اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 56835
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109825
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180455
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56691
      مشاركات
    4. 259975
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23497
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8190
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32129
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4159
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30248
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      52906
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19526
      مشاركات
    4. 6677
      مشاركات
  5. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  6. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97004
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36833
      مشاركات
  7. سير وقصص ومواعظ

    1. 31791
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16436
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15474
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  8. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31145
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12928
      مشاركات
  9. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33879
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91735
      مشاركات
  10. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32198
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13116
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  11. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  12. IslamWay Sisters

    1. English forums   (35864 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  13. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101646
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • إلقاء الرعب في قلوب الكافرين فى غزوة بدر   {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)}
      المولى سبحانه وتعالى هنا يبين أنه أوحى إلى الملائكة بالإلهام: أني معكم بالنصر والتأييد {فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ}.
      أي قوُّوا عزائم المؤمنين وثبتوا قلوبهم. أي اجعلوا قلوبهم كأنها مربوطة عليها فلا يخافون أية أغيار من عدوهم، ويزيد الإيضاح للمؤمنين: إياكم أن تظنوا أن كثرةَ العدَدِ أو قوةَ العُدَدِ هي التي تصنع النصر. بل النصرُ دائماً من عند الله تعالى وسبحانه القائل: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله} [البقرة: 249].
      وذلك لأن النسبة بين المؤمنين والكافرين غير متوازنة وتحتاج إلى مدد عال من الله تعالى. وقلنا إن السماء تتدخل إذا كان الأمر فوق أسباب الخلق، ولذلك يقول سبحانه وتعالى: {أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62].
        وإن قال قائل: أنا أدعو الله أكثر من مرة ولا يجيبني.. نرد عليه ونقول له: أنت لم تدع دعوة المضطر، بل دعوت دعوة المترف، مثلما يدعو ساكن في شقة بأن يرزقه الله بقصرٍ صغير. أو يدعو من يسير على أقدامه وتحمله سيارة العمل طالباً سيارة خاصة، أو يدعو من يملك (تليفزيونا) بأن يهبه الله جهاز (فيديو)، هذه كلها ليست دعوة اضطرار؛ لأن المضطر هو من فقد أسبابه.
      ويتابع الحق القول في ذات الآية: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب فاضربوا فَوْقَ الأعناق واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12].
      وإذا ألقى الله عز وجل الرعب والخوف في قلوب العدو مهما كان عَدَدُه ومهما كانت عُدَدُه، فسيترك هذا العدو كل ما معه ويفر من حالة الرعب والفزع، وقد فعل بعض من الكفار ذلك. وقد امتنَّ الله سبحانه وتعالى على المؤمنين بأن أمدهم بالملائكة بشرى واطمئناناً، وهيأ لهم الماء، وطهرهم، وأذهب عنهم رجز الشيطان، وكل هذه مقدمات المعركة مستوفاة من جانب الحق تبارك وتعالى إمداداً لكم، وما عليكم أيها المؤمنون سوى أن تُقبلوا على المعركة بعزيمة صادقة، عزيمة المقاتل الشجاع المحارب الذي له من العقل ما يفكر به ويدبر في التخطيط، وفي الكر والفر.
        وكانت أدوات القتال قديماً هي السيوف والرماح والنبال، وكان المقاتل يحتاج رأسه ليخطط به، ويحتاج يديه وأنامله ليمسك بها السيف، ولذلك ينبه الحق المؤمنين إلى هاتين النقطتين المؤثرتين فيقول: {فاضربوا فَوْقَ الأعناق واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}.
      والضرب لما فوق الأعناق هو ضرب الرأس فيفقد القدرة على التفكير، أو تذهب حياته لينتهي، وإن بقي على قيد الحياة فسوف يشاهد مصارع زملائه وذلتهم. والضرب منهم في كل بنان.. أي ضربهم بالسيوف في أيديهم؛ لأن الضرب في الأيدي إنما يجرحها ويجعلها عاجزة عن القتال.
      لماذا؟.
      {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13)}
      وهنا يوضح الحق سبحانه وتعالى: أن هذا النصر المؤزر للنبي وصحبه والهزيمة للمشركين؛ لأنهم شاقوا الله ورسوله، و(شاقوا) من (الشق) ومعناه أنك تقسم الشيء الواحد إلى اثنين. وكان المفروض في الإنسان منهم أن يستقبل منهم الله الذي نظم له حركته في هذا الكون، ولم يكن هناك داع لتبديد الطاقة بالانشقاق إلى جماعتين؛ جماعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم وجماعة مع الكفر والشرك؛ لأن الطاقة التي كانت معدة لإصلاح أمر الإنسان والكون للخلافة؛ إنما يتبدد جزء منها في الحروب بين الحق والباطل، ولو توقفت الحروب لصارت الطاقة الإنسانية كلها موجهة للإصلاح والارتقاء والنهوض وتحقيق الخير لبني الإنسان، لكنهم شاقوا الله ورسوله، فجعلوا أنفسهم في جانب يواجه جانب المؤمنين بالله ورسوله، فجعلوا أنفسهم في جانب يواجه جانب يواجه جانب المؤمنين بالله والرسول؛ لذلك استحقوا عذاب الله وعقابه، وبسبب أنهم شاقوا الله ورسوله، عليهم أن يتحملوا العقاب الشديد من الله، فيقول سبحانه وتعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} [الأنفال: 13].
      وهذه قضية عامة، وسنة من الله في كونه تشمل هؤلاء الذين شاقوا الله ورسوله من بدء الرسالة، وإلى قيام الساعة.
      {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)}
      وذلكم إشارة للأمر الذي حدث في موقعة بدر من ضرب المؤمنين للكافرين فوق الأعناق، وضرب كل بنان كافر، وإن ربنا شديد العقاب، وهذا الأمر كان يجب أن يذوقه الكافرون. والذوق هو الإحساس بالمطعوم شراباً كان أو طعاماً، إلا أنه تعدى كل محسّ به ولو لم يكن مطعوماً أو مشروبا ويقول ربنا عز وجل: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} [الدخان: 49].
      أي ذق الإهانة والمذلة لا مما يُطعم أو مما يُشرب، ولكن بالإحساس؛ لأن ذوق الطعام هو الحاسة الظاهرة في الإنسان؛ قد يجده بالذوق حريفاً، أو حلواً، أو خشناً أو ناعماً إلى غير ذلك. وها هو ذا الحق يضرب لنا المثل على تعميم شيء: فيقول عز وجل: {وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].
      والجوع سلب الطعام، فكيف تكون إذاقة الجوع؟ الجوع ليس مما يذاق، ولا اللباس مما يذاق، ومن قول الحق تبارك وتعالى نفهم أن الإذاقة هي الإحساس الشديد بالمطعوم، واللباس- كما نعلم- يعم البدن، فكأن الإذاقة تتعدى إلى كل البدن، فالأنامل تذوق، والرجل تذوق، والصدر يذوق، والرقبة تذوق؛ وكأن الجوع قد صار محيطاً بالإنسان كله. وهنا يقول المولى سبحانه وتعالى: {ذلكم فَذُوقُوهُ}.
        والذوق غير البلع والشبع، ونرى ذلك في عالمنا السِّلعي والتجاري؛ فساعة تشتري- على سبيل المثال- جوافة، أو بلحاً أو تيناً، يقول لك البائع: إنها فاكهة حلوة، ذق منها، ولا يقول لك كل منها واشبع، إنه يطلب منك أن تجرب طعم الفاكهة فقط ثم تشتري لتأكل بعد ذلك حسب رغبتك وطاقتك. وما نراه في الدنيا هو مجرد ذوق ينطبق عليه المثل الريفي (على لساني ولا تنساني)، والعذاب الذي رآه الكفار على أيدي المؤمنين مجرد ذوق هيّن جدًا بالنسبة لما سوف يرونه في الآخرة من العقاب الشديد والعذاب الأليم، وسيأتي الشبع من العذاب في الآخرة، لماذا؟ {ذلك بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} [الأنفال: 13].
        وهذا اللون من إذاقة الذل والإهانة في الدنيا لهؤلاء الكفار المعاندين، مجرد نموذج بسيط لشدة عقاب الله على الكفر، وفي يوم القيامة يطبق عليهم القانون الواضح في قوله سبحانه وتعالى: {وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النار}
      إذن فالهزيمة لمعسكر الكفر والذلة هي مجرد نموذج ذوق هين لما سوف يحدث لهم يوم القيامة من العذاب الأليم والحق سبحانه وتعالى هو القائل: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ} [الطور: 47].
