن أهل الجنة، وهو قوله: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ الدخان/56؛ فالموتة الأولى يقصد بها: الموتة التي ذاقوها في الدنيا. وأما الاستثناء المذكور فيها (إلا الموتة .. ) ؛ فقد اختلف العلماء في معناه على أقوال منها: 1- أن (إلا) بمعنى، (سوى)، والمعنى: لا يذوقون فيها الموت سوى الموتة التي ذاقوها: قال الفراء: " فإلا فِي هَذَا الموضع بمنزلة سوى" انتهى. انظر: "معاني القرآن للفراء" (3/44)، "تأويل مشكل القرآن" (53). 2- أن (إلا) بمعنى (بعد)، والمعنى: لا يذوقون فيها الموت بعد الموتة الأولى، قال الطبري: " وقوله: (لا يذوقون فيها الموت ‌إلا ‌الموتة ‌الأولى)الدخان/56 يقول تعالى ذكره: لا يذوق هؤلاء المتقون في الجنة الموت، بعد الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا" . ينظر: "تفسير الطبري" (21/ 67-68).   ثالثا: وأما التعارض المتوهم بين إثبات (الموتة الأولى) في آية، وإثبات (موتتين) في آية أخرى، فأظهر ما يقال فيه؛ أن الآية التي ذكر فيها أن أهل الجنة لا يذوقون إلا الموتة الأولى، يعني: خروج أرواحهم بعد حياتهم، وانتقالهم إلى البرزخ؛ فهذه هي الموتة التي (ذاقوها)؛ فوجدوا فيها ألم الموت، وشدة النزع، وكيف تكون مفارقة الحياة. وأما الموتة التي قبل ذلك، وهي: عدمهم الذي كانوا عليه قبل أن يخلقوا، فهذه لم يذوقوها، ولم يشعروا بها، ولو بقوا عليها، لكانوا عدما، لا يجدون طعم الموت، كما أنهم لم يشعروا بحياة. أحدها: أن يقال: لا يذوقون فيها الموت ولا يرونه ‌إلا ‌الموتة ‌الأولى التي رأوها في الدنيا، تلك يعرفونها ويذكرونها، فأما سواها فلا، فإنه تعرض لذكر الموتة التي شعروا بها، أما الموت الأول قبل أن يوجدوا، فلم يذكره إذ هم لم يشعروا به. انظر: "تفسير الماتريدي" (9/214). وعلى ذلك؛ فلا تعرض في هذه الآية، ولا في قوله تعالى في الآية الأخرى: أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ الصافات/58-59؛ لذكر الموتة التي كانت قبل الحياة، وهي (الموتة الأولى)، في الآية التي ذكر فيها الموتتان. قال الآلوسي: "وتوصيفها بالأولى ليس لقصد مقابلة الثانية كما في قولك: حج زيد الحجة الأولى، ومات" انتهى من "تفسير الألوسي" (13/ 124-125). فالحاصل: أنه ذكر الموتة التي شعروا بها، وهي مفارقة أرواحهم للأجساد. قال ابن أبي العز: " وقد أخبر سبحانه أن أهل الجنة لا يذوقون فيها الموت ‌إلا ‌الموتة ‌الأولى [الدخان: 56] وتلك الموتة هي مفارقة الروح للجسد. وأما قول أهل النار: ربنا ‌أمتنا ‌اثنتين وأحييتنا اثنتين [غافر: 11] وقوله تعالى: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم [البقرة: 28] فالمراد: أنهم كانوا أمواتا وهم نطف في أصلاب آبائهم وفي أرحام أمهاتهم، ثم أحياهم بعد ذلك، ثم أماتهم، ثم يحييهم يوم النشور". انتهى من "شرح الطحاوية"(2/571). وينظر للفائدة: "تفسير النسفي" (3/292). والله أعلم.   الاسلام سؤال وجواب    
    • (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ٨-غافر معنى { جَنَّاتِ عَدْنٍ .. } [غافر: 8] أي: إقامة دائمة.
      وتأمل ثمرة الإيمان بالله، ثمرة لا إله إلا الله، فلا يضر مع الإيمان معصية، فالملائكة في أعلى عليين يذكرونك وينشغلون بك أيها المؤمن، ويدعون لك لأنك آمنتَ بالله، وهذه تسلية لسيدنا رسول الله ولأمته الذين تحمَّلوا مشاقّ الدعوة ومَنْ تبعهم إلى يوم الدين.
      فيا محمد إن كان كفار مكة قد وقفوا منك ومن أتباعك هذا الموقف المعاند فلا تحزن، ويكفيك وأمتك أنْ تستغفر لك الملائكة، وأيّ ملائكة؟ حملة العرش والذين يحيطون به.
        وحين تقرأ هذا الدعاء من الملائكة تجد فيه إشارات ووقفات تستحق التأمل أولها أنك أيها المؤمن مذكورٌ بين حملة العرش، وأنت موضع اهتمامهم مع دُنُوِّ منزلتك وعُلُوِّ منزلتهم، هؤلاء الملائكة لا عملَ لهم إلا أن يسبحوا بحمد ربهم ويستغفروا للذين آمنوا.
        وتأمل في دعائهم مسألة التخلية ثم التحلية يقولون: { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } [غافر: 7] هذه هي التخلية أولاً من المؤلم، ثم تأتي التحلية بالنعمة التي تسرّ، وذلك في { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ .. } [غافر: 8] لأن التخلية والنجاة من العذاب أوْلى من التنعم، والقاعدة أن دفع الضرر مقدم على جَلْب النفع، لذلك قال تعالى: { { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ .. } [آل عمران: 185].
