اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57388
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180533
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8246
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53000
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40679
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  11. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33891
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  12. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32199
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13117
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  13. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  14. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37219 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  15. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • المتواجدات الآن   0 عضوات, 0 مجهول, 105 زوار (القائمه الكامله)

    لاتوجد عضوات مسجلات متواجدات الآن

  • العضوات المتواجدات اليوم

    1 عضوة تواجدت خلال ال 24 ساعة الماضية
    أكثر عدد لتواجد العضوات كان 6، وتحقق
  • أحدث المشاركات

    • الحفاظ على المال مقصد أساس من المقاصد التي أجمعت الشرائع السماوية على حفظه ورعايته، ومن الآيات التي أرشدت على هذا المقصد قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما} (النساء:5) لنا مع هذه الآية الوقفات التالية:

      الوقفة الأولى: (السفهاء) جمع سفيه، كما (العلماء) جمع عليم، و(الحكماء) جمع حكيم. والسفيه: الجاهل، الضعيف الرأي، القليل المعرفة بمواضع المنافع والمضار. قال الراغب: "السَّفَه خفة في البدن، ومنه قيل: زِمَام سفيه: كثير الاضطراب، وثوب سفيه: رديء النسج. واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل، وفي الأمور الدنيوية والأخروية. ثم جُعِلَ السَّفَه في الأمور الدنيوية هو المراد من لفظ {السفهاء} هنا، فـ {السفهاء} هنا هم المبذرون أموالهم، الذين ينفقونها فيما لا ينبغي، ويسيئون التصرف بإنمائها وتثميرها.

      الوقفة الثانية: قوله سبحانه: {ولا تؤتوا السفهاء} الخطاب هنا لأولياء الأمور عموماً. وللمفسرين أقوال ثلاثة في المراد من {السفهاء} الذين نهى الله جل ثناؤه عباده أن يؤتوهم أموالهم:

      الأول: أنهم النساء والصبيان؛ روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} قال: امرأتك وبنيك. وهذا مروي أيضاً عن عدد من التابعين.

      الثاني: أن المراد بـ {السفهاء} ولد الرجل؛ روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} قال: لا تسلط السفيه من ولدك، فكان ابن عباس رضي الله عنهما، يقول: نزل ذلك في {السفهاء} وليس اليتامى من ذلك في شيء.

      الثالث: أن يراد بـ {السفهاء} كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال؛ فيدخل فيه النساء والصبيان والأيتام وكل من كان موصوفاً بهذه الصفة. وهذا القول هو الذي صوبه جمع من المفسرين؛ منهم الطبري، فقد قال: "والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا، أن الله جل ثناؤه عم بقوله: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}، فلم يخصص سفيهاً دون سفيه. فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيهاً ماله، صبياً صغيراً كان، أو رجلاً كبيراً، ذكراً كان أو أنثى". وقال الرازي مصوباً هذا القول: "وهذا القول أولى؛ لأن التخصيص بغير دليل لا يجوز". وروى القرطبي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قوله: {السفهاء} هنا كل من يستحق الحَجْر. ثم قال: "وهذا جامع" أي قول جامع يدخل فيه كل سفيه. وقال صاحب "المنار": "وهو أحسن الأقوال". وقال ابن عاشور: "وهذا هو الأظهر؛ لأنه أوفر معنى؛ وأوسع تشريعاً".

      وقد علل الطبري هذا التصويب بقوله: "إن الله جل ثناؤه قال في الآية التي تتلوها: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} (النساء:6) فأمر أولياء اليتامى بدفع أموالهم إليهم، إذا بلغوا النكاح، وأُونس منهم الرشد، وقد يدخل في {اليتامى} الذكور والإناث، فلم يخصص بالأمر بدفع ما لهم من الأموال، الذكور دون الإناث، ولا الإناث دون الذكور.

      وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الذين أُمر أولياؤهم بدفعهم أموالهم إليهم، وأجيز للمسلمين مبايعتهم ومعاملتهم، غير الذين أُمر أولياؤهم بمنعهم أموالهم، وحظر على المسلمين مداينتهم ومعاملتهم. فإذ كان ذلك كذلك، فبَيِّنٌ أن {السفهاء} الذين نهى الله المؤمنين أن يؤتوهم أموالهم، هم المستحقون الحَجْر، والمـُستَوْجِبون أن يولى عليهم أموالهم، وأن من عدا ذلك فغير سفيه، لأن الحَجْر لا يستحقه من قد بلغ وأونس رشده". فـ (السفيه) الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله، هو المستحق الحَجْرَ؛ بتضييعه ماله، وفساده، وإفساده، وسوء تدبيره ذلك.

      الوقفة الثالثة: قوله سبحانه: {أموالكم التي جعل الله لكم قياما} للمفسرين أقوال في وجه إضافة (المال) إلى المخاطبين؛ مع أن (المال) للسفهاء، فقال بعضهم: أضافها إليهم؛ لأنها بأيديهم، وهم الناظرون فيها، فنُسبت إليهم اتساعاً، قال القاسمي: "إنما أضيفت للأولياء، وهي لليتامى؛ تنزيلاً لاختصاصها بأصحابها منزلة اختصاصها بالأولياء، فكأن أموالهم عين أموالهم؛ لما بينهم وبينهم من الاتحاد الجنسي والنسبي، مبالغة في حملهم على المحافظة عليها"، كما قال تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم} (النساء:29) أي: لا يقتل بعضكم بعضاً، حيث عبر عن بني نوعهم بأنفسهم، مبالغة في زجرهم عن قتلهم، فكأن قتلهم قتل أنفسهم. وقد أيد ذلك حيث عبر عن جعلها مناطاً لمعاش أصحابها بجعلها مناطاً لمعاش الأولياء، بقوله تعالى: {التي جعل الله لكم قياما} أي: جعلها الله شيئاً تقومون وتنتعشون، فلو ضيعتموها لضعتم.

      وقال آخرون: أضافها إليهم لأنها من جنس أموالهم؛ فإن الأموال جُعلت مشتركة بين الخلق، تنتقل من يد إلى يد، ومن مُلْك إلى مُلْك، أي هي لهم إذا احتاجوها كأموالكم التي تقي أعراضكم، وتصونكم، وتعظم أقداركم، وبها قِوام أمركم.

      وقيل: إن المراد أموال المخاطبين حقيقة، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: لا تدفع مالك الذي هو سبب معيشتك إلى امرأتك وابنك، وتبقى فقيراً تنظر إليهم وإلى ما في أيديهم، بل كن أنت الذي تنفق عليهم.

      وقد قال الشيخ رشيد رضا في "مناره": "إنما قال: {أموالكم} ولم يقل: (أموالهم) مع أن الخطاب للأولياء، والمال للسفهاء الذين في ولايتهم؛ للتنبيه على أمور:

      أحدها: أنه إذا ضاع هذا المال، ولم يبق للسفيه من ماله ما ينفق منه عليه، وجب على وليه أن ينفق عليه من مال نفسه، فبذلك تكون إضاعة مال السفيه مفضية إلى شيء من مال الولي، فكأن مالَه عين مالِه.

      ثانيها: أن هؤلاء {السفهاء} إذا رشدوا، وأموالهم محفوظة لهم، وتصرفوا فيها تصرف الراشدين، وأنفقوا منها في الوجوه الشرعية من المصالح العامة والخاصة، فإنه يصيب هؤلاء الأولياء حظ منها.

      ثالثها: التكافل في الأمة، واعتبار مصلحة كل فرد من أفرادها عين مصلحة الآخرين".

      وأجاب الرازي بجوابين تبعاً للزمخشري، أحدهما: أنه أضاف المال إليهم لا لأنهم ملكوه، بل لأنهم ملكوا التصرف فيه، قال: ويكفي لحسن الإضافة أدنى سبب. ثانيهما: قوله: إنما حسنت هذه الإضافة إجراء للوحدة بالنوع مجرى الوحدة بالشخص، ونظيره قوله تعالى: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} (البقرة:85) ومعلوم أن الرجل منهم ما كان يقتل نفسه، وإنما كان بعضهم يقتل بعضاً، وكان الكل من نوع واحد، فكذا ها هنا المال شيء واحد، ينتفع به نوع الإنسان، ويحتاج إليه؛ فلأجل هذه الوحدة النوعية حسنت إضافة أموال {السفهاء} إلى أوليائهم.

      ونظر الشيخ ابن عاشور إلى هذه الإضافة من باب فلسفة المال في الإسلام، فقال: "وأضيفت الأموال إلى ضمير المخاطبين إشارة بديعة إلى أن المال الرائج بين الناس هو حق لمالكيه المختصين به في ظاهر الأمر، ولكنه عند التأمل تلوح فيه حقوق الأمة جمعاء؛ لأن في حصوله منفعة للأمة كلها؛ لأن ما في أيدي بعض أفرادها من الثروة يعود إلى الجميع بالمصلحة، فمن تلك الأموال ينفق أربابها، ويستأجرون، ويشترون، ويتصدقون، ثم تورث عنهم إذا ماتوا، فينتقل المال بذلك من يد إلى غيرها، فينتفع العاجز والعامل والتاجر والفقير وذو الكفاف، ومتى قلَّت الأموال من أيدي الناس، تقاربوا في الحاجة والخصاصة، فأصبحوا في ضَنْك وبؤس، واحتاجوا إلى قبيلة أو أمة أخرى؛ وذلك من أسباب ابتزاز عزهم، وامتلاك بلادهم، وتصيير منافعهم لخدمة غيرهم، فلأجل هاته الحكمة أضاف الله تعالى الأموال إلى جميع المخاطبين؛ ليكون لهم الحق في إقامة الأحكام التي تحفظ الأموال والثروة العامة". وختم بالقول: "وهذه إشارة لا أحسب أن حكيماً من حكماء الاقتصاد سبق القرآن إلى بيانها".

