المنتديات
-
"أهل القرآن"
-
ساحة القرآن الكريم العامة
مواضيع عامة تتعلق بالقرآن الكريم
المشرفات: الملتزمة المتفائلة, ام جومانا وجنى- 57436
- مشاركات
-
ساحات تحفيظ القرآن الكريم
ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]- 109817
- مشاركات
-
ساحة التجويد
ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح
- 9066
- مشاركات
-
-
القسم العام
-
الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"
للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة
المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات- 284
- مشاركات
-
- 180543
- مشاركات
-
شموخٌ رغم الجراح
من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.
المشرفات: مُقصرة دومًا- 56695
- مشاركات
- المقاومة جهاد
- بواسطة أمّ عبد الله
-
- 259983
- مشاركات
-
شكاوى واقتراحات
لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره
- 23500
- مشاركات
-
-
فتياتنا الجميلات
-
- 204494
- مشاركات
- ♥♥ زخــات الحب ♥♥
- بواسطة حواء أم هالة
-
- 117096
- مشاركات
- صويحباتي
- بواسطة أمّ عبد الله
-
- 136895
- مشاركات
-
- 20372
- مشاركات
- مذكرة فتاة مسلمة
- بواسطة مناهل ام الخير
-
-
ميراث الأنبياء
-
قبس من نور النبوة
ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها
المشرفات: سدرة المُنتهى 87- 8250
- مشاركات
-
مجلس طالبات العلم
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"
المشرفات: جمانة راجح, ميرفت ابو القاسم- 32133
- مشاركات
-
- 4162
- مشاركات
- أسئلة نحوية (2)
- بواسطة امانى يسرى محمد
-
أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة
يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم
المشرفات: إشراف ساحة الأحاديث الضعيفة- 3918
- مشاركات
-
- 25483
- مشاركات
-
- 1677
- مشاركات
-
-
الملتقى الشرعي
-
- 30256
- مشاركات
-
الساحة العقدية والفقهية
لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.
المشرفات: أرشيف الفتاوى- 53003
- مشاركات
-
أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية
يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية
المشرفات: أرشيف الفتاوى- 19530
- مشاركات
-
- 6678
- مشاركات
-
-
قسم الاستشارات
-
استشارات اجتماعية وإيمانية
لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية
المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات- 40679
- مشاركات
-
- 47551
- مشاركات
- كتلة مشتبه بها في الثدي
- بواسطة Nibras
-
-
داعيات إلى الهدى
-
زاد الداعية
لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.
المشرفات: جمانة راجح- 21004
- مشاركات
- أهم صفات الداعية
- بواسطة أمّ عبد الله
-
إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية
إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.
- 776
- مشاركات
-
-
البيت السعيد
-
بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]
المشرفات: جمانة راجح- 6306
- مشاركات
-
- 97009
- مشاركات
- عاشروهن بالمعروف
- بواسطة أمّ عبد الله
-
آمال المستقبل
"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء
المشرفات: ~ محبة صحبة الأخيار~- 36838
- مشاركات
-
-
سير وقصص ومواعظ
-
- 31793
- مشاركات
- حكاوينا
- بواسطة حواء أم هالة
-
القصص القرآني
"لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"
المشرفات: ** الفقيرة الى الله **- 4883
- مشاركات
-
- 16438
- مشاركات
-
سيرة الصحابة والسلف الصالح
ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."
المشرفات: سدرة المُنتهى 87- 15479
- مشاركات
-
على طريق التوبة
يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.
المشرفات: أمل الأمّة- 29721
- مشاركات
-
-
العلم والإيمان
-
العبادة المنسية
"وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس
- 31147
- مشاركات
-
- 12926
- مشاركات
-
-
إن من البيان لسحرًا
-
- 50492
- مشاركات
- صفو الاكدار
- بواسطة أسما المشد
-
-
مملكتكِ الجميلة
-
- 41313
- مشاركات
-
منزلكِ الجميل
تصاميم.. لمسات تجميلية.. نصائح.. متعلقة بمنزلكِ
- 33883
- مشاركات
-
الطيّبات
- الأطباق الرئيسية
- قسم الحلويات
- قسم المقبلات
- قسم المعجنات والمخبوزات
- منتدى الصحة والرشاقة
- تطبيقات الطيبات
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
[البقرة : 172]- 91746
- مشاركات
-
-
كمبيوتر وتقنيات
-
- 32199
- مشاركات
-
جوالات واتصالات
قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة
- 13114
- مشاركات
- انشاء تطبيق بدون برمجة وتع…
- بواسطة Guest مريم السيد مصطفى
-
- 34854
- مشاركات
- تصميم مواقع
- بواسطة Hannan Ali
-
- 65605
- مشاركات
-
وميضُ ضوء
صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا
المشرفات: محبة للجنان, ** الفقيرة الى الله **- 6120
- مشاركات
-
الفلاشات
- || لَوْحَہٌ مِنْ اِبْدَاعِے ||
- || سَاحَہ الفلاَشْ اَلْتَعْلِيمِيَہْ ||
- || حَقِيَبہُ الْمُصَمِمَہْ ||
ساحة خاصة بأفلام الفلاشات
المشرفات: محبة للجنان, مُقصرة دومًا- 8966
- مشاركات
-
المصممة الداعية
يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات
- 4925
- مشاركات
-
-
ورشة عمل المحاضرات المفرغة
-
ورشة التفريغ
هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)
- 12904
- مشاركات
-
المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة
هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها
- 508
- مشاركات
-
-
le forum francais
-
- 7177
- مشاركات
-
-
IslamWay Sisters
-
English forums (37300 زيارات علي هذا الرابط)
Several English forums
-
-
المكررات
-
المواضيع المكررة
تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.