      ثم إن دعاءهم لم يخص المؤمنين فحسب، إنما يشمل العائلة كلها { وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ .. } [غافر: 8] فذكروا الشجرة كلها، لأن الآباء يُسرُّون بوجودهم مع الأبناء فلم يقطع عليهم هذه النعمة.
      وفي موضع آخر ذكر حيثيات هذه النعمة، فقال سبحانه: { { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ .. } [الطور: 21] إذن: المقصود هنا الإيمان، والإلحاق دلَّ على أن أحدهما كامل والآخر أقل، وإلا لو كانوا متساوين في العمل لأخذ كل منهم (بفتحة ذراعيه).
        ومعنى: { { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ .. } [الطور: 21] لا يقصد بها أنْ نأخذ المتوسط الحسابي يعني: ما عمله الآباء وما عمله الأبناء ويقسم على الاثنين، لا { { وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ .. } [الطور: 21] يعني: ما نقصنا شيئا من أجورهم، فالإلحاق تفضُّل من الحق سبحانه لِقُرَّة عيون الآباء بالأبناء لكن بشرط الإيمان، لماذا؟ لأنهم لو لم يكونوا مؤمنين لكره الآباءُ معيَّتهم ومصاحبتهم.
      فإنْ قلت: إذن يكون للإنسان ما لم يَسْعَ به. يعني: يأخذ ثمرة عمل الغير، نقول: لا لأنه آمن والإيمان من عمله، صحيح { { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [النجم: 39].
      لكن لا تنظر لسعيه هو، إنما وسع الدائرة وانظر لمن جعله يسعى هذا السَّعْي الطيب، إنها التربية الصالحة، لذلك ورد في الحديث الشريف "إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث، منها: أو ولد صالح يدعو له" فكلمة (صالح) هذه من عمل مَنْ؟ من عمل الآباء.
        إذن: حين نعطي الأب ثواب الدعاء الصالح من الابن إنما نعطيه حقه وثمرة عمله وسَعْيه في هذا الابن، والأب إذا كان صالحاً تحرَّى انْ ينفق على ولده من حِلٍّ، وحين يتحرى ذلك ربما يضيق عليه في النفقة، لأن بعض الأغنياء الذين لا يتحرَّوْن الحلال في الكسبْ ينفقون على أولادهم ببذخ وإسراف في الملبس والمأكل والسيارات الفارهة .. إلخ لأنهم جمعوا هذه الأموال من مهاوش.
      والرجل الصالح ينأى بنفسه وأولاده عن الحرام، لذلك ربما يشقى الصالح بالصلاح في الدنيا ويصبر على هذا الشقاء وهذا الحرمان، وهذا كله من عمله.
        لذلك كانوا كثيراً ما يناقشوننا في قوله تعالى: { { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [النجم: 39].
      يقصدون كيف ينتفع الإنسان بعمل غيره؟ وقلنا لبيان ذلك مثلاً: إننا نُؤْمر بالصلاة على الميت، هذه الصلاة تفيده أم لا؟ إنْ كانت لا تفيده فهي إذن عبث، وإنْ كانت تفيده فهل استفاد بعمل غيره؟
      نعم يستفيد الميت بدعاء الحي له في صلاة الجنازة، لكن هذا الدعاء في حَدِّ ذاته يُعتبر من عمل الميت، لأن ثمرة إيمانه بالله، ولولا أنه مؤمن ما صلَّينا عليه، فأنت حين تصلي صلاة الجنازة لا تصلي على مطلق ميت، إنما على ميت آمن بربه عز وجل، والإيمان من عمله، وبالتالي صلاتك عليه أيضاً من عمله.
        أو نقول في قوله تعالى: { { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [النجم: 39] أي: ليس للإنسان حَقٌّ، فهي منعت العدل ولم تمنع الفضل من الله، وفَرْق بين العدل والفضل، فالعامل عندك مثلاً أجره خمسون وهذا الاتفاق بينكما لا يمنع أن تعطيه سبعين مثلاً.
        ثم تُذيل الآية بقوله تعالى: { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [غافر: 8] ولم يَقُلْ مثلاً: إنك أنت الغفور الرحيم لتناسب الدعاء المذكور في الآية.
      وهذه مثل قوله تعالى في قصة سيدنا عيسى عليه السلام: { { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } [المائدة: 116] ثم يقول: { { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [المائدة: 118].
      فلم يقل: فإنك أنت الغفور الرحيم، لماذا؟ لأنهم استحقوا العذاب، إنما لو غفرت لهم لا يجرؤ أحد على نَقْض هذه المغفرة لأنه لا معقِّبَ لحكمة سبحانه ولا رادَّ لفضله، فعزتك يا رب وحكمتك هي التي جعلتْك تغفر لهم مع أنهم يستحقون العذاب.
        إذن: فالمغفرة لم تأتِ من ناحية أنك أنت الغفور الرحيم، إنما من ناحية أنك أنت العزيز الحكيم. والعزيز هو الغالب الذي لا يُغلب ولا يُعَارض.
