اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57410
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180535
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8248
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53000
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40679
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  11. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33893
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  12. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32199
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13117
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  13. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  14. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37246 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  15. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • روى النسائي والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما أُخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، قال أبو بكر رضي الله عنه: (أخرجوا نبيهم، لَيَهْلِكُنَّ)، فأنزل الله تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} (الحج:39) فقال أبو بكر: (لقد علمت أنه سيكون قتال). قال الترمذي: هذا حديث حسن. ولنا مع هذه الآية القليلة الكلمات، العميقة الدلالات، وما وراءها من أسرار في عالم النفس وعالم الحياة ست وقفات:

      الوقفة الأولى: قُرى قوله تعالى: {أذن} بضم الهمزة، أي: أُبيح للمستضعفين في الأرض أن يدفعوا عن أنفسهم عدوان الظالمين، وأن يدافعوا عن عقيدتهم وإيمانهم ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً. وقرئ بفتح الهمزة، أي: أذن الله للمؤمنين بقتال أعدائهم الذين يقاتلونهم. وقرُئ {يقاتَلون} بفتح التاء، أي: يقاتلهم المشركون وهم المؤمنون. وقرئ قوله عز وجل: {يقاتِلون} بكسر التاء، أي: يقاتلون عدوهم. والقراءتان متواترتان، وقراءة حفص عن عاصم بضم همزة {أذن} على البناء لمجهول، وبفتح التاء من {يقاتَلون}. والذين {يقاتلون} مراد بهم المؤمنون على كلتا القراءتين؛ لأنهم إذا قوتلوا، فقد قاتلوا.

      الوقفة الثانية: قال غير واحد من السلف: إن هذه أول آية نزلت في الجهاد، قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية عند هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة؛ وذلك أن المشركين كانوا يؤذون المؤمنين بمكة أذى شديداً، فكان المسلمون يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين مضروب ومشجوج، يتظلمون إليه، فيقول لهم: (اصبروا، فإني لم أومر بالقتال)، فلما هاجر إلى المدينة، نزلت هذه الآية بعد بيعة العقبة؛ إذناً لهم بالتهيؤ للدفاع عن أنفسهم، ولم يكن قتال قبل ذلك، كما يؤذِن به قوله تعالى عقب هذا: {الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق} (الحج:40).

      الوقفة الثالثة: قوله عز وجل في ختام الآية: {وإن الله على نصرهم لقدير} قال ابن عاشور: "هذا وعد من الله بالنصر، وارد على سَنَن كلام العظيم المقتدر، بإيراد الوعد في صورة الإخبار، بأن ذلك بمحل العلم منه، كقولهم: عسى أن يكون كذا، أو أن عندنا خيراً، أو نحو ذلك، بحيث لا يبقى للمترقب شك في الفوز بمطلوبه" ونيل مراده. وقال الرازي: "{وإن الله على نصرهم لقدير} فذلك وعد منه تعالى بنصرهم، كما يقول المرء لغيره: إن أطعتني، فأنا قادر على مجازاتك، لا يعني بذلك القدرة، بل يريد أنه سيفعل ذلك".

      الوقفة الرابعة: ثم ها هنا أمر ذو بال، وهو أنه سبحانه مع أنه قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، بيد أنه يريد من عباده أن يبلوا جهدهم في طاعته، كما قال سبحانه: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم * سيهديهم ويصلح بالهم * ويدخلهم الجنة عرفها لهم} (محمد:4-6)، وقال تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين * ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم} (التوبة:14-15)، وقال عز وجل: {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون} (التوبة:16)، وقال عز من قائل: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} (آل عمران:142)، وقال تبارك وتعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} (محمد:31). والآيات في هذا المعنى كثيرة؛ ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وإن الله على نصرهم لقدير} قال: وقد فعل، أي سبحانه نصر عباده يوم بدر، وغيره من الأيام.

      الوقفة الخامسة: لسيد قطب رحمه الله كلام جميل في هذا المقام حيث قال: "إن قوى الشر والضلال تعمل في هذه الأرض، والمعركة مستمرة بين الخير والشر، والهدى والضلال، والصراع قائم بين قوى الإيمان وقوى الطغيان، منذ أن خلق الله الإنسان. والشر جامح، والباطل مسلح، وهو يبطش غير متحرج، ويضرب غير متورع، ويملك أن يفتن الناس عن الخير، إن اهتدوا إليه، وعن الحق إن تفتحت قلوبهم له، فلا بد للإيمان والخير والحق من قوة تحميها من البطش، وتقيها من الفتنة، وتحرسها من الأشواك والسموم.

      ولم يشأ الله أن يترك الإيمان والخير والحق عُزْلاً، تكافح قوى الطغيان والشر والباطل، اعتماداً على قوة الإيمان في النفوس، وتغلغل الحق في الفِطَر، وعمق الخير في القلوب؛ فالقوة المادية التي يملكها الباطل، قد تزلزل القلوب، وتفتن النفوس، وتزيغ الفِطَر، وللصبر حدٌّ، وللاحتمال أمد، وللطاقة البشرية مدى تنتهي إليه. والله أعلم بقلوب الناس ونفوسهم، ومن ثم لم يشأ سبحانه أن يترك المؤمنين للفتنة، إلا ريثما يستعدون للمقاومة، ويتهيؤون للدفاع، ويتمكنون من وسائل الجهاد، وعندئذ أذن لهم في القتال لرد العدوان.

      فالباطل متبجح، لا يكف، ولا يقف عن العدوان، إلا أن يُدْفَع بمثل القوة التي يصول بها ويجول. ولا يكفي الحق أنه الحق ليقف عدوان الباطل عليه، بل لا بد من القوة تحميه، وتدفع عنه. وهي قاعدة كلية، لا تتبدل ما دام الإنسان هو الإنسان! حكمة الله في هذا هي العليا، ولله الحجة البالغة...والذي ندركه نحن البشر من تلك الحكمة، ويظهر لعقولنا ومداركنا من تجاربنا ومعارفنا، أن الله سبحانه لم يرد أن يكون حملة دعوته وحماتها من "التنابلة" الكسالى، الذين يجلسون في استرخاء، ثم يتنزل عليهم نصره سهلاً هيناً بلا عناء، لمجرد أنهم يقيمون الصلاة، ويرتلون القرآن، ويتوجهون إلى الله بالدعاء، كلما مسهم الأذى، ووقع عليهم الاعتداء! نعم إنهم يجب أن يقيموا الصلاة، وأن يرتلوا القرآن، وأن يتوجهوا إلى الله بالدعاء في السراء والضراء، ولكن هذه العبادة وحدها لا تؤهلهم لحمل دعوة الله وحمايتها، إنما هي الزاد الذي يتزودونه للمعركة، والذخيرة التي يدخرونها للموقعة، والسلاح الذي يطمئنون إليه، وهم يواجهون الباطل بمثل سلاحه، ويزيدون عنه سلاح التقوى والإيمان والاتصال بالله.

      لقد شاء الله تعالى أن يجعل دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم؛ كي يتم نضجهم هم في أثناء المعركة؛ فالبنية الإنسانية لا تستيقظ كل الطاقات المذخورة فيها، كما تستيقظ وهي تواجه الخطر، وهي تدفع وتدافع، وهي تستجمع كل قوتها لتواجه القوة المهاجمة. عندئذ تتحفز كل خلية بكل ما أُودع فيها من استعداد لتؤدي دورها، ولتتساند مع الخلايا الأخرى في العمليات المشتركة، ولتؤتي أقصى ما تملكه، وتبذل آخر ما تنطوي عليه، وتصل إلى أكمل ما هو مقدور لها، وما هي مهيأة له من الكمال.

