اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57409
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180535
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8247
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53000
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40679
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  11. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33893
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  12. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32199
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13117
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  13. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  14. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37246 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  15. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • من المسائل المتعلقة بالطلاق قبل المسيس ما جاء في قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير} (البقرة:237). يتعلق بهذه الآية من الأحكام المسائل التالية:

      المسألة الأولى: قوله تعالى: {من قبل أن تمسوهن} (المسيس) هنا كناية عن قربان المرأة، والمراد الدخول بها. وهذا بالاتفاق.

      المسألة الثانية: قوله تعالى: {وقد فرضتم لهن فريضة} أصل (الفرض) الحز في القداح علامة لها، تميز بينها. و(الفرضة) العلامة في قسم الماء، يَعْرِف بها كل ذي حق نصيبه من الشرب. وقد سمي الشط الذي ترفأ فيه السفن (فرضة) لحصول الأثر فيه بالنزول إلى السفن والصعود منها، ثم صار اسم الفرض في الشرع واقعاً على المقدار وعلى ما كان في أعلى مراتب الإيجاب من الواجبات. والمراد بـ (الفرض) ها هنا تقدير المهر وتسميته في العقد، ومنه فرائض الإبل، وهي المقادير الواجبة فيها على اعتبار أعدادها وأعمارها، فسمى التقدير فرضاً تشبيهاً له بالحز الواقع في القداح، التي تتميز به من غيرها.

      المسألة الثالثة: لا خلاف بين أهل العلم أن من دخل بزوجته، ثم مات عنها، وقد سمى لها مهراً، أن لها ذلك المسمى كاملاً، والميراث، وعليها العدة.

      المسألة الرابعة: اختلف العلماء في الرجل، يخلو بالمرأة، ولم يجامعها حتى فارقها، فقال الحنفية والحنابلة: عليه جميع المهر، وعليها العدة؛ لما رواه الإمام أحمد، وغيره، عن زرارة بن أوفى رضي الله عنه، قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون، أن من أغلق باباً، أو أرخى ستراً، فقد وجب المهر، ووجبت العدة. وروي أيضاً عن عمر وعلي وابن المسيب. وعن زيد بن ثابت: عليها العدة، ولها الصداق كاملاً. قال ابن قدامة: "وهذه قضايا تشتهر، ولم يخالفهم أحد في عصرهم، فكان إجماعاً". ومذهب الشافعية والمشهور من مذهب مالك أن الخلوة لا توجب مهراً كاملاً، ولا عدة إذا لم يكن دخول؛ لظاهر القرآن {من قبل أن تمسوهن} و(المسيس) كناية عن الدخول بالمرأة، ومجرد الخلوة لا يعني المسيس ولا يقتضيه.

      المسألة الخامسة: قوله تعالى: {إلا أن يعفون} المراد إلا أن يعفو الزوجات المطلقات، وهذا بالاتفاق. و(العافيات) في هذه الآية كل امرأة تملك أمر نفسها، فأذن الله سبحانه لهن في إسقاط المهر بعد وجوبه؛ إذ جعله خالص حقهن، فيتصرفن فيه بالإمضاء والإسقاط كيف شئن، إذا ملكن أمر أنفسهن، وكن بالغات عاقلات راشدات. قال ابن العربي: "الواجب لهن من الصداق أذن الله تعالى لهن في إسقاطه بعد وجوبه؛ إذ جعله خالص حقهن، يتصرفن بالإمضاء والإسقاط كيف شئن، إذا ملكن أمر أنفسهن في الأموال ورشدن". وأما التي في ولاية أب، أو وصي، فلا يجوز إسقاطها لنصف صداقها قولاً واحداً.

      ومذهب جمهور أهل العلم أن الثيب والبكر المطلقتان قبل المسيس سواء في حقهن بالعفو، ومذهب المالكية أنه إذا طلقها قبل الدخول، وهي بكر، جاز عفو أبيها عن نصف الصداق، قالوا: ولا يجوز لأحد أن يعفو عن شيء من الصداق إلا الأب وحده، لا وصي ولا غيره. قال الجصاص: "وقوله تعالى: {إلا أن يعفون} يدل على بطلان قول من يقول: إن البكر إذا عفت عن نصف الصداق بعد الطلاق أنه لا يجوز؛ لأن الله تعالى لم يفرق بين البكر والثيب في قوله تعالى {إلا أن يعفون}. ولما كان ابتداء خطابه: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} عامًّا في الأبكار والثيب، وجب أن يكون ما عُطف عليه من قوله تعالى: {إلا أن يعفون} عامًّا في الفريقين منهما، وتخصيص الثيب بجواز العفو دون البكر لا دلالة عليه".

      المسألة السادسة: قوله تعالى: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى: {أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح} فمذهب الحنفية والصحيح من قول الشافعية أن المراد به الزوج؛ كلهم لا يرى سبيلاً للولي على شيء من صداقها؛ للإجماع على أن الولي لو أبرأ الزوج من المهر قبل الطلاق لم يجز، فكذلك بعده. وللإجماع على أن الولي لا يملك أن يهب شيئاً من مالها، والمهر مالها. قالوا: ومعنى {بيده عقدة النكاح} أن بيده التصرف في عقد النكاح بالإبقاء، والفسخ بالطلاق، ومعنى عفوه: تكميله الصداق، أي: إعطاؤه كاملاً. قال الجصاص: "العفو في هذا الموضع ليس هو قوله: قد عفوت، وإنما المعنى فيه تكميل المهر من قبل الزوج، أو تمليك المرأة النصف الباقي بعد الطلاق إياه". وقد ضعَّف ابن عاشور هذا القول من وجهين.

      وذهب المالكية إلى أن المراد الأب (الولي) فيجوز للأب العفو عن نصف صداق ابنته البكر إذا طُلقت. قالوا: وإنما يجوز عفو الولي إذا كان من أهل الرأي السداد، ولا يجوز عفوه إذا كان سفيهاً.

      ورجح ابن العربي وابن عاشور أن المراد بقوله سبحانه: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} (الولي) واستدلوا لترجحيهم بأدلة. قال ابن عاشور: "نصف المهر حق وجب على المطلق للمطلقة قبل البناء (الدخول) بما استخف بها، أو بما أوحشها، فهو حق وجب لغرم ضر، فإسقاطه عفو لا محالة، أو عند عفو الذي بيده عقدة النكاح. فتعين أن يكون أريد به ولي المرأة؛ لأن بيده عقدة نكاحها؛ إذ لا ينعقد نكاحها إلا به، وهذا قول مالك إذ جعل في "الموطأ": {الذي بيده عقدة النكاح} هو الأب في ابنته البكر".

      المسألة السابعة: استنبط العلماء من هذه الآية أن نكاح التفويض جائز، وهو كل نكاح عُقد من غير ذكر الصداق؛ ويفرض بعد ذلك الصداق. قالوا: فإن فُرض الصداق التحق بالعقد وجاز، وإن لم يُفرض لها، وكان الطلاق لم يجب صداق إجماعاً، وإن فُرض بعد عقد النكاح، وقبل وقوع الطلاق، فمذهب الحنفية أن الصداق لا يتنصف بالطلاق؛ لأنه لم يجب بالعقد. ومذهب المالكية والشافعية أن الصداق يتنصف؛ لظاهر قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}. فإن وقع الموت قبل فرض الصداق، فمذهب المالكية أن لها الميراث دون الصداق، ومذهب الحنفية والشافعية أنه يجب لها الصداق (مهر المثل) والميراث.

