اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 56754
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109825
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180410
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56691
      مشاركات
    4. 259975
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23497
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8172
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32129
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4159
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30244
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      52903
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19526
      مشاركات
    4. 6677
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40679
      مشاركات
    2. 47548
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97004
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36831
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31791
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16436
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15474
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31145
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12928
      مشاركات
  10. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33878
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91729
      مشاركات
  11. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32198
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13116
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  12. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  13. IslamWay Sisters

    1. English forums   (35835 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  14. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101646
      مشاركات
  • المتواجدات الآن   0 عضوات, 0 مجهول, 14 زوار (القائمه الكامله)

    لاتوجد عضوات مسجلات متواجدات الآن

  • العضوات المتواجدات اليوم

    2 عضوات تواجدن خلال ال 24 ساعة الماضية
    أكثر عدد لتواجد العضوات كان 14، وتحقق
  • أحدث المشاركات

    • {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}


      إذن الآية السابقة عالجت قضية البعث بضرب المثل بالآية الكونية الموجودة؛ فالرياح التي تحمل السحاب، والسحاب يساق إلى بلد ميت وينزل منه الماء فيخرج به الزرع. والأرض كانت ميتة ويحييها الله بالمطر وهكذا الإِخراج بالبعث وهذه قضية دينية، ويأتي في هذه الآية بقضية دينية أيضا: {والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ والذي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً}.
      والبلد الطيب هو البلد الخصب الذي لا يحتاج إلا لى المياه فيخرج منه الزرع، أما الذي خبث، فمهما نزل عليه الماء فلن يخرج نباته إلاّ بعد عناء ومشقة وهو مع ذلك قليل وعديم النفع.

      وهنا يخدم الحق قضية دينية مثلما خدم القضية الدينية في البعث أولاً.

      وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة؛ قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى منها، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل فقه في دين الله تعالى، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به».


      إذن فالمنهج ينزل إلى الناس وهم ثلاثة أقسام؛

      القسم الاول: يسمع فينفع نفسه وينقل ما عنده إلى الغير فينفع غيره مثل الأرض الخصبة شربت الماء وقبلته، وأنبتت الزرع

      القسم الثانى يحملون المنهج ويبلغونه للناس ولا يعملون به وينطبق عليهم قوله الحق: {... لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف: 2].
      صحيح سينتفع الناس من المنهج، ولذلك قال الشاعر:

      خذ بعلمي ولا تركن إلى عملي ** واجن الثمار وخل العود للنار

      ويقول صلى الله عليه وسلم: «من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة».
      فستر المؤمن على المؤمن مطلوب وستر المؤمن على العالم آكد وأشدّ طلبا؛ لأن العالم غير معصوم وله فلتات، وساعة ترى زلته وسقطته لا تُذِعْها لأن الناس سينتفعون بعلمه. فلا تشككهم فيه،

      والقسم الثالث هو من لا يشرب الماء ولا يسقيه لغيره أي الذي لا ينتفع هو، ولا ينفع غيره. {والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ والذي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كذلك نُصَرِّفُ الآيات لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} [الأعراف: 58].


      إذن منهج الله مثله مثل المطر تماماً؛ فالمطر ينزل على الأرض ليرويها وتخرج النبات وهناك أرض أخرى لا تنتفع منه ولكنها تمسكه فينتفع غيره، وهناك من لا ينتفع ولا ينفع، فكذلك العلم الذي ينزله الله على لسان رسوله. {والذي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كذلك نُصَرِّفُ الآيات}.
      قلنا من قبل: إن الآيات تطلق على معانٍ ثلاثة: الآيات الكونية التي نراها واقعة في الكون مثل قوله الحق: {وَمِنْ آيَاتِهِ الليل والنهار والشمس والقمر...} [فصلت: 37].
      وآيات هي آيات القرآن، والآيات التي تكون هي المعجزات للأنبياء. {كذلك نُصَرِّفُ الآيات} [الأعراف: 58].
      الآيات هنا في الكونية كالماء الذي ينزل، إنه مثل المنهج، من أخذ به فاز ونجا، ومن تركه وغوى وكل آيات الله تقتضي