      والأمة التي تقوم على دعوة الله في حاجة إلى استيقاظ كل خلاياها، واحتشاد كل قواها، وتوفز كل استعدادها، وتجمع كل طاقاتها؛ كي يتم نموها، ويكمل نضجها، وتتهيأ بذلك لحمل الأمانة الضخمة والقيام عليها.

      والنصر السريع الذي لا يكلف عناء، والذي يتنزل هيناً ليناً على القاعدين المستريحين، يعطل تلك الطاقات عن الظهور؛ لأنه لا يحفزها ولا يدعوها. وفوق ذلك، فإن النصر السريع الهين اللين سهل فقدانه وضياعه؛ أولاً: لأنه رخيص الثمن، لم تبذل فيه تضحيات عزيزة. وثانياً: لأن الذين نالوه لم تدرب قواهم على الاحتفاظ به، ولم تشحذ طاقاتهم، وتحشد لكسبه، فهي لا تتحفز ولا تحتشد للدفاع عنه.

      وهناك التربية الوجدانية والدربة العملية، تلك التي تنشأ من النصر والهزيمة، والكر والفر، والقوة والضعف، والتقدم والتقهقر، ومن المشاعر المصاحبة لها...من الأمل والألم...ومن الفرح والغم، ومن الاطمئنان والقلق. وكلها ضرورية للأمة، التي تحمل الدعوة، وتقوم عليها وعلى الناس.

      من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله، جعل الله دفاعه عن الذين آمنوا، يتم عن طريقهم هم أنفسهم، ولم يجعله لقية تهبط عليهم من السماء بلا عناء". فالنصر كالرزق سواء بسواء، لا يأتي إلا بطلب أسبابه المنوطة بكسبه، والسعي في سبله المؤدية إلى تحصيله، سنة الله لا تتخلف ولا تتبدل".

      الوقفة السادسة: تقدم أن (النصر) وعد من الله، والله لا يخلف الميعاد، غير أن نصر الله عباده قد يتأخر عنهم؛ وذلك لا يعني أن الله مخلف وعده عباده، بل على المؤمنين أن يوقنوا أن وراء تأخر النصر حكمة لا يعلمها غيره سبحانه.

      على أن تأخر النصر إنما قد يكون لأسباب؛ فصلها سيد رحمه الله، قال:

      قد يبطئ النصر؛ لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها، ولم يتم بعد تمامها، ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية، وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات. فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكاً؛ لعدم قدرتها على حمايته طويلاً، والحفاظ عليه!

      وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزاً ولا غالياً، لا تبذله هيناً رخيصاً في سبيل الله.

      وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر، إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل الأمة آخر ما في طوقها، ثم تكل الأمر بعدها إلى الله.

      وقد يبطئ النصر؛ لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، وهي تعاني وتتألم وتبذل، ولا تجد لها سنداً إلا الله، ولا متوجَّهاً إلا إليه وحده. وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن به الله، فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله.

      وقد يبطئ النصر؛ لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته، فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها، أو تقاتل لحزب تؤيده، أو تقاتل لرايات دنيوية ترفعها، والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله، بريئاً من المشاعر الأخرى التي تلابسه. وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يقاتل حمية، والرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل ليُرَى، فأيها في سبيل الله؟ فقال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) متفق عليه، هذا هو المقصد الأول، وهذه هي الوجهة النهائية.

      وقد يبطئ النصر؛ لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير، يريد الله أن يجرد الشر منها؛ ليتمحض خالصاً، ويذهب وحده هالكاً، لا تتلبَّس به ذرة من خير، تذهب في الغمار!

      وقد يبطئ النصر؛ لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة، لم ينكشف زيفه للناس تماماً، فلو غلبه المؤمنون حينئذ، فقد يجد له أنصاراً من المخدوعين فيه، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله، فتظل له جذور في نفوس الأبرياء، الذين لم تنكشف لهم الحقيقة، فيشاء الله أن يبقى الباطل، حتى يتكشف عارياً للناس، ويذهب إلى مزابل التاريخ غير مأسوف عليه!

      وقد يبطئ النصر؛ لأن البيئة لا تصلح بعدُ لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة؛ فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة، لا يستقر لها معها قرار، فيظل الصراع قائماً؛ حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر، ولاستبقائه!

