اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57523
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180566
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8265
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53019
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40675
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  11. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33884
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  12. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32200
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13114
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  13. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  14. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37435 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  15. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • اتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَخُذُوا مِنْ حَرِّ الدُّنْيَا عِبْرَةً لِحَرِّ الْآخِرَةِ فِي الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ، وَأَعْظَمُ مِنْهُ حَرُّ نَارِ السَّعِيرِ، وَارْجُوا مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- أَنْ تَكُونُوا مِنَ الْقَائِلِينَ فِي الْآخِرَةِ: (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطُّورِ: 26 - 28].   أَيُّهَا النَّاسُ: فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ذِكْرٌ لِعَذَابِ أَهْلِ النَّارِ مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا؛ لِتُحَاصِرَ الْمُؤْمِنَ الْمَوَاعِظُ فَيَتَذَكَّرَ فِي كُلِّ حِينٍ، وَإِذَا غَفَلَ قَرَأَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَنَبَّهَهُ إِلَى مَا يَسْتَقْبِلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعَمِلَ لَهُ، حَتَّى يُوَافِيَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.   وَفِي هَذِهِ الْأَيَّامِ حَرٌّ شَدِيدٌ، وَعَطَشٌ شَدِيدٌ، وَشَمْسٌ حَارِقَةٌ، يَتَأَذَّى مِنْ حَرَارَتِهَا وَشِدَّتِهَا مَنْ يَتَعَرَّضُ لَهَا. وَلَا يَضِيعُ لِلْمُؤْمِنِ أَجْرُ هَذَا الْأَذَى، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ خُرُوجُهُ وَتَعَرُّضُهُ لِلشَّمْسِ فِي طَاعَةٍ؛ كَالْمَشْيِ لِلْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَأَدَاءِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ وَالِدَيْهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَعَمَلِهِ الَّذِي يُعِفُّهُ وَيُغْنِيهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ" (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).   وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ -وَهُوَ يُعَالِجُ شِدَّةَ الْحَرِّ- أَنْ يَتَذَكَّرَ نِعَمَ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَيْهِ بِالثِّمَارِ الْيَانِعَةِ الَّتِي يُنْضِجُهَا الْحَرُّ فَيَتَنَعَّمُ بِهَا فِي صَيْفِهِ، وَتُخَفِّفُ عَنْهُ لَهِيبَ حَرِّهِ. وَأَهْلُ النَّارِ لَا يَجِدُونَ إِلَّا طَعَامًا مِنْ نَارٍ، وَشَرَابًا مِنْ نَارٍ، وَلِبَاسًا مِنْ نَارٍ.   وَفِي طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ يَجِبُ أَنْ يَرْهَبَ مِنْهَا قَارِئُ الْقُرْآنِ، وَيَسْتَجِيرَ بِاللَّهِ -تَعَالَى- مِنَ النَّارِ.   وَمِنْ أَشْهَرِ أَطْعِمَةِ أَهْلِ النَّارِ -أَجَارَنَا اللَّهُ -تَعَالَى- مِنْهَا وَوَالِدِينَا وَالْمُسْلِمِينَ- الزَّقُّومُ، وَهُوَ طَعَامٌ خَبِيثٌ مُنْتِنٌ كَرِيهٌ يَغْلِي نَارًا فَيَحْرِقُ جَوْفَ آكِلِهِ وَأَمْعَاءَهُ، وَهُوَ ثَمَرَةُ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ فِي النَّارِ فَتَصْلَى بِهَا لِتَكُونَ طَعَامًا لِأَهْلِهَا (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) [الدُّخَانِ: 43 - 46]. وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ -تَعَالَى- مَا أَعَدَّ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ لَذِيذِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ قَالَ –سُبْحَانَهُ-: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) [الصَّافَّاتِ: 62 - 68]. وَفِي مَقَامٍ ثَالِثٍ قَالَ سُبْحَانَهُ: (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) [الْوَاقِعَةِ: 51 - 56]. قَالَ قَتَادَةُ: "ذُكِرَتْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، فَافْتَتَنَ بِهَا أَهْلُ الضَّلَالَةِ، وَقَالُوا: صَاحِبُكُمْ يُنْبِئُكُمْ أَنَّ فِي النَّارِ شَجَرَةً، وَالنَّارُ تَأْكُلُ الشَّجَرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) غُذِّيَتْ مِنَ النَّارِ، وَمِنْهَا خُلِقَتْ".   وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَمَّا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَجَرَةَ الزَّقُّومِ تَخْوِيفًا لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ تَدْرُونَ مَا شَجَرَةُ الزَّقُّومِ الَّتِي يُخَوِّفُكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: عَجْوَةُ يَثْرِبَ بِالزُّبْدِ، وَاللَّهِ لَئِنِ اسْتَمْكَنَّا مِنْهَا لَنَتَزَقَّمَنَّهَا تَزَقُّمًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ)، وَأَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) الْآيَةَ.   وَمَعْنَى الْآيَةِ: إِنَّمَا أَخْبَرْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ اخْتِبَارًا تَخْتَبِرُ بِهِ النَّاسَ، مَنْ يُصَدِّقُ مِنْهُمْ مِمَّنْ يُكَذِّبُ؛ كَقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) [الْإِسْرَاءِ:60].   وَيَكْشِفُ بَشَاعَةَ الزَّقُّومِ وَخُبْثَهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي الْأَرْضِ، لَأَمَرَّتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعِيشَتَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ طَعَامُهُ، وَلَيْسَ لَهُ طَعَامٌ غَيْرُهُ؟!" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ).   