اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57400
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180533
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8247
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53000
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40679
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  11. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33893
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  12. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32199
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13117
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  13. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  14. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37240 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  15. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • المتواجدات الآن   0 عضوات, 0 مجهول, 29 زوار (القائمه الكامله)

    لاتوجد عضوات مسجلات متواجدات الآن

  • العضوات المتواجدات اليوم

    2 عضوات تواجدن خلال ال 24 ساعة الماضية
    أكثر عدد لتواجد العضوات كان 7، وتحقق
  • أحدث المشاركات

    • تمهيد: إن من أجَلِّ النِّعم على الإنسان أن يدرك تمام الإدراك قدرة الله وعظمته، وأنه سبحانه لا إله غيره ولا رب سواه، مالك الملك المتصرف في كونه وكل ما فيه؛ عُلويِّه، وسُفْليِّه، وما بينهما تحت قدرته ومشيئته، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، جل جلاله، ومن أنعم الله عليه بهذه النعمة، ووقرت في صميم قلبه، وأعماق وجدانه، فقد نال خيرًا كثيرًا في الدنيا والآخرة، وكانت سبيلًا ومرشدًا لعبادة الله تعالى باتباع شرعه، والالتزام به أمرًا ونهيًا.   توجد في القرآن الكريم سبع عشرة آية مشابهة للآية موضوع المقال، جاءت في سياقات مختلفة، ومضامينَ متنوعة، ولتحقيق الفائدة للقارئ الكريم، سأعرضها للعلم بها؛ وهي: الأولى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 107].   الثانية: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 189].   الثالثة: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 17].   الرابعة: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [المائدة: 18].   الخامسة: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 40].   السادسة: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ [الأعراف: 158].   السابعة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [التوبة: 116].   الثامنة: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [النور: 42].   التاسعة: ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2].   العاشرة: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [الزمر: 44].   الحادية عشرة: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴾ [الشورى: 49].   الثانية عشرة: ﴿ وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [الزخرف: 85].   الثالثة عشرة: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [الجاثية: 27].   الرابعة عشرة: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفتح: 14].   الخامسة عشرة: ﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الحديد: 2].   السادسة عشرة: ﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [الحديد: 5].   السابعة عشرة: ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [البروج: 9].   وهذه الآيات الكريمات في مجملها جاءت مؤكِّدة عظمة الله تعالى وقدرته، وأن كل شيء في الكون تحت قهره وسلطانه، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض، ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك؛ وصدق الله العظيم: ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [سبأ: 3]؛ قال القاسمي رحمه الله: "أي: لا يغيب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين؛ أي: فالجميع مندرج تحت علمه، فلا يخفى عليه شيء، وإن تناهى في الصغر، فالعظام وأجزاء البدن، وإن تلاشت وتفرَّقت وتمزَّقت، فهو عالِمٌ أين ذهبت وأين تفرقت، ثم يُعيدها كما بدأها أول مرة، لسَعَةِ علمه، وعظم قدرته، جل شأنه".   أقوال العلماء في تفسير الآية موضوع المقال: قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 120]؛ أي: هو الخالق للأشياء، المالك لها، المتصرف فيها القادر عليها، فالجميع ملكه وتحت قهره وقدرته، وفي مشيئته، فلا نظير له ولا وزير، ولا عديل، ولا والد ولا ولد ولا صاحبة، فلا إله غيره ولا رب سواه".   وقال الطنطاوي رحمه الله في تفسيره الوسيط: "لله تعالى وحده دون أحد سواه الملك الكامل للسماوات وللأرض، ولِما فيهن من كل كائن، وهو سبحانه على كل شيء قدير، لا يُعجزه أمر أراده، ومن زعم أن له شريكًا، سواء أكان هذا الشريك عيسى، أم أمه، أم غيرهما، فقد أعظم الفِرْيَةَ، وكان مستحقًّا لخزي الدنيا، وعذاب الآخرة".   الملامح التربوية المستنبطة من الآية موضوع المقال: أولًا: تنبِّه الآية الكريمة في مبدأيها إلى تعظيم الله تعالى لنفسه سبحانه: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ﴾ [المائدة: 120]، وهو تعظيم مستحَقٌّ له عز وجل، فهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، القادر المتصرف وحده دون سواه في السماوات والأرض وما بينهما، فلا يعجزه شيء فيها وما بينهما ألبتة، فإظهار التعظيم من الخالق لنفسه سبحانه أمر طبيعي، ومستحق له كامل الاستحقاق، فالواجب على العبد أن يعتني بتعظيم الله تعالى وتقديره، وإذا كان القرآن الكريم حكى تعظيم شعائر الله: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، أوليس الذي أوجب هذه الشعائر أولى بالتعظيم والتقدير؟ بل يكون ذلك من أعظم الأولويات، وأوجب الواجبات.   ثانيًا: لما أظهر الله تعالى لنفسه التعظيمَ، جاء القرآن الكريم منوِّهًا إلى غفلة أكثر الناس عنه؛ قال تعالى: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾ [نوح: 13]؛ قال البغوي رحمه الله: "قال سعيد بن جبير رحمه الله: ما لكم لا تُعظِّمون الله حقَّ عظمته، وقال الحسن البصري رحمه الله: لا تعرفون لله حقًّا، ولا تشكرون لله نعمة"، وقال تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُ‍‍هُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر:67]؛ قال ابن باز رحمه الله: "الآية عامة، تعُمُّ قريشًا وغيرهم، كل من قال هذه المقالة: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 91]، تعم جميع الكفرة الذين قالوا هذه المقالة من قريش وغيرهم، ما عظَّموا الله حق تعظيمه، وما قدروه حق قدره؛ إذ اتهموه بأنه أهمل الناس، وترك الناس على ضلالهم وعماهم، من غير رُسُلٍ ولا كُتُبٍ، بل هذا من ظن السوء"؛ [انظر بتوسع حول هذا الموضوع: مقال: ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ للكاتب على موقع الألوكة].   