      المسألة الثامنة: إذا كانت المرأة قد قبضت المهر واستهلكته، ثم وقع الطلاق، كان عفو الزوج في هذه الحالة إبراءها من الواجب عليها، ولو كان المهر ديناً في ذمة الزوج، كان عفوها إبراءه من الباقي. وإذا تزوجها على ألف درهم ودفعها إليها، ثم طلقها قبل الدخول، وقد اشترت بها متاعاً، فمذهب الحنفية أن لها نصف الألف، وتضمن للزوج النصف، وقال المالكية: يأخذ الزوج نصف المتاع الذي اشترته.

      المسألة التاسعة: قوله تعالى: {وأن تعفوا أقرب للتقوى} معنى كون العفو {أقرب للتقوى} أن العفو أقرب إلى صفة التقوى من التمسك بالحق؛ لأن التمسك بالحق لا ينافي التقوى، لكنه يؤذن بتصلب صاحبه وشدته، والعفو يؤذن بسماحة صاحبه ورحمته، والقلب المطبوع على السماحة والرحمة أقرب إلى التقوى من القلب الصلب الشديد؛ لأن التقوى تقرب بمقدار قوة الوازع، والوازع شرعي وطبيعي، وفي القلب المفطور على الرأفة والسماحة لين يزعه عن المظالم والقساوة، فتكون التقوى أقرب إليه، لكثرة أسبابها فيه.   اسلام ويب
    • فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) 1-  “فإن تولوا فقل حسبي الله” كل هموم الدنيا.. جميع حاجات النفس.. كافة مفاجآت الحياة يمكنك قلب معادلتها ب : حسبي الله ونعم الوكيل/ علي الفيفي 2-  أعظم منهج تربوي{حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} مارأيت أحدا ساس أبناءه وطلابه بالحرص مع الرأفة والرحمة إلا أثمر نبتا صالحا بإذن الله/ محمد الربيعة 3-  إذا أعرض الناس عن الحق فأظهر الاكتفاء بالله وحده (فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)/عبد العزيز الطريفي 4-  *{ فإن تولوا فقل حسبي الله } لا تحزن ولو رحلت الدنيا كلها عنك. قل لكل ما / ومن تفقده يكفيني الله . / عبد الله بلقاسم 5-  ( فإن تولوا فقل حسبي الله ) قل لكل شيء فقدته لكل غال رحل لكل من تخلى عنك لكل شيء وأي شي حسبي الله يكفيني الله. / عبد الله بلقاسم 6-  الاتصال بالخالق يقطع كل الاتصالات بالخلق، “فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت…” / فوائدالقرآن        7- {فقل حسبي الله } في بحر الحياة المتلاطم اﻷمواج فإنه من الجنون أن يعتمد المرء على تدبيره ! ﻷنه سيغرق، سلم دفتك لله وستصل لبر اﻷمان. / مها العنزي   حصاد التدبر ..................................... في آخر سورة التوبة -وتسمى سورة (براءة) وسورة (المنافقين)- جاء قوله تعالى: {فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} (التوبة:129) فالآية في المجمل خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فيما يجب عليه قوله وفعله في حال إعراض من جاء بدعوتهم عن الاهتداء بهديه، والانتفاع بما يدعوهم إليه، وإخبارهم بأن الله كافيه أمر توليهم وإعراضهم، وما يعقبه من عداوتهم له، وصدهم عن سبيل الله، وقد بلغ الرسالة وما قصر، وأدى الأمانة وما فرط.

      ثم بعد القول المجمل، نفصل بعض التفصيل في المراد من الآية، فنقول:

      قوله سبحانه: {فإن تولوا} أي: أعرضوا عما جئتهم به من الشريعة العظيمة المطهرة الكاملة الشاملة لخيري الدنيا والآخرة.

      قوله تعالى: {فقل حسبي الله} أي: الله سبحانه كافيني ومؤيدي، ولا أحد غيره سبحانه يكفيني، ويمدني بمدد من عنده، وما دام حسبك الله، فسبحانه يبسط عليك حمايته ونصرته لك، فمن الخير لك أن تتبع الهدي النبوي، الذي أبلغك البلاغ الكامل عن الله، وأن تتوكل عليه سبحانه، فهو سبحانه {نعم المولى ونعم النصير} (الأنفال:40).

      وقوله تعالى: {فقل حسبي الله} يفيد -كما ذكر ابن عاشور- التنويه بهذه الكلمة المباركة {فقل حسبي الله} لأنه صلى الله عليه وسلم أُمِرَ بأن يقول هذه الكلمة بعينها، ولم يؤمر بمجرد التوكل، كما أُمِرَ في قوله تعالى: {فتوكل على الله إنك على الحق المبين} (النمل:79). ولا أُخبر بأن الله حسبه مجرد إخبار، كما في قوله سبحانه: {فإن حسبك الله} (الأنفال:62).

      ثم ها هنا أمر ذو بال، وهو أن اليقين بأن الله سبحانه كاف عباده، لا يعني القعود والكسل والتواكل، بل الواجب على العبد السعي والعمل والسير في الأرض تحت ظل التوكل على الله، والاعتماد عليه، والركون إليه، يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله في هذا الصدد: "وما دام سبحانه هو حسبك، فالواجب يفرض عليك أن تظل في معيته سبحانه، ومعية الله مرحلتان: الأولى بأخذ الأسباب التي أمد الله بها خلقه، ومعية إيمانك المطلق بأن الأسباب إن عجزت معك، فأنت تلجأ إلى مسبِّب الأسباب الموجود، وهو رب الوجود". ومن ثم، علينا أن نعلم أن يد الله ممدودة لنا بالأسباب، ولا يصح للإنسان أن يدع الأخذ بالأسباب، ويقول: أنا متوكل على الله، بل على الإنسان أن يأخذ بالأسباب أولاً، وأن يستنفد طاقته في تحصيلها، وبعد ذلك يقول: ليس لي ملجأ إلا أنت سبحانك، ويستحضر قول الله سبحانه: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} (النمل:62).

      و{المضطر} هو من عمل بالأسباب واستنفدها، وليس له إلا الله، لكن أن يقول الإنسان: أنا أدعو الله ليل نهار، وصباح مساء، ولا يستجيب الله لدعائي، فيقال لمثل هذا القائل: أنت لا تدعو عن اضطرار، ولم تأخذ بالأسباب، خذ بالأسباب التي خلقها الله، أولاً، ثم ادع بعد ذلك، ولا تدعُ إلا إذا استنفدت الأسباب؛ فيجيبك المسبِّب سبحانه، وبذلك لا تُفتن بالأسباب، فحين تمتنع الأسباب، تلجأ إلى الله، ولو كانت الأسباب تعطي كلها لفُتن الإنسان بها، والحق سبحانه يقول: {كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى} (العلق:6-7). فـ (التوكل) هو أن تعمل الجوارح، وتتوكل القلوب. والكسالى هم من يريدون أن يكون التوكل للجوارح، وليس للقلوب.

      قوله عز وجل: {لا إله إلا هو عليه} فيه نفي منطقي مع سلب {لا إله}، وإثبات منطقي مع إيجاب {إلا هو}، وفي هذا نفي أي ألوهية لغير الله، والاستثناء من ذلك هو الله، ورحم الله شاعر الإسلام محمد إقبال حيث قال:

      إنما التوحيد إيجاب وسلب فيهما للنفس عزم ومضاء

      إيجاب في {إلا هو}، وسلب في {لا إله}، فيهما للنفس عزم ومضاء، أي: هما للنفس قطبا الكهرباء، فاسلب الألوهية من غير الله، وأثبتها لله. فعندما نقول: {لا إله إلا هو} نكون قد أثبتنا الألوهية لله، وأثبتنا أن لا شريك له سبحانه، وأثبتنا ألا إله غيره.