      من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله، قد يبطئ النصر، فتتضاعف التضحيات، وتتضاعف الآلام، مع دفاع الله عن الذين آمنوا، وتحقيق النصر لهم في النهاية. {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (يوسف:21).   اسلام ويب
    • قال الشيخ ابن عثيمين في تعليق له على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم: سؤال الميت أن يسأل الله أو سؤال قضاء الحاجة بينهما فرق، إذا سأل قضاء الحاجة فهذا شرك أكبر، وإذا سأل أن يسأل الله فهذا بدعة وضلالة، لأن الميت إذا مات انقطع عمله، والدعاء من عمله، فكيف تسأله ما لا يمكن فإذا جئت إلى ميت وقلت: ادع الله لي، فإنه لن يدعو الله لك، ومن ذلك تقول عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم: اشفع لي، فإن هذا حرام وبدعة منكرة، لكن إذا قلت: يا رسول الله أنجني من النار، كان شركا أكبر. اهـ. فلا يجوز طلب الدعاء أو الشفاعة من الميت ، وخاصة عند قبره ؛ لأنه يكون عنده أشد تعلقا به ، وهذا من البدع المنكرة والوسائل المفضية إلى الشرك وسؤال غير الله ، وقد يصل به الحال إلى الشرك الأكبر المخرج عن الملة ، وهو يحصل كثيرا في هؤلاء ؛ لشدة تعلقهم بالميت .
      والشفاعة إنما تطلب من الله ، لا من المخلوقين ، ويأذن الله في الشفاعة لمن يشاء من عباده الصالحين ويرضى ، وذلك لا يكون إلا يوم القيامة .
      قال الله تعالى : ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّه ) يونس/18 ، وقال تعالى : ( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) الزمر/43-44
      وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) فاطر13/14 وقد روى البخاري (1010) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ : " اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا " قَالَ : فَيُسْقَوْنَ .
      فلو كان طلب الشفاعة والتوسل بالأموات جائزا لما عدل الصحابة رضي الله عنهم عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والاستشفاع به إلى العباس رضي الله عنه .
      وهذا أمر متفق عليه بين علماء المسلمين قديما وحديثا ، لا خلاف بينهم فيه ، إنما يخالف فيه من لا يعتد بخلافه من أهل البدع .   ومن المنقول عن أهل العلم في ذلك :
      قال شيخ الإسلام رحمه الله :
      " لَيْسَ فِي الزِّيَارَةِ الشَّرْعِيَّةِ حَاجَةُ الْحَيِّ إلَى الْمَيِّتِ وَلَا مَسْأَلَتُهُ وَلَا تَوَسُّلُهُ بِهِ ؛ بَلْ فِيهَا مَنْفَعَةُ الْحَيِّ لِلْمَيِّتِ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَرْحَمُ هَذَا بِدُعَاءِ هَذَا وَإِحْسَانِهِ إلَيْهِ وَيُثِيبُ هَذَا عَلَى عَمَلِهِ " انتهى . "مجموع الفتاوى" (27 / 71)
      وقال أيضا رحمه الله :
      " وما يفعلونه من دعاء المخلوقين كالملائكة أو كالأنبياء والصالحين الذين ماتوا مثل دعائهم مريم وغيرها وطلبهم من الأموات الشفاعة لهم عند الله لم يبعث به أحد من الأنبياء " انتهى .
      "الجواب الصحيح" (5 / 187) وقال أيضا :
      " الثَّانِيَةُ : أَنْ يُقَالَ لِلْمَيِّتِ أَوْ الْغَائِبِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ : اُدْعُ اللَّهَ لِي أَوْ اُدْعُ لَنَا رَبَّك أَوْ اسْأَلْ اللَّهَ لَنَا كَمَا تَقُولُ النَّصَارَى لِمَرْيَمَ وَغَيْرِهَا ، فَهَذَا أَيْضًا لَا يَسْتَرِيبُ عَالِمٌ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ ، فلَيْسَ مِنْ الْمَشْرُوعِ أَنْ يُطْلَبَ مِنْ الْأَمْوَاتِ لَا دُعَاءٌ وَلَا غَيْرُهُ . وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ : " السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا بَكْرٍ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَتِ " ثُمَّ يَنْصَرِفُ . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْعُو لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ . وَكَذَلِكَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ نُقِلَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا أَرَادُوا الدُّعَاءَ اسْتَقْبَلُوا الْقِبْلَةَ يَدْعُونَ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَدْعُونَ مُسْتَقْبِلِي الْحُجْرَةِ .
      وَمَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ - مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ " انتهى
      "مجموع الفتاوى" (1 / 351-352)   وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
      " لا يجوز أن تطلب منه الشفاعة ولا غيرها كسائر الأموات ؛ لأن الميت لا يطلب منه شيء وإنما يدعى له ويترحم عليه إذا كان مسلما ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة .
      فمن زار قبر الحسين أو الحسن أو غيرهما من المسلمين للدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم كما يفعل مع بقية قبور المسلمين - فهذا سنة ، أما زيارة القبور لدعاء أهلها أو الاستعانة بهم أو طلبهم الشفاعة - فهذا من المنكرات ، بل من الشرك الأكبر " انتهى .
      "مجموع فتاوى ابن باز" (6 / 367)
        وقال : " لا يجوز لأحد أن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم الشفاعة ؛ لأنها ملك الله سبحانه ، فلا تطلب إلا منه ، كما قال تعالى : ( قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا )
      فتقول : " اللهم شفع في نبيك ، اللهم شفع في ملائكتك ، وعبادك المؤمنين ، اللهم شفع في أفراطي " , ونحو ذلك . وأما الأموات فلا يطلب منهم شيء ، لا الشفاعة ولا غيرها ، سواء كانوا أنبياء أو غير أنبياء " انتهى .
      "مجموع فتاوى ابن باز" (16 / 105)   وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
      " ومن الشبه التي تعلقوا بها : قضية الشفاعة ؛ حيث يقولون : نحن لا نريد من الأولياء والصالحين قضاء الحاجات من دون الله ، ولكن نريد منهم أن يشفعوا لنا عند الله ؛ لأنهم أهل صلاح ومكانة عند الله ؛ فنحن نريد بجاههم وشفاعتهم .
      والجواب : أن هذا هو عين ما قاله المشركون من قبل في تسويغ ما هم عليه ، وقد كفَّرهم الله ، وسمَّاهم مشركين ؛ كما في قوله تعالى : ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ) انتهى .
      "الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد" (ص 70-71) - أما تكليم النبي صلى الله عليه وسلم لأهل القليب يوم بدر وسماعهم كلامه : فهذه خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم في موقف خاص ؛ إذلالا للكفر وأهله : أحياء وأمواتا .
      قَالَ قَتَادَةُ : " أَحْيَاهُمْ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقِيمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا " .
      رواه البخاري (3976)
      فلا يصح بل لا يجوز أن يقاس عليه سؤال الأموات الشفاعة عند ربهم والدعاء ، بل هذا من أفسد قياس وأشأمه .
        قال علماء اللجنة الدائمة :
      " إذا مات الإنسان ذهب سمعه فلا يدرك أصوات من في الدنيا ولا يسمع حديثهم ، قال الله تعالى : ( وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) فأكد تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عدم سماع من يدعوهم إلى الإسلام بتشبيههم بالموتى ، والأصل في المشبه به أنه أقوى من المشبه في الاتصاف بوجه الشبه ، وإذاً فالموتى أدخل في عدم السماع وأولى بعدم الاستجابة من المعاندين الذين صموا آذانهم عن دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام وعموا عنها ، وقالوا : قلوبنا غلف ، وفي هذا يقول تعالى : ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ) ( إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) .
      وأما سماع قتلى الكفار الذين قبروا في القليب يوم بدر نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم وقوله لهم : هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ، فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا وقوله لأصحابه : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم حينما استنكروا نداءه أهل القليب فذلك من خصوصياته التي خصه الله بها فاستثنيت من الأصل العام بالدليل ، وهكذا سماع الميت قرع نعال مشيعي جنازته مستثنى من هذا الأصل ، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ) مستثنى من هذا الأصل " انتهى .
      "فتاوى اللجنة الدائمة" (1 /478-479)
      فالأصل أن الميت لا يسمع ؛ لأنه مات ، فبطل سمعه وبصره وكلامه بذهاب روحه ، لكن يستثنى من ذلك ما ورد الدليل الصحيح به دون غيره .
      سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
      ما هو الراجح في سماع الموتى ؟
      فأجاب :
      " الراجح ما جاءت به السنة ، وهذا ثابت وليس فيه إشكال كما في الحديث : ( إن الإنسان إذا انصرف عنه أصحابه بعد دفنه يسمع قرع نعالهم ) وكما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف على القتلى في قليب بدر يؤنبهم ويوبخهم ، ولما قالوا : ( يا رسول الله ! كيف تكلم هؤلاء ؟ قال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ) ومثلما جاء في الحديث أيضا ً: ( ما من مسلم يسلم على قبر يعرفه في الدنيا إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام ) ، وإلا فالأصل أنهم لا يسمعون ؛ لأن أرواحهم قد فارقت أجسادهم ، لكن ما جاءت به السنة لابد من الإيمان به " انتهى .
      "لقاء الباب المفتوح" (222 /25)
      وقال رحمه الله أيضا :
      " لكن على فرض أنهم يسمعون فإنهم لا ينفعون غيرهم ، بمعنى أنهم لا يدعون الله له ، ولا يستغفرون الله له ، ولا يمكنهم الشفاعة لهم .
      وإنما قلت ذلك لئلا يتعلق هؤلاء القبوريون بما قلت ، ويقولون : ما دام أنهم يسمعون – إذاً - هذا من أولياء الله ، نسأله أن يسأل الله لنا ، أو أن يشفع لنا عند الله ! فهذا غير وارد أصلاً ؛ لأن الإنسان إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " انتهى .
      "لقاء الباب المفتوح" (87 /14)
      والله أعلم . .................... مَفَاسِدُ الْبِدَعِ       قَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحَذِّرُ مِنَ الْبِدَعِ؛ فَعَنِ العِربَاضِ بْنِ سَارِّيَةَ-رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقَلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، فَقُلْنَا: كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُودِعُ فَأَوْصِنَا، قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يُعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اِخْتِلَاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسَنَتِي وَسَنَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بُدُعَةٍ ضُلَّالَةٍ»؛ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.   وبالنسبة للوارد من آراء الأئمة الأربعة، فقد جاء في الدر المختار -وهو من أشهر كتب الحنفية- ما نصه: عن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها. اهـ وقال في البحر الرائق -وهو من الكتب المعتمدة عند الحنفية- أيضاً: لا يجوز أن يقول: بحق فلان عليه، وكذا: بحق أنبيائك وأوليائك ورسلك والبيت والمشعر الحرام، لأنه لا حق للمخلوق على الخالق. اهـ         وَالْبِدْعَةُ طَرِيقَةٌ مُخْتَرَعَةٌ فِي الدِّينِ لَيْسَ لَهَا دَليلٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سَنَةٍ، وَلَمْ تُرِدْ فِي الشَّرَعِ، يَقْصِدُ مُخْتَرَعُهَا التَّقَرُّبَ بهَا إِلَى اللهِ عِزَّ وَجَلَّ.       وَكُلُّ الْبِدِعِ مَرْدُودَةٌ، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدُّ»، «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمَرُنًا فَهُوَ رَدُّ».       وَقَدْ حَكَمَ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْبِدِعِ كُلِّهَا بِأنهَا ضَلَاَلَةٌ، فَقَدْ كَانَ يَقُولُ فِي خُطَبِهِ: «إِنَّ خَيْرَ الْحَديثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَّالَةٌ»؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.       وَقَالَ اِبْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-:" كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَاَلَةٌ وَإِنْ رَآهَا النَّاسُ حَسَنَةً "، وَقَالَ اِبْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَّ اللهُ عَنْهُ: " اِتْبَعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا؛ فَقَدْ كَفَيْتُم كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَاَلَةٌ".       وَقَالَ الْإمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-:" أُصولُ السُّنَّةِ عِنْدَنَا: التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْاِقْتِدَاءُ بِهُمْ، وَتَرْكُ الْبِدَعِ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ فَهِيَ ضَلَاَلَةٌ".       وَقَالَ الْإمَامُ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللهُ-: مَنِ اِبْتَدَعَ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسْنَةً فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدَاً خَانَ الرِّسَالَةَ؛ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3]. فَمَا لَمْ يَكْنِ يَوْمَئِذٍ دِينًا فَلَا يَكْوُنُ الْيَوْمَ دِينًا.       وَالْبُدُعُ الْمُحْدَثَةُ لَهَا أَضْرَارٌ وَأَخْطَارٌ، فَالْبِدَعُ بَريدُ الْكَفْرِ؛ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَّ اللهُ عَنْهُمَا-: إِنَّ أَبِغَضَّ الْأُمُورِ إِلَى اللهِ الْبِدَعُ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: الْبِدْعَةُ أَحِبُ إِلَى إبْلِيسَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، الْمَعْصِيَةُ يُتابُ مِنْهَا وَالْبِدْعَةُ لَا يُتابُ مِنْهَا.       وَمِنْ مَفَاسِدِ الْبِدِعِ أَنَّهَا تَمْحُو السُّنَةَ، فَكُلَّمَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ تُرَكَتْ سُنَّةُ، وَهَكَذَا حَتَّى تَكَثُّرَ الْبِدَعُ، وَتَضْمَحِلَّ السُّنَنُ، وَيَتَلَاشَى الدِّينُ شَيْئًا فَشَيْئًا.       وَأَصْحَابُ الْبِدَعِ يَزْهَدُونَ فِي السُّنَنِ، بَيْنَمَا يَنْشَطُونَ فِي الْبِدَعِ، مَعَ مَا يَحْتَفُ بِهَذِهِ الْبِدَعِ مِنَ الْمُنْكِرَاتِ، وَذَلِكَ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ بِهِمْ، وَتَزْيِينِهِ الْبَاطِلَ فِي أَعَيْنَهُمْ، فَالْبِدَعُ ظُلْمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضِ.       لِقَدْ حَدَثَتِ الْبِدَعُ فِي أواخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-فَتَصَدَّوا لَهَا بِالْبَيَانِ وَقُوَّةِ السُّلْطَانِ، حَتَّى اِنْكَشَفَتْ ظلُمَاتُهَا، وَهَكَذَا فِي كُلِّ زمَانٍ يهيِّئُ اللهُ مِن الولاةِ وَالعُلمَاءِ مَنْ يَقْمَعُ البِدَعَ، وَينشرُ السُنَنَ.       وَبَعْدَ الْقُرُونِ الْمُفَضَّلَةِ وَعَلَى حِينَ فَتْرَةٍ مِنْ ضِعْفِ الْأُمَّةِ وَتَفَرُّقِهَا، ظَهرَتْ البدَعُ وَتتابَعَتْ، وَرَاجَ سُوقُهَا؛ وَأَوَّلُ مَنْ أَحَدَثَ الْمَوَالِدَ هُمِ الْعُبَيْدِيُّونَ الْبَاطِنِيُونَ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ فَاِبْتَدَعُوا الْمَوْلِدَ النَّبَوِي، وَغيرَهُ مِنَ الْمَوَالِدِ، وَهَدَفَهُمْ مِنْ ذَلِكَ نَشْرُ مَذْهَبِهِم الْبَاطِنِيُ الْخَبِيثُ؛ وَأَقَامُوا الْمَوَائِدَ فِي الْمَوَالِدِ، لِاِسْتِمَالَةِ الْعَوَّامِ وَنَشْرِ الْبِدَعِ.               فَاِتَّقَوْا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَكَونُوا مِنَ الَّذِينَ قَالِ اللهِ فِيهُمْ ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].       اللَّهُمُّ أَعذْنَا مِنَ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ فِي الدِّينِ، وَوَقُّفَنَا لِلْاِعْتِصَامِ بِكِتَابِكَ الْمُبَيِنِ، وَسَنَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ.       أقوُلُ قَوْلِي هَذَا، واسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلكُم ولسَائرِ المُسلِمينَ مِنْ كُلِ ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِرُوهُ، إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَحِيمُ.         المصدر اسلام سؤال وجواب اسلام ويب شبكة الالوكة  
    • من المسائل المتعلقة بالطلاق قبل المسيس ما جاء في قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير} (البقرة:237). يتعلق بهذه الآية من الأحكام المسائل التالية:

      المسألة الأولى: قوله تعالى: {من قبل أن تمسوهن} (المسيس) هنا كناية عن قربان المرأة، والمراد الدخول بها. وهذا بالاتفاق.

      المسألة الثانية: قوله تعالى: {وقد فرضتم لهن فريضة} أصل (الفرض) الحز في القداح علامة لها، تميز بينها. و(الفرضة) العلامة في قسم الماء، يَعْرِف بها كل ذي حق نصيبه من الشرب. وقد سمي الشط الذي ترفأ فيه السفن (فرضة) لحصول الأثر فيه بالنزول إلى السفن والصعود منها، ثم صار اسم الفرض في الشرع واقعاً على المقدار وعلى ما كان في أعلى مراتب الإيجاب من الواجبات. والمراد بـ (الفرض) ها هنا تقدير المهر وتسميته في العقد، ومنه فرائض الإبل، وهي المقادير الواجبة فيها على اعتبار أعدادها وأعمارها، فسمى التقدير فرضاً تشبيهاً له بالحز الواقع في القداح، التي تتميز به من غيرها.

      المسألة الثالثة: لا خلاف بين أهل العلم أن من دخل بزوجته، ثم مات عنها، وقد سمى لها مهراً، أن لها ذلك المسمى كاملاً، والميراث، وعليها العدة.

      المسألة الرابعة: اختلف العلماء في الرجل، يخلو بالمرأة، ولم يجامعها حتى فارقها، فقال الحنفية والحنابلة: عليه جميع المهر، وعليها العدة؛ لما رواه الإمام أحمد، وغيره، عن زرارة بن أوفى رضي الله عنه، قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون، أن من أغلق باباً، أو أرخى ستراً، فقد وجب المهر، ووجبت العدة. وروي أيضاً عن عمر وعلي وابن المسيب. وعن زيد بن ثابت: عليها العدة، ولها الصداق كاملاً. قال ابن قدامة: "وهذه قضايا تشتهر، ولم يخالفهم أحد في عصرهم، فكان إجماعاً". ومذهب الشافعية والمشهور من مذهب مالك أن الخلوة لا توجب مهراً كاملاً، ولا عدة إذا لم يكن دخول؛ لظاهر القرآن {من قبل أن تمسوهن} و(المسيس) كناية عن الدخول بالمرأة، ومجرد الخلوة لا يعني المسيس ولا يقتضيه.