ثالثًا: إن تعظيم الله تعالى من صميم توحيده، والإخلاص له، ولكن لا ينسحب هذا التعظيم على المخلوق، فليس للمخلوق أن يُعظِّم نفسه، وقد نهت الشريعة عن ذلك؛ قال تعالى: ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النجم: 32]؛ قال الشوكاني رحمه الله: "أي: لا تمدحوها، ولا تبرِّئوها عن الآثام، ولا تُثنوا عليها، فإن ترك تزكية النفس أبعدُ من الرياء، وأقرب إلى الخشوع"؛ [فتح القدير (5/ 136)].   رابعًا: هناك تفصيل مهم حول تزكية النفس، بين مذموم ومحبوب؛ قاله النووي رحمه الله: "‌اعلم ‌أن ‌ذكر ‌محاسن ‌النفس ‌ضربان: مذموم، ومحبوب؛ فالمذموم أن يذكره للافتخار وإظهار الارتفاع والتميز على الأقران وشبه ذلك، والمحبوب أن يكون فيه مصلحة دينية، وذلك بأن يكون آمرًا بمعروف، أو ناهيًا عن منكر، أو ناصحًا، أو مشيرًا بمصلحة، أو معلمًا، أو مؤدبًا، أو واعظًا، أو مذكِّرًا، أو مصلحًا بين اثنين، أو يدفع عن نفسه شرًّا، أو نحو ذلك، فيذكر محاسنه ناويًا بذلك أن يكون هذا أقرب إلى قبول قوله، واعتماد ما يذكره"؛ [الأذكار، ‌‌باب مدح الإنسان نفسه وذكر محاسنه، ص: 279].   خامسًا: هناك فائدة مهمة نبَّه إليها ابن عثيمين رحمه الله؛ وهي: "عدم جواز قول عبارة: (إنه على ما يشاء قدير)؛ وذلك لعموم قدرة الله عز وجل على كل شيء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 120]، وهذه الصفة مطلقة، وهل هو قدير على ما لا يشاء؟ نعم، قدير على ما لا يشاؤه، فإذا شاءه وقع، وبهذا نعرف خطأ من يعبر من الناس، يقول: (إنه على ما يشاء قدير)، لا يجوز هذا؛ لأنك إذا قلت: إنه على ما يشاء، وقدمت أيضًا المعمول، خصَّصت قدرته بما يشاء دون ما لا يشاء، وهذا غلط، فهو قادر على ما يشاء وما لا يشاء".   سادسًا: تؤكد الآية موضوع المقال، والآيات المشابهة المشار إليها سابقًا، على ترسيخ مفهوم توحيد الله تعالى، فهو أساس الدين ولُبُّ شرائعه، من أجله قامت السماوات والأرض، وأُرسلت الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأُنزلت الكتب، فمن وحَّد الله تعالى حقَّ توحيده بالتزام شرعه أمرًا ونهيًا، فقد عاش حياة آمنة مستقرة في الدنيا والآخرة؛ وصدق الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]؛ قال ابن كثير رحمه الله: "هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له، ولم يشركوا به شيئًا هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة".   سابعًا: ينتشر في أوساط بعض الناس، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي المعاصرة الاعتقادُ بأن لبعض الناس قدرات في معرفة الغيب، وأيضًا نجد هذا الاعتقاد شائعًا عند بعض المذاهب المنحرفة، التي تبالغ في تقديس مشايخهم وعلمائهم، نسأل الله السلامة والعافية، ولا شك أن هذا اعتقاد خاطئ، ومخالف لنصوص القرآن الكريم المؤكِّدة على أن الله تعالى وحده عالم الغيب والشهادة؛ قال تعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ﴾ [الجن: 26، 27]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النمل: 65]؛ قال ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول معلمًا لجميع الخلق: أنه لا يعلم أحد من أهل السماوات والأرض الغيبَ، وقوله: ﴿ إِلَّا اللَّهُ ﴾ استثناء منقطع؛ أي: لا يعلم أحد ذلك إلا الله عز وجل، فإنه المنفرد بذلك وحده، لا شريك له".   ثامنًا: المؤمن عندما يتدبر الآية الكريمة موضوع المقال، ويستشعر بعقله ووجدانه وكافة مشاعره أن لله تعالى وحده ملك ومالك السماوات والأرض، وما بينهما، وهو على كل شيء قدير، فحينها يمتلئ قلبه ثقة بالله، وتوكلًا عليه في شؤون حياته كلها، دِقِّها وجُلِّها، حاضرًا ومستقبلًا؛ ولذلك جاءت آيات كثيرة تحض على تدبر القرآن الكريم؛ منها: ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]؛ قال السعدي رحمه الله: "﴿ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾؛ أي: هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها، ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه، والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تُدرَك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود، ﴿ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾؛ أي: أولو العقول الصحيحة، يتذكرون بتدبرهم لها كل علم ومطلوب، فدلَّ هذا على أنه بحسب لبِّ الإنسان وعقله يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب".   تاسعًا: هناك تكامل وتوافق بين الآية موضوع المقال، وبين التوجيه النبوي الوارد في كتب السنة النبوية المطهرة، بتأكيد توحيد الله تعالى؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من قال في يوم مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير - كان له عِدل عشر رقاب، وكُتبت له مائة حسنة، ومُحِيَ عنه مائة سيئة، وكنَّ له حِرزًا من الشيطان، سائر يومه إلى الليل، ولم يأتِ أحد بأفضلَ مما أتى به، إلا من قال أكثر))؛ [صحيح البخاري، حديث رقم: 3293، صحيح مسلم، حديث رقم: 2691]؛ قال ابن رجب رحمه الله: "تحقيق كلمة التوحيد يُوجِب عتق الرقاب، وعتق الرقاب يُوجِب العتق من النار"؛ [لطائف المعارف، ص: 283]، وقال ابن عثيمين رحمه الله: "ينبغي للإنسان أن يداوم عليها، وينبغي أن يقولها في أول النهار لتكون حرزًا له من الشيطان"؛ [شرح رياض الصالحين، ج: 5، ص: 488]، هذا الذكر المبارك كنز من كنوز السنة النبوية، وهو متاح ويسير لمن يسره الله، فالمسلم الموفَّق ينبغي أن يحرص على الإكثار منه؛ لينال ما ترتَّب عليه من أجور عظيمة، نسأل الله من فضله.   هذا ما تيسر إيراده، والله أسأل بمنِّه وكرمه أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين   د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي   شبكة الالوكة  