      وقوله سبحانه: {عليه توكلت} دلالته أقوى من قولك: توكلت عليه؛ إذ إن تقديم الجار والمجرور على الفعل فيه حصر للفعل وقصر عليه سبحانه، وفيه أيضاً تنزيه لله تعالى؛ إذ لا أحد غيره يتوكل عليه الخلق، وهذا كقوله سبحانه: {إياك نعبد} أي: لا نعبد غيره، ففي قولك هذا تكون قد قصرت العبادة عليه سبحانه.

      وتوكلك على الله له رصيد لك؛ لأن ربك ورب الكون الذي استقبلك، ولا تصل قدرتك إليه، فأنت في الأرض تحرثها، وتبذرها، وترويها، ثم تأخذ من عطاء الله لك؛ فهو ربك، ورب الكون الذي استقبلك، وأصبح هذا الكون مسخراً لك، وأنت لم تكن قادراً على تسخير الكون.

      وقوله عز وجل: {وهو رب العرش العظيم} أي: فهو سبحانه رب الكون الذي أوجد هذا الإنسان؛ ليعمره بكل ما فيه خير، وهو أيضاً سبحانه رب ما وراء المرئيات من عالم الملكوت، يدير بكمال قدرته كل شيء، وكل ما في الكون ملك لله سبحانه. قال الطبري: "إنما عنى بوصفه جل ثناؤه نفسه بأنه {رب العرش العظيم} الخبر عن جميع ما دونه أنهم عبيده، وفي ملكه وسلطانه؛ لأن {العرش العظيم} إنما يكون للملوك، فوصف نفسه بأنه (ذو العرش) دون سائر خلقه، وأنه (الملك العظيم) دون غيره، وأن مَن دونه في سلطانه وملكه، جار عليه حكمه وقضاؤه".

      قال الشيخ الشعراوي رحمه الله: ولا يوصف {العرش} بأنه عظيم إلا وفي أذهان الناس عروش الملوك، التي نراها في حياتنا، مثلما قال الهدهد عن ملكة سبأ: {ولها عرش عظيم} (النمل:23) أي: بمقاييس البشر. أما قوله تعالى هنا: {وهو رب العرش العظيم} فهو بمقاييس رب البشر؛ إنه عرش الخالق العظيم سبحانه، وهو فوق التصور البشري؛ لذلك نفهمه في إطار قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} (الشورى:11).

      هذا، وللأستاذ النُّوْرْسي رحمه الله تعليق على هذه الآية، جدير ذكره في هذا السياق، حاصله: أن الله سبحانه يخبر رسوله الكريم وعباده المؤمنين بأنه إذا تولى أهل الضلالة عن هدي القرآن، وأعرضوا عن شرعة الحق، وسنة الهدى، فلا ينبغي للمؤمن أن يحزن ولا أن يغتم، بل ليقل: حسبي الله، فهو وحده سبحانه كاف عباده، والمؤمن متوكل عليه؛ إذ هو سبحانه الكفيل بأن يقيض من يتبع الهدى بدلاً عن أولئك المعرضين، فهو سبحانه محيط بكل شيء وقدرته لا حدود لها، فلا العاصون يمكنهم أن يهربوا من عقابه، ولا أن يفلتوا من جزائه، ولا المستعينون به يظلون بغير مدد وعون منه سبحانه.

      والآية خطاب خالد للمؤمن بالقول: لئن ودعتك الموجودات كلها، وانعدمت ومضت في طريق الفناء...وإن فارقتك الأحياء، وجرت إلى طريق الموت...وإن ترك الناس، وسكنوا المقابر...وإن أعرض أهل الدنيا والغفلة والضلالة، ولم يصغوا إليك، وتردوا في الظلمات، فلا تبالِ بهم، ولا تغتم، بل قل: {حسبي الله} فهو الكافي، فإذ هو موجود، فكل شيء موجود...وعلى هذا، فإن أولئك الراحلين لم يذهبوا إلى العدم، وإنما ينطلقون إلى عالم آخر لرب العرش العظيم، وسيرسل بدلاً منهم ما لا يعد ولا يحصى من جنوده المجندين...وإن أولئك الذين سكنوا المقابر لم يفنوا أبداً، وإنما ينتقلون إلى عالم آخر، وسيبعث بدلاً منهم آخرين يعمرون الدنيا، ويشغلون ما خلا من وظائفها...وهو القادر على أن يرسل من يطيعه، ويسلك الطريق المستقيم، بدلاً ممن وقعوا في الضلالة من الذاهبين.