وَمِنْ طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ: الْغِسْلِينُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ) [الْحَاقَّةِ: 35 - 37]. وَهُوَ صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الْحَرَارَةِ، وَنَتَنِ الرِّيحِ، وَقُبْحِ الطَّعْمِ وَمَرَارَتِهِ، لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ الذَّمِيمَ إِلَّا الْخَاطِئُونَ الَّذِينَ أَخْطَأُوا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَسَلَكُوا سُبُلَ الْجَحِيمِ؛ فَلِذَلِكَ اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ.   وَمِنْ طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ: مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- بِقَوْلِهِ: (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا * إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا) [الْمُزَّمِّلِ: 11-13]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "يَنْشَبُ فِي الْحَلْقِ فَلَا يَدْخُلُ وَلَا يَخْرُجُ".   وَمِنْ طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ: الضَّرِيعِ (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) [الْغَاشِيَةِ: 6- 7]، أَيْ: يُطْعَمُونَ طَعَامَ إِيلَامٍ وَتَعْذِيبٍ لَا نَفْعَ فِيهِ لَهُمْ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ أَلَمًا، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الطَّعَامِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَسُدَّ جُوعَ صَاحِبِهِ وَيُزِيلَ عَنْهُ أَلَمَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَسْمَنَ بَدَنُهُ مِنَ الْهُزَالِ، وَهَذَا الطَّعَامُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، بَلْ هُوَ طَعَامٌ فِي غَايَةِ الْمَرَارَةِ وَالنَّتَنِ وَالْخِسَّةِ. نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.   وَالْمُعَذَّبُونَ طَبَقَاتٌ: فَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الزَّقُّومِ، وَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الْغِلْسِينِ، وَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الضَّرِيعِ.   نَعُوذُ بِاللَّهِ -تَعَالَى- مِنَ النَّارِ وَمِمَّا فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ، وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ النَّجَاةَ مِنْهَا، اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) [الْفُرْقَانِ: 65- 66].   وَأَهْلُ النَّارِ يَطْلُبُونَ الطَّعَامَ وَلَا يَجِدُونَهُ (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) [الْأَعْرَافِ: 50- 51]، فَحِينَ يَبْلُغُ مِنْهُمُ الْعَذَابُ كُلَّ مَبْلَغٍ، وَحِينَ يَمَسُّهُمُ الْجُوعُ الْمُفْرِطُ وَالظَّمَأُ الْمُوجِعُ يَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ، وَيَطْلُبُونَ إِفَاضَةَ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ عَلَيْهِمْ. فَلَا يُجَابُ طَلَبُهُمْ، وَلَا يُخَفَّفُ عَذَابُهُمْ.   هَذَا؛ وَقَدْ كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، وَيَعْتَبِرُونَ بِآيَاتِهِ، وَيَتَأَثَّرُونَ بِمَوَاعِظِهِ، فَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. وَلَرُبَّمَا مَنَعَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ وَلَذَتِهِ تَذَكُّرُ أَطْعِمَةِ أَهْلِ النَّارِ. عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: "أُتِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِعَشَائِهِ، وَهُوَ صَائِمٌ، فَقَرَأَ: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا) فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي، حَتَّى رُفِعَ طَعَامُهُ وَمَا تَعَشَّى وَإِنَّهُ لَصَائِمٌ".   وَقَرَأَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَيْلَةً عِنْدَ إِفْطَارِهِ: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ) فَبَقِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَطْعَمُ. وَقَالَ عَطَاءٌ السُّلَمِيُّ: "إِنَّنِي إِذَا ذَكَرْتُ جَهَنَّمَ مَا يُسِيغُنِي طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ". وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَقُولُ: "الْخَوْفُ يَمْنَعُنِي مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَا أَشْتَهِيهِ".   فَلْنَعْتَبِرْ -عِبَادَ اللَّهِ- بِمَا يَمُرُّ بِنَا مِنْ مَوْجَةِ حَرٍّ، وَلْنَحْتَسِبِ الْأَجْرَ فِيهَا، وَنَجْتَهِدْ فِي الطَّاعَاتِ الَّتِي تُنْجِي مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَنُحَاذِرِ الْمَعَاصِي الَّتِي هِيَ سَبَبُهَا. وَإِنَّنَا إِذَا كُنَّا نُخَفِّفُ شِدَّةَ الصَّيْفِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، وَبِأَجْهِزَةِ التَّبْرِيدِ فِي بُيُوتِنَا، وَبِالتَّلَذُّذِ بِثِمَارِ النَّخِيلِ وَالْفَوَاكِهِ بِأَنْوَاعِهَا فَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ يُمْنَعُونَ ذَلِكَ (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) [سَبَأٍ: 54]، (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا) [النَّبَأِ: 24 - 26].   وَأَهْلُ النَّارِ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْعَذَابِ تَفَاوُتًا كَبِيرًا؛ فَيُعَذَّبُونَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي دَخَلُوا بِهَا النَّارَ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، وَالصَّدِّ عَنْ دِينِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَمُحَارَبَةِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَكُلَّمَا كَثُرَتْ أَعْمَالُهُمُ السَّيِّئَةُ وَتَعَدَّدَتِ اشْتَدَّ عَذَابُهُمْ، وَكَانَ غَيْرُهُمْ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ أَخَفَّ عَذَابًا مِنْهُمْ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ * ‌وَلِكُلٍّ ‌دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْأَحْقَافِ: 18-19]؛ "أَيْ: وَلِكُلٍّ دَرَجَةٌ فِي النَّارِ بِحَسَبِهِ"، وَقَالَ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ عَدَّدَ جُمْلَةً مِنْ أَنْوَاعِ عَذَابِهِمْ: (جَزَاءً ‌وِفَاقًا)[النَّبَأِ: 26]؛ "أَيْ: جَزَيْنَاهُمْ جَزَاءً ‌وَافَقَ ‌أَعْمَالَهُمْ"، "فَلَيْسَ عِقَابُ مَنْ تَغَلَّظَ كُفْرُهُ، وَأَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ، وَدَعَا إِلَى الْكُفْرِ، كَمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ"؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ‌زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ)[النَّحْلِ: 88]، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي تَفْسِيرِهَا: "زِيدُوا عَقَارِبَ لَهَا أَنْيَابٌ كَالنَّخْلِ الطِّوَالِ"(صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ).   