         
    • أحمد الله بمحامده التي هو لها أهل، والصلاة والسلام على خاتم رسله وأنبيائه، محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد:   فقد سبق معنا السلسلة الأولى من رباعيات العلامة ابن القيم رحمه الله، وسنذكر في هذا المقال السلسلة الثانية، ومنها:   العبودية والاستعانة:   قال - رحمه الله -: "فالأقسام أربعة:   الأول: محبوب لنفسه وذاته، مستعان بنفسه، فهذا أعلى الأقسام، وليس ذلك إلا لله وحده، وكل ما سواه فإنما ينبغي أن يحب تبعًا لمحبته، ويستعان به لكونه آلة وسببًا.       الثاني: محبوب لغيره ومستعان به - أيضًا - كالمحبوب الذي هو قادر على تحصيل غرض محبه.       الثالث: محبوب مستعان عليه بغيره.       الرابع: مستعان به غير محبوب في نفسه.       فإذا عرف ذلك، تبين مَن أحقُّ هذه الأقسام الأربعة بالعبودية والاستعانة، وأن محبة غيره واستعانته به إن لم تكن وسيلة إلى محبته واستعانته، وإلا كانت مضرة على العبد، ومفسدتها أعظم من مصلحتها، والله المستعان وعليه التكلان"[1].       ذكر حكمه صلى الله عليه وآله وسلم في العدد:   وقال - رحمه الله -: "هذا الباب قد تولى الله - سبحانه - بيانه في كتابه أتم بيان وأوضحه وأجمعه؛ بحيث لا تشذ عنه معتدة، فذكر أربعة أنواع من العدد، وهي جملة أنواعها:   النوع الأول: عدة الحامل بوضع الحمل مطلقًا، بائنة كانت أو رجعية، مفارقة في الحياة أو متوفى عنها، فقال: ﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 4].       النوع الثاني: عدة المطلقة التي تحيض، وهي ثلاثة قروء؛ كما قال الله - تعالى -: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة: 228].       النوع الثالث: عدة التي لا حيض لها، وهي نوعان:   صغيرة لا تحيض، وكبيرة قد يئِست من الحيض.       فبين الله - سبحانه - عدة النوعين بقوله: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾ [الطلاق: 4]؛ أي: فعدتهن كذلك.       النوع الرابع: المتوفى عنها زوجها، فبين عدتها - سبحانه - بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ﴾ [البقرة: 234]، فهذا يتناول المدخول بها وغيرها، والصغيرة والكبيرة، ولا تدخل فيه الحامل؛ لأنها خرجت بقوله: ﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 4]، فجعل وضع حملهن جميع أجلهن، وحصره فيه، بخلاف قوله - في المتوفى عنهن -: ﴿ يَتَرَبَّصْنَ ﴾ [البقرة: 228]؛ فإنه فعل مطلق لا عموم له، وأيضًا فإن قوله: ﴿ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 4]، متأخر في النزول عن قوله: ﴿ يَتَرَبَّصْنَ ﴾ [البقرة: 228]، وأيضًا فإن قوله: ﴿ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ﴾ [البقرة: 234]، في غير الحامل بالاتفاق؛ فإنها لو تمادى حملها فوق ذلك تربصته، فعمومها مخصوص اتفاقًا، وقوله: ﴿ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 4] غير مخصوص بالاتفاق، هذا لو لم تأتِ السنة الصحيحة بذلك، ووقعت الحوالة على القرآن، فكيف والسنة الصحيحة موافقة لذلك مقررة له؟!       فهذه أصول العدد في كتاب الله مفصلة مبينة، ولكن اختلف في فهم المراد من القرآن ودلالته في مواضع من ذلك، وقد دلت السنة - بحمد الله - على مراد الله منها"[2].       الحلم والعلم:   وقال - رحمه الله -: "قال بعض السلف: ما قرن شيء إلى شيء أحسن من علم إلى حلم، والناس ها هنا أربعة أقسام:   الأول: فخيارهم من أوتي الحلم والعلم.   الثاني: وشرارهم من عدمهما.   والثالث: من أوتي علمًا بلا حلم.   والرابع: عكسه"[3].       العلم والقصد:   وقال - رحمه الله -: "الناس أربعة أقسام:   الأول: ضال في علمه، غاوٍ في قصده وعلمه، وهؤلاء شرار الخلق، وهم مخالفو الرسل.       الثاني: مهتدٍ في علمه، غاوٍ في قصده وعمله، وهؤلاء هم الأمة الغضبية، ومن تشبه بهم، وهو حال كل من عرف الحق ولم يعمل به.       الثالث: ضال في علمه، ولكن قصده الخير وهو لا يشعر.       الرابع: مهتدٍ في علمه، راشد في قصده، وهؤلاء ورثة الأنبياء، وهم وإن كانوا الأقلين عددًا، فهم الأكثرون عند الله قدرًا، وهم صفوة الله من عباده، وحزبه من خلقه"[4].       الأموال التي يأخذها القضاة:   وقال - رحمه الله -: "الأموال التي يأخذها القضاة أربعة أقسام:   الأول: رشوة: والرشوة حرام، وهي ضربان:   • رشوة ليميل إلى أحدهما بغير حق، فهذه حرام عن فعل حرام، على الآخذ والمعطي، وهما آثمان.       • ورشوة يعطاها؛ ليحكم بالحق، واستيفاء حق المعطي من دين ونحوه، فهي حرام على الحاكم دون المعطي؛ لأنها للاستنقاذ، فهي كجعل الآبق، وأجرة الوكلاء في الخصومة.       الثاني: وهدية، وأما الهدية فضربان:   • هدية كانت قبل الولاية، فلا تحرم استدامتها.   • وهدية لم تكن إلا بعد الولاية، وهي ضربان:   ♦ مكروهة، وهي الهدية إليه ممن لا حكومة له.   ♦ وهدية ممن قد اتجهت له حكومة؛ فهي حرام على الحاكم والمهدي.       الثالث: وأجرة، إن كان للحاكم رزق من الإمام من بين المال، حرُم عليه أخذ الأجرة، قولًا واحدًا؛ لأنه إنما أجرى له الرزق؛ لأجل الاشتغال بالحكم، فلا وجه لأخذ الأجرة من جهة الخصوم، وإن كان الحاكم لا رزق له فعلى وجهين[5]:   أحدهما: الإباحة؛ لأنه عمل مباح، فهو كما لو حكماه، ولأنه مع عدم الرزق لا يتعين عليه الحكم، فلا يمنع من أخذ الأجرة، كالوصي وأمين الحاكم يأكلان من مال اليتيم بقدر الحاجة.       الرابع: ورزق، وأما الرزق من بيت المال، فإن كان غنيًّا لا حاجة له إليه، احتمل أن يكره؛ لئلا يضيق على أهل المصالح، ويحتمل أن يباح؛ لأنه بذل نفسه لذلك، فصار كالعامل في الزكاة والخراج"[6].       أقسام الناس في طلب الأسباب[7]:   وقال - رحمه الله -: "والناس في هذا المقام أربعة أقسام:   الأول: فأعجزهم من لم يبذل السبب ولم يكثر الطلب، فذاك أمهن الخلق.       والثاني: مقابله، وهو أحزم الناس، مَن أدلى بالأسباب التي نصبها الله تعالى مفضية إلى المطلوب، وسأل سؤال من لم يدل بسبب أصلاً، بل سؤال مفلس بائس ليس له حيلة ولا وسيلة.       والثالث: من استعمل الأسباب وصرف همته إليها، وقصر نظره عليها، فهذا وإن كان له حظ مما رتبه الله تعالى عليها، لكنه منقوص منقطع، نصب الآفات والمعارضات، لا يحصل له إلا بعد جهد، فإذا حصل فهو وشيك الزوال، سريع الانتقال، غير معقب له توحيدًا ولا معرفة، ولا كان سببًا لفتح الباب بينه وبين معبوده.       الرابع: مقابله، وهو رجل نبذ الأسباب وراء ظهره، وأقبل على الطلب والدعاء والابتهال، فهذا يحمد في موضع، ويذم في موضع، ويشتبه الأمر في موضع.       • فيحمد عند كون تلك الأسباب غير مأمور بها؛ إذ فيها مضرة عليه في دينه، فإذا تركها وأقبل على السؤال والابتهال والتضرع لله، كان محمودًا.       • ويذم حيث كانت الأسباب مأمورًا بها، فتركها وأقبل على الدعاء، كمن حصره العدو وأُمِر بجهاده، فترك جهاده، وأقبل على الدعاء والتضرع أن يصرفه الله عنه، وكمن جهده العطش وهو قادر على تناول الماء فتركه وأقبل يسأل الله تعالى أن يرويه، وكمن أمكنه التداوي الشرعي فتركه وأقبل يسأل العافية، ونظائر هذا.       • ويشتبه الأمر في الأسباب التي لا يتبين له عواقبها، وفيها بعض الاشتباه، ولها لوازم قد يعجز عنها، وقد يتولد عنها ما يعود بنقصان دينه، فهذا موضع اشتباه وخطر، والحاكم في ذلك كله الأمر، فإن خفي فالاستخارة، وأمر الله وراء ذلك"[8].       الأمور التي يقال: هي شرور:   وقال - رحمه الله -: "فالأمور التي يقال هي شرور:   • إما أن تكون أمورًا عدمية.   • أو أمورًا وجودية.       فإن كانت عدمية، فإنها إما أن تكون:   [الأول]: عدمًا، لأمور ضرورية للشيء في وجوده؛ كالإحساس والحركة والنفس للحيوان.       [الثاني]: أو ضرورية له في دوام وجوده وبقائه؛ كقوة الاغتذاء والنمو للحيوان المغتذي النامي.       [الثالث]: أو ضرورية له في كماله؛ كصحته وسمعه وبصره وقوته.       [الرابع]: وإما أن تكون غير ضرورية له في وجوده ولا بقائه ولا كماله، وإن كان وجودها خيرًا من عدمها؛ كالعلم بدقائق المعلومات التي العلم بها خير من الجهل، وليست ضرورية له"[9].       النوع الإنساني:   وقال - رحمه الله -: "النوع الإنساني أربعة أقسام:   أحدها: لا من ذكر ولا أنثى، وهو خلق أبيهم وأصلهم آدم.       الثاني: خلقه من ذكر بلا أنثى؛ كخلق أمهم حواء من ضلع من أضلاع آدم، من غير أن تحمل بها أنثى، أو يشتمل عليها بطن.       الثالث: خلقه من أنثى بلا ذكر؛ كخلق المسيح عيسى ابن مريم.       الرابع: خلق سائر النوع الإنساني من ذكر وأنثى، وكل هذا ليدل عباده على كمال قدرته، ونفوذ مشيئته، وكمال حكمته"[10].       انقسام الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:   وقال - رحمه الله -: "انقسم الناس بعد رسول الله أربعة أقسام:   [الأول]: قسم لم يريدوا الدنيا، ولم ترِدْهم؛ كالصِّدِّيق ومن سلك سبيله.       [الثاني]: وقسم أرادتهم الدنيا، ولم يريدوها؛ كعمر بن الخطاب ومن سلك سبيله.       [الثالث]: وقسم أرادوا الدنيا، وأرادتهم؛ كخلفاء بني أمية، ومن سلك سبيلهم، حاشا عمر بن عبد العزيز؛ فإنها أرادته، ولم يردها.       [الرابع]: وقسم أرادوها، ولم تردهم، كمن أفقر الله منها يده، وأسكنها في قلبه، وامتحنه بجمعها.   ولا يخفى أن خير الأقسام القسم الأول، والثاني إنما فضل؛ لأنه لم يردها، فالتحق بالأول"[11].       إرادة الله - عز وجل - وثوابه:   وقال - رحمه الله -: "الناس في هذا المقام أربعة أقسام:   أحدهم: من لا يريد ربه ولا يريد ثوابه؛ فهؤلاء أعداؤه حقًّا، وهم أهل العذاب الدائم، وعدم إرادتهم لثوابه:   • إما لعدم تصديقهم به.   • وإما لإيثار العاجل عليه، ولو كان فيه سخطه.       والقسم الثاني: من يريده ويريد ثوابه، وهؤلاء خواص خلقه؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 29]، فهذا خطابه لخير نساء العالمين أزواج نبيه.       وقال الله - تعالى -: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 19]، فأخبر أن السعي المشكور: سعيُ مَن أراد الآخرة، وأصرح منها: قوله لخواصِّ أوليائه - وهم أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم - في يوم أُحد: ﴿ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾ [آل عمران: 152]، فقسمهم إلى هذين القسمين اللذين لا ثالثَ لهما.       وقد غلط من قال: فأين من يريد الله؟! فإن إرادة الآخرة عبارة عن إرادة الله - تعالى - وثوابه؛ فإرادة الثواب لا تنافي إرادة الله.       والقسم الثالث: مَن يريد مِن الله، ولا يريد الله، فهذا ناقص غاية النقص، وهو حال الجاهل بربه، الذي سمع أن ثَمَّ جنة ونارًا، فليس في قلبه غير إرادة نعيم الجنة المخلوق، لا يخطر بباله سواه ألبتة، بل هذا حال أكثر المتكلمين المنكرين رؤية الله تعالى، والتلذذ بالنظر إلى وجهه في الآخرة، وسماع كلامه، وحبه، والمنكرين على من يزعم أنه يحب الله، وهم عبيد الأجرة المحضة، فهؤلاء لا يريدون الله تعالى وتقدس...       والقسم الرابع - وهو محال -: أن يريد الله ولا يريد منه، فهذا هو الذي يزعم هؤلاء: أنه مطلوبهم، وأن من لم يصل إليه ففي سيره علة، وأن العارف ينتهي إلى هذا المقام، وهو أن يكون الله مراده، ولا يريد منه شيئًا، كما يحكى عن أبي يزيد أنه قال: قيل لي: ما تريد؟ فقلت: أريد ألا أريد، وهذا في التحقيق عين المحال الممتنع؛ عقلًا وفطرة، وحسًّا وشرعًا..."[12].       العلم والمال:   وقال - رحمه الله -: "أهل الدنيا أربعة أقسام:   الأول: خيرهم من أوتي علمًا ومالًا؛ فهو محسن إلى الناس وإلى نفسه بعلمه وماله.       الثاني: ويليه في المرتبة من أوتي علمًا، ولم يؤتَ مالًا، وإن كان أجرهما سواء، فذلك إنما كان بالنية، وإلا فالمنفق المتصدق فوقه بدرجة الإنفاق والصدقة، والعالم الذي لا مال له إنما ساواه في الأجر بالنية الجازمة المقترن بها مقدورهما، وهو القول المجرد.       الثالث: من أوتي مالًا، ولم يؤتَ علمًا، فهذا أسوأ الناس منزلة عند الله؛ لأن ماله طريق إلى هلاكه، فلو عدمه لكان خيرًا له؛ فإنه أعطي ما يتزود به إلى الجنة، فجعله زادًا له إلى النار.       الرابع: من لم يؤتَ مالًا ولا علمًا، ومن نيته أنه لو كان له مال، لعمل فيه بمعصية الله، فهذا يلي الغني الجاهل في المرتبة، ويساويه في الوِزر بنيته الجازمة المقترن بها مقدورها، وهو القول الذي لم يقدر على غيره.       فقسم السعداء قسمين، وجعل العلم والعمل بموجبه سبب سعادتهما، وقسم الأشقياء قسمين، وجعل الجهل وما يترتب عليه سبب شقاوتهما؛ فعادت السعادة بجملتها إلى العلم وموجبه، والشقاوة بجملتها إلى الجهل"[13].       حلق الرأس[14]:   وقال - رحمه الله -: "حلق الرأس أربعة أقسام:   الأول: شرعي: كالحلق في الحج والعمرة.       الثاني: وشركي: كحلق الرأس للشيوخ؛ فإنهم يحلقون رؤوس المريدين للشيخ، ويقولون: احلق رأسك للشيخ فلان، وهذا من جنس السجود له؛ فإن حلق الرأس عبودية مذلة، وكثير منهم يعمل المشيخة الوثنية، فترى المريد عاكفًا على السجود له، ويسميه: وضعَ رأسٍ وأدبًا، وعلى التوبة له، والتوبة لا ينبغي أن تكون لأحد إلا لله وحده، وعلى حلق الرأس له، وحلق الرأس عبودية لا تصلح إلا لله وحده، وكانت العرب إذا أمنوا على الأسير جزُّوا نواصيه وأطلقوه، عبودية وإذلالًا له؛ ولهذا كان من تمام النسك وضع النواصي لله عبودية وخضوعًا وذلًّا.       