      فما دام الأمر هكذا، فهو الكفيل، وهو الوكيل، وهو البديل عن كل شيء، ولن تعوض جميع الأشياء عنه، ولن تكون بديلاً عن توجه واحد من توجهات لطفه لعباده ورحمته بهم، وإن الكائنات تتهادى جيئة وذهاباً في مسيرة كبرى؛ إنهاء لخدمات مستمرة، وقياماً بواجبات مجددة دائمة، عبر رحلة ذات حكمة، وجولة ذات عبرة، وسياحة ذات مهام، في ظل إدارة الحكيم الرحيم العادل القدير ذي الجلال، وضمن ربوبيته الجليلة البالغة، ورحمته الواسعة.   اسلام ويب
    • تفسير الشيخ الشعراوى (لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ )٢٠-الزمر قلنا: إن من سمات الأسلوب القرآني أن يذكر المتقابلات، فالضِّد يُظهر حُسْنه الضد، كما في قوله سبحانه: { { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [الانفطار: 13-14].
      وهنا بعد أنْ ذكر الحق سبحانه الكافرين الذين حقَّتْ عليهم كلمة العذاب يذكر المقابل لهم، وهم المتقون { لَـٰكِنِ } استدراك على ما تقدم { ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ .. } [الزمر: 20] وهذه المقابلة تهيء النفس لتفظيع المقابل الأسوأ، وتجميل المقابل الأعلى.
        والغُرَف جمع غُرْفة، وهي المكان الخاص المقتضب من البيت، وهي مأخوذة من غرفة الماء { لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ .. } [الزمر: 20] ثم وصف التي فوق بأنها { مَّبْنِيَّةٌ .. } [الزمر: 20] لأن العادة في الغرفة السفلية أن يُعتنى بها في الأساس، الذي يحمل باقي الأدوار، فأراد أنْ يلفت أنظارنا إلى أن الغرف الفوقية هي أيضاً مبنية مُعْتنىً بها، لا تقل ميزةً عن الغرف السفلية، فكل الغرف من الأدنى إلى الأعلى مميزة.
        ثم تأمل الإعجاز في قوله تعالى: { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [الزمر: 20] من تحت أيُّهما؟ من تحت الاثنين، فإنْ قلتَ كيف؟ نقول: اقرأ قوله صلى الله عليه وسلم في وصف الجنة: "فيها ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر" .
      وفي موضع آخر قال سبحانه: { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [التوبة: 72] ( لفظ (تجري تحتها الأنهار) بدون (من) ورد في القرآن الكريم في موضع واحد في سورة التوبة الآية رقم 100 وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) التوبة وفَرْق بين تحتها ومن تحتها، لو قُلْنا تجري تحتها الأنهار، فالمعنى أن الأنهار تأتي من مكان آخر وتمرُّ بها، فيمكن للأعلى أنْ يحجب الماء عن الأدنى.
      أما { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [الزمر: 20] فنبع الماء يجري من تحت هذه الغرف، فماؤها ذاتيّ فيها، ليس لها مَدَدٌ من خارجها، إذن: فالمياه فيها ذاتية.
      فأنت تتعجب لأنك تقيس المسائل بهندستك أنت، ولربك سبحانه هندسة أخرى، تأتي على غير ما تتصوَّر؛ لأن الشيء الذي لم تره العين ولم تسمعه الأذنُ، ولم يخطر على القلب ليس في اللغة ما يدل عليه، فالمعاني توجَدُ أولاً، ثم تُوضَع لها الألفاظ الدالة عليها، فإذا لم تُوجَد المعاني فمن أين يأتي اللفظ؟
        نحن نعرف الآن مثلاً (التليفزيون)، ونعرف ما هو لكن قبل أن يُخْترع هل كنا نعرفه أو نعرف اسمه؟ لذلك سبق أنْ قلنا: إن الذي يقول الله غير موجود - والعياذ بالله - نقول له: كلامك مردود بكلامك، لأن الله مبتدأ وغير موجود خبر، فمن أين عرفتَ كلمة الله إنْ كان الله غير موجود؟ إذن: قولك: الله غير موجود دليل على أنه موجود، لأن المعدوم لا لفظَ له، فالذي لا تسمعه الأذن، ولا تراه العين، ولا يخطر على البال ليس له اسم.
        لذلك لما يصف لنا ربنا الجنة يقول: { { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ .. } [محمد: 15] يعني: يعطينا مثلاً لها وليست هي، لأن لغتكم ليس بها الألفاظ التي تعبر عن هذه المعاني التي في الجنة، ومع ذلك ساعةَ يُعطينا المثل ينفي منه ما يناقض الموجود في الدنيا، فحين يصف خَمْر الآخرة يقول: { { لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } [الصافات: 47].
      يعني: لا تغتال العقل ولا تستره كما تستره خمر الدنيا، ففي الإنسان غُدة مسئولة عن توازنه، فحين يشرب الخمر تتسلط الخمر على هذه الغدة فتفقده توازنه وتستر عقله، فيتمايل هنا وهناك، ويهذي بكلام لا يعرف معناه.
      وليست كذلك خمر الآخرة، خمر الآخرة تُعطيك اللذة والمسرَّة دون أن تغتال العقل { { وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } [الصافات: 47] النَّزْف والنَّزْح بمعنى واحد، تقول: نزحت البئر يعني: أخرجت ما فيه من الماء، فالنزف إخراج ما في الجوف. والإنسان في تكوينه الصحي السليم يؤدي جسمه عملية نسميها عملية الإخراج مثل صماخ الأذن والعرق والبول، وهذا الإخراج فيه سلامة وفيه صحة الجسم.
        لكن هناك إخراج بلا سلامة، كالذي يأكل ثم يتقيَّأ ما أكل، وقد يتقيأ من جارحة نفسه دماً والعياذ بالله، وقد يخرج منه البول باستمرار كمن يعاني من سلس البول مثلاً، ومن ذلك النَّزْف ما يحدث لشارب الخمر فينزف ما في بطنه.
      كذلك في الدنيا ماء، وفي الآخرة ماء، وفي الدنيا لبن، وفي الآخرة لبن، لكن شتَّان بين ماء الآخرة وماء الدنيا، وبين لبن الآخرة ولبن الدنيا، يقول تعالى في بيان ذلك: { { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ .. } [محمد: 15].
      من عجيب أمر هذه الأنهار أنها أنهارٌ بلا شُطْآن، فهي تجري بما فيها من ماء أو لبن أو خمر أو عسل، ومع ذلك لا يختلط بعضها ببعض، وهذا أمرٌ عجيب نضعه تحت مَا لا عينٌ رأتْ، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
        فالحق سبحانه حين يعطينا المثل للجنة ينفي عنه المضارّ الموجودة لمثله في الدنيا، فآفة الماء في الدنيا أن يأسن، يعني: يتغير فلا يصلح بعد ذلك للشرب، أما ماء الآخرة فغير آسن، لأنه ماء جَارٍ في أنهار، وجريان الماء يحفظه أنْ يأسن، كذلك في اللبن ووَصْف العسل بأنه مُصفّى، لأن عسلَ الدنيا لا يخلو من الشوائب.
      أما خمر الآخرة فهذه لذّة للشاربين، يتلذذ بها شاربها، ويرتشفها رشفاً للذة طعمها، أما في الدنيا والعياذ بالله فيسكبها في فمه هكذا دفعةً واحدة، لأنها كريهة الطعم، كريهة الرائحة.
      ومن ذلك أيضاً قوله تعالى في وصف نعيم الجنة: { { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } [الواقعة: 28] وشجرة السدر شجرة معروفة عند العربي، وكانت تُعَدّ من فاكهتهم ومن الأشياء الغالية عندهم، لكن آفتها ما فيها من شوك يؤذي الآكل منها، فنفي الحق سبحانه عن سدر الآخرة هذه الآفة، وقال: { { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } [الواقعة: 28] أي: مقطوع ومنزوع الشوك لا يؤذي مَنْ يتناول ثماره.
        إذن: الحق - سبحانه وتعالى - حين يقول في وصف الجنة: { لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ } [الزمر: 20] لا تتعجب من كيفية بناء غرف فوقها غرف والماء يجري من تحتها؛ لأن لله تعالى هندسة خاصة تدخل تحت ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر، فهي أشياء لا تدلّ عليها ألفاظ لغتنا.
      لكن هناك أشياء أخرى لا اختلافَ فيها، مثل: أباريق وأكواب وكأس ونمارق وزرابي وأرائك، هذه من نِعَم الله في الجنة وموجودة أيضاً في الدنيا لكن مع الفارق، فهذه صَنَعة البشر للبشر، وهذه صنعة خالق البشر للبشر.
        لذلك لما ذهبنا إلى (سان فرانسيسكو) ورأينا هناك فندقاً فخماً على رَبْوة عالية، ووجدنا فيه كل وسائل الراحة والرفاهية أُعجب الجميع به، فقلت لهم: تعجبون من هذا وهو صنعة البشر للبشر، فما بالكم بصنعة الحق للخلق؟
      وهذه المسألة تلفت أنظارنا وتُوجِّهنا إلى نعيم الآخرة، فساعة ترى نعيم الدنيا، وساعة ترى الشيء الجميل المبهر لا تحقد على صاحبه ولا تحسده عليه، بل تذكر به نعيم الله الذي أعدَّه لعباده في الآخرة، فكأن الله تعالى بنعيم الدنيا يُرغِّبنا في نعيم الآخرة.
