المنتديات
-
"أهل القرآن"
-
ساحة القرآن الكريم العامة
مواضيع عامة تتعلق بالقرآن الكريم
- 56774
- مشاركات
-
ساحات تحفيظ القرآن الكريم
ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]- 109825
- مشاركات
-
ساحة التجويد
ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح
- 9066
- مشاركات
-
-
القسم العام
-
الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"
للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة
المشرفات:
المشرفات, مساعدات المشرفات
- 284
- مشاركات
-
- 180424
- مشاركات
-
شموخٌ رغم الجراح
من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.
المشرفات:
مُقصرة دومًا
- 56691
- مشاركات
-
- حنايا الانين
- بواسطة مناهل ام الخير
-
همزة الوصل
ترحيب.. تهاني.. تعازي.. مواساة..
- 259975
- مشاركات
-
- مشتاقة لكن .....
- بواسطة أمّ عبد الله
-
شكاوى واقتراحات
لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره
- 23497
- مشاركات
-
- مشكلة في نسخ موضوع
- بواسطة أمّ عبد الله
-
-
فتياتنا الجميلات
-
أحلى صحبة
نقاشات، فوائد، قضايا تخص الفتيات
- 204487
- مشاركات
-
- 117096
- مشاركات
-
- فرقعة فُشار ..!
- بواسطة إسراء سعد أحمد
-
- 136898
- مشاركات
-
- 20373
- مشاركات
-
- مذكرة فتاة مسلمة
- بواسطة مناهل ام الخير
-
-
ميراث الأنبياء
-
قبس من نور النبوة
ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها
المشرفات:
سدرة المُنتهى 87
- 8176
- مشاركات
-
مجلس طالبات العلم
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"
- 32129
- مشاركات
-
- 4159
- مشاركات
-
أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة
يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم
المشرفات:
إشراف ساحة الأحاديث الضعيفة
- 3918
- مشاركات
-
- 25483
- مشاركات
-
- 1677
- مشاركات
-
-
الملتقى الشرعي
-
- 30247
- مشاركات
-
الساحة العقدية والفقهية
لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.
المشرفات:
أرشيف الفتاوى
- 52905
- مشاركات
-
أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية
يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية
المشرفات:
أرشيف الفتاوى
- 19526
- مشاركات
-
- 6677
- مشاركات
-
-
قسم الاستشارات
-
استشارات اجتماعية وإيمانية
لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية
المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
- 40679
- مشاركات
-
- 47548
- مشاركات
-
- فوائد الثوم الذكر
- بواسطة أمّ عبد الله
-
-
داعيات إلى الهدى
-
زاد الداعية
لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.
المشرفات:
جمانة راجح
- 21004
- مشاركات
-
- أهم صفات الداعية
- بواسطة أمّ عبد الله
-
إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية
إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.
- 776
- مشاركات
-
-
البيت السعيد
-
بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]
المشرفات:
جمانة راجح
- 6306
- مشاركات
-
- 97004
- مشاركات
-
آمال المستقبل
"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء
المشرفات: ~ محبة صحبة الأخيار~
- 36831
- مشاركات
-
-
سير وقصص ومواعظ
-
- 31791
- مشاركات
-
القصص القرآني
"لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"
المشرفات:
** الفقيرة الى الله **
- 4883
- مشاركات
-
- 16436
- مشاركات
-
سيرة الصحابة والسلف الصالح
ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."
المشرفات:
سدرة المُنتهى 87
- 15474
- مشاركات
-
على طريق التوبة
يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.
المشرفات:
أمل الأمّة
- 29721
- مشاركات
-
-
العلم والإيمان
-
العبادة المنسية
"وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس
- 31145
- مشاركات
-
- 12928
- مشاركات
-
-
إن من البيان لسحرًا
-
- 50486
- مشاركات
-
- شعر شعبي عراقي قصير
- بواسطة رنيم حمدي
-
-
مملكتكِ الجميلة
-
- 41313
- مشاركات
-
منزلكِ الجميل
تصاميم.. لمسات تجميلية.. نصائح.. متعلقة بمنزلكِ
- 33878
- مشاركات
-
الطيّبات
- الأطباق الرئيسية
- قسم الحلويات
- قسم المقبلات
- قسم المعجنات والمخبوزات
- منتدى الصحة والرشاقة
- تطبيقات الطيبات
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
[البقرة : 172]- 91729
- مشاركات
-
-
كمبيوتر وتقنيات
-
- 32198
- مشاركات
-
جوالات واتصالات
قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة
- 13116
- مشاركات
-
- 34854
- مشاركات
-
- تصميم مواقع
- بواسطة Hannan Ali
-
- 65605
- مشاركات
-
وميضُ ضوء
صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا
- 6120
- مشاركات
-
الفلاشات
- || لَوْحَہٌ مِنْ اِبْدَاعِے ||
- || سَاحَہ الفلاَشْ اَلْتَعْلِيمِيَہْ ||
- || حَقِيَبہُ الْمُصَمِمَہْ ||
ساحة خاصة بأفلام الفلاشات
- 8966
- مشاركات
-
المصممة الداعية
يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات
- 4925
- مشاركات
-
-
ورشة عمل المحاضرات المفرغة
-
ورشة التفريغ
هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)
- 12904
- مشاركات
-
المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة
هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها
- 508
- مشاركات
-
-
le forum francais
-
- 7177
- مشاركات
-
-
IslamWay Sisters
-
English forums (35843 زيارات علي هذا الرابط)
Several English forums
-
-
المكررات
-
المواضيع المكررة
تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.
- 101646
- مشاركات
-
-
المتواجدات الآن 0 عضوات, 0 مجهول, 71 زوار (القائمه الكامله)
لاتوجد عضوات مسجلات متواجدات الآن
-
العضوات المتواجدات اليوم
2 عضوات تواجدن خلال ال 24 ساعة الماضية
أكثر عدد لتواجد العضوات كان 14، وتحقق
إعلانات
- تنبيه بخصوص الصور الرسومية + وضع عناوين البريد
- يُمنع وضع الأناشيد المصورة "الفيديو كليب"
- فتح باب التسجيل في مشروع "أنوار الإيمان"
- القصص المكررة
- إيقاف الرسائل الخاصة نهائيًا [مع إتاحة مراسلة المشرفات]
- تنبيه بخصوص المواضيع المثيرة بالساحة
- الأمانة في النقل، هل تراعينها؟
- ضوابط و قوانين المشاركة في المنتدى
- تنبيه بخصوص الأسئلة والاستشارات
- قرار بخصوص مواضيع الدردشة
- يُمنع نشر روابط اليوتيوب
-
أحدث المشاركات
-
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من تصبَّح سبع تمراتٍ عَجْوَة لم يضره ذاك اليوم سمٌّ ولا سِحْر))، العجوة: نوع من تمور المدينة؛ متفق عليه. ﺇﺫﺍ ﺗﺼﺒﺢ الإﻧﺴﺎﻥ ﺑﺴﺒﻊ ﺗﻤﺮﺍﺕ، ﻓﺈﻧﻪ لا ﻳﺼﻴﺒﻪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ بأمر الله ﺳﻢ ولا ﺳﺤﺮ، ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺃﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻤﺮﺍﺕ ﻗﻴﺪﺕ ﺑﺘﻤﺮ ﺍﻟﻌﺠﻮﺓ، ﻭﻓﻲ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻗﻴﺪﺕ ﺑﺘﻤﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ؛ ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ: ﺇﻧﻪ ﻳﺘﻘﻴﺪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﻤﺮ، ﻭﻟﻴﺲ ﺫﻟﻚ ﺛﺎﺑﺘًﺎ ﻟﻜﻞ ﺗﻤﺮ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﺧﺬ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﺃﻱ ﺗﻤﺮ ﻳﺘﺼﺒﺢ ﺑﻪ الإﻧﺴﺎﻥ، ﻓﺈﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺗﺼﺒﺢ ﺑﺴﺒﻊ ﺗﻤﺮﺍﺕ لا ﻳﺼﻴﺒﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺳﻢ ولا ﺳﺤﺮ، ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻓﺎﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﺃﻓﻄﺮ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺴﺒﻊ - ﻳﻌﻨﻲ ﺗﺼﺒﺢ ﺑﻬﺎ - ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻄﻠﻘًﺎ ﺣﺼﻞ ﻟﻪ ﺫﻟﻚ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻄﻠﻘًﺎ ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻘﻴﺪًﺍ ﺑﺘﻤﺮ ﺍﻟﻌﺠﻮﺓ، ﺃﻭ ﺑﺘﻤﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ؛ ﻓﺈﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﺒﻊ لا ﺗﻀﺮﻩ، ﻭﻧﺤﻦ ﻗﻠﻨﺎ: إﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﺼﺒﺢ ﺑﺴﺒﻊ ﺗﻤﺮﺍﺕ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ الإﻃﻼﻕ، ﻓﺈﻧﻪ لا ﻳﻀﺮﻩ ﺑﻨﺎءً ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻳﺠﺐ الأﺧﺬ ﺑﺈﻃﻼﻗﻪ، ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻠﻔﻆ ﺍﻟﻤﻘﻴﺪ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﻄﺎﺑﻘًﺎ ﻟﻠﻤﻄﻠﻖ ﻓﻲ ﺣﻜﻤﻪ، ﻟﻴﺲ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻘﻴﺪ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺫﻛﺮ ﻟﺒﻌﺾ الأﻓﺮﺍﺩ، ﺑﺨﻼﻑ ﻣﻦ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺘﺨﺬ ﺷﻴﺌًﺎ ﺳُﻨﺔ ﻭﻟﻢ ﻳﺮﺩ ﺑﻪ ﻧﺺ؛ ﻓﺈﻧﻪ لا ﻳﻮﺍﻓﻖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ، ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﻗﺪ ﻭﺭﺩ ﻓﻴﻪ ﻧﺺ ﻣﺤﺘﻤﻞ، ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻘﻮﻝ: ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﻨﺺ ﻣﺤﺘﻤﻼً، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ الإﻧﺴﺎﻥ ﺑﺄﻛﻠﻪ ﺍﻟﺘﻤﺮﺍﺕ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﻣﻮﺍﻓﻘًﺎ ﻟﻤﺎ ﺃﺭﺍﺩﻩ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - صلى الله عليه وسلم - ﻓﺬﺍﻙ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻮﺍﻓﻘًﺎ ﻓﺈﻧﻪ لا ﻳﻀﺮﻩ، ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ. شبكة الالوكة -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)}
وهكذا نعرف أن المقربين من فرعون هم أول من خافوا على سلطانهم، ويدل هذا القول أيضاً على أن فرعون لم يتعرض لموسى بأي أذى؛ لأنه مازال يعيش في رهبة اليقين وصولة الحق مما جعله متوجساً وخائفاً من موسى؛ لأن فرعون أول من يعلم أن مسألة ألوهيته كذب كلها، ويعلم جيداً أن موسى على حق، لكن إعلان انهزامه أمام الجمع ليس أمراً سهلاً على النفس البشرية، وسأل الملأ من قوم فرعون الذين اهتز أمامهم سلطانه ومكانته، قالوا: لفرعون: أتترك موسى وقومه ليفسدوا في الأرض؟. أو فيما يبدو أن موسى وهارون تركا المكان بعد أن انتهيا من أمر السحرة، ولم يقبض عليهما فرعون؛ لذلك تساءل الملأ من قوم فرعون: {وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأرض وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف: 127].
