اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57396
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180533
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8247
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53000
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40679
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  11. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33893
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  12. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32199
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13117
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  13. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  14. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37237 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  15. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • تفسير الشيخ الشعراوي سورة ص ٢٣_٢٦ (إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ )٢٣-ص نلاحظ في كلمة (أخي) لَوْناً من التحنين، فمع وجود الخصومة لكن هو أخي كما في قوله تعالى: { { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } [الشعراء: 106] وفي أعنف ألوان العداوة، وهي الثأر يقول سبحانه: { { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } [البقرة: 178] يريد أنْ يُحنِّن قلب وليِّ الدم على القاتل.
        القضية: { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ .. } [ص: 23] كلمة نعجة تطلق في اللغة ثلاثة إطلاقات: أنثى الضأن، أو الشاة الجبلية، أو البقرة الوحشية { فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا } [ص: 23] يعني: اجعلها لي أكفلها أنا فعندي غنم كثيرة، فاجعلها ترعى مع غنمي، فيكفينا راعٍ واحدٌ بدل أنْ تكلف نفسك راعياً لها، والمعنى أن كفالتها سهلة عليَّ لا تكلفني شيئاً.
        { وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } [ص: 23] يعني: غلبني بالحجة والجدال، ومعلوم أن القاضي يحكم بالحجة والبرهان، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ، فلعلَّ أحدكم أن يكون ألحنَ بحجته فأقضي له، فمَنْ قضيتُ له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أُقطع له قطعةً من النار" .
        فالمعنى أن أخي غلبني بحديثه وتمكُّنه من حجته، وأنا أشعر بالظلم ونفسي غير راضية؛ لذلك جئتُكَ أرفع أمري إليك لتحكم فيه، وهكذا سمع داود - عليه السلام - دَعْوى الأول ولم يسمع الطرف الآخر، وهذه زلة من زلات القاضي.
      لذلك قال أهل المعرفة في هذه المسألة: إذا جاءك صاحب دَعْوى وقد فُقِئت عينه فلا تحكم له حتى تسمعَ من الآخر، فلعله قد فُقِئت عيناه. لقد بادر سيدنا داود بالحكم
        (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ )٢٤ (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ )٢٥-ص قوله: { لَقَدْ ظَلَمَكَ } [ص: 24] نسب واحداً إلى الظلم { بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ } [ص: 24] أدخل شيئاً في حيثية الحكم وليس من حيثية الحكم، فهل لو لم يكُنْ له تسع وتسعون نعجة، أكان يحِلُّ له أنْ يقول لأخيه: اعطني نعجتك؟
        إذن: هذه المسألة لا دخلَ لها في القضية لأنه ظالم، وإنْ لم يكن له تسعة وتسعون. إذن: سيدنا داود أولاً حكم قبل أنْ يسمع من الطرف الآخر، ثم أدخل في حيثية الحكم ما ليس له دَخْل فيه، وهو قوله: { إِلَىٰ نِعَاجِهِ } [ص: 24] فربما هم حاقدون عليه أن يكون عنده تسع وتسعون.
        وقوله تعالى: { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ } [ص: 24] أي: الشركاء { لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ص: 24] المعنى: أن هذه القضية ليستْ قضية فذَّة ولا مفردة، إنما هي ظاهرة كثيرة الحدوث بين الشركاء، فكثيراً ما يبغي شريكٌ على شريكه ويظلمه مع أنهم ما تشاركوا إلا لمحبة بينهما واتفاق وتفاهم، لكن هذا كله لا يمنع ميل الإنسان إلى أنْ يظلم، وما أشبه هؤلاء بالمقامِرين تراهم في الظاهر أحبَّة وأصدقاء، في حين أن كلاً منهم حريص على أخْذ ما في جيب الآخر.
      ثم يلفتنا الحق سبحانه إلى أن هذه المسألة ليستْ على إطلاقها، إنما هناك نوع آخر من الشركاء لا يظلم، فمَنْ هم؟ هم الذين استثناهم الله بقوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ص: 24] لكنهم قليلون { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } [ص: 24] أي: أقلّ من القليل أو قليل جداً.
        والنبي صلى الله عليه وسلم يحكي عن ربه عز وجل في الحديث القدسي: "أنَا ثالث الشريكين ما لم يخُنْ أحدهما صاحبه، فإنْ خان خرجتُ من بينهما" .
      يعني: إنْ تسَرَّب الظلم والخيانة إلى الشركة خرج الله تعالى منها، فمُحِقَتْ بركتها، وحَلَّ بها الخراب والخسران.
        ثم يقول تعالى مبيناً حال سيدنا داود بعد أنْ مَرَّ بهذه القضية: { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ } [ص: 24] يعني: اختبرناه وابتليناه، وظن هنا بمعنى علم وأيقن، وكأن الحق سبحانه يُعلِّم داود علم القضاء وأصوله فامتحنه بهذه المسألة، فكانت بالنسبة له (مطب) في أمور ثلاثة: الأول: أنه خاف وفزع وهو في حضرة ربه من خَلْق مثله يقبلون عليه، وظن أنهم سيقتلونه. الثاني: أنه حكم للأول قبل أنْ يسمع من الآخر. الثالث: أنه أدخل في حكمه حيثية لا دخلَ لها في المسألة.
      وكلمة { فَتَنَّاهُ } [ص: 24] أي: اختبرناه من قولهم: فتن الذهب على النار ليُخلِّصه من العناصر الخبيثة فيه.
      فلما علم سيدنا داود بذلك لم يتأَبَّ، إنما استغفر ربه من كل ذلك { فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ .. } [ص: 24] أي: سقط على الأرض سقوطاً لا إرادياً، والسقوط هنا يناسب السجود لا الركوع؛ لذلك قال تعالى: { { يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } [الإسراء: 107] فكلمة خر أعطتنا المعنيين يعني: خرَّ ساجداً حالة كونه راكعاً قبل أنْ يسجد ومعنى { وَأَنَابَ } [ص: 24] رجع إلى الله بالتوبة.
      ثم تأتي النتيجة: { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ } [ص: 25] أي: ما كان منه { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ } [ص: 25] قُرْبَى ومنزلة، ويكفي أنْ تُسبِّح معه الجبال، ويُردِّد معه الطير { وَحُسْنَ مَـآبٍ } [ص: 25] حُسْن مرجع ومردّ.       (يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ )٢٦-ص كلمة { خَلِيفَةً } [ص: 26] هنا إما خليفة لله في الأرض خلافة عامة لأن الإنسان كله خليفة لكنه عليه السلام عمدة على الخليفة، أو خليفة الأنبياء في حَمْل رسالاتهم إلى الناس، وما دام هو مستخلفاً فهو موظف إنْ أحسنَ الوظيفة دامتْ له، وإنْ لم يحسن نُزِعَتْ منه.
      فآفة الإنسان أنه إذا ما استجابتْ له الأشياء وطاوعتْه الأسباب يظن أنه صار أصيلاً في الكون، ونسي أنه مُسْتخلف غيرِ أصيل، إنما لو ظَلَّ على ذِكْرِ لخلافته في الأرض، وأنه من الممكن أنْ يُعزِلَ عن الخلافة في أيِّ وقت لظلَّ مؤدباً مع ربه الذي استخلفه: { { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [العلق: 6-7].
        وقوله تعالى { فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ } [ص: 26] يعني: ما دُمْتَ خليفة لله في الأرض تعمرها بالأحكام وتقيم فيها الحق { فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ } [ص: 26] وهذه نصيحة غالية لكل مَنْ يحكم بين الناس، فالحق أمامك نبراس يهديك، فضعْهُ في موضعه أياً كان، ولا تتبع هواك لأن الرأي يُفسِده الهوى.
        لذلك وقف بعض المفكرين أمام قول الله تعالى عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: { { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } [النجم: 3-4].
      قالوا: ما دام هو وَحْي يُوحَى، فلماذا يُعدِّل الله له كما في قوله سبحانه: { { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ .. } [التوبة: 43].
      وقوله تعالى: { { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } [التحريم: 1].
      وقوله تعالى: { { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } [عبس: 1-2].
        قالوا: إن الحق سبحانه لا يعدل لرسوله، إنما يخبر أنه لا هوى له يجعله يميل عند الحكم، فهو صلى الله عليه وسلم يدخل على المسألة بدون هوى، سواء أكان الأمر من عند الله أو من المفوَّض له أنْ يشرع فيه.
      والحق سبحانه حينما أراد أنْ يحدد مهمة رسوله صلى الله عليه وسلم حدَّد مهمة كتابه بأنه كتاب مُعجز، ويحمل أصول المنهج لا فروعه، وأنه مهيمن على غيره من الكتب السابقة، لأن الكتب السابقة عليه أثبتَ الله أنها بُدِّلَتْ وحُرِّفت، فلم يأمن عليها المؤمنين بها كما قال سبحانه: { { بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ .. } [المائدة: 44].
      ومعنى استحفظوا: طُلب منهم حفظه وحفظ منهجه، فحِفْظ الكتاب المنزَّل كان تكليفاً والتكليف عُرْضة أَنْ يُطاع وأنْ يُعصَى، وهؤلاء عَصَوْا وبدَّلوا وحرَّفوا، كما قال الله { { وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } [المائدة: 13] والذين لم ينسوا حرَّفوا { { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } [المائدة: 13] ومنهم مَنْ جاء بكلام من عند نفسه، وأدخله في كلام الله { { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللًّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [آل عمران: 78].
      إذن: مثل هؤلاء لا يُؤتَمنون على حفظ كتاب الله، وقد ثبت ذلك بهذه التجربة، لذلك لم يجعل الحق سبحانه حِفْظ القرآن إلى المؤمنين به، إنما تكفَّل سبحانه بحفظ القرآن، فقال سبحانه: { { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9].
      ولأن الحق سبحانه جعل لنبيه محمد هذه المنزلة أراد أنْ يُبينها، فقال: "مَثَلي ومَثَل الأنبياء من قَبْلي كَمَثَل رجل بنى بيتاً فحسَّنه وأجمله، إلا موضعَ لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هَلاَّ وُضِعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين" .
        والحق سبحانه يُبيِّن منزلة رسوله في إكمال الأديان، فيقول { { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي .. } [المائدة: 3] ليس هذا فحسب، إنما يعطيه مهمة أخرى، هي صيانة هذه الأديان به وبالعلماء الذين يخلفون مَنْ بعده، لذلك قال سبحانه: { { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً .. } [البقرة: 143].