      وهذا الذي ذكرنا من جزاء المتقين { وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ } [الزمر: 20] الوعد: هو الإخبار بشيء مفرح سارّ قبل أوانه، وكوْنك تخبر بالأمر السَّار قبل أوانه، فهذا يغري بالعمل للوصول إلى هذا الوعد، ومقابل الوعد الوعيد وهو الإخبار بشيء مؤلم قبل أوانه، والهدف منه التحذير حتى لا تقع في أسبابه، فالحق سبحانه مراده من الوعد والوعيد أن يُشوِّق الخَلْق إلى الثواب ويُحذِّرهم من العقاب، ويُفظع الجرائم والعقوبات عليها حتى لا نقعَ فيها.
        والله سبحانه لا يخلف الميعاد فوعده حَقّ، لأنه سبحانه بيده كل أسباب الوفاء، ولا يوجد له معارض يصرفه عن الوفاء بوعده، لأن الذي يُخلِف الوعد تعرض له أشياء تخرجه عن إمكانية الوفاء، والإنسان ابن أغيار كثير التقلب، فيطرأ عليه ما يحُول بينه وبين الوفاء بوعده، أما الحق سبحانه فهو الحق الذي لا يتغير، ولا يعز عليه شيء، وهو سبحانه القادر الذي له طلاقة القدرة.
      والحق سبحانه يُرينا تحقيقَ وعده في الدنيا لنُصدق بوعده في الآخرة فَوعَد الله المؤمنين فقال: { { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [الصافات: 173].
      وقال: { { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ .. } [الحج: 40] وتحقَّق وَعْد الله للمؤمنين فانتصروا. وإن اضطهدوا أولاً، وتحقُّق هذا الوعد يجعلني أثق في وعد الآخرة الذي لم يأت وقته.
        لذلك سيدنا عمر - رضي الله عنه - لما سمع قول الله: { { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 45] قال: أيُّ جمع هذا، ونحن غير قادرين على حماية أنفسنا؟ فلما جاءت بدر وانتصر المسلمون قال: صدق الله { { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 45].
      فالحق سبحانه يُحقق لنا وعده الذي جاء وقته لنثق في تحقّق الوعد الذي لم يأتِ وقته، ومن ذلك قوله تعالى عن الكافرين: { { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [الرعد: 41] يعني: يا كفار قريش، يا مَنْ تعاندون محمداً وتصادموه، ألم ترَوْا أن رقعتكم الواسعة تتناقص، ويأخذ الإسلام منها كل يوم جزءاً، فالمعنى ننقص أرض الكفر، ونزيد أرض الإسلام .. وينبغي أن نقول صدق الله في الأولى، ولا بُدّ أنْ يصدق في الثانية، أي: يوم القيامة.
      لذلك يُعلِّمنا الحق سبحانه حين نَعد بشيء أن نصحبه بالمشيئة، فنقول: إن شاء الله: { { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ .. } [الكهف: 23-24] حتى إذا تعذَّر عليك الوفاء قُلْتَ شئتُ ولكن الله لم يشأْ، فكأن الله تعالى تحملها عن عباده، فالعبد شاء ولكني لم أشأ.
      وهكذا يعفيك الله من الحرج، ويحميك أن تكون كاذباً، فالحق يتحمل عنا كما تحمّل عن رسوله في قوله: { { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ .. } [الأنعام: 33] أي: قولهم: ساحر وكاهن وكذاب ومجنون { { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ .. } [الأنعام: 33] لأنك عندهم صادق أمين { { وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [الأنعام: 33].
      فجعلها سبحانه في حقه، وتحمَّلها عن رسوله.   التفاسير العظيمة  
    • تفسير الشيخ الشعراوي (وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ )١٧ (ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ )١٨-الزمر كلمة الطاغوت مبالغة من طاغٍ، والطاغوت هو الظالم الذي يزيده احترام الناس لظلمه، أو خوفهم منه يزيده ظلماً وغطرسة، والطاغوت لا بدّ أنْ يكون له توجيه وتعالٍ، لذلك لا يقال للأصنام طواغيت، لأنها لا تعلو بذاتها، وليس لها توجيهات، إنما يعلو بها عُبَّادها، إذن: الطاغوت لا يكون إلا من البشر، ولو كان حاكمين فقط، وإلا فما وَجْه الطغيان في الأصنام؟ الأصنام لا قالت ولا ظلمت.
      وفي المثل الريفي يقولون: (يا فرعون إيه فرعنك؟ قال: ملقيتش حد يردني) إذن: لو وقف الناس في وجهه، ولو ردوا ألوهيته عندما ألَّه نفسه لارتدع عن هذا.
      ورحم الله أحمد الزين، ففي عهد الملك أرادوا وحدة وطنية تجمع كل الأحزاب تجتمع بالملك ليفكروا في حَلِّ مشاكل البلد، ودَعَوا لذلك مصطفى النحاس، لكنه لم يذهب، فلما سأله أتباعه: لماذا لم تذهب لهذا الاجتماع؟ قال: لأني سأكون فيه أقلية. يعني: لكثرة الموجودين، فأخذ أحمد الزين هذا الموقف، وقال فيه قصيدة أراد أنْ يغمز فيها الملك، فقال: كُلُّهم بالهَوَى يُمجِّدُ دِينَهُ أَلْف مُفْتٍ ومالكٌ بالمدينَه
      كَمْ رئيس لَوْلاَ القَوانينُ تَحْمِي جَهْلَهُ كانَ طرده قَانُونهْ
      ذُو جُنُونٍ وَزَادَ فِيهِ جُنُوناً أنْ يَرىَ عَاقِلاً يُطِيعُ جُنُونَهُ فالطاغوت ما صار طاغوتاً إلا لأن الناسَ خافوه ولم يَرُدُّوا طغيانه، ولم يجابهوه، بل وافقوه وداهنوه، فاستشرى به الطغيان.
        البعض يرى أن الطاغوت كل ما عُبد من دون الله، لكن ينبغي أنْ نضيفَ إلى ذلك: وهو رَاضٍ بهذه العبادة، وبناءً على هذا التعريف لا تُعَدُّ الأصنامُ طواغيتَ، ولا يُعَدُّ عيسى - عليه السلام - طاغوتاً، ولا يُعَدُّ أولياءُ الله طواغيتَ كما يدَّعي البعض؛ لأن الناس فُتِنَوا فيهم، ولا ذنب لهم في ذلك.
        وقوله: { وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ .. } [الزمر: 17] أي: رجعوا إلى عبادته وحده لا شريك له { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } [الزمر: 17] أي: بالجنة لأنهم وقفوا في وجه الطغيان، وردُّوا الظلم ولم يقبلوه، والله تعالى يريد من المجتمع المسلم أنْ يقف في وجه كل طاغية، وأن يُعدِّل سلوك كل منحرف، وأنْ يقاطع أهل الفساد ويعزلهم عن المجتمع وحركة الحياة فيه.
      ومثَّلنا لذلك بالفتوة الذي يحمل السلاح ويهدد الناس في نفوسهم وفي أرزاقهم وأعراضهم، بل ومنهم مَنْ يتحدى القانون والسلطة والنظام، إنه ما وصل إلى هذه الدرجة إلا لأن المجتمع تخلى عن دوره في الإصلاح والتصدي لأهل الشر.
        قبل أن أبدأ لقائي في هذه الحلقة أذكر أنه وصلني كتاب اليوم من أحد الإخوان يطلب مني أولاً أن أذكر له القصيدة التي قيلت في قنوت الليل، وأنا لا أقول مَنْ قالها، وإنما أحيله إلى رجل حجة في هذا الباب، هو الدكتور محمد عبد المنعم خفاجة عميد كلية اللغة العربية سابقاً، وحجة رابطة الأدب في مصر.
        وسأل أيضاً عن اختلاف العلماء في تحديد الليل والنهار اختلافاً ينفي بعض الليل من النهار، وينفي بعض النهار من الليل، وأقول وبالله التوفيق: إن اختلاف الناس في الليل والنهار اختلاف بين الشرعيين والفلكيين، فالشرعيون يروْنَ أن الليل يبدأ من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، والفلكيون يقولون: إن الليل يبدأ من غروب الشمس إلى شروق الشمس.
      إذن: فهناك فترة مختلف عليها، وهي من الفجر إلى الشروق، فالذين نظروا إلى أنها ليستْ من الليل هم الشرعيون، وذلك لأن المراد في احتياط الصوم ألاَّ يجور الإنسان على شيء من الليل، يدخل فيه شيئاً من النهار فاحتاطوا لذلك.
      ووجه الاحتياط أن الشرعي نظر إلى النور الذي يبدو عند طلوع الفجر، ولم ينظر إلى سبب النور وهو الشمس، فنحن نرى نوراً قبل أن تطلع الشمس.
      أما الفلكي فينظر إلى وجود النور، هذا النور يكون من علامة الليل. الشرعي قال: لا ففرقٌ بين النور يظهر وبين المنوِّر، لأن نور الفجر إلى الشروق نور لا نرى فيه الشمس، وهو مرتبط بغروب الشمس وشروقها، والليل يقال فيه: ليل ألْيَل أو ليلة لَيْلاء يعني شديدة الظلمة وهي حينما يكون القمر في المحاق، أو يقال ليلة ليلاء. يعني: فيها تعب ومشقة.
      وقد جعل المحِبُّون من الليل مراحاً ومَغْدى لشعرهم، فإن كانوا مع الأحبة تمنَّوْا أنْ يطول الليل، وإنْ فارقوا الأحبة تمنَّوْا أنْ يقصرَ الليلُ.
      ومن ذلك قول الشاعر طَالَ لَيْلِي وَلَمْ أَنَمْ وَنَفَى عَنِّي الكَرَى طَيْفٌ أَلَمّ وقال آخر لما اجتمع شمله بمَنْ يحب: يَا لَيْلُ طُلْ يَا نوْم زُلْ يَا صُبْح قفْ لاَ تَطْلُعْ والآخر جمع الحالين معاً، أظنه البحتري حين قال: وَدَّعَ الصّبْرَ مُحِبٌّ ودَّعَكَ ذائعٌ مِنْ سِرِّه مَا اسْتَوْدَعَكْ
      يَقْرَعُ السِّنَّ علَى أنْ لَمْ يكُنْ زَادَ فِي تِلْكَ الخُطَى إذْ شيَّعَكْ
      يَا أخَا البَدْر سَناءً وَسَنا حفظ اللهُ زَمَاناً أطلعَكْ
