اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57534
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180568
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8267
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53020
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40675
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  11. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33884
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  12. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32200
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13114
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  13. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  14. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37437 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  15. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • المتواجدات الآن   0 عضوات, 0 مجهول, 13 زوار (القائمه الكامله)

    لاتوجد عضوات مسجلات متواجدات الآن

  • العضوات المتواجدات اليوم

    2 عضوات تواجدن خلال ال 24 ساعة الماضية
    أكثر عدد لتواجد العضوات كان 8، وتحقق
  • أحدث المشاركات

    • قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وقد أجمع العارفون على أن كل خير فأصله بتوفيق الله للعبد‏.‏ وكل شر فأصله خذلانه لعبده...، والتوفيق: ألا يكلك الله إلى نفسك، والخذلان: أن يخلي الله بينك وبين نفسك، والعبيد متقلبون بين توفيقه وخذلانه، بل العبد في الساعة الواحدة ينال نصيبه من هذا وهذا، فيُطيعه سبحانه ويذكره ويشكره بتوفيقه له لذلك، ثم يعصيه ويُسخطه ويغفل عنه بخذلانه له، فمتى شهد العبد هذا المشهد علم شدة ضرورته وحاجته للتوفيق في كل لحظة وطرفة عين، وأن أعظم ما يملك وهو إيمانه بيده تعالى، لو تخلَّى عنه طرفة عين لهوى هذا الإيمان وضل، فدأب قلبه ولسانه: "يا مُقلِّب القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينك""، وهذا الدعاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر منه. ومن دعاء الأنبياء عليهم السلام بطلب التوفيق من الله تعالى ونسبته إلى الله وحده سبحانه دون سواه ما ذكره عز وجل عن نبيِّه شعيب عليه السلام حيث قال: ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88]، قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيرها: "أي ما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير والانفكاك عن الشر إلا بالله تعالى، لا بحولي ولا بقوَّتي"، وقال الإمام البغوي رحمه الله: "التوفيق... تسهيل سُبُل الخير والطاعة"، وهذا نبي الله تعالى موسى عليه السلام كان من دعائه ما ذكره الله عز وجل في كتابه: ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴾ [طه: 25، 26]، فشرحُ الصدر وتيسيرُ الأمور إنما هو محض توفيق من الله تعالى وفضل. إن النعم كلها الدنيوية وكذا الأُخروية من الرغبة في الخير والتوفيق له والمسارعة إليه من الله تعالى وحده، وإذا حصل للعبد اليقين بهذا، فعليه أن يرغب إلى مولاه أن يلهمه ذكرها، ويوزعه شكرها؛ إذ إن ذكرها وشكرها لا يُنَال إلا بتوفيقه سبحانه، فعن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَال: "يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ"، ثم قَالَ:ُ "أوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"؛ رواه أبو داود، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].   أما الخذلان والعياذ بالله تعالى فهو أن يَكِل الله عز وجل العبد إلى نفسه لتحقيق مصالحه الدنيوية وحاجاته، عندها لا تسأل عن حياة الضنك والضيق والشقاء التي سيعيشها ذلك المخذول،        كل إنسان في هذه المعمورة يبحث عن التوفيق ويسعى جاهدًا لنيله والفوز به، ولتحصيله وإصابته أسباب كثيرة، من أبرزها:     1- الإيمان الصادق بالله تعالى، كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [يونس: 9]، قال الشيخ السعدي رحمه الله: "والباء في قوله: ﴿ بِإِيمَانِهِمْ ﴾ للسببية؛ أي: إن الله تعالى يوفق ويهدي عباده المؤمنين، فيعلمهم ما ينفعهم، ويمنُّ عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية، ويهديهم للنظر في آياته، ويهديهم في هذه الدار إلى الصراط المستقيم، وفي دار الجزاء إلى الصراط الموصل إلى جنات النعيم"، فالمؤمنون هم أولى الناس بنيل التوفيق الديني والدنيوي، والآيات والأحاديث المبينة لثمار الإيمان بالله تعالى ومنها التوفيق كثيرة، فمن أراد التوفيق فليلزم الإيمان بربِّه عز وجل وليتعاهده ويرعاه حق الرعاية والحفظ.       2- الافتقار إلى الله تعالى، وإظهار الحاجة له سبحانه بكمال الحُب والذل له عز وجل، والإلحاح في الدعاء بطلب التوفيق، فإن ذلك من أقوى الأسباب الجالبة للتوفيق، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "إذا كان كل خير فأصله التوفيق، وهو بيد الله، فمِفْتاحه الدعاء، والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه، فمتى أُعطي العبد هذا المفتاح فقد أراد الله تعالى أن يفتح له، ومتى أضَلَّه عن المفتاح بقي باب الخير مُرْتَجًا دونه!