المنتديات
-
"أهل القرآن"
-
ساحة القرآن الكريم العامة
مواضيع عامة تتعلق بالقرآن الكريم
- 56757
- مشاركات
-
ساحات تحفيظ القرآن الكريم
ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]- 109825
- مشاركات
-
ساحة التجويد
ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح
- 9066
- مشاركات
-
-
القسم العام
-
الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"
للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة
المشرفات:
المشرفات, مساعدات المشرفات
- 284
- مشاركات
-
- 180412
- مشاركات
-
شموخٌ رغم الجراح
من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.
المشرفات:
مُقصرة دومًا
- 56691
- مشاركات
-
- حنايا الانين
- بواسطة مناهل ام الخير
-
همزة الوصل
ترحيب.. تهاني.. تعازي.. مواساة..
- 259975
- مشاركات
-
- مشتاقة لكن .....
- بواسطة أمّ عبد الله
-
شكاوى واقتراحات
لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره
- 23497
- مشاركات
-
- مشكلة في نسخ موضوع
- بواسطة أمّ عبد الله
-
-
فتياتنا الجميلات
-
أحلى صحبة
نقاشات، فوائد، قضايا تخص الفتيات
- 204487
- مشاركات
-
- 117096
- مشاركات
-
- فرقعة فُشار ..!
- بواسطة إسراء سعد أحمد
-
- 136898
- مشاركات
-
- 20373
- مشاركات
-
- مذكرة فتاة مسلمة
- بواسطة مناهل ام الخير
-
-
ميراث الأنبياء
-
قبس من نور النبوة
ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها
المشرفات:
سدرة المُنتهى 87
- 8172
- مشاركات
-
مجلس طالبات العلم
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"
- 32129
- مشاركات
-
- 4159
- مشاركات
-
أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة
يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم
المشرفات:
إشراف ساحة الأحاديث الضعيفة
- 3918
- مشاركات
-
- 25483
- مشاركات
-
- 1677
- مشاركات
-
-
الملتقى الشرعي
-
- 30245
- مشاركات
-
الساحة العقدية والفقهية
لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.
المشرفات:
أرشيف الفتاوى
- 52903
- مشاركات
-
أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية
يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية
المشرفات:
أرشيف الفتاوى
- 19526
- مشاركات
-
- 6677
- مشاركات
-
-
قسم الاستشارات
-
استشارات اجتماعية وإيمانية
لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية
المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
- 40679
- مشاركات
-
- 47548
- مشاركات
-
- فوائد الثوم الذكر
- بواسطة أمّ عبد الله
-
-
داعيات إلى الهدى
-
زاد الداعية
لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.
المشرفات:
جمانة راجح
- 21004
- مشاركات
-
- أهم صفات الداعية
- بواسطة أمّ عبد الله
-
إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية
إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.
- 776
- مشاركات
-
-
البيت السعيد
-
بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]
المشرفات:
جمانة راجح
- 6306
- مشاركات
-
- 97004
- مشاركات
-
آمال المستقبل
"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء
المشرفات: ~ محبة صحبة الأخيار~
- 36831
- مشاركات
-
-
سير وقصص ومواعظ
-
- 31791
- مشاركات
-
القصص القرآني
"لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"
المشرفات:
** الفقيرة الى الله **
- 4883
- مشاركات
-
- 16436
- مشاركات
-
سيرة الصحابة والسلف الصالح
ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."
المشرفات:
سدرة المُنتهى 87
- 15474
- مشاركات
-
على طريق التوبة
يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.
المشرفات:
أمل الأمّة
- 29721
- مشاركات
-
-
العلم والإيمان
-
العبادة المنسية
"وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس
- 31145
- مشاركات
-
- 12928
- مشاركات
-
-
إن من البيان لسحرًا
-
- 50486
- مشاركات
-
- شعر شعبي عراقي قصير
- بواسطة رنيم حمدي
-
-
مملكتكِ الجميلة
-
- 41313
- مشاركات
-
منزلكِ الجميل
تصاميم.. لمسات تجميلية.. نصائح.. متعلقة بمنزلكِ
- 33878
- مشاركات
-
الطيّبات
- الأطباق الرئيسية
- قسم الحلويات
- قسم المقبلات
- قسم المعجنات والمخبوزات
- منتدى الصحة والرشاقة
- تطبيقات الطيبات
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
[البقرة : 172]- 91729
- مشاركات
-
-
كمبيوتر وتقنيات
-
- 32198
- مشاركات
-
جوالات واتصالات
قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة
- 13116
- مشاركات
-
- 34854
- مشاركات
-
- تصميم مواقع
- بواسطة Hannan Ali
-
- 65605
- مشاركات
-
وميضُ ضوء
صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا
- 6120
- مشاركات
-
الفلاشات
- || لَوْحَہٌ مِنْ اِبْدَاعِے ||
- || سَاحَہ الفلاَشْ اَلْتَعْلِيمِيَہْ ||
- || حَقِيَبہُ الْمُصَمِمَہْ ||
ساحة خاصة بأفلام الفلاشات
- 8966
- مشاركات
-
المصممة الداعية
يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات
- 4925
- مشاركات
-
-
ورشة عمل المحاضرات المفرغة
-
ورشة التفريغ
هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)
- 12904
- مشاركات
-
المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة
هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها
- 508
- مشاركات
-
-
le forum francais
-
- 7177
- مشاركات
-
-
IslamWay Sisters
-
English forums (35836 زيارات علي هذا الرابط)
Several English forums
-
-
المكررات
-
المواضيع المكررة
تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.
- 101646
- مشاركات
-
-
المتواجدات الآن 0 عضوات, 0 مجهول, 4 زوار (القائمه الكامله)
لاتوجد عضوات مسجلات متواجدات الآن
-
العضوات المتواجدات اليوم
4 عضوات تواجدن خلال ال 24 ساعة الماضية
أكثر عدد لتواجد العضوات كان 14، وتحقق
إعلانات
- تنبيه بخصوص الصور الرسومية + وضع عناوين البريد
- يُمنع وضع الأناشيد المصورة "الفيديو كليب"
- فتح باب التسجيل في مشروع "أنوار الإيمان"
- القصص المكررة
- إيقاف الرسائل الخاصة نهائيًا [مع إتاحة مراسلة المشرفات]
- تنبيه بخصوص المواضيع المثيرة بالساحة
- الأمانة في النقل، هل تراعينها؟
- ضوابط و قوانين المشاركة في المنتدى
- تنبيه بخصوص الأسئلة والاستشارات
- قرار بخصوص مواضيع الدردشة
- يُمنع نشر روابط اليوتيوب
-
أحدث المشاركات
-
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
أحمد اللهَ بمحامده التي هو لها أهل، والصلاة والسلام على خاتم رسلِه وأنبيائه محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وبعد: فقد سبق معنا السلسلة الأولى، والثانية، والثالثة، من رباعيَّات العلاَّمة ابن القيِّم (رحمه الله)، وسنذكر في هذا المقال السلسلة الرابعة، ومنها: أقسام الصبر باعتبار محله[1]: قال رحمه الله: "البابُ الخامس في انقسامه - يعني: الصبر - باعتبار محلِّه: الصبر ضربان: ضرب بدني. وضرب نفساني. وكل منهما نوعان: اختياري. واضطراري. فهذه أربعة أقسام: الأول: البدني الاختياري؛ كتعاطي الأعمال الشاقَّة على البدن اختيارًا وإرادة. الثاني: البدني الاضطراري؛ كالصبر على ألم الضربِ والمرض والجراحاتِ والبرد والحَرِّ وغير ذلك. الثالث: النفساني الاختياري؛ كصبر النَّفس عن فعل ما لا يحسن فعله شرعًا ولا عقلاً. الرابع: النفساني الاضطراري؛ كصبر النفس عن محبوبها قهرًا إذا حِيل بينها وبينه. فإذا عرفتَ هذه الأقسام، فهي مختصَّة بنوع الإنسان دون البهائم، ومشاركة للبهائم في نوعين منها: وهما صبر البدن والنَّفس الاضطراريَّين، وقد يكون بعضها أقوى صبرًا من الإنسان، وإنَّما يتميَّز الإنسانُ عنها بالنوعين الاختياريين، وكثير من النَّاس تكون قوَّة صبرِه في النوع الذي يشارِك فيه البهائم لا في النوع الذي يخصُّ الإنسان، فيعدُّ صابرًا وليس من الصابرين"[2]. أهل الصبر والمرحمة: قال رحمه الله: "الحادي والعشرون: أنَّه سبحانه خصَّ أهل الميمنة بأنهم: [الأول]: أهل الصبر والمرحمة الذين قامَت بهم هاتان الخصلتان ووصوا بهما غيرَهم، فقال تعالى: ﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ﴾ [البلد: 17، 18]، وهذا حصرٌ لأصحاب المَيمنة فيمن قام به هذان الوصفان، والنَّاس بالنسبة إليهما أربعةُ أقسام، هؤلاء خيرُ الأقسام. [الثاني]: وشرُّهم من لا صبر له ولا رحمة فيه، ويليه: [الثالث]: من له صبرٌ ولا رحمة عنده، ويليه: القسم الرابع: وهو من له رحمة ورِقَّة ولكن لا صبر له"[3]. أقسام الناس في الإخلاص للمعبود، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: وقال رحمه الله: "لا يكون العبد متحققا ب﴿ ـإِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة: 5]، إلاَّ بأصلين عظيمين: أحدهما: متابعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. والثاني: الإخلاص للمعبود؛ فهذا تحقيق﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾. والناس منقسمون بحسب هذين الأصلين - أيضًا - إلى أربعة أقسام: أحدها: أهل الإخلاص للمعبود والمتابعة، وهم أهل: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ حقيقة؛ فأعمالهم كلُّها لله، وأقوالُهم لله، وعطاؤهم لله، ومَنْعهم لله، وحبُّهم لله، وبُغضهم لله، فمعاملتهم ظاهرًا وباطنًا لوجه الله وحده، لا يريدون بذلك من الناس جزاءً ولا شكورًا، ولا ابتغاء الجاه عندهم، ولا طلبَ المحمدةِ والمنزلة في قلوبهم، ولا هربًا من ذمِّهم...