      فالرسول يشهد أنه بلغنا، وعلينا نحن أنْ نمد رسالة رسول الله، فنشهد أننا بلغنا الناس من بعده. لذلك يحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من طائفة تأتي ممَّن لا يؤمنون بسنته يقولون: علينا بكتاب الله فما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه.
        وحين تتتبع لفظ الطاعة في القرآن تجد أنه أتى على صور متعددة.
      فمرة يقول: { { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } [التغابن: 12] بتكرار الأمر بالطاعة.
      ومرة يقول: { { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } [آل عمران: 132] بدون تكرار لفعل الأمر.
      ومرة يقول: { { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [الأنفال: 20].
      فتكرار الأمر بالطاعة مرة لله ومرة لرسول الله حين يكون لله أمر في القضية الإجمالية مثل الصلاة مثلاً، ولرسول الله أمر في تفصيل كيفية الصلاة. فإنْ توارد أمر رسول الله مع أمر الله جاء الأمر واحداً بدون تكرار، فإنْ كان الأمر خاصاً برسول الله، ولم يردْ فيه من الله شيء قال: أطيعوا الرسول.
        لذلك تلاحظ العظمة في الأداء في قوله تعالى: { { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء: 59] ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر، لماذا؟ ليلفتنا إلى أن طاعة أُولي الأمر من باطن طاعة الله، وطاعة رسول الله يعني ليس لهم طاعة خاصة بهم؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
        وقوله تعالى { فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ } [ص: 26]
      أي: حكماً عاماً للناس جميعاً ليس خاصاً بك، وهنا لا بُدَّ أنْ نذكر قوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: { { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } [النساء: 105].
      ولهذه الآية قصة، فقد نزلت في كل من زيد بن السمين، وكان رجلاً أميناً مع أنه يهودي، وفي قتادة بن النعمان وطعمة بن أبيرق، فقد كان لقتادة دِرْع سرقه ابن أبيرق واتهِم فيه اليهودي ابن السمين، وبعد استقصاء الأمر وجدوا الدرع عند ابن أبيرق المسلم وظهرت براءة اليهودي.
      وهنا أسرع الناس إلى رسول الله حتى لا يحكم على المسلم، فتكون سبة في حق المسلمين أمام اليهود، فتردَّد رسولُ الله في المسألة، فأنزل الله عليه: { { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } [النساء: 105] أي: الناس جميعاً اليهود والنصارى والمسلمين وفعلاً حكم رسول الله على المسلم وبرَّأ ساحة اليهودي ولم يُبَال أحد لا رسولُ الله ولا المسلمون بأنْ ينتصر اليهودي على المسلم؛ لأن الحق أعزُّ من هذا ومن ذاك.
      وحين رأى اليهودُ رسولَ الله يحكم لليهودي ويدين المسلم أقبلوا على الإسلام، وأسلم منهم كثيرون على رأسهم (مخيريق) الذي أعلن إسلامه، ووهب كل ماله لرسول الله، ثم خرج للغزو لما أعجله النفير قبل أن يصلي لله ركعة واحدة، وقُتِل (مخيريق) في هذه الغزو شهيداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه: "نِعْمَ مُخيريق، دخل الجنة ولم يُصَلِّ لله ركعة" .
      هذا معنى { فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ .. } [ص: 26].
        ومعنى { خَلِيفَةً .. } [ص: 26] أن الله استخلفنا جميعاً في الأرض، وجعل للمستخلفين خليفة يدبر أمرهم ويحكم بينهم فيما اختلفوا فيه بمنهج من استخلف الكُلَّ. أو خليفة للرسل الذين سبقوه يُنبه إلى ما انطمس من مواكب الحق في الخَلْق، والحكومة بين الناس لا تكون إلا عن اختلاف بينهم؛ لأنهم لو لم يختلفوا ما تحاكموا، وما لم يختلف فيه الناس فلا دَخْلَ للحاكم فيه إلا أنْ يكونوا قد اختلفوا مع الحق الأعلى، فعندها لا بُدَّ أنْ يتدخَّل.
      وكلمة { بِٱلْحَقِّ .. } [ص: 26] الحق يعني: الشيء الثابت الذي لا يتغير، وهذا لله تعالى، أما الإنسان فأموره تتغير ولا تستقر على حال، ونحن منها أغيار، لكن الحكم الذي يحكم حركة الإنسان ما دام من الله فهو ثابت لا يتغير، وما دام الله تعالى قد أتمَّ النعمة وأكمل الدين ورضي الإسلام، فلا استدراك لأحد عليه في شيء من الأشياء؛ لأن الاستدراك طَعْنٌ في استقصاء الله لحكمة الحكم.
        والحق يقابله الباطل، وقد يعلو الباطل في بعض الأحيان، لكن يظل الحق هو الحق حتى يعلوَ في نهاية المطاف. والحق سبحانه يترك الباطلَ يعلو في بعض الأحيان لحكمة، هي أن يعضَّ الباطلُ الناسَ، ويكويهم بناره لتظهر لهم حلاوة الحق، فإذا لَذَعهم مُرُّ الباطل فزعوا هم إلى طلب الحق.
      إذن: فإنْ عَلاَ الباطل فالحق أعْلَى، وقد ضرب لنا الحق سبحانه مثلاً يوضح هذه المسألة، فقال سبحانه: { { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } [الرعد: 17].
      إذن: فالحق ثابت، وبهذا الثبات نفهم أن المناهج الإلهية ما جاءت لتجعل كلمة الله هي العليا، إنما جاءت لتجعلَ كلمة الذين كفروا السفلى، وهذا المعنى واضح في قوله تعالى: { { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا .. } [التوبة: 40] فلم يعطف الثانية على الأولى، ولم يقل: وكلمة الله هي العليا. لأن كلمة الله ليستْ جعلاً، وإنما هي شيء ثابت، وهي حَقٌّ أزلاً.
        ثم يقول سبحانه مخاطباً سيدنا داود: { وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ .. } [ص: 26] الهوى: مَيْلُ النفس إلى شيء تهواه بغَضِّ النظر عن منهج يحكمه، والهوى يختلف باختلاف الناس، حتى الأصدقاء الحميمون المتلازمون في المأكل والمشرب والميول إذا ذهبوا لشراء شيء اشتروا أشياء مختلفة وألواناً متباينة.
      نعم، هناك جامعة تجمعهم هي الصداقة، لكن الأهواء مختلفة، فإذا كان هواي يخالف هواك، فلا بُدَّ أنْ نرجع إلى شيء لا نختلف فيه، فإنْ كان هذا الشيء الذي لا نختلف فيه من أعلى مِنّا فلا غضاضة، الغضاضة تأتي حين تخضع لمن يساويك وتحكّمه، وتنتهي إلى رأيه.
      لذلك الحق سبحانه يحكم هذه المسألة بقوله تعالى: { { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ .. } [المؤمنون: 71].
        ونحن نفهم أن اختلاف الأهواء يفسد الحياة على الأرض، لكن كيف يفسد السماء؟ ولماذا بدأ بفساد السماوات قبل الأرض؟
      قالوا: نعم، لأن الفساد سيتعدَّى فسادَ الأرض، ويفسد أيضاً السماء، بمعنى أنه سيفسد حكم الله المنزَّل من السماء، وما دام سيفسد حكم الله المنزَّل من السماء وهو الحق، وهذا الفساد سابق لفساد ما على الأرض.
      لذلك لم يقولوا: { { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً .. } [الإسراء: 92] هذا هوى، ولو أجابهم الله فيما طلبوا لفَسدتْ فعلاً السماوات والأرض، فمن رحمة الله بالخَلْق أنْ عَصَم أهواءهم في المناهج النظرية التي تحكم الناس فيما يختلفون فيه، أما الشيء الذي لا يُختلف فيه فتركه لكم تربعون فيه كما تشاءون.
      فإنْ قلتَ: فلماذا ترك لهم الأمور التي لا اختلاف فيها؟ نقول: لأنهم سينتهون فيها إلى حَقٍّ واحد مجْمع عليه، وهذا ما نراه مثلاً في العلوم المادية التجريبية، فهي مجال مفتوح للجميع، الروس مثل الأمريكان، بل نراهم يجعلون على هذه العلوم حواجز حديدية حتى لا تصل إلى غيرهم، والبعض يتلصَّص ويسرق ما وصل إليه الآخرون.
      إذن: فالشيء الذي سنتفق فيه لا تتدخَّل فيه السماء، وهذه المسألة حكمها سيدنا رسول الله، وأعطانا مثالاً في نفسه صلى الله عليه وسلم في مسألة تأبير النخل، فلما اقترح عليهم عدم تأبير النخل فسد في هذا العام ولم يثمر، فقال صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بشئون دنياكم" .
      لماذا؟ لأنكم ستصلون بالتجربة إلى شيء واحد، تتفقون عليه وتسرقونه من الآخرين، أما في الأهواء فهي مختلفة من واحد لآخر، ويحصل منها الصدام بارداً كان أو حاراً.
        ثم يُبيِّن الحقُّ سبحانه العِلَّة من النهي عن اتباع الهوى، فيقول: { فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ .. } [ص: 26] يعني: لا تتبع الهوى، لأن اتباع الهوى يُضلّك عن سبيل الله، وقد أوضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذه المسألة حين خَطَّ للصحابة خطاً مستقيماً، وخَطَّ حوله خطوطاً متعددة، ثم تلا: { { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ .. } [الأنعام: 153].
      وتفرُّق السُّبُل ينشأ من الاختلاف مهما كان يسيراً، (فالمللي) الواحد يُفرِّق السبل، ولو رسمتَ خطَّيْن من مركز واحد ومال أحدهما عن الآخر (مللي) واحد لنتج عن ذلك تباعدهما بالتدريج كلما بَعُدَا عن المركز، أرأيتَ مثلاً المحولجي الذي يقوم بتحويل مسار القطار ماذا يفعل؟ إنه يحرك طرف القضيب الذي لا يتجاوز سمكه خمسة (مللي) متر، فينتج عن هذه الحركة تحويل مسار القطار من الإسكندرية إلى أسوان.
      وهكذا تتفرق السبل، وينشأ عن الاختلاف اليسير اختلاف عظيم، فالتباعد الهيِّن البسيط عند المركز ينتج عنه تباعد واسع كلما طالت المسافة، وكما يكون التفرُّق في السُّبُل المتعددة يكون التفرق كذلك في الطريق الواحد حين يكون واسعاً يسمح بالتفرق.
      فمثلاً الطريق الصحراوي إلى الإسكندرية طريق واسع من اتجاهين، ويمكنك أنْ تسير في أحدهما بطريقة ملتوية تميل مرة إلى اليمين ومرة إلى اليسار، فينشأ عن ذلك طول الطريق؛ لذلك قالوا سواء السبيل يعني: أن تجعل الجانبين على سواء.
        ثم يوضح الحق سبحانه عاقبة الضلال والانحراف عن جادة الطريق، فيقول: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ } [ص: 26].
      إذن: فالغفلة عن هذا اليوم ونسيان العاقبة هو سبب الوقوع في العذاب الشديد، فلو ذكر الإنسانُ الجزاءَ على السيئة ما فعلها، ولو ذكر ثوابَ الحسنة مَا غفل عنها، ولا تكاسل عن أدائها.   التفاسير العظيمة  
    • ذكر الله سبحانه وتعالى أن القرآن الكريم يمثل البصائر الخاصة التي أنزلها الله على المؤمنين من عباده فقال: {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:203]، فما معنى (بصائر)؟ وما هي حقائقها؟ تعريف البصائر: البصائر جمع بصيرة، وهي فعيلة بمعنى فَاعلة، والبصيرة مأخوذةٌ من البصر، وهو العين، فكأن صاحب البصائر قد بلغ من المعرفة العقلية، والنظر الفكري، والحكمة الثاقبة حداً يصل إلى درجة المشاهد المحسوس، فانظر إلى جمال هذا المصطلح القرآني (البصائر)، فإنه يغلب على الظن أنه من مبتكرات القرآن، وهو يبني نفوس بني الإنسان، ويمكن تلخيص أبرز الحقائق التي نفهمها من هذه الكلمة القرآنية في الآتي:
      الحقيقة الأولى: البصيرة تدل على المعرفة الراسخة التي تؤدي إلى التمييز بين الحق والباطل، والصواب والخطأ، والرشاد والغي:
      وهذه المعرفة الراسخة تبنى على مصدرين أساسيين:

      المصدر الأول: معرفة النصوص الشرعية معرفة واعية:

      فكيف يكون مبصراً أو مفكراً أو منظراً أو قائداً من عشيت عينه عن النصوص الشرعية، أو لم يستطع عقله استيعابها، أو عمي فؤاده عن مراجعتها؟، وقد بين الله ذلك جلياً فِي قَوْله {أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ} [يُوسُف:108]، ولم يتركنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم هملاً عن إدراك خطورة هذه الحقيقة حيث قال -فيما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- : (( إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا))، كما حذر صلى الله عليه وآله وسلم تحذيراً بليغاً من التافهين الذين يتصدرون للكلام في أمور العامة فروى ابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة)) قيل: وما الرويبضة؟ قال: ((الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)). فأعظم مصدرٍ للبصيرة هي الشريعة المطهرة التي يشكل القرآن الكريم عمادها، ولا يمكن أن تسمى البصيرة بصيرةً مطلقاً إلا إذا كانت مستمدةً من شريعة الله النيرة كما قال ابن كثير: "وقَوله: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} أي: على بصيرة من شريعة اللَّه التي أوحاها إلي"، والبصائر القرآنية تبني حياة الأمة، وتعيد لها مجدها، وتحقق لها الفلاح والانتصارات النهضوية؛ فالقرآن هو الذي تضمن البصائر المجيدة التي تحقق الانتصارات في المجالات الشخصية، والتحديات الحياتية الأسرية والمجتمعية، فمن أبصر الحياة من خلال هذه البصائر رجع ذلك بالنفع الحقيقي لنفسه، وكانت البصائر القرآنية مصدر سعادته وراحته وطمأنينته وأنسه، والله يبين ذلك بأجمل عبارةٍ فيقول: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [الأنعام:104]. إنها البصائر: لا يمكن للأفراد الرؤية بدونها، ولا يمكن للأمة بدونها إدراك كيفية البناء، ولا تحديد ماهية الأعداء، ولا كيفية مواجهة الاعتداء، ولا التفوق في تحديات السلم والحرب والرخاء، أو الشدة والبأساء، فإذا لم تدرك الأمة بصائر القرآن سارت على عمى فسقطت في الـحُفَر، أو وقعت أسيرة المنعطفات والمنزلقات والمنحدر، ومن عَمِيَ عن حقائق البصائر يقع في الحفائر، وتتناوشه الآلام والمخاطر.