      وعذاب الآخرة سيكون مهولاً، و(العذاب) هو إيلام الحس، إذا أحببت أن تديم ألمه، فأبق فيه آلة الإحساس بالألم، ولذلك تجد الحق سبحانه وتعالى حينما يتكلم عن سليمان والهدهد يقول: {وَتَفَقَّدَ الطير فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الهدهد أَمْ كَانَ مِنَ الغآئبين لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} [النمل: 20- 21].
      كأن الذبح ينهي العذاب، بدليل أنّ مقابل العذاب في هذا الموقف هو الذبح.
      وماذا عن عذاب النار؟. إن النار المعروفة في حياتنا تحرق أي شيء تدخله فيها، لكنّ نار الآخرة تختلف اختلافا كبيرا لأن الحق هو القائل: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ العذاب} [النساء: 56].
         
    • {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)}
      النعاس عبارة عن السِّنة الأولى التي تأخذ الإنسان عندما يحب أن ينام، ويسميها العامة في مصر (تعسيلة) ويقولون: (فلان معسل) أي أخذته سِنَة النوم، وهي ليست نوماً بل فتور في الأعصاب يعقبه النوم، وهذا من آيات الله تعالى في أن يهب الإنسان راحة مؤقتة وليست نوماً. وسبحانه يقول عن ذاته العليا: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} [البقرة: 255].
      أي أنه- جل وعلا- لا يأخذه النومُ الخفيفُ ولا النوم الثقيل. لأنّ السِّنة هي إلحاح من الجسم في طلب النوم، ويكون نوماً خفيفاً، وسبحانه وتعالى ليس كمثله شيء فهو عز وجل لا يتجسد أو يتمثل في شيء، لا السِّنة تأخذه ولا النوم يقاربه، ونلحظ أن الإنسان إذا ما تكلم بجانب من تأخذخ السِّنة فهو يصحو وينتبه. أما النائم بعمق فقد لا يصحو.
      فالسِّنة- إذن- هي الداعي الخفيف للراحة. أما النوم فهو الداعي الثقيل. وهنا أنزل الله عليهم النعاس بمثابة مقدمة للنوم ليستريحوا قليلاً. ونعلم أن النوم آية من آيات الله عز وجل في كونه؛ لأن الجسم حين يعبر عن نفسه بالحركة والطاقة ويأكل الغذاء ويشرب الماء ويتنفس الهواء، كل ذلك يتحول إلى طاقة ثم إلى وقود للحركة.
      وهذه الطاقة تتكون بالتفاعل بين العناصر المختلفة، من تمثيل للغذاء وتحويل الطعام إلى نوعيات مختلفة لتغذية كل خلية من خلايا الجسم بما يناسبها، ثم استخلاص (الأوكسجين) عبر التنفس وطرد ثاني أكسيد الكربون، وعشرات الآلاف من التفاعلات الكيميائية لا توجد بها فضلات لتخرج، وهي تختلف عن التفاعلات الأخرى التي تخرج منها الفضلات من أحد السبيلين، أو من صماخ الأذن أو غير ذلك.
      ومثل هذه الفضلات إنما تنتج من الاحتراقات التي نقول عنها: (العادم) في الآلات الميكانيكية. والعادم هو نتيجة الاحتراق وهي غازات تنفصل لتسير الحركة. وفي الإنسان نجد العادم يتمثل في الغائط، وما خرج من صماخ الأذن، و(عماص العين)، والعرة، كلها عوادم. لكنْ هناك لون من تركيبة هذه التفاعلات يُمثل لإيجاد الطاقة وليس له عادم.
      والوسيلة الأساسية لاستعادة التوازن الكيميائي المناسب للإنسان هي أن نريح الجسم، وتتفاعل مواد الجسم مع نفسها ويعود طبيعياً. وهذا لا يحدث إلا بالنوم. ولذلك نجد الإنسان حين يسهر كثيراً ويذهب إلى النوم يشعر برجليه وقد (خدلت) أو كما يقال: (نملت). وهذا نتيجة عجز مواد الجسم عن التفاعل الذي تحتاجه نتيجة اليقظة، وهذه كلها مسائل لا إرادية. بدليل أن الإنسان يرغب أحياناً في أن ينام، ويتحايل أحيانا على النوم فلا يأتيه؛ لأن النوم من العمليات المختصة بالحق سبحانه وتعالى، وهو آية من آيات الله في هذا الكون، ومن ضمن الآيات العجيبة.
      واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بالليل والنهار وابتغآؤكم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [الروم: 23].
        وحين حاول العلماء الباحثون أن يفسروا ظاهرة النوم، وضعوا عشرات النظريات، وآخر التجارب التي أجريت أنهم أحضروا إنسانا وعلقوه كالرافعة من وسطه، وكأنه عصا مرفوعة من وسطها بتوازن، وجعلوا كل نصف من النصفين متساوياً في الوزن، وحين جاء النوم لهذا الإنسان محل التجربة وجدوا أن جهة من النصفين مالت، وكأن ثقلاً ما جاءها من النصف الآخر فزادت كتلتها، وهذا آخر ما درسوه في النوم، هذه التجربة أثبتت أن النوم عجيبة من العجائب التي تستحق أن يقول الحق تبارك وتعالى عنها: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بالليل والنهار وابتغآؤكم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [الروم: 23].
        وانظر إلى كلمة (النهار) هذه تر فيها الرصيد الاحتياطي الموجود في آية النوم؛ لأنه سبحانه وتعالى يقول: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بالليل}.
      وفي هذا القول رصيد احتياطي لمن جاء له ظرف من الظروف ولم ينم بالليل، فيعوض هذا الأمر وينام بالنهار، ومن حكمة الله تعالى أنه ذيل هذه الآية بقوله عز وجل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}.
        وهذا بسبب أن النوم يعطل كل طاقات الجسم، فعندما ينام الإنسان لا يقدر جسمه على أن يتحرك التحرك الإداري، إلا السمع فهو باق في وظيفته؛ لأن به الاستدعاء، وإنَّ العين- مثلاً- لا ترى أثناء النوم، إنما الأذن تسمع ولا تتخلى عن السماع أبداً؛ لأن بالأذن يكون الاستدعاء، فإذا ما نادى الأب ابنه وهو نائم فهو يسمع النداء. لذلك قلنا سابقاً: إنَّ الحق سبحانه وتعالى حينما أراد أن ينيم أهل الكهف ثلثمائة سنة وازدادوا تِسْعا، قال تعالى: {فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ فِي الكهف سِنِينَ عَدَداً} [الكهف: 11].
      لأنه لو لم يضرب على آذان أهل الكهف لظل السمع باقياً، فإذا ظل السمع، أهاجته الأعاصير، وعواء الذئاب، وزئير الأسود، ولما استطاعوا النوم طيلة هذه المدة.
      وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس أَمَنَةً مِّنْهُ} [الأنفال: 11].
        وقد يتبادر إلى الأذهان سؤال هو:
      وهل هناك نعاس غير أمنة؟ والجواب نعم؛ لأنه مجرد الراحة من تعب لتنشط بعدها، هذا لنفهم أن (أمنة) جاءت لمهمة هي تهدئة أعماق المؤمنين في المهيجات المحيطة، فهذا عدو كثير العدد، وهو بلا عتاد؛ لذلك شاء الحق تبارك وتعالى ألا يضيع منهم الطاقة اللازمة للمواجهة، ولا تتبدد هذه الطاقة في الفكر؛ لذلك جعل نعاسهم مخصوصاً يغلبهم وهو (نعاس أمنة)، وجعل المولى عز وجل من هذا النعاس آية، حيث جاءهم كلهم جميعا، وهذه بمفردها آية من آياته سبحانه وتعالى ولو غلبهم النوم العميق لمال عليهم الأعداء مَيْلًة واحدة، ولكنهم أخذوا شيئاً من الراحة التي فيها شيء من اليقظة.
        {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس أَمَنَةً}.
      وهنا النعاس مفعول به، وهو أمنة من الله، وسبحانه يقول في آية أخرى: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ الغم أَمَنَةً نُّعَاساً} [آل عمران: 154].