‏ وما أُتي من أُتي إلا من قِبَل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء، ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء"، وقد تقدم بيان كثرة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وسؤاله الله عز وجل الهداية والتوفيق، والسنةُ والسيرةُ النبويةُ مليئةٌ ببيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الافتقار إلى الله عز وجل وإلحاحه في دعاء ربه سبحانه في حال السلم والحرب، والشدة والرخاء، وكيف استجاب الله تعالى له وحقق له ما رجاه ودعاه، وكذا سلف هذه الأمة الذين ساروا على هديه عليه الصلاة والسلام بلزوم عتبة العبودية والافتقار لله سبحانه وكثرة دعائه، وما نالوه من الخير العظيم بسبب ذلك؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ﴾ [فاطر: 15]، قال الشيخ السعدي رحمه الله: "يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه؛ فهم فقراء بالذات إليه، بكل معنى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا، ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله ألَّا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربِّه وإلهه، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها"، ومما يدل على أهمية الدعاء ومكانته لتحقيق التوفيق ما جاء في سورة الفاتحة أعظم سورة نزلت قد تضمنت سؤال الله الهداية في قوله سبحانه: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]، فلا هادي وموفق إلا هو سبحانه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ربما طالعتُ على الآية الواحدة نحو مائة تفسير، ثم أسأل الله الفهم وأقول: يا معلم آدم وإبراهيم، عَلِّمني، وكنت أذهب إلى المساجد المهجورة ونحوها، وأمرغ وجهي في التراب، وأسأل الله تعالى وأقول: يا معلم إبراهيم، فَهِّمْني"، فمتى لزم العبد هذا الباب وأكثر طرقه بالدعاء الصادق الخالص مع شدة الذله والافتقار لله سبحانه نال مطلوبه وحظه من التوفيق بإذن ربه عز وجل وكرمه.       3- ملازمة الطاعة والصبر ومجاهدة النفس عليها، وكذا طلب العلم الشرعي والعمل به، فهذان الأمران سببان عظيمان لنيل توفيق الله تعالى وهدايته، كما قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سُبُل ثوابنا...، وهي في الذين يعملون بما يعلمون".       وقال الإمام البغوي رحمه الله: "المجاهدة هي الصبر على الطاعات"، وقال الشيخ السعدي رحمه الله: "دل هذا على أن أحرى الناس بموافقة الصواب أهل الجهاد، ومن أحسن فيما أُمر به أعانه الله ويسَّر له أسباب الهداية، ومن جهد واجتهد في طلب العلم الشرعي فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمور إلهية خارجة عن مدرك اجتهاده، ويُيُسَّر له أمر العلم، فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل الله، بل هو أحد نوعي الجهاد الذي لا يقوم به إلا الخواص من الخلق، وهو الجهاد بالقول واللسان للكفار والمنافقين، والجهاد بتعليم أمور الدين".       4- تجنب المعاصي والمنكرات وكل ما يغضب الكبير المتعال، فإن المعاصي والإصرار عليها سبب موجب لحرمان التوفيق ونيل الخذلان، قال سبحانه: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 49]، قال الشيخ السعدي رحمه الله: "إن للذنوب عقوبات عاجلة وآجلة، ومن أعظم العقوبات أن يُبتلى العبد ويُزيَّن له ترك اتباع الرسول، وذلك لفسقه"، وهذا من الخذلان، قال ابنُ القَيمِ رَحِمهُ اللهُ: "وللمَعَاصِي من الآثارِ المُضِرَّةِ بالقلبِ والبَدَن في الدنيا والآخرةِ ما لا يَعْلمُهُ إلا الله، فمنها: أنها مَدَدٌ مِنَ الإِنسانِ يَمُدُّ بِهِ عَدُوَّهُ عليهِ، وَجَيْشٌ يُقَوِّيهِ بهِ على حَرْبِهِ، ومِن عُقُوباتِها أَنَّهَا تَخُونُ العَبْدَ أَحْوَجَ ما يكون إلى نفْسِهِ، ومنها: أنها تُجَرِّئُ العبدَ على مَنْ لم يكُنْ يَجْتَرئُ عَليهِ. وَمنها: الطَبْعُ على القلب إذا تكاثَرَتْ حتى يَصيرَ صَاحبُ الذَنْب منَ الغافِلين، كما قال بعضُ السلَفِ في قوله تَعَالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14] هو الذنْبُ بعدَ الذنْب، وقال: هو الذنْبُ على الذنْبِ حتى يَعْمَى القلبُ. وأصْلُ هذا أنَّ القَلْبَ يَصْدأُ مِنَ المعصية، فإِذا زادَتْ غَلَبَ الصدأُ حتى يَصيرَ رَانًا، ثم يغلبُ حتى يَصِيرَ طَبْعًا وَقفْلًا وَخَتْمًا فَيَصِير القلبُ في غِشَاوةٍ وَغِلاف"، وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه"؛ رواه ابن ماجه وأحمد، والرزق من التوفيق، فمن كان مصرًّا على المعاصي مستكثرًا منها، فقد أتى بابًا عظيمًا وخطيرًا لحرمانه التوفيق.       5-كثرة الاستغفار والتوبة، فهما باب للتوفيق، والنصوص من الكتاب والسنة الدالة على ذلك كثيرة، كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110]، قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "أي من تجرَّأ على المعاصي واقتحم على الإثم، ثم استغفر الله استغفارًا تامًّا يستلزم الإقرار بالذنب، والندم عليه والإقلاع، والعزم على ألا يعود، فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة، فيغفر له ما صدر منه من الذنب، ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب، ويُعيد إليه ما تقدَّم من الأعمال الصالحة، ويوفقه فيما يستقبله من عمره، ولا يجعل ذنبه حائلًا عن توفيقه؛ لأنه قد غفره، وإذا غفره غفر ما يترتب عليه"، وفي تفسيره لقوله تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 106] قال: "واستغفر الله مما صدر منك إن صدر، فإنه يغفر الذنب العظيم لمن استغفره، وتاب إليه وأناب، ويوفقه للعمل الصالح بعد ذلك الموجب لثوابه وزوال عقابه"، ومما يدل على أن ملازمة الاستغفار والتوبة موجب للتوفيق، قول الله تعالى على لسان نبيِّه شعيب عليه السلام في خطابه لقومه: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾ [هود: 90]، وكذا قول الله تعالى على لسان نبيِّه صالح عليه السلام في خطابه لقومه: ﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ [هود: 61]، فإذا كان الاستغفار والتوبة موجبين للرحمة وإجابة الدعاء فهما بابان عظيمان للتوفيق؛ إذ الرحمة وإجابة الدعاء يتحقق بهما التوفيق والعطاء والفضل والإحسان من الله تعالى للعبد، وقال سبحانه: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ [هود: 3]، قال الإمام القرطبي رحمه الله: "﴿ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا ﴾: هذه ثمرة الاستغفار والتوبة؛ أي: يمتعكم بالمنافع، ثم سعة الرزق ورغد العيش، ولا يستأصلكم بالعذاب، والأجل المسمَّى: هو الموت، ﴿ وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾؛ أي: يؤتي كل ذي عمل من الأعمال الصالحات جزاء عمله"، فالمتاع الحسن في هذه الحياة الدنيا وسعة الرزق ورغد العيش بسبب ملازمة الاستغفار والتوبة توفيق من الله تعالى بلا ريب، وغير ذلك من الآيات وكذا الأحاديث الدالة على فضل الاستغفار والتوبة وثمارهما الطيبة ومنها التوفيق.       