      المصدر الثاني: معرفة حقائق الأحداث الواقعة، وليس الاكتفاء بقشرة بريقها ومظهرها:

      فالبصيرة –كما يقرر الخليل-: "نفاذ في القلب"، ونورٌ مضيء فيه يمكنه من الاستبصار بحقائق الواقع، أي رؤيتها على حقيقتها، واتخاذ القرارات بناء على ذلك، وبهذه البَصيرة يتمكن من الاستفادة من المعطيات الماضية لتقرير الأعمال الحالية، فقد قالوا: البصيرة: العبرة، يقال: أما لك بصيرةٌ في هذا؟ أي عبرة تعتبر بها، ومن ذلك القول المنسوب لقس الإيادي:

      في الذاهبين الأولين ... من القرون لنا بصائر

      وبذا فلا بد أن يكون عند صاحب البصيرة معرفةٌ بالحوادث الماضية على حقيقتها ليعتبر بها، ويبني رؤاه وقراراته في الأحداث الحاضرة عليها، وهذا الذي ذكره الله تعالى في كثيرٍ من المواضع كقوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الأنعام:11]، {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62]، وبناء على ذلك فإن البصائر تعطي الدراسات الأولية التي تبنى عليها الخطوات التنفيذية.

      الحقيقة الثانية: أهم لوازم المعرفة الراسخة وجود الحجة الواضحة عند اتخاذ القرارات أو بناء المواقف:

      فمعنى قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] أي "أدعو إلى اللَّه ببصيرة متمكنا منها.. والبصير: صاحب الحجة لأَنه بها صار بصيرا بالحقيقَة. ومثله وصف الآية بمبصرة في قَوله: {فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً} [سورة النمل:13]، وبعكسه يوصف الخفاء بالعمى كقوله: {وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} [سورة هود:28]"، وهذا يقتضي أن يمتلك الإنسان البصير حجةً واضحةً من الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، وأن يترك التقليد الدال على الضعف والجمود وعدم التفاعل الصحيح مع المواقف، لأن البصيرة "المعرفة التي يتميز بها الحق من الباطل ديناً ودنيا بحيث يكون كأنه يبصر المعنى بالعين".
      وهذا يقتضي العمل على تنمية البصيرة بكثرة مراجعة مصدر الإبصار (القرآن والسنة) مع التدريب العملي على فقه الواقع وفق فقه النص، وكذلك لا بد من العمل على الاستكثار من المستبصرين أي الإكثار من الدراسين والمراجعين لمصدر الإبصار (النص الشرعي) وتطبيقاته في الواقع (الفقه الواقعي).

      الحقيقة الثالثة: تتفاوت البصيرة بين أصحابها:

      فالبصيرة كالبصر في التفاوت، فكما أن الرؤية تتفاوت فكذلك البصيرة، ومن ذلك قوله تعالى: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22]، فقد يكون أحدهم أقوى إبصاراً، وقد يكون غيره أعظم بصيرةً، وذلك يرجع إلى كثرة مزاولة الشيء الذي تُستمد منه البصيرة وهو القرآن الكريم مع ما يفتح الرحمن للإنسان من الفهم والرأي والإدراك، ومن ذلك قوله تعالى: {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} [طه:96]، "فَالمعنى: علمت ما لم يعلموه وفطنت لما لم يفطنوا له"، فبصر بالشيء حقيقَته صار بصِيرا به أو بصيرا بسببه، أي شديد الإِبصار، فهو أقوى من أبصرت، لأنه صيغ من فعل- بضم العين- الذي تشتق منه الصفات المشبهة الدالة على كون الوصف سجية، قَال تعالى: {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} [الْقَصَص:11]، فـ(بَصُرَ) هنا تدل على معرفتها المؤكدة لما حدث في قصر فرعون.

      الحقيقة الرابعة: البصيرة شرط في الدعوة:

      فهي شرط في بناء الحقائق الإيمانية في النفس والأسرة، وشرط في بناء الحقائق الإيمانية في المجتمع والحياة كما قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَن} [يوسف:108] "وهذا يدل على أن الدعاء إِلَى اللَّه تعالى إنما يحسن ويجوز مع هذا الشرط وهو أن يكون على بصيرة مما يقول وعلى هدى ويقين، فَإن لم يكن كذلك فهو محض الغرورِ".
      فالبصيرة بذلك تقتضي التنوير العقلي كما تعني الاستمداد الشرعي فقد قال ابن كثير في معنى قوله تعالى: {عَلَى بَصِيرة}: "هو وكل من اتبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي".
      وبذا فالبصيرةُ تقتضي معرفة الأمور الشرعية المناسبة للمعالجة الواقعية على حقيقتها، وليس الأوهام والتخليطات مما تجره أفكار ذوي الأسقام، فهي اسمٌ "لِما اعتُقِدَ في القلب من الدِّين وتحَقيق الأمر" كما قال ابن زمرك:
      يا ابن الذين جمـالهــم ونـوالهـم شمس الضحى والعارض المتهلل
      آبـاؤك الأنصار تلك شعــارهم فـــحيـــهم آوى النـــــبي الـمرســل
      فهم الألى نصروا الهدى بعزائم مصــقــولة وبصـائـــر لا تـخــذل
      الحقيقة الخامسة: البصيرة تؤدي إلى اليقين المطمئن عند اتخاذ القرارات:

      فقد قال الطبري في قوله تعالى: {عَلَى بَصِيرة}: أي " بذلك، ويقينِ عليمٍ مني به أنا، ويدعو إليه على بصيرة أيضًا من اتبعني وصدقني وآمن بي "، وهذا اليقين الذي كان مفتاحه البصيرة يؤدي إلى عدم الجزع من تبعات القرارات التي يتخذها المرء ما دامت البصيرة موجودة، فإذا ترتب على القرار ضياع خيرٍ مظنون فلن تلعب بصاحب البصيرة الظنون؛ فقد اتخذ القرار على بصيرةٍ، وإذا ترتب على القرار ابتلاءٌ بالمواجهة أو الفقد للأحباب فلن يستهلك الجزع الأصحاب؛ لأن القرار كان على بصيرة.

      الحقيقة السادسة: وجود البصائر ليس كافياً لتحريك الضمائر:

      فهل وجود البصائر كافٍ في إحداث التغيير الحسن والتحول الإيجابي الصالح؟
      الجواب: لا للأسف! فالبصيرة لا تقتضي الالتزام بمقتضيات ما يراه البصر، فقد يرى المرء الشيء على حقيقته ولكنه يصر على مخالفته لتملك شهوته له، أو لانحلال عزيمته، وضعف إرادته، واتباعه لغيه، ونبذه لرشده.. فقلب الطرف لتعتبر بأقوامٍ وصفهم الله بذلك فقال عنهم: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} [العنكبوت:38].. نعم كانوا مستبصرين بمعنى أنهم كانوا عارفين بواقعهم وحقائق ما حولهم ولكنهم لم يقوموا بمقتضيات ذلك.. فهم كانوا –كما يقول الزمخشري-: "عقلاء متمكنين من النظر والافتكار، ولكنهم لم يفعلوا، أو كانوا متبينين أن العذاب نازلٌ بهم لأن الله تعالى قد بين لهم على ألسنة الرسل عليهم السلام ، ولكنهم لجوا حتى هلكوا"، يا لضعف الإرادة وتملك شهوة البغي عند الناس، ووحل الكبر الذي يكسوا العباد بالأدناس.. هؤلاء كانت "لهم عقول، وكانت أمامهم دلائل الهدى ولكن الشيطان استهواهم وزين لهم أعمالهم، وأتاهم من هذه الثغرة المكشوفة، وهي غرورهم بأنفسهم، وإعجابهم بما يأتونه من الأعمال، وانخداعهم بما هم فيه من قوة ومال ومتاع {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} سبيل الهدى الواحد المؤدي إلى الإيمان، وضيع عليهم الفرصة {وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}".
      إنها بصائر القرآن تنير الدروب لبني الإنسان، وتأخذ بيد الحيران إلى المكان الذي يجد فيه السكينة والاطمئنان، إلا أن شرطها ليجد الإنسان نورها، ويشعر بحلاوتها صدق الإيمان، وتربية النفس على قوة الإيقان.. فخذ ذلك في قوله -تعالى ذكره- {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [الجاثية:20].. اللهم ارزقنا أوفر الحظ من ذلك يا أرحم الراحمين.   اسلام ويب
    • في القرآن الكريم سبع آيات افتتحت كل آية منها بجملة شرطية، تصور حال الظالمين والمجرمين والكافرين في صورة تبدأ بشعورهم وقد أزف رحيلهم عن هذه الدنيا، وتمر بحضور الملائكة لقبض أرواحهم، ثم صورتهم وهم يصارعون سكرات الموت، ثم صورة سوقهم للوقوف بين يدي رب الأرباب وحسابهم، ثم أخيراً لا آخراً وقوفهم على النار؛ استعداداً لزجهم بها؛ جزاء بما كسبوا.

      واحدة من تلك الآيات تصور حال الكافرين، وقد داخلهم الهلع والفزع؛ لشعورهم بقرب مغادرتهم هذه الحياة الفانية، التي كانوا يصفونها بأنها حياة لهو ولعب وعبث، ثم ها هم وقد اقترب أجلهم، وحانت ساعة الرحيل إلى دار القرار، وهي حالة أشبه ما تكون بحالة من صدر عليه حكم الإعدام، وهو ينتظر وقت التنفيذ، تصور الآية تلك الحال بالقول: {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب} (سبأ:51) فالظالمون والكافرون والمجرمون في وضع الآن لا يحسدون عليه؛ إذ لا مفر لهم مما هو ينتظرهم، ولا مهرب مما هو نازل بهم، ولا حام لهم مما هو معدٌّ لهم؛ فجنود الله في الطريق لقبض أرواحهم، والزج بهم بين يدي رب العالمين.

      آية أخرى تصور المجرمين والظالمين والكافرين وقد أحاط بهم جند الله، يقبضون أرواحهم، ويسقونهم سوق المجرمين إلى العدالة؛ لينالوا جزاء ما كسبت أيديهم، تقول الآية الكريمة: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق} (الأنفال:50) فكأنك أمام صورة حية، يظهر فيها المجرمون والظالمون والكافرون، وهم يساقون بالضرب على وجههم وعلى أدبارهم؛ كحال المجرم المسوق إلى العدالة، وهو يريد أن يتهرب من سائقيه، ويتفلت من العقاب الذي ينتظره.

      آية ثالثة تتقدم خطوة إلى الإمام، فتصور لنا حال الظالمين والكافرين والمجرمين وهم يعانون سكرات الموت، والملائكة تحيط بهم، وتستهزئ بحالهم، وتتحداهم أن ينقذوا أنفسهم مما أحاط بهم، وتتوعدهم بالعذاب الذي ينتظرهم، تقول الآية: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم} (الأنعام:93) صورة أقرب ما تكون إلى الواقع، تصور تلك الحال التي يمر بها أعداء الله، الكافرون بآيات الله، والظالمون لأنفسهم ولغيرهم، والمجرمون في حق أنفسهم وحق من حولهم.

      ثم ينتقل بنا المشهد القرآني إلى صورة أخرى تصور المجرمين والظالمين والكافرين، وقد أُحضروا أمام أحكم الحاكمين؛ ليسألهم عما اقترفته أيديهم -وهو أعلم بهم- وهي صورة أقرب ما تكون إلى صورة وقوف المجرم أمام قاضي المحكمة، يسأله عن جريمته، ليُصدر في حقه الجزاء الذي يستحقه، تقول الآية: {ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} (الأنعام:30) الكفرون الآن -وكذلك الظالمون، والمجرمون- بين يدي رب السموات والأرض، ليس ثمة من يدافع عنهم، وليس ثمة من ينصرهم، وليس ثمة من يلتفت إليهم؛ إذ أعوانهم في الدنيا تخلوا عنهم، بل الأعوان في أنفسهم أيضاً مشغولون.

      أمام هذه الحال -التي لا مفر منها- تصور لنا آية أخرى حال المجرمين والظالمين والكافرين وهم يعترفون بجريمتهم، بل بجرائمهم؛ إذ لا سبيل للإنكار، ولا سبيل للكذب، ولا سبيل لرشوة القاضي، ولا سبيل للدعم والعون الداخلي والخارجي، إنهم خافضو رؤوسهم، كالولد المذنب وقد وقف أمام أبيه، ينظر ما هو فاعل به، يعترفون بذنوبهم، ويتمنون العودة إلى الدنيا؛ لتصحيح الموقف، والعودة إلى سبل الرشاد، ولكن هيهات هيهات، أنى يكون لهم ذلك، وقد سبق في الكتاب أنهم إليها لا يرجعون، تقول الآية: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون} (السجدة:12).

