اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57390
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180533
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8246
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53000
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40679
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  11. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33891
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  12. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32199
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13117
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  13. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  14. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37220 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  15. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • المتواجدات الآن   0 عضوات, 0 مجهول, 43 زوار (القائمه الكامله)

    لاتوجد عضوات مسجلات متواجدات الآن

  • العضوات المتواجدات اليوم

    1 عضوة تواجدت خلال ال 24 ساعة الماضية
    أكثر عدد لتواجد العضوات كان 6، وتحقق
  • أحدث المشاركات

    • في أثناء حديث القرآن الكريم عن قصة بقرة بني إسرائيل، أخبر سبحانه عن قسوة قلوب أولئك القوم بقوله: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة} (البقرة:74) فالخطاب في الآية لبني إسرائيل، بيد أن حمله على العموم لا تأباه أصول التفسير، بل هو الأليق بمقاصد القرآن الكريم، ومن ثم نقول:

      إن الآية الكريمة تصور حالة محزنة مخيفة من حالات قسوة القلب؛ فالقلب القاسي ليس كالحجارة فحسب، بل قد يكون -وفق منطوق الآية- {أشد قسوة} بل إن الله تعالى ذكر فضل الحجر على بعض البشر، وذلك ما أفصحت عنه تتمة الآية، يقول عز شأنه: {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله} (البقرة:74).

      فالله سبحانه يذكر فضل وتميز الحجر على بعض قلوب البشر، ويذكر من فضائل الحجارة أنها من لينها ومطاوعتها تنشق، فينساب من بين جوانحها الماء الزلال، أو تهبط وتتردى خضوعاً وتذللاً لله سبحانه.

      وقد لاحظ أحد أئمة التفسير من التابعين -وهو الإمام قتادة- هذه المقارنة القرآنية بين الحجارة وبعض قلوب بني آدم، فعلق تعليقاً بديعاً، قال فيه: "عذر الله الحجارة، ولم يعذر شقي بني آدم"؛ ذلك أن القلب إذا قسا خسر القدرة على الاتصال بالله سبحانه، ومناجاته، والتضرع إليه.

      ويحدثنا القرآن عن صورة أخرى من صور قساوة القلب، وذلك على ضوء ما يقدره الله على العباد من كوارث كونية، يريد منهم اللجوء إليه، والتضرع له، ولكن من ابتلي بقسوة القلب يفلس في الوصول إلى هذه اللحظات الراقية، يقول تعالى: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون * فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم} (الأنعام:42-43) فالله تعالى يقدر المرض والمجاعة والحروب والفقر، يريد من عباده اللجوء إليه، والتضرع له، بيد أن قسوة القلب تكبل قساة القلوب، فلا يستطيعون الوصول إلى هذه المنزلة العظيمة.

      وقساوة القلب لا تقف بصاحبها عند هذا الحد، بل تدفع بصاحبها إلى التماس المخارج بتأويل النصوص؛ لتوافق هواه، وليي أعناقها؛ لتعزز مساره، كما قال تعالى في وصف تأثير قسوة القلب على تحريف النصوص: {وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه} (المائدة:13).

      ومن حكمته سبحانه أن جعل في النصوص الشرعية مواضع مشتبهة، ومكن الشيطان من الإغواء كوناً وقدراً، فيلقي الشيطان أمام قلوب الناس لذائذ الشبهات، وكلاليب الحيل والمكايد. فلا يصبر ويُسَلِّم للنصوص، ويترك مواضع الاشتباه إلا من رقت قلوبهم بالإيمان. ولا يطيش عقله أمام هذه النصوص، فيتخذها تُكأة لتقصيره إلا من قسا قلبه، قال تعالى: {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم} (الحج:53).

      وقسوة القلب ليست مجرد سبب للمعصية -كما يظن كثير من الناس- بل قد تكون نتيجة وعقوبة من الله على المعصية ذاتها، فيعاقب الله العبد إذا عصاه بأن يجعل قلبه قاسياً، كما قال تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية} (المائدة:13)، وهكذا، فإن الله يعاقب على قسوة القلب، إذا لم يداوها المرء بمزيد من قسوة القلب، كما هو صريح الآية الكريمة الآنفة الذكر.

      ولا يختلف مسلمان في أن قسوة القلب هي نتيجة طبيعية للمعاصي والخطايا بشكل عام، غير أن ثمة عاملاً له خصوصية في إنتاج قسوة القلب، وهو: بُعْدُ العهد عن ذكر الله سبحانه.

      وقد جاءت الإشارة في كتاب الله إلى هذه العلاقة بين بُعد العهد عن ذكر الله وقسوة القلب، يقول سبحانه: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} (الحديد:16) فطول الأمد، وبُعْدُ العهد عن كتاب الله، أورثهم قسوة قلوبهم، وتنبيه القرآن لهذه الظاهرة الواقعة في الأمم السابقة، ليس مجرد خبر تاريخي مضى وانقضى، وإنما ذكره سبحانه لنتحاشاه، ونستفيد من هذا الدرس.

      وتُلْحَظ العلاقة بين بُعْدِ العهد عن ذكر الله وقسوة القلب أيضاً في قول الحق سبحانه: {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله} (الزمر:22) والمعنى كما رجحه شيخ المفسرين الطبري: أن قلوبهم قست بسبب بُعْدهم عن ذكر الله، ونص عبارته: "يقول تعالى ذكره: فويل للذين جفت قلوبهم ونأت عن ذكر الله، وأعرضت".

      والمتأمل في الآيات التي تحدثت عن قسوة القلب -وقد أتينا على أكثرها- يدرك أن قسوة القلب يجب أن لا تكون شيئاً هامشياً في حياتنا، لقد اهتم القرآن بهذه الظاهرة اهتماماً واضحاً، فوصفها، وشرح أسبابهاـ وآثارها، وهدد صراحة من وقع فيها. ومن ثم لا خيار لنا في اتخاذ القرار العاجل والمبادرة بمداواة قلوبنا من هذه القسوة التي تداهمها. وقد أثبت التجارب العملية والنفسية أن أنفذ الأدوية وأسرعها في معالجة قسوة القلب هو تلاوة كلام الله سبحانه وتدبره، مصداق ذلك قول الباري سبحانه: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} (الزمر:23).