      إنْ يطُلْ بَعدَكَ لَيْلِي فَلَكَمْ بِتّ أشْكُو قِصَرَ الليْلِ مَعَكْ   والليل يقابله النهار، لذلك يقول سبحانه: { { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ } [القصص: 71-72].
      فجعل الليل مقابل النهار، وتلحظ هنا دقَّة الأداء القرآني، لأن المتكلم رب والأداء أداء إلهي، فلما تكلم عن الليل ذيَّل الكلام بقوله: { { أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } [القصص: 71] ولما تكلم عن النهار ذيَّل الكلام بقول: { { أَفلاَ تُبْصِرُونَ } [القصص: 72] ذلك لأن السمع وسيلة الإدراك بالليل حيث لا رؤية، أما في النهار فالبصر.
        وقد اضطر العلماء إلى البحث في علاقة اليوم بالليل والنهار، فقالوا: الحق يقول: { { سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } [سبأ: 18].
      فجعل سبحانه اليوم مقابل النهار، لكن يوم الفلكيين غير هذا، فاليوم عندهم لا يُحسب إلا من وقت إلى مثله في القادم، يعني: إنْ بدأت من العصر فاليوم إلى العصر القادم. ويقولون في التوقيت: صباحاً ومساءً، فلو استيقظتُ مثلاً للسحور الساعة الثانية بعد منتصف الليل أقول: تسحرت الساعة الثانية صباحاً، مع أنني ما زلتُ في الليل، وبالعكس أقول في النهار: الساعة الخامسة مساءً، مع أنني ما زلتُ في النهار، هذا كله من اختلاف الفلكيين والشرعيين.
        ولكن اليوم اخْتُلف في مدلوله في كثير من المواضع، فالحق سبحانه يقول في كتابه: { { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً } [المائدة: 3] فأطلق اليوم على أيِّ لحظة من لحظاته.
      وقال سبحانه: { { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } [إبراهيم: 5] والمراد بأيام الله الأيام التي تُنسب إليها الأحداث، سواء أكانت نعمة أو نقمة، نقول مثلاً يوم بدر، وكان يوم بدر نعمة للمؤمنين ونقمةً على الكافرين. وإلى هنا انتهت الإجابة على سؤال الأخ السائل، ونعود إلى ما كنا بصدد الحديث عنه من قوله سبحانه: { وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا .. } [الزمر: 17].
      قلنا: الطاغوت هو الذي يطغى، ويبارك الناسُ طغيانه، ولا يصدونه عنه، والطاغوت جاءت هنا مُؤنَّثة بدليل { أَن يَعْبُدُوهَا .. } [الزمر: 17]، وفي موضع آخر جاء بصيغة المذكر في قوله تعالى: { { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ .. } [النساء: 60].
      وكلمة الطاغوت من الكلمات التي تُطلق على: المفرد والمثنى والجمع مُذكَّراً ومُؤنَّثا، فنقول: هذا رجل طاغوت، وهذه امرأة طاغوت، وهذان طاغوت، وهؤلاء طاغوت. وهي هنا للجمع، بدليل قوله تعالى: { أَن يَعْبُدُوهَا .. } [الزمر: 17] وهي مثل كلمة سبيل، نقول: هذه سبيل، وهذا سبيل.
        والطاغوت - كما قلنا: لا بُدَّ أن تكون له توجيهات، لذلك لا يُطلق إلا على الطاغي من البشر أو من الجن، أما الملائكة فلم ترْضَ أنْ تُعبد من دون الله، كذلك يُسمَّى الظالمُ طاغوتاً.
        ونفهم من قوله تعالى: { وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ .. } [الزمر: 17] أي: رجعوا إليه، نفهم منها أنهم كانوا مع الله أولاً ثم انحرفوا عنه، كيف؟ قالوا: لأن كلَّ إنسان كان مع الله على فطرة الإيمان الأولى عندما أخذ اللهُ الميثاقَ على الخَلْق جميعاً فقال: { { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ .. } [الأعراف: 172] لكن منهم مَنْ ظلَّ على هذا العهد وعلى هذه الفطرة السليمة، ومنهم مَنْ انحرف عنها ونسيها.
      لذلك كثيراً ما يقول القرآن (وذكر) أي: بالعهد الأول، فمعنى { وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } [الزمر: 17] يعني: رجعوا إلى الإيمان الفطري وإلى العهد الأول، أو رجعوا إلى الله للجزاء يوم القيامة.
        وقوله سبحانه: { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } [الزمر: 17] البشرى الخبر السَّار الذي نخبر به قبل أوانه، والبُشْرى تنقسم إلى قسمين: إزالة عطب وألم، أو تحقيق مراد وأمل، فالذين اجتنبوا الطاغوت فلم يعبدوها وأنابوا إلى الله تحقَّق لهم الأمران معاً، لأنهم أولاً برئوا من النار وآلامها، ثم تحقَّق مرادهم بدخول الجنة كما قال سبحانه: { { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ .. } [آل عمران: 185].
      لذلك قال بعدها: { فَبَشِّرْ عِبَادِ } [الزمر: 17] أي بهذه البشرى السارة { ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [الزمر: 18] القول لا بدَّ أنْ يكون من قائل، فإذا استمعوا القول من قائل يتبعون أحسن ما قيل، وأن ما قيل يكون من أحسن قائل، وإذا نظرنا إلى أحسن قائل لا نجد إلا الحق سبحانه وتعالى، فإذا أمر الله بحكم فاتبعوه فقوله أحسن القول، وأمره أنفع أمر.
        والحق سبحانه لا يستفيد من أوامره لكم، ولا تضره معصيتكم، فأنتم إذن المنتفعون بالمنهج، المستفيدون من تنفيذه، ثم أنتم خَلْق الله وصَنْعته، ويعز عليه سبحانه أن تنحرف هذه الصنعة أو تعذَّب.
      ثم يريد سبحانه من منهجه وشرعه أنْ يُديمَ عليكم عطاءه ونعمه، وأن تكون نعمة الدنيا موصولة لكم بنعمة الآخرة، لذلك قال عنهم في الحديث القدسي: "لو خلقتموهم لرحمتموهم" .
      أو: أحسن ما قيل يعني الإسلام، فالإسلام جاء والناس أصناف شتَّى: كفرة لا يؤمنون بإله، ومشركون يؤمنون بإله معه غيره، وأتباع ديانات كان لها كتب ورسل سابقون كاليهود والنصارى. فهؤلاء الذين عاصروا الإسلام إنْ يستمعوا يستمعوا لقول هذا وقول ذاك، يستمعوا للكفار والملاحدة وللمشركين ولأصحاب الكتب السابقة.
      فكأن الحق سبحانه يقول: اعرضوا هذه الأقوال على عقولكم، واختاروا أحسنها ولا تتعصبوا لقول دون أنْ تبحثوه وتقارنوه بغيره، فإن فعلتم ذلك وإنْ توفرت لكم هذه الموضوعية فلن تجدوا إلا الإسلام أحسن الأقوال والأَوْلَى بالاتباع، فهو الدين الذي جمع للناس كلَّ خير، ونأى بهم عن كل شر.
      وهو الدين الذي جاء مهيمناً على جميع الأديان قبله، وكتابه المهيمن على كل الكتب قبله، وجاء الإسلام ديناً عاماً في الزمان وفي المكان؛ لذلك هو الدين الخاتم الذي لا دينَ بعده، ولا كتابَ بعد كتابه، ولا رسول بعد رسوله.
      ودينٌ هذه صفاته لا بدَّ أن يكون قد استوفى كلّ شروط الكمال، كما قال سبحانه: { { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً .. } [المائدة: 3] فالإسلام إذن أحسن الأديان، وأحسن الأقوال، وأحسن ما نتبعه.
        ثم تستمر الآيات في وَصْف المؤمنين الذين اجتنبوا الطاغوت أنْ يعبدوها، والذين أنابوا إلى الله والذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [الزمر: 18] هداهم يعني دلَّهم وأرشدهم، فلما اتبعوا دلالته وإرشاده ولم يكُنْ في نفوسهم عناد لهذه الدلالة أعطاهم هدايةَ التوفيق والإيمان فآمنوا.
      وقلنا: إن الهداية نوعان: هداية الدلالة، وهداية المعونة. وبيَّنا ذلك كما سبق برجل المرور الذي تجده على مفترق الطرق يدلّ الناس ويُرشدهم، فإن دلَّك على الطريق فأطعْتَه وشكرته على معروفه زادك، وسار معك حتى لا تؤذيك عقبَات الطريق؛ لأنه وجدك أهلاً لأنْ تُعان فأعانك.
      كذلك الحق سبحانه يعطي عبده هداية الدلالة والإرشاد، وهذه للمؤمن وللكافر، فمَنْ أطاع في الأولى أخذ الثانية، وهي هداية المعونة، وهذه للمؤمن دون الكافر، فكأن الله تعالى يقول لعبده المؤمن: أنت آمنت بي، وسمعتَ كلامي، وأطعتَ فسوف أعينك على الطاعة، وأخفف أمرها عليك، وأُعسِّر عليك أمر المعصية.
      وهذه من أعظم نِعَم الله على العبد أنْ يُيسِّر له أمر الطاعة، ويُعينه على مشقاتها، وفي المقابل يقفل دونه أبواب المعصية ودواعيها. وهذا معنى قوله تعالى: { { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [محمد: 17].
      فمعنى (زادهم هدى) يعني: أعطاهم هداية المعونة على الإيمان.
      وقوله: { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [الزمر: 18] أي: أصحاب العقول المفكرة المعتبرة، لأنهم نشروا أمامهم كل الأقوال، وبحثوها وقارنوا بينها، وأخذوا أحسنها الذي يحقق لهم السعادة والمصلحة والانسجام في حركة الحياة بلا تعاند، بل حركة مستقيمة متساندة تنفي من القلوب: الحقد والغل والحسد، وتمنع الانحراف من: سرقة وغش ورشوة واغتصاب .. إلخ.
