اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57462
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180551
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8253
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53009
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40679
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  11. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33884
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  12. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32200
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13114
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  13. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  14. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37403 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  15. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • مما امتاز به القرآن الكريم تقريره لقواعد عامة، وإخباره عن سنن كونية واجتماعية، وطبائع بشرية، ومن الأمور التي جُبِل عليها الناس ما جاء في قوله سبحانه: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب} (آل عمران:14) ولنا مع هذه الآيات عدة وقفات:

      الوقفة الأولى: ذكر المفسرون في (المزين) في الآية قولين: أحدهما: أن المزين هو الله. ثانيهما: أن المزين هو الشيطان، قال القرطبي: "فتزيين الله تعالى إنما هو بالإيجاد والتهيئة للانتفاع، وإنشاء الجبلة على الميل إلى هذه الأشياء. وتزيين الشيطان إنما هو بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها. والآية على كلا الوجهين ابتداء وعظ لجميع الناس، وفي ضمن ذلك توبيخ لمعاصري النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود وغيرهم".

      الوقفة الثانية: هذه الآية جاءت عقيب حديث القرآن الكريم عن تأييد الله سبحانه لعباده المؤمنين يوم بدر، إذ نصرهم سبحانه على عدوهم، وبين سبحانه أن فيما ذكره عبرة لأولي العقول والأفهام، ثم أردف ذلك بما هو كالشرح والبيان لتلك العبرة؛ وذلك أنه تعالى بين أنه زُين للناس حب الشهوات الجسمانية، واللذات الدنيوية، وبين أن هذه الشهوات والملذات فانية منقضية، تذهب لذاتها ومسراتها، وتبقى تبعاتها وآلامها، ثم قرر أن ما عنده خير وأبقى من متاع الدنيا وشهواتها وزخرفها ومغرياتها.

      الوقفة الثالثة: ذكر سبحانه في هذه الآية من المشتهيات أموراً سبعة: أولها: النساء، وإنما قدمهن على سائر الشهوات؛ لأن الالتذاذ بهن أكثر، والاستئناس بهن أتم، قال القرطبي: "بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس إليهن؛ لأنهن حبائل الشيطان، وفتنة الرجال". وقال ابن كثير: "بدأ بالنساء؛ لأن الفتنة بهن أشد، كما ثبت في الصحيح أنه عليه السلام، قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) متفق عليه، فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد، فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه، كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والاستكثار منه، كقوله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)، رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: (حُبب إلي من الدنيا: النساء، والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة)، رواه النسائي، قال الشيخ الألباني: حسن صحيح. وقال ابن عباس رضي الله عنهما لسعيد بن جبير: (تزوج، فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء)".

      وقد ألمح الحرالي إلى ملحظ مهم في الآية، وهو أنه سبحانه أخفى فتنة النساء بالرجال ستراً لهن، كما أخفى أمر حواء في ذكر المعصية لآدم، حيث قال: {وعصى آدم ربه} (طه:121) فأخفاهن لما في ستر الحُرُم من الكرم، والله سبحانه وتعالى حي كريم.

      الوقفة الرابعة: أتبع سبحانه ما يميل إليه الناس من الشهوات بعد النساء بحب البنين؛ إذ هم فلذة الأكباد، وبهم يدوم بقاء النوع الإنساني، ومن خلالهم يبقى ذكر للإنسان في هذه الحياة، قال الرازي: "اعلم أن الله تعالى في إيجاد حب الزوجة والولد في قلب الإنسان حكمة بالغة؛ فإنه لولا هذا الحب لما حصل التوالد والتناسل، ولأدى ذلك إلى انقطاع النسل، وهذه المحبة كأنها حالة غريزية؛ ولذلك فإنها حاصلة لجميع الحيوانات، والحكمة فيه بقاء النسل". وقال ابن كثير: "وحب البنين تارة يكون للتفاخر والزينة، فهو داخل في هذا، وتارة يكون لتكثير النسل، وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن يعبد الله وحده لا شريك له، فهذا محمود ممدوح، كما ثبت في الحديث: (تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم) رواه أبو داود والنسائي، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح.

      الوقفة الخامسة: قوله سبحانه: {والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة} (القناطير) جمع قنطار، و(القنطار) مال كثير، يتوثق الإنسان به في دفع أصناف النوائب، وحكى أبو عبيد عن العرب أنهم يقولون: إنه وزن لا يُحد، وهذا هو الصحيح. والمراد هنا أن النفوس جُبلت على حب جمع الذهب والفضة؛ إذ بهما قِوام الحياة، قال العلماء: "إنما كانا محبوبين؛ لأنهما جعلا ثمن جميع الأشياء، فمالكهما كالمالك لجميع الأشياء". وقال ابن كثير: "وحب المال تارة يكون للفخر والخيلاء، والتكبر على الضعفاء، والتجبر على الفقراء، فهذا مذموم، وتارة يكون للنفقة في القربات، وصلة الأرحام، والقرابات، ووجوه البر والطاعات، فهذا ممدوح محمود عليه شرعاً".

      الوقفة السادسة: قوله عز وجل: {والخيل المسومة والأنعام والحرث} الخيل {المسومة} هي الراعية، يقال: أسمت الدابة وسومتها: إذا أرسلتها فِي مروجها للرعي، والمقصود أنها إذا رعت ازدادت حسناً، ومنه قوله تعالى: {أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون} (النحل:10). {والأنعام} جمع نَعَم، وهي الإبل والبقر والغنم، ولا يقال للجنس الواحد منها: نَعَم إلا للإبل خاصة؛ فإنها غلبت عليها. {والحرث} هي الأراضي المعدة للزراعة. وهذه الأمور الثلاثة من المحببات لبني آدم؛ لما فيها من المتاع والمصالح والمنافع، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء إلا الخيل، وفي رواية: من الخيل إلا النساء. رواه النسائي في السنن الكبرى وأحمد.

      الوقفة السابعة: قوله تعالى: {ذلك متاع الحياة الدنيا} أي إن كل تلك الشهوات إن أُخذت فوق الحد المشروع منها، فإنها متاع زائل، وسراب خادع، والفيصل هو أن الإنسان يخشى أن تفوته النعمة فلا تكون عنده، أو أن يفوتها فيموت. وكل ما يفوتك أو تفوته، فلا تعتز به، ولا تغتر به، والعاقل من تمسك بما هو باق غير فان، وما دائم غير زائل.

      الوقفة الثامنة: قوله تبارك وتعالى: {والله عنده حسن المآب} {المآب} في اللغة المرجع، يقال: آب الرجل إياباً، وأوبة، وأبية، ومآباً: إذا رجع من سفر، أو رجع إلى الله بعد معصية، قال الله تعالى: {إن إلينا إيابهم} (الغاشية:25)، والمقصود من هذا الختام بيان أن من آتاه الله الدنيا، كان الواجب عليه أن يصرفها إلى ما يكون فيه عمارة لمعاده، ويتوصل بها إلى سعادة آخرته، ثم لما كان الغرض الترغيب في المآب، وصف {المآب} بـ (الحُسن).