الثالث: وبدعي: وهو كحلق كثير من المطوعة والفقراء، يجعلونه شرطًا في الفقر، وزيًّا يتميزون به عن أهل الشعور من الجند والفقهاء والقضاة وغيرهم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الخوارج أنه قال: ((سيماهم التحليق))[15]، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لصبيغ بن عسل، وقد سأله عن مسائلَ، فأمر بكشف رأسه، وقال: "لو رأيتك محلوقًا، لأخذت الذي فيه عيناك، حتى أن تكون من الخوارج"[16].       ومن حلق البدعة: الحلق عند المصائب بموت القريب ونحوه، فأما المرأة فيحرم عليها ذلك، وقد برئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من: (الحالقة، والصالقة، والشاقة)[17].       فالحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة.   والصالقة: التي ترفع صوتها بالويل والثبور ونحوه.   والشاقة: التي تشق ثيابها.   وأما الرجل فحلقه لذلك بدعةٌ قبيحة، يكرهها الله ورسوله.       الرابع: ورخصة وحاجة: وهو كالحلق لوجع، أو قمل، أو أذى في رأسه من بثور ونحوها، فهذا لا بأس به"[18].     [1] إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1 /43). [2] زاد المعاد (5 /526) باختصار. [3] إعلام الموقعين عن رب العالمين (4 /218). [4] التبيان في أقسام القرآن (ص: 150-151). [5] كذا لم يذكر - رحمه الله - إلا وجهًا واحدًا، ولعله لأمرين: الأول: أنه يتضح منه الوجه الآخر، وهو المنع. والثاني: أن هذا هو الراجح عنده، والله أعلم. [6] بدائع الفوائد (3 /668). [7] تقدم معنا في السلسلة الأولى من رباعيات العلامة ابن القيم - رحمه الله -: أن الأسباب مع مسبباتها أربعة أنواع. [8] بدائع الفوائد (3 /698)، وانظر للفائدة: مقال رباعيات ابن القيم (رحمه الله) 3، الوسائل والمقاصد. [9] شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (ص:181). [10] طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص:203). [11] عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص:210). [12] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2 /81). [13] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1 /179). [14] تقدم معنا في السلسلة الأولى من رباعيات العلامة ابن القيم - رحمه الله -: القزع، وأنه أربعة أنواع. [15] أخرجه البخاري رقم: (7123)، وغيره، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه. [16] تاريخ دمشق (23 /412) لابن عساكر، وقال شيخ الإسلام في الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص:195): " وهو مشهور " وقال - أيضًا -: " رواه الأموي وغيره بإسناد صحيح "، وبمثله قال محمد أنور شاه في إكفار الملحدين في ضروريات الدِّين (ص:99). [17] أخرجه البخاري رقم: (1234) ومسلم رقم: (104)، وغيرهما، عن أبي موسى - رضي الله عنه. [18] أحكام أهل الذمة (3 /1291-1294) بكر البعداني شبكة الالوكة
    • أحمد الله بمحامده التي هو لها أهل، والصلاة والسلام على خاتم رسله وأنبيائه، محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد: فإن مطالعة كتب العلامة الرباني وشيخ الإسلام الثاني ابن قيم الجوزية - رحمه الله - مما يثري المطَّلع بجملة كبيرة من الفوائد العظام، ولا سيما تلك الاستنباطات والتقسيمات المبنية على الاستقراء التام والتتبُّع الجاد؛ فهي تشكل كنزًا معلوماتيًّا، وهي جزء كبير من ذلكم البنك المعلوماتي العجيب، تشد لها الرحال، وتعمل لها المطي، ويعلم ذلك المطالع لذلكم الكم الكبير من تراثه - رحمه الله.   وإن منها - كما ذكرنا - تلك الفوائد التي تضم التقسيمات...، وقد اخترت أن أذكر لكم في هذه السلسلة من المقالات جملة منها، وسوف أخص بالذكر فيها ما كان منها مندرجًا تحت الرقم أربعة؛ إذ هي مما انفرد به ابن القيم عن غيره، حتى عن شيخه - رحم الله الجميع؛ ولذلك سميتها: رباعيات العلامة ابن القيم (رحمه الله)، وسوف أذكرها بشيء من الاختصار، والتصرف بحذف، أو تقديم وتأخير؛ إذ القصد هنا أمران اثنان: الأول: جمعها من مظانها؛ ليتسنى لمن يريد الوقوف عليها الرجوع إليها - مجتمعة - في مكان واحد.   والثاني: الإشارة إليها؛ إذ المقصود الاستفادة منها وحسب.   وقد وضعت لها عناوين تلخص مضامينها وتوضحها، بعضها من وضع ابن القيم - رحمه الله، وبعضها من عندي.   وإلى هذه الرباعيات فنقول، منها: غاية الكمال: قال ابن القيم - رحمه الله -: في قوله - عز وجل -: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ [1] لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3].   "قال الشافعي -رضى الله عنه-: لو فكر الناس كلهم في هذه السورة لكفتهم[2]، وبيان ذلك: أن المراتب أربعة، وباستكمالها يحصل للشخص غاية كماله: إحداها: معرفة الحق. الثانية: عمله به. الثالثة: تعليمه من لا يحسنه. الرابعة: صبره على تعلمه، والعمل به، وتعليمه. فذكر -تعالى- المراتب الأربعة في هذه السورة"[3].   الأسباب مع مسبباتها[4]: وقال - رحمه الله -: "والأسباب مع مسبباتها أربعة أنواع: [الأول]: محبوب يفضي إلى محبوب. [والثاني]: ومكروه يفضي إلى محبوب. وهذان النوعان عليهما مدار أقضيته وأقداره سبحانه بالنسبة إلى ما يحبه وما يكرهه.   والثالث: مكروه يفضي إلى مكروه. والرابع: محبوب يفضي إلى مكروه. وهذان النوعان ممتنعان في حقه سبحانه؛ إذ الغايات المطلوبة من قضائه وقدره الذي ما خلق ما خلق، ولا قضى ما قضى إلا لأجل حصولها - لا تكون إلا محبوبة للرب، مرضية له"[5].   أسئلة السائلين: وقال - رحمه الله -: "أسئلة السائلين لا تخرج عن أربعة أنواع لا خامس لها: الأول: أن يسأل عن الحكم، فيقول: ما حكم كذا وكذا؟ والثاني: أن يسأل عن دليل الحكم. والثالث: أن يسأل عن وجه دلالته. والرابع: أن يسأل عن الجواب عن معارضيه"[6].   أنواع الحب: وقال - رحمه الله -: "وها هنا أربعة أنواع من الحب يجب التفريق بينها، وإنما ضل من ضل بعدم التمييز بينها: أحدها: محبة الله، ولا تكفي وحدها في النجاة من الله؛ من عذابه، والفوز بثوابه؛ فإن المشركين وعبَّاد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله.   الثاني: محبة ما يحب الله، وهذه هي التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر، وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة، وأشدهم فيها.   الثالث: الحب لله وفيه، وهي من لوازم محبة ما يحب الله، ولا يستقيم محبة ما يحب الله إلا بالحب فيه وله.   الرابع: المحبة مع الله، وهى المحبة الشركية، وكل من أحب شيئًا مع الله، لا لله ولا من أجله ولا فيه، فقد اتخذه ندًّا من دون الله، وهذه محبة المشركين.   وبقي قسم خامس - ليس مما نحن فيه - وهي المحبة الطبيعية، وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه؛ كمحبة العطشان للماء، والجائع للطعام، ومحبة النوم، والزوجة، والولد؛ فتلك لا تذم إلا إن ألهت عن ذكر الله وشغلته عن محبته؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [المنافقون: 9]، وقال تعالى: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [النور: 37]"[7].   