6- كثرة الصدقة والإحسان بشتى صوره في أوجه البر المختلفة، فهما سببان عظيمان لنيل التوفيق من الله تعالى، والآيات والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة، منها قوله سبحانه: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 7]، ولا شك أن التوفيق من التيسير لليسرى، وقوله عز وجل: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، فمن أحسن في أوجه البر المختلفة بماله وجهده وما أُوتي فإنه ينال محبة الله سبحانه، ومن أحبه عز وجل نال توفيقه يقينًا.       7- شُكر الله تعالى على نعمه، وتجنب الكبر والعجب والغرور وكفران النعم، فقد وعد الله تعالى الشاكرين بالمزيد من فضله، فقال سبحانه: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]، وقال عز وجل: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 53]، قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "أي أليس هو أعلم بالشاكرين له بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم، فيوفقهم ويهديهم سُبُل السلام، ويُخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى الصراط المستقيم"، ومن تأمل حال كل من تكبَّر وجحد نِعَمَ الله تعالى، وجد الخذلان والخسران المبين ملازمين له، فهذا قارون مع ما أُعطي من النِّعَم والكنوز والخير العظيم لم يقابل ذلك بالشكر والاعتراف بالمنعم بها عليه سبحانه، ويسخرها في طاعته ومرضاته، بل نسب سببها لنفسه حين دخله العجب والكبر، كما قال سبحانه عنه في كتابه: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]، فكان عاقبة أمره أن خسف الله تعالى به وبداره الأرض، وهذا من أبشع الخذلان، نسأل الله السلامة والعافية، وعلى العكس من حاله، حال نبي الله سليمان عليه السلام حين أعطاه الله تعالى ملكًا عظيمًا وفضلًا كبيرًا، قال كما في كتاب الله تعالى: ﴿ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ [النمل: 40]، ومن الكبر المانع من التوفيق ما ورد في قوله سبحانه: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 146]، قال الشيخ السعدي رحمه الله: "يتكَبَّرون على عباد اللّه وعلى الحق، وعلى من جاء به، فمن كان بهذه الصفة حرمه اللّه خيرًا كثيرًا وخذله، ولم يفقه من آيات اللّه ما ينتفع به، بل ربما انقلبت عليه الحقائق، واستحسن القبيح".       عباد الله، هذا شيء من الأسباب المباركة الجالبة لتوفيق الله تعالى، فلنسعى جاهدين لتحقيقها لنفوز بالتوفيق في الدارين. اللهم وفِّقْنا لهُداك، واجعل أعمالنا في رضاك.   عبدالعزيز أبو يوسف شبكة الالوكة      
    • (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )٧-محمد تفسير الشعراوى هذه قضية معاركية قتالية بالنسبة للمسلمين، وهي قضية واقعة ومبدأ لا يتخلف، وسنة من سنن الله لا تتبدلّ ما دام شرط الجندية قائماً لله ولنصرة دين الله.
      لذلك قلنا: إذا رأيتَ انهزام المسلمين في معركة فاعلم أنهم لم يحققوا شرط الجندية لله، وابحث فيهم هم عن سبب الهزيمة، لأن سنة الله في نصرة الفئة المؤمنة سنة ثابتة.
      قال تعالى: { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [الصافات: 171-173] لذلك رأينا ما حدث في غزوة أحد عندما خالف الرماة أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجوا عن شرط الجندية.
      كذلك الحال يوم حنين الذي قال الله فيه: { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } [التوبة: 25].
      حتى إن الصِّديق نفسه لم يسلْمَ من مشاعر الإعجاب بالعدو، فقال: لن نُهزم اليوم عن قلة، لما داخلهم الغرور بالعدد والإعجاب بالكثرة حَلَّتْ بهم الهزيمة في أول الأمر.
      لكن تداركتهم رحمة الله، فانتصروا في نهاية المعركة، وكأنه كان تأديباً من الله لعباده المؤمنين ودرساً عملياً حتى يدخلوا الحرب، وليس في بالهم إلا الله، ونُصْرة دين الله.
      وقوله: { وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [محمد: 7] تثبيت الأقدام كنايةٌ عن الثبات في المعركة، وكناية عن القوة، لأن الأقدام هي أداة الفرار من الحرب، فإذا ثبَّتها الله ثبتت ولم تفر، لذلك أمانة القدم ألاّ تفرَّ يوم الزحف.   قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى:   هذا أمرٌ منه تعالى للمؤمنين أن ينصروا اللهَ؛ بالقيام بدينه والدعوة إليه وجهادِ أعدائه، وأن يقصدوا بذلك وجهَ الله؛ فإنهم إذا فعَلوا ذلك نصرَهم وثبَّت أقدامهم؛ أي: يربط على قلوبهم بالصبر والطُّمأنينة والثبات، ويصبر أجسادَهم على ذلك، ويُعينهم على أعدائهم، فهذا وعدٌ من كريمٍ صادق الوعد أن الذي يَنصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه وييسِّر له أسبابَ النصر؛ من الثبات وغيره، وأما الذين كفروا بربهم ونصروا الباطلَ ﴿ فَتَعْسًا لَهُمْ ﴾[3]؛ فإنهم في تعس؛ أي: انتكاس من أمرهم وخِذلان، ﴿ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾؛ أي: أبطل أعمالهم التي يَكيدون بها الحقَّ، فرجع كيدُهم في نحورهم، وبطلَت أعمالهم التي يزعمون أنهم يريدون بها وجهَ الله.