      المسألة الخامسة: قوله تعالى: {إلا أن يعفون} المراد إلا أن يعفو الزوجات المطلقات، وهذا بالاتفاق. و(العافيات) في هذه الآية كل امرأة تملك أمر نفسها، فأذن الله سبحانه لهن في إسقاط المهر بعد وجوبه؛ إذ جعله خالص حقهن، فيتصرفن فيه بالإمضاء والإسقاط كيف شئن، إذا ملكن أمر أنفسهن، وكن بالغات عاقلات راشدات. قال ابن العربي: "الواجب لهن من الصداق أذن الله تعالى لهن في إسقاطه بعد وجوبه؛ إذ جعله خالص حقهن، يتصرفن بالإمضاء والإسقاط كيف شئن، إذا ملكن أمر أنفسهن في الأموال ورشدن". وأما التي في ولاية أب، أو وصي، فلا يجوز إسقاطها لنصف صداقها قولاً واحداً.

      ومذهب جمهور أهل العلم أن الثيب والبكر المطلقتان قبل المسيس سواء في حقهن بالعفو، ومذهب المالكية أنه إذا طلقها قبل الدخول، وهي بكر، جاز عفو أبيها عن نصف الصداق، قالوا: ولا يجوز لأحد أن يعفو عن شيء من الصداق إلا الأب وحده، لا وصي ولا غيره. قال الجصاص: "وقوله تعالى: {إلا أن يعفون} يدل على بطلان قول من يقول: إن البكر إذا عفت عن نصف الصداق بعد الطلاق أنه لا يجوز؛ لأن الله تعالى لم يفرق بين البكر والثيب في قوله تعالى {إلا أن يعفون}. ولما كان ابتداء خطابه: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} عامًّا في الأبكار والثيب، وجب أن يكون ما عُطف عليه من قوله تعالى: {إلا أن يعفون} عامًّا في الفريقين منهما، وتخصيص الثيب بجواز العفو دون البكر لا دلالة عليه".

      المسألة السادسة: قوله تعالى: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى: {أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح} فمذهب الحنفية والصحيح من قول الشافعية أن المراد به الزوج؛ كلهم لا يرى سبيلاً للولي على شيء من صداقها؛ للإجماع على أن الولي لو أبرأ الزوج من المهر قبل الطلاق لم يجز، فكذلك بعده. وللإجماع على أن الولي لا يملك أن يهب شيئاً من مالها، والمهر مالها. قالوا: ومعنى {بيده عقدة النكاح} أن بيده التصرف في عقد النكاح بالإبقاء، والفسخ بالطلاق، ومعنى عفوه: تكميله الصداق، أي: إعطاؤه كاملاً. قال الجصاص: "العفو في هذا الموضع ليس هو قوله: قد عفوت، وإنما المعنى فيه تكميل المهر من قبل الزوج، أو تمليك المرأة النصف الباقي بعد الطلاق إياه". وقد ضعَّف ابن عاشور هذا القول من وجهين.

      وذهب المالكية إلى أن المراد الأب (الولي) فيجوز للأب العفو عن نصف صداق ابنته البكر إذا طُلقت. قالوا: وإنما يجوز عفو الولي إذا كان من أهل الرأي السداد، ولا يجوز عفوه إذا كان سفيهاً.

      ورجح ابن العربي وابن عاشور أن المراد بقوله سبحانه: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} (الولي) واستدلوا لترجحيهم بأدلة. قال ابن عاشور: "نصف المهر حق وجب على المطلق للمطلقة قبل البناء (الدخول) بما استخف بها، أو بما أوحشها، فهو حق وجب لغرم ضر، فإسقاطه عفو لا محالة، أو عند عفو الذي بيده عقدة النكاح. فتعين أن يكون أريد به ولي المرأة؛ لأن بيده عقدة نكاحها؛ إذ لا ينعقد نكاحها إلا به، وهذا قول مالك إذ جعل في "الموطأ": {الذي بيده عقدة النكاح} هو الأب في ابنته البكر".

      المسألة السابعة: استنبط العلماء من هذه الآية أن نكاح التفويض جائز، وهو كل نكاح عُقد من غير ذكر الصداق؛ ويفرض بعد ذلك الصداق. قالوا: فإن فُرض الصداق التحق بالعقد وجاز، وإن لم يُفرض لها، وكان الطلاق لم يجب صداق إجماعاً، وإن فُرض بعد عقد النكاح، وقبل وقوع الطلاق، فمذهب الحنفية أن الصداق لا يتنصف بالطلاق؛ لأنه لم يجب بالعقد. ومذهب المالكية والشافعية أن الصداق يتنصف؛ لظاهر قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}. فإن وقع الموت قبل فرض الصداق، فمذهب المالكية أن لها الميراث دون الصداق، ومذهب الحنفية والشافعية أنه يجب لها الصداق (مهر المثل) والميراث.

      المسألة الثامنة: إذا كانت المرأة قد قبضت المهر واستهلكته، ثم وقع الطلاق، كان عفو الزوج في هذه الحالة إبراءها من الواجب عليها، ولو كان المهر ديناً في ذمة الزوج، كان عفوها إبراءه من الباقي. وإذا تزوجها على ألف درهم ودفعها إليها، ثم طلقها قبل الدخول، وقد اشترت بها متاعاً، فمذهب الحنفية أن لها نصف الألف، وتضمن للزوج النصف، وقال المالكية: يأخذ الزوج نصف المتاع الذي اشترته.

      المسألة التاسعة: قوله تعالى: {وأن تعفوا أقرب للتقوى} معنى كون العفو {أقرب للتقوى} أن العفو أقرب إلى صفة التقوى من التمسك بالحق؛ لأن التمسك بالحق لا ينافي التقوى، لكنه يؤذن بتصلب صاحبه وشدته، والعفو يؤذن بسماحة صاحبه ورحمته، والقلب المطبوع على السماحة والرحمة أقرب إلى التقوى من القلب الصلب الشديد؛ لأن التقوى تقرب بمقدار قوة الوازع، والوازع شرعي وطبيعي، وفي القلب المفطور على الرأفة والسماحة لين يزعه عن المظالم والقساوة، فتكون التقوى أقرب إليه، لكثرة أسبابها فيه.   اسلام ويب
    • فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) 1-  “فإن تولوا فقل حسبي الله” كل هموم الدنيا.. جميع حاجات النفس.. كافة مفاجآت الحياة يمكنك قلب معادلتها ب : حسبي الله ونعم الوكيل/ علي الفيفي 2-  أعظم منهج تربوي{حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} مارأيت أحدا ساس أبناءه وطلابه بالحرص مع الرأفة والرحمة إلا أثمر نبتا صالحا بإذن الله/ محمد الربيعة 3-  إذا أعرض الناس عن الحق فأظهر الاكتفاء بالله وحده (فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)/عبد العزيز الطريفي 4-  *{ فإن تولوا فقل حسبي الله } لا تحزن ولو رحلت الدنيا كلها عنك. قل لكل ما / ومن تفقده يكفيني الله . / عبد الله بلقاسم 5-  ( فإن تولوا فقل حسبي الله ) قل لكل شيء فقدته لكل غال رحل لكل من تخلى عنك لكل شيء وأي شي حسبي الله يكفيني الله. / عبد الله بلقاسم 6-  الاتصال بالخالق يقطع كل الاتصالات بالخلق، “فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت…” / فوائدالقرآن        7- {فقل حسبي الله } في بحر الحياة المتلاطم اﻷمواج فإنه من الجنون أن يعتمد المرء على تدبيره ! ﻷنه سيغرق، سلم دفتك لله وستصل لبر اﻷمان. / مها العنزي   حصاد التدبر ..................................... في آخر سورة التوبة -وتسمى سورة (براءة) وسورة (المنافقين)- جاء قوله تعالى: {فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} (التوبة:129) فالآية في المجمل خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فيما يجب عليه قوله وفعله في حال إعراض من جاء بدعوتهم عن الاهتداء بهديه، والانتفاع بما يدعوهم إليه، وإخبارهم بأن الله كافيه أمر توليهم وإعراضهم، وما يعقبه من عداوتهم له، وصدهم عن سبيل الله، وقد بلغ الرسالة وما قصر، وأدى الأمانة وما فرط.