، وكذلك أعمالهم كلُّها وعبادتهم موافِقة لأمر الله، ولما يحبُّه ويرضاه، وهذا هو العمل الذي لا يقبل الله من عامل سواه... الضرب الثاني: مَن لا إخلاص له ولا متابعة؛ فليس عمله موافقًا لشرع، وليس هو خالصًا للمعبود؛ كأعمال المتزيِّنين للناس، المرائين لهم بما لم يشرعه اللهُ ورسوله، وهؤلاء شِرار الخلق وأَمْقتهم إلى الله عزَّ وجل... الضرب الثالث: من هو مخلِص في أعماله لكنَّها على غير متابعة الأمر؛ كجهَّال العبَّاد، والمنتسبين إلى طريق الزُّهد والفقر، وكل من عبَدَ اللهَ بغير أمره واعتقد عبادته هذه قُربة إلى الله... الضرب الرابع: مَن أعمالُه على متابعة الأمر لكنَّها لغير الله؛ كطاعة المرائين، وكالرَّجل يقاتل رياءً وحميَّة وشجاعة، ويحجُّ ليقال، ويقرأ القرآن ليقال، فهؤلاء أَعمالهم ظاهرها أعمال صالحة مأمور بها؛ لكنَّها غير صالحة فلا تُقبل..."[4]. أقسام الصوفية: وقال رحمه الله: "الصوفية أربعة أقسام: [الأول]: أصحاب السوابق. [الثاني]: وأصحاب العواقب. [الثالث]: وأصحاب الوقت. [الرابع]: وأصحاب الحقِّ"[5]. الحقوق المالية الواجبة لله تعالى: وقال رحمه الله: "الحقوق المالية الواجبة لله تعالى أربعة قسام: أحدها: حقوق المال؛ كالزَّكاة، فهذا يثبت في الذِّمَّة بعد التمكُّن من أدائه، فلو عجز عنه بعد ذلك لم يسقط، ولا يثبت في الذِّمَّة إذا عجز عنه وقت الوجوب، وألحق بهذا زكاة الفِطر. القسم الثاني: ما يجب بسبب الكفَّارة؛ ككفارة الأَيْمان والظهار والوَطء في رمضان وكفَّارة القتل، فإذا عجز عنها وقت انعقادِ أسبابها، ففي ثبوتها في ذمَّته إلى الميسرة أو سقوطها قولان مشهوران في مذهب الشافعي وأحمد. القسم الثالث: ما فيه معنى ضمان المتلف؛ كجزاء الصَّيد، وأُلحق به فِدية الحَلق والطِّيب واللِّباس في الإحرام، فإذا عجز عنه وقت وجوبِه ثبت في ذمَّته؛ تغليبًا لمعنى الغرامة وجزاء المتلَف، وهذا في الصيد ظاهر، وأمَّا في الطِّيب وبابِه، فليس كذلك؛ لأنَّه ترفُّه لا إتلاف؛ إذ الشَّعر والظُّفر ليسا بمتلفين، ولم تجب الفِدية في إزالتها في مقابلة الإتلاف؛ لأنَّها لو وجبَت لكونها إتلافًا، لتقيَّدَت بالقيمة، ولا قيمة لها؛ وإنَّما هي من باب الترفُّه المحض كتغطية الرَّأس واللباس، فأي إتلاف ها هنا؟ وعلى هذا فالراجح من الأقوال أنَّ الفدية لا تجب مع النِّسيان والجهل. القسم الرابع: دم النُّسك؛ كالمتعة والقِرَان، فهذه إذا عجز عنها وجب عليه بدلُها من الصِّيام، فإن عجز عنها ترتَّب في ذِمَّته أحدهما، فمتى قدر عليه لَزِمه، وهل الاعتبار بحال الوجوب أو بأغلظ الأحوال؟ فيه خلاف"[6]. الإيمان والقرآن: وقال رحمه الله: "فجعل النَّاس أربعة أقسام: [الأول]: أهل الإيمان والقرآن، وهم خِيار الناس. الثاني: أهل الإيمان الذين لا يقرؤون القرآن، وهم دونهم؛ فهؤلاء هم السُّعداء. والأشقياء قسمان: أحدهما: من أُوتي قرآنًا بلا إيمانٍ؛ فهو منافق. والثاني: من لا أوتي قرآنًا ولا إيمانًا"[7]. فوائد عيادة المرضى: وقال رحمه الله: "فيها أربعة أنواع من الفوائد: [الأول:] نوع يرجع إلى المريض. [الثاني:] ونوع يعود على العائد. [الثالث:] ونوع يعود على أهل المرِيض. [الرابع:] ونوع يعود على العامَّة"[8]. أنواع المُفتين: وقال رحمه الله: "المفتون الذين نصبوا أنفسَهم للفتوى أربعة أقسام: النوع الأول: العالِم بكتاب الله وسُنَّة رسوله وأقوالِ الصحابة، فهو المجتهد في أحكام النوازِل، يقصد فيها موافقةَ الأدلَّة الشرعية حيث كانت، ولا ينافي اجتهاده تقليده لغيره أحيانًا... النوع الثاني: مجتهد مقيَّد في مذهب من ائتمَّ به، فهو مجتهدٌ في معرفة فتاويه وأقواله ومأخذِه وأصولِه، عارف بها، متمكِّن من التخريج عليها، وقياسِ ما لم ينص من ائتمَّ به عليه على منصوصه من غير أن يكون مقلِّدًا لإمامه لا في الحكم ولا في الدَّليل، لكن سلَك طريقَه في الاجتهاد والفتيا، ودعا إلى مذهبه ورتَّبه وقرَّره، فهو موافِق له في مقصده وطريقه معًا... النوع الثالث: من هو مجتهدٌ في مذهبِ من انتسب إليه، مقرِّر له بالدليل، متقِن لفتاويه عالم بها، لا يتعدَّى أقوالَه وفتاويه ولا يخالفها، وإذا وجد نصَّ إمامه لم يعدِل عنه إلى غيره ألبتة... النوع الرابع: طائفة تفقَّهَت في مذاهب من انتسبَت إليه، وحفظَت فتاويه وفروعه، وأقرَّت على أنفسها بالتقليد المحض من جميع الوجوه، فإن ذكروا الكتابَ والسنَّة يومًا في مسألة، فعلى وجه التبرُّك والفضِيلة، لا على وجه الاحتجاجِ والعمل، وإذا رأوا حديثًا صحيحًا مخالفًا لقول مَن انتسبوا إليه أَخَذوا بقوله وتركوا الحديثَ... ففتاوى القسم الأول: من جنس توقيعات الملوكِ وعلمائهم. وفتاوى النوع الثاني: من جنس توقيعات نوَّابهم وخلفائهم. وفتاوى النَّوع الثالث والرابع: من جنس توقيعات خلفاء نوَّابهم. ومَن عداهم فمتشبِّع بما لم يُعط، متشبِّه بالعلماء، محاكٍ للفضلاء، وفي كل طائفة من الطوائف متحقق فقيه، ومحاكٍ له، متشبِّه به، والله المستعان"[9]. أقسام الذنوب: وقال رحمه الله: "الذُّنوب تنقسم إلى أربعة أقسام: [الأول]: ملَكيَّة. [الثاني]: وشيطانيَّة. [الثالث]: وسبعيَّة. [الرابع]: وبهيميَّة..."[10]. [1] وتقدم معنا في "رباعيات العلامة ابن القيم (رحمه الله) 3" مراتب الصبر. [2] عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص:13). [3] عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص:60). [4] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 83). [5] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (3/ 130). [6] بدائع الفوائد (4/ 836). [7] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 55). [8] زاد المعاد (4/ 106). [9] إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 232). [10] الجواب الكافي (86). بكر البعداني شبكة الالوكة -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
أحمد الله بمحامده التي هو لها أهل، والصلاة والسلام على خاتم رسله وأنبيائه، محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد: فقد سبق معنا في مقالتين: السلسلة الأولى والثانية، ذكر جملة من رباعيات العلامة ابن القيم (رحمه الله)، وسنذكر في هذا المقال السلسلة الثالثة، ومنها: المخالطة: قال - رحمه الله -: "الناس فيها أربعة أقسام، متى خلط أحد الأقسام بالآخر ولم يميز بينهما، دخل عليه الشر: أحدها: مَن مخالطته كالغذاء، لا يستغنى عنه في اليوم والليلة؛ فإذا أخذ حاجته منه ترك الخلطة، ثم إذا احتاج إليه خالطه، هكذا على الدوام، وهذا الضرب أعز من الكبريت الأحمر، وهم العلماء بالله -تعالى- وأمره، ومكايد عدوه، وأمراض القلوب وأدويتها، الناصحون لله -تعالى- ولكتابه ولرسوله، ولخلقه، فهذا الضرب في مخالطتهم الربح كله. القسم الثاني: من مخالطته كالدواء، يحتاج إليه عند المرض، فما دمت صحيحًا فلا حاجة لك في خلطته، وهم من لا يستغنى عن مخالطتهم في مصلحة المعاش، وقيام ما أنت محتاج إليه من أنواع المعاملات والمشاركات، والاستشارة والعلاج للأدواء ونحوها، فإذا قضيت حاجتك من مخالطة هذا الضرب بقيت مخالطتهم من: القسم الثالث: وهم من مخالطته كالداء، على اختلاف مراتبه وأنواعه، وقوته وضعفه. فمنهم: من مخالطته كالداء العضال والمرض المزمن، وهو من لا تربح عليه في دين ولا دنيا، ومع ذلك فلا بد من أن تخسر عليه الدين والدنيا، أو أحدهما، فهذا إذا تمكنت مخالطته واتصلت فهي مرض الموت المخوف. ومنهم: من مخالطته كوجع الضرس، يشتد ضربًا عليك، فإذا فارقك سكن الألم. ومنهم: من مخالطته حمى الروح، وهو الثقيل البغيض العَثِل، الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك، ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك، ولا يعرف نفسه فيضعها في منزلتها، بل إن تكلم فكلامه كالعصي تنزل على قلوب السامعين مع إعجابه بكلامه وفرحه به، فهو يحدث من فيه كلما تحدث، ويظن أنه مسك يطيب به المجلس، وإن سكت فأثقل من نصف الرحا العظيمة، التي لا يطاق حملها ولا جرها على الأرض، ويذكر عن الشافعي - رحمه الله - أنه قال: "ما جلس إلى جانبي ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه أنزل من الجانب الآخر!"