      الوقفة الرابعة: جعل سبحانه الأموال {قياما} للناس، تقوم وتثبت بها منافعهم ومرافقهم، ولا يمكن أن يوجد في الكلام ما يقوم مقام هذه الكلمة، ويبلغ ما تصل إليه من البلاغة في الحث على الاقتصاد، وبيان فائدته ومنفعته، والتنفير عن الإسراف، والتبذير الذي هو شأن {السفهاء} وبيان عاقبته وسوء مغبته؛ فكأنه قال: إن منافعكم ومرافقكم الخاصة ومصالحكم العامة لا تزال قائمة ثابتة ما دامت أموالكم في أيدي الراشدين المقتصدين منكم، الذين يحسنون تثميرها وتوفيرها، ولا يتجاوزون حدود المصلحة في إنفاق ما ينفقونه منها، فإذا وقعت في أيدي {السفهاء} المسرفين الذين يتجاوزون الحدود المشروعة، والمعقولة يتداعى ما كان من تلك المنافع سالماً، ويسقط ما كان من تلك المصالح قائماً، فهذا الدين هو دين الاقتصاد والاعتدال في الأموال كالأمور كلها؛ ولذلك وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} (الفرقان:67) فهذه الآية شارحة للفظ {قياما} في الآية التي نحوم حولها، وقد نهانا القرآن عن التبذير، حتى في مقام الإنفاق والتصدق، وجعل المبذر كالشيطان مبالغاً في الكفر، وبيَّن سوء عاقبة المتوسع في النفقة إلى حد الإسراف، كما في قوله سبحانه: {ولا تبذر تبذيرا * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا} (الإسراء:26-27).

      الوقفة الخامسة: استدل بعموم الآية من قال بالحَجْر على السفيه البالغ، سواء طرأ عليه، أم كان من حين البلوغ. ومن قال بالحَجْر على من يُخْدَع في البيوع. ومن قال بأن من يتصدق على محجور، وشَرَط أن يُتْرك في يده، لا يُسمع منه في ذلك.

      الوقفة السادسة: ذهب الشافعي إلى أن البالغ إذا كان مبذراً للمال مفسداً له، يُحْجَر عليه. وقال أبو حنيفة: لا يحجر عليه. حجة الشافعي: أنه سفيه، فوجب أن يُحجر عليه، واعتباره سفيهاً، لأن السفيه في اللغة، هو من خف وزنه، ولا شك أن من كان مبذراً للمال، مفسداً له من غير فائدة، فإنه لا يكون له في القلب وَقْع عند العقلاء، فكان خفيف الوزن عندهم، فوجب أن يسمى بالسفيه، وإذا ثبت هذا، لزم اندراجه تحت قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}. قال السيوطي: "في هذه الآية الحَجْر على السفيه. وأنه لا يُمَكَّنُ من ماله. وأنه يُنْفَق عليه منه ويُكسى، ولا يُنْفق في التبرعات. وأنه يقال له معروف، كـ (إن رشدت دفعنا إليك مالك، وإنما يحتاط لنفعك).

      الوقفة السابعة: قال الشيخ رشيد رضا: "في هذه الآية تحريض على حفظ المال، وتعريف بقيمته، فلا يجوز للمسلم أن يبذر أمواله، وكان السلف من أشد الناس محافظة على ما في أيديهم، وأعرف الناس بتحصيل المال من وجوه الحلال، فأين من هذا ما نسمعه من بعض الدعاة والخطباء من تزهيد الناس، وإغرائهم بالكسل والخمول، حتى صار المسلم يعدل عن الكسب الشريف إلى الكسب المرذول من الغش، والحيلة، والخداع؛ ذلك أن الإنسان ميال بطبعه إلى الراحة، فعندما يسمع من الخطباء، والعلماء، والصلحاء عبارات التزهيد في الدنيا، فإنه يُرضي بها ميله إلى الراحة، ثم إنه لا بد له من الكسب، فيختار أقله سعياً، وأخفه مُؤْنة، وهو أخسه، وأبعده عن الشرف، على أن هذا التزهيد في الدنيا من هؤلاء، لم يأت بما يساق لأجله من الترغيب في الآخرة، والاستعداد لها، بل إن خطباءنا، ووعاظنا قد زهدوا الناس في الدنيا، وقطعوهن عن الآخرة، فخسروا الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، وما ذلك إلا لجهلهم وعدم عملهم بما يعظون به غيرهم، والواجب على المسلم العارف بالإسلام أن يبين للناس الجمع بين الدنيا والآخرة.

      الوقفة الثامنة: قال الإمام الرازي: "أمر تعالى المكلفين في مواضع من كتابه بحفظ الأموال، قال تعالى: {ولا تبذر تبذيرا * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} (الإسراء:26-27) وقال تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} (الإسراء:29). وقال تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} (الفرقان:67) وقد رغب الله في حفظ المال في آية المداينة، حيث أمر بالكتابة والإشهاد والرهن، والعقل أيضاً يؤيد ذلك؛ لأن الإنسان ما لم يكن فارغ البال، لا يمكنه القيام بتحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ولا يكون فارغ البال إلا بواسطة المال؛ لأن به يتمكن من جلب المنافع ودفع المضار، فمن أراد الدنيا بهذا الغرض، كانت الدنيا في حقه من أعظم الأسباب المـُعِينة له على اكتساب سعادة الآخرة، أما من أرادها لنفسها ولعينها، كانت من أعظم المعوقات عن كسب سعادة الآخرة".

      الوقفة التاسعة: من المفيد هنا أن ننقل ما ذكره الشيخ رشيد رضا عند تفسيره لهذه الآية، قال: "ماذا جرى لنا نحن المسلمين بعد هذه الوصايا، والحِكَم، حتى صرنا أشد الأمم إسرافاً، وتبذيراً، وإضاعة للأموال، وجهلاً بطرق الاقتصاد فيها، وتثميرها، وإقامة مصالح الأمة بها في هذا الزمن الذي لم يسبق له نظير في أزمنة التاريخ من حيث توقف قيام مصالح الأمم، ومرافقها، وعظمة شأنها على المال، حتى إن الأمم الجاهلة بطرق الاقتصاد، التي ليس في أيديها مال كثير قد صارت مستذِلِة، ومُسْتَعْبِدة للأمم الغنية بالبراعة في الكسب، والإحسان في الاقتصاد؟

      وماذا جرى لتلك الأمم، التي يقول لها كتابها الديني: (إنه يعسر أن يدخل غني إلى ملكوت السماوات [24] وأقول لكم أيضاً إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله) إنجيل متى (23:19). ويقول أيضاً: (لا تقدرون أن تخدموا لله والمال [25] لذلك أقول لكم لا تهتموا لحياتكم) إنجيل متى (24:6). ويقول أيضاً: (لا تقتنوا ذهبا ولا فضة} إنجيل متى (9:10) ماذا جرى لها في دينها، حتى صارت أبرع الخلق في فنون الثروة، والاقتصاد، وأبعدها عن الإسراف، والتبذير، وسادت بالغنى والثروة على جميع أمم الأرض؟ ألا وهي أمم الغرب.

      وكيف جاز أن يسمى ما نحن عليه مَدَنِيَّة إسلامية، مع مخالفتنا للقرآن في هذا الأمر الذي هو قِوام المدنية، كما خالفه غير قليل من المسلمين في أكثر ما أرشد إليه؟ وكيف جاز أن تسمى مدنيتهم مَدَنِيَّة مسيحية مع بناء تعاليم المسيح على المبالغة في الزهد وبغض المال، كما هو صريح في الأناجيل التي بين أيدي القوم يدعون اتباعها، ويدعون إليها غيرهم، وهم لها مخالفون، وعنها معرضون!

      أما السبب فيما نحن عليه من سوء الحال في دنيانا، ومخالفة نص كتابنا فهو ظاهر معروف عند الباحثين، وهو أننا أخذنا بالتقليد الذي حرمه الله علينا، وتركنا هداية القرآن، ونبذناه وراء ظهورنا، وأخذنا في الأخلاق، والآداب التي هي روح حياة الأمم بأقوال فلان وفلان من الجاهلين، الذين لبسوا علينا بلباس الصالحين، فنفثوا في الأمة سموم المبالغة في التزهيد، والحث على إنفاق جميع ما تصل إليه اليد، وإنما كان يريد أكثرهم إنفاق كسب الكاسبين عليهم، وهم كسالى لا يكسبون، لزعمهم أنهم بحب الله مشغولون!