        فمَنْ يصادم مثل هذا المنهج؟ ومَنْ يرفضه؟ إنه منهج مستقيم لا يملك العقل السليم إلا الإذعان له والسير على هَدْيه، لذلك سمى الله هؤلاء الذين اختاروا هذا المنهج سماهم { أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [الزمر: 18] أي أصحاب العقول، والعقل مهمته أن يعقل الفكر فلا يشطح، بل يعرض المسائل ويختار من البدائل ما يصلحه، لكن آفة الرأي الهوى، فالهوى هو الذي يصرفك عن مقول العقل إلى مقول الهوى.
        قول آخر يقول: المراد بقوله تعالى { ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [الزمر: 18] أنه خاصٌّ بمَنْ يستمعون أقوال الإسلام، فيتبعون أحسن هذه الأقوال؛ لذلك جاء بصيغة التفضيل (أحسن) فكأن في الإسلام (قول حسن) و (أحسن)، فهذا الرأي لا يأخذ المسألة على العموم، إنما يجعلها خاصة بأقوال الإسلام، وهي كلها مُتصفة بالحُسْن، لكن منها حسن وأحسن، وأصحاب العقول المتأملة يختارون منها الأحسن.
        ومثال ذلك: شرع الإسلامُ مثلاً القصاصَ من القاتل وشرع الدية عليه، وشرع أيضاً العفو، فقال سبحانه: { { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ .. } [البقرة: 178] فمن أخذ بالقصاص أو الدية أخذ بالحسن، ومَنْ تسامى إلى العفو أخذ بالأحسن.
      كذلك في قوله تعالى: { { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ .. } [البقرة: 271] فإنْ أبديتَ الصدقة فأنت غير آثم، بل هو أمر حسن، لكن الأحسن منه أنْ تخفيها.
      ومثله قوله سبحانه: { { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } [الشورى: 40].
        وفي كل هذه المواضع، نجد الحق سبحانه يُرغّب عباده في التسامح، لكن التسامح يكون في الأمر الذي تتحمل أنت ثمنه، ويعود عليك ضرره إنْ كان هناك ضرر، أما إنْ عاد الضرر على المجتمع عامة فلا تسامح.
      والنبي صلى الله عليه وسلم علَّمنا هذا الدرس، فكان صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه قط. إنما كان يغضب إذا انتهِكَ أمر الله، إذن: تسامح في الأمر الذي يتعلق بك، أما إنْ تعلق الأمر بعامة المسلمين فليس لأحد الحق أن يتسامح فيه.
        والحق سبحانه يلفت أنظارنا إلى اختيار الأحسن هو أحسن لنا نحن وأفضل، ففي قصة الإفك، قال تعالى: { { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ .. } [النور: 22] يعني: لا تغضب لأنك غفرتَ لمن أساء إليك، لأن الله تعالى سيعاملك بالمثل فيغفر لك إنْ أسأتَ، ومَنْ لا يحب أنْ يغفر الله له؟ فما دُمْتَ تحب أنْ يُغفر لك فاغفر لصاحبك، لكن شريطةَ ألاّ تهيج المجتمع ولا تضره.   التفاسير العظيمه
    • تفسير الشيخ الشعراوي   (قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )١٠-الزمر التقوى أنْ تحترز من المعاصي، وأنْ تجعل بينك وبين صفات الجلال من الله وقاية، فالله جبار قهار ذو انتقام، فاجعل بينك وبين هذه الصفات وقاية تحميك.
      وقوله { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [الزمر: 10] للعقائد { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } [الزمر: 10] أي: في التكاليف { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ } [الزمر: 10] أي: حسنة في الآخرة، فلم يقل: للذين أحسنوا حسنةً في هذه الدنيا؛ لأن الكفار يتمتعون في الدنيا بحسنات كثيرة من المال والجاه والعلم .. الخ.
        فإنْ فسَّرنا الحسنة على أنها النعيم، فالنعيم الذي يكون سبباً في صَرْف الإنسان عن ربه لا يُعَدُّ حسنة إنما سيئة، إذن: فالحسنة المرادة هنا في الآخرة { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } [الزمر: 10] لكن ما علاقة { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ .. } [الزمر: 10] بقوله { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } [الزمر: 10].
      قالوا: يعني: إنْ صادفتَ متاعبَ في أرضك التي تعيش فيها، فإنَّ أرضَ الله واسعةٌ، فالتمس حمايةَ نفسك ودينك في أرض أخرى، كما قال سبحانه: { { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً } [النساء: 100].
      وقال في نفس المعنى: { { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا .. } [النساء: 97].
        إذن: حين تضيق بك أرضك، وحين يضيق عليك الخناق بها، فالتمس أرضاً أخرى تأمن فيها على نفسك وعلى دينك، وعلى تطبيق منهج الله دون معاند، ودون معارض.
        ولو تنبهنا إلى آية في سورة الرحمن لوجدنا فيها حلاً لكل مشاكل الدنيا المعاصرة، هي قوله تعالى: { { وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } [الرحمن: 10].
      يعني: جعل الأرض كل الأرض دون تحديد تحت تصرف كل الأنام دون تحديد أيضاً، فكلُّ إنسان له في أرض الله نصيب، فإذا ضاق به مكان فله حَقٌّ في مكان آخر. لكن قوانين البشر ومصالحهم غَيَّرَتْ هذه الصورة، ووضعت العقبات والعراقيل والإجراءات المعقدة في طريق هذه الحرية التي كفلها الخالق سبحانه للحركة على أرضه.
        لذلك وجدنا أن مشكلة العالم الاقتصادية تكمن في وجود أرض بلا رجال، أو رجال بلا أرض، ولو تركنا الأرض لله كما خلقها الله لعباده، لو جعلنا الأرض كل الأرض للأنام كل الأنام لقضَيْنا على كل مشاكل الدنيا.
      وانظر مثلاً إلى السودان جارتنا من الجنوب، بها ملايين الأفدنة لا يُستفاد منها، وعندنا في مصر ملايين من الأيدي العاملة العاطلة، ولولا الحدود التي قيدنا أنفسنا بها لَحلَّتْ السودانُ مشكلة الغذاء في العالم العربي كله. بل والأدهى من ذلك والأمرّ أن نختلف على الحدود، ونتزاحم على شبر واحد، وتنشب الحروب والأزمات بين الدول بسبب هذه المسألة، إنها النتيجة الطبيعية لمخالفة أمر الله وسنته في الخَلْقَ.
        ثم يقول سبحانه: { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر: 10] الحث على الصبر بعد قوله { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } [الزمر: 10] دلَّ على أنه لا بُدَّ أَنْ تُوجَد في الحياة صِعَاب ومشاكل ومتاعب تحتاج إلى صبر، والشاعر يقول: لعمْرُكَ مَا ضَاقَتْ بلادٌ بأهلها ولَكِنَّ أَخْلاقَ الرِّجَالِ تَضِيقُ فالحق سبحانه يريد منا أنْ نتحمل منهج الله، وأن نقوم به لنسعد أنفسنا، ثم نتسامى في الإيمان، ونحاول أن نسعد غيرنا ليحدث استِطراقٌ للخير في المجتمع؛ لِذلك قال صلى الله عليه وسلم: "نَضّر اللهُ امرءاً سمع مَقالتي فَوَعاهَا، ثُمَّ أدَّاها إلى مَنْ لم يَسْمَعْها، فَرُبَّ مُبلِّغْ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ" .
      إذن: فنقْلُ الخير إلى الغير فيه خير لك أنت، وسوف يعود عليك نفعه، لأنه حين تحجب عِلْم الخير عن الغير سيكون هذا الغير في شَرٍّ، وسوف يتعبك هذا الشر وينالك شيء منه، فمن مصلحتك أنت أنْ يعمَّ الخيرُ الآخرين، ومن مصلحتك أنْ يكون غيرك خَيِّراً، لا يسرق ولا يَسُبّ ولا يخون، ولا يتعدى على الآخرين، فنقْل علم الخير إلى الغير مُفيد لناقله، ليكفّ شرَّ ذي الشر عنه على الأقل.
        والصابر هو الذي يصبر على الشدائد والمحن التي تُخرِجه عن: سلامة الجوارح، وسلامة المال، وسلامة الأهل، والصابر واثق بأن إيلاَمه وإيذاءه يعطيه خيراً من النعيم الذي فقده قبل الإيلام والإيذاء، لأن الله قال: { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر: 10].
      وإذا كانت التكاليفُ لها حساب عند الله، فالصلاة لها حساب، والزكاة لها حساب .. إلخ أما الصبر فإن أجره بغير حساب يعني: غير معلوم، حتى قالوا أنه في الجنة حين يرون منازل لم يكُنْ أهلها معروفين بالعمل الصالح، ومع ذلك منازلهم في الجنة عالية، فلما سألوا عن ذلك قالوا: إنهم كانوا من أهل الصبر على البلاء وعلى الشدائد والمحن، فنالوا هذه المنزلة بصبرهم.
        والصبر عدم تشكيك في رحمة الله، وعدم اعتراض على حكمه وقضائه، فمثلاً نرى بعض أهل البلاء يعرضون آفاتهم وبلواهم على المجتمع في موسم الحج، فبعض هؤلاء يذهب للحج وهناك يكشف بلواه أمام الناس، ويظهر عاهته في رِجْله أو في يده يستجدي بها الخلق، وكأنه يشكو الخالق لخَلْقه، ولو أنه ستر بلاءه ورضي به لطرق الرزقُ بابه، ولَساقَه الله إليه دون جهد.
       