      وقد أخبرنا الله سبحانه عن أنبيائه وصفوة خلقه، كيف يتأثرون بكلام الله، وتسيل عبراتهم بقوله: {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا} (مريم:58).

      وأخبرنا سبحانه أيضاً عن بعض عباده الصالحين من أهل الكتاب، كيف تفيض أعينهم بالدموع، إذا تلي عليهم القرآن الكريم، قال تعالى: {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق} (المائدة:83).

      فإذا رأى متدبر القرآن، كيف يصف الله القرآن الكريم بأنه تقشعر منه جلود المؤمنين، وتلين قلوبهم له، وكيف وصف سبحانه سلسلة الأنبياء، وصالحي أهل الكتاب إذا استعبروا، وذرفت عيونهم خشية لكلام الله، أدرك أن هذا القرآن أنجع وسيلة تهز القلوب، وتطير بها عن منحدرات القسوة، وكهوف الرين.

      على أن ذكر الله تعالى بتلاوة القرآن وتدبره لا تلين القلب فحسب، بل تجعل ذلك القلب أيضاً مطمئناً خاشعاً لله سبحانه، قال عز من قائل: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (الرعد:28).
        ختاماً، فقد روى الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله؛ فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي). وفي "مسند البزار" عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعة من الشقاء: جمود العين، وقساء القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا).     اسلام ويب
    • في القرآن الكريم نقرأ قوله عز وجل: {وإن جندنا لهم الغالبون} (الصافات:173)، هذه الآية الكريمة تقرر وتؤكد سنة من سنن الاجتماع: إنها سنة تقرر غلبة المؤمنين على الكافرين، والحق على الباطل، والإيمان على الكفر، والصدق على الكذب، ودين السماء على أديان الأرض.

      هذه الغلبة لجند الله -وليس لجند الشيطان- سنة ثابتة ماضية إلى يوم القيامة كغيرها من السنن الكونية، تمضي في عالم الاجتماع كما تمضي الكواكب والنجوم بانتظام في عالم الكون، وكما يتعاقب الليل والنهار في الأرض على مدار الزمان، وكما تنبثق الحياة في الأرض الميتة ينـزل عليها الماء، فتصبح مخضرة بعد أن كانت يباباً.

      هذه السنة الاجتماعية دلت عليها آيات غير الآية التي معنا، من ذلك قوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} (النور:55)، وقوله سبحانه: {ولينصرن الله من ينصره} (الحج:40)، وقوله تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم} (محمد:7)، فهذه الآيات ونحوها من الآيات تؤكد سُنة الغلبة لجند الله المؤمنين، وأن جند الله غالبون منصورون، مهما وُضعت في سبيلهم العوائق، وقامت في طريقهم العراقيل. ومهما رصد لهم الباطل من قوى الحديد والنار، وقوى الدعاية والافتراء، وقوى الحرب والمقاومة، وقوى الإعلام والكلام، إن هي إلا معارك تختلف نتائجها، غير أنها تنتهي إلى الوعد الذي وعده الله لجنده وأوليائه، والذي لا يُخْلَف، ولو قامت قوى الأرض كلها في طريقه، الوعد بالنصر، والغلبة، والتمكين.

      وقد أطبقت كلمة المفسرين على هذا المعنى للآية، وإن لم يذكروا هذا المفهوم السنني لها؛ فشيخ المفسرين الطبري يقول في هذا الصدد: "إن حزبنا وأهل ولايتنا لهم الغالبون...لهم الظفر والفلاح على أهل الكفر بنا، والخلاف علينا". ويقول القشيري: "وجند الله الذين نصبهم لنشر دينه، وأقامهم لنصر الحق وتبيينه...من أراد إذلالهم فعلى أذقانه يخرُّ، وفي حبل هلاكه ينجرُّ".

      وقد ذهب ابن عاشور مذهباً أبعد في معنى الآية، حيث رأى -رحمه الله- أن الغلبة لجند الله والرفعة لهم ليست مقتصرة على غلبة المؤمنين على الكفرين في الحياة الدنيا، بل هي أيضاً غلبه في الآخرة، يقول فيما نحن بسبيله: "إن غلبة المؤمنين تشمل علوهم على عدوهم في مقام الحِجَاج وملاحم القتال في الدنيا، وعلوهم عليهم في الآخرة، كما قال تعالى: {والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة} (البقرة:212)، فهو من استعمال (غالبون) في حقيقته ومجازه".

      على أن الأمر المهم في هذا السياق هو أن غلبة جند الله مع التأكيد على سننيَّتها، إلا أنها خاضعة لأسباب لا بد لجند الله من الأخذ بها، والسعي لتحصيلها، كما هو شأن أي نشاط إنساني لا بد لتحقيقه وإنجازه من طرق باب الأسباب والسعي إليها؛ فغلبة جند الله كنتيجة واقعة لا تخلف لها، لا بد لها من أن تُسبق بأسباب يُسعى إليها، ويتقدمها أسباب يُحْرَص على تحصيلها؛ وذلك لتربية النفس الإنسانية على طلب الأسباب وتحصيلها، وتبين أن النتائج لا تأتي إلا بعد تحصيل أسبابها، فإن كانت هذه الأسباب وفق شرع الله وسننه في خلقه كانت النتائج إيجابية، وإن كانت الأسباب خلاف ما أمر به الله كانت النتائج سلبية.