          والنصر قد يبطئ على المؤمنين أحيانًا؛ لأن بُنْيَة الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها المطلوب، ولم يتم بعدُ تمامها وكمالها، ولم تحشد بعدُ طاقتها، فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكًا؛ لعدم قدرتها على حمايته طويلاً، وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزًا ولا غاليًا لا تبذله هينًا رخيصًا في سبيل الله، وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر، بل إنما ينزل النصر بعد بذل كل الطاقة، وتفويض الأمر كله إلى الله.   من أجل هذا كله ومن أجل غيره مما يعلمه الله قد يبطئ النصر، فتتضاعف التضحيات، وتتضاعف الآلام، مع دفاع الله عن الذين آمنوا، وتحقيق النصر لهم في النهاية، فهم أهل دينه، وحماة شريعته، والمجاهدون لإعلاء كلمته: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 40، 41].   وابتلاء الله لعباده أنواع وألوان: ابتلاء للصبر, وابتلاء للشكر, وابتلاء للأجر, وابتلاء للتوجيه, وابتلاء للتأديب, وابتلاء للتمحيص, وابتلاء للتقويم. وفي قصة نوح -صلى الله عليه وسلم- ألوان من الابتلاء له ولقومه ولأبنائه القادمين، وسنة الله أن الشر حين يتمحض يحمل سبب هلاكه في ذاته، والبغي حين يتمرد لا يحتاج إلى من يدفعه من البشر، فحين بغى فرعون على بني إسرائيل، واستطال بجبروت الحكم، وحين بغى قارون عليهم، واستطال بجبروت العلم والمال، كانت النهاية واحدة.   إن هذا ما يجب أن يعلمه كل مجاهد في سبيل الله وكل داع إليه، وهو ما تجهله الكثرة المشركة الباغية الطاغية؛ ففرعون طغى: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) [القصص: 39، 40] أما قارون فقد جاء أمر الله مباشرة في إهلاكه، فخسف الله به وبداره الأرض، ولم يغن عنه ماله ولا علمه، كما أغرق الله فرعون، فألقاه في اليم هو وجنوده: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) [القصص: 81]. وهكذا انتهى سلطان العلم والمال مع البغي والبطر والاستكبار بالبوار، كما انتهى سلطان الحكم والجبروت والعلو في الأرض، هذا ابتلعه الماء، وذلك ابتلعته الأرض، وأُتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين، فبعدًا لقوم لا يؤمنون، فأخذ الله كل أمة من الأمم المكذبة بذنبها، وعاقبها على قدر جرمها كما قال -سبحانه-: (فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون) [العنكبوت: 40].   فهذه نصرة الله لأوليائه حين يتمحض الشر، ويقف الخير عاجزًا، أما حين يقف الإيمان القوي في وجه الطغيان الباغي فإن الله -جل جلاله- ينصر أهل الإيمان، ويخذل أهل الطغيان، ويظهر قدرته، ولكن تحت ستار من الخلق كما قال -سبحانه-: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) [التوبة: 14]، وقال -سبحانه-: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال: 17].   ويكون نصر المؤمنين لربهم بأمرين: الأول: أن تتجرد نفوسهم لله وحده، فلا تشرك به شيئًا ظاهرًا أو خفيًا، وأن يكون الله أحب إليها من ذاتها ومن كل ما تحب وتهوى، وأن تحكمه في رغباتها وشهواتها، وحركاتها وسكناتها، وسرها وعلانيتها فهذا نصر الله في ذوات النفوس. الثاني: أن لله -عزَّ وجلَّ- شريعة ومنهاجًا للحياة، ونصر الله يتحقق بنصر شريعته ومنهاجه، وتحكيم أمره في كل شيء، فهذا نصر الله في واقع الحياة.     إن جميع الأنبياء دعوا أممهم إلى ثلاثة أشياء: التوحيد, والإخلاص, والنصيحة، وضحوا بكل ما يملكون من أجل الدين تضحية كاملة، فالاستقامة الكاملة والتضحية الكاملة معها نصرة كاملة من الله، وذلك خاص بالأنبياء وأتباعهم من المؤمنين، وهي سُنّة جارية لا تتبدل. فنصرة الله دائمًا إلى يوم القيامة لأهل الإيمان والتقوى، سواء كان نبيًّا أو خليفة أو من سائر الناس، فردًا أو جماعة أو أمة، وبعد بذل كل شيء، وكمال الاستقامة، وكمال التضحية، الله يفصل بأمرين: نصر أوليائه المؤمنين, وخذلان أعدائه الكافرين.   فنوح -صلى الله عليه وسلم- دعا قومه إلى التوحيد، وإخلاص العبادة لله، ونصحهم بطاعة الله ورسوله، فلما لم يستجيبوا ولم يؤمنوا جاء أمر الله بنجاة المؤمنين، وإهلاك الكافرين كما قال -سبحانه-: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) [هود: 40].   وهود -صلى الله عليه وسلم- دعا قومه عادًا كذلك، ولما لم يستجيبوا له جاء أمر الله بإهلاكهم كما قال -سبحانه-: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) [هود: 58 - 60].   وصالح -صلى الله عليه وسلم- دعا قومه إلى الله، ولما لم يستجيبوا له أهلكهم الله, كما قال -سبحانه-: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) [هود: 66، 67].   وإبراهيم -صلى الله عليه وسلم- دعا قومه إلى الله فأبوا وأشعلوا له النار لإحراقه فأنجاه الله من النار، وجعلها بردًا وسلامًا عليه كما قال -سبحانه-: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 68 - 71].   ولوط -صلى الله عليه وسلم- دعا قومه إلى الله، ولما لم يستجيبوا رفع الله ديارهم إلى السماء وقلبها عليهم كما قال -سبحانه-: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود: 82، 83].   وشعيب -صلى الله عليه وسلم- قال لقومه: (قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) [هود: 84]، ولما لم يستجيبوا له وسخروا منه نزل بهم أمر الله, كما قال -سبحانه-: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ) [هود: 94، 95].   وموسى -صلى الله عليه وسلم- دعا فرعون وملأه إلى الله، ولما لم يستجب أغرقه الله وقومه في البحر, قال -سبحانه-: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) [الشعراء: 61 - 66].   وعيسى -صلى الله عليه وسلم- دعا بني إسرائيل إلى الله والاستقامة على الدين، فلما لم يستجيبوا له أظهر الله من آمن به على من خالفه, قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) [الصف: 14].   ومحمد -صلى الله عليه وسلم- دعا قومه قريشًا إلى الله فلم يؤمن منهم إلا القليل، ولما أعرضوا عنه وسبوه، ثم آذوه وأرادوا قتله حفظه الله وهاجر إلى المدينة فأعز الله دينه ورسوله والمؤمنين، ثم أظهره الله على جميع أعدائه ودخل مكة فاتحًا معه المهاجرون والأنصار، وحينها دخل الناس في دين الله أفواجًا كما قال -سبحانه-: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابً) [النصر: 1 - 3].   أيها الإخوة: والنصر له أسباب, والهزيمة لها أسباب, والعزة لها أسباب, والذلة لها أسباب, والنجاة لها أسباب, والهلاك له أسباب؛ فالنصر الكامل, والعزة الكاملة, والنجاة الكاملة, تكون بالإيمان الكامل, والاتباع الكامل, والتضحية الكاملة كما قال -سبحانه-: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 40، 41]، ومدار ذلك كله على الصبر واليقين.   نسأل الله أن ينصرنا على أنفسنا وأعدائنا، ونسأله -سبحانه- أن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يعلي دينه وشريعته وسنة نبيه، اللهم انصر دينك، وكتابك، وسنة نبيك، وعبادك المؤمنين.     المصدر ملتقى الخطباء      
    • عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : الثيّب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) رواه البخاري ومسلم .