- 101648
- مشاركات
-
-
المتواجدات الآن 1 عضوة, 0 مجهول, 39 زوار (القائمه الكامله)
-
العضوات المتواجدات اليوم
3 عضوات تواجدن خلال ال 24 ساعة الماضية
أكثر عدد لتواجد العضوات كان 7، وتحقق
إعلانات
- تنبيه بخصوص الصور الرسومية + وضع عناوين البريد
- يُمنع وضع الأناشيد المصورة "الفيديو كليب"
- فتح باب التسجيل في مشروع "أنوار الإيمان"
- القصص المكررة
- إيقاف الرسائل الخاصة نهائيًا [مع إتاحة مراسلة المشرفات]
- تنبيه بخصوص المواضيع المثيرة بالساحة
- الأمانة في النقل، هل تراعينها؟
- ضوابط و قوانين المشاركة في المنتدى
- تنبيه بخصوص الأسئلة والاستشارات
- قرار بخصوص مواضيع الدردشة
- يُمنع نشر روابط اليوتيوب
-
أحدث المشاركات
-
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
فوائد وأحكام من قوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ... ﴾ قوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 18، 20]. 1- شهادة الله - عز وجل - لنفسه بتفرده بالألوهية، وأنه لا إله إلا هو، بقوله وفعله وعجيب صنعه؛ لقوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾، وفي هذا تنبيهٌ لعباده على غناه عن توحيدهم له، وأنه سبحانه هو الموحِّد نفسه بنفسه. 2- شهادة الملائكة وأولو العلم بما شهد الله به لنفسه من الوحدانية؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ ﴾، والمراد: أولو العلم بالله وشرعه وأتباعهم. 3- فضيلة الملائكة؛ حيث جعلهم الله تعالى في المرتبة الأولى في الشهادة بالتوحيد بعده سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ ﴾. 4- أخذ طائفة من أهل العلم من قوله: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أنه لا يشترط للشاهد عند الحاكم وغيره في قبول شهادته أن يتلفظ بلفظ الشهادة، فمن تكلم بشيء وأخبر به، فقد شهد به؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 150]، وقال تعالى: ﴿ وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 19]. فجعل منهم شهادة وإن لم يتلفظوا بلفظ الشهادة، ولم يؤدوها عند غيرهم، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135]، فسمى إقرار المرء على نفسه شهادة. وفي حديث ماعز: «فلما شهد على نفسه أربع مرات، رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم »[1]. فَسُمِّيَ إقراره شهادة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «شهد عندي رجال مرضيون - وأرضاهم عندي عمر - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس»[2]. ومعلوم أنهم لم يتلفظوا بلفظ الشهادة. والعشرة الذين شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة لم يتلفظ بشهادته لهم بلفظ الشهادة، وإنما قال: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة...»[3]. وأجمع المسلمون على أن الكافر إذا قال: «لا إله إلا الله محمد رسول الله» دخل في الإسلام وشهد الشهادتين، وإن لم يقل: «أشهد» ونحو ذلك. وقد ذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه لابد للشاهد عند الحاكم ونحوه من التلفظ بلفظ الشهادة. 5- فضل العلم بالله وشرعه، وفضل أهل هذا العلم والثناء عليهم؛ حيث جعلهم الله شهودًا بعد الملائكة على وحدانيته، وقرَن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، واستشهد بهم على أجل مشهود به، وجعلهم حُجة على من أنكر هذه الشهادة، فزكَّاهم بهذا وعدَّلهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأُولُو الْعِلْمِ﴾، وهذه منقبة عظيمة للعلماء في هذا المقام. وهذا لمن قدَّر منهم للعلم قدره، فعظَّم ربه، وصان علمه، وعمل به وعلَّمه، فوَفَّى بما أخذه الله من الميثاق على أهل العلم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187]. وهؤلاء من أهل العلم قليل؛ ولهذا قال تعالى في ختام الآية: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187]. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أن مِن أول مَن يُقضى يوم القيامة عليه رجل تعلَّم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن فأُتِيَ به فعرَّفهُ نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلَّمت العلم وعلَّمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلَّمت العلم لِيُقال: عالِم، وقرأت القرآن لِيُقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به، فَسُحِبَ على وجهه حتى أُلقِيَ في النار»[4]. وقد أحسن القائل: وعالم بعلمه لم يعلمن معذب في قبره من قبل عباد الوثن[5] وقال الآخر: ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظَّموه في النفوس لعظما ولكن أهانوه فهانوا ودنَّسوا محياه بالأطماع حتى تجهما[6] 6- الترغيب في العلم بالله وشرعه؛ لأن به تحصل الشهادة على وحدانية الله - عز وجل - بل هي من مقتضياته، فمن لم يشهد من أهل العلم لله بالواحدانية، فهو من أجهل الجهال، وإن علم من أمور الدنيا ما لم يعلَمه غيره. 7- حكم الله - عز وجل - أنه لا إله حق إلا هو، بعد شهادته وإخباره بذلك، وأمره - عز وجل - عباده بتوحيده؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 1، 2]، فمن عبد مع الله غيره فهو مُشرك. 8- تأكيد تفرده - عز وجل - بالألوهية، فشهد عز وجل بذلك لنفسه، وأخبر به، وحكم به وأمر، كما شهِد بذلك الملائكة وأولو العلم. 9- إثبات قيام الله تعالى واتصافه بالعدل قولًا وفعلًا وحكمًا وإخبارًا، وحكمًا به وأمرًا، وشهادته - عز وجل - لنفسه بذلك وشهادة الملائكة وأولو العلم؛ لقوله تعالى: ﴿ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ﴾. 10- اجتماع صفات الكمال لله عز وجل؛ لأن التوحيد والعدل هما جماع صفات الكمال، فالتوحيد يتضمن تفرُّدَه سبحانه بالكمال والجلال والمجد والتعظيم الذي لا ينبغي لأحدٍ سواه، والعدل يتضمن وقوع أفعاله كلها على السداد والصواب، وموافقة الحكمة؛ ففي الأول كمال ذاته، وفي الثاني كمال أفعاله. 11- إثبات اسم الله «العزيز» وصفة العزة التامة له - عز وجل - لقوله تعالى: ﴿ العزيز ﴾. 