و(يذرك) أي يدعك ويتركك، وكان فرعون يعتقد أن هناك آلهة علويين وآلهة سفليين، وهو رب العالم السفلي كله. لذلك قالوا: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}. وهناك قراءة أخرى (ويذرك إلاهتك أي عبادتك). أي يتركك أنت ويترك عبادتك. ويقول فرعون: {قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ}.
وحتى تلك اللحظة لم يتعرض فرعون لموسى، ولا يزال خوفه من موسى يمنعه من الاقتراب أو الدنو أو الاتصال به ولو بكلمة، إنه يأخذ الحذر من أن يقدم على شيء ضد موسى، فيفاجئه موسى مفاجأة ثانية. ويقال إن الثعبان الذي ظهر ساعة ألقى موسى عصاه فتح شدقيه واتجه إلى فرعون، فقال: كف عني وأومن بما جئت به. وهو أمر محتمل؛ لأن فرعون حتى هذه اللحظة لم يجرؤ على الاقتراب من موسى، وجاء بخبر قتل الأبناء وسبيْ النساء ولم يأت بسيرة موسى. {... سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127].
والقوي حين يملك القدرة على الضعيف لا يشد الخناق عليه شدًّا ليفتك به؛ لأنه يعرف ضعفه، ويستطيع أن يناله في أي وقت، لكن لو كان الخصم أمامك قويًّا فأنت ترهبه بالقوة حتى يخضع لك. وهنا يقول فرعون: {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}.
إن فرعون يؤكد لقومه أنهم مسيطرون وغالبون، ولن يستطيع قوم موسى أن يفلتوا منهم. ويؤكد فرعون: سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم؛ لأن الأبناء هم العدة، والنساء عادة شأنهن مبني على الحجاب، وعلى الستر، وفي إبقاء المرأة وقتل الرجل إذلال للرجال؛ لأن التعب سيكون من نصيب النساء. ولذلك كان العرب حين يغيرون على عدو، يصحبون نساءهم لتزيد الحمية ولا يخور ولا يجبن واحد وتراه زوجه أو أخته أو ابنته وهو على هذا الحال، وكذلك كان العرب يخافون الانهزام حتى لا يمسك العدو نساءهم ويأخذهن سبايا.
وهنا يؤكد فرعون إصراره على إذلال قوم موسى بأن يعيد قتل الأبناء، وأن يستحيي النساء، وكان الفرعون يفعل مثل ذلك الأمر من قبل، والسبب في ذلك أن بني إسرائيل كانوا يساعدون ملوك الهكسوس، وبعد أن طرد الفراعنة الهكسوس، اتجهوا إلى إيذاء بني إسرائيل الذين كانوا في صف الهكسوس، ومن بقي من بني إسرائيل تعرض لتقتيل الأبناء، لكن الحق أنقذ موسى حين أوحى لأمه أن تلقيه في اليم ليربيه فرعون. وها هو ذا فرعون يعيد الكرة مرة أخرى بالأمر بتقتيل الأبناء وسبي النساء.
{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)}
ويقرر موسى الحقيقة الواضحة وهي أن الأرض ليست لفرعون، والعاقبة لا تكون إلاَّ للمتقين. وكأنه بهذا القول يريد أن يردهم إلى حكم التاريخ حيث تكون العاقبة دائماً للمتقين، فإن قال لفرعون: وإنا فوقهم قاهرون، مستعلون غالبون مسلطون مسيطرون، فإن موسى يرد على ذلك: أنا أستعين بمن هو أقوى منك. إن موسى عليه السلام يأمر بأن يستعينوا بالله، ويصبروا على ما ينالهم من بطش فرعون وظلمه.
ولأن قوم موسى كانوا من المستضعفين، فإن الله وعدهم أن يؤمّنهم في الأرض ويمكن لهم فيها وهذا إخبار من الله وإخبار الله حقائق. ولكن ماذا كان موقف قوم موسى منه بعد هذا النصر العظيم لموسى، والنصر لهم؟.
{قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}
لقد قالوا لموسى: من قبل أن تأتينا أوذينا بأن قتلوا الأبناء واستحيوا النساء، وبعد أن جئت ها نحن أولاء نتلقى الإِيذاء. كأن مجيئك لم يصنع لنا شيئاً. إذن هم نظروا للابتلاءات التي يجريها الله على خلقه، ولم ينظروا إلى المنة والمنحة والعطاء وإلى آلاء الانتصار، وإلى أن فرعون قد حشد كل السحرة، وبعد ذلك هزمهم موسى، وكان يجب أن يكون تنبيها لهم لقدر عطاءات الله، هم يحسبون أيام البلاء، ولم يحسبوا أيام الرخاء.
وقوله: {فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} يدل على أنهم سوف يخونون العهود، ويفعلون الأشياء التي لا تتناسب مع هذه المقدمات. وفي الإسلام نجد عمرو بن عبيد وقد دخل على المنصور قبل أن يكون أميراً للمؤمنين، وكان أمامه رغيف أو رغيفان، فقال: التمسوا رغيفاً لابن عبيد. فرد عليه العامل: لا نجد. فلما ولي الخلافة وعاش في ثراء الملك ونعمته دخل عليه ابن عبيد وقال: لقد صدق معكم الحق يا أمير المؤمنين في قوله: {... عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 129].
وقد قال موسى لقومه بعد أن عايروه بعدم قدرته على رد العذاب عنهم. وهكذا استقبل قوم موسى أول هزيمة لفرعون أمام موسى، وقالوا له: أوذينا من قبل أن تأتينا، ومن بعد ما جئتنا، أي بالتذبيح، واستحياء النساء، وقتل الأبناء، فكأن مجيئك لم يفدنا شيئاً لأننا مقيمون على العذاب الذي كنا نُسامه. فلا حاجة لنا بك، ولا ضرورة في أن تكون موجوداً؛ بدليل أن الذي حدث بعدك هو الذي حدث قبلك.
ولم يلتفتوا إلى أن الإِيذاء من قبل ومن بعد لا ينشأ إلا من عدو، فكأن موسى يرد عليهم بأن أسباب الإِيذاء ستنتهي، وأن الله سيهلك عدوكم الذي آذاكم من قبل ويؤذيكم من بعد. ولن يقتصر الأمر على هذه النعمة؛ بل يزيدكم بأن يستخلفكم في الأرض، ويعطيكم ملكهم ويعطيكم أرضهم. وكأن هنا أمرين: الأمر الأول سلبي: وهو إهلاك العدو، والأمر الثاني إيجابي: وهو استخلافكم في الأرض وهذا أمر لكم، ووعد من الله بأن تكون لكم السيادة والملك وعليكم أن تنتبهوا إلى أن نعمة الله عليكم بإهلاك عدوكم، وباستخلافكم في الأرض لن تترك هكذا، بل أنا رقيب عليكم أنظر ماذا تفعلون، هل تستقبلون هذه النعم بالشكر وزيادة الإِيمان واليقين والارتباط بالله، أو تكفرون بهذه النعمة؟
وحين يقول الحق سبحانه وتعالى على لسان موسى {عسى} فهي كلمة- كما يقول علماء اللغة- تدل على الرجاء، ومعنى الرجاء أن ما بعدها يكون مرجو الحصول. وهناك فرق بين التمني وبين الرجاء. فالتمني أن تتطلب أمراً مستحيلاً أو يكون في الحصول عليه عسر، ولكنك تريد- فقط- بالتمني إشعار حبك له، فأنت إذا قلت: ليت الشباب يعود، فهذا أمر لا يكون، ولكنك تعلن حبك لمرحلة الشباب.
وقصارى ما يعطيه أن يعلمنا أنك تحب هذا المتمنَّي. لكن هل يتحقق أو لا يتحقق.. فهذه ليست واردة.
لكن (الرجاء) شيء محبوب يوشك أن يقع. وهكذا نعرف أن الرجاء أقوى من التمني. وأداة التمني (ليت) وأداة الرجاء (عسى). وحين يكون بعد (عسى) ما يُرْجَى فلذلك مراحل تتفاوت بقوة أسباب الرجاء في الوقوع. فأنا مثلاً إذا قلت: عسى أن أكرمك فهذا أمر يعود إليّ أنا، لأنَّ إكرامي لك يقتضي بقائي، وعدم تغير نفسي من ناحيتك، فمن الجائز أن تتغير نفسي قبل أن أكرمك ولا يقع إكرامي لك. هذا هو الرجاء من صاحب الأغيار، ومادمت صاحب أغيار فقد لا أقدر على الإِكرام، أو أقدر ولكني لم أعد أحب هذا الأمر فقد انصرفت نفسي عنه، وهذا يفسد الرجاء ويقلل الأمل في حصوله. فإذا قلت لإِنسان: عسى الله أن يكرمك فلان وهو مساويه، فهذا أمر مستبعد قليلاً؛ لأن من يقول ذلك لا يملك أن يقوم فلان بإِكرام المساوي له، لأنه صاحب أغيار.