      الشرح

      ابتعث الله سبحانه وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالدين الخاتم ، الذي يخرج الناس من عبادة العباد ، إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان ، إلى عدل الإسلام ، فإذا دخل الإنسان حياض هذا الدين ، والتزم بأحكامه ، صار فردا من أفراد المجتمع الإسلامي ، يتمتع بكافة الحقوق المكفولة له ، ومن جملة هذه الحقوق ، عصمة دمه وماله وعرضه .

      وإعطاء المسلم هذه الحقوق له دلالته الخاصة ، فالحديث عن العصمة بكافة صورها هو حديث عن حرمة المسلم ، ومكانته في هذا المجتمع ، وقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقوق يوم حجة الوداع فقال : ( إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ) رواه مسلم ، وقال أيضا : (من صلّى صلاتنا ، واستقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله) رواه البخاري .

      والشريعة الإسلامية - بما تكفله من هذه الحقوق - تسعى إلى تحقيق الوحدة بين لبنات المجتمع المسلم ، وتعميق الروابط بين المؤمنين ، وبهذا يتحقق لهذا المجتمع أمنه ، وسلامة أفراده .

      ولكن المشكلة تكمن في أولئك الأفراد ، الذين يشَّكل وجودهم خطرا يهدد صرح الأمة ، ولم تكن هذه الخطورة مقتصرة على فسادهم الشخصي ، أو وقوعهم في بعض المحرمات وتقصيرهم في حقوق ربهم ، إنما تعدت إلى انتهاك حقوق الآخرين ، وتهديد حياة الاستقرار التي يعيشها هذا المجتمع ، فمن هنا رفع الإسلام عن هؤلاء المنعة الشرعية ، وأسقط حقهم في الحياة .

      وفي الحديث الذي بين أيدينا بيان لتلك الأمور التي من شأنها أن تزيل العصمة عن فاعلها ، وتجعله مهدر الدم ، وهي في قوله صلى الله عليه وسلم : ( الثيّب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) .

      فأما الزاني المحصن ، فإن الحكم الشرعي فيه هو الرجم حتى الموت ، ولعل في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، دلالة واضحة على هذا الحكم ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ..والثيب بالثيب جلد مائة ، والرجم ) رواه مسلم ، وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا و الغامدية رضي الله عنهما في عهده ، وأجمع المسلمون على هذا الحكم ، وكان فيما نزل من القرآن ، ثم نسخ لفظه وبقي حكمه : " والشيخ والشيخ إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من الله والله عزيز حكيم " - انظر مجموع الفتاوى 20/399 - .

      وليس ثمة شك في أن هذا الحكم الذي شرعه الله تعالى في حق الزاني المحصن ، هو غاية العدل ، وهو الدواء الوحيد لقطع دابر هذه الظاهرة ، فإن الله سبحانه وتعالى أعلم بعباده ، وهو الذي خلقهم ، فهو أدرى بما يصلحهم وينفهم ، لأنه أحكم الحاكمين ، ولكنا إذا أردنا أن نتلمس الحكمة في تشريع الله تعالى لهذا النوع من العقوبة ، بحيث اختصت في هذا الحد من الحدود ولم تشرع في غيره ، فنقول : إذا أردنا أن نعرف ذلك فعلينا أن نتأمل الآثار المدمرة التي يخلفها مثل هذا الفعل الشنيع على جميع المستويات ، فهو ليس انتهاكا لحقوق الآخرين واعتداء على أعراضهم فحسب ، بل هو جريمة في حق الإنسانية ، وإفساد للنسل والذرية ، وسبب في اختلاط الأنساب ، فلهذا وغيره ، جاء حكم الله تعالى في الزاني المحصن على هذا النحو .

      ويجدر بنا أن نشير إلى أن هذه العقوبة لا تتم إلا عندما يقرّ الزاني بما فعله من تلقاء نفسه ، أو بشهادة أربعة شهود على حصول ذلك منه ، وهذا في الحقيقة قد يكون متعذراً ، ومن ناحية أخرى دعت الشريعة من زلت قدمه بهذه الخطيئة أن يستر على نفسه ولا يفضحها ، ويتوب إلى الله عزوجل ، ولا داعي لفضح نفسه ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يراجع من يعترف بفعله مرات ومرات ، لعله يتراجع عن اعترافه هذا ، ونلمس ذلك جليا في قوله صلى الله عليه وسلم : ( لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت ) البخاري ، ومن هنا نرى أن الشريعة وضعت هذا الحد ضمن قيود واضحة ، وضوابط محددة ؛ حتى لا يطبق إلا في نطاق لازم ، وفي الموضع الصحيح .

      إن ذلك يعطينا تصورا واضحة بأن هذه العقوبة ليست غاية أو هدفا في حد ذاتها ، ولكنها وسيلة لاستئصال هذه الظاهرة والقضاء عليها ، وهذا ما أثبته التاريخ في العهد النبوي ، فإن كتب السير لم تنقل لنا حصول هذه الجريمة الخلقية إلا في عدد محدود للغاية .

      ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أمرا آخر يحل به دم المسلم وهو : ( النفس بالنفس ) أي : قتل العمد ، وقد أجمع العلماء أن قاتل النفس المعصومة عمدا مستحق للقتل إذا انطبقت عليه الشروط ، انطلاقا من قوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } ( المائدة :45 ) ، وهذا يشمل أن يكون المقتول أو القاتل ذكرا أم أنثى ، وهذا العموم مفهوم من الآية السابقة ، يؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أمر بقتل يهودي قصاصا من امرأة .