      لذلك قلنا: إن إبليس كان ناصحاً حين قال: { { فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ص: 82] والمعنى: فبعزتك عن خَلْقك وغِنَاك عنهم، مَنْ شاء فليؤمن ومَنْ شاء فليكفر، بهذه العزة لأغوينهم، إنما لو أردتهم جميعاً مؤمنين ما تعرضتُ لهم ولا جرؤتُ على إغوائهم، بدليل أنه استثنى فقال: { { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ص: 83] فهؤلاء لا سلطانَ لي عليهم ولا قدرةَ لي على إغوائهم، إذن: المسألة ليست بين إبليس وربه عز وجل، إنما هي بين إبليس وبني آدم.   (وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ )٩-غافر قوله سبحانه (وَقِهِمُ) فعل أمر أو دعاء هنا من الفعل وَقَى أي: يا ربِّ جنِّبهم المعاصي، ويصح أنْ نقول: قِهِم السيئات. يعني: جنِّبهم عقوبةَ المعاصي، أو جنِّبهم المعاصي ذاتِها، وعين الرحمة أنْ يجنبك الله المعاصي والسيئات، لذلك قال: { وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ .. } [غافر: 9].
      وهذه مثل قوله تعالى في شأن القرآن الكريم: { { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ .. } [الإسراء: 82] فالشفاء يكون للداء الموجود بالفعل في النفس الإنسانية، فالقرآن يعالج مثلاً داءات الشُّح والجُبْن والكذب .. إلخ، أما الرحمة فهي ألا يأتي الداء أصلاً، ولا شكَّ أنْ تجنُّب الداء بداية أفضلُ من معالجته كما يقولون: الوقاية خير من العلاج.
      { وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [غافر: 9] نعم، وأيُّ فوز أعظم من أنْ يُجنِّبك الله السيئات فلا تقع فيها؟ كلمة الفوز تعني الفلاح والنجاح، ووُصِف بأنه عظيم لأنك قد تفوز في الدنيا بالمال أو بالمنصب أو بالأولاد، هذا فوز لكن الفوز العظيم في الآخرة لأنه فوز باقٍ ودائم، أما فوز الدنيا فمآله أن ينتهي.   التفاسير العظيمة  
    • أرسل الله عز وجل رسله، وأنزل كتبه، وفصل شرائع دينه؛ لتحقيق العدل الشامل فى كل مجالات الحياة: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية، وغيرها، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25]، وقال عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ﴾ [النحل: 90].   ومن أجل تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية في الدولة المسلمة أعلن الإسلام الحرب على الربا، وتواترت النصوص في القرآن الكريم والسنة المطهرة التي تنص على تحريم الربا، واعتبر الإسلام الربا واحدًا من كبائر الذنوب المهلكات في الدنيا قبل الآخرة.   وامتثالًا لهذه النصوص المحكمات، والآيات البيِّنات، أجمعت الأمة على تحريم الربا، ولم يقل بحل الربا أحد قَطُّ من أمة الإسلام.   وفوائد البنوك واحدة من أوضح صور الربا التي حرمها الإسلام، وهذا موضوع أشبع حسمًا، وقتل بحثًا، وانتهت الأمة إلى الإجماع على تحريم فوائد البنوك، وصدرت عشرات الفتاوى بتحريمه من قِبَل المؤسسات العلمية، والمجامع الفقهية في كل أصقاع الدنيا.   وبالرغم من هذا الوضوح في تحريم الربا، تخرج علينا بين الفينة والأخرى أصوات ضعيفة علميًّا، مدعومة إعلاميًّا، تفتي بحل فوائد البنوك؛ لأنها معاملة حديثة لم يرد فيها نص، وأن الأصل في المعاملات الإباحة ما لم يرد نص.   وسنزيد الصورة وضوحًا بذكر تعريف وتحديد العلماء لماهية الربا، وأنواعه، وماهية فوائد البنوك، ومن أي أنواع الربا هي: تعريف الربا: 1- قبل أكثر من ألف ومائة عام عرف الإمام الزجاج [ت: 311هـ] الربا في تفسيره[1] فقال: "الربا هو كل قرض يُوخَذ به أكثر منه، أو يَجر منفعة".   2– "الربا أن يدفع أحدهم للآخر مالًا لمدة ويأخذ كل شهر قدرًا معينًا، فإذا حل موعد الدين ولم يستطع المدين أن يدفع رأس المال أجَّل له مدة أخرى بالفائدة التي يأخذها منه، وهذا هو الربا الغالب في المصارف وغيرها ببلادنا، وقد حرمه الله تعالى على المسلمين وعلى غيرهم من الأمم الأخرى"[2].   أنواع الربا: الربا نوعان: ربا النسيئة، وهو ربا الجاهلية، والثاني ربا الفضل.   1- ربا النسيئة: قال الإمام النيسابوري في تعريفه: كانوا في الجاهلية يدفعون المال مدة على أن يأخذوا كل شهر قدرًا معينًا، ثم إذا حَلَّ الدَّيْن طالب المديون برأس المال، فإن تعَذَّر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل [3].   2– قال الجصاص[4] في تعريف ربا النسيئة: هو ما كان قرضًا مؤجلًا بزيادة مشروطة، فكانت الزيادة بدلًا من الأجل.   تعريف ربا الفضل: هو بيع الشيء بجنسه متفاضلًا يدًا بيدٍ، مثل أن يبيع جرامًا ذهبًا بجرامين من ذهب يدًا بيدٍ.   حكم الربا: حرام بالكتاب والسنة والإجماع. فمن الكتاب: وردت آيات كثيرة تدل على حرمة الربا، ومنها قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 275 - 279].   