      في أثناء وقوف المجرمين والظالمين والكافرين أمام رب العالمين، وتوجيهه سبحانه السؤال إليهم، يأخذ بعضهم بإلقاء اللوم على بعض، وكل منهم يسعى لتحميل ما اقترفت يداه إلى من كان عواناً له في الدنيا، تصور الآية هذه الحال على النحو التالي: {ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين} (سبأ:31) هذا دأب المجرمين والظالمين والكافرين على مر الدهور والعصور، يريدون أن يحمِّلوا غيرهم ما اقترفته أيديهم من الجرائم، وما كسبته أيديهم من المظالم.

      المشهد الختامي من مشاهد حال الكافرين والمجرمين والظالمين، هو مشهد وقوفهم أمام النار؛ استعداداً لزجهم بها، جزاء بما كسبوا، تقول الآية: {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} (الأنعام:27) أمام هذه الموقف المهول، يعاود المجرمون والظالمون والكافرون الكَرَّة بتمني العودة إلى هذه الدنيا، للتصديق بما جاءتهم به الرسل من الإسلام والإيمان، لكن أنى يستجاب لهم، وقد سبق في الكتاب يوم خلق السموات والأرض أنهم إليها لا يرجعون.

      ثم ها هنا أمور تتعلق بهذه الآيات، لا ينبغي الغفلة عنها، وهي:

      أولاً: أن هذه الآيات الكريمات جاء الخطاب فيها للنبي صلى الله عليه وسلم، لكنه في حقيقة الأمر خطاب لأمته، قال الزجاج -كما نقل عنه القرطبي-: "والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لأمته"، بل قال ابن عاشور: هو خطاب "لكل من تتأتى منه الرؤية، فلا يختص به مخاطب"؛ إذ ليس المقصود بهذا الخبر خصوص النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يُحْمَل الخطاب على ظاهره، بل غير النبي أولى به منه؛ لأن الله قادر أن يُطْلِع نبيه على ذلك، كما أراه الجنة في عرض الحائط.

      ثانياً: أن (الرؤية) المفروضة في الآيات {ولو ترى إذ...} يجوز أن يراد بها رؤية البصر، إذا كان الحال المحكي من أحوال يوم القيامة، وأن تكون علمية، إذا كانت الحالة المحكية من أحوال النزع، وقبض أرواح الكافرين والظالمين والمجرمين عند الموت.

      ثالثاً: أن المقصود من (الشرط) في هذه الآيات تهويل هذا الحال؛ ولذلك حذف جواب (لو) كما هو الشأن في مقام التهويل، حذفاً يراد منه أن تذهب نفس السامع كل مذهب من تصوير فظاعة حالهم، وهول موقفهم بين يدي ربهم، وبتوجيه الخطاب إلى غير معين لإفادة تناهي حالهم في الظهور، حتى لا يختص به مخاطب. والمعنى: لو ترى أيها الرائي، لرأيت أمراً عظيماً، أو لرأيت أمراً عجباً.

      رابعاً: قال الطبري عند تفسيره لقوله عز وجل: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق} (الأنفال:50) قال: "في الكلام محذوف، استغني بدلالة الظاهر عليه من ذكره، وهو قوله: (ويقولون) {ذوقوا عذاب الحريق}، حذفت (يقولون)، كما حذفت من قوله سبحانه: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا} (السجدة:21) بمعنى: يقولون: ربنا أبصرنا...

      خامساً: قال الزمخشري عند تفسيره لقوله تعالى: {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب} (سبأ:51) قال: "و(لو) و(إذ) والأفعال التي هي {فزعوا}، {وأخذوا}، {وحيل بينهم}، كلها للمضي، والمراد بها الاستقبال؛ لأن ما الله فاعله في المستقبل بمنزلة ما كان ووجد؛ لتحققه". ويزداد عليها فعل، {وقالوا}.

      سادساً: قال ابن عاشور عند تفسيره لقوله سبحانه: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت} قال: "التعريف في {الظالمون} تعريف الجنس المفيد للاستغراق"، بمعنى أن الآية عامة، تتحدث عن جنس الظالمين، وليس الحديث فيها على ظالمين بأعيانهم.

      وقال أيضاً عند تفسيره لقوله تبارك وتعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة} قال: "ويجوز أن يكون المراد بـ {الذين كفروا} جميع الكافرين؛ حملاً للموصول {الذين} على معنى العموم، فتكون الآية اعتراضاً مُسْتَطرَداً في خلال القصة بمناسبة وصف ما لقيه المشركون في ذلك اليوم -يوم بدر- الذي عجل لهم فيه عذاب الموت...ثم إن كان المراد بـ {الذين كفروا} مشركي يوم بدر، وكان ذلك قد مضى، يكن مقتضى الظاهر أن يقال: (ولو رأيت إذ توفى الذين كفروا الملائكة) -بصيغة الماضي- فالإتيان بالمضارع في الموضعين مكان الماضي؛ لقصد استحضار تلك الحالة العجيبة، وهي حالة ضرب الوجوه والأدبار؛ ليخيل للسامع أنه يشاهد تلك الحالة. وإن كان المراد المشركين حيثما كانوا، كان التعبير بالمضارع على مقتضى الظاهر".

      والمتحصل من كل ما تقدم، أن هذه الآيات المبتدأة بالجملة الشرطية {ولو تر إذ...}، مع أن الخطاب فيها للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنها سيقت في سياق حدث معين، إلا أنها تفيد العموم، عموم الأعيان، وعموم الأزمان، عموم الظالمين، والمجرمين، والكافرين، وهو الأصل في النص القرآني.   اسلام ويب  
    • شركة تسليك مجاري بالرياض
      تعد شركة تسليك مجاري بالرياض من الشركات الضرورية التي تقدم خدمات أساسية للمنازل والمنشآت، إذ تعالج مشكلة انسداد المجاري والصرف الصحي التي قد تتسبب في العديد من المشاكل الصحية والبيئية. تعتمد هذه الشركات على أدوات متطورة وخبراء مختصين لضمان إزالة الانسدادات بسرعة وكفاءة عالية.