لكن إذا قلت: عسى الله أن يكرمك فهذه أقوى، لأن ربنا لا يعجزه شيء عن إكرام إنسان. وهل يقبل الله أن يجيب رجاءك؟ هذه مسألة تحتاج إلى وقفة، فسبحانه من ناحية القوة له مطلق القدرة فلا شيء يعطله أو يستعصي أو يتأبى عليه. فإذا ما قال الحق عن نفسه: {عسى رَبُّكُمْ} فقد انتهت المسألة وتقرر الوعد وتحقق، وهذا ما يقال عنه رجاء محقق. إذن مراحل الرجاء هي: عسى أن أكرمك، وعسى أن يكرمك زيد، وعسى الله أن يكرمك، وأقوى ألوان الرجاء أن بعد الحق بالإِكرام أو بالرحمة. {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ...} [الأعراف: 129].
والكلام كما نراه هو من موسى، ولا يقدر على هذه المسألة إلا الله، فما موقع هذا من تحقيق الرجاء؟. نعلم أن موسى رسول أرسله الله لهداية الخلق، وأرسله مؤيداً بالمعجزة، فإذا كان الرسول المؤيد بالمعجزة قد أمره الله أن يبلغهم ذلك، فيكون الرجاء منه مقبولاً: {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ}.
ومرة تكون إزالة الشيء الضار نعمة بمفردها، أما أن يهلك الله عدوي ويعطيني الحق مكانة عدوي العالية فهذه نعمة إيجاب، تكون بعد نعمة سلب. ومثل هذا ما سوف يحدث يوم القيامة؛ لأن الحق يقول: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ...} [آل عمران: 185].
ومجرد الزحزحة عن النار فضل ونعمة، فما بالك بمن زُحزح عن النار وأدخل الجنة؟. لقد نال نعمتين. وهنا يقول الحق سبحانه: {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ}. وتلك وحدها نعمة تليها نعمة أخرى هي: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض}.
لكن ثمن هذه النعم هو أن ينظر ماذا تعملون؟. هل ستشكرون هذه النعم وتكونون عباداً صالحين، أو تجحدونها وتكفرونها؟ فالإِنسان ظلوم كفار.
وكلمة (ينظر) إذا جاءت على الإِنسان فُهِم المراد منها أي يراك بناظره. وإذا أُسندت لله فالأمر مختلف، فتعالى الله أن تكون له حدقة عين مثل عيوننا. لكنه سبحانه لا يجهل شيئاً لينظره؛ لأنه هو سبحانه عالمه قبل أن يقع. ونعلم أن هناك فارقاً بين الحكم على المخلوق بعلم الخالق، وبين الحكم على المخلوق بعمل المخلوق.
مثال ذلك نجد الأستاذ في مادة ما يعرف مستويات الطلاب الذين يدرسون على يديه. وعميد الكلية يقول له: ما رأيك؟ فيقول فلان تلميذ يستحق النجاح بتقدير مرتفع والثاني لابد أن يرسب. الأستاذ يقول هذا الحكم بناء عن علمه بحال كل طالب. لكن إذا أرسب الأستاذ طالباً بناء على تقديره دون امتحان فالطالب الذي رسب قد يقول لأستاذه: أنت شططت في الحكم؛ ولو مكنتني من الامتحان لنجحت. وحين يقرر العميد امتحان الطالب، ويؤدي الامتحان بالفعل، ولكنه يرسب. هنا يتأكد للعميد أن الحكم برسوب طالب قد عرفه الأستاذ أولاً ثم تلا ذلك إخفاق الطالب في الامتحان.
إن الله سبحانه حين يقول: {فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}. هو سبحانه لا ينظرها ليعلمها- حاشا الله- فهو عالمها، ولكنه لا يريد أن يحكم بعلمه على خلقه. ولكن يريد أن يحكم على خلقه بفعل خلقه، وسبحانه عالم أزلاً بكل من يهدي ومن يضل. ولذلك خلق الجنة وخلق النار لتسع كل منهما كل الخلق، ولم يخلق أماكن في الجنة على قدر من سوف يدخلونها فقط، وكذلك لم يخلق أماكن في النار لا تسع فقط أهل النار، بل يمكنها أن تسع كل الخق، ولم يحكم بعلمه في هذه المسألة، بل يترك الحكم الأخير لواقع الأشياء مادام هناك اختيار للإِنسان، فعلى فرض أنكم جميعاً آمنتم فلكم كلكم أماكن في الجنة. وعلى فرض أنكم- والعياذ بالله- كفرتم فلكم أماكن في النار، وسبحانه لن ينشئ شيئاً جديداً، بل أعد كل شيء وانتهى الأمر.
وحين يأتي أهل الجنة ليدخلوا الجنة، وأهل النار ليدخلوا النار سوف يكون لأهل الجنة مقاعد أخرى كانت مخصصة لمن دخلوا النار. ويعلن لأهل الجنة: أورثتموها وخذوها أنتم: {ونودوا أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا...} [الأعراف: 43].
وهي ميراث من الذين كانت معدة لهم ولم يقوموا بالعمل المؤهل لامتلاكها. فإياك أن تفهم أن نظر الله إلى خلقه ليعلم منه شيئاً. لا. أنَّه العليم أزلاً.
ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بالغيب...} [الحديد: 25].
وسبحانه يعلم أزلاً ويتحقق بسلوك الناس علمهم بأفعالهم واقعاً، وعلم الواقع هو الذي يكون حجة على الخلق. وهنا في الآية التي نحن بصددها ثلاثة أشياء: أن يهلك سبحانه عدوكم، وأن يستخلفكم في الأرض، فينظر كيف تعملون. ونحقق فيما تحقق منهما.
وجاء سبحانه في مقدمة الإِهلاك، فقال: {وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بالسنين...}.
نداء الايمان
{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)}
وهكذا نعرف أن المقربين من فرعون هم أول من خافوا على سلطانهم، ويدل هذا القول أيضاً على أن فرعون لم يتعرض لموسى بأي أذى؛ لأنه مازال يعيش في رهبة اليقين وصولة الحق مما جعله متوجساً وخائفاً من موسى؛ لأن فرعون أول من يعلم أن مسألة ألوهيته كذب كلها، ويعلم جيداً أن موسى على حق، لكن إعلان انهزامه أمام الجمع ليس أمراً سهلاً على النفس البشرية، وسأل الملأ من قوم فرعون الذين اهتز أمامهم سلطانه ومكانته، قالوا: لفرعون: أتترك موسى وقومه ليفسدوا في الأرض؟. أو فيما يبدو أن موسى وهارون تركا المكان بعد أن انتهيا من أمر السحرة، ولم يقبض عليهما فرعون؛ لذلك تساءل الملأ من قوم فرعون: {وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأرض وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف: 127].
و(يذرك) أي يدعك ويتركك، وكان فرعون يعتقد أن هناك آلهة علويين وآلهة سفليين، وهو رب العالم السفلي كله. لذلك قالوا: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}. وهناك قراءة أخرى (ويذرك إلاهتك أي عبادتك). أي يتركك أنت ويترك عبادتك. ويقول فرعون: {قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ}.
وحتى تلك اللحظة لم يتعرض فرعون لموسى، ولا يزال خوفه من موسى يمنعه من الاقتراب أو الدنو أو الاتصال به ولو بكلمة، إنه يأخذ الحذر من أن يقدم على شيء ضد موسى، فيفاجئه موسى مفاجأة ثانية. ويقال إن الثعبان الذي ظهر ساعة ألقى موسى عصاه فتح شدقيه واتجه إلى فرعون، فقال: كف عني وأومن بما جئت به. وهو أمر محتمل؛ لأن فرعون حتى هذه اللحظة لم يجرؤ على الاقتراب من موسى، وجاء بخبر قتل الأبناء وسبيْ النساء ولم يأت بسيرة موسى. {... سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127].
والقوي حين يملك القدرة على الضعيف لا يشد الخناق عليه شدًّا ليفتك به؛ لأنه يعرف ضعفه، ويستطيع أن يناله في أي وقت، لكن لو كان الخصم أمامك قويًّا فأنت ترهبه بالقوة حتى يخضع لك. وهنا يقول فرعون: {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}.
إن فرعون يؤكد لقومه أنهم مسيطرون وغالبون، ولن يستطيع قوم موسى أن يفلتوا منهم. ويؤكد فرعون: سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم؛ لأن الأبناء هم العدة، والنساء عادة شأنهن مبني على الحجاب، وعلى الستر، وفي إبقاء المرأة وقتل الرجل إذلال للرجال؛ لأن التعب سيكون من نصيب النساء. ولذلك كان العرب حين يغيرون على عدو، يصحبون نساءهم لتزيد الحمية ولا يخور ولا يجبن واحد وتراه زوجه أو أخته أو ابنته وهو على هذا الحال، وكذلك كان العرب يخافون الانهزام حتى لا يمسك العدو نساءهم ويأخذهن سبايا.
وهنا يؤكد فرعون إصراره على إذلال قوم موسى بأن يعيد قتل الأبناء، وأن يستحيي النساء، وكان الفرعون يفعل مثل ذلك الأمر من قبل، والسبب في ذلك أن بني إسرائيل كانوا يساعدون ملوك الهكسوس، وبعد أن طرد الفراعنة الهكسوس، اتجهوا إلى إيذاء بني إسرائيل الذين كانوا في صف الهكسوس، ومن بقي من بني إسرائيل تعرض لتقتيل الأبناء، لكن الحق أنقذ موسى حين أوحى لأمه أن تلقيه في اليم ليربيه فرعون. وها هو ذا فرعون يعيد الكرة مرة أخرى بالأمر بتقتيل الأبناء وسبي النساء.