ومن السنة: أحاديث كثيرة، منها: 1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (اجْتَنِبُوا ‌السَّبْعَ ‌الْمُوبِقَاتِ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ)؛ متفق عليه.   2- عَنْ ‌جَابِرٍ قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ ‌الرِّبَا، ‌وَمُوكِلَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَكَاتِبَهُ"؛ رواه مسلم والترمذي وأحمد.   وبعد أن اتضحت لنا ماهية الربا، وأنواع الربا، نرى أن فوائد البنوك تتطابق تمامًا مع ماهية الربا؛ بل تتفق من كل الوجوه مع أسوأ أنواع الربا وأشدها حرمة وهو ربا النسيئة (ربا الجاهلية)، ويزيد الصورة وضوحًا ما ذكره علماء الاقتصاد في تعريف فوائد البنوك.   فوائد البنوك: يرى علماء الاقتصاد أن الفائدة عبارة عن زيادة ثابتة ومشترطة ومحددة سلفًا بنسبة معينة من رأس المال، والمتفق عليه بين علماء الاقتصاد: أنها الأجرة أو الثمن الذي يدفعه المقترض مقابل استخدام النقود، أو المبلغ الذي يدفعه المدين إلى رأس المال وهي العائد لسنة واحدة، أو التعويض الذي يتقاضاه رب المال لقاء التأخير في الوفاء بالنقود [5].   فهذا هو تعريف فوائد البنوك لدى علماء الاقتصاد، وهو رصد وتصوير صحيح للواقع المشاهد والمحسوس في معاملات المصارف المالية المعاصرة، وهذا ما دفع علماء الإسلام للقول: بأن فوائد البنوك مطابقة تمامًا لماهية الربا المحرَّم، بل هي أسوأ من ربا الجاهلية، ولا يوجد أدنى فرق بين ماهية فوائد البنوك، وماهية الربا المحرم، والتي نص عليها العلماء منذ قديم الزمان، يقول الإمام الرازي [ت: 606هـ] في تفسيره [6]: "اعلم أن الربا قسمان: ربا النسيئة، وربا الفضل.   أما ربا النسيئة فهو الأمر الذي كان مشهورًا متعارفًا في الجاهلية، وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدرًا معينًا، ويكون رأس المال باقيًا، ثم إذا حلَّ الدين طالبوا المديون برأس المال، فإن تعذَّر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل، فهذا هو الربا الذي كانوا في الجاهلية يتعاملون به".   فهذا هو تعريف الإمام الرازي للربا قبل أكثر من ثمانمائة عام، وهو ينطبق تمامًا على فوائد البنوك في المصارف المالية المعاصرة، وما يوجد من فروق فهي فروق شكلية بكل تأكيد لا قيمة لها ولا وزن في ميزان الشريعة الإسلامية؛ ولهذا صدرت عشرات الفتاوى بتحريم فوائد البنوك من المجامع الفقهية والمؤسسات العلمية، بإجماع كل أعضاء تلك المجامع، بل اعتبر الكثير من العلماء أن فوائد البنوك هي أشَدُّ حرمةً من ربا الجاهلية.   فوائد البنوك هي عين الربا: وتأسيسًا على ما سبق أجمع العماء على أن فوائد البنوك هي عين الربا، وأي محاولة للبحث عن فروق شكلية بينهما – أي فوائد البنوك والربا- للتوصُّل إلى تحليل ما حَرَّم الله، هي محاولة عبثية يضحك منها السفهاء فضلًا عن الحكماء، وقد انعقد إجماع العلماء على ذلك في القديم والحديث.   يقول الإمام محمد أبو زهرة [7]: "لم يكن نظام الفائدة الذي هو الربا حرامًا في الإسلام وحده من بين الديانات السماوية، بل إن الديانتين السماويتين السابقتين على الإسلام قد صرح بالتحريم فيهما، فهو مُحرَّم في التوراة والإنجيل والقرآن، لا في القرآن وحده، ولا تزال بقية من هذا التحريم في التوراة التي بين أيدينا، وإن كانوا قد نسوا حظًّا مما ذكروا به، ففي سفر التثنية بالإصحاح الثالث والعشرين: لا تقرض أخاك الإسرائيلي ربًا، ربا فضة أو ربا طعام، أو ربا شيء مما يقرض بربا".   ويقول أيضًا [8]: "وربا القرآن الكريم هو الربا الذي تسير عليه المصارف ويتعامل به الناس، فهو حرام لا شكَّ فيه".   وقد يتوهم البعض أن لفظ "الفائدة" لم يعرفه علماء الإسلام قديمًا، وأنه ظهر بعد نشأة البنوك والمصارف الحديثة، وهذا وهم يكذبه الواقع، ويدحضه التاريخ، فقد عرف علماء الإسلام لفظ "الفائدة" من قديم الزمان، ونصوا على حرمته، جاء في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية [9]: "وسئل رحمه الله عن رجل اضطر إلى قرض دراهم فلم يجد من يقرضه إلا رجل يأخذ الفائدة"   وفي فتاوى السبكي[10]: "أما المعاملة التي يعتمدونها في هذا الزمان، وصورتها أن يأتي شخص إلى ديوان الأيتام، فيطلب منهم مثلًا ألفًا، ويتفق معهم على فائدتها مائتين أو أكثر أو أقل".   فعبارات الفقهاء قديمًا وحديثًا تنص على أن فوائد البنوك هي الربا المحرم، وليس هذا اجتهادًا حديثًا توصَّل إليه الفقهاء بعد نشأة المصارف، ففي أول سطر من كتاب بحوث في الربا، نصَّ المصنِّف الإمام محمد أبو زهرة على أن الفائدة هي الربا المحرم في الإسلام واليهودية والمسيحية، ثم نقل بعد ذلك عن رجال الدين المسيحيين تأكيدهم على حرمة فوائد البنوك، وأن الربا انتشر في أوربا لعدة أسباب، من بينها أن علماء الاقتصاد كانوا يوهمون رجال الدين بأن الفائدة القليلة هي أجرة إدارة، أو نحو ذلك، مما يجري الآن للتمويه على علماء الدين المسلمين، وعلى العامة المتدينين[11].   