12-إثبات اسم الله «الحكيم» وأن له - عز وجل - الحكم التام، والحكمة البالغة؛ لقوله تعالى:﴿ الحكيم ﴾، وفي هذا رد على الجبرية والجهمية الذين ينفون حكمة الله تعالى. 13- في اقتران العزة والحكمة في حقه - عز وجل - زيادة كماله تعالى إلى كمال. 14- أن الدين الذي يُعتد به ويُقبل عند الله هو الإسلام الذي جاء به جميع الأنبياء والرسل، وهو توحيد الله تعالى، والانقياد لشرعه، وهو بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، ما جاء به من الشرع، فهو الإسلام الذي لا يُقبل من أحدٍ سواه؛ لنسخه لجميع الأديان قبله؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسِلت به إلا كان من أصحاب النار»[7]. 15- أن حقيقة الدين والتدين لله تعالى الاستسلام له بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك؛ لأن الله سمى «الدين» الإسلام. 16- أن أهل الكتاب اليهود والنصارى لم يختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم؛ أي: إن اختلافهم كان عن علم، فلا يعذرون فيه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾. 17- أن اختلاف أهل الكتاب كان بسبب بغي بعضهم على بعض؛ لقوله تعالى: ﴿ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾. 18- التحذير من الاختلاف؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾، وقال تعالى محذرًا هذه الأمة: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 105]. وقال صلى الله عليه وسلم محذرًا أمته من ذلك: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفرق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة»[8]. 19- خطر البغي، ووجوب الحذر منه؛ لأنه سبب للاختلاف ورد الحق؛ لقوله تعالى: ﴿ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾. 20- ينبغي في مسائل الخلاف الانتصار للحق، والبحث عنه، والبعد عن التطاول، والانتصار للنفس. 21- التحذير من الكفر بآيات الله؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾، فمن كفر بآيات الله فسيُحاسبه الله سريعًا، ويجازيه على كفره قريبًا، وفي هذا وعيدٌ لمن كفر بآيات الله، وحضٌّ على الإيمان. 22- سرعة حساب الله تعالى للخلائق؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾. 23- إثبات حساب الخلق على أعمالهم، لكن حساب المؤمنين تقريرٌ وعرضٌ، أما حساب الكفار فمناقشة وتوبيخ وتقريعٌ. كما في حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حوسِب عُذِّب»، قالت عائشة: فقلت: أَوَليس يقول الله تعالى: ﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق: 8]؟ قالت: فقال: «إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك»[9]. 24- عناية الله - عز وجل - بنبيه صلى الله عليه وسلم ، وتهيئته لما سيواجه ممن يدعوهم، وتعليمه ما يقوله للمحاجين له، ولمن يدعوهم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ ﴾ [آل عمران: 20]، وفي هذا إعدادٌ من الله له، وتقوية لقلبه ولحجته ودعوته. 25- في قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾ [آل عمران: 20]، توجيه له صلى الله عليه وسلم لما هو أخصر، وبما فيه قطع الطريق على المحاجين وإسكاتهم؛ أي: هذا طريقي وطريق أتباعي دون محاجة أو جدال، وهذا من أساليب الرد على المحاج إذا كان لا جدوى للمحاجة؛ كما قال تعالى في وصف عباد الرحمن: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63]. 26- أن المنهج الحق في الإسلام أن يتوجه المسلم إلى الله تعالى بكليته، وبوجهه، وقلبه، وبدنه ممتثلًا لأمر الله، مجتنبًا لنهيه، فهذا هو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه؛ لقوله تعالى: ﴿ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾. 27- شرف الوجه من بين الأعضاء؛ لقوله تعالى: ﴿ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ ﴾، فخصَّهُ من بين الأعضاء لشرفه، ولأن توجهه علامة ظاهرة على توجه بقية الأعضاء. 28- أن من لم يُسلِم وجهه لله تعالى فليس متبعًا للرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لمفهوم قوله تعالى: ﴿ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾. 29- وجوب الإسلام؛ لقوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ﴾. 30- عموم رسالة الإسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم للعرب وغيرهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ﴾، وفي هذا ردٌّ على من زعم من أهل الكتاب أن رسالته صلى الله عليه وسلم خاصة بالعرب فقط. عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُبعث إلى قومه خاصة، وبُعِثت إلى الناس عامة»[10]. وفى رواية: «وبُعِثت إلى كل أحمر وأسود»[11]. ولما زار صلى الله عليه وسلم الغلام اليهودي في مرض موته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «يا فلان، قُل: لا إله إلا الله»، فنظر إلى أبيه، فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم ، فنظر إلى أبيه، فقال أبوه: أطِعْ أبا القاسم، فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه بي من النار»[12]. 31- في تقديم ﴿ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ في قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ﴾: إشارة إلى أن قيام الحجة عليهم أعظم؛ لما عندهم من العلم عن الإسلام وعن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ كما قال تعالى: ﴿ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴾ [البقرة: 41]. 32-أن العرب أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب؛ لقوله تعالى:﴿ وَالْأُمِّيِّينَ ﴾. 33- أن من أسلم فقد اهتدى للطريق المستقيم، وَوُفِّق إليه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا ﴾، وفي هذا حض على الإسلام، وترغيب فيه. 34- أن من لم يُسلِم فقد تولَّى وأعرَض عن الحق، وليس على الرسول صلى الله عليه وسلم هدايته؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ﴾. 