أحاديث الكي: وقال - رحمه الله -: "تضمنت أحاديث الكي[8] أربعة أنواع: أحدها: فعله. والثاني: عدم محبته له. والثالث: الثناء على من تركه. والرابع: النهي عنه. ولا تعارض بينها بحمد الله تعالى؛ فإن فعله يدل على جوازه،، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه، وأما الثناء على تاركه، فيدل على أن تركه أولى وأفضل، وأما النهي عنه، فعلى سبيل الاختيار والكراهة، أو عن النوع الذي لا يحتاج إليه، بل يفعل خوفًا من حدوث الداء.. والله أعلم"[9].   أنواع الفروسية: وقال - رحمه الله -: "والفروسية أربعة أنواع: أحدها: ركوب الخيل، والكر والفر بها. الثاني: الرمي بالقوس. الثالث: المطاعنة بالرماح. الرابع: المداورة بالسيوف، فمن استكملها استكمل الفروسية"[10].   القزع[11]: وقال - رحمه الله -: " القزع أربعة أنواع: أحدها: أن يحلق من رأسه مواضع من ها هنا وها هنا، مأخوذ من تقزع السحاب، وهو تقطعه. الثاني: أن يحلق وسطه ويترك جوانبه، كما يفعله شمامسة النصارى. الثالث: أن يحلق جوانبه ويترك وسطه، كما يفعله كثير من الأوباش والسفل. الرابع: أن يحلق مقدمه ويترك مؤخره، وهذا كله من القزع، والله أعلم"[12].   الملتزم الطاعة لله: وقال - رحمه الله -: "الملتزم الطاعة لله لا يخرج التزامه لله عن أربعة أقسام: أحدها: التزام بيمين مجردة، نحو قوله: "والله لأتصدقن".   الثاني: التزام بنذر مجرد، نحو: "لله علي أن أتصدق".   الثالث: التزام بيمين مؤكدة بنذر، نحو: "والله إن شفى الله مريضي، فعلي صدقة كذا".   الرابع: التزام بنذر مؤكد بيمين، نحو: "إن شفى الله مريضي، فوالله لأتصدقن"، وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [التوبة: 75]، فهذا نذر مؤكد بيمين، وإن لم يقل فيه: فعليَّ؛ إذ ليس ذلك من شرط النذر، بل إذا قال: إن سلمني الله تصدقت، أو لأتصدقن، فهو وعد وعده الله؛ فعليه أن يفي به، وإلا دخل في قوله: ﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [التوبة: 77]"[13].   شروط الواقفين: وقال - رحمه الله -: "شروط الواقفين أربعة أقسام: [الأول]: شروط محرمة في الشرع. [الثاني]: وشروط مكروهة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. [الثالث]: وشروط تتضمن ترك ما هو أحب إلى الله ورسوله. [الرابع]: وشروط تتضمن فعل ما هو أحب إلى الله ورسوله. فالأقسام الثلاثة الأول لا حرمة لها ولا اعتبار، والقسم الرابع هو الشرط المتبع الواجب الاعتبار، وبالله التوفيق"[14].   ما يبتلى به العبد: وقال - رحمه الله -: "البلاء الذي يصيب العبد في الله، لا يخرج عن أربعة أقسام، فإنه: [الأول]: إما أن يكون في نفسه، وقد يكون بتلفها تارة، وبتألمها بدون التلف. [الثاني]: أو في ماله. [الثالث]: أو في عِرضه. [الرابع]: أو في أهله ومن يحب. فهذا مجموع ما يبتلى به العبد في الله"[15].   النضال: وقال - رحمه الله -: "النضال[16] على أربعة أقسام: [الأول]: مفاضلة. [الثاني]: ومحاطة. [الثالث]: ومبادرة. [الرابع]: ومباعدة. وكلها جائزة، إلا المباعدة؛ فإن فيها خلافًا، وليس على منعها دليل"[17].   الدور: وقال - رحمه الله -: "الدور أربعة أقسام: [الأول]: دور حكمي. [الثاني]: ودور علمي. [الثالث]: ودور معي. [الرابع]: ودور سبقي تقدمي"[18].   [1] الإنسان: اسم جنس محلى باللام، فيوجب العموم. [2] وهو بنحوه في الاستقامة (2/ 259) لشيخه ابن تيمية، وفي تفسير القرآن العظيم (1/ 82) لابن كثير، قال الشافعي - رحمه الله -: "لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم"، وقال ابن تيمية - رحمه الله -: "وهو كما قال"؛ انظر: مجموع الفتاوى (28/ 152). [3] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 56). [4] سيأتي معنا في السلسلة الثانية من رباعيات العلامة ابن القيم - رحمه الله -: أقسام الناس في طلب الأسباب وأنهم أربعة. [5] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 420). [6] إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 167). [7] الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (ص: 134). [8] انظرها: في المرجع المشار إليه بعد. [9] زاد المعاد (4/ 58). [10] الفروسية (ص: 440). [11] سيأتي معنا في السلسلة الثانية من رباعيات العلامة ابن القيم - رحمه الله -: حلق الرأس، وأنه أربعة أنواع. [12] تحفة المودود بأحكام المولود (ص:100). [13] إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 147) [14] إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 121). [15] إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (2/ 193). [16] الرمي. [17] الفروسية (ص:389). [18] بدائع الفوائد (1/ 196). بكر البعداني   شبكة الالوكة
    • {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)}
        الأرض هي مكان الخليفة وهو الإِنسان، وفيها الأسباب الأصيلة لاستبقاء الحياة والسماء والأرض والشمس والهواء كلٌ مسخر لك. ولا تحتاج إلى تكليف فيه، فلا أنت تقول: (يا شمس أشرقي) أو (يا هواء هب) فكل ذلك مسخر لك. وأنت مطالب ألا تفسد فيما لك فيه اختيار؛ لأنك لا تستطيع أن تفسد قوانين الكون العليا، لا تستطيع أن تغير مسار الشمس ولا مسار القمر ولا مسار الريح، وأنت لن تستطيع إصلاح ما لا يمكن أن تقترب من إفساده، لأن أمره ليس بيدك لأنه لا اختيار لك فيه. وإنما يأتي الإِفساد من ملكات الاختيار الموجودة فيك، ولم يتركنا الله أحراراً فيها، بل حددها بمنهج يحمي حركة الحياة ب (افعل) و(لا تفعل)، فإذا كان سبحانه قد أنزل قرآناً، والقرآن فيه منهج يحمي اختيارك إذن فقد أعطاك عناصر الإِصلاح ولذلك يقول لك: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وادعوه خَوْفاً وَطَمَعاً...} [الأعراف: 56].
      وهنا يعود الحق مرة أخرى للحديث عن الدعاء، فأولاً جاء بالأمر أن يكون الدعاء تضرعاً وخفية، وهنا يوضح الحق سبيلاً ثانيا للدعاء: {وادعوه خَوْفاً وَطَمَعاً}.
      خوفاً من صفات جبروته وقهره، وطمعا في صفات غفرانه ورحمته؛ لأن لله صفات جمال وصفات جلال، وادعوه خوفاً من متعلقات صفات الجلال، وطمعاً في متعلقات صفات الجمال. أو خوفاً من أن تُرد وطمعاً فيما أنت ترجو. {... وادعوه خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين} [الأعراف: 56].
        إذن من الذي يحدد قرب الرحمة منه؟ إنه الإِنسان فإذا أحسن قربت منه الرحمة والزمام في يد الإِنسان؛ لأن الله لا يفتئت ولا يستبد بأحد. فإن كنت تريد أن تقرب منك رحمة الله فعليك بالإِحسان. {إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين}.