      حتى صار من المعروف المقرر عند جميع شعوب المسلمين إدرار المال والرزق على علماء الدين، وشيوخ الطرق، فهم يأكلون مال الأمة بدينهم، ويرون أن لهم الفضل عليها بقبوله منها، وإن قال النبي صلى الله عليه وسلم -كما في "الصحيحين"-: (اليد العليا خير من اليد السفلى).   اسلام ويب
    • السؤال هل يمكن أن يتسع معنى قوله تعالى : (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ليشمل الإنفاق من الوقت والجهد ، ومن أى شيء يحبه الإنسان، استدلالا بعموم اللفظ ؛ لأن الله تعالى لم يقل من أموالكم مثلا ؟ وهل يمكن تدبرها وليس تفسيرها على هذا النحو؟ الجواب   الحمد لله.
      أولًا: إن معنى الآية الكريمة : " لن تدركوا أيها المؤمنون البر، وهو البر من الله الذي يطلبونه منه بطاعتهم إياه وعبادتهم له، ويرجونه منه، وذلك تفضله عليهم بإدخاله جنته، وصرف عذابه عنهم؛ ولذلك قال كثير من أهل التأويل: البر الجنة؛ لأن بر الرب بعبده في الآخرة وإكرامه إياه بإدخاله الجنة .. حتى تتصدقوا مما تحبون وتهوون أن يكون لكم من نفيس أموالكم "، انظر: " تفسير الطبري"(5/ 572 - 573).
      وقال العلامة السعدي رحمه الله : " هذا حث من الله لعباده على الإنفاق في طرق الخيرات، فقال : لن تنالوا أي: تدركوا وتبلغوا البر ، الذي هو كل خير من أنواع الطاعات وأنواع المثوبات ، الموصل لصاحبه إلى الجنة، حتى تنفقوا مما تحبون أي: من أموالكم النفيسة التي تحبها نفوسكم، فإنكم إذا قدمتم محبة الله على محبة الأموال فبذلتموها في مرضاته، دل ذلك على إيمانكم الصادق ، وبر قلوبكم ويقين تقواكم، فيدخل في ذلك إنفاق نفائس الأموال، والإنفاق في حال حاجة المنفق إلى ما أنفقه، والإنفاق في حال الصحة . ودلت الآية أن العبد بحسب إنفاقه للمحبوبات يكون بره، وأنه ينقص من بره بحسب ما نقص من ذلك . ولما كان الإنفاق على أي: وجه كان مثابا عليه العبد، سواء كان قليلا أو كثيرا، محبوبا للنفس أم لا ، وكان قوله لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون مما يوهم أن إنفاق غير هذا المقيد ، غير نافع احترز تعالى عن هذا الوهم بقوله وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ؛ فلا يضيق عليكم، بل يثيبكم عليه على حسب نياتكم ونفعه " انتهى من "تفسير السعدي" (138) .
      ثانيًا: إن أولى ما يدخل في هذه الآية الإنفاق من المال، كما ورد في حديث أبي طلحة رضي الله عنه، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك، يقول: " كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ آل عمران/92 ، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله يقول في كتابه:  لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ  آل عمران/92 ، وإن أحب أموالي إلي بيرحى، وإنها صدقة لله ، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها، يا رسول الله، حيث شئت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:   بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح ، قد سمعت ما قلت فيها، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين  فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه "، رواه البخاري: (1461)، ومسلم: (998)، واللفظ له .
      ثالثًا: لا بأس بتعميم وجوه الإنفاق، وذلك بقياسها على الإنفاق من المال، أو بتعميم لفظ الإنفاق، فإنها من أعمال القرب والبر، يقول شيخ الإسلام: " فالتصدق بما يحبه الإنسان جنس تحته أنواع كثيرة "، "منهاج السنة" (7/ 184). يقول ابن عجيبة: " حتى تنفقوا بعض ما تحبون من المال وغيره، كبذل الجاه في معاونة الناس، إن صحبه الإخلاص، وكبذل البدن فى طاعة الله، وكبذل المهج في سبيل الله " . انتهى من "البحر المديد"(1/ 381). وقد سبق في جواب السؤال رقم: (239520😞 أن الهدية إحسان ومعروف ، والمسلم يثاب على كل إحسان ومعروف يبذله للناس ، فتدخل الهدية في الآية ، والله أعلم .
      رابعًا: ننبه السائلة الكريمة، إلى أن التدبر فرع التفسير، فلا تدبر بدون معرفة معنى الآية، ويبقى للمفسر – وهو العالم الذي ملك أدوات النظر والاستنباط - الاجتهاد في إلحاق بعض الاستنباطات ونحوها مما يقع له بالاجتهاد .

      الاسلام سؤال وجواب
    • القرآن الكريم حوى أحسن القصص، وهو إذ يفعل ذلك إنما يرمي إلى الاعتبار والاتعاظ بما تتضمنه تلك القصص من عبر وعظات ودورس حياة وتوجيهات دنيوية ومقاصد أخروية.

      ومن هذا الباب ما ذكره سبحانه في أثناء قَصِّه لقصة قارون الباغي -وكان من قوم موسى عليه السلام-، والذي يمثل رمز أصحاب الثروة والمال والجاه، الذي خرج ذات يوم على قومه بكامل قوته وعتاده وماله، فلما مر في أحياء قومه وطرقات مساكنهم، أدهش جمهور عامة قومه، وسوادهم الأعظم، ومن المعتاد في أمثال هؤلاء في كل شعب، وفي جماهير كل أمة أنهم يريدون الحياة الدنيا؛ إذ هي المسيطرة على تصوراتهم، وهي المثيرة لمشاعرهم، واندفاعاً مع دهشتهم، قالوا: {يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم} (القصص:79).

      عندئذ أسرع أولو العقل والعلم بقيادة موسى وهارون عليهما السلام؛ لإصلاح الفساد الفكري والنفسي الذي أحدثه هذا الاستعراض الخادع الخلاب في الجمهور من بني إسرائيل. {وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون} (القصص:80). ولنا مع هذه الآية بضع وقفات:

      الوقفة الأولى: قوله سبحانه: {وقال الذين أوتوا العلم} هذا التصدير في الآية يبين مكانة أهل العلم في المجتمع، وأنهم هم الربان الذين يوجهون دفة سفينة المجتمع، وهم قوارب النجاة عندما تبدأ سفينة المجتمع تتجه نحو الغرق والهلاك، فيسددون مسيرها، ويهدونها سبيلها. فالآية هنا تصور لنا انطلاق الفضلاء العلماء من بني إسرائيل -الذين عرفوا حقائق الأشياء، ونظروا إلى باطن الدنيا، حين نظر أولئك إلى ظاهرها- يبشرون بهذه الحقيقة، في جماهير العامة، الذين فُتنوا بالاستعراض الفخم الذي صنعه قارون الباغي تباهياً وافتخاراً وغروراً.

      الوقفة الثانية: قوله سبحانه: {ويلكم} و(ويل) الأصل في هذا اللفظ أنه اسم للهلاك وسوء الحال، ويُستعمل أحياناً في التعجب المشوب بالزجر؛ فليس {الذين أوتوا العلم} داعين بـ (الويل) على الذين يريدون الحياة الدنيا؛ لأن المناسب لمقام الموعظة لين الخطاب؛ ليكون أعون على الاتعاظ، ولكنهم يتعجبون من تعلق نفوس أولئك بزينة الحياة الدنيا، واغتباطهم بحال قارون، دون الاهتمام بثواب الله، الذي يستطيعون تحصيله بالإيمان الصادق والعمل الصالح، وهم يعلمون أن قارون غير متخلق بالفضائل الدينية.

      الوقفة الثالثة: قوله سبحانه: {ثواب الله خير} أي: الثواب العظيم الذي أعده الله لأهل طاعته خير من هذا الذي استعرضه قارون، وخير من كل ما لدى الجبابرة والفراعنة والقياصرة، وخير من كل الدنيا وما فيها. قال ابن عاشور: "وتقديم المسند إليه في قوله: {ثواب الله خير} ليتمكن الخبر في ذهن السامعين؛ لأن الابتداء بما يدل على الثواب المضاف إلى أوسع الكرماء كرماً مما تستشرف إليه النفس".

      الوقفة الرابعة: قوله سبحانه: {لمن آمن وعمل صالحا} هذا المقطع من الآية يفيد أن هذا الثواب العظيم مُعَدٌّ بقضاء الله وقدره لمن آمن بما أوجب الله على عباده أن يؤمنوا به في رحلة امتحانهم، وعبَّر عن صحة إيمانه وصدقه بعمل صالح فيه مرضاة لله عز وجل؛ لأنه مما أمر بفعله إذا كان فعلاً، أو أمر بتركه مما كان تركاً، وبهذين الأمرين يكتسبون الصفة المؤهلة لثواب الله العظيم يوم الدين. قال ابن عاشور: "عدل عن الإضمار إلى الموصولية في قوله: {لمن آمن وعمل صالحا} دون: (خير لكم)، لما في الإظهار من الإشارة إلى أن ثواب الله إنما يناله المؤمنون، الذين يعملون الصالحات، وأنه على حسب صحة الإيمان ووفرة العمل، مع ما في الموصول من الشمول لمن كان منهم كذلك ولغيرهم ممن لم يحضر ذلك المقام".

      الوقفة الخامسة: قوله سبحانه: {ولا يلقاها إلا الصابرون} أي: ولا ينال هذه الصفة المؤهِّلة لثواب الله العظيم إلا الصابرون عل أمر شرع الله والعمل بمقتضاه. ودلَّ قوله سبحانه {ولا يلقاها} على أن الإيمان والعمل الصالح -الَّذيْن دلَّ عليهما (من آمن وعمل صالحاً)- بمثابة صفة واحدة، هي شرط للظفر بثواب الله العظيم يوم الدين؛ إذ الإيمان الصحيح الصادق بما كلف الله عباده أن يؤمنوا به لا بد أن تكون له آثار في السلوك من عمل صالح فيه مرضاة لله عز وجل، فهما معاً بمثابة صفة واحدة، ومن هنا صح عود الضمير في {يلقاها} عليها بالإفراد والتأنيث، أخذاً من لازم مفهوم النص.

      والحاصل هنا، أن ضمير {يلقاها} عائد إلى مفهوم من الكلام، يجري على التأنيث، أي: الخصلة، وهي ثواب الله، أو السيرة القويمة، وهي سيرة الإيمان والعمل الصالح.

      ثم قال المفسرون: إن (التلقي) مستعمل في الإعطاء على طريقة الاستعارة، أي: لا يُعطى تلك الخصلة، أو السيرة إلا الصابرون؛ لأن الصبر وسيلة لنوال الأمور العظيمة، لاحتياج السعي لها إلى تجلُّد لما يعرض في خلاله من مصاعب وعقبات كأداء، فإن لم يكن المرء متخلقاً بالصبر خارت عزيمته، فترك ذاك لذاك.

      الوقفة السادسة: والمهم في هذا السياق أن الشعور بتفاهة زينة المال والجاه وزخرف الحياة الدنيا درجة رفيعة لا يلقاها إلا الصابرون...الصابرون على معايير الناس ومقاييسهم. الصابرون على فتنة الحياة وإغرائها. الصابرون على الحرمان مما يتشهاه الكثيرون. الذين حبسوا أنفسهم على طاعة الله، ولجموا أنفسهم عن معصيته، وصبروا على أقداره المؤلمة، واستعلوا على جواذب الدنيا وشهواتها، وعقدوا العزم على أن لا تشغلهم هذه الحياة الفانية عن تلك الحياة الباقية، وأن لا تحول بينهم وبين ما خلقوا له، فهؤلاء الذين يؤثرون الآخرة على العاجلة. وعندما يعلم الله منهم الصبر كذلك، يرفعهم إلى تلك الدرجة، درجة الاستعلاء على كل ما في الأرض، والتطلع إلى ثواب الله في رضى وثقة واطمئنان.