فوائد البنوك أسوأ من ربا الجاهلية: الربا هو مبادلة مال بمال وزيادة، فإذا كانت الزيادة يدًا بيد؛ أي: فورية فهو ربا الفضل، وإن كانت الزيادة مؤجلة فهو ربا الجاهلية، وهو أشد أنواع الربا تحريمًا، ويسمى ربا القرآن؛ أي: الربا الذي نصَّ القرآن الكريم على تحريمه، وقد أجمعت الأمة على تحريم ربا الجاهلية، وأما فوائد البنوك فهي أسوأ وأقبح من ربا الجاهلية لعدة أسباب منها: 1– أهل الجاهلية كانوا يقرضون نقودًا فعلية سلعية، وهي الدنانير الذهبية، والدراهم الفضية، أما البنوك فإنها إلى جانب إقراض ما لديها من ودائع تأخذ فوائد ربوية على ما خلقته من ائتمان أو نقود؛ أي: تأخذ فوائد على نقود وهمية، فالبنك يقرض بالربا ما ليس عنده، وما لا يملكه، بل ما لا وجود له في الواقع، ولا يخفى على الاقتصاديين علاقة خلق النقود بالتضخم وزيادة الأسعار، ويدركون خطر ذلك على الاقتصاد [12].   2– ربا الجاهلية كان يتم بالتراضي بين الطرفين، ويدل على ذلك قول الجصاص في أحكام القرآن[13]: والربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة، على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به".   فكان ربا الجاهلية يتم بالتراضي بين الطرفين، أما الربا في معاملات البنوك فيتم فرضه فرضًا من قبل البنك دون رضا الطرف الآخر.   3– إذا اقترضت مليونًا بأي عملة من العملات، فأهل الجاهلية كانوا يدفعون المليون كاملة، أما في البنوك الحديثة فيخصم البنك من المليون 10%، أو 20% من البداية، ويعطيك تسعمائة ألف، أو ثمانمائة ألف، ثم يأخذها منك مليونًا، بفائدة 20% تزيد قليلًا أو تنقص قليلًا حسب سعر الفائدة المحدد من البنك المركزي، فلم يدفع البنك مليونًا، لكنه أخذها مليونًا مضافًا إليها الفوائد.   4– كانت الديون في الجاهلية استثمارية في الغالب، حيث كان يتم استثمارها في التجارة أو الزراعة أو تربية الأنعام، أما الآن فالديون أغلبها استهلاكية، والبنوك معظمها تجارية تقترض لتقرض فقط، ولا عمل لها في الاستثمار إلا نادرًا جدًّا.   فلهذه الأسباب وغيرها اعتبر الراسخون في العلم فوائد البنوك أشدَّ حرمة من ربا الجاهلية، وصدرت العشرات من فتاوى المجامع الفقهية بتحريم فوائد البنوك بالإجماع، ومن هذه الفتاوى على سبيل المثال لا الحصر: 1– المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف المنعقد بالقاهرة في المحرم 1385هـ مايو 1965، وحضره خمسة وثمانون فقيهًا من كبار علماء الأمة، وضم ممثلين لخمس وثلاثين دولة إسلامية، ونص في بنده الأول على أن (الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم).   2– المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي في مكة المكرمة، والمنعقد في 1396هـ= 1976م، وحضره أكثر من ثلاثمائة عالم من كبار علماء الفقه والاقتصاد في العالم الإسلامي، وأفتوا بالإجماع - دون أن يشذَّ منهم واحد - بحرمة فوائد البنوك، وأنها من الربا المحرم الذي لا شك في حرمته.   3- المؤتمر ‌الثاني ‌للمصارف ‌الإسلامية المنعقد في الكويت (1403هـ الموافق 1983م) والذي نصَّ على حرمة الفوائد البنكية.   4– قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، المؤتمر الثاني بجدة في ربيع الثاني 1406هـ= ديسمبر 1985م حيث نص على أن: كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حَلَّ أجله، وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد، هاتان الصورتان ربا محرم شرعًا.   5- قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة في مكة المكرمة في رجب 1406هـ= مارس 1986م حيث نص على كل ما جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعًا.   6- المؤتمر ‌الثالث ‌للمصارف ‌الإسلامية المنعقد في دبي (1406هـ الموافق 1986م) وفيه تم التأكيد على حرمة الفوائد البنكية.   وفتاوى المجامع الفقهية التي نصت على حرمة فوائد البنوك بالإجماع أكثر من أن تحصى، فقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي بالهند، واللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية ودار الإفتاء المصرية وغيرها فتاوى يصعب حصرها كلها تنص على حرمة فوائد البنوك بالإجماع، وهذا ما يجعل هذا الأمر قطعيًّا لا مجال فيه للظَّنِّ، والله أعلم، والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.   [1] تفسير الزجاج 4/ 187، الناشر: عالم الكتب – بيروت الطبعة: الأولى 1408 هـ - 1988 م. [2] الفقه على المذاهب الأربعة 2/ 222، عبدالرحمن الجزيري (ت 1360هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الثانية، 1424 هـ - 2003 م. [3] تفسير النيسابوري 2/ 60، تحقيق الشيخ زكريا عميرات، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة: الأولى - 1416 هـ. [4] أحكام القرآن للجصاص 2/ 186، لأحمد بن علي أبي بكر الرازي الجصاص الحنفي (ت 370هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، تاريخ الطبع: 1405 هـ. [5] تقويم التجربة المصرفية ص 66/ 67، دكتور عبدالحميد الغزالي، ودكتور عادل عيد، الناشر دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع بالقاهرة، الطبعة الأولى 1434هـ 2013م. [6] مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير 7/ 72، لفخر الدين الرازي (ت 606هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الثالثة - 1420 هـ. [7] بحوث في الربا ص 5، للإمام محمد أبو زهرة، الناشر دار الفكر العربي، القاهرة 1420هـ = 1999. [8] بحوث في الربا، ص 22. [9] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 29/ 430، الناشر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، السعودية، 1416هـ = 1995م. [10] فتاوى السبكي 1/ 327، لعلي بن عبدالكافي السبكي، الناشر دار المعرفة، بيروت. [11] بحوث في الربا ص 10. [12] تقويم التجربة المصرفية 72 ،73. [13] أحكام القرآن للجصاص 2/ 184، الناشر دار إحياء التراث العربي، بيروت 1405هـ = 1985م، تحقيق محمد الصادق قمحاوي.   أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي   شبكة الالوكة
    • (ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ )٧-غافر   هؤلاء هم الملائكة الذين خلقهم الله لتسبيحه سبحانه، فلا عملَ لهم غير تسبيح الله وهم حملة العرش ومَنْ حوله. والتسبيح كما قلنا من المقاليد، ومعنى { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ .. } [غافر: 7] أي: يُنزهونه سبحانه عن مشابهة خَلْقه في الأسماء والأفعال والصفات.
      لذلك قلنا: إذا اشترك الحق سبحانه مع خَلْقه في شيء فلا بدَّ أنْ نأخذه في إطار { { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .. } [الشورى: 11].
      فلله فعل ولك فعل، لكن لا تَقِسْ فعلك بفعل ربك سبحانه، وهذه المسألة أوضحناها في شرح أول سورة الإسراء، فلما كان الحدث مُستغرباً بدأ الله تعالى السورة بالتسبيح { { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ .. } [الإسراء: 1] قالها بداية حتى لا نقيس فعل الله على فعل البشر ولا قدرة الله بقدرة البشر، فلله تعالى فعل ولك فعل، لكن فعل الله ليس كفعلك، فإياك أنْ تقول المسافة والزمن.
        وكلمة (سبحان الله) تعني تنزيه الله تعالى عن كل ما يشبه البشر، لذلك قالوا: كلُّ ما يخطر ببالك فالله خلاف ذلك، وهذا التنزيه ليس طارئاً بوجود مَنْ ينزه الله إنما هو أزليّ قبل أنْ يخلق الله مَنْ ينزهه، فهو سبحانه مُنزَّه في ذاته قبل أنْ يوجد مَنْ ينزهه.
        لذلك لما وُجدَتْ السماء والأرض قال: { { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ .. } [الحديد: 1] أي: سبَّحوا الله ساعة خُلِقوا فقالوا: سبحان الله الخالق العظيم، ولا يزالون يُسبِّحون، كما قال: { { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ .. } [الجمعة: 1] فالتسبيح موصول دائم، فإذا كان الكون كله سبَّح لله ولا يزال يُسبِّح، والكون مخلوق لك أيها الإنسان فأنت أَوْلَى بالتسبيح منه، لذلك قال: { { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [الأعلى: 1].
        وتسبيح الله تنزيه له سبحانه في أفعاله وفي صفاته، فحين تتأمل مثلاً مسألة الخلق تجد خَلْق الإنسان من طين، فهل يمكنك أنْ تأخذ قطعة من الطين فتُسويها على هيئة إنسان ثم تنفخ فيها أنت الروح؟ هذه العملية لا يقدر عليها إلا الخالق سبحانه.
        لذلك سيدنا عيسى عليه السلام لما أراد الله أنْ يجعل له آية ومعجزة في مسألة الخَلْق قال: { { أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ .. } [آل عمران: 49] فقال في نفخ الروح { { بِإِذْنِ ٱللَّهِ .. } [آل عمران: 49] لأنه بذاته لا يستطيع هذه العملية، إنما كوني أُصوِّر تمثالاً على هيئة إنسان أو طائر فهذه مسألة سهلة.
      إذن: كان عليك أيها الإنسان الذي كرَّمه الله، كان عليك أن تسبح، لأن الكون والجماد الذي خلقه الله لك سبَّح وما يزال.
        وقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ .. } [غافر: 7] هم الملائكة حملة العرش. إذن: العرش محمول، وهؤلاء الملائكة حتى عددهم فيه إعجاز، فالحق سبحانه أخبر أنهم ثمانية { { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } [الحاقة: 17].