      ثم بعد القول المجمل، نفصل بعض التفصيل في المراد من الآية، فنقول:

      قوله سبحانه: {فإن تولوا} أي: أعرضوا عما جئتهم به من الشريعة العظيمة المطهرة الكاملة الشاملة لخيري الدنيا والآخرة.

      قوله تعالى: {فقل حسبي الله} أي: الله سبحانه كافيني ومؤيدي، ولا أحد غيره سبحانه يكفيني، ويمدني بمدد من عنده، وما دام حسبك الله، فسبحانه يبسط عليك حمايته ونصرته لك، فمن الخير لك أن تتبع الهدي النبوي، الذي أبلغك البلاغ الكامل عن الله، وأن تتوكل عليه سبحانه، فهو سبحانه {نعم المولى ونعم النصير} (الأنفال:40).

      وقوله تعالى: {فقل حسبي الله} يفيد -كما ذكر ابن عاشور- التنويه بهذه الكلمة المباركة {فقل حسبي الله} لأنه صلى الله عليه وسلم أُمِرَ بأن يقول هذه الكلمة بعينها، ولم يؤمر بمجرد التوكل، كما أُمِرَ في قوله تعالى: {فتوكل على الله إنك على الحق المبين} (النمل:79). ولا أُخبر بأن الله حسبه مجرد إخبار، كما في قوله سبحانه: {فإن حسبك الله} (الأنفال:62).

      ثم ها هنا أمر ذو بال، وهو أن اليقين بأن الله سبحانه كاف عباده، لا يعني القعود والكسل والتواكل، بل الواجب على العبد السعي والعمل والسير في الأرض تحت ظل التوكل على الله، والاعتماد عليه، والركون إليه، يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله في هذا الصدد: "وما دام سبحانه هو حسبك، فالواجب يفرض عليك أن تظل في معيته سبحانه، ومعية الله مرحلتان: الأولى بأخذ الأسباب التي أمد الله بها خلقه، ومعية إيمانك المطلق بأن الأسباب إن عجزت معك، فأنت تلجأ إلى مسبِّب الأسباب الموجود، وهو رب الوجود". ومن ثم، علينا أن نعلم أن يد الله ممدودة لنا بالأسباب، ولا يصح للإنسان أن يدع الأخذ بالأسباب، ويقول: أنا متوكل على الله، بل على الإنسان أن يأخذ بالأسباب أولاً، وأن يستنفد طاقته في تحصيلها، وبعد ذلك يقول: ليس لي ملجأ إلا أنت سبحانك، ويستحضر قول الله سبحانه: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} (النمل:62).

      و{المضطر} هو من عمل بالأسباب واستنفدها، وليس له إلا الله، لكن أن يقول الإنسان: أنا أدعو الله ليل نهار، وصباح مساء، ولا يستجيب الله لدعائي، فيقال لمثل هذا القائل: أنت لا تدعو عن اضطرار، ولم تأخذ بالأسباب، خذ بالأسباب التي خلقها الله، أولاً، ثم ادع بعد ذلك، ولا تدعُ إلا إذا استنفدت الأسباب؛ فيجيبك المسبِّب سبحانه، وبذلك لا تُفتن بالأسباب، فحين تمتنع الأسباب، تلجأ إلى الله، ولو كانت الأسباب تعطي كلها لفُتن الإنسان بها، والحق سبحانه يقول: {كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى} (العلق:6-7). فـ (التوكل) هو أن تعمل الجوارح، وتتوكل القلوب. والكسالى هم من يريدون أن يكون التوكل للجوارح، وليس للقلوب.

      قوله عز وجل: {لا إله إلا هو عليه} فيه نفي منطقي مع سلب {لا إله}، وإثبات منطقي مع إيجاب {إلا هو}، وفي هذا نفي أي ألوهية لغير الله، والاستثناء من ذلك هو الله، ورحم الله شاعر الإسلام محمد إقبال حيث قال:

      إنما التوحيد إيجاب وسلب فيهما للنفس عزم ومضاء

      إيجاب في {إلا هو}، وسلب في {لا إله}، فيهما للنفس عزم ومضاء، أي: هما للنفس قطبا الكهرباء، فاسلب الألوهية من غير الله، وأثبتها لله. فعندما نقول: {لا إله إلا هو} نكون قد أثبتنا الألوهية لله، وأثبتنا أن لا شريك له سبحانه، وأثبتنا ألا إله غيره.

      وقوله سبحانه: {عليه توكلت} دلالته أقوى من قولك: توكلت عليه؛ إذ إن تقديم الجار والمجرور على الفعل فيه حصر للفعل وقصر عليه سبحانه، وفيه أيضاً تنزيه لله تعالى؛ إذ لا أحد غيره يتوكل عليه الخلق، وهذا كقوله سبحانه: {إياك نعبد} أي: لا نعبد غيره، ففي قولك هذا تكون قد قصرت العبادة عليه سبحانه.

      وتوكلك على الله له رصيد لك؛ لأن ربك ورب الكون الذي استقبلك، ولا تصل قدرتك إليه، فأنت في الأرض تحرثها، وتبذرها، وترويها، ثم تأخذ من عطاء الله لك؛ فهو ربك، ورب الكون الذي استقبلك، وأصبح هذا الكون مسخراً لك، وأنت لم تكن قادراً على تسخير الكون.

      وقوله عز وجل: {وهو رب العرش العظيم} أي: فهو سبحانه رب الكون الذي أوجد هذا الإنسان؛ ليعمره بكل ما فيه خير، وهو أيضاً سبحانه رب ما وراء المرئيات من عالم الملكوت، يدير بكمال قدرته كل شيء، وكل ما في الكون ملك لله سبحانه. قال الطبري: "إنما عنى بوصفه جل ثناؤه نفسه بأنه {رب العرش العظيم} الخبر عن جميع ما دونه أنهم عبيده، وفي ملكه وسلطانه؛ لأن {العرش العظيم} إنما يكون للملوك، فوصف نفسه بأنه (ذو العرش) دون سائر خلقه، وأنه (الملك العظيم) دون غيره، وأن مَن دونه في سلطانه وملكه، جار عليه حكمه وقضاؤه".

      قال الشيخ الشعراوي رحمه الله: ولا يوصف {العرش} بأنه عظيم إلا وفي أذهان الناس عروش الملوك، التي نراها في حياتنا، مثلما قال الهدهد عن ملكة سبأ: {ولها عرش عظيم} (النمل:23) أي: بمقاييس البشر. أما قوله تعالى هنا: {وهو رب العرش العظيم} فهو بمقاييس رب البشر؛ إنه عرش الخالق العظيم سبحانه، وهو فوق التصور البشري؛ لذلك نفهمه في إطار قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} (الشورى:11).