      وإذا نظرنا إلى قوله تعالى : { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب } ( البقرة :179) ، لأدركنا عظم الحكمة التي لأجلها شرع القصاص في الإسلام ، فالقصاص بحد ذاته ليس انتقاما شخصيا ، أو إرواء لغليل النفوس المكلومة ، بل هو أمر أعظم من ذلك ، إنه حياة للأمم والشعوب ، فإن القاتل إذا علم أن حياته ستكون ثمنا لحياة الآخرين ، فسوف يشكّل ذلك أكبر رادع له عن فكرة القتل ، وبهذا تستقيم الحياة ، وتعيش المجتمعات في أمن وطمأنينة .

      وثالث الأمور التي تهدر الدم وتسقط العصمة ، الردة عن دين الله تعالى ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( والتارك لدينه المفارق للجماعة ) أي : المفارق لجماعة المسلمين ، ويعضده ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من بدل دينه فاقتلوه ) .

      والردة قد تكون بالقول الصريح : كأن يكفر بالله صراحة ، أو بالاعتقاد : كأن يجحد شيئا معلوما من الدين بالضرورة ، أوإنكار النبوة أو البعث ، أو تكون باستحلال ما حرم الله ، أو تحريم ما أحل الله ، كما قد تكون بالفعل : كمن رمى المصحف في مكان القاذورات - والعياذ بالله - أو سجد لصنم ، فهذه أمثلة على بعض ما يخرج المرء من دين الله .

      وينبغي أن نشير هنا إلى أنه قد ورد في أحاديث أخرى القتل بغير هذه الثلاث ، فقد ورد قتل اللوطي ، في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) رواه الإمام أحمد في مسنده ، وأبو داود والترمذي ، كما ورد الأمر بقتل الساحر ، وقتل من أراد أن يشق عصا المسلمين ، ومن أراد الإفساد في الأرض وقطع الطريق ، ولعلنا نلاحظ أن هذه الأصناف المذكورة تندرج ضمنا تحت الأنواع الثلاثة التي تناولها الحديث .