      قال ابن عاشور: "وسياق الآية تفضيل معالي الأمور وصالح الأعمال على المشتهيات المخلوطة أنواعها بحلال منها وحرام، والمعرَّضة للزوال؛ فإن الكمال بتزكية النفس لتبلغ الدرجات القدسية، وتناول النعيم الأبدي العظيم، كما أشار إليه قوله تعالى: {ذلك متاع الحياة والله عنده حسن المآب}.

      الوقفة التاسعة: قال أبو هاشم الزاهد: "وَسَمَ الله الدنيا بالوحشة؛ ليكون أُنس المريد بربه دونها، وليُقبل المطيعون بالإعراض عنها، وأهلُ المعرفة بالله من الدنيا مستوحشون، وإلى الله راغبون. وقد تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من شر فتنتها، غناها وفقرها. وأكثرُ القرآن مشتمل على ذمها، وتحذير الخلق منها، بل ما من داع يدعو إلى الله تعالى إلا وقد حذر منها، ورغَّب في الآخرة، بل هو المقصود بالذات من بيان الشرائع، وكيف لا، وهي عدوة الله؛ لقطعها طريق الوصلة إليه، ولذلك لم ينظر إليها منذ خلقها. وعدوة لأوليائه؛ لأنها تزينت بزينتها، حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها، وعدوة لأعدائه؛ لأنها استدرجتهم بمكرها، واقتنصتهم بشبكتها، فوثقوا بها، فخذلتهم أحوج ما كانوا إليها".

      الوقفة العاشرة: ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآية جملة من الأقوال جديرة بالنظر والتأمل والاعتبار: فقال الثعالبي: "هذه الآية ابتداء وعظ لجميع الناس، وفي ضمن ذلك توبيخ، والشهوات ذميمة، واتباعها مُرْدٍ، وطاعتها مَهْلَكَةٌ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) متفق عليه، فحسبك أن النار حفت بها، فمن واقعها خلص إلى النار".

      وقال العلماء: "ذكر الله تعالى أربعة أصناف من المال، كل نوع من المال يتموّل به صنف من الناس؛ أما الذهب والفضة فيتمول بها التجار، وأما الخيل المسومة فيتمول بها الملوك، وأما الأنعام فيتمول بها أهل البوادِي، وأما الحرث فيتمول بها أهل القرى والريف. فتكون فتنة كل صنف فِي النوع الذي يتمول، فأما النساء والبنون ففتنة للجميع".

      وقال الرازي: "للاستمتاع بمتاع الدنيا وجوه: منها أن ينفرد به من خصه الله تعالى بهذه النعم، فيكون مذموماً؛ ومنها أن يترك الانتفاع به مع الحاجة إليه، فيكون أيضاً مذموماً؛ ومنها أن ينتفع به في وجه مباح من غير أن يتوصل بذلك إلى مصالح الآخرة، وذلك لا ممدوح ولا مذموم؛ ومنها أن ينتفع به على وجه يتوصل به إلى مصالح الآخرة، وذلك هو الممدوح".

      وقال السعدي: "في هذه الآية تسلية للفقراء الذين لا قدرة لهم على هذه الشهوات التي يقدر عليها الأغنياء، وتحذير للمغترين بها، وتزهيد لأهل العقول النيرة بها، وتمام ذلك أن الله تعالى أخبر بعدها عن دار القرار ومصير المتقين الأبرار، وأخبر أنها خير من ذلكم المذكور، ألا وهي الجنات العاليات ذات المنازل الأنيقة والغرف العالية، والأشجار المتنوعة المثمرة بأنواع الثمار، والأنهار الجارية على حسب مرادهم والأزواج المطهرة من كل قذر ودنس وعيب ظاهر وباطن، مع الخلود الدائم الذي به تمام النعيم، مع الرضوان من الله الذي هو أكبر نعيم، فقس هذه الدار الجليلة بتلك الدار الحقيرة، ثم اختر لنفسك أحسنهما، واعرض على قلبك المفاضلة بينهما".

      وقال السعدي أيضاً: "يخبر تعالى أنه زين للناس حب الشهوات الدنيوية، وخص هذه الأمور المذكورة؛ لأنها أعظم شهوات الدنيا وغيرها تبع لها...فلما زينت لهم هذه المذكورات بما فيها من الدواعي المثيرات، تعلقت بها نفوسهم، ومالت إليها قلوبهم، وانقسموا بحسب الواقع إلى قسمين: قسم: جعلوها هي المقصود، فصارت أفكارهم وخواطرهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة لها، فشغلتهم عما خُلقوا لأجله، وصحبوها صحبة البهائم السائمة، يتمتعون بلذاتها، ويتناولون شهواتها، ولا يبالون على أي وجه حصَّلوها، ولا فيما أنفقوها وصرفوها، فهؤلاء كانت زاداً لهم إلى دار الشقاء والعناء والعذاب. والقسم الثاني: عرفوا المقصود منها، وأن الله جعلها ابتلاء وامتحاناً لعباده، ليعلم من يُقدِّم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلة لهم، وطريقاً يتزودون منها لآخرتهم، ويتمتعون بما يتمتعون به على وجه الاستعانة به على مرضاته، قد صحبوها بأبدانهم، وفارقوها بقلوبهم، وعلموا أنها كما قال الله فيها: {ذلك متاع الحياة الدنيا} فجعلوها معبراً إلى الدار الآخرة، ومتجراً يرجون بها الفوائد الفاخرة، فهؤلاء صارت لهم زاداً إلى ربهم".

      وقال الشيخ الشعراوي ما حاصله: يأتي ذكر هذه الآية بعد ذكر المعركة الإسلامية، التي جعلها الله آية مستمرة دائمة؛ لتوضح لنا أن المعارك الإيمانية تتطلب الانقطاع إلى الله، وتتطلب خروج المؤمن عما أَلِف من عادة تمنحه كل المتع. والمعارك الإيمانية تجعل المؤمن الصادق يضحي بكثير من شهواتها ومتعه في سبيل مرضاة الله سبحانه، فيأتي الله بهذه الآية بعد ذكر الآية التي ترسم طريق الانتصارات المتجدد لأهل الإيمان؛ وذلك حتى لا تأخذنا شهوات الحياة من الإقبال على ما يرضي الله سبحانه.