[1]. ورأيت يومًا عند شيخنا - قدس الله روحه - رجلًا من هذا الضرب، والشيخ يحمله، وقد ضعفت القوى عن حمله، فالتفت إلي وقال: مجالسة الثقيل حمى الربع، ثم قال: لكن قد أدمنت أرواحنا على الحمى، فصارت لها عادة، أو كما قال. وبالجملة: فمخالطة كل مخالف حمى للروح فعرضية ولازمة. ومن نكد الدنيا على العبد: أن يبتلى بواحد من هذا الضرب، وليس له بد من معاشرته ومخالطته؛ فليعاشره بالمعروف، حتى يجعل الله له فرجًا ومخرجًا. القسم الرابع: من مخالطته الهلاك كله، ومخالطته بمنزلة أكل السم، فإن اتفق لأكله ترياق، وإلا فأحسن الله فيه العزاء، وما أكثر هذا الضرب في الناس - لا كثَّرهم الله - وهم أهل البدع والضلالة، الصادون عن سنة رسول الله، الداعون إلى خلافها، ﴿ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ [الأعراف: 45] فيجعلون البدعة سنة، والسنة بدعة، والمعروف منكرًا، والمنكر معروفًا: إن جردت التوحيد بينهم قالوا: تنقصت جناب الأولياء والصالحين. وإن جردت المتابعة لرسول الله قالوا: أهدرت الأئمة المتبوعين. وإن وصفت الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير غلو ولا تقصير، قالوا: أنت من المشبهين. وإن أمرت بما أمر الله به ورسوله، من المعروف، ونهيت عما نهى الله عنه ورسوله من المنكر، قالوا: أنت من المفتنين. وإن اتبعت السنة، وتركت ما خالفها، قالوا: أنت من أهل البدع المضلين. وإن انقطعت إلى الله تعالى، وخليت بينهم وبين جيفة الدنيا، قالوا: أنت من الملبِّسين. وإن تركت ما أنت عليه واتبعت أهواءهم، فأنت عند الله تعالى من الخاسرين، وعندهم من المنافقين. فالحزمُ كل الحزم التماس مرضاة الله تعالى ورسوله بإغضابهم، وألا تشتغل بإعتابهم، ولا باستعتابهم، ولا تبالي بذمهم ولا بغضبهم؛ فإنه عينُ كمالِك، كما قال: وإذا أَتَتْك مَذَمَّتي مِن ناقصٍ فهي الشَّهادةُ لي بأنِّيَ كاملُ وقال آخر: وقد زادني حبًّا لنفسيَ أنَّني بغيضٌ إلى كل امرئ غير طائل[2] الروابط بين جملتين: وقال - رحمه الله -: "الروابط بين جملتين هي الأدوات التي تجعل بينهما تلازمًا لم يفهم قبل دخولها، وهي أربعة أقسام: أحدها: ما يوجب تلازمًا مطلقًا بين الجملتين، إما بين ثبوت وثبوت، أو بين نفي ونفي، أو بين نفي وثبوت، وعكسه في المستقبل خاصة، وهو حرف الشرط البسيط كـ: (إن)؛ فإنها تلازم بين هذه الصور كلها، تقول: إن اتقيت الله أفلحت، وإن لم تتق الله لم تفلح، وإن أطعت الله لم تخب، وإن لم تطع الله خسرت؛ ولهذا كانت أم الباب وأعم أدواته تصرفًا. القسم الثاني: أداة تلازم بين هذه الأقسام الأربعة تكون في الماضي خاصة، وهي: (لما)، تقول: لما قام أكرمته، وكثير من النحاة يجعلها ظرف زمان، وتقول: إذا دخلت على الفعل الماضي فهي اسم، وإن دخلت على المستقبل فهي حرف، ونص سيبويه على خلاف ذلك، وجعلها من أقسام الحروف التي تربط بين الجملتين، ومثال الأقسام الأربعة: لما قام أكرمته، ولما لم يقم لم أكرمه، ولما لم يقم أكرمته، ولما قام لم أكرمه. القسم الثالث: أداة تلازم بين امتناع الشيء، لامتناع غيره، وهي: (لو)، نحو: لو أسلم الكافر نجا من عذاب الله. القسم الرابع: أداة تلازم بين امتناع الشيء ووجود غيره، وهي: (لولا)، نحو: لولا أن هدانا الله لضللنا"[3]. مراتب الصبر: وقال - رحمه الله -: "المراتب أربعة: إحداها: مرتبة الكمال، وهي مرتبة أولي العزائم، وهي: الصبر لله وبالله، فيكون في صبره مبتغيًا وجه الله، صابرًا به، متبرئًا من حوله وقوته، فهذا أقوى المراتب وأرفعها وأفضلها. الثانية: ألا يكون فيه لا هذا ولا هذا؛ فهو أخس المراتب، وأردأ الخلق، وهو جدير بكل خذلان، وبكل حرمان. الثالثة: مرتبة من فيه صبر بالله، وهو مستعين متوكل على حوله وقوته، متبرئ من حوله هو وقوته، ولكن صبره ليس لله؛ إذ ليس صبره فيما هو مراد الله الديني منه، فهذا ينال مطلوبه، ويظفر به، ولكن لا عاقبة له، وربما كانت عاقبته شر العواقب، وفي هذا المقام خفراء الكفار، وأرباب الأحوال الشيطانية؛ فإن صبرهم بالله، لا لله، ولا في الله، ولهم من الكشف والتأثير بحسب قوة أحوالهم، وهم من جنس الملوك الظلمة؛ فإن الحال كالمُلك يعطاه البر والفاجر، والمؤمن والكافر. الرابع: من فيه صبر لله، لكنه ضعيف النصيب من الصبر به، والتوكل عليه، والثقة به، والاعتماد عليه، فهذا له عاقبة حميدة، ولكنه ضعيف عاجز مخذول في كثير من مطالبه؛ لضعف نصيبه من: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، فنصيبه من الله: أقوى من نصيبه بالله، فهذا حال المؤمن الضعيف، وصابر بالله لا لله: حال الفاجر القوي، وصابر لله وبالله: حال المؤمن القوي، ((والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف))[4]، فصابر لله وبالله عزيز حميد، ومن ليس لله ولا بالله مذموم مخذول، ومن هو بالله لا لله قادر مذموم، ومن هو لله لا بالله عاجز محمود، فبهذا التفصيل يزول الاشتباه في هذا الباب، ويتبين فيه الخطأ من الصواب، والله سبحانه وتعالى أعلم"[5]. الهدى والشقاوة: وقال - رحمه الله -: في قوله - عز وجل -: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123] "فنفى عن متبع هداه أمرين: الضلال والشقاء. قال عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما -: "تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه: ألا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، ثم قرأ: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123]"[6]. والآية نفت مسمى الضلال والشقاء عن متبع الهدى مطلقًا، فاقتضت الآية: أنه لا يضل في الدنيا ولا يشقى، ولا يضل في الآخرة ولا يشقى فيها، فإن المراتب أربعة: هدى وشقاوة في الدنيا، وهدى وشقاوة في الآخرة، لكن ذكر ابن عباس - رضي الله عنهما - في كل دار أظهر مرتبتيها، فذكر الضلال في الدنيا؛ إذ هو: أظهر لنا وأقرب من ذكر الضلال في الآخرة، وأيضًا: فضلال الدنيا أضل ضلال في الآخرة، وشقاء الآخرة مستلزم للضلال فيها، فنبه بكل مرتبة على الأخرى، فنبه بنفي ضلال الدنيا على نفي ضلال الآخرة؛ فإن العبد يموت على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه[7]..."[8]. تفسير: وقال - رحمه الله -: في قوله - عز وجل -: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 172]: "فالأقسام أربعة: أحدها: استواء حالتهم وقت أخذ العهد ووقت سقوطهم في العلم والمعرفة. الثاني: استواء الوقتين في عدم ذلك. الثالث: حصول المعرفة عند السقوط، وعدمها عند أخذ العهد، وهذه الأقسام الثلاثة باطلة، لا يقول بواحد منها. الرابع: معرفتهم وفهمهم وقت أخذ العهد، دون وقت السقوط، وهذا يقوله كل من يقول: إنه أخرجهم من صلب أبيهم آدم، وكلمهم وخاطبهم، وأشهد عليهم ملائكته، وأشهدهم على أنفسهم، ثم ردهم في صلبه، وهذا قول جماهير من السلف والخلف، واعتمدوا على ما ذكرنا من هذه الآثار، مرفوعها وموقوفها"[9]. الوسائل والمقاصد: وقال - رحمه الله -: "... فالأقسام أربعة لا خامس لها: أحدها: معطل الأسباب، معرض عنها. الثاني: مكب عليها، واقف مع جمعها وتحصيلها. الثالث: متوصل بها إلى ما يضره ولا ينفعه، في معاشه ومعاده، فهؤلاء الثلاثة في الخسران. الرابع: متوصل بها إلى ما ينفعه في معاشه ومعاده، وهو الرابح؛ قال -تعالى-: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15، 16]"[10]. مر السهم على اليد: وقال - رحمه الله -: "وهو على أربعة أنواع: [الأول]: منهم: من يجريه على عقدة إبهامه. [الثاني]: ومنهم: من يجريه على سبابته، ويميل إبهامه عن السهم. [الثالث]: ومنهم: من يرفع إبهامه، ويجعل سبابته تحتها، فيصير كأنه عاقد ثلاثة عشر[11]، فيجري السهم على ظفر إبهامه. [الرابع]: ومنهم: من يجريها على طرفي أصبعيه السبابة والإبهام، فيكون كأنه عاقد ثلاثين[12]. فمن أجراها على عقدة إبهامه فهو عيب عند الحذاق؛ لأنه لا يخلو أن يضربه فيه الريش، فيجرحه، وربما ضربه السهم فعقر أصبعه. وأما من يجريها على سبابته، وهو أحسن قليلًا من الأول، وكلاهما مذهب أهل الاستواء في قبضته، وليسا بجيدين. وأما من يجريها على أصل ظفري أصبعيه الإبهام والسبابة، كعاقد ثلاثين، فهو مذهب التوسط، وهو أحمد المذاهب. وأما من وقف إبهامه، فيجريها على طرف ظفره، كعاقد ثلاث عشرة فهو مذهب أهل التحريف، وهو رديء جدًّا؛ لأن صاحبه يحرف قبضته تحريفًا شديدًا، ويوقف إبهامه، فإن هو أمال قوسه قليلًا سقط السهم من على ظفره، وهو رديء في الحرب، لا يكاد يستقيم له رمي؛ لسرعة سقوط سهمه"[13]. الذرائع: وقال - رحمه الله -: "القسم من الذرائع نوعان: أحدهما: أن تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته. والثاني: أن تكون مفسدته راجحة على مصلحته، فها هنا أربعة أقسام: الأول: وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المفسدة. الثاني: وسيلة موضوعة للمباح؛ قصد بها التوسل إلى المفسدة. الثالث: وسيلة موضوعة للمباح، لم يقصد بها التوسل إلى المفسدة، لكنها مفضية إليها غالبًا، ومفسدتها أرجح من مصلحتها. الرابع: وسيلة موضوعة للمباح، وقد تفضي إلى المفسدة، ومصلحتها أرجح من مفسدتها. فمثال القسم الأول والثاني: قد تقدم. ومثال الثالث: الصلاة في أوقات النهي، ومسبة آلهة المشركين بين ظهرانَيْهم، وتزين المتوفى عنها في زمن عدتها، وأمثال ذلك. ومثال الرابع: النظر إلى