      الوقفة السابعة: ثم يقال بعد ما تقدم: إن المتأمل في شغف الناس بحطام الدنيا وتهافتهم عليها تهافت الفَراش على النار، والتفريط في أعظم أمور الآخرة، والمتأمل أيضاً في تفريط كثير من الآباء والأمهات في صلاة أولادهما، وتفريط أحد الزوجين في إيقاظ الآخر للصلاة والقيام بما فرض الله عليهم من الواجبات، نقول: إن المتأمل في ذلك ونحوه من الانكباب على الدنيا واللهاث وراء زخرفها ومفاتنها والتفريط في أمور الآخرة، يدرك أهمية استحضار نصيحة أهل العلم، التي رواها القرآن لنا في قصة قارون الباغي، مثمِّناً إياها، مفخِّماً لشأنها، حين قالوا لقومهم: {ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا} فثواب الله خير، وأن ما {عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} (الشورى:36).





      اسلام ويب
    • جاء الأمر بالصلاة في آية مركبة، صيغت بطريقة شديدة الترهيب؛ حيث أشارت الآية إلى وصف من يترك الصلاة، فأمرت بالصلاة، وأشارت بالضد، حتى إن الحافظ ابن حجر في "الفتح" قال عن هذه الآية: "إنها من أعظم ما ورد في القرآن في فضل الصلاة؛ بسبب هذا الاقتران الترهيبي، حيث يقول الله تعالى: {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين} (الروم:31) نقف وقفة متأملة مع هذه الآية، فنقول:

      * قوله سبحانه: {منيبين إليه} يقال: أناب: إذا رجع العبد إلى الله، وقطع صلته بغير الحق سبحانه، فلا علاقة له بالخلق في مسألة العقائد، بل كل علاقته بالله. ومنه يسمون الناب؛ لأنه يقطع الأشياء، ويقولون: ناب إلى الرشد، وثاب إلى رشده، كلها بمعنى: رجع، وما دام هناك رجوع، فهناك أصل يُرجع إليه، وهو أصل الفطرة.

      * قوله عز وجل: {واتقوه} أصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين الشيء وقاية، والمراد هنا: أن يتقي العبد كل ما يُغضب الله سبحانه؛ وذلك يكون بفعل ما أمر الله به، وترك ما نهى عنه، وهذه الوقاية تتحقق باتباع المنهج الرباني: افعل، ولا تفعل.

      * قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} هذا أمر -وهو يفيد الوجوب والدوام- بالمداومة والمحافظة على الصلاة في مواقيتها ووَفْق كيفياتها المشروعة؛ فلا يليق بالمسلم، بل لا يجوز له، أن ينيب إلى الله، ويرجع إليه، ويجعله في باله، ثم ينصرف عن منهجه الذي شرعه، لينظم حركة حياته، فالإنابة وحدها والإيمان بالله لا يكفيان؛ بل لا بد من تطبيق منهج الله؛ لذلك كثيراً ما يجمع القرآن بين الإيمان والعمل الصالح: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات} (البقرة:25) {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} (البينة:7).

      على أن فائدة الإيمان وثمرته، بعد أن يؤمن العبد بالإله الحق، وأن منهجه هو الصدق، وأن فيه نفعه وسلامته في حركة حياته، وأنه الذي يوصله إلى سعادة الدارين، إنما يكون بالعمل والتطبيق.

      * قوله سبحانه: {ولا تكونوا من المشركين} يقول الطبري في تفسيره لهذه الآية: "ولا تكونوا من أهل الشرك بالله، بتضييعكم فرائضه، وركوبكم معاصيه، وخلافكم الدين الذي دعاكم إليه". فإذا كان الله يجعل ترك الصلاة من أفعال المشركين، فكيف يرضى المسلم لنفسه أن يكون بهذه المنزلة؟! وظاهر من هذه الآية -كما قال الشيخ السعدي- أن الله سبحانه خص من المأمورات الصلاة؛ لكونها تدعو إلى الإنابة والتقوى؛ لقوله تعالى: {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} (العنكبوت:45) فهذا إعانتها على التقوى. وخص من المنهيات أصلها، والذي لا يقبل معه عمل، وهو الشرك، فقال: {ولا تكونوا من المشركين} لكون الشرك مضاداً للإنابة، التي روحها الإخلاص من كل وجه.

      فالآية تطلب من المسلم المداومة على عبادة الله سبحانه، والمحافظة على إقامة الصلاة، والتذلل له، والإخلاص في الأقوال والأفعال، وعدم الاستهانة بذلك؛ لأن الاستهانة بما أمر الله به يؤدي بالعبد إلى الكفر بعد الإيمان، والشرك بعد الإسلام.

      وقد يحسب كثير من الناس أنه بمجرد أن يذهب إلى الصلاة -حتى لو كان متأخراً ومتثاقلاً- قد ارتفع عنه الوعيد والتهديد الذي جاء في القرآن، ولا يعلم هذا المغرور أن الله ذكر عن المنافقين أنهم يصلون، قال تعالى: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} (النساء:142) وقال سبحانه: {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى} (التوبة:54) ففي هاتين الآيتين وصف سبحانه المنافق بأنه يأتي للصلاة، ولكن بتكاسل.

      ويُخشى على المسلم المتكاسل في الصلاة، المستثقل لها، أن يكون طيلة حياته إنما كان يمارس صلاة المنافق! فكم ستكون صدمة فاجعة، إذا رأى صلاته عند لقاء الله محسوبة عليه من صلاة المنافقين، فتكون عليه وبالاً، وهو يظنها نجاة!

      والكفار وهم يساقون إلى جنهم -أعاذنا الله منها- يُشنَّع عليهم بتركهم للصلاة، قال تعالى: {والتفت الساق بالساق * إلى ربك يومئذ المساق * فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى} (القيامة:29-32).

      وترى المرء يتكلف أعمالاً صالحة من صيام، وحج، وزكاة، ونحوها، ثم يفرط في أمر صلاته، فيخسر كل هذه الأعمال، وتذهب عليه هباء منثوراً، روى البخاري عن أبي المـَلِيح، قال: كنا مع بُرَيدة في غزوة في يوم ذي غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك صلاة العصر، فقد حبط عمله).

      وحينما يكون الإنسان على فراش الموت، ويستعد لمغادرة هذه الدنيا الفانية إلى الدار الباقية، فإنه يوصي بأهم الأمور؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم من كمال حرصه على أمته، وهو على فراش الموت أخذ يردد، كما روى أبو داود بسند جيد عن علي رضي الله عنه، قال: كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم).