      ولذلك قلنا إن الحق سبحانه وتعالى يقول: (لا أمل حتى تملّوا).[من حديث قدسي].
      وأنت تدخل بيوت الله تصلى في أي وقت، وتقف في أي مكان لتؤدي الصلاة، إذن فاستحضارك أمام ربك في يدك أنت، وسبحانه حدد لك خمسة أوقات، ولكن بقية الأوقات كلها في يدك، وتستطيع أن تقف بين يدي الله في أي لحظة. وسبحانه يقول: (ومن جاءني يمشي أتيته هرولة).[من حديث قدسي]. وهو جل وعلا يوضح لك: استرح أنت وسآتي لك أنا؛ لأن الجري قد يتعبك لكني لا يعتريني تعب ولا عي ولا عجز. وكأن الحق لا يطلب من العبد إلا أن يملك شعوراً بأنه يريد لقاء ربه. إذن فالمسألة كلها في يدك، ويقول سبحانه: (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه).[من حديث قدسي].
        وهكذا يؤكد لك سبحانه أن رحمته في يدك أنت وقد أعطاها لك، وعندما تسلسلها تجدها تفضلاً من الله، ولكن في يدك أنت. {إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين}.
      ونعلم أن فيه صفات لله وفيه ذات، فالذات(الله) وهو واهب الوجود، وله كل صفات الكمال وكل صفة لها متعلق؛ الرحمة لها متعلق والبعث له متعلق فمن أسمائه سبحانه (الباعث)؛ وإياك أن تغيب عن الذات، اجعل نفسك مسبحاً لذاته العلية دائماً. وقد تقول: يا رب أريد أن ترحمني في كذا، وقد لا ينفذ لك ما طلبت، لكن ذلك لا يجعلك تبتعد عن التسبيح للذات، لأن عدم تحقيق ما طلبت هو في مصلحتك وخير لك.
        وقد وقف العلماء عند كلمة (قريب) هذه، وتساءل بعضهم عن سرّ عدم مجيء تاء التأنيث بعد لفظ الجلالة؟ ونعلم أن القرآن قد نزل بلغة العرب، وعند العرب ألفاظ يستوي فيها التذكير والتأنيث، وما يقال للمذكر مثلما يقال للمؤنث، فنقول: (رجل صبور)، و(امرأة صبور)، ولا نقول: صبورة ونقول: (رجل معطار) أي يكثر استخدام العطر، و(امرأة معطار) أي تكثر استخدام العطر. ونقول: قريب مثلما نقول: قتيل بمعنى مقتول. فيقال: (رجل قتيل) و(امرأة قتيل)، ولا يقال: (قتيلة) إلا إذا لم يذكر معها كلمة امرأة أو ما يدل على التأنيث، لأن القتيل للذكر وللأنثى.
      هذه هي ألفاظ صحيح اللغة. وقد صنعت اللغة ذلك بأسانيد، فأنت حين نقول: (رجل صبور) أو (امرأة صبور) فالصبر يقتضي الجلد والعزم والشدة؛ لذلك لا نقول: (امرأة صبور) بل نأتي بالوصف المناسب للجَلَد والشدة. وإياك أن تضعفها بحكاية التأنيث، وكذلك (رجل معطار) و(امرأة معطار)، والرجل المعطار هو من تعرفه الناس من نفاذ رائحة عطره، والمرأة مبنية على الستر. فإن تعطرت فهي قد تشبهت بالرجل ويقال لها: (امرأة معطار)، وحين ننظر إلى كلمة (قريب) فهي من صيغة (فعيل) التي يستوي فيها المذكر والمؤنث؛ بدليل أن الله قال: {... وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4].
      والملائكة لفظها لفظ مؤنث، ولم يقل الحق (ظهيرة)، لأن (ظهير) يعني مُعين، والمعونة تتطلب القوة والعزم والمدد؛ لذلك جاء لها باللفظ المناسب الذي يدل على القوة وهو (ظهير). وكذلك قوله الحق: {... إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين} [الأعراف: 56].
        و(قريب) بوزن (فعيل) بمعنى مفعول، ولعل بعض الناس يفهم أن (قريب) بمعنى فاعل أي قارب. مثل رحيم وراحم. أي أن رحمة الله هي التي تُقرب من المحسنين، والأمر ليس كذلك، فإن الرحمة هي المقروبة، والإحسان هو الذي يقرب إليها فيكون فعيل هنا بمعنى مفعول الذي يستوي فيه المذكر والمؤنث، أن يكون جاءت كذلك على تأويل الرحمة بالرحم أو الترحم، أو لأنه صفة لموصوف محذوف أي شيء قريب، أو لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي، أو أن الرحمة مصدر، وحق المصدر التذكير.
          {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)}
        وتصريف الرياح إهاجة للهواء في الكون، والإهاجة للهواء في الكون تأتي منها فوائد كثيرة للغاية، ونحن حين نجلس في مكان مكتظ وممتلئ بالأنفاس نقول لمن يجلس بجوار النافذة: لنهوي الغرفة قليلاً. وإن لم يكف هواء النافذة تأت بمروحة لتأخذ من طبقات الجو طبقة هواء جديدة فيها أوكسجين كثير. إذن فإرسال الرياح ضرورة حتى لا يظل الهواء راكداً. ويتلوث الجو بهذا الركود، ولو أن كل إنسان سيستقر في مكان مكتوم الهواء لامتلأ المكان بثاني أكسيد الكربون الخارج من تنفسه، ثم لا يلبث أن يختنق، ولذلك أراد الله حركة الرياح رحمة عامة مستمرة في كل شيء، وهي أيضاً رحمة تتعلق بالقوت كما تعلقت بمقومات الحياة من نفس وماء وطعام، وتصريف الرياح من أجل تجديد الهواء الذي تتنفسه، وكذلك تكوين الماء. لأن سبحانه القائل عن الرياح. {حتى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ...} [الأعراف: 57].
      والرياح هي التي تساعد في تكوين الأمطار التي تنزل على الأرض فتروي التربة التي نحرثها، هكذا تكون الرياح بشرى في ثلاثة أشياء: الشيء الأول تحريك طبقات الهواء وإلا لفسد الجو في الماء، لأن الرياح هي التي تحمل السحاب وتحركه وتنزل به هناك فرقاً بين بشرى، وبشراً؛ فالبشرى مفرد، وقد وردت في قوله الحق: {وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بالبشرى...} [هود: 69].
      أي التبشير. لكن بشراً جمع بشير وهي كلمة مخففة، والأصل فيها بشر.
      والحق يقول: {فَلَمَّآ أَن جَآءَ البشير}.
      وجمع البشير بُشُر مثل: نذير ونُذُر بضم الشين فسكنت تخفيفا، فتنطق بُشْراً وبُشُراً. {بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}.
      هي بين يدي رحمته لأنها ستأتي لنا بالماء، وهو الرحمة في ذاته، وبواسطته يعطينا ري الأرض، ونحن نرتوي منه مباشرة أيضاً. ونلحظ كلمة الرياح إذا أطلقت بالجمع فهي تأتي للخير، أما حين يكون فيها شر فيأتي بكلمة(ريح) مفردة، مثل قوله: {... بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} [الحاقة: 6].
        فإذن عندما ترى كلمة(رياح) فاعلم أنها خير، أما كلمة (ريح) فاعلم أنها شر لماذا؟ أنت إذا كنت قاعداً في حجرة فيها فتحة نافذة يأتي منها الهواء، ويتسلط التيار على إنسان، فالإِنسان يصاب بالتعب؛ لأن الهواء يأتي من مكان واحد، لكن حين تجلس في الخلاء ويهب الهواء فأنت لا تتعبَ، لأن الرياح متعددة. ولكن الرياح تأتي كالصاروخ.
      الرياح إذن يرسلها الحق بين يدي رحمته؛ حتى إذا أقلت أي حملت يقال:(أقل فلان الحمل) أي رفعه من على الأرض وحمله لأنه أقل من طاقته، لأنه لو كان أكثر من طاقته لما استطاع أن يرفعه عن الأرض، وما دام قد أقله فالحمل أقل بالنسبة لطاقته وبالنسبة لجهده، أقلت أي حملت، وما دامت قد حملت فجهدها فوق ما حملته، وإذا كان الجهد أقل من الذي حملته لابد أن ينزل إلى الأرض.