      هنا في آية الأنفال نعاس وأمنة، وهناك في آية آل عمران أمنة ونعاس؛ لأن الحالتين مختلفتان- فتوضح آية آل عمران أن التعاس قد غشى طائفة واحدة من المقاتلين في غزوة أحد بعد أن أصابهم الغم في هذه الغزوة، وهؤلاء هم المؤمنون الصادقون الملتفون حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما في سورة الأنفال فتبين الآية أن النعاس قد غشى الجيش كله حيث كان الجميع على قلب رجل واحد والإيمان يملأ قلوبهم جميعا ولا يوجد بينهم منافق أو مرتاب فغشيتهم جميعا هذه الأمنة بالنعاس؛ لأنه يزيل الخوف، ومن دلائل الأمن والطمأنينة والثقة بنصر الله.
      ويقول الحق تبارك وتعالى متابعاً في ذات الآية: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السمآء مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان} [الأنفال: 11].
        ومعنى التطهير أن هناك حادثاً يستحق التطهر منه وهم لم يجدوا ماءً ليتطهروا به حيث كان المشركون قد غلبوا المسلمين على الماء في أول الأمر، فظمئ المسلمون وانشغلوا بالعطش، وبالرغبة في تطهير أجسامهم، وهذا يدل على أن المؤمن يجب أن يظل نظيفاً، رغم الوجود في المعركة التي لو استمر فيها الواحد منهم يوماً أو اثنين دون استحمام، لما لامه أحد على ذلك، وجاء هذا القول ليدل على حرص المؤمن على النظافة إن خرج شيء من الإفرازات والعرق، أو كان التطهر من رجز الشيطان؛ لأن الشيطان خيل لهم منامات جنسية، وأخذ يوسوس قائلا لهم: أنتم تقولون إنَّكم على حق، فكيف تصلون وأنتم جنب؟ وكان مجرد حدوث هذا الأمر لهم جميعاً هو آية أخرى من الآيات. فأغاظ الله الشيطان وأنزل عليهم الماء ليشربوا ويتطهروا.
        ويقول المولى سبحانه وتعالى في ذات الآية: {وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدام}
      وأراد الحق تبارك وتعالى أن يطمئن المؤمنين فلا تتوزع أو تتشتت مشاعرهم، وما أن نزل المطر حتى حفروا الحفر ليتجمع فيها الماء، وهكذا حماهم سبحانه وتعالى من نقص الماء، كما أن نزول المطر على الأرض الرملية نعمة كبرى- من جهة أخرى- حيث يثبت الرمال على الأرض فلا تثير غباراً، ونعلم أن الإنسان حين يسير على الأرض، فإن ثقلة يدك ما تحته مما يحتمل الدك على قدر وزنه، فالطفل الصغير حينما يمشي على الرمال، فأثر سيره يكون بسيطاً، عكس الرجل الضخم، وإن قستها بالنسبة لوزن الصبي أو الغلام، وبوزن الرجل الممتلئ، تجد أن الأرض قد غاصت بنسبة الكتلة التي سارت عليها، وحين يسير الناس دون عمل ولا يقصدون غير السير، يكون الثقل خفيفاً، أما حين يدخل الرجال الحرب فالأقدام قد تغوص في الرمال وقد يصير جزءٌ من جسد المقاتل معطلاً عن الحركة؛ لأن القدم هي التي تحقق التوازن.
        إن هذه من حكمة الله تعالى، ونحن نرى ذلك في حياتنا، فنجد أهل الريف يضعون فوق جداول الماء جزع نخلة أو (عرقاً) من الخشب ليسير عليه الإنسان بين الشطين، وإن فكّر السائر في هذه المسألة قد يقع في الماء، لكنه إن ترك رجليه للسير تلقائيا، فهو يمشي محققاً التوازن، ومثل الأمر يحدث في صناعة سلالم البيوت، إننا نجدها متساوية في ارتفاع درجاتها ليصعد الإنسان صعوداً رتيباً من غير تفكير، فإذا اختلت درجة واحدة في السلم بأن كا ارتفاعها مختلفا عن بقية الدرجات يختل التوازن ويقع الإنسان؛ لأن الساق ضبطت نفسها آليا على هذا الوضع.
        ولذلك نجد الصعود على السلالم الحلزونية متعباً لأن السلالم الحلزونية فيها جهة واسعة وأخرى ضيقة. وقد يرتبك الإنسان أثناء الصعود، ولهذه الأسباب نجد الجيوش تكشف طبيّاً على المجندين، ولا يختارون إلا الشخص المستوي القدمين لتستقبل أقدامه كل الظروف ويكون قادراً على مواجهة الظروف غير العادية، ومن عظمة الخالق سبحانه وتعالى أن جعل كل عضو من الأعضاء له مواصفات خاصة.
      وسبحانه يذيل هذه الآية بقوله عز وجل: {وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدام}
        وتثبيت الأقدام من جهة يمثل أمراً معنويّاً، ومن جهة أخرى يكون تثبيت الأقدام (بمعنى أن نزول المطر جعل الأرض ثابتة) ولا تثير الغبار أو الرمال، وسبحانه هو القائل في مناسبة أخرى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قاتل مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا استكانوا والله يُحِبُّ الصابرين وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا في أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصرنا عَلَى القوم الكافرين} [آل عمران: 146- 147].
      وهكذا نفهم أن تثبيت الأقدام له ألوان متعددة، حسيّة ومعنوية.
    • دور الملائكة في غزوة بدر   {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)}
      ومادة (استغاث) تفيد طلب الغوث، مثل (استسقى) أي طلب السقيا، و(استفهم) أي طلب الفهم، و(الألف) و(السين) و(التاء) توجد للطلب. و(استغاث) أي طلب الغوث من قوى عنه قادر على الإغاثة، وأصلها من الغيث وهو المطر، فحين تجدب الأرض لعدم نزول المطر ولا يجدون المياه يقال: طلبنا الغوث، ولأن الماء هو أصل الحياة؛ لذلك استعمل في كل ما فيه غوث، وهو إبقاء الحياة، وفي حالة الحرب قد يفنى فيها المقاتلون؛ لذلك يطلبون الغوث من الله عز وجل {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ}.
        و{تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} بضمير الجمع، كأنهم كلهم جميعاً يستغيثون في وقت واحد، وقد استغاث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اصطف القوم وقال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه واستقبل القبلة وقال: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم ائتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض).
        ويدل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه كان يستغيث بالخالق الذي وعد بالنصر، ورد القوم خلفه: آمين، لأن أي إنسان يؤمن على دعاء يقوله إمام أو قائد فهو بتأمينه هذا كأنما يدعو مثلما يقول الإمام أو القائد. فمن يقول: (آمين) يكون أحد الداعين بنفس الدعاء. والحق سبحانه وتعالى هو القائل: {وَقَالَ موسى رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الحياة الدنيا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطمس على أَمْوَالِهِمْ واشدد على قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم} [يونس: 88].
      وهذا ما جاء في القرآن الكريم على لسان موسى عليه السلام.
      ثم يقول الحق تبارك وتعالى بعدها: {قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا} [يونس: 89].
      مع العلم بأن سيدنا موسى عليه السلام هو الذي دعا، وقوله سبحانه من بعد ذلك {أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا} دليل على أن موسى دعا وهارون قال: (آمين) فصار هارون داعياً أيضاً مثل أخيه موسى. {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاستجاب لَكُمْ} [الأنفال: 9].
        {فاستجاب لَكُمْ} الألف والسين والتاء- كما علمنا- تأتي للطلب، وقول الحق سبحانه وتعالى: {فاستجاب} يعني أنه طلب من جنود الحق في الأرض أن يكونوا مع محمد وأصحابه؛ لأن الله سبحانه وتعالى، خلق الكون، وخلق فيه الأسباب. نراها ظاهرة، ووراءها قوى خفية من الملائكة. والملائكة هم خلق الله الخفي الذي لا نراه ولا نبصره، إلا أن الله أخبرنا أن له ملائكة.
        فالملائكة ليست من المخلوقات المشاهدة لنا، وإنما إيماننا بالله، وتصديقنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن الله تعالى جعلنا نعرف أنه سبحانه وتعالى قد خلق الملائكة، وأخبرنا أيضاً أنه خلق الجن وصدقنا ذلك، إذن فحجة إيماننا بوجود الملائكة والجن هو إخبار الرسول الصادق بالبلاغ عن الله تعالى ومن يقف عقله أمام هذه المسألة ويتساءل: كيف يوجد شيء ولا يرى، نقول له: هذه أخبار من الله.