      إن الصلاة -وَفْق ميزان الشرع- يجب أن تكون أهم قضية عملية في حياة المسلم، وما نشاهده اليوم من تقريط أو تقصير في أداء الصلاة، يستدعي ثورة تصحيحية في وضع الصلاة في حياتنا. وفي هذا المقام، نستحضر إلى جنب هذه الآية قوله صلى الله عليه وسلم: (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه مسلم.   اسلام ويب  
    • المبحث الأول: قيمة المال في الإسلام   ورد لفظ المال في القرآن الكريم ستة وثمانين مرة، مفردًا وجمعًا، معرفًا ونكرة، وفي ذلك بلا شك دليل على أهمية المال لاهتمام. فالمال قوام للحياة: قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] قال ابن كثير: قيامًا، أي: تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها.(1) المال من زينة الدنيا: قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46] وإنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا لأن في المال جمالًا ونفعًا، وفي البنين قوةً ودفعًا، فصارا زينة الحياة الدنيا.(2) المال جُبِلَت النفوس على حبه، قال تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر 20] أي كثيرًا، يعني: تحبون جمع المال وتولعون به.(3) وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]   أي: كثير الحب للمال.(4) وعن ابن عباس رضي اللهُ عنهما: أن النبي -صلى الله عليه وسلم-  قال: "لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى ثَالِثًا، وَلاَ يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ"(5) وليس الإثم والعتب في حب المال إنما الإثم يقوم على أمرين: سوء جمع المال، وسوء إنفاقه.  المال من أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة: كما قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ....مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ"(6) المال أثنى عليه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا كان صالحاً ومع الصالحين فقال -صلى الله عليه وسلم-: " نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحِ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ"(7) المال إنفاقه في وجوه البر يعلي من منزله صاحبه عند الله تعالى كما في حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ..."(8)  فهذا دليل على أن من أعطاه الله الغنى والعمل الصالح فقد تفضل عليه. المال هبة من الله قال تعالى ممتنًا على عباده: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 12]   أي: يكثر أموالكم التي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا وأولادكم.(9) المال يمكِّن صاحبَه من العيش بكرامة وعفة: يُعطي ولا يَطلب، وينفق ولا يَسأل. فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ"(10)     المبحث الثاني: ضابط الاستمتاع بالمال ربما يظن بعض الناس أن الغني لا يجوز له الاستمتاع بالمال وربما ظن بعض من يأخذ الأمور من غير فكر ولا رويّة أن صاحب المال ينبغي أن يظهر بمظهر الفقير ولا يُظهر شيئاً من نعمة الله التي أنعمها عليه كما فهم ذلك بعض الطوائف الذين يرون أن الغنى شرٌّ كله. وخوفاً من سوء الفهم فهذه بعض النصوص الشرعية التي تبين ضابط الاستمتاع بالمال وطريقة إنفاقه باختصار شديد فأول هذه النصوص قول الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172].وقال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ [الأعراف: 32]. وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "كُلُوا، وَاشْرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا، غَيْرَ مَخِيلَةٍ، وَلَا سَرَفٍ"(11)   هذه النصوص وما ورد في معناها تبين لنا ضوابط قبول المال وأخذه والاستمتاع به وهذا مقيد بما يلي: 1- تحري الكسب الحلال الطيب وتجنب الحرام وما يُشتبه فيه. 2- عدم سؤال الناس وتكففهم. 3- عدم التباؤس أو إظهار الفقر والمسكنة. 4- عدم التطلع للمال والشراهة لما في أيدي الناس؛ والعلم اليقين أن الغنى هو غنى النفس  5- إظهار نعمة الله على العبد دون إسراف والاقتصاد فيه. 6- عدم الاستطالة على الناس وخاصة الفقراء والضعفاء. 7- إخراج حقوق المال من الزكاة الواجبة والصدقات المستحبة. 8- الثناء على الله بما هو أهله وحمده وشكره على ما أنعم ورد النعمة والفضل له والاعتراف بأن كل ما بنا من نعمة فمنه وحده لا شريك له، وتجديد الشكر مع تجدد النعم قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11].   المبحث الثالث: التحذير من الفتنة بالمال المال من زينة الحياة الدنيا ومتاعها، وهو إمّا أن يكون نعمةً لصاحبه إن صُرف في طاعة الله تعالى؛ وإمَّا أن يكون نقمةً على العبد؛ إن استُخدم في معصية الله عزّ وجلّ، فكما أنّ الواجب على المسلم أن يكسب المال من الطرق الحلال والمشروعة، فيجب أيضاً صرفه في الطرق المشروعة. وليس المقصود من التحذير من المالِ المالَ لذاته؛ بل ما يجرُّه المالُ من حبِّ الاستِئثار بأبواب الدنيا المتشعِّبة، ونِسيان أمر الدين والآخِرة، وقد حذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمَّته من فتنة المال، كما في حديث عمرو بن عوف رضي اللهُ عنه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: " فَوَاللَّهِ لاَ الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ"(12)  وذلك لأن: - المال فتنة: قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيم} [التغابن: 15]، أي بلاء واختبار يحملونكم على كسب المحرم ومنع حق الله تعالى فلا تطيعوهم في معصية الله.(13) وعن كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ"(14)  قال المناوي: أي: الالتهاءُ به؛ لأنه يشغَلُ البال عن القيام بالطاعة، ويُنسِي الآخرة.(15) المال عرض زائل: فقد أخبر عزَّ وجلَّ أن المال عرض زائل ومتاع مفارَق، قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور} [الحديد: 20].أي: إنما حاصل أمرها عند أهلها هذا، كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب} [آل عمران: 14]. وفي حديث أنس بن مالك رضي اللهُ عنه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاَثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ"(16) المال يدعو إلى الطغيان: يزرع في نفوس كثيرٍ مِن ملَّاكِه - إلا مَن رحِم اللهُ - الطغيانَ والتكبُّر والتجبُّر على خلق الله تعالى، قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6، 7]، والطغيان: مجاوزة الحد في العصيان.لأن رأى نفسه استغنى، أي صار ذا مال وثروة.(17) وقال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 27]، أي: لو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق، لحملهم ذلك على البغي والطغيان من بعضهم على بعض، أشرًا وبطرًا.(18) طغيان المال أفسد كثيرًا من المعتقدات عند الناس سجل القرآن بعض العقائد والتَّصورات الَّتي كانت سائدةٌ في الجاهلية وهو يرد ضلالها ويبين زيغها ويقوم عوجها. فالنَّاس في الجاهلية كانوا قد جعلوا الحياة الدُّنيا وزينتها وزخرفها أكبر همُّهم ومبلغ علمهم حيث أنكروا البعث والقيام لله ربِّ العالمين {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ‌ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24]. ومن ثمَّ كانوا حريصين أشدَّ الحرص على التَّكاثر في الأموال والأولاد وغير ذلك من متاع الدُّنيا قال -تعالى-: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ‌ * حَتَّىٰ زُرْ‌تُمُ الْمَقَابِرَ‌} [التَّكاثر: 1-2]، ويظنُّون أنَّ المال الكثير والجاه العريض هو سبيل الخلد، قال تعالى: {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} [الهمزة: 2-3]، وينكرون البعث ويقولون حتَّى لو بعثنا فسنعطى الأموال والأولاد في الآخرة كما في الدُّنيا ولن يعذبنا الله وإنَّما سيدخلنا الجنَّة وهو ما ذكره القرآن عنهم في أكثر من موضعٍ مثل قوله -تعالى-: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ‌ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ: 35]، وفي حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه قال كُنْتُ رَجُلًا قَيْنًا(19)، فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، فَاجْتَمَعَ لِي عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: "أَمَا وَاللَّهِ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ فَلاَ"، قَالَ: وَإِنِّي لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ؟ قُلْتُ: "نَعَمْ"، قَالَ: فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ، فَأَقْضِيكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا، وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 77].(20) فقد افتخروا بكثرة الأموال والأولاد واعتقدوا أنَّ ذلك دليل على محبَّة الله له واعتنائه بهم وأنَّه ما كان ليعطيهم هذا في الدُّنيا ثمَّ يعذبهم في الآخرة وهيهات لهم ذلك.   المبحث الرابع: صور الفتنة بالمال جعل الله سبحانه الأموال لمصالح العباد، والمال لا يذم لذاته، بل يقع الذم لمعنى من الآدمي، وذلك المعنى: إما شدة حرصه، أو أخذه من غير حله، أو حبسه عن حقه، أو إخراجه في غير وجهه، أو المفاخرة به والتكبر على الخلق بسببه. فالمال لا يذم لذاته، بل ينبغي أن يمدح؛ لأنه سبب للتوصل إلى مصالح الدين والدنيا، وقد سماه الله تعالى خيراً، وهو قوام الآدمي، لكن الواجب فيه: أخذه من حله، ووضعه في حقه.   والفتنة بالمال أخذت صورًا شتَّى في كل العصور، ومن هذه الصور ما يلي: أن لا يبالي الإنسان في مصدره أحرامٌ هو أم حلال: التساهل في هذا الباب خطرٌ كبيرٌ  لأن العبد يسئل عن ماله من جهتين، جهة الكسب وجهة الإنفاق كما قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ....مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ"(21) وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن التساهل فيه من الفتن كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ"(22) أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا تحذيرًا من فتنة المال.. ووجه الذم من جهة التسوية بين الأمرين وإلا فأخذ المال من الحلال ليس مذمومًا من حيث هو.(23) والذي يتأمل في أحوال الناس في هذه الأيام، وانكبابهم على كسب هذا المال بأي وسيلة كانت حتى ولو من معاملاتٍ فيها مخالفاتٍ شرعيةٍ: كالربا، والغش، وأكل أموال الناس بالباطل وغيرها. ومثلُ هذا يُسدُّ عنه بابُ إجابة الدعاء؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "...ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ "(24) إنفاق المال للصد عن سبيل الله، وإغواء عباد الله بأنواع من الفتن، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36]. أن يمنع الإنسانُ منه حقَّ الله فيه، وحقَّ الخلق، فلا يؤدِّي الزكاة، ولا ينفقُ بالمعروف على من تجب نفقتُه عليهم من زوجة وولد وخدم وعمال، ولا يتصدقُ منه في وجوه الخير بل يتملكُه البخلُ والشح وكأن زيادةَ حسناته مرهونةٌ بزيادة أرصدته. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34، 35] أي: يمسكونها {وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: طرق الخير الموصلة إلى الله، وذكر الله في هاتين الآيتين، انحراف الإنسان في ماله، وذلك بأحد أمرين: إما أن ينفقه في الباطل الذي لا يجدي عليه نفعًا، بل لا يناله منه إلا الضرر المحض، وذلك كإخراج الأموال في المعاصي والشهوات التي لا تعين على طاعة الله، وإخراجها للصد عن سبيل الله. وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات، والنهي عن الشيء، أمر بضده(25) وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه  أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْإِبِلُ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبُ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، أَوْفَرَ مَا كَانَتْ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبُ بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ، وَلَا جَلْحَاءُ، وَلَا عَضْبَاءُ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ"(26) الاشتغال بالمال - ولو كان حلالاً- عن طاعة الله وعن ذكره وشكره، كما قال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9]، فهذا أمر من الله  لعباده المؤمنين بكثرة ذكره وناهيًا لهم عن أن تشغلهم الأموال والأولاد عن ذلك ومخبرًا لهم بأنه من التهى بمتاع الحياة الدنيا وزينتها عما خلق له من طاعة ربه وذكره، فإنه من الخاسرين الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.