وَيَدْعُو الْأَتْبَاعُ عَلَى مَنْ أَضَلُّوهُمْ، وَهُمْ جَمِيعًا فِي النَّارِ؛ (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ ‌لِكُلٍّ ‌ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ)[الْأَعْرَافِ: 38]؛ "أَيْ: قَدْ فَعَلْنَا ذَلِكَ وَجَازَيْنَا كُلًّا بِحَسْبِهِ".   وَدَلَّ عَلَى تَفَاوُتِهِمْ فِي الْعَذَابِ حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى عُنُقِهِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا رَجُلٌ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فِي النَّارِ إِلَى كَعْبَيْهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فِي النَّارِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فِي النَّارِ إِلَى أَرْنَبَتِهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فِي النَّارِ إِلَى صَدْرِهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ ‌قَدِ ‌اغْتُمِرَ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).   وَإِذَا عَمِلَ الْكَافِرُ حَسَنَاتٍ فِي الدُّنْيَا كَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَكَفَالَةِ الْأَيْتَامِ، وَالسَّعْيِ عَلَى الْأَرَامِلِ وَالْمَسَاكِينِ، وَمُعَالَجَةِ الْمَرْضَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فِي الدُّنْيَا؛ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَنْ تَكُونَ سَبَبًا فِي تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ أَعْمَالَهُ الطَّيِّبَةَ تَفْتَقِدُ شَرْطَ الْقَبُولِ وَهُوَ الْإِيمَانُ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ ‌افْتَدَى ‌بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 91]، وَقَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ ‌فَقَدْ ‌حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْمَائِدَةِ: 5]، وَقَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ ‌أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الْأَعْرَافِ: 147]، وَقَالَ تَعَالَى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ ‌أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ)[التَّوْبَةِ: 17]، وَقَالَ تَعَالَى: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ‌أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ)[إِبْرَاهِيمَ: 18]، وَقَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا ‌أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[النُّورِ: 39]، وَقَالَ تَعَالَى: (‌وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)[الْفُرْقَانِ: 23].   وَيُجْزَى الْكَافِرُ بِأَعْمَالِهِ الْحَسَنَةِ جَزَاءً دُنْيَوِيًّا مِنْ سَعَةِ الرِّزْقِ، وَبِرِّ الْوَلَدِ، وَحُنُوِّ الزَّوْجَةِ، وَالْعَافِيَةِ فِي الْبَدَنِ، وَالْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتٍ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ ‌لَمْ ‌يَقُلْ ‌يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).   وَأَمَّا مَا جَاءَ مِنْ تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْ أَبِي طَالِبٍ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ؛ فَهُوَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَبِأَبِي طَالِبٍ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، ‌وَلَوْلَا ‌أَنَا ‌لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ"(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ)، وَيَبْقَى عُمُومُ الْكُفَّارِ لَا شَفَاعَةَ لَهُمْ فِي تَخْفِيفِ الْعَذَابِ؛ لِبُطْلَانِ أَعْمَالِهِمْ؛ وَلِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: (فَمَا ‌تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)[الْمُدَّثِّرِ: 48]، قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ الَّذِي مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ لَا ثَوَابَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يُجَازَى فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-".   أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَمَا يَتَفَاوَتُ عَذَابُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ؛ فَإِنَّ عُصَاةَ الْمُوَحِّدِينَ -وَهُمْ أَهْلُ الْكَبَائِرِ- إِذَا دَخَلُوا النَّارَ يَتَفَاوَتُونَ فِيهَا؛ فَأَمَّا أَهْلُ الصَّغَائِرِ فَتُغْفَرُ لَهُمْ صَغَائِرُهُمْ بِاجْتِنَابِهِمُ الْكَبَائِرَ، وَبِأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: (إِنْ ‌تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا)[النِّسَاءِ: 31].   وَعُصَاةُ الْمُوَحِّدِينَ عَلَى أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ: فَقِسْمٌ مِنْهُمْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُمْ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ؛ فَلَا يَدْخُلُونَ النَّارَ، بَلْ يَصِيرُونَ إِلَى الْجَنَّةِ بِرَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَقِسْمٌ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُمْ مَعَ سَيِّئَاتِهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ الْأَعْرَافِ، فَيُحْبَسُونَ فِي قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَقِسْمٌ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ، فَهُمْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْجُو مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ الشُّفَعَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُهَا لِيُطَهَّرَ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَالْمُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ مِنْ عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ عَلَى أَقْسَامٍ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرَجُ مِنْهَا قَبْلَ اسْتِكْمَالِ عَذَابِهِ، إِمَّا بِرَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَعَفْوِهِ -سُبْحَانَهُ-، وَإِمَّا بِشَفَاعَةِ الشُّفَعَاءِ، وَقَبُولِ اللَّهِ -تَعَالَى- شَفَاعَتَهُمْ فِيهِمْ رَحْمَةً مِنْهُ -سُبْحَانَهُ-، وَكَرَامَةً لِلشُّفَعَاءِ مِنَ الرُّسُلِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالصَّالِحِينَ، وَمِنْهُمْ أُنَاسٌ يَبْقَوْنَ فِي النَّارِ إِلَى اسْتِكْمَالِ عُقُوبَتِهِمْ، ثُمَّ يُخْرَجُونَ مِنْهَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُونَ فِي النَّارِ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا وَيُحْيِيهِمُ اللَّهُ -تَعَالَى- لِدُخُولِ الْجَنَّةِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ، فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً، حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ، فَجِيءَ بِهِمْ ‌ضَبَائِرَ ‌ضَبَائِرَ، فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).   