المخطوبة، والمستامة، والمشهود عليها، ومن يطؤها، ويعاملها، وفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، وكلمة الحق عند ذي سلطان جائر، ونحو ذلك"[14]. إدراك الحق وتنفيذه: وقال - رحمه الله -: "في قوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ﴾ [ص: 45]، فالأيدي: القوة في تنفيذ الحق، والأبصار: البصائر في الدين، فوصفهم بكمال إدراك الحق، وكمال تنفيذه، وانقسم الناس في هذا المقام أربعة أقسام: [الأول]: فهؤلاء أشرف الأقسام من الخلق، وأكرمهم على الله تعالى. القسم الثاني: عكس هؤلاء، من لا بصيرة له في الدين، ولا قوة على تنفيذ الحق، وهم أكثر هذا الخلق، الذين رؤيتهم قذى للعيون، وحمى الأرواح، وسقم القلوب، يضيقون الديار، ويغلون الأسعار، ولا يستفاد من صحبتهم إلا العار والشنار. القسم الثالث: من له بصيرة في الهدى، ومعرفة به، لكنه ضعيف لا قوة له على تنفيذه، ولا الدعوة إليه، وهذا حال المؤمن الضعيف، ((والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله منه))[15]. القسم الرابع: من له قوة وهمة وعزيمة، لكنه ضعيف البصيرة في الدين، لا يكاد يميز بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، بل يحسب كل سوداء تمرة، وكل بيضاء شحمة، يحسب الورم شحمًا، والدواء النافع سمًّا، وليس في هؤلاء من يصلح للإمامة في الدين، ولا هو موضعًا لها سوى القسم الأول. قال الله -تعالى-: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24]، فأخبر سبحانه أن بالصبر واليقين نالوا الإمامة في الدين، وهؤلاء هم الذين استثناهم الله - سبحانه - من جملة الخاسرين، وأقسم بالعصر - الذي هو زمن سعي الخاسرين والرابحين - على أن من عداهم فهو من الخاسرين، فقال -تعالى-: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3]، فلم يكتفِ منهم بمعرفة الحق والصبر عليه، حتى يوصي بعضهم بعضًا، ويرشده إليه، ويحثه عليه؛ وإذا كان مَن عدا هؤلاء خاسرًا، فمعلوم أن المعاصي والذنوب تعمي بصيرة القلب، فلا يدرك الحق كما ينبغي، وتضعف قوته وعزيمته، فلا يصبر عليه، بل قد تتوارد على القلب حتى ينعكس إدراكه كما ينعكس سيره، فيدرك الباطل حقًّا، والحق باطلًا، والمعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، فينتكس في سيره، ويرجع عن سفره، إلى مستقر النفوس المبطلة التي رضيت بالحياة الدنيا، واطمأنت بها، وغفلت عن الله وآياته، وتركت الاستعداد للقائه. ولو لم يكن في عقوبة الذنوب إلا هذه وحدها، لكانت كافية داعية إلى تركها، والبعد منها، والله المستعان"[16]. حال الزوجين مع الأبناء: وقال - رحمه الله - في قوله -تعالى-: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 49، 50] "فقسم سبحانه حال الزوجين إلى أربعة أقسام، اشتمل عليها الوجود..."[17]. [1] لم أجده مع كثرة ما بحثت عنه. [2] بدائع الفوائد (2/ 498). [3] بدائع الفوائد (1/ 47). [4] أخرجه مسلم رقم: (2664) عن أبي هريرة - رضي الله عنه. [5] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 169-170). [6] أخرجه الحاكم (2/ 381) بنحوه، وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 136)، ولفظه: "ضمن الله لمن اتبع القرآن: ألا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة"، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال الذهبي: "صحيح"، والأثر له طرق عن ابن عباس - رضي الله عنهما - موقوفًا، وقد روي مرفوعًا ولا يصح؛ انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (10/ 34) رقم: (4532)، وانظر: الدر المنثور (4/ 311)، وللفائدة انظر: مجموع الفتاوى (19/ 77)، ودرء تعارض العقل والنقل (1/ 89) لابن تيمية، والصواعق المرسلة (3/ 845) لابن القيم. [7] أخرج أحمد (3/ 314)، والحاكم (4/ 348) واللفظ له، عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من مات على شيء، بعثه الله عليه))، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"، وقال الذهبي في التلخيص: "على شرط مسلم"، وقال الألباني: "وهو كما قالا"؛ السلسلة الصحيحة (1/ 510) رقم: (283)، وصححه شعيب الأرناؤوط، مع تضعيفه لإسناد أحمد؛ لأن فيه راويًا مبهمًا. [8] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 35). [9] أحكام أهل الذمة (2/ 1001). [10] عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص:135)، وانظر للفائدة: مقال رباعيات ابن القيم (رحمه الله) 3، أقسام الناس في طلب الأسباب. [11] وهذه إشارة إلى طريقة معروفة تواطأت عليها العرب في عقود الحساب، وهي أنواع من: الآحاد، والعشرات، والمئين، والألوف، وانظر للفائدة: سبل السلام شرح بلوغ المرام (1/ 189) لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني - رحمه الله. [12] وهذه إشارة إلى طريقة معروفة تواطأت عليها العرب في عقود الحساب، وهي أنواع من: الآحاد، والعشرات، والمئين، والألوف، وانظر للفائدة: سبل السلام شرح بلوغ المرام (1/ 189) لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني - رحمه الله. [13] الفروسية (ص: 486). [14] إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 165). [15] تقدم. [16] الجواب الكافي (ص: 63). [17] تحفة المودود بأحكام المولود (ص:20). بكر البعداني شبكة الالوكة -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)}
ساعة ما تسمع: {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} أي أرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً، و(أخاهم) موقعها الإِعرابي (مفعول به) ويدلنا على ذلك قوله في الآية السابقة: {أَرْسَلْنَا نُوحاً}، وكذلك أرسلنا إلى عاد أخاهم هودا. وكلمة (أخاهم) تُشْعرُ بأشياء كثيرة؛ إنه من جنسهم، ولغته لغتهم، وأنسهم به، ويعرفون كل شيء وكل تاريخ عنه، وكل ذلك إشارات تعطى الأنس بالرسول؛ فلم يأت لهم برسول أجنبي عاش بعيداً عنهم حتى لا يقولوا: لقد جاء ليصنع لنفسه سيادة علينا بل جاء لهم بواحد منهم وأرسل إليهم (أخاهم) وهذا الكلام عن (هود).
إذن كان هود من قوم عاد، ولكن هناك رأي يقول: إن هودا لم يكن من قوم عاد، ولأنَّ الأخوة نوعان: أخوَّة في الأب القريب، أو أخوّة في الأب البعيد، أي من جنسكم، من آدم؛ فهو إما أخ من الأب القريب، وإمّا أخ من الأب البعيد. وقد قلنا من قبل: إن سيدنا معاوية كان يجلس ثم دخل عليه الحاجب فقال: يا أمير المؤمنين، رجل بالباب يقول إنه أخوك، فتساءلت ملامح معاوية وتعجب وكأنه يقول لحاجبه: ألا تعرف إخوة أمير المؤمنين؟ وقال له: أدخله، فأدخله. قال معاوية للرجل: أي إخوتي أنت؟!
قال له: أخوك من آدم.
فقال معاوية: رحم مقطوعة- أي أن الناس لا تتنبه إلى هذه الأخوة- والله لأكونن أول من وصلها. {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} [الأعراف: 65].
ونلاحظ أن الحق قال على لسان سيدنا نوح لقومه: {... فَقَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 59]. وأرسل الحق هوداً إلى عاد، لكن قول هود لقوم عاد يأتي: {قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}.
وهنا (قال) فقط من غير الفاء؛ وجاء في قول نوح: (فقال). وهذه دقة في الأداء لننتبه؛ لأن الذي يتكلم إله ورب، فتأتي مرة ب (فاء) وتأتي مرة بغير (فاء) رغم أن السياق واحد، والمعنى واحد والرسول رسول، والجماعة هم قوم الرسول. ونعلم أن (الفاء) تقتضي التعقيب، وتفيد الإِلحاح عليهم، وهذا توضحه سورة نوح؛ لأن الحق يقول فيها: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعآئي إِلاَّ فِرَاراً وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جعلوا أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ واستغشوا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ واستكبروا استكبارا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً ثُمَّ إني أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} [نوح: 5-10].
إذن فالفاء مناسبة هنا، لكن في مسألة قوم هود نجد أن سيدنا هوداً قال لهم مرة أو اثنتين أو ثلاث مرات، لكن بلا استمرار وإلحاح، وهذا يوضح لنا أن إلحاح نوح على قومه يقتضي أن يأتي في سياق الحديث عنه ب: (فقال) وألا تأتي في الحديث عن دعوة سيدنا هود. وقد يتعجب الإِنسان لأن مدة هود مع عاد لا تساوي مدة نوح مع قومه، وقد جاء الإِيضاح بزمن رسالة سيدنا نوح في قوله الحق: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً...} [العنكبوت: 14].
ظل سيدنا نوح قُرابة ألف سنة يدعو قومه ليلاً ونهاراً سرًّا وعلانية، لكنهم كانوا يفرون من الإِيمان، لذلك يأتي الحق في أمر دعوة نوح بالفاء التي تدل على المتابعة. أما قوم عاد فلم يأت لهم (بالفاء). بل جاء ب (قال): {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ...} [الأعراف: 65].
وقال نوح من قبل: {... يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 59].
وفي مسألة قوم عاد قال: {يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}.