      وأقلت سحاباً أي حملت سحاباً. نعرف أن السحاب هو الأبخرة الطالعة والصاعدة من الأرض ثم تتجمع وتصعد إلى طبقات الجو العليا، وتضربها الرياح إلى أن تصادف منطقة باردة فيحدث تكثيف للسحاب؛ فينزل المطر؛ ونرى ذلك في الماء المقطر الذي يصنعونه في الصيدلية؛ فيأتي الصيدلي بموقد وفوقه إناء فيه ماء ويغلي الماء فيخرج البخار ليسير في الأنابيب التي تمر في تيار بارد فيتكثف البخار ليصير ماء. {حتى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ}.
        وقال الحق: (سقناه) بضمير المذكر؛ لأنه نظر إلى السحاب في اسم جنسه، أو نظر إلى لفظه، وجاء بالوصف مجموعاً فقال: (ثقالا) نظراً إلى أن السحاب جمع سحابة فرق بينه وبين واحدة بالتاء، وما دامت السحب كلها داخلة في السّوق فليس لها تعددات فكأنها شيء واحد. {حتى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ} [الأعراف: 57].
      السحاب لا يتجه إلى مكان واحد، بل يتجه لأماكن متعددة، إذن فالحق يوجه السحاب الثقال لأكثر من مكان. لكن الحق سبحانه وتعالى يقول: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ}.
      والميت هو الذي لا حراك فيه وانتهى اختياره في الحركة، كذلك الأرض، فالماء ينزل من السماء على الأرض وهي هامدة ليس بها حركة حياة أي أن الله يرسل السحاب ويزجيه إلى البلد الميت في أي مكان من الأرض. {... فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: 5].
        إذن فالأرض التي لا يأتيها الماء تظل هامدة أي ليس بها حركة حياة مثل الميت. {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ المآء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثمرات...} [الأعراف: 57].
      وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يلفتنا وينبهنا إلى القضية اليويمية التي نراها دائما في صور شتى، وهي أن الأرض تكون في بعض الأحيان جدباً، ثم يهبط عليها بعض المطر، وبمجرد أن ينزل المطر على الجبل، وبعد يومين من نزول المطر نجد الجبل في اليوم الثالث وهو مخضر، فمن الذي بذر البذرة للنبات هذا اليوم؟ إذن فالنبات كان ينتظر هذه المياه، وبمجرد أن تنزل المياه يخرج النبات دون أن يبذر أحد بذوراً، وهذا دليل على أن كل منطقة في الأرض فيها مقومات الحياة. {... فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثمرات كذلك نُخْرِجُ الموتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 57].
        فالماء الذي ينزل على الأرض الميتة يحيي الأرض؛ لأنه سبحانه يخرج الحياة كل يوم، وحين يوضح لنا سبحانه أن سيبعثنا من جديد فليس في هذا أمر عجيب، وهكذا جعل الله القضية الكونية مرئية وواضحة لكل واحد ولا يستطيع أحد أن يكابر ويعاند فيها؛ لأنها أمر حسيّ مشاهد، ومنها نستنبط صدق القضية وصدق الرب   نداء الايمان
    • {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)}
        الدعاء إنما يكون من عاجز يدعو أو قادراً على إنجاز وتحقيق ما عجز عنه أو يعينه عليه. وعندما تشعر أنك عاجز فأنت ترتكن إلى من له مطلق القدرة؛ لأن قدرتك محدودة. إذن فإن كنت تطغى أو تتكبر فاعرف مكانتك ومنزلتك جيداً وتراجع عن ذلك لأنك عرض زائل، والدعاء هو تضرع، وذلة، وخشوع، وإقرار منك بأنك عاجز، وتطلب من ربك المدد والعون. واستحضار عجزك وقدرة ربك تمثل لك استدامة اليقين الإِيماني. وما جعل ربنا للناس حاجات إلا من أجل ذلك؛ لأن الإِنسان إذا ما رأى الأشياء تنفعل له، ويبتكر ويخترع فقد يأخذه الغرور، فيأتي له بحاجة تعز وتعجز فيها الأسباب، فيقف ليدعو. ومن كان متكبراً وعنده صلف وغطرسة يذهب إلى رجل (غلبان) زاهد تجرد من الجاه والسلطان منقطع لعبادة الله ويقول له: أستحلفك برسول الله أن تدعو لي لأني في أزمة والذي يسأل الغلبان الزاهد هو رجل عزيز في قومه لكنه يظن أن الغلبان الزاهد أقرب إلى الله منه.
      إذن الدعاء هو الضراعة وإظهار الذلة والخشوع لله؛ لكي يستديم اليقين الإِيماني. {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً...} [الأعراف: 55].
        وإياك أن تدعو وفي بالك أن تقضي حاجتك بالدعاء، عليك بالدعاء فقط لقصد إظهار الضراعة والذلة والخشوع، ولأنك لو لم تدع فستسير أمورك كما قُدر لها، والدعاء هو إظهار للخشوع، وإياك أن تفهم أنك تدعو الله ليحقق لك مطالبك؛ لأنه سبحانه منزه أن يكون موظفاً عندك، وهناك نظام وضعه سبحانه لتحقيق مطالب العباد. ومن الناس من يطلب بالدعاء أشياء ضارة. {وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير وَكَانَ الإنسان عَجُولاً} [الإسراء: 11].
      والإِنسان قد يتعلق قلبه بأماني قد تضره؛ لذلك نقول: لا تتعجل بالدعاء طلباً لأمنيات قد تكون شراً عليك، والحق العليم ينظم لنا أمورنا، وإياك أيضاً أن تيأس حين لا تجاب دعوتك التي في بالك؛ لأن الله يحقق الخير لعباده. ولو حقق لك بعضاً مما تدعو فقد يأتي منها الشر، ويترك الله لأقضيتك أموراً تبين لك هذا، وتقول: إن الشيء الفلاني الذي كنت أتمناه تحقق وجاء شراً عليّ. مثال ذلك قد تحجز لطائرة لكنك لا تلحق بها فقد أقلعت قبل أن تصل إليها وحزنت لأن بعضاً من مصالحك قد فاتك ولم يتحقق وتفاجأ بأن هذه الطائرة سقطت في البحر.
        إذن، اجعل حظك من الدعاء هو الخشوع والتذلل والضراعة له سبحانه لا إجابتك إلى ما تدعو إليه، إنك دعوت لتطلب الخير، فدع الحق بقيوميته وعلمه يحقق لك الخير. واسمع قول الله: {وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير وَكَانَ الإنسان عَجُولاً} [الإِسراء: 11].
      إذن فحين يقول الحق: {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} فسبحانه يطلب منا أن ندعوه لأننا سنواجه لحظات متعددة نعجز فيها عن أشياء، فبدلاً من أن تظل مقهوراً بصفة العجز عن الشيء اذكر أن لك رباً قويا مقتدراً، وساعة تذكر ذلك لن تأخذك الأسباب من حظيرة الإِيمان.
        وقلنا من قبل: من له أب لا يحمل هماً للحياة، فإذا كان الذي له أب لا يحمل هماً لمطلوبات الحياة فمن له رب عليه أن يستحي ويعرف أن ربه سيوفر له الخير؛ لذلك يوضح سبحانه: إذا أعجزتكم الأسباب فاذكروا أن لكم رباً. وقد طلب منكم أن تدعوه، ولا تظن أن حظك من الدعاء أن تجاب إلى ما طلبت، بل ليكن حظك من الدعاء إظهار التذلل والخشوع لله؛ فقد يكون ما حدث لك نتيجة أنك قد اغتررت بنفسك. وقد سبق (قارون) إلى الغرور، فماذا حدث له؟.. لقد هزمه الحق وأنزل به شر العقاب. وقد يجعل الحق من تأبّى الأسباب وامتناعها عليك مغزى لتلتفت إلى الله، لكن لفتتك لله لا يصح أن تكون بغرض أن يقضي حاجتك، بل اجعل أساس لفتتك لله أن تظهر العجز أمامه والخضوع والخشوع؛ ليعيط ما لم يكن في بالك حين تدعو.   {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً...} [الأعراف: 55].