      وهناك من أنكر وجود الملائكة والجن وقال: إنها القوى الميكانيكية في الأسباب، ولم يلتفتوا إلى أن الحق سبحانه وتعالى حين يتكلم عن أمر غيبي، فسبحانه يترك في مشهديات وجوده وكونه ما يقرب هذا الأمر الغيبي إلى الذهن، فيجعلك لا تعرف وجود أشياء تشعر بآثارها، ثم بمرور الزمن تدرك وجودها، وهذه الأشياء لم تُخلق حين اكتشفتها، وإنما هي كانت موجودة لكنك لم تتعرف عليها، وهناك فارق بين وجود الشيء وإدراك وجود الشيء. ومثال ذلك كان اكتشاف الميكروب في القرن السابع عشر وهو موجود من قبل أن يكتشف، وكان يدخل في أجسام الناس، وينفذ من الجلد، وحين اكتشفوه، دلّ ذلك على أنه كان موجوداً لكننا لم نكن نملك أدوات إدراكه. إذن فإن حُدثت بأن لله خلقاً موجوداً وإن لم تكن تدركه، فخذ مما أدركته بعد أن لم تكن تدركه دليل تصديق لما لا تدركه.
      وأخبرنا الحق تبارك وتعالى بوجود الملائكة، وكل شيء له ملائكة يدبرونه، وهم: (المدبرات أمرا)، والملائكة الحفظة، وسبحانه القائل: {لَهُ معقبات مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} [الرعد: 11].
      وسبحانه أيضاً القائل: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].
      وهؤلاء الملائكة هم الموكلون بمصالح الإنسان في الأرض، المطر مثلاً له ملكه، الزرع مثلاً له ملكه، وكل شيء له ملك. وهو سبب خفي غير منظور يحرك الشيء. {فاستجاب لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الملائكة}.
      والإمداد هو الزيادة التي تجيء للجيش، لأن الجيش إذا ووجه بمعارك لا يستطيع أن يقوم بها العدد الموجود من الرجال أو السلاح، حينئذ يطلب قائد الجيش إرسال المدد من الرجال والعتاد. {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الملائكة مُرْدِفِينَ}
      ونعلم أنه ساعة أن أمر ربنا الملائكة أن تسجد لآدم، لم يكن الأمر لكل جنس الملائكة، بل صدر الأمر إلى الملائكة الموكلين بمصالح الأرض. أما الملائكة غير الموكلين بهذا، فلم يدخلوا في هذه المسألة، ولذلك قلنا إن الحق سبحانه وتعالى حينما عنف إبليس، قال له: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ العالين} [ص: 75].
        والمقصود ب (العالين) هم الملائكة الذين لم يشملهم أمر السجود.
      والحق تبارك وتعالى هنا في هذه الآية يبين أنه سبحانه وتعالى قد أمد المسلمين المحاربين في غزوة بدر ب: {بِأَلْفٍ مِّنَ الملائكة مُرْدِفِينَ}
      والردْفُ هو ما يتبعك، ولذلك يقال: (فلان ركب مطيته وأرْدَفَ فلاناً)، أي جعله وراءه.
      والمُردف هو من يكون في الأمام، والمردَف هو من يكون خلفه. والآية توضح لنا أن الملائكَة كانت أمام المسلمين؛ لأن جيش المسلمين كان قليل العدد، وجيش الكفار كان كثير العدد، وجاءت الملائكة لتكثير عدد جيش المسلمين، فإذا كان العدد مكوناً من ألف مقاتل، فقد أرسل الحق ملائكة بنفس العدد ويزيد بذلك جيش المؤمنين بعدد المؤمنين. وكان يكفي أن يرسل الحق ملكاً واحداً، كما تحكي الروايات عما حدث لقوم لوط، فقد روي أن جبريل عليه السلام، أدخل جناحه الواحد تحت مدائن قوم لوط، وصعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نهيق الحمار، ونباح الكلاب، وصياح الديوك، ولم تنكفئ لهم جرّة، ولم ينسكب لهم إناء، ثم قلبها دفعة واحدة وضربها على الأرض.
      وصيحة واحدة زلزلت قوم ثمود. لماذا إذن أرسل الحق تبارك وتعالى هنا ألفاً من الملائكة؟. حدث ذلك لتكثير العدد أمام العدو وليفيد في أمرين اثنين:
      الأمر الأول: أن تأخذ العدو رهبة، والأمر الثاني: أن يأخذ المؤمنون قوة لكن أكان للملائكة في هذه المسألة عمل؟ أو لا عمل لهم؟ هنا حدث خلاف. {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)}
      أي أن الملائكة هي بشرى لكم، وأنتم الذين تقاتلون أعداءكم، وسبحانه وتعالى هو القائل: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 14].
      قال الحق سبحانه وتعالى ذلك للمؤمنين وهم يدخلون أول معركة حربية، ويواجهون أول لقاء مسلح بينهم وبين الكافرين، لأنهم إن علموا أن الملائكة ستقاتل وتدخل، فقد يتكاسلون عن القتال ويدخلون إلى الحرب بقلوب غير مستعدة، وبغير حمية، فأوضح ربنا: أنا جعلت تدخل الملائكة بشرى لكم، و{لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}، أي أن عدد الملائكة يقابل عدد جيش الكفار، والزيادة في العدد هي أنتم يا من خرجتم للقتال. واعلموا أن الملائكة هي لطمأنة القلوب. لكن الحق يريد أن يعذبهم بأيديكم أنتم، لأن الله يريد أن يربي المهابة لهذه العصبة بالذات، بحيث يحسب لها الناس ألف حساب.
        واختلفت الروايات في دور الملائكة في غزوة بدر، فنجد أبا جهل يقول لابن مسعود: ما هذه الأصوات التي أسمعها في المعركة؟ فقد كانت هناك أصوات تُفزع الكفار في غزوة بدر- ويرد ابن مسعود على أبي جهل: إنها أصوات الملائكة. قال: إذن بالملائكة تغلبون لا أنتم.
      فإياكم أن تفتنوا حتى بالملائكة؛ لأن النصر لا منكم ولا من الملائكة، ولكن النصر من عندي أنا؛ لأن الذي تحب أن ينصرك، لابد أن تكون واثقاً أنه قادر على نصرتك، والبشر مع البشر يظنون الانتصار من قبل الحرب، ومن الجائز أن يغلب الطرف الآخر، لكن النصر الحقيقي من الذي لا يُغْلَب وهو الله سبحانه وتعالى: {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله}
      وأنت حين تستنصر أحداً لينصرك على عدوك فهذا الذي نستنصر به إن كان من جنسك يصح أن يَغْلِب معك ويصح أن تنغلب أنت وهو، لكنك تدخل الحرب مظنة أنك تغلبَ مع من ينصرك وقد يحدث لكما معاً الهزيمة أمَّا الحقُّ سبحانه وتعالى فهو وحده الذ لا يُغَالَب ولا يُغْلَب. {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
      وهو سبحانه وتعالى الناصر، وهكذا يكون المؤمن الذي يقاتل بحمية الإيمان واثقاً من النصر، لكن إياكم أن تظنوا أن النصر من الله لا يصدر عن حكمة، إن وراء نصر الله للمؤمنين حكمةً، فإن تهاونتم في أي أمر يُسلب منكم النصر؛ لأن الله لا يغير سننه مع خلقه، وقد رأينا ما حدث في غزوة أحد حين تخاذلوا ولم ينفذوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينتصروا؛ لأن الحكمة اقتضت ألا ينتصروا، ولو نصرهم الله لاستهانوا بعد ذلك بأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقال بعض منهم: خالفناه وانتصرنا، وهكذا نجد أن طاعة الله والرسول والأخذ بالأسباب أمر هام، فحين جاء الأمر من رسول الله في غزوة أحد بما معناه: يا رماة لا تتركوا أماكنكم، ولو رأيتمونا نفر إلى المدينة، فلا شأن لكم بنا، وعلى كل منكم أن يأخذ دوره ومهمته، فإذا رأى أخا له في دوره قد انهزم فليس له به شأن، وعلى كل مقاتل أن ينفذ ما عليه.
      لكنهم خالفوا فسلبهم الله النصر. وهكذا يتأكد لهم أن النصر من عند الله العزيز الذي لا يغلب. وقال البخاري عن البراء بن عازب قال: لقينا المشركين يومئذ وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشا من الرماة، وأمَّر عليهم (عبد الله بن جبير)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تبرحوا وإن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا).
      ونلحظ أن المدد بالملائكة ورد مرة بألف، ومرة بثلاثة آلاف في قول الحق سبحانه: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بثلاثة آلاف مِّنَ الملائكة مُنزَلِينَ} [آل عمران: 124].
      فإن لم يكفكم ثلاثة آلاف سيزيد الله العدد، لذلك يقول المولى عز وجل: {بلى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءالاف مِّنَ الملائكة مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125].