      وقد ألمح إلى هذا المعنى الشيح الشعراوي رحمه الله حيث قال: "فإن أردتَ الغلبة فكن في جند الله وتحت حزبه، ولن تُهزَم أبداً، إلا إذا اختلت فيك هذه الجندية، ولا تنسَ أن أول شيء في هذه الجندية الطاعة والانضباط، فإذا هُزِمْتَ في معركة، فعليك أن تنظر عن أيٍّ منهما تخليت". ويقول أيضاً: "لا ينبغي أن تبحث في هذه الجندية: أصادق هذا الجندي في الدفاع عن الإسلام أم غير صادق؟ إنما انظر في النتائج؛ إن كانت له الغلبة، فاعلم أن طاقة الإيمان فيه كانت مخلصة، وإن كانت الأخرى فعليه هو أن يراجع نفسه، ويبحث عن معنى الانهزام، الذي كان ضد الإسلام في نفسه؛ لأنه لو كان من جُند الله بحق لتحقق فيه قوله سبحانه: {وإن جندنا لهم الغالبون}، ولا يُغلب جُند الله إلا حين تنحل عنهم صفة من صفات الجندية، فإذا رأيت موقفاً لم ينتصر فيه المسلمون، حتى في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام وحياة صحابته رضوان الله عليهم، فاعلم أن الجندية عندهم قد اختلت شروطها، فلم يكونوا في حال الهزيمة جنوداً لله متجردين.

      لذلك رأينا في غزوة أحد أن مخالفة الرماة لأمر رسول الله قائد المعركة كانت هي سبب الهزيمة، وماذا لو انتصروا مع مخالفتهم لأمر الرسول؟ لو انتصروا لفهموا أنه ليس من الضروري الطاعة والانقياد لأمر رسول الله. إذن: هذا دليل على وجوب الطاعة، وألا يخرجوا عن جندية الإيمان أبداً خضوعاً وطاعة...ولو انتصر المسلمون في أحد مع مخالفتهم لأمر رسولهم لهان كل أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها، ولقالوا: لقد خالفنا أمره وانتصرنا. إذن، فمعنى ذلك أن المسلمين لم ينهزموا، إنما انهزمت الانهزامية فيهم، وانتصر الإسلام بصدق مبادئه".

      فحين نتأمل الأحداث في معركة (أحُد) نجد أن الله تعالى يقول للمسلمين: لا تظنوا أن وجود رسول الله بينكم يحميكم، أو يُخرِجكم عن هذه القضية، بل لا بد لجند الله أن يأخذوا بأسباب النصر المادية والمعنوية، فهذه سنة الله في كونه لا تتبدل، ولا تتغير.

      وقد يرى البعض في هذه النتيجة التي انتهت إليها معركة أُحُد مأخذاً، فيقول: كيف يُهزم جيش يقوده رسول الله؟ وهذه المسألة تُحسَب للرسول عليه الصلاة والسلام لا عليه؛ وذلك أنه صلى اله عليه وسلم لن يعيش بينهم دائماً، ولا بُدَّ لهم أن يروا بأعينهم عاقبة مخالفتهم لأمره، وأن يشعروا بقداسة هذه الأوامر، ولو أنهم انتصروا مع المخالفة لفقدوا الثقة في أوامره صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ولِمَ لا وقد خالفوه في أُحُد وانتصروا!!

      وعلى هذا النحو أيضاً جرى الأمر يوم حنين، ذلك اليوم الذي قال الله فيه: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين} (التوبة:25) فكان من إعجاب المؤمنين بكثرتهم أن قالوا: لن نُغْلَب اليوم عن قلة؛ لذلك لقَّنهم الله تعالى درساً، وكادوا أن يُهزموا، لولا أن الله تداركهم في النهاية برحمته، وتحوَّلت كفة الحرب لصالحهم، وكأن التأديب جاء على قدر المخالفة.

      فالحق سبحانه يُعلِّمنا امتثال أمره، وأن نخلص في الجندية لله سبحانه، وأن ننضبط فيها لنصل إلى الغاية منها، وأن نرعى الأسباب حق رعايتها، فإن خالفنا حُرِمنا هذه الغاية؛ لأنه لو أعطانا الغاية مع المخالفة لما أصبح لحكمه مكان احترام ولا توقير، ولذهب عن أمره معنى العبودية والامتثال.

      ثم إن وراء سنة الأخذ بالأسباب أمر آخر، لا يقل أهمية عن سُنَّة الأخذ بالأسباب، وهو أن غلبة جند الله -كما يقول سيد قطب رحمه الله- مرهونة بتقدير الله، يحققها حين يشاء. ولقد تبطئ آثارها الظاهرة بالقياس إلى أعمار البشر المحدودة، لكنها لا تُخْلَف أبداً، ولا تتخلف، وقد تتحقق في صورة لا يدركها البشر؛ لأنهم يطلبون المألوف من صور النصر والغلبة، ولا يدركون تحقق السُّنَّة في صورة جديدة إلا بعد حين! ولقد يريد البشر صورة معينة من صور النصر والغلبة لجند الله وأتباع رسله، ويريد الله صورة أخرى أكمل وأبقى، فيكون ما يريده الله، ولو تكلف الجند من المشقة وطول الأمد أكثر مما كانوا ينتظرون. ولقد أراد المسلمون قبيل غزوة بدر أن تكون لهم عير قريش، وأراد الله أن تفوتهم القافلة الرابحة الهينة، وأن يقابلوا النفير وأن يقاتلوا الطائفة ذات الشوكة، وكان ما أراده الله هو الخير لهم وللإسلام، وكان هو النصر الذي أراده الله لرسوله وجنده ودعوته على مدى الأيام.
        ولقد يُهزم جنود الله في معركة من المعارك، وتدور عليهم الدائرة، ويقسو عليهم الابتلاء؛ يقول الإمام الرازي في هذا المعنى: "فالمؤمن وإن صار مغلوباً في بعض الأوقات، بسبب ضعف أحوال الدنيا فهو الغالب، ولا يلزم على هذه الآية أن يقال: فقد قتل بعض الأنبياء وقد هزم كثير من المؤمنين"؛ لأن الله يُعِدُّهم للنصر في معركة أكبر؛ ولأن الله يهيئ الظروف من حولهم؛ ليؤتي النصر يومئذ ثماره في مجال أوسع، وفي خط أطول، وفي أثر أدوم، تصديقاً وتحقيقاً لقوله تعالى: {وإن جندنا لهم الغالبون}.     اسلام ويب
    • الحفاظ على المال مقصد أساس من المقاصد التي أجمعت الشرائع السماوية على حفظه ورعايته، ومن الآيات التي أرشدت على هذا المقصد قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما} (النساء:5) لنا مع هذه الآية الوقفات التالية:

      الوقفة الأولى: (السفهاء) جمع سفيه، كما (العلماء) جمع عليم، و(الحكماء) جمع حكيم. والسفيه: الجاهل، الضعيف الرأي، القليل المعرفة بمواضع المنافع والمضار. قال الراغب: "السَّفَه خفة في البدن، ومنه قيل: زِمَام سفيه: كثير الاضطراب، وثوب سفيه: رديء النسج. واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل، وفي الأمور الدنيوية والأخروية. ثم جُعِلَ السَّفَه في الأمور الدنيوية هو المراد من لفظ {السفهاء} هنا، فـ {السفهاء} هنا هم المبذرون أموالهم، الذين ينفقونها فيما لا ينبغي، ويسيئون التصرف بإنمائها وتثميرها.