وَالْمُؤْمِنُ إِذَا ذُكِّرَ تَذَكَّرَ، وَإِذَا وُعِظَ اتَّعَظَ، وَتَرْدَعُهُ آيَاتُ الْوَعِيدِ وَالتَّرْهِيبِ عَنْ غَيِّهِ، وَتَرُدُّهُ عَنْ عِصْيَانِهِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مِنَ الْمُتَفَكِّرِينَ الْمُتَدَبِّرِينَ، فَيَتَفَكَّرُ فِي حَرِّ الصَّيْفِ وَشَمْسِهِ اللَّاهِبَةِ لِحَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ، وَيَتَدَبَّرُ آيَاتِ وَصْفِ النَّارِ فِي الْقُرْآنِ؛ لِيَفِرَّ مِنَ النَّارِ، فَمَنْ لَهُ طَاقَةٌ عَلَى عَذَابِ النَّارِ؟! نَعُوذُ بِاللَّهِ -تَعَالَى- مِنْهَا.     الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل   ملتقى الخطباء  
    • ظهور دابَّة الأرض في آخر الزمان علامة على قرب السَّاعة ثابت بالكتاب والسنة:   * أدلَّة ظهورها: أ- الأدلَّة من القرآن الكريم: قال الله تعالى: " وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ " [النمل: 82]. فهذه الآية الكريمة جاء فيها ذكر خروج الدَّابَّة، وأن ذلك يكون عند فساد الناس، وتركهم أوامر الله، وتبديلهم الدين الحق، يُخرِج الله لهم دابة من الأرض، فتكلم الناس على ذلك (انظر: تفسير ابن كثير). قال العلماء في معنى قوله تعالى: " وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ " أي: وجب الوعيد عليهم؛ لتماديهم في العصيان والفسوق، والطغيان، وإعراضهم عن آيات الله، وتركهم تدبرها، والنزل على حكمها، وانتهائهم في المعاصي إلى ما لا ينجح معه فيهم موعظة، ولا يصرفهم عن غيهم تذكرة، يقول عز من قائل: فإذا صاروا كذلك؛ أخرجنا لهم دابَّة من الأرض تكلمهم؛ أي: دابة تعقل وتنطق، والدواب في العادة لا كلام لها ولا عقل؛ ليعلم الناس أن ذلك آية من عند الله تعالى (لتذكرة). وقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: " وَقْعُ القول يكون بموت العلماء، وذهاب العلم، ورفع القرآن ". ثم قال: " أكثرِوا تلاوة القرآن قبل أن يرفع " قالوا: هذه المصاحف ترفع، فكيف بما في صدور الرجال؟! قال: " يُسرى عليه ليلًا، فيصبحون منه قَفرًا، وينسون (لا إلهَ إلا الله) ويقعون في قول الجاهلية وأشعارهم، وذلك حين يقع القولُ عليهم " (تفسير القرطبي).   ب- الأدلَّة من السنة المطهَّرة: 1- روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه قالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها، والدَّجَّال، ودابة الأرض " (صحيح مسلم). 2- وله عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدَّابَّة على الناس ضحى، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها؛ فالأخرى على أثرها قريبًا " (صحيح مسلم). 3- ومضى حديث حذيفة بن أسيد في ذكر أشراط السَّاعة الكبرى، فذكر منها الدابة، وفي رواية: " دابَّة الأرض " (صحيح مسلم). 4- وروى الإمام أحمد عن أبي أُمامة رضى الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تخرج الدابة، فتسم الناس على خراطيمهم (الخرطوم;الأنف. وقيل: مقدم الأنف) ثم يغمرون (أي: يكثرون) فيكم حتى يشتري الرجل البعير، فيقول: ممَّن اشتريته؟ فيقول: من أحد المخطيين " (مسند الإمام أحمد - بهامشه منتخب الكنز،وقال الألباني: " صحيح ". انظر: صحيح الجامع الصغير). 5- وروى مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بادروا بالأعمال ستًا...(وذكر منها) دابة الأرض " (صحيح مسلم). 6- وروى ا لإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تخرج الدَّابة ومعها عصا موسى عليه السلام، وخاتم سليمان عليه السلام، فتخطم (تخطم الكافر أي: تسمه، من: خطمت البعير إذا كويته خطمًا من الأنف إلى أحد خديه، وتسمى تلك السمة الخطام، ومعناه: أن تؤثر في أنفه سمة يعرف بها) الكافر – قال عفان (أحد رواة الحديث): أنف الكافر –بالخاتم، وتجلو وجه (الجلى – مقصورة -: انحسار مقدم الشعر، والمعنى تصقله وتبيضه) المؤمن بالعصا، حتى إن أهل الخوان (هو ما يوضع عليه الطعام عند الأكل) ليجتمعون على خوانهم، فيقول هذا: يا مؤمن، ويقول هذا: يا كافر " (مسند الإمام أحمد، تحقيق أحمد شاكر، وقال: " إسناده صحيح ". وسنن الترمذي، أبواب التفسير، سورة النمل، وقال: " حديث حسن " ومستدرك الحاكم، وسبب تضعيفه لهذا الحديث أن في سنده علي بن زيد بن جدعان، وهو عنده ضعيف. أما الشيخ أحمد شاكر؛ فيرى أنه ثقة، حيث قال في تعليقه على " المسند ": " علي بن زيد: هو ابن جدعان، وقد سبق أننا وثقناه، وهو مختلف فيه، والراجح عندنا توثيقه، وقد صحح له الترمذي أحاديث). * من أيِّ الدَّوابِّ دابة الأرض:   اختلفت الأقوال في تعيين دابَّة الأرض، وإليك بعض ما قاله العلماء في ذلك: الأول: قال القرطبي: " أول الأقوال أنها فصيل ناقة صالح، وهو أصحها، والله أعلم " (تفسير القرطبي). واستشهد لهذا القول بما رواه أبو داود الطيالسي عن حذيفة بن أسيد الغفاري؛ قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لدَّابَّة... (فذكر الحديث، وفيه): " لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام " (منحة المعبود ترتيب مسند الطيالسي، باب خروج الدابة للساعاتي، ولفظه: " ترنو "، وليس فيه: " ترغو ".ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال: " هذا حديث صحيح الإسناد، وهو أبين حديث في ذكر دابة الأرض، ولم يخرجاه " قلت: الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده عند الطيالسي والحاكم طلحة بن عمر الحضرمي: قال ابن معين: " ليس بشيء، ضعيف "، وقال الذهبي في " ذيل المستدرك ": " تركه أحمد "، وقال الهيثمي: " رواه الطبراني، وفيه طلحة بن عمرو، وهو متروك "، " مجمع الزوائد " وانظر: " تهذيب التهذيب ـ وهذا الحديث أخرجه الحافظ ابن حجر في " المطالب العالية " وعزاه للطيالسي، ولفظه: " تزعق "، بدل: ترغو). وموضع الشاهد قوله: " ترغو " والرغاء إنما هو للإبل، وذلك " أن الفصيل لما قُتِلتِ الناقة هرب، فانفتح له حجر، فدخل في جوفه، ثم انطبق عليه، فهو فيه حتى يخرج بإذن الله عز وجل ". ثم قال: " لقد أحسن من قال: واذكر خروج فصيل ناقة صالح يسم الورى بالكفر والإيمان (التذكرة) وترجيح القرطبي لهذا القول فيه نظر؛ فإن الحديث الذي استند إليه في سنده رجل متروك. وأيضًا؛ فإنه جاء في بعض كتب الحديث لفظ: (تدنو) و(تربو) بدل: (ترغو) كما في " المستدرك " للحاكم.   