      اسعار تسليك مجاري بالرياض
      تختلف اسعار تسليك مجاري بالرياض بناءً على حجم العمل المطلوب ونوع الأدوات المستخدمة. تعتمد تكلفة الخدمة على مدى تعقيد الانسداد وموقعه، بالإضافة إلى المعدات المطلوبة مثل السوستة الكهربائية أو استخدام ضغط المياه العالي. بشكل عام، تتراوح الأسعار بين 300 و 1000 ريال، ولكن يفضل دائمًا طلب تقدير دقيق من الشركة المختصة.
      تسليك المجاري بسوسته الكهربائية
      تعد السوستة الكهربائية من أفضل الأدوات المستخدمة في تسليك المجاري، حيث تعمل تسليك المجاري بسوسته الكهربائية على إزالة الانسدادات الصعبة بفعالية وسرعة. تعمل هذه الأداة بتوليد حركة دورانية تساعد في تفتيت الرواسب الصلبة مثل الدهون والكالسيوم العالق في المواسير، مما يسهم في فتح المجاري بسهولة.
      تسليك المجاري شبك الأبواب الحوش والأمطار
      غالبًا ما تتعرض شبكات الصرف حول الأبواب والحوش للاحتباس بسبب تراكم الأوساخ أو أوراق الأشجار التي قد تسد المنافذ. تقدم تسليك المجاري شبك الأبواب الحوش والامطار حلولاً مخصصة لهذه المشكلات، باستخدام أدوات تنظيف فعالة لتنظيف الشبكات وضمان تدفق المياه بشكل طبيعي، خاصة في موسم الأمطار.
      انسداد بالوعة الحمام العربي
      يعد انسداد بالوعة الحمام العربي مشكلة شائعة في المنازل القديمة والحديثة على حد سواء. يتسبب تراكم الشعر، والصابون، والدهون في انسداد مجرى البالوعة، مما يؤدي إلى ارتداد المياه وتراكم الروائح الكريهة. يمكن لشركات تسليك المجاري معالجة هذه المشكلة باستخدام أدوات متخصصة مثل السوستة أو الضغط العالي للماء.
      انسداد المجاري في المطبخ
      انسداد المجاري في المطبخ يحدث غالبًا بسبب تراكم بقايا الطعام والزيوت داخل المواسير. تقدم شركات تسليك المجاري بالرياض حلولًا سريعة وفعالة لهذه المشكلة من خلال إزالة الرواسب باستخدام أدوات مثل خراطيم الضغط العالي والمواد الكيميائية الآمنة للمواسير.
      شركة تسليك مجاري حي الملقا الرياض
      توفر شركة تسليك مجاري حي الملقا الرياض خدمات احترافية للتعامل مع انسداد الصرف الصحي. تعتمد هذه الشركات على أحدث الأدوات والتقنيات لضمان إعادة تدفق المياه بشكل طبيعي وسريع، مع الحرص على الحفاظ على سلامة المواسير من التلف.
      تسليك المجاري من الكلس
      الكلس هو من أكثر المشاكل شيوعًا التي تؤدي إلى انسداد المجاري بسبب تراكم الرواسب الكلسية داخل الأنابيب على مر الزمن. يمكن تسليك المجاري من الكلس باستخدام أدوات حديثة مثل السوستة الكهربائية والمواد الكيميائية المخصصة لتفتيت الرواسب دون التسبب في تلف الأنابيب.
      تسليك المجاري في المنزل
      تحتاج مشاكل انسداد المجاري المنزلية إلى معالجة فورية لتجنب انتشار الروائح الكريهة وتلف الأنابيب تقدم تسليك المجاري في المنزل خدمات منزلية تشمل استخدام أدوات مثل السوستة اليدوية والكهربائية والضغط العالي لإزالة الانسدادات بشكل سريع وفعّال.
      سلك تسليك المجاري
      يستخدم سلك تسليك المجاري كأداة تقليدية لإزالة الانسدادات الخفيفة والمتوسطة. يُدخل السلك في المجاري ويدفعه باتجاه الانسداد لتفتيته وإزالته. يُعتبر خيارًا فعالًا في بعض الحالات المنزلية البسيطة، لكنه قد يحتاج إلى تدخل أعمق في حالات الانسدادات الكبيرة.
      تسليك مجاري المطبخ
      انسداد مجاري المطبخ يحدث عادة بسبب تراكم الدهون وبقايا الطعام داخل الأنابيب تستخدم شركات تسليك مجاري المطبخ أدوات مثل خراطيم الضغط العالي لتنظيف المواسير وإزالة الانسدادات، مما يعيد تدفق المياه بشكل طبيعي ويمنع حدوث مشاكل مستقبلية.
      شركة تسليك مجاري حي التعاون الرياض
      توفر شركة تسليك مجاري حي التعاون الرياض حلولاً فعالة وسريعة للتعامل مع مشاكل الصرف الصحي. تعتمد هذه الشركات على فرق من المتخصصين والأدوات الحديثة للتأكد من إزالة الانسدادات بدون التسبب في أي ضرر للبنية التحتية.
      شركة تسليك صرف صحي بالرياض
      شركة تسليك صرف صحي بالرياض تلعب دورًا حيويًا في حماية المنازل والمنشآت من المشاكل البيئية والصحية المرتبطة بانسداد المجاري. تقدم هذه الشركات خدمات متخصصة في تسليك الأنابيب وإزالة العوائق باستخدام الأدوات الحديثة والمواد الآمنة.
      شركة تسليك مجاري حي العليا الرياض
      في حي العليا، تتوفر شركة تسليك مجاري حي العليا الرياض التي تقدم خدمات تسليك المجاري باستخدام أحدث الأدوات والتقنيات. تهدف هذه الشركات إلى توفير حلول فعالة وسريعة لتجنب أي تلف أو تسرب في النظام الصرف الصحي.
      خرطوم تسليك مواسير الصرف الصحي
      يستخدم خرطوم تسليك مواسير الصرف الصحي لإزالة الرواسب العالقة داخل الأنابيب من خلال ضخ المياه بضغط عالٍ. يُعتبر هذا الخيار من أفضل الحلول لمعالجة الانسدادات الكبيرة وإزالة الكتل الصلبة دون الحاجة إلى تكسير الأنابيب.
      تسليك مجاري الحمامات
      انسداد مجاري الحمامات مشكلة مزعجة تؤثر على الحياة اليومية شركات تسليك مجاري الحمامات توفر حلولاً مثل السوستة الكهربائية وخراطيم الضغط العالي لإزالة الانسدادات واستعادة تدفق المياه بشكل طبيعي.
      تسليك المجاري بالضغط
      يُعد تسليك المجاري بالضغط من الحلول الفعّالة التي تعتمد على ضخ المياه بضغط قوي داخل المواسير لتفتيت الانسدادات الصعبة وإزالتها. هذه الطريقة آمنة وفعالة وتستخدم غالبًا في حالات الانسدادات الكبيرة التي تتطلب تدخلًا سريعًا.
    • بالرغم من أن إنسان هذا العصر غارق في لجج المدنية المعاصرة، ومنتجاتها التقنية والاتصالية، بيد أن المؤمن تعتريه لحظات مفاجئة بين الفينة والأخرى، تنتشله من هذا الزخم التقني والاتصالي، فيخرج من مدارات التفاصيل الصغيرة، ويستعيد وعيه بالحقائق الكبرى.

      لحظة الصدمة تقع دوماً حين يستشعر المؤمن لحظة لقاء الله، وقرب هذه اللحظة. وقد أشار القرآن الكريم إلى مفارقة مؤلمة، وهي شدة قرب لقاء الله، مع كون الإنسان يغفل كثيراً عن هذه الحقيقة، لقاء الله قريب غير بعيد، وما زلنا غافلين، قال تعالى: {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون} (الأنبياء:1).

      والقرآن الكريم أخبر عن المعاد بطرق كثيرة ومتنوعة جداً، وهذه الكثرة والتنوع من الآيات التي تربط العقل المسلم باليوم الآخر ليست عبثاً، ولكنها لأغراض لا تخفى على المهتم بمغزى كلام الله، والمعني بمقاصد القرآن، ورسائله الضمنية.

      وثمة آيات تحدثت عن اليوم الآخر، وصورت الناس بصور شتى، تكشف عن حالهم، من ذلك:

      - آيات صورت مشاعر المقصرين في ذلك اليوم، منها قوله تعالى: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار * مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء} (إبراهيم:42-43) انظر كيف سيقوم الناس من قبورهم، شاخصة أبصارهم، مسرعين، ومقنعي رؤوسنا، تنظر شدة الأهوال، ومن شدة التحديق بحيث لا تطرف العين، وصف القرآن هذه الحالة بأنهم {لا يرتد إليهم طرفهم} ومن شدة الفزع والرعب وصف الله القلوب بأنها فارغة من كل شيء، {وأفئدتهم هواء} فهي في حالة تنسي الدنيا بكل ما فيها، وتنظر فيما هي مُقْدِمة إليه من الحساب والعذاب.