      وقال أيضاً: وكلمة {زين} تعطينا فاصلاً بين المتعة التي يحلها الله، والمتعة التي لا يرضاها الله؛ لأن الزينة عادة هي شيء فوق الجوهر، فكأن الله يريد أن نأخذ الحياة ولا نرفضها، ولكن لا نأخذها بزينتها وبهرجتها، بل نأخذها بحقيقتها الاستبقائية، وحين ننظر إلى الآية، فإننا نجدها توضح لنا، أن الميل إذا كان مما يؤكد حقيقة استبقاء الحياة، فهو مطلوب ومقبول، ولكن إن أخذ الإنسان الأمر على أكثر من ذلك، فهذا هو الممقوت. ونلحظ أن هذه الآية -التي تعدد أنواع الزينة- جاءت بعد الآية التي تتحدث عن الجهاد فِي سبيل الله؛ وذلك ليرشدنا إلى أن الإنسان المؤمن لا يصح أن يضحى برسالته الحقيقية، وهي إدراك الشهادة في سبيل الله بسبب الشهوات الزائلة. وعندما نتأمل الآية فِي مجموعها نجد أن فيها مفاتيح كل شخصية تريد أن تنحرف عن منهج الله، نرى المفاتيح التي قد تجذب الإنسان لينحرف عن مراد الله فِي منهجه، إنه سبحانه يطلب من عبده المؤمن أن يبني حركة حياته وفق مراد الله...والذين يدخلون على الناس ليُزيِّنوا لهم غير منهج الله، يأتون لهم بالمفتاح الذي يفتح شخصياتهم.