(27) أن يراه بعضُ الناس مقياسًا للسعادة: بعض الناس يغلط، ويظن أن من رزق مالًا كثيرًا، فإنه قد وُفِّق: وهو دليل على محبة اللَّه له! والأمر ليس كذلك، فإن الدنيا يعطيها اللَّه من يحب ومن لا يحب؛ وقد ذكر اللَّه هذا عن الإنسان، وأخبر أن الأمر ليس كما ظن، قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِين * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُون} [المؤمنون56: 55]. وقال تعالى: {فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن (16) كَلاَّ} [الفجر]. يقول تعالى منكرًا على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله عليه في الرزق ليختبره في ذلك، فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له وليس كذلك، بل هو ابتلاء وامتحان. كما قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 55، 56].وكذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضيق عليه في الرزق، يعتقد أن ذلك من الله إهانة له. قال الله: {كلا} أي: ليس الأمر كما زعم، لا في هذا ولا في هذا، فإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ويضيق على من يحب ومن لا يحب، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين، إذا كان غنيًا بأن يشكر الله على ذلك، وإذا كان فقيرًا بأن يصبر.(28) فكثرة المال ليس دليلاً على الإكرام، ولا قلته دليلاً على الإهانة، بل الميزان عند الله تعالى بالتقوى والعمل الصالح كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وكما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ"(29)    المبحث الخامس: أسباب الفتنة بالمال الفتنة بالمال لها أسباب كثيرة ومن أهم تلك الأسباب ما يلي: - الحرص والطمع وعدم الرضا بالقليل: أول تلك الصورِ الطمعُ الذي يُفسِد على المرء دينَه ودنياه وأخراه، فالناظر إلى ما تعيشه البشرية في الحقبة الأخيرة من حروبٍ طاحنة، وظلم واستبداد، يرى الطمعَ هو الذي يجعل الدول يقتلُ بعضها بعضًا من أجل الاستيلاء على ثروات ومدَّخرات الأمم. فعن كعب بن مالك قال، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ"(30) قال المناوي: فمقصودُ الحديث أن الحرص على المال والشرف أكثر إفسادًا للدِّين من إفساد الذئبينِ للغنم؛ لأن ذلك الأشر والبَطَر يستفزُّ صاحبه ويأخُذُ به إلى ما يضرُّه، وذلك مذمومٌ؛ لاستدعائه العلوَّ في الأرض والفساد المذمومينِ شرعًا.(31) وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: " يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ"(32) قالوا: والحكمة في التخصيص بهذينِ الأمرين أن أحبَّ الأشياء إلى ابن آدم نفسُه، فهو راغبٌ في بقائها، فأحَبَّ بذلك طول العمر، وأحبَّ المالَ؛ لأنه مِن أعظم الأسباب في دوام الصحة التي ينشأ عنها غالبًا طولُ العمر، فكلما أحسَّ بقرب نفادِ ذلك، اشتد حبُّه له، ورغبته في دوامه. ﴿ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾ [الإسراء: 100]، فهذا يدلُّ على أن حرصَ ابنِ آدم وخوفَه من الفقر الباعثَ له على البخلِ حتى على نفسه وعلاجه فبكثرة التأمل فيما ورد من الآيات والأحاديث من ذم البخل والبخلاء ونفور الطبع عنهم وذم المال وآفاته وبكثرة البذل تكلُّفًا لكونه على خلاف طبعه حتى يصير بالمداومة طبعًا له. حب الأولاد والأقارب فيجتهد في الكسب لإغنائهم عن الاحتياج، حتى ولو كان ذلك على حساب الدين. قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24]  وعلاجه: أن يتذكر أن الذي خلقها أي الأنفس المذكورة خلق معها رزقها، قال الله تعالى {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 6]، وأن يتذكر الإنسان أنهم إن كانوا أتقياء فيكفيهم الله تعالى بوعده {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} [الطلاق: 2] {ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق: 3]، وإن كانوا فسقة فيستعينون بماله على المعصية وترجع مظلمته عليه؛ لأنهم يجعلون ماله آلة لفسقهم وظلمهم، إن علم أو ظن استعانتهم به على الفسق والظلم، وإلا فلا ترجع مظلمته عليه. حب الشهوات واللذات العاجلة قبل الموت التي لا وصول لها إلا بالمال، وهو المسمى بحب الدنيا كاللباس الفاخر والأبنية العالية والأطعمة النفيسة والمراكب والحدائق.(33) قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14]   المبحث السادس: علاج الفتنة المال لا شك أن فتنة المال وغيرها من الفتن، لا نجاة منها ولا خلاص من أخطارها، إلا بهذا الدين، فدين الإسلام هو الذي جاء بالدواء الواقي، والعلاج الناجع، من هذه الفتن، ومنها فتنة المال، ومن ذلك: – الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ومعرفة ماله من صفات الكمال، ونعوت الجلال، ففيه نجاة من هذه الفتنة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15].وقال: ﴿ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ﴾ [محمد: 38].فالآيات تؤكد غنى الخالق وفقر المخلوق، أيًّا كان ذلك المخلوق فهو الفقير مهما بلغت أملاكه، ومهما وصلت أرصدته، إذا أدرك ذلك فإنه يحتقر نفسه ويعظم ربه، وينجو من الفتنة. ولقد ذم الله سبحانه وتعالى قارون الذي نسب المال إلى علمه حيث قال: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78] فنسبه إلى نفسه، فرد الله سبحانه وتعالى عليه قائلاً: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص: 78].  الثقة بالله سبحانه وتعالى: من أهم جوانب النجاة من هذه الفتنة، كما في حديث زيد بن ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ"(34) دعاء الله سبحانه وتعالى واللجوء إليه وقاية من هذه الفتنة، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من الفتنة بالمال فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ: "اللهُمَّ فَإِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ....وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ.."(35) والتقييد في الغنى والفقر بالشر لا بد منه لأن كلا منهما فيه خير باعتبار فالتقييد في الاستعاذة منه بالشر، يخرج ما فيه من الخير سواء قل أم كثر، قال الغزالي فتنة الغنى الحرص على جمع المال وحبه حتى يكسبه من غير حله وبمنعه من واجبات إنفاقه وحقوقه وفتنة الفقر يراد به الفقر المدقع الذي لا يصحبه خير ولا ورع حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الدين والمروءة ولا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب ولا في أي حالة تورط وقيل المراد به فقر النفس الذي لا يرده ملك الدنيا بحذافيرها.(36) العلم بحال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام: والله إن المرء ليدركُ فتنةَ المال الحقيقيةِ ويزهدُ فيه حقا عندما يحُضرُ قلبَه، وهو يقرأ أن نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم-  تُوفي وليس في بيته درهم ولا متاع، بل ودرعه مرهون عند يهودي في شيء من الشعير، وصدق الله: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83].قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ، فَجَلَسْتُ، فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ، وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ، وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ، قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ، قَالَ: "مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ" قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَمَا لِي لَا أَبْكِي وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى، وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَصَفْوَتُهُ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ، فَقَالَ: " يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا؟ "، قُلْتُ: بَلَى.(37) فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ينظر إلى أبعد من هذه الحياة، ينظر إلى السعادة في الآخرة، تلك السعادة الأبدية التي لا يشوبها مرض، ولا هرم، ولا موت، فلو أن أصحاب الأموال نظروا بهذا المنظار لسلموا من الفتنة، ولهان عندهم المال. وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أُخْتِي: "إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلاَلِ، ثُمَّ الهِلاَلِ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَارٌ"، فَقُلْتُ يَا خَالَةُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: " الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ، كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَلْبَانِهِمْ، فَيَسْقِينَا"(38) الصبر على ضيق العيش: فمن توجيهات النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك ما جاء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: "مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ"(39) الإيمان بزوال الدنيا وما فيها، ونعيم المؤمنين في الجنة: قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [القصص: 60].يخبر الله تعالى عن حقارة الدنيا، وما فيها من الزينة الدنيئة والزهرة الفانية بالنسبة إلى ما أعده الله لعباده الصالحين في الدار الآخرة من النعيم العظيم المقيم، كما قال: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96]، وقال: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأبْرَارِ} [آل عمران: 198]، وقال: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ}  [الرعد: 26]، وقال: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16، 17].(40) وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: " يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ"(41) الإيمان بالقضاء والقدر: لاسيما في مسألة الغنى والفقر  وذلك بما يلي: 1- أن يدرك صاحب المال أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، فلا يغتر بماله، فكما أن الله سبحانه أغناه، فهو سبحانه قادر على إفقاره، وإغناء غيره من الناس، قال تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ] [الرعد: 26]. 2- أن كثرة المال وسعة الرزق ليست دليلاً على الرضا بل ابتلاء من الله لصاحب المال، وفي قارون ومصيره عبرة وعظة. 3- أن الحالة الاقتصادية للإنسان لا تدوم، فربما يكون الإنسان غنيًا وقد كتب عليه في القدر أن يكون فقيرًا، وكذلك العكس ربما كان الإنسان فقيرًا وكتب عليه في القدر أن يكون غنيًا، والواقع يدل على ذلك فكم هم أرباب الملايين قد أثقلوا بالديون وأودعوا السجون. 4- أن يعلم الإنسان أن الله سبحانه وتعالى هو الذي قسم الأرزاق. القناعة والرضا برزق الله تعالى: فقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم-  أمَّته إلى القناعة وعيشة الكفاف. كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ"(42) ومعنى هذا الحديث: أن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح، هو غنى النفس، وبيانه: أنه إذا استغنت نفسه كفّت عن المطامع، فعزّت وعظمت، فجعل لها من الحظوة والنزاهة والتشريف والمدح أكثر ممن كان غنيًا بماله، فقيرًا بحرصه وشرهه، فإن ذلك يورطه في رذائل الأمور، وخسائس الأفعال، لبخله ودناءة همّته، فيكثر ذامُّه من الناس، ويصغر قدره فيهم؛ فيكون أحقر من كل حقير، وأذل من كل صغير.