    • {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ○ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك :١٣ -١٤] في الآية دليل على أنه ينبغي للإنسان أن ينوي في قلبه كل خير ، وأن يحرص أن يكون مخلصًا لله -عزّ وجلّ- في جميع أعماله ، وأن يحذر كل الحذر أن يخفي الرياء والسمعة، أو الحسد والبغض، وغيرها من الصفات القلبية الذميمة، فإنه -سبحانه وتعالى- مطلع عليها ، و على الإنسان أن يصلح قلبه؛ لأن في صلاح القلب صلاح للجسد كما في الحديث: (ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ)   (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) كم لهذا الذكر من أثرٍ عظيم على العبد في سلوكه وعبادته وأحواله كلها؛ فإذا حدَّثته نفسه بريبة أو معصية أو مخالفة لأمر الله تذكَّر أن ربَّه -جل في علاه- مطَّلع عليه، وأنه لا تخفى عليه من العباد خافية، فيستحي من ربه، ويحذر من الوقوع في مساخطه وما يغضبه -جل في علاه-. (بِذَاتِ الصُّدُورِ) قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: " ذات الصدور كلمة لما يشتمل عليه الصدر من الاعتقادات والإرادات، والحب والبغض، أي: صاحبة الصدور، فإنها لما كانت فيها قائمة بها نسبت إليها نسبة الصحبة والملازمة" ــــ   {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ○ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك :١٣ -١٤] رسالة ربانية تقنعك بالسكوت عن إفصاح مشاعرك للناس حيث يكفينا أن الله يعلم بما في صدورنا جميعا .. استعن بالله عن الناس وهو سيعينك   (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)وسع علمه الآفاق ، حتى أصغر مخلوقاته قد أحاط بها علما.. كل ماتخفيه في نفسك حتى الخاطرة.. الله يعلمها ، ولا يخفى على الله الخبير حاجتك إلى لطفه الخفي ونستشعر ذلك عند الإبتلاء ، فالأقدار التي تصيبنا لاتخرج عن لطف الله لكننا لاندرك ذلك بسبب طبيعتنا.. سبحانه يلطف بعباده فيدفع عنهم السوء ويكفيهم الهموم ويسوق لهم أسباب الخير من حيث لايحتسبوا   {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}
      كن عبد الله ووليه ليشملك لطفه ، هو العليم بحالك والقادر أن يغمرك بالبر والإحسان ، يعلم بضعفك واحتياجاتك فاقرع بدعائك باب رضاه يهبك فرحا يمحو كل هم وحزن ... حسبك لترضى بأقداره وتستسلم لأحكامه    
    • كيف نجمع بين قول الله ﷻ: {وليحملن أثقالهم وأثقالًا مع أثقالهم}، وقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}؟   الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسولِ الله، أمَّا بعدُ؛   - {ولا تزر وازرة وزر أخرى} مقتضاها أن الإنسان لا يُحاسَب إلا بما فعل.   - أما الآية الأخرى فهذه يفسرها قول الله سبحانه وتعالى: {ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم}.   فهم يحملون أوزار ذنوبهم الشخصية، وكذلك يحملون من أوزار الذين أضلوهم لأنهم هم المتسببون في هذا الضلال وهذا الإثم لأنهم هم من دعوا إليه وزينوه في أعين الناس..   وبالتالي هو يستحق هذا الوِزر لأنه مرتبط بفعله هو، وهو الإضلال والدعوة إلى الباطل وتشويه الحق.   مثال: شخص يفعل فعلًا محرمًا، ودعا صديقه إلى مشاركته.. فهو يأثم لفعله الحرام، ويأثم إثمًا زائدًا لتسببه في وقوع صديقه في هذا المحرم، فهو يحمل إثمه الشخصي كاملًا ويشارك صاحبه في الإثم.   فلا تَعارض بين الآيات.   والله أعلم.   موقع قطوف   >>>>>>>>>>>>>   الحمد لله. أولًا : لا شك أن كل إنسان يوم القيامة يحاسب على ذنبه هو ، ولا يظلم ربك أحدًا ، ولا يحمل إنسان تبعة إنسان آخر ، كما في قوله تعالى :  وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى  الأنعام/164 . ولا شك أيضا في تمام عدل جل جلاله، وتنزهه عن ظلم أحد من عباده ، أدنى شيء من الظلم:  وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا  الكهف/49 ؛  إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ  يونس/44 . وقد وعد الله جل جلاله عباده : أن كل إنسان إنما يحاسب بعمل نفسه، لا بعمل غيره، فإما أن يوبقه عمله، أو يعتقه من النار ؛ قال الله تعالى :  كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ  الطور/21، وقال تعالى:  كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ  المدثر/38. وما استشكله السائل من النصوص على هذا الأصل فلا إشكال فيها بحمد الله تعالى. فمن ذلك: أئمة الكفر والضلال، الذين دعوا الناس إلى الكفر، أو الضلال ، أو المعاصي، فتأثروا بهم ، وعملوا بأعمال السوء التي تعلموها من سادتهم وكبرائهم ؛ سوف يتحمل هؤلاء السادة والكبراء وزر من تبعهم على هذه الأعمال. وليس ذلك لأنهم يتحملون ذنب غيرهم ، ولا أنهم يزرون أوزار الناس؛ لا ، بل هم يتحملون وزر أنفسهم هم ، ووزر عمل الدعوة إلى الضلال، وسنن السوء التي سنوها للناس ، ويبقى إثم أتباعهم على السوء والمعاصي عليهم ؛ فلكل منهم حظه ونصيبه من عمله، وما اقترفت يداه. قال الله تعالى : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ العنكبوت/ 12 - 13 .   قال الشيخ السعدي رحمه الله: " يخبر تعالى عن افتراء الكفار، ودعوتهم للمؤمنين إلى دينهم، وفي ضمن ذلك، تحذير المؤمنين من الاغترار بهم ، والوقوع في مكرهم، فقال: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا،  فاتركوا دينكم أو بعضه ، واتبعونا في ديننا، فإننا نضمن لكم الأمر وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ، وهذا الأمر ليس بأيديهم، فلهذا قال: وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ ، لا قليل ولا كثير. فهذا التحمل، ولو رضي به صاحبه، فإنه لا يفيد شيئا، فإن الحق لله، والله تعالى لم يمكن العبد من التصرف في حقه إلا بأمره وحكمه، وحكمه أن لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى . ولما كان قوله: وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ قد يتوهم منه أيضا، أن الكفار الداعين إلى كفرهم -ونحوهم ممن دعا إلى باطله- ليس عليهم إلا ذنبهم الذي ارتكبوه، دون الذنب الذي فعله غيرهم، ولو كانوا متسببين فيه، قال، مخبرا عن هذا الوهم: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ أي: أثقال ذنوبهم التي عملوها وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ، وهي الذنوب التي بسببهم ومن جَرّائهم، فالذنب الذي فعله التابع : لكل من التابع والمتبوع : حصته منه، هذا لأنه فعله وباشره، والمتبوع لأنه تسبب في فعله ودعا إليه، كما أن الحسنة إذا فعلها التابع : له أجرها بالمباشرة، وللداعي أجره بالتسبب. وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ من الشر وتزيينه، وقولهم: وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ " انتهى من "تفسير السعدي" (627). وفي هذا المعنى، ونحوه: ما رواه مسلم في صحيحه (1017)، من حديث جرير بن عبد الله رضي الله:  مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ .   ثانيا : ومثل ذلك أيضا ما رواه مسلم في "صحيحه" (2581) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :  أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟  قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاع َ ، فَقَالَ :  إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ ، وَصِيَامٍ ، وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ . قال النووي : " قَالَ الْمَازِرِيُّ : وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُعَارِضٌ لِقَوْلِهِ تعالى ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ؟ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ غَلَطٌ مِنْهُ ، وَجَهَالَةٌ بَيِّنَةٌ ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا عُوقِبَ بِفِعْلِهِ وَوِزْرِهِ وَظُلْمِهِ ، فَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ حُقُوقٌ لِغُرَمَائِهِ ، فَدُفِعَتْ إِلَيْهِمْ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَلَمَّا فَرَغَتْ ، وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ ، قُوبِلَتْ عَلَى حَسَبِ مَا اقْتَضَتْهُ حِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ ، وَعَدْلِهِ فِي عِبَادِهِ ؛ فَأُخِذَ قَدْرُهَا مِنْ سَيِّئَاتِ خُصُومِهِ ، فَوُضِعَ عَلَيْهِ ، فَعُوقِبَ بِهِ فِي النَّارِ . فَحَقِيقَةُ الْعُقُوبَةِ إِنَّمَا هِيَ بِسَبَبِ ظُلْمِهِ وَلَمْ يُعَاقَبْ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَظُلْمٍ مِنْهُ "انتهى من "شرح مسلم" (16/ 136). وفي هذا الحديث العظيم الجليل : تحذير شديد من أن يفني العبد حسناته التي تعب في جمعها، في أداء ما عليه من حقوق العباد، وقضاء مظالمهم يوم القيامة. قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، في "شرح رياض الصالحين" (2/ 528) : " الاستفهام هنا للاستعلام الذي يراد به الإخبار ؛ لأن المستفهِم تارة يستفهم عن جهل ولا يدري، فيسأل غيره ، وتارة يستفهم لتنبيه المخاطب لما يلقى إليه ، أو لتقرير الحكم . فمثال الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر: " أينقص إذا جفّ؟ " يعني الرطب ، قالوا : " نعم" . فنهى عن ذلك. أما في هذا الحديث فسيُخبر الصحابة عن أمر لا يعلمونه ، أو لا يعلمون مراد النبي صلى الله عليه وسلم به ، قال : أتدرون من المفلس؟ قالوا يا رسول الله ، المفلس فينا من لا درهم عنده ولا متاع ، يعني: ليس عنده نقود ، ولا عنده متاع ، أي : أعيان من المال ، أي أن المفلس يعني الفقير. وهذا هو المعروف من المفلس بين الناس ، فإذا قالوا : من المفلس؟ يعني الذي ليس عنده نقود ، ولا عنده متاع ، بل هو فقير. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة" ، وفي رواية: " من يأتي بحسنات مثل الجبال" ، أي يأتي بحسنات عظيمة ، فهو عنده ثروة من الحسنات ، لكنه يأتي وقد شتم هذا ، وضرب هذا ، وأخذ مال هذا ، وسفك دم هذا ، أي اعتدى على الناس بأنواع الاعتداء ، والناس يريدون أخذ حقهم ، ما لا يأخذونه في الدنيا يأخذونه في الآخرة ، فيقتص لهم منه ؛ فيأخذ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، وهذا من حسناته بالعدل والقصاص بالحق ، فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ، ثم طرح في النار ، والعياذ بالله. تنقضي حسناته ، ثواب الصلاة ينتهي ، وثواب الزكاة ينتهي ، وثواب الصيام ينتهي ، كل ما عنده من حسنات ينتهي ، فيؤخذ من سيئاتهم ويطرح عليه ، ثم يطرح في النار ، العياذ بالله. وصدق النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذا هو المفلس حقاً ، أما مفلس الدنيا فإن الدنيا تأتي وتذهب ، ربما يكون الإنسان فقيراً فيمسي غنياً ، أو بالعكس ، لكن الإفلاس كل الإفلاس: أن يفلس الإنسان من حسناته التي تعب عليها ، وكانت أمامه يوم القيامة يشاهدها ، ثم تؤخذ منه لفلان وفلان. وفي هذا تحذير من العدوان على الخلق ، وأنه يجب على الإنسان أن يؤدي ما للناس في حياته قبل مماته ، حتى يكون القصاص في الدنيا مما يستطيع، أما في الآخرة فليس هناك درهم ولا دينارٌ حتي يفدي نفسه ، ليس فيه إلا الحسنات ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " فيأخذ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم ثم طرح عليه وطرح في النار". ولكن هذا الحديث لا يعني أنه يخلد في النار ، بل يعذب بقدر ما حصل عليه من سيئات الغير التي طرحت عليه ، ثم بعد ذلك مآله إلى الجنة ؛ لأن المؤمن لا يخلد في النار ، ولكن النار حرها شديد، لا يصبر الإنسان على النار ولو للحظة واحدة ، هذا على نار الدنيا ، فضلاً عن نار الآخرة ، أجار الله وإياكم منها" ، انتهى .   الاسلام سؤال وجواب  
    • تفسير الشيخ الشعراوي سورة ص ٤١-٤٤   (وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ )٤١-ص قوله تعالى { وَٱذْكُرْ .. } [ص: 41] أي: بالحمد والثناء { عَبْدَنَآ أَيُّوبَ .. } [ص: 41] الوصف بالعبودية هنا شرف، لأنه دلَّ على إعزاز الربوبية لمرتبة العبودية، وقلنا: إن العبودية كلمة ممقوتة عند البشر، لأن العبودية للبشر إهانة وتسخير، يأخذ فيها السيد خير عبده وثمرة حركته في الحياة، أما العبودية لله تعالى فوَصْفٌ محبوب، وكلمة محمودة، لأن العبد فيها يأخذ خير سيده.
      لذلك لما امتنَّ الله تعالى على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حادثة الإسراء والمعراج جعل حيثية ذلك العبودية له سبحانه، فقال: { { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ .. } [الإسراء: 1] فلما ضاقتْ به حفاوة الأرض في الطائف أراد ربه أنْ يُريَهُ حفاوة السماء به، فالصفة التي رفعتْ محمداً إلى هذه المنزلة هي صفة إخلاصه في العبودية لربه.
      ومعنى { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } [ص: 41] المسُّ: هو الالتقاء الهيِّن الخفيف، يعني هو دون اللمس، قالوا: لأنه مرض مرضاً شديداً أثَّر في إهابه، فكان الشيطان يحوم حوله بخواطر السوء يقول له: كيف يفعل الله بك هذا وأنت رسول، كيف يتركك هكذا دون أنْ يشفيك.
        وهكذا اجتمع على سيدنا أيوب ألم الجلد وعذابه الجسدي، وهواجس الشيطان في خواطره النفسية، لذلك قال: { بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } [ص: 41] ونُصْب بالضم مثل نَصَب بالفتح والنَّصَّب التعب، فهي مثل بُخْل وبَخَل، الاثنان بمعنى واحد.
      وقالوا في مسِّ الشيطان: إن الفعل على الحقيقة لله تعالى، فالله هو الذي يفعل، والشيطان بوسوسته سبب، والله تعالى هو المسبِّب، فمَسُّ الشيطان يعني وسوسته التي شغلتْ خاطر سيدنا أيوب، فكأن الحق سبحانه أراد من أيوب أنْ يتنبه إلى أن هذه الوسوسة ما كان يصح أنْ تمرَّ بخاطره.