      إن هذه التشريعات التي أحكمها الله سبحانه وتعالى هي صمام الأمان الذي يحفظ للأمة أمنها واستقرارها ، وبها تصان حقوق الفرد والمجتمع ، فحري بنا أن نعقلها ونتدبرها ، وأن نطبقها على واقعنا كما سطرناها في كتبنا .   شرح الأربعين النووية اسلام ويب
    • الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: لما أبطل الله -تبارك وتعالى- مقالة المنافقين بقوله: الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين [آل عمران:168] حين عبروا عما جرى لإخوانهم بالقتل، فقالوا مقالة باطلة، وهي أنهم لو أطاعوهم ما قتلوا، وهذا غير صحيح، كما سبق. ثم قال الله -تبارك وتعالى-: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون ۝ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون [آل عمران:169-170] الآيات.   فقوله:وَلاَ تَحْسَبَنَّ أي: لا تظننّ أيها النبي، أو أيها المخاطب أن الذين قتلوا في سبيل الله أموات، بل هم أحياء حياة برزخية، عند ربهم الذي بذلوا من أجله، وقاتلوا من أجله، وفي سبيله، يجري عليهم رزقهم في الجنة، ويُنعمون فيها، وهذا كما جاء في الحديث الصحيح عن أرواح الشهداء: أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل[1]، والله -تبارك وتعالى- يُفيض عليهم من ألوان النعيم. وكذلك أيضًا جاء في الحديث في الشهداء الذين ذكر حالهم: فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا[2]، فطلبوا أن يرجعوا إلى الدنيا من أجل أن يقتلوا؛ لما رأوا من جزاء ذلك، وموفور الثواب عند الله . وكذلك أيضًا طلبوا أن يُبلغ عنهم إخوانهم بأنهم لقوا ربهم، فرضي عنهم وأرضاهم، بلغوا عنا قومنا: أنا لقينا ربنا، فرضي عنا وأرضانا[3]، فهؤلاء الشهداء لهم حياة برزخية أكمل من حياة من يموت حتف أنفه من المؤمنين، مع أن النبي ﷺ صح عنه: أنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة[4]، وما ذكره عن الشهداء أكمل، فهذا يدل على ما قاله الله -تبارك وتعالى- بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون، فنهى عن الظن بأن الذين قتلوا في سبيل الله أموات، لكن تأمل قوله: قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فالنبي ﷺ سأل عن الرجل يُقاتل حمية، يعني لقومه، وغير ذلك من المقاصد، فذكر النبي ﷺ ضابطًا في هذا الباب، فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله[5]، فهذا الذي يكون في سبيل الله، وهذه هي النية الصحيحة في القتال.   فلاحظ هنا: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ  فمن قاتل رياء وسمعة فهذا لا يكون في سبيل الله، وأخبر النبي ﷺ: إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار[6]، يعني: من أجل أن يُقال: شجاع، وقد قيل، فهذا هو حظه من هذا العمل، فالناس قد قالوا: شجاع، -ما شاء الله!- فهذا الذي يُقاتل رياء وسمعة أو حمية لقومه، أو نحو ذلك كل هذا خارج عن هذا الوصف: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون فهنا نفى عنهم الموت، وليس معنى ذلك إثبات الحياة الكاملة التي يكون عليها أهل الإيمان في الجنة، وإنما الحياة البرزخية دون ذلك، وإنما يكون كمال النعيم للأرواح والأجساد بالجنة، أما في الحياة البرزخية فالنعيم يكون للأرواح؛ ولهذا ذكر النبي ﷺ: أرواحهم في جوف طير خُضر[7]، فالأرواح تُنعم في الجنة، والأجساد مدفونة في الأرض، لكن ينال هذه الأجساد من النعيم على سبيل التبع، ولكنه ليس كتنعُم الأرواح، وليس كتنعم الأجساد أيضًا في الدنيا، وكما ذكر الحافظ ابن القيم -رحمه الله-: بأن دار الدنيا يكون النعيم فيها للأجساد في الأصل والأرواح تبع، وفي البرزخ للأرواح والأجساد تبع، وفي الجنة أو في النار يستوي عذاب الأرواح وعذاب الأجساد[8]، وكذلك نعيم الأجساد، ونعيم الأرواح، فهذا غاية النعيم، وغاية العذاب، فالمنفي هنا: أن يكون هؤلاء أموات، بمعنى أنهم لا شعور لهم، ولا إحساس، ولا تنعم ألبتة، قال: بَلْ أَحْيَاء يعني: الحياة البرزخية.   وقوله: عِندَ رَبِّهِمْ  هذا يقتضي علو درجتهم، وقربهم من الله -تبارك وتعالى-. وفي قوله: يُرْزَقُون التعبير بالمضارع يدل على أن هذا الرزق يتجدد حينًا بعد حين، وكذلك أيضًا هذا الإطلاق في الرزق، حينما قال: بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون ولم يقل: يُرزقون كذا، أو كذا، وإنما أطلقه، فدل على أنه يصلهم من أنواع النعيم الذي لا يعلم وصفه إلا من تفضل به وأعطاه، هكذا قال أهل العلم، مثل الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-[9]. ودلت هذه الآية: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون أنه يصح نفي الشيء باعتبار وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا فنفى عنهم الموت، مع أن أرواحهم فارقت الأجساد، لكن هذا باعتبار الموت الذي ينتفي معه كل شيء، فهؤلاء يتنعمون، ويلتذون بما يفيض الله  عليهم من ألوان النعيم.   ثم قال: فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون يعني: أن هؤلاء يعيشون في سعادة وغِبطة؛ وذلك بما أعطاهم الله  وأولاهم، فحصل لهم ما تقر به أعينهم. وأيضًا فهم في حال استبشار بإخوانهم المجاهدين، الذين فارقوهم، وهم أحياء؛ ليفوزوا كما فازوا، وينالوا ما نالوا، فهم يتطلعون إليهم، وإلى مقدمهم، فهؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فلا خوف عليهم فيما يستقبلون من أمور الآخرة، ولا هم يحزنون فيما فاتهم من حظوظ الدنيا. فقوله -تبارك وتعالى-: فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هذا يدل على أنهم يملكون شعورًا بعد قتلهم، وإحساسًا في حياة برزخية، ليس كالحي الذي لم تُفارق روحه جسده، ولكنها أمور غيبية، فأثبت الله  لهم الفرح والاستبشار، فهذه شعورية وجدانية يجدها الإنسان في نفسه.   (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون )ولاحظ كيف سماه هنا: فضلاً؟ لأن الذي هداهم هو الله، والذي وفقهم هو الله، والذي كتب لهم هذه الخاتمة هو الله، فهو المُتفضل أولاً، والمعطي والموفق، فما يُعطيه لعباده -تبارك وتعالى- فهو فضل منه، وهو وإن سماه أجرًا في كثير من المواضع في القرآن، فذلك أيضًا من كرمه وجوده وفضله، يُعطي ويوفق، ومع ذلك يُسميه أجرًا، وإلا فمعلوم أن الإنسان مهما عمل، ومهما قدم، ومهما بذل، فهو لا يوفي نعمة من نِعم الله  عليه، كالسمع أو البصر أو العقل أو العافية في بدنه، أو نحو ذلك.   كذلك أيضًا هذا يدل على أن كل النعيم حتى دخول الجنة هو فضل، كما قال النبي ﷺ: واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله قالوا: يا رسول الله ولا أنت؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه، وفضل[10]، ولو حاسب الله عباده لعذبهم، فهؤلاء الشهداء -أيها الأحبة- فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فرحين ذهبت عنهم حياة الكدر والتعب والآلام والجراح، وذهب عنهم الكبد في هذه الحياة الدنيا، وبقيت لهم حياة الصفاء، والراحة، والنعيم، فلا حزن يعتريهم، ولا خوف يُلم بهم، لا خوف عليهم لا يخافون في أرض المحشر، ولا حينما يقوم الناس من قبورهم، فهم آمنون.   