      الوقفة الثانية: قوله سبحانه: {ولا تؤتوا السفهاء} الخطاب هنا لأولياء الأمور عموماً. وللمفسرين أقوال ثلاثة في المراد من {السفهاء} الذين نهى الله جل ثناؤه عباده أن يؤتوهم أموالهم:

      الأول: أنهم النساء والصبيان؛ روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} قال: امرأتك وبنيك. وهذا مروي أيضاً عن عدد من التابعين.

      الثاني: أن المراد بـ {السفهاء} ولد الرجل؛ روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} قال: لا تسلط السفيه من ولدك، فكان ابن عباس رضي الله عنهما، يقول: نزل ذلك في {السفهاء} وليس اليتامى من ذلك في شيء.

      الثالث: أن يراد بـ {السفهاء} كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال؛ فيدخل فيه النساء والصبيان والأيتام وكل من كان موصوفاً بهذه الصفة. وهذا القول هو الذي صوبه جمع من المفسرين؛ منهم الطبري، فقد قال: "والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا، أن الله جل ثناؤه عم بقوله: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}، فلم يخصص سفيهاً دون سفيه. فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيهاً ماله، صبياً صغيراً كان، أو رجلاً كبيراً، ذكراً كان أو أنثى". وقال الرازي مصوباً هذا القول: "وهذا القول أولى؛ لأن التخصيص بغير دليل لا يجوز". وروى القرطبي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قوله: {السفهاء} هنا كل من يستحق الحَجْر. ثم قال: "وهذا جامع" أي قول جامع يدخل فيه كل سفيه. وقال صاحب "المنار": "وهو أحسن الأقوال". وقال ابن عاشور: "وهذا هو الأظهر؛ لأنه أوفر معنى؛ وأوسع تشريعاً".

      وقد علل الطبري هذا التصويب بقوله: "إن الله جل ثناؤه قال في الآية التي تتلوها: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} (النساء:6) فأمر أولياء اليتامى بدفع أموالهم إليهم، إذا بلغوا النكاح، وأُونس منهم الرشد، وقد يدخل في {اليتامى} الذكور والإناث، فلم يخصص بالأمر بدفع ما لهم من الأموال، الذكور دون الإناث، ولا الإناث دون الذكور.

      وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الذين أُمر أولياؤهم بدفعهم أموالهم إليهم، وأجيز للمسلمين مبايعتهم ومعاملتهم، غير الذين أُمر أولياؤهم بمنعهم أموالهم، وحظر على المسلمين مداينتهم ومعاملتهم. فإذ كان ذلك كذلك، فبَيِّنٌ أن {السفهاء} الذين نهى الله المؤمنين أن يؤتوهم أموالهم، هم المستحقون الحَجْر، والمـُستَوْجِبون أن يولى عليهم أموالهم، وأن من عدا ذلك فغير سفيه، لأن الحَجْر لا يستحقه من قد بلغ وأونس رشده". فـ (السفيه) الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله، هو المستحق الحَجْرَ؛ بتضييعه ماله، وفساده، وإفساده، وسوء تدبيره ذلك.

      الوقفة الثالثة: قوله سبحانه: {أموالكم التي جعل الله لكم قياما} للمفسرين أقوال في وجه إضافة (المال) إلى المخاطبين؛ مع أن (المال) للسفهاء، فقال بعضهم: أضافها إليهم؛ لأنها بأيديهم، وهم الناظرون فيها، فنُسبت إليهم اتساعاً، قال القاسمي: "إنما أضيفت للأولياء، وهي لليتامى؛ تنزيلاً لاختصاصها بأصحابها منزلة اختصاصها بالأولياء، فكأن أموالهم عين أموالهم؛ لما بينهم وبينهم من الاتحاد الجنسي والنسبي، مبالغة في حملهم على المحافظة عليها"، كما قال تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم} (النساء:29) أي: لا يقتل بعضكم بعضاً، حيث عبر عن بني نوعهم بأنفسهم، مبالغة في زجرهم عن قتلهم، فكأن قتلهم قتل أنفسهم. وقد أيد ذلك حيث عبر عن جعلها مناطاً لمعاش أصحابها بجعلها مناطاً لمعاش الأولياء، بقوله تعالى: {التي جعل الله لكم قياما} أي: جعلها الله شيئاً تقومون وتنتعشون، فلو ضيعتموها لضعتم.

      وقال آخرون: أضافها إليهم لأنها من جنس أموالهم؛ فإن الأموال جُعلت مشتركة بين الخلق، تنتقل من يد إلى يد، ومن مُلْك إلى مُلْك، أي هي لهم إذا احتاجوها كأموالكم التي تقي أعراضكم، وتصونكم، وتعظم أقداركم، وبها قِوام أمركم.

      وقيل: إن المراد أموال المخاطبين حقيقة، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: لا تدفع مالك الذي هو سبب معيشتك إلى امرأتك وابنك، وتبقى فقيراً تنظر إليهم وإلى ما في أيديهم، بل كن أنت الذي تنفق عليهم.

      وقد قال الشيخ رشيد رضا في "مناره": "إنما قال: {أموالكم} ولم يقل: (أموالهم) مع أن الخطاب للأولياء، والمال للسفهاء الذين في ولايتهم؛ للتنبيه على أمور:

      أحدها: أنه إذا ضاع هذا المال، ولم يبق للسفيه من ماله ما ينفق منه عليه، وجب على وليه أن ينفق عليه من مال نفسه، فبذلك تكون إضاعة مال السفيه مفضية إلى شيء من مال الولي، فكأن مالَه عين مالِه.