      هذا، وللأستاذ النُّوْرْسي رحمه الله تعليق على هذه الآية، جدير ذكره في هذا السياق، حاصله: أن الله سبحانه يخبر رسوله الكريم وعباده المؤمنين بأنه إذا تولى أهل الضلالة عن هدي القرآن، وأعرضوا عن شرعة الحق، وسنة الهدى، فلا ينبغي للمؤمن أن يحزن ولا أن يغتم، بل ليقل: حسبي الله، فهو وحده سبحانه كاف عباده، والمؤمن متوكل عليه؛ إذ هو سبحانه الكفيل بأن يقيض من يتبع الهدى بدلاً عن أولئك المعرضين، فهو سبحانه محيط بكل شيء وقدرته لا حدود لها، فلا العاصون يمكنهم أن يهربوا من عقابه، ولا أن يفلتوا من جزائه، ولا المستعينون به يظلون بغير مدد وعون منه سبحانه.

      والآية خطاب خالد للمؤمن بالقول: لئن ودعتك الموجودات كلها، وانعدمت ومضت في طريق الفناء...وإن فارقتك الأحياء، وجرت إلى طريق الموت...وإن ترك الناس، وسكنوا المقابر...وإن أعرض أهل الدنيا والغفلة والضلالة، ولم يصغوا إليك، وتردوا في الظلمات، فلا تبالِ بهم، ولا تغتم، بل قل: {حسبي الله} فهو الكافي، فإذ هو موجود، فكل شيء موجود...وعلى هذا، فإن أولئك الراحلين لم يذهبوا إلى العدم، وإنما ينطلقون إلى عالم آخر لرب العرش العظيم، وسيرسل بدلاً منهم ما لا يعد ولا يحصى من جنوده المجندين...وإن أولئك الذين سكنوا المقابر لم يفنوا أبداً، وإنما ينتقلون إلى عالم آخر، وسيبعث بدلاً منهم آخرين يعمرون الدنيا، ويشغلون ما خلا من وظائفها...وهو القادر على أن يرسل من يطيعه، ويسلك الطريق المستقيم، بدلاً ممن وقعوا في الضلالة من الذاهبين.