        وسيدنا أيوب لما اجتمع عليه المرض ووسوسة الشيطان ضَعُفَ فتوجَّه إلى ربه يدعوه أنْ يقطعَ عن نفسه وسوسة الشيطان؛ لأنها تحتاج إلى مدافعة، والمدافعة تحتاج إلى قوة، والقوة عنده مرهونة بالمرض، ولذلك دعا الله حتى لا يزدادَ ضعفه بوسوسة الشيطان، فلما دعا الله أجابه:
      (ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ )٤٢-ص   فكأن الحق سبحانه يقول له: أنا لا أبتليك كراهةً فيك، ولا مشقَّةً عليك، إنما أريد أنْ أسمع منك أنك تكره مَنْ يجيل لك بخاطرك شيئاً يبعدك عني، { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ .. } [ص: 42] يعني: المسألة عندي سهلة يسيرة كما تقول: يا فلان الأمر هيِّن فهو تحت رجْلَيْك.
      والركْض هو القذف بشدة وسرعة، تقول: ركضتُ الفرسَ. يعني: غمزتُه برجلي هكذا من تحت ليسرع، ثم يتجاوز السياق مسألة الركض إلى النتيجة مباشرة { هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } [ص: 42] ولم يقل: فركض فخرج الماء كذا وكذا، إنما انطوى هذا كله، واكتفى بالأمر (ارْكُضْ).
        والمعنى: أن في هذا الماء مغتسلاً لك وشراباً، لأن المرض الذي أصاب سيدنا أيوب يبدو أنه كان مرضاً جلدياً يترك على بشرته بُثوراً تشوِّه جلده. والآن نرى الأطباء الذين يعالجون الأمراض الجلدية يعالجونها بالمراهم الظاهرية التي تعالج ظاهر المرض، لكن لا تتغلغل إلى علاج سبب المرض الداخلي.
      فكان من رحمة الله بسيدنا أيوب أنْ جعل شفاءه الظاهري والباطني في ركضة واحدة تخرج الماء، فيغتسل منه مُغتسلاً بارداً، يشفي ظاهر مرضه وشراب يشفي أسباب المرض في داخل جسمه.
      ثم يتحدث الحق سبحانه عن بعض نعمه على نبيه أيوب:
      (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ )٤٣-ص   قوله تعالى: { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ .. } [ص: 43] يبدو أن بعض أهله بعدوا عنه لما أصابه المرض، فلما شفاه الله وعاد إلى حال السلامة عادوا إليه { وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ .. } [ص: 43] يعني: وهبنا له مثل أهله أي: من الذرية والأتباع { رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [ص: 43] الذكرى هي الخاطر الذي يمرُّ بك ليصرفك إلى متعلق الذِّكْرى؛ لأنك بصدد ما يبعدك عن سبب الذكرى.
        ومضمون الذكرى هنا أنه لما صبر جاءه الفرج من الله، فعاد جسمه مُعَافاً سليماً بعد أنْ برئ من المرض ومن أسبابه، ثم عاد إليه أهله بزيادة مثلهم عليهم رفقاً بعواطفه. وهذا هو المراد بالرحمة في قوله { رَحْمَةً مِّنَّا .. } [ص: 43]، فهذه عطاءات متعددة جاءت ثمرة ونتيجة لصبره عليه السلام ورضائه بما قضى الله به.
        إذن الذكرى التي نذكرها في هذه القصة أن الإنسان حين ينزل به الكرب يلجأ إلى الله، ويفزع إليه في كربه { { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ .. } [النمل: 62].
      والله يحب من عبده هذا اللجوء لذلك يبتليه، وقد ورد أن الملائكة تقول: يا ربّ عبدُكَ ضَجَّ من الدعاء لك، ولم تُجِبْه، فقال سبحانه: إن من عبادي مَنْ أحب دعاءهم، فأنا أبتليهم لأسمع أصواتهم.     (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )٤٤-ص الضغث: حزمة الحشيش أو حزمة من شماريخ البلح، وقوله: { وَلاَ تَحْنَثْ .. } [ص: 44] دلَّ على أن المسألة كان فيها يمين يريد الله تعالى لأيوب ألاَّ يحنث فيه، وهذه الآية تلفتنا إلى قصة بيَّنتها السنة، قالوا: إن الشيطان ذهب إلى إحدى زوجات سيدنا أيوب، وقال لها: اطلبي من أيوب أنْ يلجأ إليَّ وأنا أشفيه حالاً، بشرط أنْ يقول: إن الذي شفاني الشيطان، ولأنها كانت مُسْتشرفة لأنْ يبرأ قالت له: والله جاءني خاطر قال لي كذا وكذا، قال: إنه الشيطان استمعت إليه وتريدين أنْ أطيعه، والله الذي لا إله إلا هو لأجلدنك مائة. هذا هو اليمين الذي أراد الله لأيوب ألاَّ يحنث فيه، فقال له: { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ .. } [ص: 44].
        والنبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل هذا حينما جاءه الرجل الأَحْبَن، أحبن من (حَ بَ نَ) يعني: كبير البطن، أو في بطنه استسقاء، وقد زنى بامرأة هزيلة مريضة، فلما اعترف بجريمته خاف عليه الرسول أنْ يموتَ لو أقام عليه الحد، فأمر بأنْ يُضْربَ بحزمة من الحشيش، أو مائة عود من شماريخ النخل يُضرب بها مرة واحدة.
        ومعنى { فَٱضْرِب بِّهِ .. } [ص: 44] أي: من آليت على نفسك أنْ تجلده { وَلاَ تَحْنَثْ .. } [ص: 44] أي: في يمينك { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً .. } [ص: 44] فكأن هذا التيسير جزاءٌ له على صبره وعلى رجوعه إلى ربه، فجعل الله له شيئاً يُرضيه بأنْ خفَّفَ عنه حتى الألم الذي يورثه في الغير، لأنه أقسم أنْ يجلد، فكان ينبغي عليه أنْ يُجلد على الحقيقة حتى لا يحنث، لكن خفَّفَ الله عليه حتى لا يؤلمه في أهله.   التفاسير العظيمة  
    • تفسير الشيخ الشعراوي سورة ص ٢٣_٢٦ (إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ )٢٣-ص نلاحظ في كلمة (أخي) لَوْناً من التحنين، فمع وجود الخصومة لكن هو أخي كما في قوله تعالى: { { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } [الشعراء: 106] وفي أعنف ألوان العداوة، وهي الثأر يقول سبحانه: { { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } [البقرة: 178] يريد أنْ يُحنِّن قلب وليِّ الدم على القاتل.
        القضية: { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ .. } [ص: 23] كلمة نعجة تطلق في اللغة ثلاثة إطلاقات: أنثى الضأن، أو الشاة الجبلية، أو البقرة الوحشية { فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا } [ص: 23] يعني: اجعلها لي أكفلها أنا فعندي غنم كثيرة، فاجعلها ترعى مع غنمي، فيكفينا راعٍ واحدٌ بدل أنْ تكلف نفسك راعياً لها، والمعنى أن كفالتها سهلة عليَّ لا تكلفني شيئاً.
        { وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } [ص: 23] يعني: غلبني بالحجة والجدال، ومعلوم أن القاضي يحكم بالحجة والبرهان، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ، فلعلَّ أحدكم أن يكون ألحنَ بحجته فأقضي له، فمَنْ قضيتُ له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أُقطع له قطعةً من النار" .
        فالمعنى أن أخي غلبني بحديثه وتمكُّنه من حجته، وأنا أشعر بالظلم ونفسي غير راضية؛ لذلك جئتُكَ أرفع أمري إليك لتحكم فيه، وهكذا سمع داود - عليه السلام - دَعْوى الأول ولم يسمع الطرف الآخر، وهذه زلة من زلات القاضي.
      لذلك قال أهل المعرفة في هذه المسألة: إذا جاءك صاحب دَعْوى وقد فُقِئت عينه فلا تحكم له حتى تسمعَ من الآخر، فلعله قد فُقِئت عيناه. لقد بادر سيدنا داود بالحكم
        (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ )٢٤ (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ )٢٥-ص قوله: { لَقَدْ ظَلَمَكَ } [ص: 24] نسب واحداً إلى الظلم { بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ } [ص: 24] أدخل شيئاً في حيثية الحكم وليس من حيثية الحكم، فهل لو لم يكُنْ له تسع وتسعون نعجة، أكان يحِلُّ له أنْ يقول لأخيه: اعطني نعجتك؟
        إذن: هذه المسألة لا دخلَ لها في القضية لأنه ظالم، وإنْ لم يكن له تسعة وتسعون. إذن: سيدنا داود أولاً حكم قبل أنْ يسمع من الطرف الآخر، ثم أدخل في حيثية الحكم ما ليس له دَخْل فيه، وهو قوله: { إِلَىٰ نِعَاجِهِ } [ص: 24] فربما هم حاقدون عليه أن يكون عنده تسع وتسعون.
        وقوله تعالى: { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ } [ص: 24] أي: الشركاء { لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ص: 24] المعنى: أن هذه القضية ليستْ قضية فذَّة ولا مفردة، إنما هي ظاهرة كثيرة الحدوث بين الشركاء، فكثيراً ما يبغي شريكٌ على شريكه ويظلمه مع أنهم ما تشاركوا إلا لمحبة بينهما واتفاق وتفاهم، لكن هذا كله لا يمنع ميل الإنسان إلى أنْ يظلم، وما أشبه هؤلاء بالمقامِرين تراهم في الظاهر أحبَّة وأصدقاء، في حين أن كلاً منهم حريص على أخْذ ما في جيب الآخر.
      ثم يلفتنا الحق سبحانه إلى أن هذه المسألة ليستْ على إطلاقها، إنما هناك نوع آخر من الشركاء لا يظلم، فمَنْ هم؟ هم الذين استثناهم الله بقوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ص: 24] لكنهم قليلون { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } [ص: 24] أي: أقلّ من القليل أو قليل جداً.
        والنبي صلى الله عليه وسلم يحكي عن ربه عز وجل في الحديث القدسي: "أنَا ثالث الشريكين ما لم يخُنْ أحدهما صاحبه، فإنْ خان خرجتُ من بينهما" .
      يعني: إنْ تسَرَّب الظلم والخيانة إلى الشركة خرج الله تعالى منها، فمُحِقَتْ بركتها، وحَلَّ بها الخراب والخسران.
        ثم يقول تعالى مبيناً حال سيدنا داود بعد أنْ مَرَّ بهذه القضية: { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ } [ص: 24] يعني: اختبرناه وابتليناه، وظن هنا بمعنى علم وأيقن، وكأن الحق سبحانه يُعلِّم داود علم القضاء وأصوله فامتحنه بهذه المسألة، فكانت بالنسبة له (مطب) في أمور ثلاثة: الأول: أنه خاف وفزع وهو في حضرة ربه من خَلْق مثله يقبلون عليه، وظن أنهم سيقتلونه. الثاني: أنه حكم للأول قبل أنْ يسمع من الآخر. الثالث: أنه أدخل في حكمه حيثية لا دخلَ لها في المسألة.
      وكلمة { فَتَنَّاهُ } [ص: 24] أي: اختبرناه من قولهم: فتن الذهب على النار ليُخلِّصه من العناصر الخبيثة فيه.
      فلما علم سيدنا داود بذلك لم يتأَبَّ، إنما استغفر ربه من كل ذلك { فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ .. } [ص: 24] أي: سقط على الأرض سقوطاً لا إرادياً، والسقوط هنا يناسب السجود لا الركوع؛ لذلك قال تعالى: { { يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } [الإسراء: 107] فكلمة خر أعطتنا المعنيين يعني: خرَّ ساجداً حالة كونه راكعاً قبل أنْ يسجد ومعنى { وَأَنَابَ } [ص: 24] رجع إلى الله بالتوبة.
      ثم تأتي النتيجة: { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ } [ص: 25] أي: ما كان منه { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ } [ص: 25] قُرْبَى ومنزلة، ويكفي أنْ تُسبِّح معه الجبال، ويُردِّد معه الطير { وَحُسْنَ مَـآبٍ } [ص: 25] حُسْن مرجع ومردّ.       (يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ )٢٦-ص كلمة { خَلِيفَةً } [ص: 26] هنا إما خليفة لله في الأرض خلافة عامة لأن الإنسان كله خليفة لكنه عليه السلام عمدة على الخليفة، أو خليفة الأنبياء في حَمْل رسالاتهم إلى الناس، وما دام هو مستخلفاً فهو موظف إنْ أحسنَ الوظيفة دامتْ له، وإنْ لم يحسن نُزِعَتْ منه.
      فآفة الإنسان أنه إذا ما استجابتْ له الأشياء وطاوعتْه الأسباب يظن أنه صار أصيلاً في الكون، ونسي أنه مُسْتخلف غيرِ أصيل، إنما لو ظَلَّ على ذِكْرِ لخلافته في الأرض، وأنه من الممكن أنْ يُعزِلَ عن الخلافة في أيِّ وقت لظلَّ مؤدباً مع ربه الذي استخلفه: { { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [العلق: 6-7].
        وقوله تعالى { فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ } [ص: 26] يعني: ما دُمْتَ خليفة لله في الأرض تعمرها بالأحكام وتقيم فيها الحق { فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ } [ص: 26] وهذه نصيحة غالية لكل مَنْ يحكم بين الناس، فالحق أمامك نبراس يهديك، فضعْهُ في موضعه أياً كان، ولا تتبع هواك لأن الرأي يُفسِده الهوى.
        لذلك وقف بعض المفكرين أمام قول الله تعالى عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: { { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } [النجم: 3-4].
      قالوا: ما دام هو وَحْي يُوحَى، فلماذا يُعدِّل الله له كما في قوله سبحانه: { { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ .. } [التوبة: 43].
      وقوله تعالى: { { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } [التحريم: 1].
      وقوله تعالى: { { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } [عبس: 1-2].