      ثانيها: أن هؤلاء {السفهاء} إذا رشدوا، وأموالهم محفوظة لهم، وتصرفوا فيها تصرف الراشدين، وأنفقوا منها في الوجوه الشرعية من المصالح العامة والخاصة، فإنه يصيب هؤلاء الأولياء حظ منها.

      ثالثها: التكافل في الأمة، واعتبار مصلحة كل فرد من أفرادها عين مصلحة الآخرين".

      وأجاب الرازي بجوابين تبعاً للزمخشري، أحدهما: أنه أضاف المال إليهم لا لأنهم ملكوه، بل لأنهم ملكوا التصرف فيه، قال: ويكفي لحسن الإضافة أدنى سبب. ثانيهما: قوله: إنما حسنت هذه الإضافة إجراء للوحدة بالنوع مجرى الوحدة بالشخص، ونظيره قوله تعالى: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} (البقرة:85) ومعلوم أن الرجل منهم ما كان يقتل نفسه، وإنما كان بعضهم يقتل بعضاً، وكان الكل من نوع واحد، فكذا ها هنا المال شيء واحد، ينتفع به نوع الإنسان، ويحتاج إليه؛ فلأجل هذه الوحدة النوعية حسنت إضافة أموال {السفهاء} إلى أوليائهم.

      ونظر الشيخ ابن عاشور إلى هذه الإضافة من باب فلسفة المال في الإسلام، فقال: "وأضيفت الأموال إلى ضمير المخاطبين إشارة بديعة إلى أن المال الرائج بين الناس هو حق لمالكيه المختصين به في ظاهر الأمر، ولكنه عند التأمل تلوح فيه حقوق الأمة جمعاء؛ لأن في حصوله منفعة للأمة كلها؛ لأن ما في أيدي بعض أفرادها من الثروة يعود إلى الجميع بالمصلحة، فمن تلك الأموال ينفق أربابها، ويستأجرون، ويشترون، ويتصدقون، ثم تورث عنهم إذا ماتوا، فينتقل المال بذلك من يد إلى غيرها، فينتفع العاجز والعامل والتاجر والفقير وذو الكفاف، ومتى قلَّت الأموال من أيدي الناس، تقاربوا في الحاجة والخصاصة، فأصبحوا في ضَنْك وبؤس، واحتاجوا إلى قبيلة أو أمة أخرى؛ وذلك من أسباب ابتزاز عزهم، وامتلاك بلادهم، وتصيير منافعهم لخدمة غيرهم، فلأجل هاته الحكمة أضاف الله تعالى الأموال إلى جميع المخاطبين؛ ليكون لهم الحق في إقامة الأحكام التي تحفظ الأموال والثروة العامة". وختم بالقول: "وهذه إشارة لا أحسب أن حكيماً من حكماء الاقتصاد سبق القرآن إلى بيانها".

      الوقفة الرابعة: جعل سبحانه الأموال {قياما} للناس، تقوم وتثبت بها منافعهم ومرافقهم، ولا يمكن أن يوجد في الكلام ما يقوم مقام هذه الكلمة، ويبلغ ما تصل إليه من البلاغة في الحث على الاقتصاد، وبيان فائدته ومنفعته، والتنفير عن الإسراف، والتبذير الذي هو شأن {السفهاء} وبيان عاقبته وسوء مغبته؛ فكأنه قال: إن منافعكم ومرافقكم الخاصة ومصالحكم العامة لا تزال قائمة ثابتة ما دامت أموالكم في أيدي الراشدين المقتصدين منكم، الذين يحسنون تثميرها وتوفيرها، ولا يتجاوزون حدود المصلحة في إنفاق ما ينفقونه منها، فإذا وقعت في أيدي {السفهاء} المسرفين الذين يتجاوزون الحدود المشروعة، والمعقولة يتداعى ما كان من تلك المنافع سالماً، ويسقط ما كان من تلك المصالح قائماً، فهذا الدين هو دين الاقتصاد والاعتدال في الأموال كالأمور كلها؛ ولذلك وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} (الفرقان:67) فهذه الآية شارحة للفظ {قياما} في الآية التي نحوم حولها، وقد نهانا القرآن عن التبذير، حتى في مقام الإنفاق والتصدق، وجعل المبذر كالشيطان مبالغاً في الكفر، وبيَّن سوء عاقبة المتوسع في النفقة إلى حد الإسراف، كما في قوله سبحانه: {ولا تبذر تبذيرا * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا} (الإسراء:26-27).

      الوقفة الخامسة: استدل بعموم الآية من قال بالحَجْر على السفيه البالغ، سواء طرأ عليه، أم كان من حين البلوغ. ومن قال بالحَجْر على من يُخْدَع في البيوع. ومن قال بأن من يتصدق على محجور، وشَرَط أن يُتْرك في يده، لا يُسمع منه في ذلك.

      الوقفة السادسة: ذهب الشافعي إلى أن البالغ إذا كان مبذراً للمال مفسداً له، يُحْجَر عليه. وقال أبو حنيفة: لا يحجر عليه. حجة الشافعي: أنه سفيه، فوجب أن يُحجر عليه، واعتباره سفيهاً، لأن السفيه في اللغة، هو من خف وزنه، ولا شك أن من كان مبذراً للمال، مفسداً له من غير فائدة، فإنه لا يكون له في القلب وَقْع عند العقلاء، فكان خفيف الوزن عندهم، فوجب أن يسمى بالسفيه، وإذا ثبت هذا، لزم اندراجه تحت قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}. قال السيوطي: "في هذه الآية الحَجْر على السفيه. وأنه لا يُمَكَّنُ من ماله. وأنه يُنْفَق عليه منه ويُكسى، ولا يُنْفق في التبرعات. وأنه يقال له معروف، كـ (إن رشدت دفعنا إليك مالك، وإنما يحتاط لنفعك).