{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)}
ويقرر موسى الحقيقة الواضحة وهي أن الأرض ليست لفرعون، والعاقبة لا تكون إلاَّ للمتقين. وكأنه بهذا القول يريد أن يردهم إلى حكم التاريخ حيث تكون العاقبة دائماً للمتقين، فإن قال لفرعون: وإنا فوقهم قاهرون، مستعلون غالبون مسلطون مسيطرون، فإن موسى يرد على ذلك: أنا أستعين بمن هو أقوى منك. إن موسى عليه السلام يأمر بأن يستعينوا بالله، ويصبروا على ما ينالهم من بطش فرعون وظلمه.
ولأن قوم موسى كانوا من المستضعفين، فإن الله وعدهم أن يؤمّنهم في الأرض ويمكن لهم فيها وهذا إخبار من الله وإخبار الله حقائق. ولكن ماذا كان موقف قوم موسى منه بعد هذا النصر العظيم لموسى، والنصر لهم؟. {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}
لقد قالوا لموسى: من قبل أن تأتينا أوذينا بأن قتلوا الأبناء واستحيوا النساء، وبعد أن جئت ها نحن أولاء نتلقى الإِيذاء. كأن مجيئك لم يصنع لنا شيئاً. إذن هم نظروا للابتلاءات التي يجريها الله على خلقه، ولم ينظروا إلى المنة والمنحة والعطاء وإلى آلاء الانتصار، وإلى أن فرعون قد حشد كل السحرة، وبعد ذلك هزمهم موسى، وكان يجب أن يكون تنبيها لهم لقدر عطاءات الله، هم يحسبون أيام البلاء، ولم يحسبوا أيام الرخاء.
وقوله: {فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} يدل على أنهم سوف يخونون العهود، ويفعلون الأشياء التي لا تتناسب مع هذه المقدمات. وفي الإسلام نجد عمرو بن عبيد وقد دخل على المنصور قبل أن يكون أميراً للمؤمنين، وكان أمامه رغيف أو رغيفان، فقال: التمسوا رغيفاً لابن عبيد. فرد عليه العامل: لا نجد. فلما ولي الخلافة وعاش في ثراء الملك ونعمته دخل عليه ابن عبيد وقال: لقد صدق معكم الحق يا أمير المؤمنين في قوله: {... عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 129].
وقد قال موسى لقومه بعد أن عايروه بعدم قدرته على رد العذاب عنهم. وهكذا استقبل قوم موسى أول هزيمة لفرعون أمام موسى، وقالوا له: أوذينا من قبل أن تأتينا، ومن بعد ما جئتنا، أي بالتذبيح، واستحياء النساء، وقتل الأبناء، فكأن مجيئك لم يفدنا شيئاً لأننا مقيمون على العذاب الذي كنا نُسامه. فلا حاجة لنا بك، ولا ضرورة في أن تكون موجوداً؛ بدليل أن الذي حدث بعدك هو الذي حدث قبلك.
ولم يلتفتوا إلى أن الإِيذاء من قبل ومن بعد لا ينشأ إلا من عدو، فكأن موسى يرد عليهم بأن أسباب الإِيذاء ستنتهي، وأن الله سيهلك عدوكم الذي آذاكم من قبل ويؤذيكم من بعد. ولن يقتصر الأمر على هذه النعمة؛ بل يزيدكم بأن يستخلفكم في الأرض، ويعطيكم ملكهم ويعطيكم أرضهم. وكأن هنا أمرين: الأمر الأول سلبي: وهو إهلاك العدو، والأمر الثاني إيجابي: وهو استخلافكم في الأرض وهذا أمر لكم، ووعد من الله بأن تكون لكم السيادة والملك وعليكم أن تنتبهوا إلى أن نعمة الله عليكم بإهلاك عدوكم، وباستخلافكم في الأرض لن تترك هكذا، بل أنا رقيب عليكم أنظر ماذا تفعلون، هل تستقبلون هذه النعم بالشكر وزيادة الإِيمان واليقين والارتباط بالله، أو تكفرون بهذه النعمة؟
وحين يقول الحق سبحانه وتعالى على لسان موسى {عسى} فهي كلمة- كما يقول علماء اللغة- تدل على الرجاء، ومعنى الرجاء أن ما بعدها يكون مرجو الحصول. وهناك فرق بين التمني وبين الرجاء. فالتمني أن تتطلب أمراً مستحيلاً أو يكون في الحصول عليه عسر، ولكنك تريد- فقط- بالتمني إشعار حبك له، فأنت إذا قلت: ليت الشباب يعود، فهذا أمر لا يكون، ولكنك تعلن حبك لمرحلة الشباب.
وقصارى ما يعطيه أن يعلمنا أنك تحب هذا المتمنَّي. لكن هل يتحقق أو لا يتحقق.. فهذه ليست واردة.
لكن (الرجاء) شيء محبوب يوشك أن يقع. وهكذا نعرف أن الرجاء أقوى من التمني. وأداة التمني (ليت) وأداة الرجاء (عسى). وحين يكون بعد (عسى) ما يُرْجَى فلذلك مراحل تتفاوت بقوة أسباب الرجاء في الوقوع. فأنا مثلاً إذا قلت: عسى أن أكرمك فهذا أمر يعود إليّ أنا، لأنَّ إكرامي لك يقتضي بقائي، وعدم تغير نفسي من ناحيتك، فمن الجائز أن تتغير نفسي قبل أن أكرمك ولا يقع إكرامي لك. هذا هو الرجاء من صاحب الأغيار، ومادمت صاحب أغيار فقد لا أقدر على الإِكرام، أو أقدر ولكني لم أعد أحب هذا الأمر فقد انصرفت نفسي عنه، وهذا يفسد الرجاء ويقلل الأمل في حصوله. فإذا قلت لإِنسان: عسى الله أن يكرمك فلان وهو مساويه، فهذا أمر مستبعد قليلاً؛ لأن من يقول ذلك لا يملك أن يقوم فلان بإِكرام المساوي له، لأنه صاحب أغيار.
لكن إذا قلت: عسى الله أن يكرمك فهذه أقوى، لأن ربنا لا يعجزه شيء عن إكرام إنسان. وهل يقبل الله أن يجيب رجاءك؟ هذه مسألة تحتاج إلى وقفة، فسبحانه من ناحية القوة له مطلق القدرة فلا شيء يعطله أو يستعصي أو يتأبى عليه. فإذا ما قال الحق عن نفسه: {عسى رَبُّكُمْ} فقد انتهت المسألة وتقرر الوعد وتحقق، وهذا ما يقال عنه رجاء محقق. إذن مراحل الرجاء هي: عسى أن أكرمك، وعسى أن يكرمك زيد، وعسى الله أن يكرمك، وأقوى ألوان الرجاء أن بعد الحق بالإِكرام أو بالرحمة. {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ...} [الأعراف: 129].
والكلام كما نراه هو من موسى، ولا يقدر على هذه المسألة إلا الله، فما موقع هذا من تحقيق الرجاء؟. نعلم أن موسى رسول أرسله الله لهداية الخلق، وأرسله مؤيداً بالمعجزة، فإذا كان الرسول المؤيد بالمعجزة قد أمره الله أن يبلغهم ذلك، فيكون الرجاء منه مقبولاً: {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ}.
ومرة تكون إزالة الشيء الضار نعمة بمفردها، أما أن يهلك الله عدوي ويعطيني الحق مكانة عدوي العالية فهذه نعمة إيجاب، تكون بعد نعمة سلب. ومثل هذا ما سوف يحدث يوم القيامة؛ لأن الحق يقول: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ...} [آل عمران: 185].
ومجرد الزحزحة عن النار فضل ونعمة، فما بالك بمن زُحزح عن النار وأدخل الجنة؟. لقد نال نعمتين. وهنا يقول الحق سبحانه: {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ}. وتلك وحدها نعمة تليها نعمة أخرى هي: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض}.
لكن ثمن هذه النعم هو أن ينظر ماذا تعملون؟. هل ستشكرون هذه النعم وتكونون عباداً صالحين، أو تجحدونها وتكفرونها؟ فالإِنسان ظلوم كفار.
وكلمة (ينظر) إذا جاءت على الإِنسان فُهِم المراد منها أي يراك بناظره. وإذا أُسندت لله فالأمر مختلف، فتعالى الله أن تكون له حدقة عين مثل عيوننا. لكنه سبحانه لا يجهل شيئاً لينظره؛ لأنه هو سبحانه عالمه قبل أن يقع. ونعلم أن هناك فارقاً بين الحكم على المخلوق بعلم الخالق، وبين الحكم على المخلوق بعمل المخلوق.
مثال ذلك نجد الأستاذ في مادة ما يعرف مستويات الطلاب الذين يدرسون على يديه. وعميد الكلية يقول له: ما رأيك؟ فيقول فلان تلميذ يستحق النجاح بتقدير مرتفع والثاني لابد أن يرسب. الأستاذ يقول هذا الحكم بناء عن علمه بحال كل طالب. لكن إذا أرسب الأستاذ طالباً بناء على تقديره دون امتحان فالطالب الذي رسب قد يقول لأستاذه: أنت شططت في الحكم؛ ولو مكنتني من الامتحان لنجحت. وحين يقرر العميد امتحان الطالب، ويؤدي الامتحان بالفعل، ولكنه يرسب. هنا يتأكد للعميد أن الحكم برسوب طالب قد عرفه الأستاذ أولاً ثم تلا ذلك إخفاق الطالب في الامتحان.
إن الله سبحانه حين يقول: {فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}. هو سبحانه لا ينظرها ليعلمها- حاشا الله- فهو عالمها، ولكنه لا يريد أن يحكم بعلمه على خلقه. ولكن يريد أن يحكم على خلقه بفعل خلقه، وسبحانه عالم أزلاً بكل من يهدي ومن يضل. ولذلك خلق الجنة وخلق النار لتسع كل منهما كل الخلق، ولم يخلق أماكن في الجنة على قدر من سوف يدخلونها فقط، وكذلك لم يخلق أماكن في النار لا تسع فقط أهل النار، بل يمكنها أن تسع كل الخق، ولم يحكم بعلمه في هذه المسألة، بل يترك الحكم الأخير لواقع الأشياء مادام هناك اختيار للإِنسان، فعلى فرض أنكم جميعاً آمنتم فلكم كلكم أماكن في الجنة. وعلى فرض أنكم- والعياذ بالله- كفرتم فلكم أماكن في النار، وسبحانه لن ينشئ شيئاً جديداً، بل أعد كل شيء وانتهى الأمر.