(43) وبين أن هذا من الفلاح كما في حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ"(44) والكفاف ما يكف عن الحاجات، ويدفع الضرورات والفاقات. ومعنى هذا الحديث: أن من فعل تلك الأمور، واتصف بها، فقد حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدُّنيا والآخرة.(45) وقد ذمَّ اللَّه ورسوله عبد المال: الذي إذا أُعطِي رضي، وإن لم يُعطَ سخط، قال تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُون} [التوبة: 58]. وكما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ، وَالقَطِيفَةِ، وَالخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ"(46)   الاعتدال وعدم الإسراف: فكما حدد الإسلام شروط كسب المال، حدد كذلك وجوه صرفه، فدعا إلى الاعتدال وهذا هو التوجيه الإسلامي في كل شيء. قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، وقال سبحانه: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا  إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 26 - 27]، وقال تعالى {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] وكما في حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "كُلُوا، وَاشْرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا، غَيْرَ مَخِيلَةٍ، وَلَا سَرَفٍ"(47) النظر إلى من هو دونك من أهل الدنيا: من أراد أن يقنعَ بعيشه ويُعرضَ عن الطمع في مال غيره أو حَسَدِه، فلينظر من هو أسفلُ منه في حاله وعيشه وراتبِه ومسكنه، وكم من ساكن خيمةً هو أسعدُ بلا مقارنة من سكان القصور، فالمظاهر خادعةٌ والعبرةُ زاد الآخرة.فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ"(48) ولو نظرت إلى الأغنياء فلن ترضى بما قسم الله لك، وهذه بلية عظمى، ولو نظرت إلى من هو أفقر منك فستقول: الحمد لله.   بيان حقيقة هذا المال: وذلك من الأمور الآتية: - أولاً: ملكية المال لله: قال تعالى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] ثانياً: الإنسان مستخلف في المال فقط: قال تعالى {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7] ثالثاً: المال وسيلة لا غاية: وهو ممدوح في القرآن إذا كان طاهر المصدر، طيب الإنفاق.   المبحث السابع: وسائل الحفاظ على المال في الإسلام المال نعمة من نِعَم الله على عباده. ونِعَم الله كلها تستحق منا الاحترام والعناية والرعاية. وقد أجمع العلماء على أن حفظ المال هو أحد الضروريات الخمس الكبرى، التي عليها مدار الشريعة ومقاصدِها. وحفظ هذه الضروريات يكون من جانب الوجود، ويكون من جانب العدم. والحفظ لها يكون بأمرين: أحدهما: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود. والثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم.(49) أولًا: حفظ المال وجودًا وتحصيلًا   وذلك عن طريق ما يلي: - الأول: الحث على السعي والكسب وتحري الحلال واجتناب الحرام: قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15]، أي: فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئا، إلا أن ييسره الله لكم؛ ولهذا قال: {وكلوا من رزقه} فالسعي في السبب لا ينافي التوكل.(50) الثاني: رفع من مكانة العمل وعظّم من شأنه، وجعله المصدر الأساس لكسب المال وتحصيله، كما في حديث المِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ"(51)   ومن عظمة هذا الدين أن جعل للنية الصالحة في كسب المال - إن كان ضمن الطرق المباحة – دورًا كبيرًا في تحويل الأعمال المباحة إلى عبادة من العبادات يثاب عليها المسلم، ففي الحديث عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَة، قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ جِلْدِهِ وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ"(52)   كما قرر كرامة العامل وأوجب الوفاء بحقوقه المادية والمعنوية فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ "(53)  الثالث: إباحة المعاملات التي يحتاج إليها الناس لمعاشهم دون أن يكون فيها ظلم أو اعتداء على حقوق الآخرين:  فقد شرع الإسلام وأباح أنواعًا كثيرة من العقود: كالبيع والإجارة والرهن والشركة والمساقاة والمزارعة......وغيرها. ومن عظمة الإسلام ومرونته في باب المعاملات أن فتح المجال أمام ما تكشف عنه التجارب الاجتماعية من عقود شريطة أن لا تنطوي على الظلم أو الإجحاف بطرف من الأطراف، أو يكون فيها نوع من أكل أموال الناس بالباطل. ثانيًا: حفظ المال بقاءً واستمرارًا   وذلك من خلال ما قرره الإسلام من قواعدَ وتشريعات للحفاظ على المال. فمن ذلك: تعظيم حرمة مال المسلم: كما في حديث أبي بكرة في خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجته قال: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا.."(54) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "..كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ"(55) تحريم إضاعة المال: كما في حديث المغيرة بن شعبة قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ"(56) وإضاعة المال هو صرفه في غير وجوهه الشرعية وتعريضه للتلف وسبب النهي أنه إفساد والله لا يجب المفسدين ولأنه إذا أضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس.(57) الحفاظ على المال بعدم تسليمه لمن لا يحسن التصرف فيه   هناك أصناف لا تجيد التصرف في المال وهؤلاء وضع الإسلام ضوابط لمعاملاتهم المالية وقيض لهم من يتولى رعاية هذه الأموال لهم حتى لا تضيع ومن هؤلاء: 1- اليتامى: جعلت الآيات أموال اليتامى محفوظة بتشريع ملزم تصان فيه حقوق الضعفاء وغير القادرين وليس مجرد توصيات تنفذ أحيانًا وتترك أحايين وفقًا للأهواء ومن ذلك: أ - نهى القرآن الكريم عن أكل مال اليتامى بدايةً فقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ وهذا أمر معلوم معروف. ب - أمر بتسليم المال له بعد الاختبار بصلاحية الإدارة والبلوغ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ 2- السفهاء: قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء: 5]. والسفيه هو من لا يحسن التصرف في المال، إما لعدم عقله كالمجنون والمعتوه ونحوها، وإما لعدم رشده كالصغير وغير الرشيد، فنهى الله الأولياء أن يؤتوا هؤلاء أموالهم خشية إفسادها وإتلافها، ولأن الله جعل الأموال قياماً لعباده في مصالح دينهم ودنياهم، وهؤلاء لا يحسنون القيام عليها وحفظها، فأمر الولي أن لا يؤتيهم إياها، بل يرزقهم منها ويكسوهم ويبذل منها ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية.(58) ومن الأحاديث التي تحذر من إيتاء السفهاء للأموال ما جاء عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " ثَلاَثَةٌ يَدْعُونَ اللَّهَ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ: رَجُلٌ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا، وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ آتَى سَفِيهًا مَالَهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ}(59). تحريم السرقة وإيجاد الحد على السارق: قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم} [المائدة: 38]، ولا شك أن في تحريم السرقة في الشريعة الإسلامية واعتبارها من الكبائر، بل وإيجاب حد قطع يد السارق – إن اكتملت شروط إقامة الحد – فيه من الردع ما يكفي لحفظ أموال الناس من الاعتداء. تحريم قطع الطريق وإيجاب الحد عليه: ومن المعلوم أن من أهم أهداف وغايات قطاع الطريق هو الاعتداء على أموال الناس، وقد شرع الإسلام عقوبة شديدة رادعة على هذه الجريمة، لحفظ الأمن والأمان في المجتمع، والذي منه حماية أموال الناس. قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] ولا شك أن عقوبة بهذه الشدة وذلك الحسم كافية لحفظ أموال الناس من الاعتداء، ناهيك عن حماية المجتمع بأسره من غائلة اختلال أمنهم. تحريم أكل أموال الناس بالباطل: قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188] أي: ولا تأخذوا أموالكم أي: أموال غيركم، أضافها إليهم، لأنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويحترم ماله كما يحترم ماله؛ ولأن أكله لمال غيره يجرئ غيره على أكل ماله عند القدرة. ولما كان أكلها نوعين: نوعا بحق، ونوعا بباطل، وكان المحرم إنما هو أكلها بالباطل، قيده تعالى بذلك، ويدخل في ذلك أكلها على وجه الغصب والسرقة والخيانة في وديعة أو عارية، أو نحو ذلك، ويدخل فيه أيضا، أخذها على وجه المعاوضة، بمعاوضة محرمة، كعقود الربا، والقمار كلها، فإنها من أكل المال بالباطل، لأنه ليس في مقابلة عوض مباح، ويدخل في ذلك أخذها بسبب غش في البيع والشراء والإجارة، ونحوها، ويدخل في ذلك استعمال الأجراء وأكل أجرتهم، وكذلك أخذهم أجرة على عمل لم يقوموا بواجبه، فكل هذا ونحوه، من أكل المال بالباطل، فلا يحل ذلك بوجه من الوجوه، حتى ولو حصل فيه النزاع وحصل الارتفاع إلى حاكم الشرع، وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة، غلبت حجة المحق، وحكم له الحاكم بذلك، فإن حكم الحاكم، لا يبيح محرما، ولا يحلل حراما، إنما يحكم على نحو مما يسمع، وإلا فحقائق الأمور باقية، فليس في حكم الحاكم للمبطل راحة، ولا شبهة، ولا استراحة. فمن أدلى إلى الحاكم بحجة باطلة، وحكم له بذلك، فإنه لا يحل له، ويكون آكلا لمال غيره، بالباطل والإثم، وهو عالم بذلك. فيكون أبلغ في عقوبته، وأشد في نكاله.(60) الحفاظ على المال بالنهي عن كل المعاملات  المالية المحرمة التي تضر بالمال: ومن ذلك: - النهي عن الربا: نهى الإسلام عن الربا حفاظاً على المال بالعديد من النصوص قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ ﴾[166]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ"(61) النهي عن الرشوة وما يتعلق بها: من المحسوبية والتملق والوصولية وكل ما يعطى لقضاء مصلحة أو لإحقاق باطل وإبطال حق فهي صور محرمة يعاقب عليها الشرع وتذهب البركة فهي محرمة كمصدر للكسب ومحرمة كوجه من أوجه الصرف والإنفاق فمقدم الرشوة ودافعها (الراشي) وكذا آخذ الرشوة وآكلها (المرتشي) كلهم مشتركون في الحرمة والإثم، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ".(62) لأن الرشوة تسبب الضياع بأخذ من لا حق له وما يترتب على ذلك من نتائج فاسدة ومدمرة بضياع الحقوق العامة والخاصة وحقوق المجتمع والأفراد النهي عن الميسر وما يساويه: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ النهي عن نقص المكيال والميزان، قال تعالى: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْ‌ضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85]. الحفاظ على المال بإخراج حقوق الله فيه: فرض الله في مال الأغنياء وقد جعل الإسلام إخراج حق الله في المال وسيلة من وسائل حفظه قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"(63) وحيث إن إخراج حق الله في المال من أعظم القرب لذلك حرص الشيطان على صد الناس عن هذا الباب موهماً لهم أن الإنفاق ينقص المال ويؤدي إلى الفقر فأراد الله أن يبطل كيد الشيطان ويبين للمؤمنين العكس من ذلك وهو أن إخراج حق الله في المال يحافظ عليه بل يزيده وينميه قال تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ وعلى العكس يتوعد التشريع الإسلامي من ضن بإخراج حق الله في المال بان عقابه في الدنيا وبيل وقد يتسبب ذلك في فقد المال أو ضياعه أو فساده...