      إذن المدد يتناسب مع حال المؤمنين، ويبين ذلك قوله سبحانه: {بلى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ}
      فالصبر إذن وحده لا يكفي بل لابد أيضا من تقوى اللخ، ولابد كذلك من المصابرة بمغالبة العدو في الصبر؛ لذلك يقول المولى تبارك وتعالى في موقع آخر: {اصبروا وَصَابِرُواْ} [آل عمران: 200].
      وذلك لأن العدو قد يملك هو أيضاً ميزة الصبر؛ لهذا يزيد الله الصابر، فإن صبر العدو على شيء فاصبر أنت أيها المؤمن أكثر منه.
      وقد جعل الله عز وجل الإمداد بالملائكة بشرى لطمأنة القلوب وثقة من أن النصر من عند الله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 10].
      وما أن بدأت المعركة حتى بدأ توالي النعم التي سوف تأني بالنصر، إمداد بالملائكة، بشرى لتطمئن القلوب، وثقة من أن النصر من عند الله العزيز الحكيم.
      ثم يأتي التذكير بالدلالة على ذلك فيقول المولى سبحانه وتعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السمآء مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}   اسلاميات
    • {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)}
        (كما) تدل على تشبيه حالة بحالة، فهم قد رضوا بقسمة الله في الغنائم بعد أن رفضوها، وكذلك قبلوا من قبلُ أن يخرجوا لملاقاة النفير بعد كراهيتهم لذلك. لكنهم خرجوا وحاربوا وانتصروا ثم اختلفوا على الغنائم، ورضوا أخيراً بقسمة الله تعالى والرسول عليه الصلاة والسلام.
        فهل ذكر مسألة كراهيتهم للخروج إلى الحرب هي طعن فيهم؟ لا، فهذا القول له حيثية بشرية؛ لأن الذي يريد أن يخوض معركة لابد أن يغلب عليه الظن بأنه سوف ينتصر، وإلا سينظر إلى أن عملية الخروج إلى القتال فيها مجازفة. وكان المسلمون في ذلك الوقت قليلي العدد، وليس معهم عُدَد، بل لم يكن لديهم من مراكب إلا فرسان اثنان. وكان خروجهم من أجل البضائع والعير، لا لملاقاة جيش كبير، وهكذا لم تكن الكراهية لهذه المسألة نابعة من التأبي على أوامر الله تعالى، أو مطالب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنهم نظروا إلى المسألة كلها بالمقاييس البشرية فلم يجدوا فيها التوازن المحتمل.
        ويريد الله أن يثبت لهم أنهم لو ذهبوا وانتصروا على العير فقط، لقيل عنهم إنهم جماعة من قطاع الطرق قد انقضوا على البضائع ونهبوها، فلم يكن مع العير إلا أربعون رجلا، والمسلمون ثلاثمائة ويزيدون، ومن المعقول أن ينتصروا، ولكن ربنا أراد أن ينصرهم على النفير الذي استنفره الكفار من مكة، هذا النفير الضخم في العدد والعدة ويضم جهابذة قريش وصناديدها، وتتحقق إرادة الحق في أن يزهق الباطل. {كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين لَكَارِهُونَ}.
      والخروج من البيت هنا مقصود به خروج الرسول من المدينة لملاقاة الكفار، وهذا الفريق من المؤمنين لم تخرجهم الكراهية عن الإيمان؛ لأن معنى (فريق) هم الجماعة الذين يفترقون عن جماعة ويجمعهم جميعاً رباط واحد، فالجيش مثلاً يتكون من فرق، يجمعهم الجيش الواحد.
        وهذه الفرق التي يأتي الحديث عنها هنا هي الفرق التي كرهت أن تخرج إلى القتال رغم أنهم مؤمنون أيضاً، ونعلم أن كراهية القتال أمر وارد بالنسبة للبشر، وسبحانه وتعالى القائل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وعسى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ والله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
      {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)}
        {يُجَادِلُونَكَ فِي الحق}، أي يجادلونك في مسألة الخروج لملاقاة النفير، بعد ما تبين لهم الوعد الحق من الله عز وجل وهو وعده سبحانه وتعالى بأن تكون لهم إحدى الطائفتين، وهما طائفة العير أو النفير الضخم الذي جمعته قريش لملاقاتهم. وما دام الحق قد وعدكم إحدى الطائفتين، فلماذا لا تأخذون الوعد في أقوى الطوائف؟ لماذا تريدون الوعد في أضعف الطوائف؟! لقد وعدكم الحق سبحانه وتعالى أن إحدى الطائفتين ستكون لكم، فكان المنطق والعقل يؤكدان أنه ما دام قد وعدنا الله عز وجل إحدى الطائفتين، فلنقدم إلى الأنفع للإسلام والحق الذي نحارب من أجله، وأن نواجه الطائفة ذات القوة والشوكة والمنعة؛ لأنه قد يكون من الصحيح أن النصر مؤكد على طائفة العير، لكن هذا النصر سيبقى من بعد ذلك مجرد نصر يقال عنه! إنه نصر لقطاع طريق، لا أهل قضية إيمان ودين.
      ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائفتين أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ الله أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين} [الأنفال: 7].
      فالمنطق إذن يفرض أن الله عز وجل ما دام قد وعد رسوله صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين، طائفة في عير والأخرى في نفير، كان المنطق يفرض إقبال المؤمنين على مواجهة الطائفة القوية؛ لأن النصر على النفير هو أشرف من النصر على طائفة العير. {يُجَادِلُونَكَ فِي الحق بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الموت وَهُمْ يَنظُرُونَ}.
      ونلحظ أن هناك (سوق)، وهناك (قيادة)، والقيادة تعني أن تكون من الأمام لتدل الناس على الطريق، و(السوق) يكون من الخلف لتحث المتقدم أن يقصر المسافة مع تقصير الزمن، فبدلاً من أن نقطع المسافة فى ساعة- على سبيل المثال- فنقطعها في نصف ساعة.
      وقوله تعالى: {يُسَاقُونَ إِلَى الموت وَهُمْ يَنظُرُونَ} [الأنفال: 6].
      أي أنهم غير منجزين للسير. بل هم مدفوعون إليه دفعاً، وهم ينظرون بشاعة الموت، لأنهم تصوروا أن مواجهتهم لألف فتى من مقاتلي قريش مسألة صعبة، فألف أمام ثلاثمائة مسألة ليست هينة؛ لأن ذلك سيفرض على كل مسلم أن يواجه ثلاثة معهم العدة والعتاد، فكأن الصورة التي تمثلت لهم صورة بشعة، لكنهم حينما نظروا هذه النظرة لم يلتفتوا إلى أن معهم ربّا ينصرهم على هؤلاء جميعاً.  
      {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)}
        الوعد من الله عز وجل يجب أن يستقبل من الموعود بأنه حق؛ لأن الذي يقدح في وعد الناس للناس أن الإنسان له أغيار، فقد تعد إنساناً بشيء، وقد حاولت أن تفي بما وعدت ولكنك لم تستطع الوفاء بالوعد. أو كانت لك قوة وانتهت. أو قد يتغير رأيك. إذن فالوعد من المساوي من الخلق غير مضمون، لكن الوعد من القادر القوي، الذي لا تقف عراقيل أمام إنفاذ ما يريد، هو وعد حق ويجب أن يتلقوا هذا الوعد على أنه حق. {وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائفتين أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ}.
        أي إن كنتم تميلون وتحبون أن تكون لكم الطائفة غير ذات الشوكة التي تحرس العير- والشوكة هي شيء محدد من طرف تحديداً ينفذ بسهولة من غيره، وأنت تجد الشوكة مدببة رفيعة من الطرف ثم يزداد عرضها من أسفلها ليتناسب الغِلْظُ مع القاعدة لتنفذ باتساع. وذات الشوكة أي الفئة القوية التي تنفذ إلى الغرض المراد، ولا يتأبى عليها غرض، ولذلك يقال (شاكي السلاح). فإن كتم تتمنون وتريدون عدم ملاقاة جيش الكفار في معركة فالمولى عز وجل يقول لكم {وَيُرِيدُ الله أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين}.
        أي أن الله تعالى يريد أن ينصر الإسلام بقوة ضئيلة ضعيفة بغير عتاد على جيش قوى فيعرفون أن ربنا مؤيدهم، وبذلك يحق الحق بكلماته أي بوعده. وهناك الكلمة من الله التي قال فيها: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الأرض ومغاربها التي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحسنى} [الأعراف: 137].