الثاني: أنها الجسَّاسة المذكورة في حديث تميم الداري رضى الله عنه في قصة الدَّجَّال. وهذا القول منسوبٌ إلى عبد الله بن عمرو بن العاض رضي الله عنهما (شرح النووي لمسلم، وممن قال بأنها الجساسة: البيضاوي في " تفسيره " وانظر: " الإذاعة " وكتاب " العقيدة الركن الأول في الإسلام " للشيخ محمد الفاضل). وليس في حديث تميم ما يدلُّ على أن الجساسة هي الدَّابة التي تخرج آخر الزمان، وإنما الذي جاء فيه أنه لقي دابَّة أهلب كثيرة الشعر، فسألها: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة. وسُمِّيت بالجساسة لأنها تجسُّ الأخبار للدَّجَّال(النهاية في غريب الحديث، وشرح السنة للبغوي). وأيضًا؛ فما جاء في شأن الدَّابَّة التي نتحدث عنها من تعنيف الناس وتوبيخهم على كفرهم بآيات الله تعالى يُبيِّن أنها غير الجساسة التي تنقل الأخبار للدجال، والله أعلم.   الثالث: أنها الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعتها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة. وهذا القول نسبه القرطبي (تفسير القرطبي) إلى ابن عباس رضي الله عنهما؛ منقولًا من كتاب النقاش، ولم يذكر له مستندًا في ذلك، وذكره الشوكاني في " تفسيره " (تفسير الشوكاني، فتح القدير).   الرابع: أن الدَّابَّة إنسانٌ متكلِّم يناظر أهل البدع والكفر، ويجادلهم؛ لينقطعوا، فيهلك من هلك عن بيِّنة، ويحيا من حيَّ عن بيِّنة. وهذا القول ذكره القرطبي، وردَّه بأن الدَّابَّة لو كانت إنسانًا يناظر المبتدعة؛ لم تكن الدَّابَّة آية خارقة وعلامة من علامات السَّاعة العشر. وأيضًا فيه العدول عن تسمية هذا الإنسان المناظر الفاضل العالم الذي على أهل الأرض أن يسمُّوه باسم الإنسان أو العالم أو الإمام إلى أن يسمى بالدابة، وهذا خروجٌ عن عادة الفصحاء، وعن تعظيمك العلماء (انظر: تفسير القرطبي).   الخامس: أن الدَّابَّة اسم جنس لكلِّ ما يدبُّ، وليست حيوانًا مشخَّصًا معيَّنًا يحوي العجائب والغرائب، ولعل المراد بها تلك الجراثيم الخطيرة التي تفتك بالإنسان وجسمه وصحته، فهي تجرح وتقتل، ومن تجريحها وأذاها كلمات واعظة للناس لو كانت لهم قُلوبٌ تعقل، فترجع بهم إلى الله، وإلى دينه، وتلزمهم الحجة، ولسان الحال أبلغ من لسان المقال؛ فإن من معاني التكليم التجريح. وهذا القول هو ما ذهب إليه أبو عبية في تعليقه على " النهاية/ الفتن والملاحم " لابن كثير (تحقيق محمد فهيم أبو عببية) وهو أي بعيد عن الصواب، وذلك لأمور:   أ- أن الجراثيم موجودة من قديم الزمان، وكذلك الأمراض التي تفتك بالناس في أجسامهم وزروعهم ودوابهم (انظر: " إتحاف الجماعة) والدَّابَّة التي هي من أشراط السَّاعة لم تظهر بعد.   ب- أن الجراثيم غالبًا لا ترى بالعين المجرَّدة، وأما الدَّابَّة ؛ فلم يقل أحدٌ: إنها لا تُرى، بل إن النبي ﷺ ذكر من أحوالها ما يدلُّ على رؤية الناس لها، فذكر أن معها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما السلام...إلى غير ذلك مما سبق ذكره.   ج- أن هذا الدَّابَّة تَسِم الناس على وجوههم بالكفر والإيمان، فتجلو وجه المؤمن، وتخطم أنف الكافر، وأما الجراثيم؛ فلا تفعل شيئًا من ذلك.   د- الذي يظهر أن الذي دفعه لهذا القول هو ما ذُكِر في صفة الدَّابَّة من الأقوال الكثيرة المختلفة ولكن قدرة الله أعظم، وما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب التسليم به.   وكذلك؛ فأي مانع من حمل اللفظ على المعنى المتبادر، ولا نلجأ إلى التجوز إلا إذا تعذَّرتِ الحقيقة، لا سيما أن قوله هذا مخالفٌ لأقوال المفسرين؛ فإنهم ذكروا أن هذه الدابة مخالفة لما يعتاده البشر، فهي من خوارق العادات؛ كما أن طلوع الشمس من مغربها أمرٌ خارقٌ للعادة. وقد جاء في الحديث أنهما يخرجان في وقت متقارب؛ قال صلى الله عليه وسلم: " أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها؛ فالأخرى على إثرها قريبًا " (رواه مسلم). والذي يجب الإيمان به هو أن الله تعالى سيخرج للناس في آخر الزمان دابَّة من الأرض تكلِّمهم، فيكون تكليمها آية لهم دالة على أنهم مستحقون للوعيد بتكذيبهم آيات الله، فإذا خرجت الدابة؛ فهم الناس، وعلموا أنها الخارقة المنبئة باقتراب السَّاعة، وقد كانوا قبل ذلك لا يؤمنون بآيات الله، ولا يصدِّقون باليوم الموعود. والذي يؤيد أن هذه الدَّابَّة تنطق وتخاطب الناس بكلام يسمعونه ويفهمونه هو أنه جاء ذكرها في سورة النمل، وهذه السورة فيها مشاهد وأحاديث بين طائفة من الحشرات والطير والجن وسليمان عليه السلام، فجاء ذكر الدابة وتكليمها الناس متناسقًا مع مشاهد السورة وجوها العام (انظر: " في ظلال القرآن).   قال أحمد شاكر رحمه الله: " والآية صريحةٌ بالقول العربي أنها (دابَّة) ومعنى (الدَّابَّة) في لغة العرب معروفٌ واضحٌ، لا يحتاج إلى تأويل... ووردت أحاديث كثيرة في الصحاح وغيرها بخروج هذه (الدَّابَّة) الآية، وأنها تخرج آخر الزمان، ووردت آثار أخرى في صفتها لم تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلِّغ عن ربه، والمبيِّن آيات كتابه، فلا علينا أن ندعها، ولكن بعض أهل عصرنا، من المنتسبين للإسلام، الذين فشا فيهم المنكر من القول والباطل من الرأي، الذين لا يريدون أن يؤمنوا بالغيب، ولا يريدون إلا أن يقفوا عند حدود المادة التي رسمها لهم معلموهم وقدوتهم؛ ملحدو أوروبا الوثنيون الإباحيون، المتحلِّلون من كل خلق ودين، هؤلاء لا يستطيعون أن يؤمنوا بما نؤمن به، ولا يستطيعون أن ينكروا إنكارًا صريحًا، فيجمجمون (الجمجمة: هو أن لا يبين كلامه. انظر: ترتيب القاموس المحيط) ويحاورون، ويداورون، ثم يتأولون، فيخرجون بالكلام عن معناه الوضعي الصحيح للألفاظ في لغة الغرب، يجعلونه أشبه بالرموز؛ لما وقر في أنفسهم من الإنكار الذي يبطنون " (شرح أحمد شاكر لـ " مسند أحمد).   * مكان خروج الدَّابَّة:   اختلفت الأقوال في تعيين مكان خروج الدَّابَّة،فمنها: 1- أنها تخرج من مكة المكرَّمة من أعظم المساجد. ويؤيد هذا القول ما رواه الطبراني في " الأوسط " عن حذيفة بن أسيد – أراه رفعه - ؛ قال: " تخرج الدابة من أعظم المساجد، فبينا هم إذ دبت الأرض، فبينا هم كذلك إذ تصدّضعت " (مجمع الزوائد). قال ابن عيينة: " تخرج حين يسري الإمام جمع، وإنما جعل سابقًا ليخبر الناس أن الدَّابَّة لم تخرج " (مجمع الزوائد،قال الهيثمي: " رجاله ثقات).   