      وربما يقول قائل: إذا كان الله يريد أن يصرفنا عن هذه الأشياء فلماذا خلقها لنا؟ وفي الجواب يقال: لقد كان الله قادراً أن يقول لنا من الذي زَيَّن تلك الأشياء تحديداً، لكن الحق يريد أن يعلِّمنا أنه من الممكن أن يكون الشيطان هو الذي يُزيّن لنا هذه الأشياء، ومن الممكن أن يكون سبحانه هو الذي يزين، والفيصل في هذه المسألة أن الحق سبحانه جعل لكل نعمة من نعم الحياة عملاً يعمله الإنسان فيها وفق ضوابط محددة، فإن التزم بها سعد ورشد، وإن زاغ عنها شقي وغوى.
        والمهم هنا أن هذه الآية لا ينبغي أن تصرف المؤمن عن الدنيا بالكلية، وتحمله على أن يعيش حياة الترهب والتزهد والرهبانية، بل الصواب والعدل أن يقتفي في هذا منهج السلف الصالح والتابعين وأهل العدل والدين؛ فإنهم ما كانوا يأخذون الدنيا للدنيا، بل للدين، وما كانوا يترهبون، ويهجرون الدنيا بالكلية، وما كان لهم في الأمور تفريط ولا إفراط، بل كان أمرهم بين ذلك قواماً، وذلك هو العدل والوسط بين الطرفين، وهو أحب الأمور إلى الله تعالى.     اسلام ويب
    • لنتأمل الإعجاز القانوني الاقتصادي الاستثماري في آية وظيفة الأموال الاجتماعية، والآية التي بينت وظيفة الأموال الاجتماعية هي قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء:5]، ففي هذه الآية المباركة يبين الله تعالى وظيفة الأموال في المجتمع كما يبين حق المجتمع وحق الدولة في أموال السفهاء الذين لا يحسنون التصرف في الأموال، وتراه في الوقت ذاته يبين حقوق السفهاء في الوقت ذاته، ولكن من هم السفهاء؟
      السفه هو: الاضطراب في الرأي، والفكر، أو الأخلاق. وأصله الاضطراب في المحسوسات. وقال الراغب: السفه خفة في البدن، ومنه قيل: زمام سفيه: كثير الاضطراب، وثوب سفيه: رديء النسج. واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل، وفي الأمور الدنيوية والأخروية، والسفه في الأمور الدنيوية هو المراد من لفظ السفهاء هنا، ومثل للسفه في الأمور الأخروية بقوله - تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللهِ شَطَطًا} [الجن:4].
      فالسفهاء هنا هم من نقص عقله، وعمه تصرفه، فلم يحسنوا التصرف في المال من الرجال والنساء والأطفال ومنهم بعض الأيتام، أو بعض الموظفين غير الأمناء فتراهم يتصرفون فيه تصرفا غير راشد تبذيرا أو عبثا ولهوا أو إنفاقا مجحفا في غير اللائق من اللهو واللعب، فالخطاب هنا لمن يعطي هؤلاء السفهاء كأن الله يقول لهم: قد تكونون بإعطائكم إياهم الأموال تنقضون أسباب قيامكم المعيشي مما يؤدي إلى دمارهم ودماركم حيث يذهب أساس ما يقوم عليكم في حياتكم. فالسفهاء" الذين نهى الله المؤمنين أن يؤتوهم أموالهم، هم المستحقون الحجر والمستوجبون أن يُولى عليهم أموالهم.
      المناسبة والاتصال: لماذا ذكرهم بعد حقوق النساء وقبل إكمال حقوق اليتامى؟
      1) لأن جزءاً منهم ينتمي إلى النساء واليتامى فالتكملة هي لهم.
      2) لبيان أن إعطاء النساء أموالهن كالمهور لا يعني عدم إعانتهن وغيرهن على كيفية تثميره والحرص على عدم إهداره في السفه والعبث المدمر له ولأصحابه، ولذا كانت هذه الحقوق للتعامل مع السفهاء المبعثرين للمال سواء أكان ذلك من جهة النساء أم من جهة الرجال.
      3) لبيان أن وجوب إعطاء الأموال لأصحابها من اليتامى والنساء وغيرهم والتشديد في ذلك لا يعني أن يعطى السفهاء الأموال ليتصرفوا فيها. وهنا يبين الله تعالى عدداً من الحقوق التي لهذه الفئة السفيهة في تصرفاتها المالية، ومن هذه الحقوق:
      الحق الأول: حق الدولة والمجتمع وواجبهما في عدم إعطاء السفهاء الأموال {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} فعدم إعطائهم أموالكم بما أنهم لا يحسنون التعامل بها، فهذا الحق لهم كما هو للدولة حفاظاً على الثروة العامة، وحراسة لمقدرات الأمة، من باب إعانتهم على ترك الظلم والسوء لأنفسهم، ومن أمثلة إعطائهم الأموال: أن يعطي الأب ماله لابنه السفيه، أو يعطي الزوج زوجته السفيهة، أو تعطي الزوجة زوجها السفيه، ومن أبرز الأمثلة العجيبة في هذه الأيام: إعطاء عامة المسلمين المال العام للسفهاء ليتحكموا فيها، فانظر إلى هذه الآية كيف تحرس أموال الأفراد، ولكنها بصورةٍ أعظم تحرس أموال الأمة، وتعجب كيف توجد مثل هذه التشريعات التي تحمي الأمة هذه الحماية ثم تكون هذه الأمة أكثر أمم الأرض تضييعاً لأموالها، وهذا سبق قرآني وأوليات مدهشة يقدمها القرآن للعالم يسبق بها النظم الاقتصادية كما يسبق بها الاقتصاديين العالميين.
      عن أبى موسى رضى اللَّه عنه عن النبِى -صلى الله عليه وسلم- قال :«ثلاثة يدعون اللَّه فلا يستجاب لهم رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه ورجل آتى سفيها ماله وقد قال الله عز وجل (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم)».
      الحق الثاني: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} أي لا تعطوهم أموالهم للسبب ذاته، وهذا هو المعنى الثاني لكلمة (أموالكم) إذ يجوز أن تكون بمعنى أموالكم كما في الحق السابق، ويجوز أن تكون بمعنى أموالهم وذلك كالأيتام أو الأولاد فلا يعطيهم الوصي أو الأب مالاً هو لهم إن لم يحسنوا التصرف فيه.
      من أين جاء استنباط هذين الحقين؟
      الجواب: من قوله تعالى: {أَمْوَالَكُمُ} فقد يكون المراد أموالهم هم وإنما كنى عنها بنسبتها إلى المخاطبين للتنبيه على عدة أمور:
      أولاً: ليتعاملوا معها كما لو كانت هي أموالهم، إجراء للوحدة بالنوع مجرى الوحدة بالشخص، ونظيره قوله تعالى: {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة:128] وقوله: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} وقوله:{ ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة:85].
      ثانياً: أنه إذا ضاع هذا المال ولم يبق للسفيه من ماله ما ينفق منه عليه وجب على وليه أن ينفق عليه من مال نفسه، فبذلك تكون إضاعة مال السفيه مفضية إلى شيء من مال الولي، فكأن ماله عين ماله، وكذلك إذا أنفق الولي قدراً زائداً على المحتاج إليه من مال اليتيم ترفهاً فإنه يضمنه من ماله.
      ثالثاً: لأن الأموال وإن كانت أموالهم إلا أن للمجتمع فيها حق أن يتصرف فيها مالكوها تصرفاً راشداً لا تصرف السفهاء. وقد يكون المراد أنها أموال المخاطبين حقيقة، ولا مانع من حمل الكلام على الحقيقة والمجاز معاً.
      الحق الثالث: الاهتمام بأموالهم وأموالكم والحرص عليها لأن الله جعلها قياماً على حياتهم في الدنيا {الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}.
      فكلمة (قِياماً) هنا تدل على عدة مفاهيم:
      المفهوم الأول: المال قوام المعايش الدنيوية:
      فالقيام اسم لما يقوم به الشيء، أي يثبت، كالعماد، والسناد، فإن (قياماً) مصدر على وزن فعل بمعنى فعال: مثل عوذ بمعنى عِياذ، والمعنى كما يقول الزمخشري: أي تقومون بها، وتتعيشون، ولو ضيعتموها لضعتم، فنستفيد منها أنه لا يحصل قيامكم الحياتي إلا بالمال، فالمال هو قوام حياتكم، فأكلكم وشربكم وبناؤكم وحركتكم وتربيتكم وفق ما عندكم من المال، فلما كان المال سببا للقيام والاستقلال سماه بالقيام إطلاقا لاسم المسبب على السبب، فلا يمكن أن يقوم بأنشطته الدنيوية إلا بالمال "لأن الإنسان ما لم يكن فارغ البال لا يمكنه القيام بتحصيل ما يهمه من الدنيا ، وما لم يتمكن من تحصيل ما يهمه من الدنيا لا يمكنه أمر الآخرة ، ولا يكون فارغ البال إلا بواسطة ما يكفيه من المال - لأنه لا يتمكن في هذه الدار التي مبناها على الأسباب من جلب المنافع ودفع المضار إلا به ، فمن أراده لهذا الغرض كان من أعظم الأسباب المعينة له على اكتساب سعادة الآخرين ، ومن أراد لنفسه كان من أعظم المعوقات عن سعادة الآخرة"، فروى أحمد عن عمرو بن العاص يقول بعث الي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ((خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني)) فأتيته وهو يتوضأ فصعد في النظر ثم طأطأه فقال: ((اني أريد ان ابعثك على جيش فيسلمك الله ويغنمك وارغب لك من المال رغبة صالحة)) قال: قلت يا رسول الله ما أسلمت من أجل المال ولكني أسلمت رغبة في الإسلام وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: ((يا عمرو نعم المال الصالح للمرء الصالح)).
      المفهوم الثاني: المال أساس قيام المسلمين واستقلال قراراتهم، وهو أساس قدرتهم على الشراء والإثراء والتأثير في الواقع العالمي؛ فإن كلمة (قِيَمًا) جمع قيمة أي التي جعلها اللَّه قيما أي أثمانا للأشياء، وَقد قرأ نافع وابن عامر {التي جعل اللَّه لكم قيما} كَمَا قَالَ تعالى: {دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ} [الْأَنْعَامِ:161].
      فانظر قوة لفظة (قياماً) هنا، فهي التي تقوم بها حياتكم ومجدكم، ومثال ذلك هذه الخيرات المدهشة الموجودة في العالم الإسلامي من الطاقة الشمسية إلى الثروة الزراعية إلى السلاح النفطي إلى الثروة السمكية، وأهم من ذلك كله الثروة البشرية.. أفلا يدل تضعضع الأمة ووهنها على أن من يدير هذه الموارد لها هم مجموعة من السفهاء؟ وحتى يظهر الأمر المبكي المضحك في هذه الأمة فلنأخذ مثالاً بشركة سامسونج الكورية كبرى الشركات الالكترونية التي سجلت أرباحا صافية خلال الربع الثانى من عام 2015م بلغت 5.5 مليار يورو، ومعنى ذلك أن أرباحها السنوية تفوق بعض ميزانيات بعض الدول العربية الغنية من مجرد الثروة التي في باطن الأرض.
      ولذا لا بد من الحفاظ على الثروة العامة والاحتياطات المالية:
      ولذا وصف الله المال بهذا الوصف الفريد (قياماً)، وروى أحمد وأبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((إن الهدي الصالح، والسمت الصالح، والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة))، وحسنه الألباني، وروى الشيخان عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما: ((إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يَتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة، تبتغي بها وجه الله، إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في فِي امرأتك)).   اسلام ويب
    • (لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ )٦٣-الزمر القرآن عربي نزل بلغات العرب المتداولة ساعة نزوله، ومع ذلك ففي القرآن كلماتٌ وألفاظ فارسية أو حبشية أو رومية وهذه الألفاظ لا تخرجه عن كونه عربياً، لأنها دخلتْ لغة العرب قبل نزول القرآن واستعملها العربي وعرفها، وصارت جزءاً من لغته.
        ومن هذه الكلمات (مقاليد) فلله { مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الزمر: 63] وهي جمع مِقلاد على وزن مفتاح، أو جمع مقليد، وفي لغة أخرى يقولون أقاليد جمع إقليد. ومعناها التملُّك والتصرف والحفظ والصيانة، فلله تعالى مُلْك السماوات والأرض، وله مُطلق التصرف في أمورهما، وله سبحانه حفظهما وتدبير شئونهما.
        وهذه هي القيومية التي لله تعالى ليظل كل شيء من خَلْقه في مهمته، فالحق سبحانه خلق من عدم، وأمدَّ من عُدم، وشرع الشرائع، وسَنَّ القوانين، ثم لم يترك الخَلْق هكذا يسير بهذه القوانين كما يدَّعي البعض، إنما هو سبحانه قائم على خلقه قيُّوم عليهم، لا يغفل عنهم لحظة واحدة، واقرأ: { { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ .. } [فاطر: 41].
        ولو أن الكون يسير بالقوانين التي خلقها الله فيه - كما يقول الفلاسفة - لكانت الأمور تستقر على شيء واحد لا يتغير، بمعنى أنْ يظلَّ الصحيحُ صحيحاً، ويظلَّ العزيز عزيزاً، والغنيُّ غنياً .. إلخ لكن الأمر غير ذلك، لأن لله في خَلْقه قيومية وتصرُّفاً.
       