      هكذا كان وعد الله الذي تحقق. {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين}
      والدابر والدُبر هي الخلف، وتقول: (قطعت دابره) أي لم أجعل له خلفاً.
      {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)}
      ونلاحظ أنه سبحانه وتعالى قال من قبل ويريد الله أن {يُحِقَّ الحَقَّ}، وهنا يقول: {لِيُحِقَّ الحق} والمراد بالحق الأول نصر الجماعة الضعاف، القلة الضعيفة على الكثرة القوية، هذا هو الحق الأول الذي وعد به الحق بكلماته، ليحق منهج الإسلام كله، ولو كره المجرمون.   اسلاميات
       
    • خمسُ صفاتٍ للْمُؤْمِنُونَ   {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)}
        في هاتين الآيتين الكريمتين خمسُ صفاتٍ لها ترتيب عقائدي وحركي وجوارحي، وبذلك يتحدد تشخيص كلمة (المؤمنين)، هذه الصفات هي الأولى: أنه إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وثانية الصفات أنه: إذا تليت عليهم آيات الله زادتهم إيماناً، ثالثة الصفات: أنهم على ربهم يتوكلون، ورابعة الصفات: أنهم يقيمون الصلاة، وخامسة الصفات: أنهم ينفقون مما رزقهم الله.
        والصفة الأولى للمؤمنين هي: {إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2].
      والوجل هو الخوف في فزع ينشأ منه قشعريرة، واضطراب في القلب، وحينما أراد الشعراء أن يعطوا صورة بهذا الإحساس، نجد شاعراً منهم يقول:
      كأن القلب ليلة قيل يغدي ** بليلي العامرية أو يراح قطاط غرها شرك تجا ** ذبه وقد علق الجناح فالشاعرُ يصور حالة قلبه حين سمع بنبأ سفر حبيبته، كأنه صار مثل حمامة تحاولُ أن تخلّص نفسها من شبكة أو مَصْيدة وقعت فيها، إنها تجاذب المصيدة حتى تخرج، وهي ترجف في مثل هذا الموقف، هكذا حال القلب لحظة فراق المحبوبة عند الشاعر.
      وإذا كان ذكر الله عز وجل يدفع قلوب المؤمنين إلى الوجل، ألا يتنافى ذلك مع قول الحق سبحانه وتعالى:؟ {الذين آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} [الرعد: 28].
      في الحقيقة لا يوجد تعارض بين القولين؛ لأن ذكر الله تعالى يأتي بأحوال متعددة، فإن كان الإنسان مسرفاً على نفسه، فهو يرجف حين يذكر الله الذي خالف منهجه. وإن كان الإنسان يراعي حق الله في كل عمل قَدْر الاستطاعة، فلابد أن يطمئن قلبه لحظة ذكر الله؛ لأنه اتبع منهج الله ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
        إذن فالخوف أو الوجل إنما ينشأ من مَهابةِ وسطوة صفات الجلال. والاطمئنان إنما يجيء من إشراقات وحنان صفات الجمال. ولذلك تجمعها آية واحدة هي قول الحق تبارك وتعالى: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله} [الزمر: 23].
      فالجلود تقشعر خوفاً ووجَلاً ومهابة من الله عز وجل، ثم تلين اطمئناناً وطمعاً في حنان المنّان سبحانه وتعالى، لأن رّبنا قال: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم} [الحجر: 49].
      إذن فلا يقولن أحد إن هناك تعارضاً بين الوجل والاطمئنان، فكلها من ذكر الله بالأحوال المتعددة للإنسان، فإذا ما وجل الإنسان فهو يتجه إلى فعل الخير فيطمئن مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات ذلك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].
      وهل يزيد الإيمان أو ينقص؟
      اختلف العلماء في هذا الأمر. ونحن عندما ننظر إلى قول الحق نجده يؤكد زيادة الإيمان، وحينما نسأل ما الإيمان؟ وما الإسلام؟.... إلخ نجد الجواب في توضيح الرسول صلى الله عليه وسلم ورده على السائل في الحديث الآتي والذي يرويه الصحابي الجليل سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه حيث قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بارزاً للناس فأتاه رجل فقال يا رسول الله: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر، قال يا رسول الله: ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان. قال يا رسول الله: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لا تراه فإنه يراك. قال: يا رسول الله: متى الساعة؟ قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل ولكن سأحدثك عن أشراطها، إذا ولدت الأمة ربها فذلك من أشراطها، وإذا كانت العراة الحفاة رءوس الناس فذاك من أشراطها، وإذا تطاول رعاءُ البَهْم في البنيان فذاك من أشراطها في خمس لا يعلمهن إلا الله. ثم تلا صلى الله عليه وسلم: إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير، ثم أدبر الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ردوا عليّ الرجل فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم».
      وجبريل عليه السلام حين جاء يسأل ليعلم بعضاً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له الرسول عليه السلام عن الإيمان: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر)، وفي رواية أخرى ذكر القضاء والقدر خيره وشره.
      وهذه كلها أمور غيبية، ولا يقال في الأمر المحسّ إيمان، فلا يقول واحد: أنا مؤمن أنى أتحرك على الأرض؛ لأن هذا أمر حسيّ. والإيمان لا يكون إلاّ بالأمور الغيبية وأولها أن تؤمن بإله واحد لا تدركه الأبصار وهو غيب، وبملائكته وهي غيب، وصدقنا وجودها لأنه أبلغنا بذلك الوجود. وكذلك أن نؤمن بالكتب المنزلة على الرسل. وبالرسل، وصحيح أن الكتاب أمر حسيّ والرسول كذلك له وجود حسيّ، لكن لم نشاهد الوحي وهو ينزل الكتاب على الرسول. إذن فهو أمر غيبي، وكذلك الإيمان باليوم الآخر أمر غيبي أيضاً، والايمان بالقضاء والقدر وهو ما غابت عنا حكمته، وكلها إذن أمور غيبية.
        هذا الإيمان في القمة، لكن هناك إيمان آخر يجيء لأننا نعلم أن التشريعات لم تأت مرة واحدة، بل كانت تأتي على مراحل، فتشريع ينزل أولاً بأن نؤمن أنه من الله. إذن فالذي يزيد وينقص من الإيمان هو الإيمان بالتكليفات، وأنها صادرة من الله عز وجل، وكلما كانت تنزل آية بتشريع جديد كانت تزيد المؤمنين إيماناً، فعندما نزل الأمر بالصلاة آمنوا بإقامتها واستجابوا ونفذوا، ثم جاء الصوم فامتثلوا للأمر به، ثم يجيء الأمر بالزكاة فتكون الطاعة والتنفيذ، وطبعاً هناك فرق بين أن تؤمن بالشيء، وأن تفعل الشيء.
      فالإيمان شيء، وفعله شيء؛ لأن الإسلام هو الانقياد الظاهري للمنهج، وتطبيق كل ما يجيء به الإسلام هو إيمان مستمر متزايد؛ لأننا آمنا بأن ما يجيء من المنهج هو من الله. إذن فالذي يزيد هو توابع الإيمان من التكليفات والامتثال لهذه التكليفات، مثال ذلك: كلنا نعرف قول الحق: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97].
      لكن هناك أناس يتمسكون بحرفية قوله الحق: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العالمين} [آل عمران: 97].
      والذين يتمسكون بحرفية القول الحق لم يتساءلوا: كفر بماذا؟ هل كفر لأنه لم يحج؟ لا، إن كفره في هذه المسألة لا يكون إلا بأن ينكر أن الحج ركن من أركان الإسلام، فالمطلوب منا إيمانياً أن نقر بالحج كركن من أركان الإسلام في حدود الاستطاعة، فإن فعله الإنسان كان قد نفذ الحكم، أما إن لم يفعله فقد يكون ذلك في حدود عدم الاستطاعة.
        ويذيل الحق تبارك وتعالى هذه الآية الكريمة التي نحن بصددها بقوله: {وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.
      ومُتَعلّق الجار والمجرور دائماً يكون متأخراً، بينما هنا يتقدم الجار والمجرور؛ لذلك ففي الأسلوب حصر وقصر، مثلما نقول: (لزيد المال) أي أن المال ليس لغيره، وقول الحق: {وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} أي لا يتوكلون على غيره، بل قصروا توكلهم على الله سبحانه وتعالى، والتوكل: أن تؤمن بأن لك وكيلاً يقوم لك بمهام أمورك، بدليل أن الشيء الذي لا تقوى عليه تقول بصدده: (وكلت فلاناً ينجزه لي على خير وجه) وحتى تختار الذي توكله ويكون مناسباً لأداء تلك المهمة فأنت تعلن باطمئنان: أنك قد وكلت فلانا.