وحين يأتي أهل الجنة ليدخلوا الجنة، وأهل النار ليدخلوا النار سوف يكون لأهل الجنة مقاعد أخرى كانت مخصصة لمن دخلوا النار. ويعلن لأهل الجنة: أورثتموها وخذوها أنتم: {ونودوا أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا...} [الأعراف: 43].
وهي ميراث من الذين كانت معدة لهم ولم يقوموا بالعمل المؤهل لامتلاكها. فإياك أن تفهم أن نظر الله إلى خلقه ليعلم منه شيئاً. لا. أنَّه العليم أزلاً.
ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بالغيب...} [الحديد: 25].
وسبحانه يعلم أزلاً ويتحقق بسلوك الناس علمهم بأفعالهم واقعاً، وعلم الواقع هو الذي يكون حجة على الخلق. وهنا في الآية التي نحن بصددها ثلاثة أشياء: أن يهلك سبحانه عدوكم، وأن يستخلفكم في الأرض، فينظر كيف تعملون. ونحقق فيما تحقق منهما.
وجاء سبحانه في مقدمة الإِهلاك، فقال: {وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بالسنين...}. نداء الايمان
-
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
أحمد الله بمحامده التي هو لها أهل، والصلاة والسلام على خاتم رسله وأنبيائه، محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد: فإن المطالعة والنظر في تراث العلامة الرباني محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - يثري المطَّلع والناظر بجملة كبيرة من الفوائد المتينة، والتقسيمات البديعة، والضوابط العلمية المتينة. وقد اخترت أن أذكر في هذه السلسلة من المقالات جملة منها، وسوف أخص بالذكر فيها ما كان منها مندرجًا تحت الرقم أربعة؛ ولذلك سميتها: رباعيات العلامة محمد بن صالح العثيمين (رحمه الله)، وقد وضعت لها عناوين تلخص مضامينها وتوضح مقاصدها، بعضها من وضعه رحمه الله، والأخر من عندي. وإلى هذه الرباعيات فنقول، منها: أعمال يستكثر منها: قال العثيمين - رحمه الله -:" واستكثروا في شهر رمضان من أربع خصال اثنتان ترضون بهما ربكم، واثنتان لا غنى لكم عنها، فأما اللتان ترضون بهما ربكم، الأول: فشهادة أن لا إله إلا الله، الثاني: والاستغفار، وأما اللتان لا غنى لكم عنهما، الثالث: فتسألون الله الجنة، الرابع: وتستعيذون به من النار، واحرصوا على الدعاء ". الضياء اللامع من الخطب الجوامع (ص:362). واقع الناس: قال العثيمين - رحمه الله -:" واقع الناس لا يخلو من أربع حالات: أحدها: أن يقوى الإيمان ويقوى السلطان وهذه أكمل الأحوال وأحسنها. فبقوة الإيمان تحصل تقوى الله وخشيته في السر والعلانية، ويمتنع الناس من المعاصي عن رغبة في ثواب الآخرة وخوف من الله عز وجل. ولو قدر أن أحدا سولت له نفسه بمعصية يوما من الأيام لذكر قوة السلطان فرجع عما هم به وارتدع. الحال الثانية: أن يقوى الإيمان ويضعف السلطان وهذه أقل درجة من الأولى وأضعف، فإنه ربما لا يرتدع عن المعصية من سولت له نفسه فعلها يوما من الأيام إذا علم أن السلطان ضعيف، ولكن يحصل بهذه الحال خشية الله سراً وعلنا ورجاء ثواب الآخرة وهذه فائدة كبيرة. الحال الثالثة: أن يضعف الإيمان ويقوى السلطان وهذه أضعف بكثير مما قبلها، فإنها لا تمنع من فعل المعاصي سرا ولكن تمنع من المجاهرة بالمعصية خوفًا من السلطان، فإن ضعيف الإيمان إذا علم أنه إذا علم به أدب تأديبا صارما يردعه فإنه يمتنع عن المجاهرة بالمعصية ويكون خائفًا. الحال الرابعة: أن يضعف الإيمان ويضعف السلطان فهذه أخطر الحالات على المجتمع وشرها، فلا إيمان يمنع عن المعاصي سرًا ولا سلطان يردع عن المعاصي جهرًا، وإذا كان الناس بهذه الحال ضعف إيمان وضعف سلطان كثرت المعاصي وانتشرت وأسرت وأعلنت فلا حول ولا قوة إلا بالله . ولقد كان من سياسة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه إذا رأى ضعف الإيمان في القلوب وكثرة ارتكاب الناس للمعصية زاد في تعزيرهم وعقوبتهم فيما ليس فيه عقوبة محدودة شرعًا، وهذا كمال السياسة لمصالح العباد ". الضياء اللامع من الخطب الجوامع (2/ 97). عقوبات قتل النفس في الآخرة: قال العثيمين - رحمه الله -:" أما عقوبات الآخرة فقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ أربع عقوبات عظيمة كل واحدة منها توجل القلب وتفزع النفس -: الأولى: ﴿ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ﴾ فيا ويله ما أصبره على نار جهنم وقد فضلت على نار الدنيا كلها بتسعة وستين جزءًا. الثانية: ﴿ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ﴾: وبئسما حصل لنفسه من غضب الرب العظيم عليه. الثالثة: ﴿ وَلَعَنَهُ ﴾: فطرده وأبعده عن رحمته. الرابعة: ﴿ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ ". الضياء اللامع من الخطب الجوامع (3/ 320). عملية الإسقاط للجنين إذا احتيج لها: قال العثيمين - رحمه الله -:" فإن احتاج إلى عملية فله حالات أربع: الأولى: أن تكون الأم حية والحمل حيًا، فلا تجوز العملية إلا لضرورة، بأن تتعسر ولادتها فتحتاجُ إلى عملية، وذلك لأن الجسم أمانة عند العبد، فلا يتصرف فيه بما يخشى منه إلا لمصلحة: كبرى؛ ولأنه رما يظن ألا ضرر في العملية فيحصل الضرر. الثانية: أن تكون الأم ميتة والحمل ميتًا، فلا يجوزُ إجراء العملية لإخراجه لعدم الفائدة. الثالثة: أن تكون الأم حية والحمل ميتًا، فيجوز إجراء العملية لإخراجه، إلا أن يخشى الضرر على الأم لأن الظاهر - والله أعلم - أن الحمل إذا مات لا يكاد يخرج بدون العملية، فاستمراره في بطنها يمنعها من الحمل المستقبل، ويشق عليها، وربما تبقى أيّماً إذا كانت معتدة من زوج سابق. الرابعة: أن تكون الأم ميتة والحمل حيًا، فإنا كان لا ترجى حياته لم يجز إجراء العملية. وإن كان ترجى حياته، فإن كان قد خرج بعضه شق بطن الأم لإخراج باقيه، وإن لم يخرج منه شيء، فقد قال أصحابنا رحمهم الله لا يشق بطن الأم لإخراج الحمل، لأن ذلك مُثْلَة، والصواب أنه يشق البطن إن يكن إخراجه بدونه، وهذا اختيار ابن هبيرة قال في ((الإنصاف )): وهو أولى". رسالة في الدماء الطبيعية للنساء (ص:26)، ومجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (11/ 333-334).. بكر البعداني شبكة الالوكة -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
أحمد الله بمحامده التي هو لها أهل، والصلاة والسلام على خاتم رسله وأنبيائه، محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد: فإن المطالعة والنظر في تراث العلامة الرباني محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - يثري المطَّلع والناظر بجملة كبيرة من الفوائد المتينة، والتقسيمات البديعة، والضوابط العلمية المتينة، وقد اخترت أن أذكر في هذه السلسلة من المقالات جملة منها، وسوف أخص بالذكر فيها ما كان منها مندرجًا تحت الرقم أربعة؛ ولذلك سميتها: رباعيات العلامة محمد بن صالح العثيمين (رحمه الله)، وقد وضعت لها عناوين تلخص مضامينها وتوضح مقاصدها، بعضها من وضعه رحمه الله، والأخر من عندي. وإلى هذه الرباعيات فنقول، منها: الإيمان بالله: قال العثيمين - رحمه الله -:" الإيمان بالله يتضمن أربعة أمور، وهي: 1 - الإيمان بوجوده. 2 - وربوبيته. 3 - وألوهيته. 4 - وأسمائه وصفاته ". القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 71 - 409)، ومجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (5/ 107 - 113) و (6/ 77) و (8/ 41) و (10/ 651 - 997). الإيمان بالملائكة: قال العثيمين - رحمه الله -:" والإيمان بالملائكة يتضمن أربعة أمور: 1 - الإيمان بوجودهم. 2 - الإيمان باسم من علمنا اسمه منهم. 3 - الإيمان بأفعالهم. 4 - الإيمان بصفاتهم ". القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 410)، ومجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (5/ 116 - 117) و (6/ 87) و (8/ 45) و (10/ 998).. من جعل الله بضاعته وحلف الأيمان الكاذبة: قال العثيمين - رحمه الله -:" وإن كان كاذبًا جمع بين أربعة أمور محذورة: 1 - استهانته باليمين ومخالفته أمر الله بحفظ اليمين. 2 - كذبه. 3 - أكله المال بالباطل. 