      الوقفة السابعة: قال الشيخ رشيد رضا: "في هذه الآية تحريض على حفظ المال، وتعريف بقيمته، فلا يجوز للمسلم أن يبذر أمواله، وكان السلف من أشد الناس محافظة على ما في أيديهم، وأعرف الناس بتحصيل المال من وجوه الحلال، فأين من هذا ما نسمعه من بعض الدعاة والخطباء من تزهيد الناس، وإغرائهم بالكسل والخمول، حتى صار المسلم يعدل عن الكسب الشريف إلى الكسب المرذول من الغش، والحيلة، والخداع؛ ذلك أن الإنسان ميال بطبعه إلى الراحة، فعندما يسمع من الخطباء، والعلماء، والصلحاء عبارات التزهيد في الدنيا، فإنه يُرضي بها ميله إلى الراحة، ثم إنه لا بد له من الكسب، فيختار أقله سعياً، وأخفه مُؤْنة، وهو أخسه، وأبعده عن الشرف، على أن هذا التزهيد في الدنيا من هؤلاء، لم يأت بما يساق لأجله من الترغيب في الآخرة، والاستعداد لها، بل إن خطباءنا، ووعاظنا قد زهدوا الناس في الدنيا، وقطعوهن عن الآخرة، فخسروا الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، وما ذلك إلا لجهلهم وعدم عملهم بما يعظون به غيرهم، والواجب على المسلم العارف بالإسلام أن يبين للناس الجمع بين الدنيا والآخرة.

      الوقفة الثامنة: قال الإمام الرازي: "أمر تعالى المكلفين في مواضع من كتابه بحفظ الأموال، قال تعالى: {ولا تبذر تبذيرا * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} (الإسراء:26-27) وقال تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} (الإسراء:29). وقال تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} (الفرقان:67) وقد رغب الله في حفظ المال في آية المداينة، حيث أمر بالكتابة والإشهاد والرهن، والعقل أيضاً يؤيد ذلك؛ لأن الإنسان ما لم يكن فارغ البال، لا يمكنه القيام بتحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ولا يكون فارغ البال إلا بواسطة المال؛ لأن به يتمكن من جلب المنافع ودفع المضار، فمن أراد الدنيا بهذا الغرض، كانت الدنيا في حقه من أعظم الأسباب المـُعِينة له على اكتساب سعادة الآخرة، أما من أرادها لنفسها ولعينها، كانت من أعظم المعوقات عن كسب سعادة الآخرة".

      الوقفة التاسعة: من المفيد هنا أن ننقل ما ذكره الشيخ رشيد رضا عند تفسيره لهذه الآية، قال: "ماذا جرى لنا نحن المسلمين بعد هذه الوصايا، والحِكَم، حتى صرنا أشد الأمم إسرافاً، وتبذيراً، وإضاعة للأموال، وجهلاً بطرق الاقتصاد فيها، وتثميرها، وإقامة مصالح الأمة بها في هذا الزمن الذي لم يسبق له نظير في أزمنة التاريخ من حيث توقف قيام مصالح الأمم، ومرافقها، وعظمة شأنها على المال، حتى إن الأمم الجاهلة بطرق الاقتصاد، التي ليس في أيديها مال كثير قد صارت مستذِلِة، ومُسْتَعْبِدة للأمم الغنية بالبراعة في الكسب، والإحسان في الاقتصاد؟

      وماذا جرى لتلك الأمم، التي يقول لها كتابها الديني: (إنه يعسر أن يدخل غني إلى ملكوت السماوات [24] وأقول لكم أيضاً إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله) إنجيل متى (23:19). ويقول أيضاً: (لا تقدرون أن تخدموا لله والمال [25] لذلك أقول لكم لا تهتموا لحياتكم) إنجيل متى (24:6). ويقول أيضاً: (لا تقتنوا ذهبا ولا فضة} إنجيل متى (9:10) ماذا جرى لها في دينها، حتى صارت أبرع الخلق في فنون الثروة، والاقتصاد، وأبعدها عن الإسراف، والتبذير، وسادت بالغنى والثروة على جميع أمم الأرض؟ ألا وهي أمم الغرب.

      وكيف جاز أن يسمى ما نحن عليه مَدَنِيَّة إسلامية، مع مخالفتنا للقرآن في هذا الأمر الذي هو قِوام المدنية، كما خالفه غير قليل من المسلمين في أكثر ما أرشد إليه؟ وكيف جاز أن تسمى مدنيتهم مَدَنِيَّة مسيحية مع بناء تعاليم المسيح على المبالغة في الزهد وبغض المال، كما هو صريح في الأناجيل التي بين أيدي القوم يدعون اتباعها، ويدعون إليها غيرهم، وهم لها مخالفون، وعنها معرضون!

      أما السبب فيما نحن عليه من سوء الحال في دنيانا، ومخالفة نص كتابنا فهو ظاهر معروف عند الباحثين، وهو أننا أخذنا بالتقليد الذي حرمه الله علينا، وتركنا هداية القرآن، ونبذناه وراء ظهورنا، وأخذنا في الأخلاق، والآداب التي هي روح حياة الأمم بأقوال فلان وفلان من الجاهلين، الذين لبسوا علينا بلباس الصالحين، فنفثوا في الأمة سموم المبالغة في التزهيد، والحث على إنفاق جميع ما تصل إليه اليد، وإنما كان يريد أكثرهم إنفاق كسب الكاسبين عليهم، وهم كسالى لا يكسبون، لزعمهم أنهم بحب الله مشغولون!