        إذن معنى {وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} أي أنهم يكلون أمورهم على من ائتمنوه على مصالحهم، وهو الحق سبحانه وتعالى القادر العظيم الذي خلق الكون، وخلق فيه أسباباً تؤدي إلى مسبَّبات الأسباب مقدمة، والمسبّبات هي النتيجة. وبعد ذلك ترك أموراً ليس فيها أسباب، إلا أن نلحظ دائماً المسبب وهو الله تعالى، فكل أمر يعز عليك في أسبابه؛ إياك أن تيأس من أنه لا يحدث، بل قل: تلك هي قضية الأسباب، أما أنا فلي رب خلق الأسباب. وهو القادر فوق كل الأسباب، وفي حياتنا اليومية نلحظ أن الناس يخلطون بين عمل الجوارح، وعمل القلوب، ويظن إنسان ما أنه متوكل ولا يأخذ بالأسباب ويركن إلى الكسل ويقول: أنا متوكل على الله، وهذا نقول له: لا، إن هذا منك تواكلٌ وليس توكلاً؛ لأن التوكل ليس عمل جوارح، التوكل عمل قلوب.
        والمؤمن الذي يستقبل منهج الله بالفهم يجد الأسباب التي يجب أن يأخذها، وسبحانه وتعالى هو المسبب الأعلى، والإيمان يؤكد أن الجوارح تعمل والقلوب تتوكل، فعلى الجوارح أن تحرث الأرض، وأن تختار البذرة الطيبة، وتنثرها في الأرض، ثم ترويها، وتتعهدها، وهذه العمليات اسمها الأسباب، ثم لا تركن إلى الأسباب فقط، بل عليك أن تقول: إن فوق كل الأسباب هناك المسبِّبُ.
      فمن الجائز أن يخضر الزرعُ وينمو، ثم تأتي له آفةٌ من مطر أو حر وتضيعه.
      ومن ينقل التوكل إلى الجوارح. نقول له: أنت تواكلت، أي نقلت عمل القلب إلى الجوارح. ومن يقول ذلك إنما يكذب على نفسه وعلى الناس. لأنه تكاسل عن الأخذ بالأسباب وادّعى أنه متوكل على الله. ولو كان الواحد من هؤلاء صادقاً في توكله على الله لأخذ بالأسباب. وعادة فإني دائماً أقول لمن يدّعي التوكل مع الكسل: لماذا لا تترك الطعام يأتي إلى فمك، لماذا تمد إليه يديك؟. إن من يكسل إنما يكذب في التوكل، فلا أحد مثلاً يترك قطعة اللحم تقفز من طبق الطعام إلى فمه، لكنه يأخذها بيده. ويمضغها بأسنانه، ويبلعها بعد المضغ، ولو كان صادقاً في أن التوكل هو ألا تعمل جوارحه لما فعل شيئاً من ذلك، لكنه يكذب ويتواكل فيما يتعبه ويشغل جوارحه فيما يريحه، ولا يستعملها في الأمور التي تتعبه. وقول الحق تبارك وتعالى: {وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.
      هذا القول يعني أنهم يؤمنون بأن الأسباب من خلق الله. وحين يأخذ المؤمن بالأسباب فهو يؤمن أنه لاجئ إلى الله ومعتمد عليه، لكن إن عزت عليه الأسباب فهو يعلم أن له رباً، ولذلك قال: {وعلى رَبِّهِمْ}، والرب هو الخالق من عَدَم، والممد من عُدْم، وما دام قد خلقك وأمدك من عُدْم قبل أن يكلفك، فهل من المعقول أن يظلمك؟ طبعاً لا. لكن عليك أن تفطن أنه لك جوارح، فاستعملْ الجوارح فيما خلقت من أجله.
        وتأتي الآية التالية لتوضح عمل الجوارح، وهي تحمل الصفتين الرابعة والخامسة من صفات المؤمنين: {الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [الأنفال: 3].
      والقيام والقعود والقراءة والتسبيح والتكبير في الصلاة عمل جوارح، وكذلك الزكاة هي عمل ناتج من عمل سبق، فحتى تخرج الزكاة لابد أن تبذل الجهد وتأخذ بالأسباب لتنتج ما يعولك أنت ودائرتك القريبة من زوجة وأبناء ثم أقارب، ومن بعد ذلك يفيض من المال ما تستقطع منه الزكاة، وهذه بطبيعة الحال غير زكاة الزروع التي تُخْرَج في يوم الحصاد. {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].
        ودائما ما نجد الصلاة والزكاة وهما مقترنتان ببعضهما، ولا تجد آية فيها ذكر للصلاة إلا وفيها ذكر للزكاة أيضاً؛ لأن الصلاة تعني ترك أمورك الحياتية التي تسعى فيها لدنيا الأسباب، وتذهب إلى الحق سبحانه وتعالى وتقف بين يديه، أي أنك قد اقتطعت جزءاً من الزمن الذي كنت تقضيه في حركة حياتك لتقف فيه أمام ربك خالق الأسباب.
      والزكاة تعني أنك تقتطع جزءاً من مالك، ولذلك قلنا: إن الصلاة فيها زكاة وزيادة، فأنت تخرج مقدار اثنين ونصف في المائة مما يتبقى معك من مال يبلغ نصاباً ويكون زائداً عن الحاجة الأصلية، لكنك بالصلاة تضحي ببعض الوقت الذي تقضيه في العمل الذي يأتي لك بأصل المال، إذن ففي الصلاة زكاة وأكثر. وأنت في الزكاة تتنازل عن بعض المال، لكنك في الصلاة تتنازل عن الوقت الذي هو محل العمل، وهو الذي تنتج فيه الرزق، والرزق وعاء الزكاة.
        ويذيل الحق سبحانه وتعالى هذه الآية قائلاً: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} ونعلم أن الرزق كما ذكر العلماء هو كل شيء ينتفع به الإنسان، وحتى اللص الذي يسرق وينتفع بسرقته يعد هذا بالنسبة له رزقاً لكنه رزق غير طيب وله عقاب في الدنيا إن تم ضبطه، ولن يفلت من عقاب الله الحاكم العادل في الدنيا والآخرة، وهو بطبيعة الحال غير الرزق الحلال الذي يأتي من عمل مشروع، والمؤمن الحق هو من ينفق من هذا الرزق الحلال؛ سواء لمتطلبات حياته أو رعاية المجتمع الإيماني.
       
      {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}
      و(أولئك) تشير إلى من أنعم الله عليهم بالصفات الخمس السابق ذكرها، وهؤلاء هم من وجلت قلوبهم من ذكر الله، وزادتهم الآيات في إيمانهم، وعلى ربهم يتوكلون ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، هؤلاء هم المؤمنون حقاً {أولائك هُمُ المؤمنون حَقّاً}.
      ولنعلم أن الحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير ولا تذهب به الأغيار، ويخضع له كل الناس لأنه يتعلق بمصالح حياتهم. وإن جاء الباطل ليزحزح الحق، نجد الحق ثابتاً لا يتزحزح لأنه قوي. ولنقرأ قول الحق تبارك وتعالى: {أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فاحتمل السيل زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار ابتغآء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض كذلك يَضْرِبُ الله الأمثال} [الرعد: 17].
        وحين ينزل المطر من السماء، يأخذ من مائة كل وادٍ من الوديان على قدر اتساعه وعمقه، ويمتلئ، ترى الرغاوي وهي الزبد تطفو فوق السيْل، وهي عبارة عن هؤلاء سببه وجود الشوائب من قش وغيره، وهذا مثل نراه في حياتنا، ونجد الأرض والناس وكل المخلوقات تنتفع بالمياه، لكنها لا تنتفع بالزبد أو الرغاوي. ثم ينتقل الحق في ذات الآية من ضرب المثل بالماء، إلى ضرب المثل بالنار فيقول: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار ابتغآء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ} [الرعد: 17].
        وأنت حين ترى قطعة الحديد وهي تتحول إلى السيولة بالانصهار في النار، تجد شرراً يتطاير منها، ويطفو فوق سطح الحديد المصهور، وهو ما يسمى ب (خبث الحديد) وتتم إزالة هذا الخبث ليبقى الحديد صافياً لتصنع منه السيوف أو الخناجر وغيرها، وهذه الحالة تحدث في الذهب حين يصهره الصائغ ليزيل عنه أية شوائب ويعيد تشكيله ليكون حلياً.