2- أن لها ثلاث خَرَجات، فمرة تخرج في بعض البوادي ثم تختفي، ثم تخرج في بعض القرى، ثم تظهر في المسجد الحرام (جاء في حديث حذيفة بن أسيد عند الحاكم: إن لها " ثلاث خرجات "، وذكر الحديث بطوله، ثم قال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ". ووافق الذهبي في " تلخيصه المستدرك). وهناك أقوال أخرى غير ما ذكرته، غالبها يدور على أن خروجها من الحرم المكي (انظر: التذكرة والإشاعة) فالله أعلم بذلك.   * عمل الدَّابَّة: إذا خرجت هذه الدَّابَّة العظيمة؛ فإنها تسم المؤمن والكافر. فأما المؤمن؛ فإنها تجلو وجهه حتى يشرق، ويكون ذلك علامة على إيمانه. وأما الكافر؛ فإنها تخطمه على أنفه؛ علامة على كفره والعياذ بالله. وجاء في الآية الكريمة قوله تعالى: " أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ " [النمل: 82]. وفي معنى هذا التكليم اختلفت أقوال المفسرين: 1- أن المراد: تكلمهم كلامًا أي: تخاطبهم مخاطبة ويدلُّ على هذا قراءة أُبي بن كعب رضى الله عنه: (تنبئهم). 2- تجرحهم، ويؤيد ذلك قراءة (تَكْلمهم) بفتح التاء وسكون الكاف، من الكلم، وهو الجرح، وهذه القراءة مروية عن ابن عباس رضى الله عنه؛ أي: تسمهم وسمًا (انظر: " تفسير القرطبي وتفسير ابن كثير وتفسير الشوكاني). وهذا القول يشهد له حديث أبي أُمامة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تخرج الدابة، فتسم الناس على خراطيمهم " (مسند الإمام أحمد - بهامشه منتخب الكنز،وقال الألباني: " صحيح ". انظر: صحيح الجامع الصغير). وروى عن ابن عباس أنه قال: " كلا تفعل " أي: المخاطبة والوسم. قال ابن كثير: " وهو قولٌ حسن، ولا منافاة، والله أعلم " (تفسير ابن كثير). وأما الكلام الذي تخاطبهم به؛ فهو قولها: " أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ " [النمل: 82]. وهذا على قراءة مَن قرأها بفتح همزة (إن) أي: تخبرهم أن الناس كانوا بآيات الله لا يوقنون، وهذا قراءة عامَّة قرَّاء الكوفة وبعض أهل البصرة. وأما قراءة عامة قراء الحجاز والبصرة والشام؛ فبكسر همزة (إن) على الاستئناف، ويكون المعنى: تكلِّمُهم بما يسوؤهم، أو ببطلان الأديان سوى دين الإسلام (انظر: " تفسير الطبري وتفسير القرطبي وتفسير الشوكاني). قال ابن جرير: " الصواب من القول في ذلك أنها قراءتان متقاربتا المعنى، مستفيضتان في قراءة الأمصار " (تفسير الطبري).   الكلم الطيب
    • ظهور الدُّخان في آخر الزمان من علامات السَّاعة الكبرى التي دل عليها الكتاب والسنة.   * أدلة ظهوره: أ- الأدلَّة من القرآن الكريم: قال الله تعالى: " فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) " [الدخان: 10، 11]. والمعنى: انتظر يا محمد بهؤلاء الكفار يوم تأتي السماء بدخان مبين واضحٍ يغشى الناس ويعمُّهم، وعند ذلك يٌقال لهم: هذا عذابٌ أليمٌ؛ تقريعًا لهم وتوبيخًا، أو يقول بعضهم لبعض ذلك (انظر: تفسير القرطبي، وتفسير ابن كثير). وفي المراد بهذا الدُّخان؟ وهل وقع؟ أو هو من الآيات المرتقبة؟ قولان للعلماء: الأول: أن هذا الدُّخان هو ما أصاب قريشًا من الشدة والجوع عندما دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يستجيبوا له، فأصبحوا يرون في السماء كهيئة الدُّخان. وإلى هذا القول ذهب عبد الله بن مسعود رضى الله عنه، وتبعة جماعة من السلف (انظر: تفسير الطبري). قال رضى الله عنه: " خمس قد مضين: اللزام (هو ما جاء في قوله تعالى: " فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا " [الفرقان: 77] أي: يكون عذابًا لازمًا يهلكهم نتيجة تكذيبهم، وهو ما وقع لكفار قريش في بدر من القتل والأسر.انظر: " تفسير ابن كثير " وشرح النووي لمسلم) والروم، والبطشة، والقمر، والدُّخان " (صحيح البخاري). ولما حدَّث رجل من كندة عن الدُّخان، وقال: إنه يجيء دخانُ يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم؛ غضب ابن مسعود رضى الله عنه، وقال: " من علم فليقل، ومن لم يعلم؛ فليقل: الله أعلم؛ فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم؛ فإن الله قال لنبيه: " قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) " [ص: 86] وإن قريشًا أبطؤوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف "، فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدُّخان (صحيح البخاري). وهذا القول رجَّحه ابن جرير الطبري، ثم قال: " لأن الله جلَّ ثناؤه توعد بالدُّخان مشركي قريش، وأن قوله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) " [الدخان: 10] في سياق خطاب الله كفار قريش وتقريعه إياهم بشركهم؛ بقوله: " إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) " [الدخان: 8، 9] ثم أتبع ذلك قوله لنبيه عليه الصلاة والسلام: " فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) " أمرًا منه له بالصبر... إلى أن يأتِيَهم بأسه، وتهديدًا للمشركين، فهو بأن يكون إذ كان وعيدًا لهم قد أحلَّهُ بهم، أشبه من أن يكون أخره عنهم لغيرهم (تفسير الطبري). الثاني: أن هذا الدُّخان من الآيات المنتظرة، التي لم تجئ بعد، وسيقع قرب قيام السَّاعة. وإلى هذا القول ذهب ابن عباس وبعض الصحابة والتابعين؛ فقد روى ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم عن عبد الله بن أبي مليكة قال: " غدوت على ابن عباس رضي الله عنهما ذات يوم، فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت، قلتُ: لم؟ قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب، فخشيت أن يكون الدُّخان قد طرق، فما نمت حتى أصبحت " (تفسير الطبري، وتفسير ابن كثير). قال ابن كثير: " وهذا إسنادُ صحيح إلى ابن عباس حبر الأمة، وترجمان القرآن، وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين أجمعين، مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرها... مما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدُّخان من الآيات المنتظرة، مع أنه ظاهر القرآن؛ قال الله تعالى: " فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) " أي: بين واضح يراه كل أحد، على أن ما فسر به ابن مسعود رضى الله عنه إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد. وهكذا قوله: " يَغْشَى النَّاسَ " أي: يتغشَّاهم ويعمُّهم، ولو كان أمرًا خياليًا يخصُّ أهل مكة المشركين؛ لما قيل فيه: " يَغْشَى النَّاسَ " (تفسير ابن كثير). وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن صيَّاد: " إني خبأت لك خبئًا " قال: هو الدُّخ، فقال له: " اخسأ؛ فلن تعدو قدرك " وخبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) " (صحيح البخاري وصحيح مسلم). وفي هذا دليل على أن الدُّخان من المنتظر المرتقب، فإن ابن صيَّاد كان من يهود المدينة، ولم تقع هذه القصة إلا بعد الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة. وأيضًا؛ فإن الأحاديث الصحيحة ذكرت أن الدُّخان من أشراط السَّاعة الكبرى كما سيأتي. وأما ما فسر به ابن مسعود رضى الله عنه ؛ فإن ذلك من كلامه، والمرفوع مقدم على كل موقوف (انظر: النهاية/ الفتن والملاحم). ولا يمتنع إذا ظهرت هذه العلامة أن يقولوا: " رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) " [الدخان: 12]، فيكشف عنهم، ثم يعودون، وهذا قرب القيامة. على أن بعض العلماء ذهب إلى الجمع بين هذه الآثار (انظر: التذكرة) بأنهما دخانات ظهرت إحداهما وبقيت الأخرى، وهي التي ستقع في آخر الزمان، فأما التي ظهرت؛ فهي ما كانت تراه قريشٌ كهيئة الدُّخان، وهذا الدُّخان غير الدُّخان الحقيقي، الذي يكون عند ظهور الآيات التي هي من أشراط السَّاعة. قال القرطبي: " قال مجاهدٌ: كان ابن مسعود يقول: هما دخانات قد مضى أحدهما، والذي بقي يملأ ما بين السماء والأرض، ولا يجد المؤمن منه إلا كالزكمة، وأما الكافر؛ فثقب مسامعه " (لتذكرة). وقال ابن جرير: " وبعد؛ فإنه غير منكر أن يكون أحلَّ بالكفار الذين توعَّدهم بهذا الوعيد ما توعَّدهم، ويكون مُحِلاً فيما يستأنف بعد بآخرين دخانًا على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا كذلك؛ لأن الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تظاهرت بأن ذلك كائن، فإنه قد كان ما روى عنه عبد الله بن مسعود، فكلا الخبرين اللذين رويا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح " (تفسير الطبري).   ب- الأدلَّة من السنة المطهرة: مضى ذكر بعض الأحاديث الدالَّة على ظهور الدُّخان في آخر الزمان، وسأذكر هنا مزيدًا من الأحاديث الدالَّة على ذلك: 1- روى مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بادروا بالأعمال ستًا: الدَّجَّال، والدُّخان " (صحيح مسلم). 2- وجاء في حديث حذيفة في ذكر أشراط السَّاعة الكبرى: " الدُّخان " (صحيح مسلم). 3- وروى ابن جرير والطبراني عن أبي مالك الأشعري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ربكم أنذركم ثلاثًا: الدُّخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه " (تفسير الطبري،و " تفسير ابن كثير " قال ابن كثير: " إسناده جيد ". وذكر ابن حجر رواية الطبري عن أبي مالك وابن عمر، ثم قال: " وإسنادهما ضعيف جدًا، لكن تضافر هذه الأحاديث يدل على أن لذلك أصلًا ". فتح الباري).     الكلم الطيب
    • ( { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} - {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } ) هذا معنى يتكرر في كتاب الله : وهو أن العذاب والبلاء والمصائب تنزل بالأمم كي يرجعوا إلى ربهم بالتوبة والاستغفار والتحلل من المظالم والعزم على الإنابة وحسن العمل ، وكي يتضرعوا لمن بيده مقاليد الأمور كي يكشف عنهم ما نزل بهم من فتنة وبلاء . اقرأ هذه الآيات ، وتدبر معانيها ، وما فيها من أمر بالرجوع ، والاستكانة ، والتضرع إلى الله سبحانه .   - قال تعالى ( {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ) - وقال تعالى ( {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ) - وقال تعالى ( {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ) - وقال تعالى ( {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } ) - وقال تعالى ( {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} ) - وقال تعالى ( {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} )   المصائب إنذار مبكر، والله عز وجل من سننه الكونية يَسوق الشدة، ثم يرفعها لينظر ماذا يفعل صاحبها؟ يدعوك أولاً، فإن لم تستجب، جاء بالشدة، فإن لم تتضرع  فقد انتهى الامتحان، ولابد من المقصلة انتهى، والآن هو ينتظر أن يقصمه الله عز وجل فأسعد الناس الذي يستجيب بعقله من دون مشاكل، ومن دون شدائد، ومن دون مصائب، ومن دون مضايقات، ومن دون دفع، هذا أسعد الناس، ويأتي بالدرجة الثانية من إذا أصابته المصيبة استفاد منها، وعاد إلى الله، ثم المرحلة الثالثة إذ يأتي بالرخاء استدراجاً، (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ [سورة الأعراف:182] الاستدراج هو الأخذ بالتدريج منزلة بعد منزلة، حتى يوقعه في مغبّة فعله، فالله -تبارك وتعالى- يملي للكافرين، ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ [سورة آل عمران:178] فيعطيهم ويغدق عليهم من الأموال والأرزاق والخيرات في الدنيا حتى تستحكم الغفلة على قلوبهم، ثم يأخذهم فيهلكهم. فنرجو من الله أن نكون من الأولين، وأن نستجيب كلمة أخيرة: السعيد من اتَّعظ بغيره، والشّقيّ لا يتّعظ إلا بنفسه.    متى نرجع جميعا إلى الله ونستكين ونتضرع إليه ، لعله سبحانه أن يكشف عن عباده ما نزل بهم من شدة وبلاء وضيق عيش ومصائب متتابعة ، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا به .   ( { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} - {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } ) هذا معنى يتكرر في كتاب الله : وهو أن العذاب والبلاء والمصائب تنزل بالأمم كي يرجعوا إلى ربهم بالتوبة والاستغفار والتحلل من المظالم والعزم على الإنابة وحسن العمل ، وكي يتضرعوا لمن بيده مقاليد الأمور كي يكشف عنهم ما نزل بهم من فتنة وبلاء . اقرأ هذه الآيات ، وتدبر معانيها ، وما فيها من أمر بالرجوع ، والاستكانة ، والتضرع إلى الله سبحانه . - قال تعالى ( {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ) - - وقال تعالى ( {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ) - وقال تعالى ( {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ) - وقال تعالى ( {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } ) - وقال تعالى ( {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} ) - وقال تعالى ( {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} ) فياليت شعري متى نرجع جميعا إلى الله ونستكين ونتضرع إليه ، لعله سبحانه أن يكشف عن عباده ما نزل بهم من شدة وبلاء وضيق عيش ومصائب متتابعة ، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا به .