وهكذا المؤمن الموفق الصالح المُخلص لله -تبارك وتعالى-، فإنه إذا مات لا حزن يصيبه، وتأمل حال هؤلاء لشدة صلاحهم، وما هم عليه من الخير العظيم، وأنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، يعني حتى بعد موتهم، فهم معنيون بإخوانهم، وبحسن عاقبتهم، وصلاح منقلبهم، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ فيتطلعون إلى هؤلاء، ويستبشرون بهم، فهم مغتبطون بفضل الله ، قارة عيونهم بذلك، فرحة نفوسهم به، لحُسنه وكثرته وعظمته، وكمال اللذة، وعدم المُنغصات، فجمع الله  لهم بين نعيم الأبدان بالرزق، ونعيم القلوب والأرواح بالفرح والسرور بما آتاهم الله من فضل، فتم لهم ذلك من الوجهين، وإن كان -كما سبق- ليس كالنعيم الكامل، الذي يحصل في الجنة، لكن الناس -أيها الأحبة- يعرفون ما هم عليه وهم في قبورهم؛ ولذلك تجد المؤمن يقول: ربِّ أقم الساعة؛ لما يرى من النعيم، وتجد الكافر يقول: ربِّ لا تُقم الساعة، مع أنه يُعذب في قبره، لكن يرى أن هذا العذاب يسير بالنسبة لما ينتظره من الأهوال والأوجال، والعذاب العظيم، فالناس في القبور على أحد هاتين الحالتين، ربِّ أقم الساعة، أو ربِّ لا تُقم الساعة، والفُرصة -أيها الأحبة- سانحة في هذه الحياة، ما دامت هذه الأنفاس مترددة، يستطيع الإنسان أن يستدرك ويُراجع، والموت يأتي بغتة، ولا يدري الإنسان في أي لحظة يوافي؛ ولذلك ينبغي أن يُعد الإنسان عُدته لهذا الرحيل، ويجتهد في الأعمال التي تُقربه وترفعه، وإلا فإذا فارقت الروح الجسد انتهى كل شيء، وبقي الحساب والجزاء، وسيرى عند الموت الملائكة، ويرى أشياء كانت غائبة عنه، والقبر هو أول منازل الآخرة.   فنسأل الله  أن يُحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأن يختم لنا بخير، وأن يغفر ويرحم موتى المسلمين، وأن يتجاوز عنهم، وأن يرفع درجاتهم، ويُكفر سيئاتهم، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين، اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.   أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون برقم (1887). أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون برقم (1887). أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة الرجيع، ورعل، وذكوان، وبئر معونة، وحديث عضل، والقارة، وعاصم بن ثابت، وخبيب وأصحابه برقم (4090). أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى برقم (4271) وصححه الألباني. أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا برقم (2810) ومسلم في الإمارة، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا... برقم (1904). أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار برقم (1905). أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون برقم (1887). الروح (ص:52). تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص:157). أخرجه مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى برقم (2816).   موقع الشيخ خالد السبت
    • تفسير الشيخ الشعراوي (فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ )٣٥-الأحقاف الخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الحق سبحانه يُسلِّيه ويثبته ليتحمل الإيذاء من الكافرين، فليس هو بدعاً في ذلك، فقد سبقه كثير من إخوانه الرسل، فليصبر محمد كما صبروا.
        تعرفون أن سيدنا رسول الله تعرَّض لكثير من أذى قومه، آذوه بالقول فقالوا: ساحر وشاعر ومجنون وكاهن وكذاب. ثم تعدّى الإيذاء إلى الإيذاء بالفعل، فاعتدوا عليه في الطائف حتى أدموا قدميْه، وكُسرت رباعيته في أُحد، ورموا على ظهره سلى البعير وهو يصلي.
      آذوه في نفسه، وآذوه في أهله وفيمن آمن معه، بل تآمروا على قتله، وضيَّقوا عليه حتى اضطروه لترك مكة والهجرة إلى المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم يتحمل ذلك كله لكنه بشر ويشقّ عليه ذلك.
      فأراد الحق سبحانه أنْ يضع أمامه أسوة ونموذجاً لمَنْ صبر من الرسل السابقين { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ .. } [الأحقاف: 35].
        ((أولي العزم من الرسل خمسة، هم المذكورون في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} ١ .ولم يرتض -رحمه الله- قول من قال: إنهم جميع الرسل، بل قال عند تفسير قوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} ٢: "اختلف العلماء في المراد بأولي العزم من الرسل في هذه الآية الكريمة اختلافاً كثيراً، وأشهر الأقوال في ذلك أنهم خمسة، وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم السلام. وعلى هذا القول فالرسل الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبروا أربعة، فصار هو صلى الله عليه وسلم خامسهم) الشيخ محمد الأمين الشنقيطي)   فسيدنا إبراهيم عليه السلام وصل الأمر به إلى أنْ أُلقِيَ في النار، ومع ذلك لم يُفقده الموقف ثقته بربه، بدليل أن جبريل عليه السلام لما عرض عليه أنْ يطفىء هذه النار قال له: أما إليك فلا فجاء الأمر من السماء { يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [الأنبياء: 69].
      في صِغَره ابتُلي في نفسه، وفي كبره ابتُلي بذبح ولده الوحيد، وصبر على الابتلاء ففدى الله الذبيح إسماعيل، وزاده على ذلك بولد آخر هو سيدنا إسحاق ومن بعده سيدنا يعقوب، وكلهم كانوا أنبياء.
      وجاء هذا العطاء نتيجة التسليم لله في قضائه وقدره والرضا به. ولنا في أبي الأنبياء أُسوة في الرضا بالقضاء، وأنْ نربي أجيالنا على ذلك، لأن التسليم والرضا بقضاء الله أول أسباب رفع القضاء، فلا يُرفع قضاء حتى يرضى صاحبه به، وإلا ظلَّ البلاء نازلاً به.
      والذين يطول عليهم قضاء الله هم سبب ذلك، لأنهم في الواقع معترضون، ولو رضُوا لرفعه الله عنهم، مثل الأب الذي يضرب ولده على خطأ ارتكبه، فإنْ خضع وانصاع لوالده تركه، بل ويحنو عليه ويرضيه. فإن اعترض زاده ضرباً. إذن: الله تعالى يريد أنْ يُربي عبده بالابتلاء،
      كذلك من أولي العزم سيدنا نوح عليه السلام وظل يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل
      وسبق أنْ بيَّنا أن الأقدار لا تخلو من حكمة، وأن الحدث لا ينفصل عن فاعله، فقبل أنْ تعترض انظر من الفاعل. والنبي صلى الله عليه وسلم حين يتأمل مواكب إخوانه من الرسل السابقين وما تعرضوا له يهون عليه إيذاء قومه، ويكون ذلك تسلية له.
        وقوله تعالى: { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ .. } [الأحقاف: 35] يعني: لا تستعجل عذابهم، خاصة وأنهم كانوا يستعجلون العذاب جهلاً وعناداً منهم، لذلك خاطبه ربه بقوله: { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [غافر: 77] يعني: إنْ مُت يا محمد قبل أنْ ترى انتقام الله منهم فموعدهم الآخرة.
        وقوله: { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ .. } [الأحاقف: 35] يعني: يوم القيامة  [الأحقاف: 35] يعني: وحاصل ذلك أنهم استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وفي البرزخ حين عاينوا يوم القيامة وشدائدها وطولها ] .
      وهذا رأيناه في قصة أهل الكهف، فقد ألقى اللهُ عليهم النوم فناموا { ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً } [الكهف: 25] ومع ذلك لمَّا قاموا قالوا: { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ .. } [الكهف: 19] لماذا لانعدام الأحداث التي تشعر بالزمن، إذن: لا تستعجل لهم العذاب لأنها مجردُ ساعة مهما طال الزمنُ.
        وتعرفون قصة العُزير { أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ .. } [البقرة: 259].
        وقوله سبحانه: { بَلاَغٌ .. } [الأحقاف: 35] البلاغ: هو الوصول للغاية يقول تعالى: { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ .. } [إبراهيم: 52] يعني: نهاية ما يمكن أن أعظكم به.
      وما دام قال سبحانه (هذا) إذن: لا بد أن يحدث ولا يمنعه شيء لأنه إله واحد لا شريك له ولا معارض {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [الأحقاف: 35].
      الفسق: الخروج عن الطاعة، وهو سبب الهلاك في الآخرة أو حتى في الدنيا.   التفاسير العظيمة
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182274
    • إجمالي المشاركات
      2535555
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93224
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    chaima12
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×