      فكلمة لا إله إلا الله تعني أن الله واحدٌ لا شريكَ له، فإذا قضى أمراً لا يعارضه معارضٌ، ولا يعترض عليه معترض، إنْ أعطى لا أحدَ يمنع عطاءه، وإنْ منع فلا مُعطي لما منع؛ لذلك يقول سبحانه: { { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } [الحج: 73] بل ما هو أيسر من عملية الخَلْق { { وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ } [الحج: 73] وهل تستطيع أنْ تسترد من الذبابة ما أخذته من العسل مثلاً إنْ وقعتْ عليه { { ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } [الحج: 73].
        لذلك هذه الكلمة (لا إله إلا الله) قالها الحق سبحانه أولاً وشهد بها لنفسه سبحانه شهادةَ الذات للذات، وهذه الشهادة تعني أنه لا يتأبى على الله شيء من الخَلْق أبداً؛ لذلك يقول للشيء: كن فيكون. ثم شهدتْ بذلك الملائكة شهادةَ المشاهدة، ثم شهد بها أولو العلم شهادة استدلال، قال تعالى: { { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } [آل عمران: 18] فكلمة لا إله إلا الله مِقلاد من المقاليد التي لله تعالى.
        كذلك كلمة (الله أكبر) من مقاليد السماوات والأرض، وسبق أنْ بينَّا أن كلمة الله أكبر هي شعارنا في النداء للصلاة، مع أن أكبر ليس من أسمائه تعالى إنما من أسمائه تعالى الكبير، فلماذا لم يستخدم الاسم واستخدم في النداء للصلاة الصفة (أكبر).
      قلنا: إنها أفعل تفضيل من كبير؛ لأن ربك حين يستدعيك للصلاة يُخرجك من عمل الدنيا، هذا العمل ليس أمراً هيِّناً ولا تافهاً إنما هو عظيم وكبير، لأن به تقوم أمور الدنيا، وبه تستعين على أمور الدين، فهو وإن كان كبيراً فالله أكبر، فاترك العمل إلى الصلاة، أما الاسم الكبير لأن ما سواه صغير.
        وكلمة (سبحان والله وبحمده) من مقاليد السماوات والأرض، لأنك ستتعرض لأمور هي فوق إدراكك ولا يقدر عليها إلا الله، فإياك أنْ تقف أمامها لتقول: كيف؟ إنما حين يُنسب الفعل إلى الله فقُلْ سبحان الله، وهذه المسألة أوضحناها في قصة الإسراء؛ لذلك بدأت بهذه الكلمة { { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا } [الإسراء: 1].
      ولا غرابة في ذلك، لأن الفعل نُسب إلى الله ولم يقُل محمد صلى الله عليه وسلم: "سريتُ إنما قال: أُسْرِي بي" ومعلوم أن الفعل يتناسب وفاعله قوةً وزمناً، فإذا كان الفاعل هو الله فلا زمنَ يُذكر.
        ومثَّلنا لذلك قلنا: لو أنك تريد السفر إلى الإسكندرية مثلاً تركب حماراً أو جواداً أو سيارة أو طائرة أو صاروخاً، هل سيكون الزمنُ نفس الزمن؟ لا لأن الزمن يتناسب مع قوة الوسيلة، فكلما زادتْ القوة قلَّ الزمن، فإذا كان الفاعل في الإسراء هو قوة القوى وهو الله، فلا شكَّ أن الفعل لا يحتاج إلى زمن.
        حين تتأمل الدم يجري في الشرايين لا بدَّ أنْ يكون على درجة معينة من السيولة ليجري، فإنْ قلَّتْ هذه السيولة تجلَّط وتجمد في مجاريه، وقد تسد الشرايين فيموت الإنسان، لكن إذا سال الدمُ خارجَ الجسم يتجلَّط، أما في العروق فيظل على سيولته.
        تأمل حرارة الجسم تجد الحرارة الطبيعية 37 ْ سواء أكنتَ تعيش في بلاد الإسكيمو أو بجوار خط الاستواء حرارتك ثابتة عند 37 ْ، ومع ذلك ففي جسم الإنسان أعضاء تختلف في حرارتها وهي في الجسم الواحد، فالعين مثلاً حرارتها الطبيعية تسع درجات، والكبد أربعون درجة، ولو طغتْ حرارة الجسم على حرارة العين لفقد الإنسان بصره.
        ومن المعروف أن من خصائص الحرارة أو البرودة خاصية الاستطراق، فكيف لا تُستطرق الحرارة والبرودة داخلَ الجسم الإنساني؟ هذه كلها أمور يجب أن نقول فيها: سبحان الله صاحب هذه القدرة ومُبدعها.
      إذن: قُلْ دائماً سبحان الله في كل أمر مُستغرب؛ لذلك علَّمنا القرآن هذه الكلمة في كل فعل لا يقدر عليه إلا الله. قال سبحانه: { { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ } [الإسراء: 1] وقال: { { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [يس: 36].
        وكلمة (سبحان الله) ينبغي أنْ تُقرن بحمده سبحانه، فكأنك تحمد الله أنه مُنزَّه عن مماثلة الخَلْق أو مشابهة الخَلْق، الحمد لله أنه لا مثيل له ولا نظيرَ له ولا نِدَّ له، لأن هذا التنزيه تعود ثماره عليك أنت أيها المؤمن.
      وكلمة (أستغفر الله العظيم) من مقاليد السماوات والأرض، فإنْ غفلتَ عني فمن مقاليدي أنْ أغفر لك إن استغفرت حتى لا أحرمك من التوبة والإنابة إليَّ ومغفرة الدنيا مَحْوٌ للذنب، فهي مظهر من مظاهر رحمته تعالى بنا؛ لأن العبد إن أغلقنا في وجهه باب التوبة استشرى في العصيان، وتمادى في الاعتداء على الآخرين.
      إذن: فمشروعية التوبة رحمتْ البشر من شرور البشر.
        وكلمة "لا حول ولا قوة إلا بالله" هي أيضاً من مقاليد السماوات والأرض، فإذا أقبلت على شيء: فإياك أن تظن أنك تقبل عليه بحولك وقوتك، إنما لا حولَ ولا قوةَ لك إلا بالله، لأنه سبحانه هو الذي يستطيع أن يسلب منك الحول، وأن يسلب منك القوة.
      أما تفكرتَ في يدك .. كيف تحركها كيفما تشاء في يُسْر وسلاسة، وهي تنقاد لك وتطاوعك، وأنت لا تعرف حتى العضلات والأعصاب التي تشارك في هذه الحركة ولا تدري بها؟
      إنها قدرة الله فيك، فإذا أراد سبحانه أن يسلب منك هذه القوة منع السيال الكهربي القادم من المخ إلى هذا العضو فتحاول رفعه فلا تستطيع. إذن: اجعل هذه المسألة دائماً في بالك كلما أقبلتَ على عمل، واعلم أنه لا يتم لك بقوتك إنما بقوة الله.
        وكلمة "هو الأول والآخر والظاهر والباطن" من مقاليد السماوات والأرض، فهو سبحانه الأول بلا بداية، والآخر بلا نهاية، كما قلنا في دعاء رمضان: يا أول لا قبل آخر، ويا آخر لا بعد أول، لكن ذاك في ذاك فقِفْ أيها العقل عند منتهاك.
      ومعنى: الظاهر أي الظاهر في مُلْك الله مما يقع تحت إدراك البصر، والباطن: أي الخفيّ في ملكوت الله الذي لا تراه، فلله تعالى مُلْك ظاهر وملكوت غير ظاهر لا يُطْلع عليه إلا مَنْ شاء من عباده في الوقت الذي يريده سبحانه.
        وكلمة "بيده الخير" هي أيضاً من المقاليد، وبعض العلماء قالوا: بيده الخير والشر ونظروا إلى قوله تعالى: { { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران: 26].
      فلما جمعتْ الآية بين الشيء ونقيضه جرَّأتهم أنْ يقولوا بيده الخير والشر وهذا لا يجوز، نعم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بيده الخير" تأدباً مع الله ولم ينسب الشر لله، ونحن كذلك لا ننسب الشر إلى الله تعالى، لذلك أنا منذ عام 1928 وأنا نعترض على قولنا في الدعاء: "واكفنا شر ما قضيت" وقلت: لابد أنْ يُعدِّل هذا الدعاء، ثم هدانا الحق سبحانه لحلها فقلنا: إن شر ما قضيتَ ألاَّ ترضى بالقضاء.
        ولو تأملنا لفظ "بيده الخير" وفي الآية { { بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ } [آل عمران: 26] نجد أن الخير هنا مطلق بمعنى أن كل أفعال الحق سبحانه خير، ولا يأتي الشر إلا من الخَلْق، واقرأ: { { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } [النساء: 79].
      فإنْ قلتَ: كيف نجمع بين مثل هذه الآية وبَيْن قوله تعالى: { { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [النساء: 78] نقول: سبق أن أوضحنا حلَّ هذه الفزورة وقلنا: نعم كُلٌّ من عند الله بمعنى أن الله تعالى هو خالق الفعل بمعنى خالق القوة والطاقة التي تفعل، لكن أنت توجه هذه الطاقة إما إلى الخير وإما إلى الشر، وعليه نقول: الخير من الله والشر منّا نحن.
        وقوله: "يحيي ويميت" أيضاً من المقاليد والموت والحياة هما أول ظاهرة في وجود الإنسان، والخالق سبحانه خلق الحياة وخلق الموت، ولما حدثنا عن ذلك قال تعالى: { { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ } [الملك: 2].
      فذكر الموت أولاً حتى لا نستقبل الحياة بغرور البقاء، بل نستقبلها وفي الأذهان أننا سننتهي إلى الموت فنعمل لهذه النهاية { { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الروم: 50] يعني: يفعل ما تعجز أنت عن فعله، وله سبحانه القدرة المطلقة فلا يعجزه شيء، ولا يستعصي عليه شيء، لذلك حين تطلب من ربك الرزق اطلب أنْ يرزقك من حيث لا تحتسب، لأن لله تعالى أسباباً للرزق لا تعرفها أنت، لذلك قال أهل المعرفة: الأسباب ستر ليد الله في العطاء.
        إذن: فقوله تعالى { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الزمر: 63] أي: بقدرته الخالقة وبقيوميته الدائمة { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ } [الزمر: 63] سواء أكانت آيات كونية أو معجزات رسل، أو آيات الكتاب حاملة الأحكام، ومعنى كفروا بها أي: استعلوا على تنفيذها { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [الزمر: 63] يعني: صفقتهم خاسرة، وتجارتهم بائرة، لأنهم آثروا الشهوة العاجلة على النعيم الدائم الذي لا يفوتك ولا تفوته.
      ثم يقول الحق سبحانه:   التفاسير العظيمة
    • ( يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ )



      روى الإمام البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ خَيْرُ مَالِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ الْغَنَمُ ، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ »، وفي الصحيحين : (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « سَتَكُونُ فِتَنٌ ،الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ ،وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي ،وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ،وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ ،وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ »

      إخوة الإسلام

      يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للصَّحابةِ الكرامِ (رضي الله عنهم) ولأمته من بعده: أنَّه يقرُبُ أن تتغيَّرَ وتتبدَّلَ الأحوالُ ،وتحلَ الفِتَنُ ،فإذا ظهرت الفتن وعمت، وتشابكت الأمور واختلطت، وخشي المؤمن على دينه، وفتن في عقيدته، فإنَّ خيرَ مالٍ يتَّخِذُه المسلِمُ- حينئذٍ- هو الغَنَمُ؛ لأنَّ المعتزلَ عنِ النَّاسِ بالغَنمِ يأكلُ مِن لحومِها ونتاجِها، ويشرَبُ مِن ألبانها، ويستمتعُ بأصوافِها باللُّبسِ وغيرِه، وهي ترعى الكلأَ في الجبالِ، وترِدُ المياه، وهذه المنافعُ والمرافِقُ لا توجَدُ في غيرِ الغَنمِ، وكذلك هي في نموِّها وزيادتِها أبعَدُ مِن الشَّوائبِ المحرَّمةِ؛ كالرِّبا، والشُّبهاتِ المكروهةِ ،وهي سهلةُ الانقيادِ، خفيفةُ المَؤُونة، كثيرةُ النَّفعِ، فيرعاها ويَتْبَعُ بها شَعَفَ الجبالِ، أي: رؤوسَها وأعاليَها؛ فإنَّها تعصِمُ مَن لَجَأ إليها مِن عدوٍّ، ومواقِعَ القَطْرِ؛ لأنَّه يجِدُ فيها الكلأَ والماءَ، فيشرَبُ منها، ويسقِي غَنَمَه، وترعى غنَمُه مِن الكلأِ ،

      ففي هذا الزمان يهرُبُ المؤمن ويعتزل الناس خشيةً على دِينِه مِن الوقوعِ في الفِتَنِ؛ فإنَّ مَن خالَط الفِتَنَ لم يسلَمْ دِينُه مِن الإثمِ، وقد مدَح اللهُ سبحانه وتعالى مَن فَرَّ بدِينِه خشيةَ الفِتنةِ عليه ،فقال حكايةً عن أصحابِ الكهفِ: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا} [الكهف: 16].

      وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعاب والجبال وإتباع الغنم لأن ذلك هو الأغلب في المواضع التي يعتزل فيها الناس ، ولكن كل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في هذا المعنى ،مثل الاعتكاف في المساجد ، أو لزوم البيوت فرارا عن شرور الناس ،لأن من نأى بنفسه عنهم ،سلموا منه، وسلم منهم ،لما في مجالستهم ومخالطتهم من الخوض في الغيبة واللغو وغيرها ، والنبي صلى الله عليه وسلم يدلنا ويرشدنا إلى أفضلية العزلة عن الناس وترك الاختلاط بهم، في حال خوف المسلم على دينه لكثرة الفتن، بحيث إنه لو خالط الناس لا يأمن على دينه من أن يرتد عنه، أو يزيغ عن الحق، أو يقع في الشرك، أو يترك مباني الإسلام وأركانه، ونحو ذلك. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (وَالْخَبَر دَالّ عَلَى فَضِيلَة الْعُزْلَة لِمَنْ خَافَ عَلَى دِينه) ،

      والذي ينبغي على المسلم فعله أيام الفتن: أن يتقي الله تعالى ،ويتجنب الخوض في الفتن ، والمشاركة في إشعال فتيلها ،وخاصة ما يتعلق بالقتال بين المسلمين التي تسفك فيها الدماء المحرمة، والمسلم مطالب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيام الفتن وغيرها، فإن كان يستجاب له وينصت لقوله فوجوده خير بينهم، وإن رأى الأهواء متبعة ،وإعجاب كل ذي رأي برأيه ،فليزم خاصة نفسه، حتى يأذن الله تعالى بتغيير الحال وإصلاح الفساد ،وعلى المسلم في عصر الفتن خاصة الالتجاء إلى الله تعالى ، فهو مفتاح الفرج ،فهل يضار من ارتمى في حماه؟ ،وهل يخسر من تقرب إلى مولاه؟ ،فلا يجد المسلم في هذه الوقت إلا الله تبارك وتعالى، فهو القادر على تغيير الحال ،والخروج بنا إلى اليسر بعد العسر ،والفرج بعد الشدة، والقرآن الكريم يحكي لنا المواقف العظيمة ،والتي لم يكن لها مخرج إلا بالله تبارك وتعالى ،فقال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [يونس: 22] ،وقال الله تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

      أيها المسلمون

      والإخبار بوقوع الفتن والتحذير منها هو من أعلام نبوَّته صلى الله عليه وسلم، ودلائل صدق رسالته – صلوات الله وسلامه عليه – فقد قصَّ صلى الله عليه وسلم على أمته مما اخبره الله به، مما كان ومما هو كائن إلى يوم القيامة؛ من أحداث الزمن، وطغيان الفتن، واختلاف الأمة، وأشراط الساعة،

      والناس في الفتن على أحوال شتَّى؛ شرُّهم مَن ينفُخ شررَها، ويُضرِم نارَها، ويوقِظ نائمها، وأهون منه مَن يُخالطها ويهواها ويُعين عليها، وخير من هذا من يقعد بعيدًا عنها، غير مُتدنِّس بدَنَسها، ولا مُتلطِّخ بآثامها؛ فإن خشي أن تَهُبَّ عليه عاصفتها، كان أشدَّ الناس فرارًا منها، ولو أن يأوي إلى رأس جبل، أو أن يَعَضَّ بجذع شجرةٍ، وحسْبُه من القوت ما سدَّ الجوعةَ، ومن اللباس ما وارى العورة!، والمؤمن الكيِّس من أعدَّ للفتن عُدَّتَه، وبادرها بالصَّالحات قبل أن تَبْغَته؛ فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ».

      ومن المعلوم أن الفتن التي تصيب الناس على درجات ، فقد يكون بعض الفتن شديدة، فيفتن الرجل في دينه وأمانته ،وكذا بالكسب من الحرام أو التعامل بالربا ،أو الوقوع في المحرمات ، فهناك في بعض بلاد المسلمين يفتنون كل من رأوه متمسكا بصلاته، أو امرأة مستورة بنقابها ، واتهموه بالإرهاب لأنه لا يوافقهم على مخالفتهم للشريعة ؛ فبعض الدولة التي يسكنها المسلمون لا تحكم بالشريعة؛ وإنما تحكم بالقانون الوضعي، فتقر بعض المنكرات، كالزنا، وشرب الخمر وبيعها، وتعطيل الحدود، فيتعرض المسلمون فيها للفتنة في دينهم ،وهنا وجب على المسلم أن يفر بدينه ،فقد (أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ اللَّهَ رَبَّهُ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ) رواه البخاري ومسلم ،وأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلزوم البيوت في زمن الفتن: قال عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ ) رواه الترمذي وصححه الألباني ،وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (طُوبَى لِمَنْ مَلَكَ لِسَانَهُ، وَوَسِعَهُ بَيْتُهُ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ) رواه الطبراني في الأوسط وحسنه الألباني ،وقال رجل لسفيان الثوري: أوصني ،قال: “هذا زمان السكوت، ولزوم البيوت ” ،وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو، قَالَ: (بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ ذَكَرَ الْفِتْنَةَ، فَقَالَ: كَيْفَ بِكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو إِذَا أُبْقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ ,قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ , وَاخْتَلَفُوا فَصَارُوا هَكَذَا. وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ : كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ ) رواه أبو داود وصححه الألباني ،وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ وَفُرْقَةٌ وَاخْتِلاَفٌ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأْتِ بِسَيْفِكَ أُحُدًا، فَاضْرِبْهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ، ثُمَّ اجْلِسْ فِي بَيْتِكَ، حَتَّى تَأْتِيَكَ يَدٌ خَاطِئَةٌ، أَوْ مَنِيَّةٌ قَاضِيَةٌ، أَوْ يُعَافِيَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. فَقَدْ وَقَعَتْ وَفَعَلْتُ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ. رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني،

      أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

      الخطبة الثانية ( يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ )

      الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

      أما بعد أيها المسلمون

      عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْقٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ بَكَّارٍ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ: أَيْنَ تَسْكُنُ؟ قُلْتُ: بِأَنْطَاكِيَّةَ .قَالَ: “الْزَمْ بَيْتَكَ، فَإِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ، فَاقْصِدْ قَضَاءَ حَاجَتِكَ، فَمَا دُمْتَ تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِكَ إِلَى سُوقِكَ لَا يَلْقَاكَ مَنْ يَلْطِمُ عَيْنَكَ فَلَيْسَ لِحَالِكَ بَأْسٌ” ،وعن طَاوُسٍ، قَالَ: ” لَمَّا وَقَعَتْ فِتْنَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ رَجُلٌ لِأَهْلِهِ: قَيِّدُونِي فَإِنِّي مَجْنُونٌ”. فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ قَالَ: “حُلُّوا عَنِّي الْقَيْدَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِنَ الْجُنُونِ، وَنَجَّانِي مِنْ فِتْنَةِ عُثْمَانَ”

      أيها المسلمون

      ومِمَّا يُستفاد من هذا الحديث: أن في هذا الحديث فضل العزلة في أيام الفتن، وفيه الاحتراز عن الفتن وقد خرجت جماعة من السلف عن أوطانهم وتغربوا خوفا من الفتنة وقد خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة في فتنة عثمان رضي الله عنه. وفيه إخبار بأنه يكون في آخر الزمان فتن وفساد بين الناس وهذا من جملة معجزاته. وأنه سيكون مكان فرار المرء المسلم في هذا الزمان هو الجبال والصحاري وسيكون زاده هو الغنم يشرب من لبنها ويأكل من لحومها.