4 - أن يمينه يمين غموس ". القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 462)، ومجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (10/ 1049 - 1050).. الناس في مقام الشرع والقدر: قال العثيمين - رحمه الله -:" الناس في هذا المقام - مقام الشرع والقدر - أربعة أقسام: الأول: من حققوا هذه الأصول الأربعة: أصلي الشرع، وأصلي القدر، وهم المؤمنون المتقون الذي كان عندهم من عبادة الله تعالى والاستعانة به ما تصلح به أحوالهم، فكانوا لله، وفي الله، وهؤلاء أهل القسط والعدل الذين شهدوا مقام الربوبية والألوهية، وهم أعلى الأقسام، فإن هذا مقام الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، والشهداء، والصالحين. الثاني: من فاتهم التحقيق في أصلي القدر، فكان عندهم من عبادة الله تعالى والاستقامة في شرعه ما عندهم، لكن ليس عندهم قوة في الاستعانة بالله والصبر على أحكامه الكونية والشرعية، فيصيبهم عند العمل من العجز والكسل ما يمنعهم من العمل أو إكماله، ويلحقهم بعد العمل من العجب والفخر ما قد يكون سبباً لحبوط عملهم وخذلانهم، وهؤلاء أضعف ممن سبقهم وأدنى مقاماً وأقل عدلاً، لأن شهودهم مقام الإلهية غالب على شهود مقام الربوبية. الثالث: من فاتهم التحقيق في أصلي الشرع، فكانوا ضعفاء في الاستقامة على أمر الله تعالى ومتابعة شرعه، لكن عندهم قوة في الاستعانة بالله والتوكل عليه، ولكن قد يكون ذلك في أمور عندهم قوة في الاستعانة بالله والتوكل عليه، ولكن قد يكون ذلك في أمور لا يحبها الله تعالى ولا يرضاها، فيعان ويمكن له بقدر حاله، ويحصل له من المكاشفات والتأثيرات ما لا يحصل للقسم الذي قبله، لكن ما يحصل له من هذه الأمور يكون من نصيب العاجلة الدنيا، أما عاقبته فعاقبة سيئة، لأنه ليس من المتقين وإنما العاقبة للمتقين قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 65 - 66]. فالله تعالى يعلم أن هؤلاء سيشركون بعد أن ينجيهم لكن لما كانوا في البحر كانوا مخلصين في دعائهم الله تعالى أن ينجيهم صادقين في تفويض الأمر إليه حصل مرادهم، ولما لم يكن لهم عبادة لم يستقم أمرهم وكان عاقبة أمرهم خسرًا. فالفرق بين هؤلاء وبين القسم الذين قبلهم: أن الذين قبلهم كان لهم دين ضعيف لضعف استعانتهم بالله وتوكلهم عليه، لكنه مستمر باق إن لم يفسده صاحبه بالعجز والجزع. وهؤلاء لهم حال وقوة لكن لا يبقى لهم إلا ما وافقوا فيه الأمر واتبعوا فيه السنة. القسم الرابع: من فاتهم تحقيق أصلي الشرع، وأصلي القدر، فليس عندهم عبادة لله تعالى، ولا استعانة به ولا لجوء إليه عند الشدة فهم مستكبرون عن عبادة الله مستغنون بأنفسهم عن خالقهم، وربما لجئوا في الشدائد وإدراك مطالبهم إلى الشياطين فأطاعوها فيما تريد وأعانتهم فيما يريدون، فيظن الظان أن هذا من باب الكرامات، وهو من باب الإهانات؛ لأن عاقبتهم الذل والهوان. وهذا القسم شر الأقسام ". تقريب التدمرية (ص:117)، ومجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (4/ 250 - 251). أربعة أفعال أسندت إلى الشمس في آية: قال العثيمين - رحمه الله -: " قوله - تعالى -: ﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ [الكهف: 17]. فهذه أربعة أفعال أسندت إلى الشمس: الأول: (طلعت)، الثاني: (تزاور)، الثالث: (غربت)، الرابع: (تقرضهم) ". مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (1/ 71). بكر البعداني شبكة الالوكة -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115)}
نلاحظ أنهم لم يؤكدوا لموسى رغبتهم في أن يلقي هو أولا عصاه. ولكنهم أكدوا رغبتهم في أن يكونوا هم أول الملقين. فجاءوا بضمير الفصل وهو(نحن) الذي يفيد التأكيد.
ونعلم أن مَن يعقِّب ويكون عمله تاليا لمن سبقه، فإن فعله هو الذي سيترتب عليه الحكم. ولابد أن يكون قوي الحجة. هم يريدون أم يكونوا هم المعقبين، وأن موسى الذي يبدأ، لكن عزتهم تفرض عليهم أن يبدأوا هم أولاً؛ لذلك جاءوا بالعبارة التي تحمل المعنيين: {إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين} [الأعراف: 115].
فعلم موسى أنهم حريصون، على أن يبدأوا هم بالإِلقاء فأتوا بكلمة(نحن). وفكر موسى أن من صالحه أن يلقوا هم أولاً؛ لأن عصاه ستلقف وتبتلع ما يلقون؛ لذلك يأتي قوله
{قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)}
هم- إذن- سحروا أعين الناس، والسحر- كما نعلم- لطف حيلة يأتي بأعجوبة تشبه المعجزة. وكأنها تخرق القانون، وهو غير الحيلة التي يقوم بها الحواة؛ لأن الحواة يقومون بخفة حركة، وخفة يد، ليعموا الأمر على الناس. لكن (السحر) شيء آخر، ونعلم أن الحق سبحانه وتعالى خلق كل جنس بقانون؛ خلق الإِنس بقانون، وخلق الجن بقانون، وخلق الملائكة بقانونها: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ...} [المدثر: 31].
وكل قانون له خصائصه ومميزاته التي تناسب عنصر تكوينه، فالإِنسان- مثلاً- لأنه مخلوق من الطين له من الكثافة ما يمنعه من التسلل من خلال جدار؛ لأنك لو كنت تجلس وهناك تفاحة وراء الجدار الذي تجلس بجواره فلن يتعدى ريحها ولا طعمها إلى فمك؛ لأن الجدار يحول بينك وبين ذلك، لكن لو كانت هناك جذوة من نار بجانب الجدار الذي تستند عليه لكان من الممكن أن يتعدى أثرها لك؛ لأن النار إشعاعات تنفذ من الأشياء، ولأن الجن مخلوق من نار، لذلك نجد له هذه الخاصية. {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ...} [الأعراف: 27]. فإذا كان الجن له قانون والإِنس له قانون، فهل القانون هو الذي يسيطر؟ لا، بل رب القانون هو الذي يسيطر لأنه جل وعلا فوق القانون. فيأتي الله للإِنس ويُعَلّم واحداً منهم بعضاً من أسرار كونه ليستذل الجن لخدمته، برغم ما للجن من خفة حركة، فسبحانه يوضح: لا تظن أيها الجن أنك قد أخذت خصوصيتك من العنصر الذي يكونك لأن هناك القادر الأعلى وهو المعنصر لك ولغيرك، بدليل أن الإِنسان وهو من عنصر آخر يتحكم فيك بعد أن علمه الله بعضاً من أسرار كونه. ولننتبه دائماً أن العلم بأسرار تسخير الجن هو من ابتلاءات الحق للخلق؛ لأنه سبحانه وتعالى يقول: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حتى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ...} [البقرة: 102]. فكأن هاروت وماروت وهما يعلّمان الإِنسان كيف يمارس السحر، ينصحان الإِنسان الذي يرغب في أن يتعلم السحر أولاً، ويوضحان له أنهما فتنة أي ابتلاء واختبار ويقولان له: {فَلاَ تَكْفُرْ}، مما يدل على أن كل من يتعلم السحر؛ إن قال لك: إني سأستعمله في الخير فهو كاذب؛ لأنه يقول ذلك ساعة صفاء نفسه تجاه الخلق، لكن ماذا إن غافله إنسان من أي ناحية وغلبه على بعض أمره وهو يملك بعضاً من أسرار السحر؟ هل يقدر على نفسه؟ لقد قال إنه أمين وقت التحمل، لكن هل يظل أميناً وقت الأداء؟ إن من يتعلم السحر قد يستخدمه في الانتقام من غيره، وبذلك يضيع تكافؤ الفرص، ونعلم أن تكافؤ الفرص هو الذي يحمي الناس، ويعطي بعضهم الأمن من بعض، ويُلزم كل إنسان حدّه.
فإذا أخذ إنسان سلاحاً ليس عند غيره فقد يستخدمه ضد من لا يملك مثله، والإِنسي الذي يأخذ سلاح استخدام الجن إنما يأخذ سلاحاً لا يملكه أخوه الإِنسي، وبذلك يكون قد أخذ فرصة أقوى من غيره وفي هذا ابتلاء؛ لأن الإِنسان قد ينجح فيه وقد يخفق فلا يظفر بما يطلبه، وقوله سبحانه: {فَلاَ تَكْفُرْ} يدل على أنهما علما طبائع البشر في أنهم حين يأخذون فرصة أعلى قد يُضْمَنون وقت صفاء نفوسهم، ولكنهم لا يُضْمَنون يوم تعكير نفوسهم. {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المرء وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله...} [البقرة: 102].
ما دام الحق هو الذي أعطاهم هذه القدرة فهو سبحانه القادر على أن يسلبها منهم، مثلما يمنح الله سبحانه وتعالى القدرة لإِنسان ليكون غنيًّا وقادراً على شراء سلاح ناري، وأن يتدرب على إطلاق النار، فهذا الرجل ساعة يغضب قد يتصور أن يحل خلافه مع غيره أو ينهي غضبه مع أي إنسان آخر بإطلاق الرصاص عليه. لكن لو لم يكن معه (مسدس) فقد ينتهي غضبه بكلمة طيبة يسمعها، إذن فساعة ما يمنع الله أمراً فهو يريد أن يرحم؛ لذلك يقول: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حتى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ}.