إلى غير ذلك إضافة إلى عقابه في الآخرة. كما في قصة أصحاب البستان عند عزمهم منع حق الله الذي يتمثل في جزء من ناتج ثمار البستان بأن حرمهم الله وأهلك البستان كله بسبب منعهم لإخراج حق الله فيه قال تعالى: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾[108]، كذلك في قصة قارون الذي اغتر بعلمه وقوته وترك أداء حقوق الله في ماله. مما سبق نخلص إلى نتيجة هامة مفادها أن الحفظ والبركة والإنماء الإلهي للمال يتحقق بإخراج حق الله فيه وأن فساد المال أو هلاكه يكون بمنع إخراج حق الله فيه. الحفاظ علي المال بمشروعية الرهن وكتابة الدَين جاء الإسلام بالحفاظ علي المال في حالة الدَين بالرهن وكتابة الدين، لما لذلك من  فائدة للدائن والمدين فعن الرهن قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾[215]، وأما الكتابة فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾[217]. فهذه الآية دليل وأصل في ضرورة كتابة الدين والإشهاد عليه، والوصية لكاتب الدين أن يكون عدلاً في كتابته وتوثيقه، ولا يزيد ولا ينقص على ما يملى عليه والذي عليه الدين هو الذي يملي الدين إقرارًا منه وتوثيقًا له. الحفاظ على المال بالمحافظة على الأموال المنتجة: جعل الإسلام الحفاظ على الأموال المنتجة باباً من أبواب حفظ المال نتعلم من النبي -صلى الله عليه وسلم- المحافظة على الأموال المنتجة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ - أَوْ لَيْلَةٍ - فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: "مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟ " قَالَا: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ، ، قَالَ: "وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا"، فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ، قَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيْنَ فُلَانٌ؟ " قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ، إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي، قَالَ: فَانْطَلَقَ، فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِيَّاكَ، وَالْحَلُوبَ"(64) ‌فحتى في لحظات جوعه وجوع من حوله لم ينس صلى الله عليه وسلم أن يعلم الأمة أن هذه الحلوب لو ذبحت لخسر بيت من بيوت المسلمين ما يغنيهم من اللبن ومنتجاته التي ستنتهي بذبح هذه الحلوب وهذا ما يجب أن يتعلمه الإنسان في كيفية التعامل مع  موارده وكيفية استثمارها والمحافظة عليها.   الحفاظ على المال بأداء المواريث: عني الإسلام في تشريعه بتقسيم المواريث تقسيمًا في غاية العدالة وحدد لكل من الوارثين نصيباً مفروضاً بل إن تقسيم ميراث الرجل يتأجل إذا كان في رحم امرأته جنين حتى تضع، وهذه التشريعات التي تحدد نصيب كل وارث للحفاظ على المال حتى لا يحدث ضياع لمال أحد الوارثين بحرمانه من ميراثه أو أخذ أحد الوارثين من المال أكثر من نصيبه فللنساء نصيب وللصغار نصيب على العكس ممن يجعل الذكور يستأثرون بكل المال ويحرم النساء أو الأطفال، وقد جاء في القرآن الكريم ما يؤيد ذلك في العديد من الآيات ومنها: قال تعالى: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾، أي الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى يستوون في أصل الوراثة وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله تعالى.(65) المبحث الثامن: استخدام المال الله تعالى أنزل المالَ لغايةٍ سامية، تسمو عن الغايةِ التي من أجلها يتكالبُ البشر على المال، وقد أوضَحَها الله تعالى لنا كما في حديث أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: كُنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَيُحَدِّثُنَا فَقَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: " إِنَّ اللهَ قَالَ: إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ، لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ ثَانٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ، لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ "(66) والإسلام لم يخاصم الدنيا ولم يصدَّ الناسَ عنها كل ما في الأمر أنه يحرص على الاعتدال في طلب الدنيا وفي طلب الآخرة. قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (سورة القصص آية 77) والذي لم يوسع الله عليه في المال فليصبر فلربما كان خيرًا  له وهو لا يشعر: فعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ: الْمَوْتُ، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ"(67) وعَنْ أُسَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "قُمْتُ عَلَى بَابُ الجَنَّةِ، فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ.."(68) وليعلم المرء أن الخلود لا يشترى بالمال. وأي مقياس للرجال بغير التقوى خطأ عظيم. قال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 38] إن مقياس الرجال في الإسلام إيمان وخلق. فمن تمتع بهما فلا يضرُّه أن يملك الدنيا. ولا يَنقصُ من قدره كفاف العيش. قال تعالى{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] والمال نعمة كبيرة تتطلب للمحافظة عليها التقيد بأحكام الشريعة الإسلامية في كسبه وتوظيفه واستثماره ومن ذلك النفقة على النفس والأهل بالوسطية فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ"(69) وإنفاقه في طرق الخير فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: -صلى الله عليه وسلم-" لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا "(70) وفي حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال " إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ..."(71) وأن يستخدمه في باب الصدقات الجارية   ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"(72) كبناء المساجد ودور العلم كما قال -صلى الله عليه وسلم-: " مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى - قَالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ - بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ"(73) وأن يستخدمه الإنسان في مساعدة الفقراء والمساكين  وكفالة الأيتام وإغاثة الملهوفين فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ"(74) وعَنْ سَهْلٍ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا" وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا.(75) --- (1) تفسير ابن كثير (2/ 214) (2) تفسير القرطبي (10/ 413) (3) تفسير البغوي (8/ 422) (4) تيسير الكريم الرحمن (ص: 933) (5) البخاري(6436)، مسلم (1049) (6) الترمذي (2417)، والدارمي(537) من حديث أبي برزة. والترمذي(2416)، والبزار(1435) من حديث ابن مسعود، والطبراني في المعجم الكبير(111) من حديث معاذ بن جبل. وصححه الألباني في الصحيحة (946) (7) أحمد (17763)، البخاري في الأدب المفرد(299) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (229) (8) البخاري(843)، مسلم(595) (9) تيسير الكريم الرحمن (ص: 889) (10) البخاري(1429 )، مسلم (1033) (11) البخاري تعليقًا كتاب اللباس، ووصله أحمد(6695)، والنسائي(2559) وحسنه الألباني في صحيح الجامع(4505) (12) البخاري(3158)، مسلم (2961) (13) تفسير القرطبي (18/ 142)، تفسير ابن كثير (8/ 139) (14) أحمد(17471)، والترمذي(2336)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (592) (15) فيض القدير (2/ 507) (16) البخاري(6514)، مسلم (2960) (17) تفسير القرطبي (20/ 123) (18) تفسير ابن كثير (7/ 206) (19) قَيْنا: وهو بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون وهو الحداد. فتح الباري لابن حجر (8/ 430) (20) البخاري(2275)، مسلم (2795) (21) الترمذي (2417)، والدارمي(537) من حديث أبي برزة. والترمذي(2416)، والبزار(1435) من حديث ابن مسعود، والطبراني في المعجم الكبير(111) من حديث معاذ بن جبل. وصححه الألباني في الصحيحة (946) (22) البخاري(2059) (23) فتح الباري لابن حجر (4/ 296) (24) مسلم (1015) (25) تيسير الكريم الرحمن (ص: 336) (26) مسلم (987) (27) تفسير ابن كثير (8/ 133) (28) تفسير ابن كثير (6/ 521) (29) مسلم(2564) (30) الدارمي(2730)، وأحمد(15784)، والترمذي(2376) وقال حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع(5620) (31) فيض القدير (5/ 446) (32) البخاري(6421)، مسلم (1047) (33) بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية (3/ 13) (34) أحمد (21590)، ابن ماجه(4105)، وصححه الألباني في الصحيحة (950) (35) البخاري(6368)، مسلم(589) (36) فتح الباري لابن حجر (11/ 177) (37) مسلم (1479) (38) البخاري(2567)، مسلم (2972) (39) البخاري(1469)، مسلم (1053) (40) تفسير ابن كثير (6/ 249) (41) مسلم (2807) (42) البخاري(6446)، مسلم (1051) (43) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (9/ 62) (44) مسلم(1054) (45) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (9/ 66) (46) البخاري(2886) (47) البخاري تعليقًا كتاب اللباس، ووصله أحمد(6695)، والنسائي(2559) وحسنه الألباني في صحيح الجامع(4505) (48) مسلم (2964) (49) الموافقات (2/ 18) (50) تفسير ابن كثير (8/ 179) (51) البخاري(2072) (52) الطبراني في المعجم الكبير(282)، وصححه الألباني في صحيح الجامع(1428) (53) البخاري(2270) (54) البخاري(67)، مسلم (1679) (55) مسلم (2564) (56) البخاري(1477)، مسلم (593) (57) شرح النووي على مسلم (12/ 11) (58) تيسير الكريم الرحمن (ص: 164) (59) الحاكم في المستدرك(3181)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة(1805) (60) تيسير الكريم الرحمن (ص: 88) (61) البخاري(6857)، مسلم (89) (62) أحمد(6532)، أبوداود(3580)، الترمذي(1337)، ابن ماجه(2313) وصححه الألباني في الإرواء(6532) (63) البخاري(1442)، مسلم (1010) (64) مسلم (2038) (65) كمال النظرة الإسلامية للمال في الميراث من ناحيتين: أولاً: من ناحية دور الميراث في تفتيت رأس المال وذلك حتى لا تنحصر ملكية المال في مجموعة قليلة من الناس، فإن ما يكوِّنه الميت من رأس المال يوزع على الورثة، وهذا يضاعف نشاط الورثة في العمل لتنمية التركة وإعادة بنائها. كما أنه يحول دون تركيز المال في يد البعض وحرمان الباقين. ثانياً: من ناحية عدالة التوزيع للتركة النظام اليهودي: التركة للولد الذكر وإذا كان له إخوة ذكور فيعطى الولد الأكبر نصيب اثنين، أما البنت فلا ترث مع وجود إخوة ذكور، والتركة كلها للذكور، وللبنت التربية حتى تكبر فقط، فإذا لم يكن لها إخوة ذكور فترث بشرط أن تتزوج من شباب العائلة حتى لا تخرج التركة عن العائلة. الميراث عند العرب: كانت التركة عندهم توزع على الذكور فقط، أمَّا الإناث فلا ميراث لهن بل. أكثر من حرمانهن من الميراث أن المرأة في بعض الأحوال كانت تورث كما يورث المتاع من التركة. فكان ابن الزوج يلقي ثوبه على زوجة أبيه إذا مات أبوه فتصبح زوجة الأب ملكاً للابن يتصرف فيها كيفما شاء. . . وظل الأمر هكذا حتى حرر الإسلام المرأة من بقايا الجاهلية فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}(سورة النساء آية 19) كما أن النظام الجاهلي كان لا يورِّث إلا الذكر الذي يحمل السلاح، فإن كان الولد صغيراً يحرم من الميراث، وتدفع التركة لمن يحمل السلاح من أهل الميت سواء كان من أولاده أو من أقاربه. ولما جاء الإسلام أبطل ذلك كله وجعل لكل فرد نصيبه المحدد. المال في القرآن الكريم: محمود محمد غريب (ص: 77) (66) أخرجه أحمد(21906) وأبو يعلى(1795)، والدولابي في الكنى(1/176)، والطبراني في الكبير(2446، 3303)) والبيهقي في الشعب(9800) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة(1639) (67) أحمد (23625)، والبغوي في شرح السنة(4066)، وجود إسناده الألباني في الصحيحة (813) (68) البخاري(5196)، مسلم (2736) (69) مسلم (995) (70) البخاري(1409)، مسلم (816) (71) أحمد (18031 )، والترمذي(2325) وصححه الألباني في صحيح الجامع(3024) (72) مسلم(1631) (73) البخاري(450)، مسلم (533) (74) البخاري(5353)، مسلم(2982) (75) البخاري(5304)، وأخرجه مسلم (2983) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.   زاد الواعظين
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182090
    • إجمالي المشاركات
      2535339
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93168
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    chaima12
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×