      فما دام الأمر هكذا، فهو الكفيل، وهو الوكيل، وهو البديل عن كل شيء، ولن تعوض جميع الأشياء عنه، ولن تكون بديلاً عن توجه واحد من توجهات لطفه لعباده ورحمته بهم، وإن الكائنات تتهادى جيئة وذهاباً في مسيرة كبرى؛ إنهاء لخدمات مستمرة، وقياماً بواجبات مجددة دائمة، عبر رحلة ذات حكمة، وجولة ذات عبرة، وسياحة ذات مهام، في ظل إدارة الحكيم الرحيم العادل القدير ذي الجلال، وضمن ربوبيته الجليلة البالغة، ورحمته الواسعة.   اسلام ويب
    • تفسير الشيخ الشعراوى (لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ )٢٠-الزمر قلنا: إن من سمات الأسلوب القرآني أن يذكر المتقابلات، فالضِّد يُظهر حُسْنه الضد، كما في قوله سبحانه: { { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [الانفطار: 13-14].
      وهنا بعد أنْ ذكر الحق سبحانه الكافرين الذين حقَّتْ عليهم كلمة العذاب يذكر المقابل لهم، وهم المتقون { لَـٰكِنِ } استدراك على ما تقدم { ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ .. } [الزمر: 20] وهذه المقابلة تهيء النفس لتفظيع المقابل الأسوأ، وتجميل المقابل الأعلى.
        والغُرَف جمع غُرْفة، وهي المكان الخاص المقتضب من البيت، وهي مأخوذة من غرفة الماء { لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ .. } [الزمر: 20] ثم وصف التي فوق بأنها { مَّبْنِيَّةٌ .. } [الزمر: 20] لأن العادة في الغرفة السفلية أن يُعتنى بها في الأساس، الذي يحمل باقي الأدوار، فأراد أنْ يلفت أنظارنا إلى أن الغرف الفوقية هي أيضاً مبنية مُعْتنىً بها، لا تقل ميزةً عن الغرف السفلية، فكل الغرف من الأدنى إلى الأعلى مميزة.
        ثم تأمل الإعجاز في قوله تعالى: { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [الزمر: 20] من تحت أيُّهما؟ من تحت الاثنين، فإنْ قلتَ كيف؟ نقول: اقرأ قوله صلى الله عليه وسلم في وصف الجنة: "فيها ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر" .
      وفي موضع آخر قال سبحانه: { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [التوبة: 72] ( لفظ (تجري تحتها الأنهار) بدون (من) ورد في القرآن الكريم في موضع واحد في سورة التوبة الآية رقم 100 وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) التوبة وفَرْق بين تحتها ومن تحتها، لو قُلْنا تجري تحتها الأنهار، فالمعنى أن الأنهار تأتي من مكان آخر وتمرُّ بها، فيمكن للأعلى أنْ يحجب الماء عن الأدنى.
      أما { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [الزمر: 20] فنبع الماء يجري من تحت هذه الغرف، فماؤها ذاتيّ فيها، ليس لها مَدَدٌ من خارجها، إذن: فالمياه فيها ذاتية.
      فأنت تتعجب لأنك تقيس المسائل بهندستك أنت، ولربك سبحانه هندسة أخرى، تأتي على غير ما تتصوَّر؛ لأن الشيء الذي لم تره العين ولم تسمعه الأذنُ، ولم يخطر على القلب ليس في اللغة ما يدل عليه، فالمعاني توجَدُ أولاً، ثم تُوضَع لها الألفاظ الدالة عليها، فإذا لم تُوجَد المعاني فمن أين يأتي اللفظ؟
        نحن نعرف الآن مثلاً (التليفزيون)، ونعرف ما هو لكن قبل أن يُخْترع هل كنا نعرفه أو نعرف اسمه؟ لذلك سبق أنْ قلنا: إن الذي يقول الله غير موجود - والعياذ بالله - نقول له: كلامك مردود بكلامك، لأن الله مبتدأ وغير موجود خبر، فمن أين عرفتَ كلمة الله إنْ كان الله غير موجود؟ إذن: قولك: الله غير موجود دليل على أنه موجود، لأن المعدوم لا لفظَ له، فالذي لا تسمعه الأذن، ولا تراه العين، ولا يخطر على البال ليس له اسم.
        لذلك لما يصف لنا ربنا الجنة يقول: { { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ .. } [محمد: 15] يعني: يعطينا مثلاً لها وليست هي، لأن لغتكم ليس بها الألفاظ التي تعبر عن هذه المعاني التي في الجنة، ومع ذلك ساعةَ يُعطينا المثل ينفي منه ما يناقض الموجود في الدنيا، فحين يصف خَمْر الآخرة يقول: { { لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } [الصافات: 47].
      يعني: لا تغتال العقل ولا تستره كما تستره خمر الدنيا، ففي الإنسان غُدة مسئولة عن توازنه، فحين يشرب الخمر تتسلط الخمر على هذه الغدة فتفقده توازنه وتستر عقله، فيتمايل هنا وهناك، ويهذي بكلام لا يعرف معناه.
      وليست كذلك خمر الآخرة، خمر الآخرة تُعطيك اللذة والمسرَّة دون أن تغتال العقل { { وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } [الصافات: 47] النَّزْف والنَّزْح بمعنى واحد، تقول: نزحت البئر يعني: أخرجت ما فيه من الماء، فالنزف إخراج ما في الجوف. والإنسان في تكوينه الصحي السليم يؤدي جسمه عملية نسميها عملية الإخراج مثل صماخ الأذن والعرق والبول، وهذا الإخراج فيه سلامة وفيه صحة الجسم.
        لكن هناك إخراج بلا سلامة، كالذي يأكل ثم يتقيَّأ ما أكل، وقد يتقيأ من جارحة نفسه دماً والعياذ بالله، وقد يخرج منه البول باستمرار كمن يعاني من سلس البول مثلاً، ومن ذلك النَّزْف ما يحدث لشارب الخمر فينزف ما في بطنه.
      كذلك في الدنيا ماء، وفي الآخرة ماء، وفي الدنيا لبن، وفي الآخرة لبن، لكن شتَّان بين ماء الآخرة وماء الدنيا، وبين لبن الآخرة ولبن الدنيا، يقول تعالى في بيان ذلك: { { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ .. } [محمد: 15].
      من عجيب أمر هذه الأنهار أنها أنهارٌ بلا شُطْآن، فهي تجري بما فيها من ماء أو لبن أو خمر أو عسل، ومع ذلك لا يختلط بعضها ببعض، وهذا أمرٌ عجيب نضعه تحت مَا لا عينٌ رأتْ، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
        فالحق سبحانه حين يعطينا المثل للجنة ينفي عنه المضارّ الموجودة لمثله في الدنيا، فآفة الماء في الدنيا أن يأسن، يعني: يتغير فلا يصلح بعد ذلك للشرب، أما ماء الآخرة فغير آسن، لأنه ماء جَارٍ في أنهار، وجريان الماء يحفظه أنْ يأسن، كذلك في اللبن ووَصْف العسل بأنه مُصفّى، لأن عسلَ الدنيا لا يخلو من الشوائب.
      أما خمر الآخرة فهذه لذّة للشاربين، يتلذذ بها شاربها، ويرتشفها رشفاً للذة طعمها، أما في الدنيا والعياذ بالله فيسكبها في فمه هكذا دفعةً واحدة، لأنها كريهة الطعم، كريهة الرائحة.
      ومن ذلك أيضاً قوله تعالى في وصف نعيم الجنة: { { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } [الواقعة: 28] وشجرة السدر شجرة معروفة عند العربي، وكانت تُعَدّ من فاكهتهم ومن الأشياء الغالية عندهم، لكن آفتها ما فيها من شوك يؤذي الآكل منها، فنفي الحق سبحانه عن سدر الآخرة هذه الآفة، وقال: { { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } [الواقعة: 28] أي: مقطوع ومنزوع الشوك لا يؤذي مَنْ يتناول ثماره.
        إذن: الحق - سبحانه وتعالى - حين يقول في وصف الجنة: { لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ } [الزمر: 20] لا تتعجب من كيفية بناء غرف فوقها غرف والماء يجري من تحتها؛ لأن لله تعالى هندسة خاصة تدخل تحت ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر، فهي أشياء لا تدلّ عليها ألفاظ لغتنا.
      لكن هناك أشياء أخرى لا اختلافَ فيها، مثل: أباريق وأكواب وكأس ونمارق وزرابي وأرائك، هذه من نِعَم الله في الجنة وموجودة أيضاً في الدنيا لكن مع الفارق، فهذه صَنَعة البشر للبشر، وهذه صنعة خالق البشر للبشر.
        لذلك لما ذهبنا إلى (سان فرانسيسكو) ورأينا هناك فندقاً فخماً على رَبْوة عالية، ووجدنا فيه كل وسائل الراحة والرفاهية أُعجب الجميع به، فقلت لهم: تعجبون من هذا وهو صنعة البشر للبشر، فما بالكم بصنعة الحق للخلق؟
      وهذه المسألة تلفت أنظارنا وتُوجِّهنا إلى نعيم الآخرة، فساعة ترى نعيم الدنيا، وساعة ترى الشيء الجميل المبهر لا تحقد على صاحبه ولا تحسده عليه، بل تذكر به نعيم الله الذي أعدَّه لعباده في الآخرة، فكأن الله تعالى بنعيم الدنيا يُرغِّبنا في نعيم الآخرة.
      وهذا الذي ذكرنا من جزاء المتقين { وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ } [الزمر: 20] الوعد: هو الإخبار بشيء مفرح سارّ قبل أوانه، وكوْنك تخبر بالأمر السَّار قبل أوانه، فهذا يغري بالعمل للوصول إلى هذا الوعد، ومقابل الوعد الوعيد وهو الإخبار بشيء مؤلم قبل أوانه، والهدف منه التحذير حتى لا تقع في أسبابه، فالحق سبحانه مراده من الوعد والوعيد أن يُشوِّق الخَلْق إلى الثواب ويُحذِّرهم من العقاب، ويُفظع الجرائم والعقوبات عليها حتى لا نقعَ فيها.
        والله سبحانه لا يخلف الميعاد فوعده حَقّ، لأنه سبحانه بيده كل أسباب الوفاء، ولا يوجد له معارض يصرفه عن الوفاء بوعده، لأن الذي يُخلِف الوعد تعرض له أشياء تخرجه عن إمكانية الوفاء، والإنسان ابن أغيار كثير التقلب، فيطرأ عليه ما يحُول بينه وبين الوفاء بوعده، أما الحق سبحانه فهو الحق الذي لا يتغير، ولا يعز عليه شيء، وهو سبحانه القادر الذي له طلاقة القدرة.
      والحق سبحانه يُرينا تحقيقَ وعده في الدنيا لنُصدق بوعده في الآخرة فَوعَد الله المؤمنين فقال: { { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [الصافات: 173].
      وقال: { { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ .. } [الحج: 40] وتحقَّق وَعْد الله للمؤمنين فانتصروا. وإن اضطهدوا أولاً، وتحقُّق هذا الوعد يجعلني أثق في وعد الآخرة الذي لم يأت وقته.
        لذلك سيدنا عمر - رضي الله عنه - لما سمع قول الله: { { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 45] قال: أيُّ جمع هذا، ونحن غير قادرين على حماية أنفسنا؟ فلما جاءت بدر وانتصر المسلمون قال: صدق الله { { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 45].
      فالحق سبحانه يُحقق لنا وعده الذي جاء وقته لنثق في تحقّق الوعد الذي لم يأتِ وقته، ومن ذلك قوله تعالى عن الكافرين: { { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [الرعد: 41] يعني: يا كفار قريش، يا مَنْ تعاندون محمداً وتصادموه، ألم ترَوْا أن رقعتكم الواسعة تتناقص، ويأخذ الإسلام منها كل يوم جزءاً، فالمعنى ننقص أرض الكفر، ونزيد أرض الإسلام .. وينبغي أن نقول صدق الله في الأولى، ولا بُدّ أنْ يصدق في الثانية، أي: يوم القيامة.
      لذلك يُعلِّمنا الحق سبحانه حين نَعد بشيء أن نصحبه بالمشيئة، فنقول: إن شاء الله: { { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ .. } [الكهف: 23-24] حتى إذا تعذَّر عليك الوفاء قُلْتَ شئتُ ولكن الله لم يشأْ، فكأن الله تعالى تحملها عن عباده، فالعبد شاء ولكني لم أشأ.
      وهكذا يعفيك الله من الحرج، ويحميك أن تكون كاذباً، فالحق يتحمل عنا كما تحمّل عن رسوله في قوله: { { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ .. } [الأنعام: 33] أي: قولهم: ساحر وكاهن وكذاب ومجنون { { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ .. } [الأنعام: 33] لأنك عندهم صادق أمين { { وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [الأنعام: 33].
      فجعلها سبحانه في حقه، وتحمَّلها عن رسوله.   التفاسير العظيمة  
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182115
    • إجمالي المشاركات
      2535367
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93177
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    chaima12
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×