      حتى صار من المعروف المقرر عند جميع شعوب المسلمين إدرار المال والرزق على علماء الدين، وشيوخ الطرق، فهم يأكلون مال الأمة بدينهم، ويرون أن لهم الفضل عليها بقبوله منها، وإن قال النبي صلى الله عليه وسلم -كما في "الصحيحين"-: (اليد العليا خير من اليد السفلى).   اسلام ويب
    • السؤال هل يمكن أن يتسع معنى قوله تعالى : (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ليشمل الإنفاق من الوقت والجهد ، ومن أى شيء يحبه الإنسان، استدلالا بعموم اللفظ ؛ لأن الله تعالى لم يقل من أموالكم مثلا ؟ وهل يمكن تدبرها وليس تفسيرها على هذا النحو؟ الجواب   الحمد لله.
      أولًا: إن معنى الآية الكريمة : " لن تدركوا أيها المؤمنون البر، وهو البر من الله الذي يطلبونه منه بطاعتهم إياه وعبادتهم له، ويرجونه منه، وذلك تفضله عليهم بإدخاله جنته، وصرف عذابه عنهم؛ ولذلك قال كثير من أهل التأويل: البر الجنة؛ لأن بر الرب بعبده في الآخرة وإكرامه إياه بإدخاله الجنة .. حتى تتصدقوا مما تحبون وتهوون أن يكون لكم من نفيس أموالكم "، انظر: " تفسير الطبري"(5/ 572 - 573).
      وقال العلامة السعدي رحمه الله : " هذا حث من الله لعباده على الإنفاق في طرق الخيرات، فقال : لن تنالوا أي: تدركوا وتبلغوا البر ، الذي هو كل خير من أنواع الطاعات وأنواع المثوبات ، الموصل لصاحبه إلى الجنة، حتى تنفقوا مما تحبون أي: من أموالكم النفيسة التي تحبها نفوسكم، فإنكم إذا قدمتم محبة الله على محبة الأموال فبذلتموها في مرضاته، دل ذلك على إيمانكم الصادق ، وبر قلوبكم ويقين تقواكم، فيدخل في ذلك إنفاق نفائس الأموال، والإنفاق في حال حاجة المنفق إلى ما أنفقه، والإنفاق في حال الصحة . ودلت الآية أن العبد بحسب إنفاقه للمحبوبات يكون بره، وأنه ينقص من بره بحسب ما نقص من ذلك . ولما كان الإنفاق على أي: وجه كان مثابا عليه العبد، سواء كان قليلا أو كثيرا، محبوبا للنفس أم لا ، وكان قوله لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون مما يوهم أن إنفاق غير هذا المقيد ، غير نافع احترز تعالى عن هذا الوهم بقوله وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ؛ فلا يضيق عليكم، بل يثيبكم عليه على حسب نياتكم ونفعه " انتهى من "تفسير السعدي" (138) .
      ثانيًا: إن أولى ما يدخل في هذه الآية الإنفاق من المال، كما ورد في حديث أبي طلحة رضي الله عنه، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك، يقول: " كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ آل عمران/92 ، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله يقول في كتابه:  لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ  آل عمران/92 ، وإن أحب أموالي إلي بيرحى، وإنها صدقة لله ، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها، يا رسول الله، حيث شئت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:   بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح ، قد سمعت ما قلت فيها، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين  فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه "، رواه البخاري: (1461)، ومسلم: (998)، واللفظ له .
      ثالثًا: لا بأس بتعميم وجوه الإنفاق، وذلك بقياسها على الإنفاق من المال، أو بتعميم لفظ الإنفاق، فإنها من أعمال القرب والبر، يقول شيخ الإسلام: " فالتصدق بما يحبه الإنسان جنس تحته أنواع كثيرة "، "منهاج السنة" (7/ 184). يقول ابن عجيبة: " حتى تنفقوا بعض ما تحبون من المال وغيره، كبذل الجاه في معاونة الناس، إن صحبه الإخلاص، وكبذل البدن فى طاعة الله، وكبذل المهج في سبيل الله " . انتهى من "البحر المديد"(1/ 381). وقد سبق في جواب السؤال رقم: (239520😞 أن الهدية إحسان ومعروف ، والمسلم يثاب على كل إحسان ومعروف يبذله للناس ، فتدخل الهدية في الآية ، والله أعلم .
      رابعًا: ننبه السائلة الكريمة، إلى أن التدبر فرع التفسير، فلا تدبر بدون معرفة معنى الآية، ويبقى للمفسر – وهو العالم الذي ملك أدوات النظر والاستنباط - الاجتهاد في إلحاق بعض الاستنباطات ونحوها مما يقع له بالاجتهاد .

      الاسلام سؤال وجواب
    • القرآن الكريم حوى أحسن القصص، وهو إذ يفعل ذلك إنما يرمي إلى الاعتبار والاتعاظ بما تتضمنه تلك القصص من عبر وعظات ودورس حياة وتوجيهات دنيوية ومقاصد أخروية.

      ومن هذا الباب ما ذكره سبحانه في أثناء قَصِّه لقصة قارون الباغي -وكان من قوم موسى عليه السلام-، والذي يمثل رمز أصحاب الثروة والمال والجاه، الذي خرج ذات يوم على قومه بكامل قوته وعتاده وماله، فلما مر في أحياء قومه وطرقات مساكنهم، أدهش جمهور عامة قومه، وسوادهم الأعظم، ومن المعتاد في أمثال هؤلاء في كل شعب، وفي جماهير كل أمة أنهم يريدون الحياة الدنيا؛ إذ هي المسيطرة على تصوراتهم، وهي المثيرة لمشاعرهم، واندفاعاً مع دهشتهم، قالوا: {يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم} (القصص:79).

      عندئذ أسرع أولو العقل والعلم بقيادة موسى وهارون عليهما السلام؛ لإصلاح الفساد الفكري والنفسي الذي أحدثه هذا الاستعراض الخادع الخلاب في الجمهور من بني إسرائيل. {وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون} (القصص:80). ولنا مع هذه الآية بضع وقفات:

      الوقفة الأولى: قوله سبحانه: {وقال الذين أوتوا العلم} هذا التصدير في الآية يبين مكانة أهل العلم في المجتمع، وأنهم هم الربان الذين يوجهون دفة سفينة المجتمع، وهم قوارب النجاة عندما تبدأ سفينة المجتمع تتجه نحو الغرق والهلاك، فيسددون مسيرها، ويهدونها سبيلها. فالآية هنا تصور لنا انطلاق الفضلاء العلماء من بني إسرائيل -الذين عرفوا حقائق الأشياء، ونظروا إلى باطن الدنيا، حين نظر أولئك إلى ظاهرها- يبشرون بهذه الحقيقة، في جماهير العامة، الذين فُتنوا بالاستعراض الفخم الذي صنعه قارون الباغي تباهياً وافتخاراً وغروراً.