وفي هذا تحذير لمن يتعلم مثل هذا الأمر، ويريد سبحانه أن يحمي خلقه من هذه المسألة، فلو أنك تتبعت هؤلاء لاستذلوك واستنزفوك، ويتركك الله لهم لأنك اعتقدت فيهم، أما إن قلت: اللهم إنك قد أقدرت بعض خلقك على السحر والشر، ولكنك احتفظت لنفسك بإذن الضر، فإني أعوذ بما احتفظت به مما أقدرت عليه، بحق قولك: {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله}، ويكفي أن نعلم أنه سبحانه قد قال: {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله}. هنا لن يمكنهم الله منك، إنما إن استجبت وسرت معهم، فهم يستنزفونك، وأراد الله أن يفضح هذه العملية فقال على ألسنة السحرة الذين استدعاهم فرعون: {أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً...} [الشعراء: 41]. وكأنهم يعترفون بالنقص فيهم، فعلى الرغم من ادعائهم القدرة على فعل المعجزات إلا أنهم عاجزون عن الكسب الذي يوفي حاجاتهم؛ لذلك طلبوا الأجر من فرعون، وهذا حال الذين يشتغلون بالسحر والشعوذة. هم يدعون القدرة ويعانون الفاقة والعوز. هكذا حكم الحق بضيق رزق من يعمل بالسحر، ويفضحهم الحق دائماً، وللعاقل أن يقول: ماداموا يَدّعُون الفلاح فليفلحوا في إصلاح أحوالهم. ومادام الساحر يدعي أنه يعرف أماكن الكنوز المخبوءة فلماذا لا يعرف كنوزاً في الأرض التي ليست مملوكة لأحد ويأخذها لنفسه؟ هذا إن افترضنا أن الساحر أمين للغاية ولا يريد أن يأخذ من خزائن الناس.
ولذلك تجد كل العاملين بالسحر والشعوذة يموتون فقراء، بشعي الهيئة؛ مصابين في الذرية؛ لأن الكائن منهم استغل فرصة لا توجد لكل واحدٍ من جنسه البشري، وذلك للإِضرار بالناس.
واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجن فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن: 6].
وهنا يقرر الحق أنهم سيعيشون في إرهاق وتعب. ولذلك يتحدد موقفنا من السحر بأننا لا ننكره مثلما ينكره آخرون. فقد قال بعض من العلماء: إن السحرة جاءوا بعصيّ وضعوا فيها زئبقاً، وعند وجود الزئبق تحت أشعة الشمس تعطي له حرارة فتتلوى العصى، لكن نحن لا ننكر السحر، كما لا ننكر الجن لأنه لا يفوتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن عفريتا من الجن تفلّت عليّ البارحة ليقطع عليّ الصلاة فأمكنني الله تبارك وتعالى منه وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ اغفر لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِي}».
فمادام الحق قد قال: إنه خلق خلقاً لا تدركهم بإحساسك، فنحن نقر بما أبلغنا به الحق؛ لأن وجود الشيء أمر وإدراك وجوده أمر آخر، وكل مخلوق له قانونه، فالعفريت من الجن قال لسيدنا سليمان عن عرش بلقيس: {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ...} [النمل: 39].
وكأن الجن يطلب زمناً ما، فقد يجلس سليمان في مقامه معهم ساعة أو ساعتين أو ثلاثا، لكن الذي عنده علم من الكتاب يقول: {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ...} [النمل: 40]. ولابد أن يكون طرفه قد ارتد في أقل من ثانية بعد أن قال ذلك، ولهذا نجد القرآن يورد ما حدث على الفور فيقول: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ}.
مما يدل على أن الله قد خلق الأجناس، وخلق لكل جنس قانوناً، وقد يكون هناك قانون أقوى من قانون آخر، لكن صاحب القانون مخلوق لذلك لا يحتفظ به؛ لأن خالق القانون يبطله، ويسلط أدنى على من هو أعلى منه. ولندقق في التعبير القرآني: {سحروا أَعْيُنَ الناس}.
ونحن أمام أشياء هي العصى والحبال. وجمع من البشر ينظر. ونفهم من قوله الحق: {سحروا أَعْيُنَ الناس} أن السحر يَنْصَبُّ على الرائي له، لكن المرئي يظل على حالته، فالعصى هي هي، والحبال هي هي، والذي يتغير هو رؤية الرائي. ولذلك قال سبحانه في آية ثانية: {... يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى} [طه: 66].
إذن فالسحر لا يقلب الحقيقة، بل تظل الحقيقة هي هي ويراها الساحر على طبيعتها. لكن الناس هي التي ترى الحقيقة مختلفة. إذن فالسحرة قد قاموا بعملهم وهو: {سحروا أَعْيُنَ الناس واسترهبوهم}.
واسترهبوهم أي أدخلوا الرهبة في نفوس الناس من هذه العملية، وظن السحرة أن موسى سيخاف مثل بقية الناس المسحورين، ونسوا أن موسى لن ينخدع بسحرهم؛ لأنه باصطفاء الله له وتأييده بالمعجزة صار منفذاً لقانون الذي أرسله فجعل عصاه حية، وصاحب القانون هو الذي يتحكم. وهم قد جاءوا بسحر عظيم، وهو أمر منطقي؛ لأن العملية هي مباراة كبرى يترتب عليها هدم ألوهية فرعون أو بقاء ألوهيته، لذلك لابد أن بأتوا يآخر وأعظم ما عندهم من السحر.
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)}
ولماذا احتاجت هذه المسألة إلى وحي جديد خصوصاً أنه قد سبق أن تم تدريب موسى على إلقاء العصا؟. ونقول: فيه فرق بين التعليم للإعداد لما يكون، والتنفيذ ساعة يكون، فساعة يأتي أمر التنفيذ يجيء الحق بأمر جديد، فربما يكون قد دخل على بشرية موسى شيء من السحر العظيم، والاسترهاب، هذا ونعلم أن قصة موسى عليه السلام فيها عجائب كثيرة. فقد كان فرعون يقتل الذكران، ويستحي النساء، وأراد ربنا ألا يُقتل موسى فقال سبحانه: {وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم...} [القصص: 7].
وقوله سبحانه: {أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} يدل على أن العملية المخوفة لم تأت بعد، بل ستأتي لاحقّاً. وهات أيَّة امرأة وقل لها: إن كنت خائفة على ابنك من أمر ما فارميه في البحر. من المؤكد أنها لن تصدقك، بل ستسخر منك؛ لأنها ستتساءل: كيف أنجيه من موت مظنون إلى موت محقق؟. وهذا هو الأمر الطبيعي، لكن نحن هنا أمام وارد من الله إلى خلق الله، ووارد الله لا يصادمه شك. إذن فالخاطر والإِلهام إذا جاء من الله لا يزاحمهما شيء قط. ولا يطلب الإِنسان عليه دليلاً لأن نفسه قد اطمأنت إليه؛ لذلك ألقت أم موسى برضيعها في البحر.
ويقدّر الله أنها أم فيقول: {وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تحزني إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ...} [القصص: 7].
ولن يرده إليها فقط، بل سيوكل إليه أمراً جللاً. {... وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين} [القصص: 7].
وكأن الحق سبحانه يوضح لأم موسى أن ابنها لن يعيش من أجلها فقط، بل إن له مهمة أخرى في الحياة فسيكون رسولاً من الله. فإذا لم تكن السماء ستحافظ عليه لأجل خاطر الأم وعواطفها، فإن السماء ستحفظه لأن له مهمة أساسية {وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين}. ونلحظ أن الحق هنا لم يأت بسيرة التابوت لكنه في آية ثانية يقول: {إِذْ أَوْحَيْنَآ إلى أُمِّكَ مَا يوحى أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل} [طه: 38-39].
ولم يقل في هذه الآية: {وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي}؛ لأنه أوضح لها ما سوف يحدث من إلقاء اليم له بالساحل. وقوله في الأولى: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ}. هو إعداد للحدث قبل أن يجيء، وفي هذه الآية: {إِذْ أَوْحَيْنَآ إلى أُمِّكَ مَا يوحى...} إلخ تجد اللقطات سريعة متتابعة لتعبر عن التصرف لحظة الخطر. لكن في الآية الأولى: {وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تحزني إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين} نجد البطء والهدوء والرتابة؛ لأنها تحكي عن الإِعداد. لما يكون.
إذن فالحق سبحانه وتعالى يعطي كل جنس قانوناً، وكل قانون يجب أن يُحترم في نطاقه، لأن تكافؤ الفرص بين الأجناس هو الذي يريده الله. وحينما أراد سبحانه وتعالى أن يبين لنا هذه المسألة أوضح أن على المؤمن أن ينظر إلى المعطيات من وراء التكاليف، وفي آية الدّيْن - على سبيل المثال- نجد الحق يوصي المقترض (المدين)- وهو الضعيف- أن يكتب الدَّيْن، ويعطي بذلك إقراراً للدائن وهو القوي القادر فيقول سبحانه: {وَلاَ تسأموا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إلى أَجَلِهِ...} [البقرة: 282].
والمسألة هنا في ظاهر الأمر أنه يحمي الدائن ونقوده، لكن علينا أن ننتبه إلى أنه يحمي المدين من نفسه؛ لأن الدَّيْن إن لم يكن موثقاً فالمدين لن يبذل الجهد الكافي للسداد، وباجتهاد المدين نفيد الوجود بطاقة فاعلة. ولكن إن لم نوثق الدَّيْن، وتكاسل المدين عن العمل والسداد فقد تشيع الفوضى في المجتمع ويرفض كل إنسان أن يقرض أحداً ما يحتاج إليه. وبذلك تفسد الأمور الاقتصادية.
إذن فسبحانه حين يأمر بتوثيق الدَّيْن، وإن كان في ظاهر الأمر حماية للدائن. لكنّه في باطن الأمر يحمي سبحانه المدين، لأن هناك فرقاً بين ساعة التحمل للحكم، وساعة أداء الحكم.
مثال ذلك حين يأتيك إنسان قائلاً: أنا عندي ألف جنيه وخائف أن يضيع مني فخذه أمانة عندك إلى أن أحتاج إليه، وبذلك يكون هذا الإِنسان قد استودعك أمانة ولا يوجد إيصال أو شهود، والأمر مردود إلى أمانة المودَع عنده إن شاء أنكر، وإن شاء أقر. ونجد من يقول لهذا الإِنسان: هات ما عندك. يقول ذلك وفي ذمته ونيته أن صاحب الألف جنيه حين يأتي ليطلبه يعطيه له، إنه يَعِدُ ذلك ساعة التحمل، لكنه لا يضمن نفسه ساعة الأداء، فقد تأتي له ظروف صعبة ساعة الأداء فيتعلل بالحجج ليبعد صاحب المال عنه.
إذن هناك فرق بين حالة واستعداد حامل الأمانة ساعة الأداء لهذه الأمانة. والمؤمن الحق هو من يتذكر ساعة التحمل والأداء معاً، إنّ بعض الناس يرفض الأمانة ليزيل عن نفسه عبء الأداء.