ومع أن الأسلوب واحد والمعاني واحدة، وكان ذلك يقتضي الإِنذار، لكن لم يقل الحق ذلك؛ لأن نوحاً عنده علم بالعذاب الذي سوف ينزل؛ لأنها كانت أول تجربة، لكن سيدنا هود لم يكن عنده علم بالعذاب.
العملية التي حدثت لنوح مع قومه وإهلاكهم بالغرق كانت أولية بالنسبة له؛ فالله سبق أن أعلمه بها، وحين ذهب هود إلى قوم عاد كانت هناك سابقة أمامه، وأخذ ربنا المكذبين لنوح بالعذاب، لذلك ألمح سيدنا هود فقط إلى احتمال العذاب حين قال: {أَفَلاَ تَتَّقُونَ}.
أي أن العذاب قد ينتظركم وينالكم مثل قوم نوح.
{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66)}
في هذه الآية جاء قوله: {الذين كَفَرُواْ}، وفي قصة نوح قال سبحانه: {قَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ} ولم يأت فيها بالذين كفروا لأن قوم نوح لم يكن فيهم من آمن وكتم إيمانه وأخفاه، بخلاف عاد قوم هود فإنه كان فيهم رجل اسمه مرثد بن سعد آمن وكتم وستر إيمانه، فيكون قوله تعالى في شأنهم: {الذين كَفَرُواْ} قد جاء مناسبا للمقام، لأن فيهم مؤمنا لم يقل ما قولوا من رميهم لسيدنا هود بالسفاهة حيث قالوا ما حكاه الله عنهم بقوله: {... إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين} [الأعراف: 66].
أما قوم نوح فقد قالوا: {... إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [الأعراف: 60].
فقال لهم نوح عليه السلام: {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ...} [الأعراف: 61].
ما الفرق بين الضلال والسفاهة؟
الضلال هو مجابنة حق، والسفاهة طيش وخفة وسخافة عقل، وأضافت عاد اتهاماً آخر لسيدنا هود: {وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين}.
والظن رجحان الأمر بدون يقين، فهناك راجح، ومرجوح، أو أن الظن هنا هو التيقن. على حد قوله سبحانه: {الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ...} [البقرة: 46].
أي يتيقنون، وجاء بالرد من سيدنا هود:
{قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67)}
وفي هذا القول نفي للاتهام بالسفاهة، وإبلاغ لهم بأنه مبلّغ عن الله بمنهج تؤديه الآية التالية
{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)}
وسبق أن قال سبحانه على لسان نوح: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ...} [الأعراف: 62].
فلماذا قال في قوم نوح: {أَنصَحُ لَكُمْ}، وقال هنا في عاد: {وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}؟
لقد قال الحق: {أَنصَحُ لَكُمْ} في قوم نوح لأن الفعل دائماً يدل على التجدد، بينما يدل الاسم على الثبوت. ونظراً إلى أن نوحاً عليه السلام كان يلحّ على قومه ليلاً ونهاراً، وإعلاناً وسرًّا، لذلك جاء الحق بالفعل: {أَنصَحُ لَكُمْ} ليفيد التجدد، ولكن في حالة قوم هود جاء سبحانه بما يفيد الثبوت وهو قوله: {نَاصِحٌ أَمِينٌ}؛ لأن هوداً عليه السلام لم يلح ويكرر على قومه في دعوتهم إلى الإِيمان كما كان يفعل نوح عليه السلام.
ويقول الحق على لسان سيدنا هود:
{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)}
جاء الحق هنا بالذكر للإِنذار فقال: {لِيُنذِرَكُمْ} فقط، وليس كما قال في قوم نوح: {وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لأن الإِنذار لم يأت لمجرد الإِنذار، بل لنرتدع ونتقي، لِكي نُرحم، إذن فحين يأتي بأول الحلقة وأول الخيط وهو الإِنذار فنحن نستنتج الباقي وهو التقوى لنصل إلى الرحمة: {واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ}.
وهذا كلام جديد؛ لأن قوم نوح هم أول قوم عُذّبوا حين لم يؤمنوا، وجاء سيدنا هود إلى عاد بعد ذلك، يبلّغهم وينذرهم ليأخذوا العبرة من نوح وقومه: {... واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الخلق بَصْطَةً فاذكروا آلآءَ الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف: 69].
ويذكرهم سيدنا هود أن الحق قد أعطى لهم أجساماً فارعة فيها بسطة وطول، ويقال: إن الطويل منهم كان يبلغ طوله مائة ذراع، والقصير منهم كان يبلغ طوله ستين ذراعاً، ويأمرهم سيدنا هود أن يذكروا آلاء الله، أي نعمه عليهم، وأول النعم أن أرسل إليهم رسولاً يأخذ بأيديهم إلى مناطق الخير.
فماذا كان ردهم؟
{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70)}
كان المنطق أن يعبدوا الله وحده لا أن يعبدوا الشركاء الذين لا ينفعوهم ولا يضرونهم، ولا يسمعونهم. بل إن الواحد منهم كان يرى الهواء يهب على الصنم، فيميل الصنم ويقع على الأرض وتنكسر رقبته، فيذهب إلى الحداد ليعيد تركيب رأس جديد للصنم، فكيف يعبد مثل هذا الصنم؟ لكنهم قالوا لهود: نحن نقلد آباءنا ولا يمكن أن نترك ما كان يعبد آباؤنا لأننا على آثارهم نسير. وإن كان إلهك ينذرنا بعذاب فأتنا به إن كنت من الصادقين. وهكذا وضح أنه لا أمل في اقتناعهم بالدعوة إلى الإِيمان.
فماذا يقول الحق بعد ذلك؟
يجيء القول الفصل على لسان سيدنا هود:
{قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)}
لقد كان يكلمهم ويكلمونه، قالوا له: ائتنا بالعذاب، فقال لهم: {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ}، فكيف يقول وقع؟ لقد قال ذلك لأنه يخبر عن الله. و(وقع) فعل ماض، لكنا نعلم أن كلام الله مجرد عن الزمان ماضياً كان أو حاضرا، أو مستقبلا، لقد قال سيدنا هود: (وقع) والعذاب لم يقع بعد، لكن لما كان قوله بلاغاً عن الله فإنّه يؤكد وقوع العذاب حتماً؛ لأن الذي أخبر به قادر لما كان قوله بلاغاً عن الله فإنّه يؤكد وقوع العذاب حتماً؛ لأن الذي أخبر به قادر على إنقاذه في أي وقت، ولا إله آخر ولا قوة أخرى قادرة على أن تمنع ذلك. والذي وقع عليهم هو الرجس، والرجس أي التقذير، ضد التزكية والتطهير. وغضب الله الواقع لم تحدده هذه الآية. لكن لابد أن له شكلاً سيقع به.
ويسائلهم هو ساخراً: {أتجادلونني في أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ}، وكل اسم يكون له مسمى، وهذه الأسماء أنتم أطلقتموها على هذه الآلهة، هل لها مسميات حقيقة لِتُعبد؟. لا، بل أنتم خلعتم على ما ليس بإله أنه إله، وهذه أسماء بلا مسميات، وأنتم في حقيقة الأمر مقلدون لآبائكم. وما تعبدونه أسماء بلا سلطان من الإِله الحق. {مَّا نَزَّلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ} [الأعراف: 71].
أي ليس لهذه الأسماء من حجة على ما تقولون، بدليل أنهم كانوا يسمون في الجاهلية إلهاً باسم (العزّى) وعندما يكسرونه لا يجدون عزاً ولا شيئاً؛ لأن هذا الإِله المزعوم لم يدفع عن نفسه، فكيف يكون إلهاً وقيّوما على غيره؟ وكذلك سموا (اللات) أي الله ومضاف له التاء، وعندما يكسرونه لا يجدون له قوة أو جبروتاً أو طغياناً.
ويقول هود لقومه ما يؤكد وقوع العذاب: {... فانتظروا إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين} [الأعراف: 71].
وقوله: {فانتظروا}، جعلنا نفهم قوله السابق: {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ} بأن الرجس والغضب قادمان لا محالة. صحيح أنه عبر عن ذلك بالفعل الماضي، ولكن لنقرأ قوله الحق: {أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ...} [النحل: 1].
و(أتي) فعل ماضٍ، وفي الظاهر أنه يناقض قوله: {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} لأن الاستعجال يدل على أنّ الحدث لم يأت زمنه بعد. ولكن لنا أن نعلم أن الذي أخبر هو الله، ولا توجد قوة ثانية تغير مرادات الله أن تكون أو لا تكون.
{فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)}
ونلاحظ أن الحق قد بين وسيلة نجاة سيدنا نوح: {فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ والذين مَعَهُ فِي الفلك وَأَغْرَقْنَا الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ}.
أما هنا في مسألة عاد فلم يوضح لنا وسيلة النجاة، بل قال سبحانه: {فَأَنجَيْنَاهُ والذين مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 72].
وقوله: {فَأَنجَيْنَاهُ} تدل على أن عذاباً عاماً وقع، إلا أن ربنا أوحى لسيدنا هود أن يذهب بعيداً عن المكان هو والذين معه قبل أن يقع هذا العذاب. وكان العرب قديماً إذا حزبهم أمر، أو دعتهم ضرورة إلى شيء خرج عن أسبابهم يذهبون إلى بيت الله؛ ليضرعوا إلى الله أن يخلصهم منه، حتى الكفرة منهم كانوا يفعلون ذلك. كما حدث من عاد حين أرسل الله إليهم سيدنا هودا نبيًّا فكذبوه وازدادوا عتوًّا وتجبراً فأصابهم جدب وظل ثلاث سنوات فما كان منهم ألا أن فزعوا إلى الكعبة لكي يدعوا ربهم أن يخفف عنهم العذاب، وذهب واحد منهم اسمه (قيل بن عنز)، وآخر اسمه (مرثد بن سعد) الذي كان يكتم إسلامه على رأس جماعة منهم إلى مكة، وكان لهم بها أخوال من المعاليق؛ من أولاد عمليق بن لاوث بن سام بن نوح، وكانوا هم الذين يحكمون مكة في هذا الوقت، وعلى رأسهم واحد اسمه (معاوية بن بكر)، فنزلوا عنده، وأكرم وفادتهم على طريقة العرب، واستضافهم ضيافة ملوك وأمراء، وجاء لهم بالقيان والأكل والشراب، فاستمرأوا الأمر، وظلوا شهراً، فقال معاوية بن بكر: لقد جاءوا لينقذوا قومهم من الجدب وما فكروا أن يذهبوا إلى الكعبة، ولا فكروا في أن يدعوا ربنا وأخاف أن أقول لهم ذلك فيقولوا إنه ضاق بنا. وتكون سبّة فيّ. وأخذ يفكر في الأمر. وكان عنده مغنيتان اسمهما (الجرادتان). فقالت المغنيتان: قل في ذلك شعراً، ونحن نغنيه لهم، فقال معاوية:
ألا يا قيل ويحك قم فهينم ** لعل الله يمطرنا غماماً فيسقى أرض عاد إن عادا ** قد أمسوا لا يبينون الكلاما فلما غنتا، والغناء فيه ترديد وخصوصاً إذا كان غناءً موجهاً (ألا يا قيل ويحك قم فهينم) وهينم: أي ادعوا الله، ألم تحضر من أجل الدعاء لعل الله يمطرنا الغمام على أرض عاد، وينتهي الجدب، وقد بلغ منهم الجهد أنهم لا يبينون الكلام، فتنبه القيل، وتنبه مرثد بن سعد، وكان قد نمى إلى علم (القيل) أن مرثد بن سعد مؤمن بهود عليه السلام، فرفض أن يصحبه معه، وبالفعل ذهب قيل وأخذ يدعو الله، فسمع هاتفاً يقول له: (اختر قومك) وقد رأى سحابة سوداء وسحابة حمراء وسحابة بيضاء، ونبهه الهاتف أن يختار سحابة تذهب لقومه من بين الثلاثة، فاختار السحابة السوداء، لأنها أكثر السحاب ماء، وهو على قدر اجتهاده اختار السحابة السوداء، وعادوا لبلادهم ليجدوا السحابة السوداء فقال لهم: أنا اخترت السحابة لأنها توحى بماء كثير منهمر، وقال الحق في هذا الأمر: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا...} [الأحقاف: 24].