      فلماذا لم يجعلهم أربعة فيكون كما تعوّدنا في أيِّ بناء له أربعة أركان، ولماذا لم يكونوا خمسة مثلاً. إذن: لابدَّ أن في هذا العدد بالذات حكمة وإعجازاً.
      وهذا الإعجاز العددي واضح أيضاً في قوله تعالى: { { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } [المدثر: 30] فلماذا تسعة عشر بالذات؟ لماذا لم يجعلهم عشرين مثلاً، هذا دليل على أن وراء هذا العدد حكمة، وقد أخبر الله تعالى أن هذا العدد فتنة { { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ .. } [المدثر: 31]. ( ( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ )، اختلف أهل التأويل في الذي عني بقوله: ( ثَمَانِيَةَ )، فقال بعضهم: عني به ثمانية صفوف من الملائكة، لا يعلم عدّتهن إلا الله. )تفسير الطبري
        والإيمان يقتضي التصديق بما أخبر به الحق سبحانه وألاَّ تناقش مثل هذه المسائل، المهم قال أو لم يَقُل: حدث الشيء أو لم يحدث، لذلك سيدنا أبو بكر لما أخبروه أن صاحبك يدَّعي أنه رسول، ماذا قال؟ قال: ألا وقد قالها؟ قالوا: نعم، قال: فقد صدق ولم يبحث في المسألة، كذلك نحن في كل أمر يقف فيه العقل، ما دام قد جاءنا فيه خبرٌ من عند الله فعلينا أنْ نقبله ونؤمن به { { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً } [النساء: 87].
      وكَوْن عقلك يستوعب هذا الخبر أو لا يستوعبه فهذا موضوع آخر، لأن هناك فرقاً بين الوجود وكيفية الوجود، فقد يوجد الشيء لكنك لا تعرف كيف وُجِد.
        تأمل في قصة أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام حين قال: { { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي .. } [البقرة: 260].
      تجد السطحيين في الفهم عن الله يتهمون القرآن في هذه المسألة بالتعارض، كيف؟ يقولون: معنى (بلى) يعني آمنت والإيمان يقتضي اطمئنان القلب إلى العقيدة، فلماذا يقول بعدها: { { وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي .. } [البقرة: 260]؟
      ونقول له: أنت معذور، لأنك لم تفهم معنى السؤال، ولو فهمتَ معناه ما اتهمتَ القرآن، هل قال إبراهيم لربه: أتحيي الموتى أم قال { { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي .. } [البقرة: 260] فهو إذن لم يسأل عن إمكانية الفعل ولم يشُكّ في قدرة الله، ولكنه يسأل عن الكيفية { { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ .. } [البقرة: 260] إذن: فإحياء الموتى أمر سابق يسأل إبراهيم عن كيفيته، فلو قلت لك: كيف بنيتَ هذا البيت؟ فهذا يعني أن البيت قائم بالفعل.
      إذن: فقوله (بَلَى) يعني: آمنت يا رب أنك تحيي الموتى، وطلب الاطمئنان بعد ذلك للكيفية والسؤال عن الكيفية أمر ضروري في مسألة الخَلْق وكيفية الإيجاد لأنها عملية لا تتأتى كلاماً، لأن فِعْل الله تعالى ليس علاجاً كفعل البشر.
        فلو قلت لك: كيف بنيت هذا البيت؟ تقول: حفرتُ الأساس وأحضرتُ الحديد والأسمنت وفعلتُ كذا وكذا، فلان صمم، وفلان نفّذ، وفلان بنى، وفلان (غفق) .. إلخ فأعطيك كيفية الفعل بحيث تستطيع تطبيقها إنْ أردت ولا تجد فيها اختلافاً، لكن إنْ أردنا أنْ نُبين كيفية الإحياء، فكيف نبنيها؟
      إنها مسألة لا تتأتى بالكلام، ولا بدّ من إجراء العملية بالفعل، وتأمل أن الله تعالى أراد أن يُجريها إبراهيم بنفسه، وألاَّ تجرى له إنما يمارسها بنفسه. وفَرْقٌ بين أنْ تُعدِّى قدرتك لغيرك فتنفعل له، وأنْ تُعدِّى قدرتك لغيرك فتجعله يفعل بنفسه، فمثلاً قد تعجز عن حمل شيء فأحمله عنك وهذا أمر طبيعي، لكن العظمة في أن أجعلك تقدر أنت بنفسك عن حمله.
        وهذا ما فعله الحق سبحانه مع نبيه إبراهيم عليه السلام: { { قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ .. } [البقرة: 260] أي: ضُمهن إليك واعرف أوصافهن { { ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا .. } [البقرة: 260] يعني: اذبحهن وفرِّقْ أجزاءهن على الجبال { { ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً .. } [البقرة: 260].
      إذن: هو الذي يذبح، وهو الذي يُقطِّع الأجزاء، وهو الذي يُفرِّقها، وهو الذي ينادي عليها بنفسه فتتجمع بقدرة الله ويأتينَ سَعْياً كما كُنَّ من قبل، فإذا كنت أقدرت ما لا يقدر على القدرة ألا أقدر أنا عليها؟
        والعرش هو سمة استتباب الملْك والسيطرة على الحكم والاستيلاء عليه، وليس من الضروري أنْ يقعد على العرش بالفعل، لذلك لما تكلم الهدهد عن ملكة سبأ قال: { { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } [النمل: 23] لأن الملك لا يقعد على العرش إلا عندما تستقر له الأمور، وتدين له البلاد، فإنْ كانت هناك منطقة معترضة أو مشاغبة للملك تفرغ لها حتى تدين له، وعندها يستقر له الملْك.