       
    • (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ )٣٦-الزخرف   { يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } [الزخرف: 36] يعني: يُعرض عنه أو يتعامى ويغفل عنه، ولأنه غفل عن شيء هام لا ينبغي أن يغفل عنه أو يعرض يعاقبه الله { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً } [الزخرف: 36] نعد له شيطاناً ونهيء له شيطاناً { فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف: 36] يعني: ملازم له يضله ويوسوس له.

      قلنا: لأن الحق سبحانه الغني عن خَلْقه، وهو ربّ المؤمن وربّ الكافر، لذلك يُعين كلاً على ما يريد، فمَنْ أراد الهداية أعانه عليها وزاده منها، ومَنْ أراد الكفر ختم على قلبه بحيث لا يدخله إيمان ولا يخرج منه الكفر، لذلك أتَى هنا بصفة (الرحمن).

      لذلك أكثر ما يجيء الشيطان للإنسان وقت الصلاة ليفسد عليه علاقته بربه، قلنا: إنه يأتي المسجد ولا يأتي الخمارة، لذلك قال كما حكى عنه القرآن: { { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [الأعراف: 16].
      ذكرنا قصة الرجل الذي وضع مالاً في مكان ما، ثم نسيه، فقال له صديقه: اذهب إلى أبي حنيفة فعنده مَخْرج لكل المسائل، لأنني ذهبتُ إليه استفتيتُه في طلاق زوجتي لأنني قلت لها وهي على السُّلم: أنت طالق إنْ نزلتِ، وطالق إنْ صعدت، فقال له أبو حنيفة: قُلْ لها تُلقي بنفسها من على السُّلم.

      المهم ذهب صاحبنا إلى أبي حنيفة وقال له: لقد وضعتُ مالاً في مكان كذا، ونسيتُ موضعه، فماذا أفعل؟ قال أبو حنيفة: ليس في هذا علم، لكنّي سأحتال لك: إذا جاء الليل اذهب وصَلِّ لله ركعتين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر يُهرع إلى الصلاة.
      وفعلاً ذهب الرجل، وهو في صلاته جاءه الشيطان يُوسوس إليه بمكان المال حتى ذكَّره به، وفي الصباح قابل الرجلُ أبا حنيفة وقصَّ عليه ما حدث، فضحك أبو حنيفة وقال: والله لقد علمتُ أنه لنْ يدعم تُتم ليلتك مع ربك، فهلا أتممتها شُكراً لله؟ قال: سأفعل إن شاء الله.
      (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ )٣٧-الزخرف   هؤلاء القرناء قرناء السوء { لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } [الزخرف: 37] يعني: يصرفونهم ويمنعونهم عن الحق وعن الطريق المستقيم { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } [الزخرف: 37].
      لذلك قال في موضع آخر: { { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً * يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً } [الفرقان: 27-29].

      وقرناء السوء قرناء في الدنيا فحسب، أما في الآخرة فسيكونون أعداء، يلوم كُلٌّ منهم صاحبه { { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 67].
      كذلك الشيطان سيتبرأ من أتباعه ويخذلهم في الآخرة: { { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [إبراهيم: 22].

      وقد علَّمنا ربنا سبحانه وتعالى كيف نتحصَّن من الشيطان، فقال: { { وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [الأعراف: 200].
      والاستعاذة تعني طلب العون والملجأ والحفظ وأنت لا تطلب العون ولا تلجأ ولا تستجير إلا بمن هو أقوى ممن يريد أن ينالك بشر. ومعلوم أن الشيطان له من خفة الحركة، وقدرة التغلغل، ووسائل التسلل الكثير؛ لذلك فينبغي ألا تستعيذ بمثله أو بمن هو دونه، ولكنك تستعيذ بخالق الإنس والجن وجميع المخلوقات، وهو القادر على أن يعطل فاعلية الشيطان. وسبحانه سميع عليم، والسمع له متعلق، والعلم له متعلق، فحين تستحضر معنى الاستعاذة وأنت مشحون بالإيمان وتلجأ إلى من خلقك. وخلق ذلك الشيطان؛ عندئذ لا بد أن يهرب الشيطان من طريقك لأنه يعلم أنك تلجأ إلى الخالق القوي القادر وهو ليست له قوة على خالقه، وسبحانه سميع لقولك: "أعوذ بالله"، عليم بما في نفسك من معنى هذه الكلمة.
      وإذا كان الحق تبارك وتعالى هنا قد تكلم عن حضرة النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: { وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ }.
      أي أن الشيطان بعيد، وهو يحاول مجرد النزغ، فماذا عن أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم إزاء هذا؟

      التفاسير العظيمة


      قد ورد في الاستعاذة من الشيطان عدة صيغ، وكلها مشروعة، لا فرق بينها في أصل المشروعية، وأشهر الألفاظ: قول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
      ويدل عليه حديث سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا، قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً، لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ".متفق عليه.
      قال القرطبي في تفسيره: "أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"، وَهَذَا اللَّفْظُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ العلماء في التعوذ؛ لأنه لَفْظُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى .. اهــ. ومثله قول ابن عطية في المحرر الوجيز: وأما لفظ الاستعاذة، فالذي عليه جمهور الناس هو لفظ كتاب الله تعالى: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».

      ومن الألفاظ الواردة في الاستعاذة: ما جاء في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، كَبَّرَ، ثُمَّ يَقُولُ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرَكَ»، ثُمَّ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ثَلَاثًا، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا» ثَلَاثًا، «أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ». رواه أبو داود، والترمذي، وغيرهما.

      قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة: وكيف ما استعاذ بما روي، فقد أحسن, مثل أن يقول: «أَعُوذُ بِاللهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ» وهمزه: الموتة, وهي الصرع. ونفخه: الكبر، والخيلاء. ونفثه: الشعر، والأغاني الكاذبة. اهــ. وقال النووي في المجموع: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَأَصْحَابُنَا: يَحْصُلُ التَّعَوُّذُ بِكُلِّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، لَكِنَّ أَفْضَلَهُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. اهــ. وقال ابن قدامة في المغني: وَصِفَةُ الِاسْتِعَاذَةِ: أَنْ يَقُولَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98]، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَقُولُ؛ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ، وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:36]، وَهَذَا مُتَضَمِّنٌ لَزِيَادَةٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْهُ: أَنَّهُ يَزِيدُ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. وَهَذَا كُلُّهُ وَاسِعٌ، وَكَيْفَمَا اسْتَعَاذَ، فَهُوَ حَسَنٌ. اهــ.

      اسلام ويب
       
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182258
    • إجمالي المشاركات
      2535539
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93221
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    chaima12
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×