      موقع الشيخ حامد ابراهيم
       
    • يقول جل في علاه في سورة الذاريات:   ﴿ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ * وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ * فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ * فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذاريات: 41 - 51].   يقول الطبري في تفسيره: "القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذاريات: 50]؛ يقول تعالى ذكره: فاهربوا - أيها الناس - من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به، واتباع أمره، والعمل بطاعته، ﴿ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ ﴾ [الذاريات: 50] يقول: إني لكم من الله نذير أنذركم عقابه، وأخوِّفكم عذابه الذي أحلَّه بهؤلاء الأمم الذي قصَّ عليكم قصصهم، والذي هو مذيقهم في الآخرة، وقوله ﴿ مُبِينٌ ﴾ يقول: يبين لكم نذارته"؛ [انتهى الطبري].   والفرار مفهوم مرتبط بالخوف والرهبة، والهلع والقلق، فالإنسان لا يهرُب أو يفِرُّ إلا من خطر داهم، أو عرض مُهْلِكٍ أو موقف صعب، أما الالتجاء أو التوجُّه، فقد يكون في جوٍّ من القلق، دون خوف أو رهبة.       وبالنظر إلى سياق الآيات، نجد عرضًا لِما أنزله الله بالأقوام الغابرة من عذاب ونكال، عندما عَصَوا وتمردوا على أوامر الله ورسالاته التي جاءتهم بها رسله، فكانت مصيبتهم الشرك أولًا، ومن ثَمَّ اختص كل قوم بنوع معين من المعصية، أضافت إلى شركهم آثامًا ومفاسدَ ضاقت بها الأرض.       فكان التعقيب القرآني عليها في أمرين:   1- تذكير الناس بالنعم الإلهية التي حفَّهم الله بها، مع استخلافهم في الأرض.   2- وثانيًا: الفرار إلى الله من الآثام والمعاصي التي قد تُورِدهم مواردَ تلك الأمم التي عَصَتْ واستكبرت في عصيانها، وتمردت وتجبرت، فالفرار الذي يأمر الله به عباده المؤمنين هو فرار من خطر الوقوع بما وقع به أولئك الأقوام، فتكون العاقبة مهالك دنيوية، وفي الآخرة عذاب عظيم.   لكن كيف يكون الفرار إلى الله؟   الفرار مفهوم يستغرق وجهتين وطريقًا: الوجهة التي تفر منها، والوجهة التي تفر إليها، والطريق بينهما، أما الوجهة التي نفِرُّ منها فهي المعاصي والآثام والمفاسد، ونحن نفر منها لعِظَم خطرها على المسلم، وما تجره إليه من نهاية مخيفة قد تفاجئه قبل أن يتوب.   ومشكلة الإنسان مع المعاصي استصغارها وتحقير شأنها، وهو لا يعلم أن الصغيرة مع التعوُّد تُحاط بصغائر مثلها لتنتهي إلى كبيرة، والكبيرة تجرُّ إلى كبيرة أخرى، فلا يجد الإنسان نفسه إلا وقد دخل في دائرة الخطر المهلك.   يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد إذا أخطأ خطيئةً نُكِتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب، سُقِل قلبه، وإن عاد زِيد فيها حتى تعلوَ قلبه، وهو الرَّانُ الذي ذكر الله: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]))؛ [صحيح الترمذي عن أبي هريرة].   فكثرة الذنوب والمعاصي تُحَوِّل القلب إلى السواد الخالص، والتوبة تُطهِّر القلب، وتَجْلُوه من أثر الذنوب والمعاصي.   والمواطن التي يتوجب علينا الفرار منها هي مواطن الشبهات، ومواطن الشهوات؛ فأما مواطن الشبهات، فأكثرها اليوم ازدحامًا مواطنُ المال والأعمال؛ حيث يجد المسلم نفسه محاطًا بأساليب الانغماس في المال الحرام، كما يحيط السِّوار بالْمِعْصم والعياذ بالله، سواء كان كسبًا أو إنفاقًا، فيجد نفسه وكأنه يسير في حقل ألغام.   أمَّا التكسُّب فحدِّث ولا حرج عن أساليب الغش والخداع، والمكر والاحتكار، والمتاجرة بأرزاق البشر، لا بل بالبشر أنفسهم، فلدينا اليوم متاجرة بالأشياء، ومتاجرة بالإنسان، وما أكثر المتاجرين بالإنسان سواء عقليًّا أم جسديًّا؛ تجار الفكر والصحة!       أولئك الذين استسلعوا الإنسان - جعلوا منه سلعة - فما عادوا مؤتمنين لا على علم، ولا على فِكْرٍ، ولا على صحة، ولا على شفاء قد يُرتجى من الالتجاء إليهم، ولله المشتكى.   ناهيك عن أكل الحرام من طريق الربا بأشكاله وأسمائه المعاصرة التي يجتهد في تحليلها والتلبيس فيها، وأما مواطن الشهوات، فهي أوضح من أن يحيط بها كلام، نحن نعيش عصر فساد الفطرة وفتنة الشهوات، كل شيء متاح ومفتوح على مصراعيه للدخول إلى كل ما هو محرَّم، وكلنا يعلم ولا حاجة للشرح والتفصيل. وأما الجهة التي نفِرُّ إليها؛ فهي الله عز وجل، وأما الطريق؛ طريق الفرار، فهو شرعه جل في علاه، نسير وفق منهجه الذي رسمه لنا في قرآنه العظيم، وسُنَّة نبيه الكريم، نُحلِّل حلاله، ونُحرِّم حرامه، نتقي الله حق تقاته.   نحن اليوم واقعون في شِرْكِ قوم نوح، وفي كفر واستكبار قوم عاد، واستكبار وتمرد ثمود قوم صالح، وفاحشة قوم لوط، وجرائم قوم شعيب الاقتصادية والاجتماعية، وتحلَّينا بأخلاق اليهود وصفاتهم.   جمعنا كل المنكرات والمعاصي التي أوردت كل الأمم الغابرة موارد الهلاك، فهل من خلاص إلا بالفرار إلى الله؟! اللهم فرارًا إليك لا نشقى بعده. اللهم آمين.   ميسون عبدالرحمن النحلاوي   شبكة الالوكة ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,  
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182167
    • إجمالي المشاركات
      2535454
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93201
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    chaima12
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×