        ولما تكلم الحق سبحانه عن استوائه على العرش قال سبحانه: { { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ * ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ * فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا .. } [فصلت: 9-12].
      إذن: فاستواؤه سبحانه على العرش جاء بعد أن انتهى من الخَلْق وتَمَّ له كل شيء من أمور الملك والسيطرة الكاملة.
        فقوله سبحانه: { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ .. } [غافر: 7] هم الملائكة الثمانية حملة العرش. { وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ .. } [غافر: 7] وهؤلاء نوع آخر من الملائكة، وهم الكروبيون الذين لا عملَ لهم إلا تسبيح الله، وليس في بالهم هذا الكون كله، ولا يدرون عنه شيئاً، فقط { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ .. } [غافر: 7].
        لكن هؤلاء الكروبيين الذين يحيطون بالعرش ويُسبِّحون الله ولا عملَ لهم غير ذلك، هل يروْنَ الله سبحانه وهو على العرش؟ قال علماؤنا رحمهم الله: أنهم رغم منزلتهم هذه إلا أنهم لا يروْنَ الله تعالى، وأظهر هذه الأقوال قول الفخر الرازيرحمه الله ، فلما تكلم في هذه الآية { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ .. } [غافر: 7] استأنس برأي صاحب الكشاف الذي سبقه وقال: إن معنى { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ .. } [غافر: 7] أنهم لا يرونه سبحانه لأن المشهديات ليس فيها إيمان، الإيمان للغيبيات، فلو أنهم شهدوا الله وهو على العرش ما قال في حقهم { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ .. } [غافر: 7] ثم قال الفخر الرازي: ولو لم يكُنْ للإمام صاحب الكشاف إلا هذه لكفتْهُ طيلة حياته، هذا مع ما بين الإمامين من خلاف في الرأي.
      إذن: لا نفهم من مكانة هؤلاء الملائكة وقربهم من ذي الجلال سبحانه أنهم يروْنَه، لا بل هو سبحانه بالنسبة لهم غيب لا يرونه، يؤكد هذا قوله سبحانه { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ .. } [غافر: 7] فأنت الآن في هذا المجلس لا تقول مثلاً: آمنتُ بأن الشيخ الشعراوي جالس وحوله مُحبِّوه ويتكلم في كذا وكذا، لأن ما نحن فيه الآن مشهد لا دخْلَ للإيمان فيه، الإيمان لا يكون إلا بأمر غيبي وهذه ميزة الإيمان، لذلك كثيراً ما يتكرر قوله تعالى: { { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ .. } [البقرة: 3].
        وسبق أنْ ضربنا مثلاً قلنا: هَبْ أنني أخاف من اللصوص فأخذت مالي الذي أخاف عليه وذهبتُ إلى مكان بعيد في الحديقة مثلاً ووضعت المال وفوقه حجر ثقيل، ولما احتجتُ لهذا المال ناديتُ العامل: يا فلان ارفع هذا الحجر، فقال: لا أستطيع وحدي فهو ثقيل، فقلت له: تدري ماذا تحت هذا الحجر؟ تحته المال الذي سأعطيك منه راتبك، عندها يتقدم إلى الحجر ويرفعه، إذن: المهم ليس إطاعة الأمر الذي عُلِم منفعته، إنما إطاعة الأمر وهو غيب عنك.
        ومعنى { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ .. } [غافر: 7] أي: تسبيحاً مقروناً بالحمد، لأن التسبيح ثناءٌ على الله، أما الحمد فشكرٌ لله على نعمه التي سبقتْ، ومن أجلِّ النعم أنه سبحانه لا يشبهه شيء ولو وجد له شبيه لحدثَ تعارض في الكون: { { إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ .. } [المؤمنون: 91] فهو وحده المعبود، وهو وحده المستحق للحمد.
      ثم بعد ذلك { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ .. } [غافر: 7] أي: أن هؤلاء الملائكة من ضمن مهمتهم أنهم يستغفرون للمؤمنين، كما حكى عنهم القرآن يقولون: { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } [غافر: 7].
      هذا من دعاء الملائكة للذين آمنوا، والدعاء عادة بـ (ربنا) محذوف الياء التي للنداء فلم يقُلْ: يا ربنا لأن النداء بالياء يدل على بُعْد المنادَى، أما الأبعد فيُنادى بأيا، والقريب يُنادى بالهمزة مثل: أمحمد.
      أما الحق سبحانه وتعالى فهو من القرب بحيث لا نستخدم في ندائه أيَّ حرف من حروف النداء، لأنه أقربُ لعبده من حبل الوريد، لذلك نناديه سبحانه مباشرة (ربنا)، ولك أنْ تستقرئ القرآن كله فلن تجد في ندائه سبحانه حرفاً من أحرف النداء.
      حتى الكفار لما نادوا الحق سبحانه قالوا: { { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ .. } [الأنفال: 32] ومعلوم أن الميم في آخر لفظ الجلالة هنا عِوَضٌ عن ياء النداء، فلم يقولوا: يا الله إنما قالوا: اللهم.
          التفاسير العظيمة
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182200
    • إجمالي المشاركات
      2535477
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93209
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    chaima12
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×