أي أن هذه هي السحابة التي قال عليها: (قيل) سوف تعطينا المطر.
فيرد الحق عليهم ويقول لهم: {بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ...} [الأحقاف: 24-25].
إذن فقولهم السابق لسيدنا هود الذي أورده الحق هنا في سورة الأعراف: {... فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} [الأعراف: 70].
أي أن عذابهم يتأكد بالمطر والريح الذي جاء به قول سيدنا هود هنا في سورة الأعراف: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ}.
ولم يفلت من العذاب إلا من آمن مصداقاً لقوله الحق: {فَأَنجَيْنَاهُ والذين مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 72].
لقد يسّر الحق الانقاذ لسيدنا هود ومن آمن معه ليهجروا المكان لحظة ظهور السحاب، فقد سمع هود هاتفاً يؤكد له أن في هذا السحاب العذاب الشديد، فأخذ الجماعة الذين آمنوا معه وهرب إلى مكة، وتم إهلاك الذين ظلموا أنفسهم بتكذيب رسولهم ورفضهم الإِيمان بربهم.
نداء الايمان -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
حكم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين: صورة المسألة: صام رجلٌ اليوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين من شعبان. والمقصود: أنه صام قبل دخول رمضان بيوم أو يومين. أولًا: تحرير محل النزاع: أ- اتفق العلماء على أنه يجوز لمن كانت له عادة صيام أن يتقدم رمضان بصوم يومٍ أو يومين. ب- واتفقوا على أن من كان عليه صيام فرض - كقضاء، أو نذر، أو كفارة - أنه يجوز له الصيام قبل رمضان بيوم أو يومين. واختلفوا فيمن ليست له عادة: هل يجوز له الصيام قبل رمضان بيوم أو يومين؟ اختلفوا على أقوال: القول الأول: يُكرَه تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين لمن ليست له عادة. وهذا قول الجمهور[1]: به قال الحنفية[2]، وهو قول عند المالكية، قال به بعض المالكية كابن مسلمة[3]، وهو والمشهور عند الحنابلة، وعليه أكثرهم[4]. واستدلوا على ذلك بأدلة: الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صومًا، فليصمه))[5]. وجه الاستدلال: الاستثناء في قوله: ((إلا رجل...))، وهذا الاستثناء قرينة صارفة للنهي من التحريم إلى الكراهة. فإن قيل: أليس الأصل في النهي أنه يقتضي التحريم؟ فلماذا قالوا بالكراهة؟ الجواب: قالوا: لو كان هذا النهي على الأصل - على التحريم - لحرم على الجميع - على ذي العادة وعلى من لا عادة له - فلما استثنى النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك من له عادة، علمنا أنه ليس حرامًا. الدليل الثاني: عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه سأله - أو: سأل رجلًا وعمران يسمع - فقال: يا أبا فلان، أما صمْتَ سرر هذا الشهر؟ قال الرجل: لا يا رسول الله، قال: فإذا أفطرت فصُم يومين، لم يقل الصلت: أظنه يعني رمضان، قال أبو عبدالله: وقال ثابت: عن مطرف، عن عمران، عن النبي صلى الله عليه وسلم: من سرر شعبان))[6]. وفي رواية لمسلم: ((قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصمت من سرر شعبان؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت، فصم يومين))[7] [8]. سرر بفتح السين وكسرها، وتجوز بضم السين كما حكاه القاضي، والأفصح والأشهر: ما قال أهل اللغة: أنها بفتح السين[9]. معنى "سرر الشهر": وقد تنازع العلماء في المراد بـ(سرر الشهر): فمنهم من قال: يقصد أوله، ومنهم من قال: أوسطه[10]، ومنهم من قال: آخره[11]، وهو قول الجمهور، ولعل هذا أقرب: آخره. قال الإمام النووي رحمه الله: قال الأوزاعي وأبو عبيد وجمهور العلماء من أهل اللغة والحديث والغريب: المراد بالسرر آخر الشهر؛ سميت بذلك لاستسرار القمر فيها؛ قال القاضي: قال أبو عبيد وأهل اللغة: السرر: آخر الشهر[12]. وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلمسأل الرجل عن صيام أواخر شعبان، ثم أمره بقضاء ما فاته من أواخر شعبان، ولو كان الصوم قبل رمضان بيوم أو يومين حرامًا، لَما أمره النبي بقضاء الحرام. الدليل الثالث: ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلممن الإكثار من الصيام في شعبان؛ ومن ذلك: أ- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر من السنة أكثر صيامًا منه في شعبان))[13]. ب- وعنها رضي الله عنها، أنها قالت: ((ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان؛ كان يصومه إلا قليلًا، بل كان يصومه كله))[14] [15]. ج- عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: ((ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان))[16]. د- عن أم سلمة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه لم يكن يصوم من السنة شهرًا تامًّا إلا شعبان يصله برمضان))[17]. وجه الاستدلال من هذه الأحاديث: أن النبي كان يصوم في شعبان، ولازم إكثاره من الصيام في شعبان: أن يصوم قبل رمضان بيوم أو يومين، ولو كان الصوم قبل رمضان بيوم أو يومين حرامًا، لَما فعله النبي صلى الله عليه وسلم. الدليل الرابع: عموم الأدلة المرغبة في الصيام؛ ومن ذلك: أ- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا))[18]. ب- عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة: يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان))[19]. ج- وعن مطرف قال: دخلت على عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، فدعا بلبن، فقلت: إني صائم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الصوم جُنَّة[20]من النار، كجنَّة أحدكم من القتال))[21]. وفي رواية: ((وحصن حصين من النار))[22]. د- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((يقول الله عز وجل: الصوم لي، وأنا أجزي به؛ يَدَعُ شهوته وأكله وشربه من أجلي))[23]. ه- عن أبي أمامة رضي الله عنها، قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: مرني بأمر آخذه عنك، قال: عليك بالصوم؛ فإنه لا مثل له))[24]. وفي رواية: ((عليك بالصوم؛ فإنه لا عدل له))[25]. وجه الاستدلال: هذه أحاديث مرغبة في الصوم، وهي تدل على أن الصيام محثوث عليه، وهذا الحث عام في كل وقت، ولو كان الصيام قبل رمضان بيوم أو يومين. القول الثاني: يحرم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين لمن ليست له عادة، ولا عليه صيام فرض. وهذا مذهب الشافعية [26]، ورواية في مذهب الحنابلة[27]، قال بها بعض الحنابلة[28]، وهو مذهب الظاهرية[29]. واستدلوا على ذلك بأدلة: الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صومًا، فليصمه))[30]. وجه الاستدلال: النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، والأصل في النهي اقتضاء التحريم. الدليل الثاني: حتى لا يزيد في العبادة أو يصوم من باب الاحتياط لرمضان، فحرم عليه ذلك؛ سدًّا للذريعة؛ لأن الزيادة في العبادة المفروضة حرام، وللوسائل أحكام المقاصد. القول الثالث: جواز تقدم رمضان بالصيام. وهذا المشهور من مذهب المالكية[31]. واستدلوا: بالأدلة المرغبة في الصوم مما سبق وذكرناه. وحملوا النهي في الحديث: لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صومًا، فليصمه - حملوه على: "التقديم بقصد تعظيم رمضان"[32]. قال الشيخ محمد بن عرفة الدسوقي رحمه الله في حاشيته على الشرح الكبير: وأجاب القاضي عياض بأن النهي في الحديث محمول على التقديم بقصد تعظيم الشهر، كما أن الرواتب القبلية في الصلاة إذا قصد بها تعظيم الفريضة بعدها تكره[33]. الترجيح: الراجح في نظري، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، إن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمنى ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان، وأسأل الله أن يوفقني إلى مراده: حرمة تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين لمن ليست له عادة. برهان ذلك: حديث الباب: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صومًا، فليصمه))، والأصل في النهي أنه يقتضي التحريم، ولا صارف معتبر ها هنا لصرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة. الجواب عن أدلة المخالفين: الجواب عن أدلة من قال بالكراهة: استدلالهم: بالاستثناء في الحديث: ((إلا رجل...)). الجواب: لا يصرف هذا الاستثناء النهي إلى الكراهة؛ لأن النهي الأول: ((لا تقدموا...)) على عمومه، والنهي مقتضٍ للتحريم، ثم استثنى النبي صلى الله عليه وسلم من كانت له عادة من صيام، فخرج من هذا النهي العام من كانت له عادة صوم، وبقي غيره على النهي المقتضي للتحريم، فمن أراد صرف هذا التحريم الباقي على ما هو عليه، ونقله إلى الكراهة، فعليه بالدليل. فإن قيل: الاستثناء هو الدليل الصارف. قلنا: الاستثناء في الحديث لا يلزم منه الكراهة - كراهة تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين لمن ليست له عادة - فيبقى الحكم على الأصل الوارد في الحديث بحسب ما يقتضيه. استدلالهم: بحديث: فصُمْ يومين مكانه، ولو كان صيام سرر - أواخر - الشهر حرامًا، ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليأمره بقضاء الحرام. الجواب: هذا الاستدلال خارج محل النزاع، ولا حجة فيه. برهان ذلك: أن كثيرًا من شراح الحديث حملوه على أنه كان رجلًا ذا عادة[34]، فلما سمع النهي من النبي صلى الله عليه وسلم ترك عادته هذه، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّن له الجواز بالنسبة له ليستمر على طاعة الله؛ إذ إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل. فإن قيل: من أين علمتم أن هذا الرجل كان ذا عادة؟ قلنا: كانت لهذا الرجل عادة، برهان ذلك: نهيُ النبي صلى الله عليه وسلم لمن ليست له عادة عن الصيام قبل رمضان بيوم أو يومين يدل على أن أقل أحوال ذلك النهي: الكراهة، وفق مذهب الجمهور. ولو قلنا تنزلًا: إن النهي هنا للكراهة، فهل يعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء المكروه؟! قلت: ومما يضعف القول بالكراهة من جهة الاستدلال بهذا الحديث: أن الحديث قد تطرق إليه الاحتمال من أكثر من وجه؛ ومنها: أ- الاختلاف في معنى سرر: هل المراد بها أول الشهر، أو وسطه، أو آخره؟ فإذا كان المراد أول الشهر أو وسطه، فلا حجة فيه. ب- وكذلك الاحتمال أنه كان رجلًا ذا عادة، فإن كان ذا عادة، فلا حجة فيه على الكراهة؛ لأنه لا يدخل في النهي أصلًا. ج- ومِن أهل العلم مَن قال باحتمال أن يكون الرجل أوجبها على نفسه بنذر؛ ولذلك أمره بالوفاء[35]، ووفق هذا الاحتمال فلا حجة فيه. وهنا نقول: وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال المماثل أو الأقوى[36]، كساها ثوب الإجمال، فسقط بها الاستدلال[37]. استدلالهم بفعل النبي صلى الله عليه وسلم: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر من السنة أكثر صيامًا منه في شعبان[38]. الجواب: هذا أيضًا خارج محل النزاع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كانت عادته الإكثار من الصوم في شعبان كما سبق وبيناه، حتى اختلف العلماء في مقدار صيامه صلى الله عليه وسلم في شعبان: كله أو أكثره؟ فلا حجة في فعل النبي صلى الله عليه وسلمفي الباب؛ لأنه من أهل العادة، فلا يدخل في محل النزاع. والله أعلم. وبالله التوفيق. [1] سنن الترمذي (3/ 609) تحت الحديث رقم: (684). [2] رد المحتار (3/ 347 348)، طـ (دار الكتب العلمية)، بيروت - لبنان. [3] حاشية الخرشي على مختصر خليل، ومعها حاشية العدوي على الخرشي (3/ 12)، ط (دار الكتب العلمية)، بيروت - لبنان، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 801) ط (دار الفكر)، بيروت - لبنان. [4] الإنصاف، المرداوي (1/ 548)، ط (بيت الأفكار الدولية)، وانظر: المغني، ابن قدامة (3/ 63)، ط (دار الكتب العلمية) بيروت - لبنان، كشاف القناع، البهوتي (2/ 415)، ط (دار إحياء التراث العربي)، بيروت - لبنان، شرح منتهى الإرادات، البهوتي (1/ 460)، ط (دار الفكر)، بيروت - لبنان. [5] رواه أحمد (7200)، البخاري (1914)، ومسلم (1082)، وأبو داود (2335)، والترمذي (685)، والنسائي (2173)، وابن ماجه (1650). [6] رواه البخاري (1983)، ومسلم (1161). [7]استدل بهذه اللفظة بعض العلماء على أن الصيام في شعبان يساوي ضعف غيره؛ لأنه قال له: ((فصُم يومين مكانه))، ولا يخفي ما في هذا الاستدلال من اعتراض عليه، لكن الأصل موجود، وهو أن الصيام في شعبان له ما له من الفضل لفِعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه وقت غفلة، أما التحديد: ففيه (نظر) وتردُّه بعض الروايات الأخرى ((فصم يومًا))، والله أعلم، وبالله التوفيق. - فائدة أخرى: هذا الحديث أصل يُستدل به على قضاء الفائتة من النوافل. [8] رواه مسلم (1161). [9] شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 310) تحت الحديث رقم: (1161) ط: (دار أبي حيان)، لسان العرب (4/ 413) مادة: (سرر)، ط (دار الكتب العلمية)، بيروت - لبنان. [10] لأن سر كل شيء: جوفه، فكأنما أراد أيام البيض. [11] لأنه مشتق من: "استسر القمر"؛ أي: خفي ليلة السرار، فربما كان ليلة وربما كان ليلتين. [12] شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 310) تحت الحديث رقم: (1161)، ط (دار أبي حيان). [13] رواه البخاري (1970)، ومسلم (782). [14] وقد اختلف العلماء: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله أو أغلبه؟ فمن العلماء مَن قال: يصومه كله كاملًا في بعض الأوقات، وفي بعضها كان يصومه كله، فاختلاف الروايات؛ على حسب اختلاف الأوقات، وقد رجح هذا جماعةٌ من شُراح الحديث (الطيبي، والعيني، واستظهره على القاري، وغيرهم). ومن العلماء مَن قال: يصوم أغلبه (قول الجمهور)، وحملوا الروايات التي فيه التصريح بصيامه كله "يصومه كله" على الأغلب - غالب أيام شعبان - وقالوا: هذا سائغ في اللغة أن يُطلق الكل ويُراد به الأغلب، كما نقله الترمذي عن ابن المبارك. ومن العلماء مَن قال: كان يصوم من أوله، ومن وسطه، ومن آخره، ولا يترك منه شيئًا بغير صيام، وهذا المراد بـ(كله). (وقد ذكرنا هذه المسألة بدلائلها باختصار في مقال على الشبكة بفضل الله). [15] صحيح: رواه الترمذي (737). [16] صحيح: رواه الترمذي (736)، والنسائي (2175). [17] صحيح: رواه أبو داود (2336). [18] رواه البخاري (2840)، ومسلم (1153) واللفظ له. [19] صحيح: رواه أحمد (6626)، والحاكم (2036). [20] الجُنَّة: الوقاية. [21] رواه أحمد (15839)، والبخاري (1795)، ومسلم (1151)، والترمذي (764). [22] صحيح: رواه أحمد (9217)، والبيهقي في الشعب (3571). [23] رواه البخاري (7492)، ومسلم (1151)، وغيرهما. [24] صحيح: رواه النسائي (2220). [25] رواه النسائي (2222). [26] المجموع بشرح المهذب (6/ 454)، ط (دار إحياء التراث العربي)، ت: المطيعي، تحفة المحتاج بشرح المنهاج، الهيتمي (3/ 458)، ط (دار الفكر)، بيروت - لبنان، نهاية المحتاج، الرملي (3/ 204)، ط (دار الفكر)، بيروت - لبنان، أسنى المطالب شرح روض الطالب، زكريا الأنصاري (1/ 31)، ط (دار الكتب العلمية)، بيروت - لبنان، حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب (2/ 329)، ط (دار الكتب العلمية) بيروت - لبنان. وعند الشافعية: يحرم الصيام بعد منتصف شعبان إلا لسبب، أو يصله بما قبل النصف من شعبان، والمقصود بالسبب: مَن كانت له عادة، أو مَن كان عليه قضاء أو نذر أو صوم كفارة، فيجوز له بقدر السبب. انظر: حاشية الشرقاوي (2/ 330)، ط (دار الكتب العلمية)، بيروت - لبنان. [27] الإنصاف (1/ 548)، ط (بيت الأفكار الدولية). [28] الإنصاف (1/ 548)، ط (بيت الأفكار الدولية). [29] المحلى بالآثار، ابن حزم (7/ 23) مسألة رقم: (798)، ط (دار التراث)، القاهرة، ت: أحمد محمد شاكر. [30] رواه أحمد (7200)، البخاري (1914)، ومسلم (1082)، وأبو داود (2335)، والترمذي (685)، والنسائي (2173)، وابن ماجه (1650). [31] حاشية الخرشي على مختصر خليل، ومعها حاشية العدوي على الخرشي (3/ 12)، ط (دار الكتب العلمية)، بيروت - لبنان، منح الجليل شرح مختصر خليل، عليش (2/ 53)، ط (دار الفكر)، بيروت - لبنان، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 801)، ط (دار الفكر)، بيروت - لبنان. [32] حاشية الخرشي على مختصر خليل، ومعها حاشية العدوي على الخرشي (3/ 12)، ط (دار الكتب العلمية)، بيروت - لبنان، منح الجليل شرح مختصر خليل، عليش (2/ 53)، ط (دار الفكر)، بيروت - لبنان، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 801)، ط (دار الفكر)، بيروت - لبنان. [33] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 801)، ط (دار الفكر)، بيروت - لبنان. [34] معالم السنن، الخطابي (2/ 83)، ط (دار الكتب العلمية)، بيروت - لبنان، شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 310) تحت الحديث رقم: (1161)، ط (دار أبي حيان)، فتح الباري، ابن حجر (4/ 281)، ط (دار الحديث)، القاهرة، الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، السيوطي (1/ 112)، ط (دار الأرقم)، بيروت - لبنان. [35] معالم السنن، الخطابي (2/ 83)، ط (دار الكتب العلمية)، بيروت - لبنان. [36] وذلك لأنه ليس كل احتمال يسقط به الاستدلال؛ لأن هناك احتمالًا ضعيفًا لا يصلح لسقوط الاستدلال، وإنما يسقط الاستدلال بالاحتمال المماثل أو الأقوى؛ وانظر: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول، القرافي (ص 190)، ط (دار الكتب العلمية)، بيروت - لبنان. [37] تشنيف المسامع بجمع الجوامع، الزركشي (2/ 795)، ح، شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول، القرافي (ص 190)، ط (دار الكتب العلمية) بيروت - لبنان، وهذه قاعدة مشهورة مروية عن الإمام الشافعي رحمه الله. [38] رواه البخاري (1970)، ومسلم (782). محمد أنور محمد مرسال شبكة الالوكة -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