      - ومن التصويرات القرآنية المخيفة لتلك اللحظات، تصوير لحظة الانكسار والذل والضَّعَة التي تعتري المقصر، يقول تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون} (السجدة:12). ووصف سبحانه الخجل والذل في ذلك اليوم وصفاً آخر، يجعل الإنسان ينظر مسارقة، قال تعالى: {وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي} (الشورى:45) والإنسان الذليل الخائف يسود وجهه، وتعلوه القتامة، حتى كأن الليل البهيم يعلو محياه، قال عز وجل: {كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما} (يونس:27).

      - ومن الصور القرآنية التي تنخلع لها القلوب صورة الجثو على الركب في ذلك اليوم، فترى الناس مستوفزين لا يصيب الأرض منهم إلا ركبهم وأطراف أقدامهم، قال سبحانه: {وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون * هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} (الجاثية:28-29).

      - ومن الصور القرآنية التي تصور حال القلوب الفزعة في ذلك اليوم، ما جاء في قوله سبحانه: {وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين} (غافر:18) فالقلوب يومئذ من شدة الهول تخفق كأنما تصعد للحنجرة مع الصمت المطبق.

      - والأمر المهم في هذه الصور القرآنية أننا نعلم أن هذه الأحوال والأهوال التي وصفها سبحانه لنا، لا يفصل بيننا وبينها إلا مجيء ملك الموت في الساعة المقدرة اليوم أو غداً، ومع ذلك لا زالت الغفلة تكبلنا، وتشدنا إلى هذه الحياة الفانية؛ ففي ستة مواضع من القرآن الكريم وصف سبحانه ذلك اليوم بأنه يأتي {بغتة} أي: يأتي بشكل مفاجئ، والناس في غفلة تامة، قال سبحانه: {حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها} (الأنعام:31)، وقال سبحانه: {لا تأتيكم إلا بغتة} (الأعراف:187)، وقال عز وجل: {أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة} (يوسف:107)، وقال عز من قائل: {ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة} (الحج:55). وقال سبحانه: {هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون} (الزخرف:66). وقال تعالى: {فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها} (محمد:18).

      - واللافت في الأمر أن العلماء يؤكدون أن القرآن الكريم أكثر من ذكر اليوم الآخر بما لا يوجد مثله في الكتاب السماوية السابقة، يقول ابن تيمية: "وفي القرآن من ذكر المعاد وتفصيله، وصفة الجنة والنار، والنعيم والعذاب، ما لا يوجد مثله في التوراة والإنجيل".

      - وقد تمدَّح سبحانه بتعظيم نفسه بإلقاء الوحي على الرسل؛ لكي ينبهوا الناس إلى اليوم الآخر، فجعل سبحانه من أعظم وظائف الوحي تذكير الناس بقرب لحظة لقاء الله، قال عز من قائل: {رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق} (غافر:15) وإنه لأمر محرج أن يوضح سبحانه لنا أن من أغراض الوحي تنبيه الناس على لقائه، ونحن غافلون عن هذه الغاية القرآنية العظيمة.

      هل نحن حين نتلو القرآن الكريم نستحضر أن من مقاصد القرآن الكريم تعميق استحضار اليوم الآخر في النفوس؟ هل منحنا الآيات التي تصور مشاهد اليوم الآخر منزلتها التي تستحقها؟

      حين ننشغل بأمر الدنيا -وما أكثر مشاغلها ومفاتنها- ونغفل عن هذا اليوم القادم، فنحن لا نغفل عن يوم عادي، أو يوم مهم فحسب، إننا نغفل عن يوم وصفه سبحانه بقوله: {إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا} (الإنسان:27).

      هذا الإطراق، وخشوع الأبصار، وتنكيس الرؤوس، وفراغ القلوب من الرعب، والجثو على الركب في ذلك اليوم العصيب، إنما سببه هول العذاب، والخجل من سيء الأعمال. ولكن ثمة أمر آخر أعظم من ذلك كله، وهو جلال وهيبة الله سبحانه؛ إذ يتجلى ذلك اليوم لعباده، قال تعالى: {يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا} (طه:108) وقال سبحانه: {وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما} (طه:111) ومعنى {عنت} أي: خضعت، وذلت، واستسلمت.

      كلما استطاع المسلم التخلص من الضباب الكثيف الذي يصنعه الانهماك في الدنيا، ومنح نفسه ساعة تأمل في لحظة صفاء، وتذكر قرب لقاء الله، فإنه سيتفاجأ بحيوية جديدة تدب في نفسه، سيشعر كأنما قام قلبه باستحمام إيماني، يزيل عنه العوالق والأوضار، وستتغير نظرته لكثير من الأمور.

      ومن أهم ما يصنعه استحضار ذلك اليوم في النفوس الزهد في الفضول، فضول النظر، وفضول السماع، وفضول الكلام، وفضول الخلطة، وفضول النوم، وفضول تصفح الإنترنيت، وفضول الجوالات، ونحوها، فيصبح المرء لا ينفق نظره وسمعه ووقته إلا بحسب الحاجة، ووفق ما يرضي الله سبحانه.

      ومما يصنعه استحضار ذلك اليوم في النفوس الإقبال على القرآن الكريم، فيعيد المسلم صياغة شخصيته الفكرية على ضوء القرآن الكريم؛ لأن الله في ذلك اليوم العصيب القادم سيحاسبنا على ضوء هذا القرآن، قال عز من قائل: {وقد آتيناك من لدنا ذكرا * من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا} (طه:99-100). وقال سبحانه: {ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين * فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون} (القصص:65-66) وإن من الخسارة بمكان أن يبني المسلم شخصيته من كتب فكرية منحرفة.

      ومما يصنعه استحضار ذلك اليوم في النفوس إقبال المرء على نفع إخوانه المسلمين في دينهم ودنياهم؛ بتعلميهم معاني كلام الله ورسوله، وتعليمهم ما تقوم به أمور حياتهم؛ فمن استحضر ثِقَل ذلك اليوم، هل يستطيع أن يتجاهل دماء إخوانه النازفة في كثير من بلدان المسلمين؟ هل يستطيع أن ينسى مسؤوليته أمام الله، وهو يتذكر صور الأشلاء المتناثرة هنا وهناك، واستغاثات الثكالى والأيامى، وأنين الأطفال والرُّضع في كثير من بلدان المسلمين؟

      ومما يصنعه استحضار ذلك اليوم الاستخفاف بالجاه في عيون الخلق، والتعلق بالجاه عند الله جلا وعلا، وماذا يغني عنك ثناء الناس، وأنت تعرف من خطاياك ما لو علموه لما صافحوك؟
        من وضع بين عينيه عظمة ذلك اليوم، والمنزلة عند الله، وكيف ستُبَدِّل الآخرة من منازل الناس بشكل انقلابي، كما قال تعالى: {خافضة رافعة} (الواقعة:3) من استحضر ذلك كله، علم رخص الشهرة، والظهور والرياسة، وكسد سوقها في قلبه، وأيقن أنها أهداف في غاية التفاهة؛ بحيث لا تستحق دقيقة جهد، فضلاً عن أن يذهب عناء السنين في العلم والعمل وجمع الكتب وعناء الليالي لأجل مديح الناس!     اسلام ويب
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182099
    • إجمالي المشاركات
      2535350
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93173
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    chaima12
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×