      خفية لها معنى وهو أن يكون الدعاء دعاءً مستوراً مختبئاً، ولها معنى آخر وهو أن تكون من الخوف أي أدعو ربكم خوفاً من متعلقات صفات الجلال كالجبار والقهار أو خوفا من أن يردها الله عليك فلا يقبلها منك.
      ادعوا ربكم تضرعاً بذلة وانكسار وخضوع خفية بينك وبين ربك، فلا تجهر بالدعاء وتجعله عملك الوحيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا حينما كان في غزوة غزاها فنزل أصحابه وادياً، فلما نزلوا الوادي صاحوا بالتهليل والتكبير، فقال: (أيها الناس اربعوا على أنفسكم، إنكم ليس تدعون أصمَّ ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم).
      والدعاء إلى الله خُفية يبتعد بك عن الرياء وهو أستر لك في مطلوباتك من ربك لأنه حين يوضح لك: ادعني في سرّك لأنني سميع عليم؛ فاعلم كل ما ظهر منك وما بطن، ادع بالخضوع والخشوع والتذلل لتنكسر فيك شهوة الكبرياء، وشهوة الغطرسة، وشهوة الجبروت.
      وإذا ما نظرت إلى هذا تجد أن كثيراً من العلماء يقولون:
      - نعرف قوماً يقرأون القرآن في محضرنا وما عرفنا لشفاههم حركة، وعرفنا قوماً يستنبطون الأحكام من كلام الله وما رأينا منهم انفعالاً يصرفهم عناً. إذن فالمسألة تعبر عن شغل باطني داخلي.
        ويريد الحق سبحانه وتعالى أن يبعدنا عن الرياء ويريد أن يستر علينا مطلوباتنا؛ لأن الإِنسان قد يطلب من الله سبحانه وتعالى ما يستحي أن يسمعه آخر. {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً...} [الأعراف: 55].
      ولو نظرت إلى هذه الآية لوجدت أن كثيراً من الناس يخالفونها مخالفات جماعية؛ في الليل مثلاً تجد من يصعدون على المآذن أو يصيحون في مكبرات الصوت التي أغنتهم عن صعود المآذن، ويكون الواحد من هؤلاء نائما طول النهار لأن رفع الأذان هو عمله ليس غير، وبعد ذلك يظل يصرخ ويستغيث ويقول: (أن هذه ابتهالات).
      بينما من الناس من هو نائم ليأخذ قسطه من الراحة ليؤدي عمله نهاراً، ولا أحد يطلب من هذا النائم إلا أنه وإذا جاء الفجر يستيقظ ويؤدي الصلاة. فلماذا نقلق الناس بهذا؟ إننا لابد أن ننبه هؤلاء الذين يظنون أنهم يذكرون الناس بدين الله، إنهم بعملهم هذا لا يسلكون الطريق الصحيح؛ لأننا لا يمكن أن نذكر الناس بالله ونصنع مخالفة أو نؤذي أحداً؛ فسبحانه يقول: {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً}.
        والتضرع والخُفية تقتضي ألا أقلق الناس، أو أن أعلن الأمور التي أريدها لنفسي خاصة بصوت عال مثل من يأتي في ختام الصلاة ويقول دعاءه بصوت عال وهو رافع يديه، ولمثل هذا أقول: إن الله سبحانه وتعالى جعل لنا القنوت لندعو فيه، وترك كل مسلم أن يدعو بما ينفعل له. وأنت حين تدعو في ختام الصلاة قد يوجد مُصل مسبوق لحق الصلاة بعد أن سبقه الإمام بركعة أو باثنين أو بثلاث ويريد أن يكمل صلاته، وأنت حين ترفع صوتك بالدعاء حين تختم صلاتك إنما تفسد عليه إتمام صلاته. وتشغله بمنطوق من عندك وبكلام من عندك عن شيء واجب عليه. ومن بفعل ذلك إنما يفعله عن حسن نية، لكنه يسيء إلى عبادة آخر.
        إذن فلابد أن ننتّبه إلى أن الله سبحانه وتعالى له مطلوبات، هذه المطلوبات قد تخالفها النفس لغرض ترى أنه حسن، لكن خذها في إطار: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالاً الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف: 103-401].
      فلابد أن نتنبه إلى مثل هذه المسائل، وعلينا أن نوفر الراحة لمن ينام ليقوم ويصلي الصبح ويذهب إلى عمله؛ لذلك لا داعي أن يفتح إنسان (الميكروفون) ويعلو صوته بالدعاء، ومن يفعل ذلك يظن أنه يحرص على أمر مطلوب فيزعج النائم، بل ويزعج من يصلي بالليل أو (يشوش) على من يقرأ القرآن أو يستذكر بعضاً من العلم. إن على من يفعل ذلك أن يترك كل إنسان لانفعالاته، وأن يكون ملك نفسه وملك اختياره.
      ويعطينا الحق سبحانه وتعالى صوراً كهذه فيقول: {إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي واشتعل الرأس شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً} [مريم: 3-4].
      إذن كلمة (خفي) موجودة في القرآن، ولابد أن نتنبه إلى الدعاء الخفي. {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين} [الأعراف: 55].
        إذن إن لم يكن تضرعاً وخفية فهو اعتداء في الدعاء؛ لأنك مكلف والله هو المُكلَف، وهو يقول لك: ادعوني تضرعاً وخفية.
      فإن فعلت غير هذا تكن معتدياً، وعلى كل هؤلاء أن يفهموا أنهم معتدون فإما أن يكون الاعتداء في أسلوب الطلب وإما ان يكون الاعتداء في المطلوب.
      لأن الحق حدد أسلوب الطلب فأوضح: ادعوني بخفاء، فإن دعوت في غير الخفاء تكن معتدياً على منهج الله. وكذلك قد يكون الاعتداء في المطلوب فلا يصح مثلاً أن تقول: إنني أدعوك يا رب أن تجعلني نبياً. إن ذلك لا يصح وربنا سبحانه وتعالى علمنا فيما سرده عن نوح. فقال: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحق وَأَنتَ أَحْكَمُ الحاكمين قَالَ يانوح إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إني أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين} [هود: 45-46].
      وهنا نبه الحق نوحاً إلى الاعتداء في المطلوب فقال الحق: {فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ...} [هود: 46].
      ولذلك نجد نوحاً يستغفر لأنه سأل ودعا الله هذا الدعاء عن غير علم، فلما عرف ذنبه استغفر الله وقال: {قَالَ رَبِّ إني أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ...} [هود: 47].
      وقال له الحق سبحانه: {اهبط بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وعلى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ...} [هود: 48].
        إذن فالذي لا يسمع منهج الله أو لا يطبقه في الدعاء يكون معتدياً على الحق سبحانه وتعالى، وسبحانه لا يحب المعتدين.   نداء الايمان  
  • أكثر العضوات تفاعلاً

  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
    • Hannan Ali تشعر الآن ب سعيدة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      181461
    • إجمالي المشاركات
      2534306
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      92885
    • أقصى تواجد
      1716

    أحدث العضوات
    فتاة الرياح
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏فكرة انتهاء مهلة العمل والانتقال لدار الجزاء مهيبة جدًا ! لا توبة تُقْبَل ولا عمل يُصَحح . لو نطق أهل القبور لكانت موعظتهم : أنتم في دار العمل فأحسنوا العمل . نسأل الله حُسن الختام .

×