للقرآن الكريم منزلة عظيمة عند المسلمين، فهو أكثر كتاب اعتنوا به عناية فائقة منذ بزوغ فجره إلى يومنا هذا، وإلى أن يأذن الله برفعه، وما أكثر التالينَ له! بل ما أكثر الحافظينَ له! وإن كان هناك هجر من بعض المسلمين بأنواعه الخمسة؛ وهي: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، هجر تحكيمه والتحاكُم إليه، هجر تدبُّره وتفهُّمه، هجر الاستشفاء والتداوي به[1]. إذن من أنواع الهجر هجر التدبُّر، والتدبُّر هو: (النظر إلى ما وراء الألفاظ من المعاني والعِبَر والمقاصد، الذي يثمر العلوم النافعة والأعمال الزاكية)[2]، ومعلوم أن التدبر يحتاج لمعرفة المعنى، وهنا يأتي دور التفاسير، والتفاسير أنواع كثيرة وأجناس جمَّة، منها الطويل جِدًّا ذو المجلدات الكثيرة، ومنها المختصر جدًّا الذي يهتمُّ بالمفردات، وينبغي للقارئ أن يجعل له وِرْدًا من أحد التفاسير حتى يفهم كلامَ ربِّه، ويتدبَّره ليصل إلى العمل به، والتفاسير المختصرة الموجودة بهامش المصحف كثيرة، فهذه تُمكِّنُك من القراءة والنظر في معاني ما تقرأ دون الحاجة لفتح كتاب تفسير مستقل، وهنا سنذكر أهم هذه التفاسير المختصرة القيمة التي تُعينُ المسلم في فَهْم كلام مولاه عز وجل: • المختصر في تفسير القرآن الكريم، لجماعة من علماء التفسير، وبإشراف مركز تفسير للدراسات القرآنية، وهو من أفضل وأجود التفاسير المختصرة المعاصرة، وكان نتيجة جهود حثيثة ومشتركة لثُلَّة من علماء التفسير في العالم الإسلامي، ومن أهم مميزاته: (وضوح العبارة وسهولتها، والاقتصار على تفسير الآيات وبيان معانيها دون دخولٍ في مسائل القراءات والإعراب والفقه ونحوها، شرح المفردات القرآنية الغريبة، اتِّباع منهج سلف الأُمَّة رضوان الله عليهم في التفسير -وفي بيان معاني آيات الصفاتِ خصوصًا- باتِّباع ما دلَّ عليه القرآن والسنة دون تأويل أو تحريف، تحرِّي المعنى الأرجح عند الاختلاف مع مراعاة ضوابط التفسير وقواعد الترجيح، ذكر بعض هِدَايات الآيات وفوائدها في أسفل كل صفحة؛ بما يُعِين على تدبُّرها وتمام الانتفاع بها)[3]. • التفسير الميسر، لنخبة من أساتذة التفسير، ونشر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وهذا التفسير ميسر ومختصر، فهو سهل العبارة، مناسب لطالب العلم والعامي، ومن مميزاته: (تفسير الآيات وَفْق مذهب السلف الصالح في الاعتقاد، الاقتصار في النقل على القول الصحيح أو الأرجح، إبراز الهداية القرآنية ومقاصد الشريعة من خلال التفسير، كون العبارة مختصرةً سهلةً، مع بيان معاني الألفاظ الغريبة أثناء التفسير)[4]. • تفسير المدينة المنورة، إعداد نخبة من العلماء، هذا التفسير الرائع يقع في مجلدين كبيرين، وهو جهد مشترك لعدد كبير من أساتذة التفسير، ويتميَّز بأنه يُقدِّم مقدمة بين يدي كل سورة ويذكر فيها مقاصد السورة، كما أن كل مقطع من الآيات يتم تفسيره يليه مباشرة فقرة الفوائد والاستنباطات، ومن مميزاته أيضا: (إيراد إعجاز القرآن العلمي والبياني في الفوائد والاستنباطات، العناية بالاستنباطات التربوية والطبية والفلكية والمستقبلية وعلوم أخرى، إضافة إلى الفوائد العقدية والفقهية والدعوية والتاريخية والبلاغة، اعتماد مذهب السلف باجتناب التأويل في تفسير آيات الأسماء والصفات). • تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الشهير بـ تفسير السعدي للعلامة عبدالرحمن السعدي (ت:1376هـ)، ويوجد بعدة أشكال أفضلها بهامش المصحف في مجلد واحد، والتفسير هذا غني عن التعريف؛ فقد انتشر انتشارًا واسِعًا، واشتهر بين عوامِّ المسلمين فضلًا عن طلاب العلم والعلماء، وكتب الله له القبول فانتفع به الجَمُّ الغفير (حيث جاء هذا التفسير سهل العبارة، واضح الإشارة، وصاغَهُ على نمط بديع بعبارات قريبة لا خفاء فيها ولا غموض، فهو يعتني بإيضاح المعنى المقصود من الآية بكلام مختصر مفيد، مستوعب لجميع ما تضمنته الآية من معنى أو حكم سواء من منطوقها أو مفهومها، دون إطالة أو استطراد أو ذكر قصص أو إسرائيليات... بل يركز على المعنى المقصود من الآية بعبارة واضحة يفهمها كل من يقرؤها مهما كان مستواه العلمي فهو في الحقيقة سهل ممتنع يفهم معناه من مجرد تلاوة لفظه، وقد اهتمَّ بترسيخ العقيدة السلفية، والتوجُّه إلى الله، واستنباط الأحكام الشرعية، والقواعد الأصولية، والفوائد الفقهية إلى غير ذلك من الفوائد... مع اهتمامه بتفسير آيات الصفات بمقتضى عقيدة السلف خلافًا لما يؤولها بعض المفسرين)[5]. وقال عن هذا التفسير تلميذ المفسِّر العلامة العثيمين رحمه الله: (أشير على كل مريد لاقتناء كتب التفسير ألَّا تخلو مكتبتُه من هذا التفسير القَيِّم). • زبدة التفسير بهامش مصحف المدينة المنورة للشيخ د. محمد سليمان الأشقر رحمه الله، وهو عبارة عن اختصار لتفسير الإمام الشوكاني المسمَّى: فتح القدير الجامع بين فنَّي الدراية والرواية من علم التفسير، ومما جاء في مقدمته: (... وقد أردت خدمة الكتاب العزيز باختصار تفسيره هذا؛ لتقريب النفع به لعامة المسلمين. فاختصرته على قول واحد في تفسير الآية غالبًا...)، والتفسير مليء بالفوائد الجَمَّة والتوضيحات؛ حيث إنه يذكر جزءًا من الآية ثم يذكر معناه وهكذا، ولأهمية هذا التفسير فقد ضُمِّن بهامش الكتاب الشهير الموسوم بـ (تفسير العُشْر الأخير ويليه أحكام تهمُّ المسلم). • تهذيب تفسير الجلالين لـ د. محمد لطفي الصباغ، وتفسير الجلالين أشهر من نار على علَم، وكثير من دور طباعة القرآن جعلته في حاشية المصحف، وطبعاته أكثر من أن تُحْصَى، وقد أوضح المؤلف سبب اختياره لتفسير الجلالين فقال: (ومِنْ أجَلِّ كُتُب التفسير الموجزة (تفسير الجلالين)، وهو مع صغر حجمه من أفضل كُتُب التفسير، فقد كتب بإيجاز محكم، وعبارته عبارة علمية مركزة، جمعت لباب ما في كتب التفسير)، وأضاف أيضًا: (وكلما رجعت إليه زاد حُبِّي له وإعجابي به؛ لما أرى من دقة عبارته، وجمعه الفوائد والأحكام التي يحتاج إليها طالب العلم، مع اختصار موفق) وقد قام المؤلف -وفَّقَه الله- بتجريد تفسير الجلالين من بعض المآخذ مثل: (التأويل في آيات الصفات، إيراد بعض الإسرائيليات الباطلة، اختيار قول مرجوح في التفسير). وبعد إيراد هذه الباقة العطرة من التفاسير المختصرة يحسن بنا ذكر بعض الأمور: • للاستزادة عن كل تفسير يُرجَع إلى مقدمته. • بعض هذه التفاسير مُسجَّل صوتيًّا مثل المختصر في تفسير القرآن الكريم. • تطبيقات الهاتف تحتوي على هذه التفاسير، فمثلًا تطبيق (آية) يوجد به المختصر في تفسير القرآن، والتفسير الميسَّر، وتفسير السعدي. • التفاسير المختصرة كثيرة جدًّا، ومن أراد التوسُّع فيمكنه الرجوع لمقال على شبكة الألوكة بعنوان: (عرض لبعض الكتب المختصرة في تفسير القرآن) للشيخ عبدالرحمن بن معاضة الشهري، حيث ذكر 18 كتابًا، أما كتاب (التفاسير المختصرة اتجاهاتها ومناهجها) لـ محمد راشد البركة، فموسع جدًّا، فهو مجلد ضخم يقرب من الألف صفحة. فحريٌّ بالمسلم ألَّا يفارقه تفسير مختصر يكشف له ما خفي عليه، ويساعده في تدبُّر ما يتلو، ويرشده للعمل بما يقرأ، فيُحقِّق بذلك الغاية العظمى التي من أجلها نزل القرآن والتي ذكرها المولى في قوله: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]. [1] أنواع هجر القرآن الكريم – موقع الكلم الطيب. [2] الخلاصة في تدبر القرآن الكريم. د.خالد السبت. [3] بتصرُّف من مقدمة: المختصر في تفسير القرآن الكريم، تصنيف: جماعة من علماء التفسير. [4] التفسير الميسر، نخبة من أساتذة التفسير (بتصرُّف). [5] من مقدمة الشيخ: عبدالله بن عقيل المطبوعة ضمن التفسير. سالم محمد أحمد شبكة الالوكة
-
-
أكثر العضوات تفاعلاً
-
آخر تحديثات الحالة المزاجية
-
سارة سيرو تشعر الآن ب مكتئبة
-
samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
-
أمة الله هاجر تشعر الآن ب محبطة
-
مناهل ام الخير تشعر الآن ب أمزح
-
Hannan Ali تشعر الآن ب سعيدة
-
-
إحصائيات الأقسام
-
إجمالي الموضوعات181466
-
إجمالي المشاركات2534312
-
-
إحصائيات العضوات
منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤
فكرة انتهاء مهلة العمل والانتقال لدار الجزاء مهيبة جدًا ! لا توبة تُقْبَل ولا عمل يُصَحح . لو نطق أهل القبور لكانت موعظتهم : أنتم في دار العمل فأحسنوا العمل . نسأل الله حُسن الختام .