      وزبد الماء وزبد الحديد وزبد الذهب يتجمع على الجوانب ويبقى الماء صافياً، وكذلك الحديد والذهب، ولهذا يقول الحق: {كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل} [الرعد: 17].
      أي أن الحق يبقى صافياً ثابتاً، أما الباطل فيعلو ليتجمع على الجوانب ليذهب بغير فائدة.
      ويوضح الحق علو كلمته سبحانه وتعالى في آية أخرى فيقول: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الذين كَفَرُواْ السفلى وَكَلِمَةُ الله هِيَ العليا} [التوبة: 40].
        ونلحظ أن الحق تبارك وتعالى جاء بالجعل لكلمة الكافرين، أما كلمته سبحانه وتعالى فلها العلو الثابت.
      والحق هنا يبين أن المؤمنين الذين يتصفون بهذه الصفات الخمس هم مؤمنون حق الإيمان فيقول عز وجل: {أولائك هُمُ المؤمنون حَقّاً}.
      ومعنى هذا أن هناك مؤمنين ليسوا على درجة عالية من الإيمان، أي أن هناك منازل ودرجات للإيمان متفاوتة، ولكل قدر من الصفات منزلة وعطاء مناسب.
      ونحن نرى البشر حينما يخصهم واحد بوده يفيضون عليه من خيراتهم، فنجد غير العالم يأخذ ممن يودهم من العلماء بعض العلم، والضعيف الذي يعطي وده لقوي، يعينه القوي ببعضٍ من قوته، والفقير الذي يعطي وده لغني، يعطيه الغني بعضاً من المال، والأرعن يأخذ ممن يودهم من العقلاء قدراً من التعقل للأمور.
      إذن أهل المودة والقرب والتقوى يفاض عليهم من المولى وهم ممن اختصهم الله بالعطاءات، فالذي وجدت فيه هذه الصفات، ومؤمن حقاً تكون له درجات عند ربه تناسب حظه من الحق وحظه من الصفاء، ولنعرف أن السير في درب الحق يعطي الكثير. والمثال الذي نقدمه على ذلك أننا نجد من يصلي الأوقات الخمسة في مواعيدها، وهذا هو المطلوب العام، إذا ما صلى ضعف ذلك بالليل، أو واظب على الصلاة في الجماعة ويلزم نفسه بمنهج الله، سوف يأخذ حظاً من الصفاء لم يكن موجوداً عنده من قبل ذلك، وسيجد في قلبه إشراقات وتجليات، وتسير أمور حياته بسهولة ويسر.
      وقد يكون الإنسان من هؤلاء- على سبيل المثال- خارجاً من البيت وسألته زوجته: ماذا نطبخ اليوم؟ ويجيبها: لنقض هذا اليوم بما تبقى عندنا من الأمس. وعندما يعود قد يفاجأ بأن شقيقه قد قدم من الريف، وأحضر له هدية من البط، والقشدة والفطائر. فتسأله زوجته: أكنت تعلم بمجيء أخيك؟ فيقول: لم أكن أعلم، وهذا مجرد مثال، لكن عطاءات الصفاء تكون أكثر من ذلك مادياً ومعنوياً، ومن يستمر في العبادة ويزيد عليها ويؤدي كل ذلك بحقه، سيزيد عطاء الله له؛ لأن الله لا يمل عطاء أهل الصفاء أبداً. ومن يجرب مثل هذه العبادة ويزيدها سيجد عطاء الله وهو يزيد.
        ودائما أضرب هذا المثل ولله المثل الأعلى وهو منزه سبحانه وتعالى عن التشبيه لنفترض أن إنساناً أراد أن يسافر من القاهرة إلى الإسكندرية، وسأل إنساناً آخر، فقال له: إن ذهبت من الطريق الفلاني ستجد استراحة طيبة، عكس الطريق الفلاني.
      ويتبع المسافر نصائح من أرشده، فيجده صادقاً، فيرتاح من بعد ذلك لرأيه، وكذلك أهل الصفاء، هم أهل العطاء، وعلى قدر صفائهم يكون هذا العطاء. والذي يشجع الناس الذين يبالغون في التعبد هو هذا الإشراق، وهناك من يصف الواحد منهم بأنه مجذوب وإن من يطلق على المتعبد الزاهد هذا الوصف يرى المنزلة العالية وهي تشد هذا المتعبد إليها، وهو من جهة أخرى ينظر هذا الزاهد إلى من يتعثرون في طلب الدنيا، ويصفهم بينه وبين نفسه بأنهم من (الغلابة) ويدعو لهم.
        وأقول لمن يرى واحداً من هؤلاء: لا شأن لك بأي إنسان من هؤلاء وإياك أن تتعرض لهم واتركهم في حالهم، ما دام الواحد منهم لا يسألك شيئا. {لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ}.
      والدرجات عند البشر هي ارتقاءات يسعى إليها، فما بالنا بالدرجات التي عند الرب؟ وما دام الله سبحانه وتعالى قد وعدهم بالدرجات العالية عنده فقد ضمنوا المغفرة؛ لأن الواحد منهم سيطهر بالمغفرة، وجاء الحق بعطاء الدرجات قبل المغفرة لأنه سبحانه خلق الخلق ويعرف أنهم أهل أغيار، ويعلم أن هناك من أسرفوا على أنفسهم، ويحاولون فعل الخيرات لأنهم يؤمنون بأن الحسنات يذهبن السيئات، وسبحانه علمنا أن معالم الدين تأخذ حظها من المسرفين على أنفسهم، لأن من لم يسرف على نفسه تجده يطيع الله طاعة هادئة رتيبة فليس وراءه ما يلهب ظهره.
        أما من عملوا السيئات فإن هذه السيئات تقض مضاجعهم. والمسرف على نفسه لحظة الإسراف يظن أنه أخذ من الله شيئاً واحداً من خلف منهجه، فيوضح له ربنا: إياك أن تظن أن هناك من يخدع الله. فأنت ستعمل كثيراً وبشوق لخدمة منهج الله، ونجد المسرف على نفسه لحظة الإفاقة والتوبة، وهو يندفع إلى فعل الخيرات. مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى ليؤيد الدين بالرجل الفاجر». لأن فجر الفاجر يتجسد أمامه ويريه سوء المصير، فيندفع إلى فعل الخيرات ليمحو السيئات، أما من لم يخطئ فنجده هادئ القلب، مطمئن النفس، لا يلهب ظهره شيء.
      {لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 4].
      وهل هذا الرزق ناشئ من كريم؟ الجواب لا؛ لأن الكرم تعدى من الكريم الأصيل، إلى أن صار الرزق نفسه كريماً، وكأن هذا الرزق يتعشق صاحبه؛ لأن ربنا ساعة يعطي إنساناً نعمةً، ثم يستعملها العبد في الطاعة، تحس النعمة أنها مسرورة بالذهاب إلى هذا الإنسان لأنه استعملها في طاعة وفيما يرضى الله عز وجل.
      ولك أن تعرف أن الرزق أعلم بمكانك منك بمكانه. فلا أحد يعرف عنوان الرزق الذي قدره الله له، لكن الرزق يعرف عنوان صاحبه، ويبحث عنه في كل مكان إلى أن يجده. هكذا نفهم أن الكرم يتعدى إلى الرزق نفسه فيصبح الرزق كريماً.
        وجاء كل هذا الحديث بمناسبة الخلاف على الغنائم والأنفال، وفصل ربنا بالحكم وبين وأوضح أن الأنفال لله والرسول ولم يعد لأحد كلام بعد كلام الله، وهذه الحادثة في الأنفال حدثت في الخروج إلى الحرب، فحين أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج للحرب، كان هناك فريق منهم كاره لهذا الخروج ثم رضي به. لكن حالهم اختلف في الغنائم فطالب بعضهم بأكثر مما يستحق؛ لذلك يقول المولى سبحانه وتعالى: {كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ...}.
  • أكثر العضوات تفاعلاً

    لاتوجد مشارِكات لهذا الاسبوع

  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      181566
    • إجمالي المشاركات
      2534466
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      92924
    • أقصى تواجد
      1872

    أحدث العضوات
    فتاة الرياح
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏فكرة انتهاء مهلة العمل والانتقال لدار الجزاء مهيبة جدًا ! لا توبة تُقْبَل ولا عمل يُصَحح . لو نطق أهل القبور لكانت موعظتهم : أنتم في دار العمل فأحسنوا العمل . نسأل الله حُسن الختام .

×