      الوقفة الثانية: قوله سبحانه: {ويلكم} و(ويل) الأصل في هذا اللفظ أنه اسم للهلاك وسوء الحال، ويُستعمل أحياناً في التعجب المشوب بالزجر؛ فليس {الذين أوتوا العلم} داعين بـ (الويل) على الذين يريدون الحياة الدنيا؛ لأن المناسب لمقام الموعظة لين الخطاب؛ ليكون أعون على الاتعاظ، ولكنهم يتعجبون من تعلق نفوس أولئك بزينة الحياة الدنيا، واغتباطهم بحال قارون، دون الاهتمام بثواب الله، الذي يستطيعون تحصيله بالإيمان الصادق والعمل الصالح، وهم يعلمون أن قارون غير متخلق بالفضائل الدينية.

      الوقفة الثالثة: قوله سبحانه: {ثواب الله خير} أي: الثواب العظيم الذي أعده الله لأهل طاعته خير من هذا الذي استعرضه قارون، وخير من كل ما لدى الجبابرة والفراعنة والقياصرة، وخير من كل الدنيا وما فيها. قال ابن عاشور: "وتقديم المسند إليه في قوله: {ثواب الله خير} ليتمكن الخبر في ذهن السامعين؛ لأن الابتداء بما يدل على الثواب المضاف إلى أوسع الكرماء كرماً مما تستشرف إليه النفس".

      الوقفة الرابعة: قوله سبحانه: {لمن آمن وعمل صالحا} هذا المقطع من الآية يفيد أن هذا الثواب العظيم مُعَدٌّ بقضاء الله وقدره لمن آمن بما أوجب الله على عباده أن يؤمنوا به في رحلة امتحانهم، وعبَّر عن صحة إيمانه وصدقه بعمل صالح فيه مرضاة لله عز وجل؛ لأنه مما أمر بفعله إذا كان فعلاً، أو أمر بتركه مما كان تركاً، وبهذين الأمرين يكتسبون الصفة المؤهلة لثواب الله العظيم يوم الدين. قال ابن عاشور: "عدل عن الإضمار إلى الموصولية في قوله: {لمن آمن وعمل صالحا} دون: (خير لكم)، لما في الإظهار من الإشارة إلى أن ثواب الله إنما يناله المؤمنون، الذين يعملون الصالحات، وأنه على حسب صحة الإيمان ووفرة العمل، مع ما في الموصول من الشمول لمن كان منهم كذلك ولغيرهم ممن لم يحضر ذلك المقام".

      الوقفة الخامسة: قوله سبحانه: {ولا يلقاها إلا الصابرون} أي: ولا ينال هذه الصفة المؤهِّلة لثواب الله العظيم إلا الصابرون عل أمر شرع الله والعمل بمقتضاه. ودلَّ قوله سبحانه {ولا يلقاها} على أن الإيمان والعمل الصالح -الَّذيْن دلَّ عليهما (من آمن وعمل صالحاً)- بمثابة صفة واحدة، هي شرط للظفر بثواب الله العظيم يوم الدين؛ إذ الإيمان الصحيح الصادق بما كلف الله عباده أن يؤمنوا به لا بد أن تكون له آثار في السلوك من عمل صالح فيه مرضاة لله عز وجل، فهما معاً بمثابة صفة واحدة، ومن هنا صح عود الضمير في {يلقاها} عليها بالإفراد والتأنيث، أخذاً من لازم مفهوم النص.

      والحاصل هنا، أن ضمير {يلقاها} عائد إلى مفهوم من الكلام، يجري على التأنيث، أي: الخصلة، وهي ثواب الله، أو السيرة القويمة، وهي سيرة الإيمان والعمل الصالح.

      ثم قال المفسرون: إن (التلقي) مستعمل في الإعطاء على طريقة الاستعارة، أي: لا يُعطى تلك الخصلة، أو السيرة إلا الصابرون؛ لأن الصبر وسيلة لنوال الأمور العظيمة، لاحتياج السعي لها إلى تجلُّد لما يعرض في خلاله من مصاعب وعقبات كأداء، فإن لم يكن المرء متخلقاً بالصبر خارت عزيمته، فترك ذاك لذاك.

      الوقفة السادسة: والمهم في هذا السياق أن الشعور بتفاهة زينة المال والجاه وزخرف الحياة الدنيا درجة رفيعة لا يلقاها إلا الصابرون...الصابرون على معايير الناس ومقاييسهم. الصابرون على فتنة الحياة وإغرائها. الصابرون على الحرمان مما يتشهاه الكثيرون. الذين حبسوا أنفسهم على طاعة الله، ولجموا أنفسهم عن معصيته، وصبروا على أقداره المؤلمة، واستعلوا على جواذب الدنيا وشهواتها، وعقدوا العزم على أن لا تشغلهم هذه الحياة الفانية عن تلك الحياة الباقية، وأن لا تحول بينهم وبين ما خلقوا له، فهؤلاء الذين يؤثرون الآخرة على العاجلة. وعندما يعلم الله منهم الصبر كذلك، يرفعهم إلى تلك الدرجة، درجة الاستعلاء على كل ما في الأرض، والتطلع إلى ثواب الله في رضى وثقة واطمئنان.



      الوقفة السابعة: ثم يقال بعد ما تقدم: إن المتأمل في شغف الناس بحطام الدنيا وتهافتهم عليها تهافت الفَراش على النار، والتفريط في أعظم أمور الآخرة، والمتأمل أيضاً في تفريط كثير من الآباء والأمهات في صلاة أولادهما، وتفريط أحد الزوجين في إيقاظ الآخر للصلاة والقيام بما فرض الله عليهم من الواجبات، نقول: إن المتأمل في ذلك ونحوه من الانكباب على الدنيا واللهاث وراء زخرفها ومفاتنها والتفريط في أمور الآخرة، يدرك أهمية استحضار نصيحة أهل العلم، التي رواها القرآن لنا في قصة قارون الباغي، مثمِّناً إياها، مفخِّماً لشأنها، حين قالوا لقومهم: {ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا} فثواب الله خير، وأن ما {عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} (الشورى:36).





      اسلام ويب
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182092
    • إجمالي المشاركات
      2535341
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93168
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    chaima12
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×