والذي يتعلم شيئاً يناقض ناموس وجوده كتعلم السحر نقول له: احذر أن تُبتلى وتُفتن، بل ابتعد واحفظ نفسك ولا تستعمل ذلك، واحذر أن تقول أنا سأستعمل ما تعلمته من سحر في الخير، ومن يأتي لي وهو في أزمة سوف أحلها له بالسحر. ونقول: لهذا الإِنسان: أنت تتكلم عن وقت التحمل، ولكنك لا تتكلم عن وقت الأداء.
ويقول الحق سبحانه: {وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} [الأعراف: 117].
والإِفك هو قلب الشيء على وجهه، ومنه الكذب. وعلمنا من قبل أن كل شيء له نسبة كلامية وله نسبة واقعية، فإذا قلت مثلاً (محمد مجتهد) فهذه نسبة كلامية، لكن أيوجد واحد في الواقع اسمه محمد وموثوق في اجتهاده؟. إن كان الأمر كذلك فقد وافقت النسبة الكلامية النسبة الواقعية، ويكون الكلام هو الصدق، أما الكذب فهو أن تقول (محمد مجتهد) ولا يوجد إنسان اسمه محمد، وإن كان موجوداً فهو غير مجتهد، ويكون الكلام كذباً لأن النسبة الكلامية خالفت النسبة الواقعية، وحين يكذب أحد فهو يقلب المسألة ونسمى ذلك كذباً، وشدة الكذب تسمى إفكاً.
أو الكذب ألا يكون هناك تطابق، وإن لم تكن تعلم، والإِفك أن تتعمد الكذب، وهذا أيضاً افتراء. {أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ}.
وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى: {فَإِذَا} وهي تعبر عن الفجائية حيث ابتلعت عصا موسى- بعد أن صارت حية- ما أتى السحرة وجاءوا به من الكذب والإِفك وسحروا به أعين الناس.
.
فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118)}
وقوله: {فَوَقَعَ الحق} أي صار الحق النظري واقعاً ملموساً؛ لأن هناك فارقاً بين كلام نظريًّا وكلام يؤيده الواقع، والوقوع عادة يكون من أعلى بحيث يراه ويعرفه كل من يراه.
وقوله سبحانه: {فَوَقَعَ الحق} أي ثبت الحق، فبعد أن كان كلاماً خبريًّا يصح أن يصدَّق ويصح أن يُكَذب. صار بصدقه واقعاً. {فَوَقَعَ الحق وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
والذي بطل هو ما كانوا يعملون من السحر. إن الحق جعل الصدق موسى واقعاً مشهوداً. وبذلك غُلب السحرة.
{فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)}
ولم يغلب السحرة فقط، بل غلب أيضاً فرعون وجماعته، وعاش كل من هو ضد موسى في صَغَار، صغار للمستدعِي وصغار للمستدعَى. لذلك ذيل الحق الآية بقوله: {وانقلبوا صَاغِرِينَ} أي أذلاء.
{وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)}
ولم يقل الحق: وسجد السحرة، ولكنه قال: (ألقى) مما يدل على أن خرورهم للسجود ليس برأيهم، لكنه عملية انبهارية مما حصل أمامهم، كأن شيئاً آخر ألقاهم ساجدين، وهو الانبهار بالحق. فالساحر منهم كان يعتقد أنه هو الذي يسحر، ثم يفاجأ مجموع السحرة أن موسى حين ألقى عصاه رأوها حية بالفعل فعرفوا أن المسألة ليست سحراً، وحينما ألقوا عصيهم وحبالهم التي جاءوا بها من كل المدائن، قيل إنها حُملت على سبعين بعيراً وشاهدوا كيف أن العصا التي صارت حية أو ثعباناً لقفت كل هذا وابتلعته! وحجم العصا هو حجم العصا مهما طالت، وهكذا تيقن أن هذا لا يمكن أن يكون من فعل ساحر، وانظر إلى الاستجابة منهم لمَّا رأوا: {قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين}
{قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121)}
وهل هم سجدوا بعد الإِيمان؟ أم آمنوا بعد السجود؟ النص هنا يظهر منه أنهم آمنوا بعد السجود، ولكن كان الأمر يقتضي ألا يسجد أحد إلا لأنه آمن، لكن نحن نعرف أن الإِيمان عمل قلبي، والسجود عمل عضلي وسلوك عملي، فكل منهم آمن بقلبه فسجد.
وهناك فرق بين أن يؤمنوا فيسجدوا ثم يعلنوا إيمانهم؛ فيقولوا: آمنا برب العالمين؛ لذلك نحن لا نرتب السجود على إيمان، بل نرتب السجود مع القول بالإِيمان وبإعلان الإِيمان؛ لأن إعلان الإِيمان شيء، والإِيمان شيء آخر، فكأنهم آمنوا فخروا ساجدين وبعد هذا قاموا بإعلان الإِيمان، وكأن الناس سألوهم: ما الذي جرى لكم؟ فقالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ العالمين}.
إذن فمن يحاول أن يستدرك على النص فعليه أن ينتبه إلى أن إخبارهم عن الإِيمان يعني وجود الإِيمان أولاً، والسحرة قد آمنوا فسجدوا، فاستغرب منهم الناس هذا السجود، وهنا قال السحرة: لا تستغربوا ولا تتعجبوا فنحن قد آمنا برب العالمين. {آمَنَّا بِرَبِّ العالمين} [الأعراف: 121].
وقيل في بعض التفاسير: إن فرعون قال: أنا رب العالمين. لكن السحرة لم يتركوا قوله هذا فأعلنوا أن رب العالمين هو: {رَبِّ موسى وَهَارُونَ}. وقال فرعون: لقد ربيت أنا موسى، فقالوا: لكنك لم ترب هارون.
{رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)}
ولأن السحرة أعلنوها واضحة بالإِيمان برب العالمين رب موسى وهارون، وكان لابد أن يغضب فرعون، فيأتي القرآن بما جاء على لسانه: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ...}.
{قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123)}
وكأن فرعون مازال يحاول تأكيد سلطانه، ونعلم أن بني إسرائيل اختلطوا بالناس في مصر، ومنهم من تعلم السحر. ولذلك اتهم فرعون السحرة بأنهم قد اتفقوا مع موسى على هذه المسألة.
لقد كان فرعون في مأزق ويريد أن يخرج منه؛ لأن الناس جميعاً قد شاهدوا المسألة، وهو لا يريدهم أن يتشككوا في ألوهيته، فينهدم الصرح الذي أقامه على الأكاذيب؛ لذلك قال السحرة: إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة.. أي أنكم اتفقتم مع موسى، وسيأتي ويقول: اتهاماً لموسى: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر...} [طه: 71].
ونتيجة لهذا المكر المتوهم بين بني إسرائيل وموسى يتوعدهم فرعون: {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ...}.
{لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)}
والوعيد- كما نراه- قاسٍ وفظيع، فتقطيع الأيدي والأرجل ثم الصلب كلها أمور تخيف، فماذا يكون الرد ممن يتلقون هذا الوعيد، وقد خالطت بشاشة الإِيمان قلوبهم؟
{قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125)}
إنك قد عجلت لنا الخير لأننا سنكون في جوار ربنا، فأنت بطيشك وحماقتك قد أسديت لنا معروفاً وخيراً من حيث لا تدري. ويزيدون في تقريع فرعون بما يجيء في القرآن على ألسنتهم:
{وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)}
ما الذي تكرهه منا لأن (تنقم) تعني تكره، وقولهم لفرعون: أليس الذي تكرهه منا أنَّا آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا؟ وهل الإِيمان بآيات الإِله حين تجيء مما يُكره؟!! ويسمون ذلك في اللغة تأكيد المدح بما يشبه الذم؛ كأن يقول إنسان: ماذا تكره فيّ؟ أصدقي؟ أمانتي؟ أجودي؟ أعلمي؟
كأنه يعدد أشياء يعرف كل الناس واقعاً أنها لا تُكره، لكن الخطأ في مقاييس من يكره الصواب، فهي أمور لا تستحق أن تُكره أو تعاب أو تُذَم. لقد تيقنوا أن لقاء الله على الإِيمان هو الخير وكلهم يفضل جوار الله على جوار فرعون. وهذا الذي يعتبره فرعون عقاباً إنما يثبت خيبته حتى في توقع العقوبة؛ لأنه لو لم يهددهم بهذه الميتة فهم سيموتون ليرجعوا إلى الله، وهذا أمر مقطوع به، وكل مخلوق مصيره أن ينقلب إلى الله، وكأنهم أبطلوا وعيد فرعون حين قال لهم: {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف: 124].
ثم يتجهون إلى ربهم وخالقهم فيقولون: {رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}.
و(الإفراغ) أن ينصب شيء على شيء ليغمره، وكانهم يقولون: أعطنا يا رب كل الصبر، وهم يحتاجون إلى الصبر لأن فرعون قد توعدهم بأن يقطع أيديهم وأرجلهم. ولذلك قال بعض العارفين بالله: عجبي لسحرة فرعون كانوا أول النهار كفرة سحرة وكانوا آخر النهار شهداء بررة.
نداء الايمان
-
-
أكثر العضوات تفاعلاً
لاتوجد مشارِكات لهذا الاسبوع
-
آخر تحديثات الحالة المزاجية
-
أمة الله هاجر تشعر الآن ب سعيدة
-
سارة سيرو تشعر الآن ب مكتئبة
-
samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
-
أمة الله هاجر تشعر الآن ب سعيدة
-
مناهل ام الخير تشعر الآن ب أمزح
-
-
إحصائيات الأقسام
-
إجمالي الموضوعات181489
-
إجمالي المشاركات2534348
-
-
إحصائيات العضوات
منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤
فكرة انتهاء مهلة العمل والانتقال لدار الجزاء مهيبة جدًا ! لا توبة تُقْبَل ولا عمل يُصَحح . لو نطق أهل القبور لكانت موعظتهم : أنتم في دار العمل فأحسنوا العمل . نسأل الله حُسن الختام .