      وفي سير الصحابة وسلف الأمة رأينا امرأة لا تقبل من زوجها أن يشكو الفقر لرسول الله، وكانا لا يملكان إلا ثوباً واحدا يلبسه الرجل، ويذهب به في أول الصلاة خلف رسول الله ثم يسرع بعد الصلاة وينصرف إلى بيته لتلبسه زوجته وتصلي هي أيضاً فيه.
      وقد لاحظ سيدنا رسول الله أنه يرى هذا الرجل في أول الصلاة، ولا يراه بعدها، فتحيَّن رسولُ الله الفراغَ من الصلاة، ثم التفت إليه سريعاً فوجده خارجاً من المسجد، فناداه وقال له: أراك أول الصلاة ثم لا أراك بعدها أَزُهْداً فينا؟ قال: لا يا رسول الله ولكن لي امرأة بالبيت تنتظر ردائي هذا لتصلي فيه، فدعا له بالخير.
      فلما ذهب قالت امرأته: لقد تأخرتَ قَدْر كذا تسبيحة - هكذا كان حساب الوقت عند هؤلاء - فقال لها: إن رسول الله استوقفني وسألني عن أمري، فلم أجد بُدّاً أن أقول له: إن لي امرأة بالبيت تنتظر ردائي هذا للصلاة، فقالت له: يا هذا أتشكو ربك لمحمد؟ هكذا كان صبر الصحابة، صبر لا يعرف الجزع ولا الشكوى ولا الاعتراض على قضاء الله.
      لذلك يقول بعض العارفين حين يرى حظ الصابرين في الآخرة: لو علم الناسُ جزاءَ الصابرين لَتمنَّوْا أنْ يعودوا إلى الدنيا، وتُقرض أجسادهم لينالوا هذه المنزلة.   التفاسير العظيمة
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182113
    • إجمالي المشاركات
      2535365
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93176
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    chaima12
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×