        قالوا: إن الحق سبحانه لا يعدل لرسوله، إنما يخبر أنه لا هوى له يجعله يميل عند الحكم، فهو صلى الله عليه وسلم يدخل على المسألة بدون هوى، سواء أكان الأمر من عند الله أو من المفوَّض له أنْ يشرع فيه.
      والحق سبحانه حينما أراد أنْ يحدد مهمة رسوله صلى الله عليه وسلم حدَّد مهمة كتابه بأنه كتاب مُعجز، ويحمل أصول المنهج لا فروعه، وأنه مهيمن على غيره من الكتب السابقة، لأن الكتب السابقة عليه أثبتَ الله أنها بُدِّلَتْ وحُرِّفت، فلم يأمن عليها المؤمنين بها كما قال سبحانه: { { بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ .. } [المائدة: 44].
      ومعنى استحفظوا: طُلب منهم حفظه وحفظ منهجه، فحِفْظ الكتاب المنزَّل كان تكليفاً والتكليف عُرْضة أَنْ يُطاع وأنْ يُعصَى، وهؤلاء عَصَوْا وبدَّلوا وحرَّفوا، كما قال الله { { وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } [المائدة: 13] والذين لم ينسوا حرَّفوا { { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } [المائدة: 13] ومنهم مَنْ جاء بكلام من عند نفسه، وأدخله في كلام الله { { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللًّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [آل عمران: 78].
      إذن: مثل هؤلاء لا يُؤتَمنون على حفظ كتاب الله، وقد ثبت ذلك بهذه التجربة، لذلك لم يجعل الحق سبحانه حِفْظ القرآن إلى المؤمنين به، إنما تكفَّل سبحانه بحفظ القرآن، فقال سبحانه: { { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9].
      ولأن الحق سبحانه جعل لنبيه محمد هذه المنزلة أراد أنْ يُبينها، فقال: "مَثَلي ومَثَل الأنبياء من قَبْلي كَمَثَل رجل بنى بيتاً فحسَّنه وأجمله، إلا موضعَ لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هَلاَّ وُضِعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين" .
        والحق سبحانه يُبيِّن منزلة رسوله في إكمال الأديان، فيقول { { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي .. } [المائدة: 3] ليس هذا فحسب، إنما يعطيه مهمة أخرى، هي صيانة هذه الأديان به وبالعلماء الذين يخلفون مَنْ بعده، لذلك قال سبحانه: { { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً .. } [البقرة: 143].
      فالرسول يشهد أنه بلغنا، وعلينا نحن أنْ نمد رسالة رسول الله، فنشهد أننا بلغنا الناس من بعده. لذلك يحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من طائفة تأتي ممَّن لا يؤمنون بسنته يقولون: علينا بكتاب الله فما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه.
        وحين تتتبع لفظ الطاعة في القرآن تجد أنه أتى على صور متعددة.
      فمرة يقول: { { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } [التغابن: 12] بتكرار الأمر بالطاعة.
      ومرة يقول: { { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } [آل عمران: 132] بدون تكرار لفعل الأمر.
      ومرة يقول: { { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [الأنفال: 20].
      فتكرار الأمر بالطاعة مرة لله ومرة لرسول الله حين يكون لله أمر في القضية الإجمالية مثل الصلاة مثلاً، ولرسول الله أمر في تفصيل كيفية الصلاة. فإنْ توارد أمر رسول الله مع أمر الله جاء الأمر واحداً بدون تكرار، فإنْ كان الأمر خاصاً برسول الله، ولم يردْ فيه من الله شيء قال: أطيعوا الرسول.
        لذلك تلاحظ العظمة في الأداء في قوله تعالى: { { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء: 59] ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر، لماذا؟ ليلفتنا إلى أن طاعة أُولي الأمر من باطن طاعة الله، وطاعة رسول الله يعني ليس لهم طاعة خاصة بهم؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
        وقوله تعالى { فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ } [ص: 26]
      أي: حكماً عاماً للناس جميعاً ليس خاصاً بك، وهنا لا بُدَّ أنْ نذكر قوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: { { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } [النساء: 105].
      ولهذه الآية قصة، فقد نزلت في كل من زيد بن السمين، وكان رجلاً أميناً مع أنه يهودي، وفي قتادة بن النعمان وطعمة بن أبيرق، فقد كان لقتادة دِرْع سرقه ابن أبيرق واتهِم فيه اليهودي ابن السمين، وبعد استقصاء الأمر وجدوا الدرع عند ابن أبيرق المسلم وظهرت براءة اليهودي.
      وهنا أسرع الناس إلى رسول الله حتى لا يحكم على المسلم، فتكون سبة في حق المسلمين أمام اليهود، فتردَّد رسولُ الله في المسألة، فأنزل الله عليه: { { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } [النساء: 105] أي: الناس جميعاً اليهود والنصارى والمسلمين وفعلاً حكم رسول الله على المسلم وبرَّأ ساحة اليهودي ولم يُبَال أحد لا رسولُ الله ولا المسلمون بأنْ ينتصر اليهودي على المسلم؛ لأن الحق أعزُّ من هذا ومن ذاك.
      وحين رأى اليهودُ رسولَ الله يحكم لليهودي ويدين المسلم أقبلوا على الإسلام، وأسلم منهم كثيرون على رأسهم (مخيريق) الذي أعلن إسلامه، ووهب كل ماله لرسول الله، ثم خرج للغزو لما أعجله النفير قبل أن يصلي لله ركعة واحدة، وقُتِل (مخيريق) في هذه الغزو شهيداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه: "نِعْمَ مُخيريق، دخل الجنة ولم يُصَلِّ لله ركعة" .
      هذا معنى { فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ .. } [ص: 26].
        ومعنى { خَلِيفَةً .. } [ص: 26] أن الله استخلفنا جميعاً في الأرض، وجعل للمستخلفين خليفة يدبر أمرهم ويحكم بينهم فيما اختلفوا فيه بمنهج من استخلف الكُلَّ. أو خليفة للرسل الذين سبقوه يُنبه إلى ما انطمس من مواكب الحق في الخَلْق، والحكومة بين الناس لا تكون إلا عن اختلاف بينهم؛ لأنهم لو لم يختلفوا ما تحاكموا، وما لم يختلف فيه الناس فلا دَخْلَ للحاكم فيه إلا أنْ يكونوا قد اختلفوا مع الحق الأعلى، فعندها لا بُدَّ أنْ يتدخَّل.
      وكلمة { بِٱلْحَقِّ .. } [ص: 26] الحق يعني: الشيء الثابت الذي لا يتغير، وهذا لله تعالى، أما الإنسان فأموره تتغير ولا تستقر على حال، ونحن منها أغيار، لكن الحكم الذي يحكم حركة الإنسان ما دام من الله فهو ثابت لا يتغير، وما دام الله تعالى قد أتمَّ النعمة وأكمل الدين ورضي الإسلام، فلا استدراك لأحد عليه في شيء من الأشياء؛ لأن الاستدراك طَعْنٌ في استقصاء الله لحكمة الحكم.
        والحق يقابله الباطل، وقد يعلو الباطل في بعض الأحيان، لكن يظل الحق هو الحق حتى يعلوَ في نهاية المطاف. والحق سبحانه يترك الباطلَ يعلو في بعض الأحيان لحكمة، هي أن يعضَّ الباطلُ الناسَ، ويكويهم بناره لتظهر لهم حلاوة الحق، فإذا لَذَعهم مُرُّ الباطل فزعوا هم إلى طلب الحق.
      إذن: فإنْ عَلاَ الباطل فالحق أعْلَى، وقد ضرب لنا الحق سبحانه مثلاً يوضح هذه المسألة، فقال سبحانه: { { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } [الرعد: 17].
      إذن: فالحق ثابت، وبهذا الثبات نفهم أن المناهج الإلهية ما جاءت لتجعل كلمة الله هي العليا، إنما جاءت لتجعلَ كلمة الذين كفروا السفلى، وهذا المعنى واضح في قوله تعالى: { { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا .. } [التوبة: 40] فلم يعطف الثانية على الأولى، ولم يقل: وكلمة الله هي العليا. لأن كلمة الله ليستْ جعلاً، وإنما هي شيء ثابت، وهي حَقٌّ أزلاً.
        ثم يقول سبحانه مخاطباً سيدنا داود: { وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ .. } [ص: 26] الهوى: مَيْلُ النفس إلى شيء تهواه بغَضِّ النظر عن منهج يحكمه، والهوى يختلف باختلاف الناس، حتى الأصدقاء الحميمون المتلازمون في المأكل والمشرب والميول إذا ذهبوا لشراء شيء اشتروا أشياء مختلفة وألواناً متباينة.
      نعم، هناك جامعة تجمعهم هي الصداقة، لكن الأهواء مختلفة، فإذا كان هواي يخالف هواك، فلا بُدَّ أنْ نرجع إلى شيء لا نختلف فيه، فإنْ كان هذا الشيء الذي لا نختلف فيه من أعلى مِنّا فلا غضاضة، الغضاضة تأتي حين تخضع لمن يساويك وتحكّمه، وتنتهي إلى رأيه.
      لذلك الحق سبحانه يحكم هذه المسألة بقوله تعالى: { { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ .. } [المؤمنون: 71].
        ونحن نفهم أن اختلاف الأهواء يفسد الحياة على الأرض، لكن كيف يفسد السماء؟ ولماذا بدأ بفساد السماوات قبل الأرض؟
      قالوا: نعم، لأن الفساد سيتعدَّى فسادَ الأرض، ويفسد أيضاً السماء، بمعنى أنه سيفسد حكم الله المنزَّل من السماء، وما دام سيفسد حكم الله المنزَّل من السماء وهو الحق، وهذا الفساد سابق لفساد ما على الأرض.
      لذلك لم يقولوا: { { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً .. } [الإسراء: 92] هذا هوى، ولو أجابهم الله فيما طلبوا لفَسدتْ فعلاً السماوات والأرض، فمن رحمة الله بالخَلْق أنْ عَصَم أهواءهم في المناهج النظرية التي تحكم الناس فيما يختلفون فيه، أما الشيء الذي لا يُختلف فيه فتركه لكم تربعون فيه كما تشاءون.
      فإنْ قلتَ: فلماذا ترك لهم الأمور التي لا اختلاف فيها؟ نقول: لأنهم سينتهون فيها إلى حَقٍّ واحد مجْمع عليه، وهذا ما نراه مثلاً في العلوم المادية التجريبية، فهي مجال مفتوح للجميع، الروس مثل الأمريكان، بل نراهم يجعلون على هذه العلوم حواجز حديدية حتى لا تصل إلى غيرهم، والبعض يتلصَّص ويسرق ما وصل إليه الآخرون.
      إذن: فالشيء الذي سنتفق فيه لا تتدخَّل فيه السماء، وهذه المسألة حكمها سيدنا رسول الله، وأعطانا مثالاً في نفسه صلى الله عليه وسلم في مسألة تأبير النخل، فلما اقترح عليهم عدم تأبير النخل فسد في هذا العام ولم يثمر، فقال صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بشئون دنياكم" .
      لماذا؟ لأنكم ستصلون بالتجربة إلى شيء واحد، تتفقون عليه وتسرقونه من الآخرين، أما في الأهواء فهي مختلفة من واحد لآخر، ويحصل منها الصدام بارداً كان أو حاراً.
        ثم يُبيِّن الحقُّ سبحانه العِلَّة من النهي عن اتباع الهوى، فيقول: { فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ .. } [ص: 26] يعني: لا تتبع الهوى، لأن اتباع الهوى يُضلّك عن سبيل الله، وقد أوضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذه المسألة حين خَطَّ للصحابة خطاً مستقيماً، وخَطَّ حوله خطوطاً متعددة، ثم تلا: { { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ .. } [الأنعام: 153].
      وتفرُّق السُّبُل ينشأ من الاختلاف مهما كان يسيراً، (فالمللي) الواحد يُفرِّق السبل، ولو رسمتَ خطَّيْن من مركز واحد ومال أحدهما عن الآخر (مللي) واحد لنتج عن ذلك تباعدهما بالتدريج كلما بَعُدَا عن المركز، أرأيتَ مثلاً المحولجي الذي يقوم بتحويل مسار القطار ماذا يفعل؟ إنه يحرك طرف القضيب الذي لا يتجاوز سمكه خمسة (مللي) متر، فينتج عن هذه الحركة تحويل مسار القطار من الإسكندرية إلى أسوان.
      وهكذا تتفرق السبل، وينشأ عن الاختلاف اليسير اختلاف عظيم، فالتباعد الهيِّن البسيط عند المركز ينتج عنه تباعد واسع كلما طالت المسافة، وكما يكون التفرُّق في السُّبُل المتعددة يكون التفرق كذلك في الطريق الواحد حين يكون واسعاً يسمح بالتفرق.
      فمثلاً الطريق الصحراوي إلى الإسكندرية طريق واسع من اتجاهين، ويمكنك أنْ تسير في أحدهما بطريقة ملتوية تميل مرة إلى اليمين ومرة إلى اليسار، فينشأ عن ذلك طول الطريق؛ لذلك قالوا سواء السبيل يعني: أن تجعل الجانبين على سواء.
        ثم يوضح الحق سبحانه عاقبة الضلال والانحراف عن جادة الطريق، فيقول: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ } [ص: 26].
      إذن: فالغفلة عن هذا اليوم ونسيان العاقبة هو سبب الوقوع في العذاب الشديد، فلو ذكر الإنسانُ الجزاءَ على السيئة ما فعلها، ولو ذكر ثوابَ الحسنة مَا غفل عنها، ولا تكاسل عن أدائها.   التفاسير العظيمة  
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182102
    • إجمالي المشاركات
      2535354
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93175
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    chaima12
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×