35- أن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والواجب عليه بالنسبة للناس هي إبلاغهم الرسالة ودعوتهم، وأما هدايتهم فهي إلى الله تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ﴾. 36- اطلاع الله - عز وجل - وبصره بالعباد وأعمالهم وأحوالهم، ومَن هو أهل للهداية، ومَن ليس أهلًا لها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾، وفي هذا وعدٌ لمن أسلَم واهتدَى، ووعيدٌ لمن تولى وأعرَض. ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, تفسير قوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ... ﴾ قوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 18 - 20]. قوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾. قوله ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾: الشهادة تكون بالقول والإخبار والإعلام، وتكون بالفعل، أي: شهد الله بقوله وإخباره وإعلامه لخلقه بما أنزل في كتبه وعلى ألسنة رسله أنه لا معبود بحق إلا هو، المتفرد بالألوهية لجميع الخلق، وكلهم عبيده. وبذلك قضى وحكم؛ كما قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد: 19]، وقال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [الإسراء: 23]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [النحل: 51]، وقال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]، وقال تعالى: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 24]، وقال تعالى: ﴿ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ﴾ [الإسراء: 22]، وقال تعالى: ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾ [الشعراء: 213]. وشهد - عز وجل - بفعله أنه لا معبود بحقٍّ إلا هو بما نصَّبه من الأدلة الدالة على وحدانيته التي تُعلم دلالتها بالعقل والفطرة، من خلق السماوات والأرض، والشمس والقمر، والليل والنهار، والإنسان والحيوان والنبات، وغير ذلك، فهو سبحانه وتعالى بخلقه لها ونصبها دلائل على وحدانيته قد شهد وأبان بها أنه لا إله إلا هو؛ كما قال تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وشهادة الرب وبيانه وإعلامه يكون بقوله تارة، وبفعله تارة، فالقول هو ما أُرسل به رسله، وأُنزل به كتبه، وأوحاه إلى عباده؛ كما قال: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾ [النحل: 2]. وأما شهادته بفعله فهو ما نصَّبه من الأدلة على وحدانيته التي تُعلم دلالتها بالعقل، وإن لم يكن هناك خبر عن الله، وهذا يُستعمل فيه لفظ الشهادة والدلالة والإرشاد، فإن الدليل يبين المدلول عليه ويُظهِره، فهو بمنزلة المخبر به، الشاهد به. كما قيل: سل الأرض من فجَّر أنهارها، وغرَس أشجاها، وأخرج ثمارها، وأحيا نباتها، وأغطش ليلها، وأوضَح نهارها، فإن لم تُجِبكَ حِوارًا، أجابتك اعتبارًا. وهو سبحانه شهِد بما جعلها دالة عليه، فإن دلالتها إنما هي بخلقه لها، فإذا كانت المخلوقات دالة على أنه لا إله إلا هو سبحانه الذي جعلها دالة عليه، فإن دلالتها إنما هي بخلقه، وبيَّن ذلك؛ فهو الشاهد المبيِّن أنه لا إله إلا هو، وهذه الشهادة الفعلية ذكرها طائفة. قال ابن كيسان: «شهد الله بتدبيره العجيب، وأموره المحكمة عند خلقه - أنه لا إله إلا هو»[1]. وقد ذكر ابن القيم أن للشهادة أربع مراتب، قال: «فأول مراتبها: علم ومعرفة واعتقاد لصحه المشهود به وثبوته، وثانيها: تكلمه بذلك ونطقه به - وإن لم يُعلِم به غيره، بل يتكلم هو به مع نفسه، ويَذكُرها وينطق بها، أو يكتُبها، وثالثها: أن يُعلِم غيره بما شهد به ويخبره به ويُبينه له، ورابعها: أن يلزمه بمضمونها ويأمره به»، ثم قال: «فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط، تضمَّنت هذه المراتب الأربعة: علم الله سبحانه بذلك وتكلُّمه به، وإعلامه، وإخباره خلقه به، وأمرهم وإلزامهم به»[2]. ﴿ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾؛ أي: إنه لا معبود بحقٍّ إلا هو، فكل ما عُبِد من دون الله فهو باطل، كما قال تعالى: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 21، 22]، وقال تعالى: ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40]. ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ ﴾: معطوف هو و﴿ وَأُولُو الْعِلْمِ ﴾ على لفظ الجلالة ﴿ الله ﴾؛ أي: وشهد الملائكة أنه لا إله إلا هو؛ قال تعالى: ﴿ لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 166]. ﴿ وَأُولُو الْعِلْمِ ﴾؛ أي: وشهد أولو العلم، أي: أصحاب العلم بالله - عز وجل - وشرعه، وما يجب له - عز وجل - أنه لا إله إلا هو، بإقرارهم بذلك، وبيانهم وإعلامهم بذلك غيرهم. ﴿ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ﴾: حال؛ أي: شهد الله أنه لا إله إلا هو حال كونه قائمًا بالقسط - كما شهد الملائكة أولو العلم أنه لا إله إلا هو حال كونه قائمًا بالقسط؛ أي: قائمًا بالعدل، قولًا وفعلًا وإخبارًا وحُكمًا به وأمرًا. فشهد سبحانه أنه لا إله إلا هو ﴿ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ﴾؛ أي: متكلمًا بالعدل، مخبرًا به، حاكمًا به، آمرًا به؛ كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنعام: 115]؛ أي: صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأحكام. وقال هود عليه السلام: ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [هود: 56]، وقال تعالى في مثل ضربه لنفسه ولما يُشرك به من الأوثان: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 76]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90]، وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ﴾ [الأحزاب: 4]. فخلقه - عز وجل - السماوات والأرض بالعدل، وعبادته وحده دون غيره حقيقة العدل، وجزاؤه المؤمنين بالجنة، والكافرين بالنار عدل. قال ابن القيم[3]: «فتضمنت هذه الآية أجلَّ شهادة، وأعظمها، وأعدلها، وأصدقها، من أجل شاهد، بأجل مشهود». فهو سبحانه خير الشاهدين، وأصدق القائلين، وشهادته على وحدانيته، وعلى قيامه بالقسط، أكبر وأعظم شهادة، وتوحيده أعدل العدل، والشرك به أظلم الظلم؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ [الأنعام: 19]، وقال تعالى: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43]. ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾: شهد عز وجل أولًا لنفسه أنه (لا إله إلا هو)، كما شهدت بذلك الملائكة وأولو العلم، وحكم ثانيًا أنه (لا إله إلا هو)، فشهد بذلك أولًا، وحكم به ثانيًا، وأكده وأمر به. ففي الأولى شهادته - عز وجل - وإخباره أن (لا إله إلا هو)، وفي الثانية حكمه وتأكيد أنه (لا إله الا هو)، وفي ذلك كله تعليم عباده، وأمرهم بالشهادة بذلك واعتقاده وعبادته وحده دون سواه. ﴿ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ ﴿ الْعَزِيزُ ﴾: من أسماء الله - عز وجل - يدل على أنه ذو العزة التامة، و«الحكيم»: اسم من أسمائه - عز وجل - يدل على أنه سبحانه ذو الحكم التام، وذو الحكمة البالغة[4]. قال ابن القيم[5]: «فتضمنت هذه الآية وهذه الشهادة وحدانيته المنافية للشرك، وعدله المنافي للظلم، وعزته المنافية للعجز، وحكمته المنافية للجهل والعيب». قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾. قوله ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾: قرأ الكسائي بفتح الهمزة «أنَّ»، وقرأ الباقون بكسرها ﴿ إِنَّ ﴾. فعلى قراءة فتح الهمزة تكون الجملة عطف بيان؛ لقوله تعالى: ﴿ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾، يعنى: شهد الله أنه لا إله إلا هو وأن الدين عند الله الإسلام، وعلى قراءة كسر الهمزة تكون الجملة مستأنفة. و﴿ الدين ﴾: الملة والشرعة؛ قال تعالى: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 6]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]، وقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ﴾ [يوسف: 76]. ﴿ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾: أي إن الدين المقبول، المرضي عند الله هو الإسلام؛ كما قال تعالى: ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]. وفي قوله: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ صيغة حصر؛ أي: الدين الذي لا دين عند الله سواه. ﴿ الْإِسْلَامُ ﴾: هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك، وهو الدين الذي بعث الله به جميع أنبيائه ورسله وأتباعهم من أولهم إلى آخرهم؛ ولهذا قال أول الرسل نوح عليه الصلاة والسلام لقومه: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 72]، وقال إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128]، وقال تعالى: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132]، وقال يعقوب لبنيه عند الموت: ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 133]، وقال موسى عليه الصلاة والسلام لقومه: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 84]. وقال تعالى عن التوراة: ﴿ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ﴾ [المائدة: 44]، وقال عيسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 52]، وقالت ملكة سبأ: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 44]، وقال تعالى مخاطبًا هذه الأمة: ﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الحج: 78]. ولما خُتمت الأديان بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، صار الإسلام علمًا بالغلبة على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يُقبل بعد بَعثه من أحد سواه؛ لنسخه لجميع الأديان السابقة، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 48]. والإسلام إذا أطلق وأفرد يشمل جميع شرائع الدين الظاهرة، وجميع عقائده الباطنة، فيشمل أركان الإسلام الخمسة. وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا»[6]. وكذا أركان الإيمان الستة؛ كما في حديث: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»[7]. وكذا كل ما أمر الله به من التوكل على الله، وخوفه، ورجائه، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك، سواء كان ذلك الأمر واجبًا أو مندوبًا. كما يشمل ذلك ترك كل ما نهى الله عنه من الكفر والشرك، والقتل العمد، والربا، وأكل مال اليتيم، والسحر، والكذب والفجور وقول الزور، والغيبة والنميمة، وغير ذلك. قوله: ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾: في هذا تقرير وتأكيد لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾، وأن هذا هو الذي كان عليه الناس، وعليه أجمعت الأمة، ثم طرأ الاختلاف بما حصل من أهل الكتاب من اختلاف من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم. قوله ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ الواو: عاطفة، و«ما»: نافية، و﴿ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ هم: اليهود والنصارى. سُمُّوا أهل الكتاب؛ لأن لهم كتبًا بقيت إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت محرفة؛ أي: وما وقع الاختلاف بين أهل الكتاب في أديانهم وفي دين الإسلام، فاختلف اليهود مع النصارى، واختلف أهل كل ملة منهم فيما بينهم، واجتمعوا على مخالفة الإسلام، وحذف متعلق الاختلاف ليشمل هذا كله. ﴿ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾ «إلا»: أداة حصر، و«ما»: مصدرية، أي: إلا من بعد مجيء العلم إليهم؛ أي: إلا من بعد مجيء الوحي من الله تعالى إليهم في كتبه، وعلى ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام؛ أي: إلا من بعد ما عرَفوا الحقَّ، وقامت عليهم الحجة، فاختلفوا حيث لا يسوغ لهم الاختلاف. ﴿ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ «بغيًا»: مفعول لأجله؛ أي: لأجل البغي بينهم والحسد، أي: بغيًا من بعضهم على بعض، وحسدًا، وطلبًا للرياسة. ولم يكن اختلافهم لشبهة عندهم، فأصبح بعضهم يضلل بعضًا، ويُكَفِّر بعضهم بعضًا؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [البقرة: 113]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ [البقرة: 213]، وقال تعالى: ﴿ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ [الجاثية: 17]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ﴾ [الشورى: 14]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ [البينة: 4]. ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾ الواو: استئنافية، و«من»: شرطية، أي: ومن يكذِّب بآيات الله الشرعية والكونية ويجحدها ويستكبر عن الانقياد لما جاء فيها من الحق. ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾: جملة جواب الشرط، و«الفاء»: رابطة لجواب الشرط؛ لأنه جملة اسمية، وفيها تخويف وتهديد، أي: فإن الله سريع الحساب، وسيحاسبه ويجازيه ويعاقبه على كفره عن قريب، وأكد عز وجل هذا بــ«إنَّ» وكون الجملة اسمية. والله - عز وجل - سريع الحساب فحسابه آتٍ، وكل آتٍ قريب؛ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا»[8]. وهو عز وجل سريع الحساب؛ لأن عمر الإنسان في هذه الدنيا قليل، والدنيا كلها قليل بالنسبة للآخرة؛ كما قال تعالى: ﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [التوبة: 38]. وقال صلى الله عليه وسلم: «ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها»[9]. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل». وكان ابن عمر يقول: «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخُذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك»[10]. وهو - عز وجل - سريع الحساب؛ لأن الانسان يجد في هذه الحياة الدنيا شيئًا من عاقبة عمله سعادة وتيسيرًا لأموره إن كان مطيعًا، وشقاوة وتعسيرًا لأموره إن كان عاصيًا. وهو - عز وجل - سريع الحساب، لا يحتاج إلى وقت طويل لمحاسبة الخلائق؛ لأنه لا يخفى عليه شيء من الخلق وأعمالهم؛ كما قال تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]، ولهذا قال تعالى: ﴿ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 62]. وقد قال بعض أهل العلم: إن الله - عز وجل - يحاسب الخلائق في نصف يوم أخذًا من قوله تعالى: ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ [الفرقان: 24]، قالوا: فهو يحاسب الخلق في النصف الأول من النهار، والنصف الثاني يكون أهل الجنة فيها، أي: يقيلون فيها. قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾. ذكر الله - عز وجل - اختلاف أهل الكتاب بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم، ثم أتبع ذلك بقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ ﴾ في إشارة واضحة إلى أن اختلافهم فيما بينهم مُفضٍ إلى محاجة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به. قوله ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ ﴾ الفاء: عاطفة، وضمير الواو في «حاجوك» يعود إلى أهل الكتاب والمشركين، بدليل قوله: ﴿ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ ﴾، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. و«المحاجة»: المخاصمة، وأكثر ما تكون في المخاصمة بالباطل، أي: فإن خاصموك في الدين خصام مكابرة وعناد. ﴿ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ ﴾: جواب الشرط «إن»، قرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح الياء: ﴿ وَجْهِيَ ﴾، وقرأ الباقون بتسكينها «وجهيْ»؛ أي: توجهت إلى الله بوجهي وقلبي وبدني، وأخلصت له في عبادتي، واتبعت شرعه؛ امتثالًا لأمره، واجتنابًا لنهيه، ورضًا بحكمه، كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 79]. وفي قوله: ﴿ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾: قطع الطريق على المحاجين وإسكاتهم، سواء قلنا: هذا من باب الإعراض عنهم، أو المحاجة لهم. ﴿ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾ الواو: عاطفة، و«من»: اسم موصول معطوف على الضمير في «أسلمت»، أي: والذي اتبعني أسلم وجهه لله، أو ينبغي أن يُسلِم وجهه لله، أي: أسلمت وجهي لله أنا وأتباعي على ديني؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108]. ﴿ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾؛ أي: اليهود والنصارى. ﴿ وَالْأُمِّيِّينَ ﴾ أي: العرب، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ﴾[الجمعة: 2]. و﴿ وَالْأُمِّيِّينَ ﴾: جمع «أُمِيِّ»، وهو من لا يقرأ ولا يكتب، نسبةً إلى أمه، أي: إلى الحالة التي وُلِدَ عليها. ﴿ أَأَسْلَمْتُمْ ﴾: الاستفهام للتحضيض والأمر، وفيه معنى الاستبطاء؛ أي: أسلِموا؛ كما في قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [الأنبياء: 108]؛ أي: أسلِموا، وكما في قوله تعالى: ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91]؛ أي: انتهوا، والمعنى: أنه قد أتاكم من البينات ما يوجِب أن تُسلِموا، فأسلِموا. ﴿ فَإِنْ أَسْلَمُوا ﴾؛ أي: فإن استسلموا لله ظاهرًا وباطنًا، بتوحيدهم إياه بالعبادة، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك. ﴿ فَقَدِ اهْتَدَوْا ﴾: جواب الشرط في قوله: ﴿ فَإِنْ أَسْلَمُوا ﴾ الفاء: رابطة لجواب الشرط؛ لاقترانه بـ «قد»، أي: فقد رشدوا وَوُفِّقوا للهدى وسلكوا طريقه. ﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾؛ أي: أعرضوا عن الإسلام باطنًا بقلوبهم، وظاهرًا بأبدانهم فلا يضرك ذلك. ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ﴾: جواب الشرط في قوله: ﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾، وقُرِنَ بالفاء لأنه جملة اسمية. و﴿ إنما ﴾: أداة حصر، أي: ما عليك نحوهم إلا البلاغ، وقد بلَّغت البلاغ المبين، وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النحل: 82]، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54]. وأما هداية القلوب وحساب الخلق فإلى الله تعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 272]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ﴾ [الرعد: 40]. وقد بلَّغ صلوات الله وسلامه عليه البلاغ المبين، وأدَّى الرسالة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وترَك أُمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك. ﴿ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾؛ أي: والله مطلع على العباد كلهم، خبير بهم وبأعمالهم وأحوالهم، ومن كان منهم أهلًا للهداية، ومن لم يكن أهلًا لذلك. فوائد وأحكام من قوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ... ﴾ [1] أخرجه البخاري في الطلاق (5272)، ومسلم في «الحدود» (1691)، وأبو داود في «الحدود» (4430)، والنسائي في «الجنائز» (1956)، والترمذي في «الحدود» (1429)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [2] أخرجه البخاري في «مواقيت الصلاة» (581)، ومسلم في «صلاة المسافرين» (826)، وأبو داود في الصلاة (1276)، والنسائي في «المواقيت» (562)، والترمذي في الصلاة (183). [3] أخرجه الترمذي في «المناقب» (3747)، من حديث عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه. [4] أخرجه مسلم في «الإمارة» (1905)، والنسائي في «الجهاد» (3137)، والترمذي في «الزهد» (2382). [5] البيت لابن رسلان الشافعي؛ انظر: «غاية البيان» (ص4). [6] البيتان للقاضي الجرجاني؛ انظر: «محاضرات الأدباء ومحاورات لشعراء» (ص14). [7] أخرجه مسلم في «الإيمان» وجوب الإيمان برسالة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس (153)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [8] أخرجه أبو داود في «السنة» (4596)، والترمذي في «الإيمان» (2640)، وابن ماجه في «الفتن» (3991)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [9] أخرجه البخاري في «العلم» (103)، ومسلم في «الجنة وصفة نعيمها وأهلها» (2876)، والترمذي في «صفة القيامة» (2426). [10] أخرجه البخاري في «التيمم» (335)، ومسلم في «الغسل والتيمم» (432). [11] أخرجها مسلم في «المساجد ومواضع الصلاة» (521). [12] أخرجه البخاري في «الجنائز» (1356)، وأبو داود في «الجنائز» (3095)، من حديث أنس رضي الله عنه. ________________________________ تفسير قوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ... ﴾ [1] انظر: «دقائق التفسير» (1/ 288- 289). [2] انظر: «بدائع التفسير» (1/ 453). [3] انظر: «بدائع التفسير» (1/ 452). [4] انظر ما سبق في الكلام على قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129]. [5] انظر: «بدائع التفسير» (1/ 463). [6] أخرجه البخاري في الإيمان (8)، ومسلم في الإيمان (16)، والنسائي في الإيمان وشرائعه (5001)، والترمذي في الإيمان (2609). [7] أخرجه مسلم في الإيمان (8)، وأبو داود في سننه (4695)، والنسائي في الإيمان وشرائعه (4990)، والترمذي في الإيمان (2610)، وابن ماجه في المقدمة (63)، من حديث عبدالله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. [8] ذكره الترمذي في «صفة القيامة»، و«الرقائق»، و«الورع» (2459). [9] سبق تخريجه. [10] أخرجه البخاري في «الرقاق» (6416)، والترمذي في «الزهد» (2333)، وابن ماجه في «الزهد» (4114). لشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم شبكة الالوكة -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
الجمع بين: {إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ...} و«إن الله تجاوز عن أمتي» إن علماء الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تصدوا لبيان معاني بعض الآيات والأحاديث التي يُوهم ظاهرها أن ثمت تعارضًا بينها، فدفعوا ذلك التعارض الظاهري بالتوفيق والجمع بينها، سواء أكان التعارض بين آية وآية، أم بين آية وحديث مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك دفعهم التعارض بين قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 284] وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها، ما لم تعمل أو تكلم» رواه البخاري. فظاهر الآية السابقة يدل على أننا محاسبون بما أضمرته قلوبنا وذلك تكليف بما لا يُطاق، ونصُّ الحديث يدل على أن الله تعالى قد تجاوز عنا ذلك، وأننا لا نحاسب إلا بالعمل أو الكلام، وإذا كان هذا الحديث صحيحًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يمكن أن يعارض آية في كتاب الله تعالى لأن الحق لا يضرب بعضه بعضًا، وإنما يصدق بعضه بعضًا، ولذا عمل المفسرون على الجمع بين هذه الآية وهذا الحديث، ودفع التعارض الظاهري بينهما فهذه الآية الكريمة قد أشكلت على كثير من الصحابة لما نزلت، وهي قوله تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[البقرة:284] شق عليهم هذا الأمر، وجاؤوا إلى النبي ﷺ وذكروا أن هذا شيء لا يطيقونه، فقال لهم ﷺ: أتريدون أن تقولوا كما قال من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ قولوا: سمعنا وأطعنا فقالوا: سمعنا وأطعنا، فلما قالوها وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله بعدها قوله سبحانه: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[البقرة:286] الآية. فسامحهم الله، وعفا ، ونسخ ما دل عليه مضمون هذه الآية، وأنهم لا يؤاخذون إلا بما عملوا، وبما أصروا عليه، وثبتوا عليه، وأما ما يخطر من الخطرات في النفوس والقلوب، فهذا معفو عنه؛ ولهذا صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم فزال هذا الأمر، والحمد لله، وصار المؤمن غير مؤاخذ إلا بما عمله، أو قاله، أو أصر عليه بقلبه عملًا بقلبه، كإصراره على ما يقع له من الكبر والنفاق، ونحو ذلك. أما الخواطر التي تعرض، والشكوك التي تعرض ثم تزول بالإيمان واليقين، فهذه لا تضر، بل هي عارضة من الشيطان، ولا تضر؛ ولهذا لما قال الصحابة: «يا رسول الله، إن أحدنا يجد في قلبه ما لئن يخر من السماء أسهل عليه من أن ينطق به -أو كما قالوا- قال: ذاك صريح الإيمان وفي لفظ: تلك الوسوسة فهي من الشيطان، إذا رأى من المؤمن الصدق والإخلاص، وصحة الإيمان، والرغبة فيما عند الله، وسوس عليه بعض الشيء، وألقى في قلبه خواطر خبيثة، فإذا جاهدها وحاربها بالإيمان والتعوذ بالله من الشيطان، سلم من شرها؛ ولهذا جاء في الحديث الآخر يقول -عليه الصلاة والسلام-: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خلق كل شيء فمن خلق الله؟ فمن وجد ذلك فليقل: آمنت بالله ورسله وفي لفظ: فليستعذ بالله ولينته. فهذا يدلنا على أن الإنسان عرضة للوساوس الشيطانية، فإذا عرض له وساوس خبيثة، وخطرات منكرة، فليبتعد عنها؛ وليقل: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ ولينته، ولا يلتفت إليها، فإنها باطلة ولا تضره، وهي من الخطرات التي عفا الله عنها ، نعم. موقع ابن باز -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
﴿ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿١٣﴾] وأوثر التفكر بالذكر في آخر صفات المستدلين بالآيات؛ لأن الفكر هو منبع الإيمان، والإيقان، والعلم، المتقدمة في قوله: (لآيات للمؤمنين)، (آيات لقوم يوقنون)، (آيات لقوم يعقلون). ابن عاشور:25/338. ﴿ مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ ۖ وَلَا يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُوا۟ شَيْـًٔا وَلَا مَا ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿١٠﴾] وعبر بالوراء عن القدام كقوله (من ورائهم جهنم)... باعتبار إعراضهم عنها؛ كأنها خلفهم. الشوكاني:5/5. ﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴿٧﴾ يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٧﴾] وقد عُلِم بهذا الوصف أنَّ كُلَّ مَن لم تَرُدَّه آياتُ الله تعالى كان مبالِغاً في الإثم والإفك، فكان له الويل. البقاعي:7/93. ﴿ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٥﴾] وما أنزل الله تبارك وتعالى من السحاب من المطر في وقت الحاجة إليه، وسماه رزقاً لأن به يحصل الرزق. ابن كثير:4/150. ﴿ إِنَّ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ لَءَايَٰتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴿٣﴾ وَفِى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٣﴾] ستة براهين من براهين التوحيد الدالة على عظمته وجلاله، وكمال قدرته، وأنه المستحق للعبادة وحده تعالى: الأول منها: خلقه السماوات والأرض، الثاني: خلقه الناس، الثالث: خلقه الدواب، الرابع: اختلاف الليل والنهار، الخامس: إنزال الماء من السماء وإحياء الأرض به، السادس: تصريف الرياح. الشنقيطي: 7/179. ﴿ لَءَايَٰتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴿٣﴾، ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾، ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿٥﴾ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٣﴾] قال أولاً: (لآيات للمؤمنين)، ثم (يوقنون)، ثم (يعقلون)؛ وهو ترقٍّ من حال شريف إلى ما هو أشرف منه وأعلى. ابن كثير:4/150. ﴿ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُوا۟ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٢١﴾] قال إبراهيم بن الأشعث: كثيرا ما رأيت الفضيل بن عياض يردد من أول الليل إلى آخره هذه الآية ونظيرها، ثم يقول: ليت، شعري! من أي الفريقين أنت؟ وكانت هذه الآية تسمى مبكاة العابدين. القرطبي:19/157. ﴿ هَٰذَا بَصَٰٓئِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٢٠﴾] وخص جل ثناؤه الموقنين بأنه لهم بصائر وهدى ورحمة لأنهم الذين انتفعوا به دون من كذب به من أهل الكفر، فكان عليه عمى وله حزنا. الطبري:22/72. ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلْأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿١٨﴾] ولما كان معنى هذا أنه سبحانه وتعالى جعل بني إسرائيل على شريعة وهددهم على الخلاف فيها، فكان تهديدهم تهديداً لنا، قال مصرِّحاً بما اقتضاه سَوق الكلام وغيره مِن تهديدنا، منبهاً على علو شريعتنا: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر) الآية. البقاعي:7/100. ﴿ فَمَا ٱخْتَلَفُوٓا۟ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۚ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿١٧﴾] أي حسدا على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ قيل: معنى (بغياً) أي: بغى بعضهم على بعض؛ يطلب الفضل والرياسة، وقتلوا الأنبياء؛ فكذا مشركوا عصرك يا محمد، قد جاءتهم البينات ولكن أعرضوا عنها للمنافسة في الرياسة. القرطبي:19/153. ﴿ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿١٦﴾] كل ما جاء في القرآن من تفضيل بني إسرائيل إنما يراد به ذكر أحوال سابقة؛ لأنهم في وقت نزول القرآن كفروا به وكذبوا؛ كما قال تعالى: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين) [البقرة: 89]. ومعلوم أن الله لم يذكر لهم في القرآن فضلا إلا ما يراد به أنه كان في زمنهم السابق، لا في وقت نزول القرآن. الشنقيطي:7/ 198-199. ﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ ﴿١٦﴾ وَءَاتَيْنَٰهُم بَيِّنَٰتٍ مِّنَ ٱلْأَمْرِ ۖ فَمَا ٱخْتَلَفُوٓا۟ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُوا۟ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿١٦﴾] وهذا فيه تحذير لهذه الأمة أن تسلك مسلكهم، وأن تقصد منهجهم. ابن كثير:4/152. ﴿ مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿١٥﴾] من عمل من عباد الله بطاعته فانتهى إلى أمره، وانزجر لنهيه، فلنفسه عمل ذلك الصالح من العمل، وطلب خلاصها من عذاب الله، أطاع ربه لا لغير ذلك؛ لأنه لا ينفع ذلك غيره، والله عن عمل كل عامل غني. (ومن أساء فعليها): يقول: ومن أساء عمله في الدنيا بمعصيته فيها ربه، وخلافه فيها أمره ونهيه، فعلى نفسه جنى؛ لأنه أوبقها بذلك، وأكسبها به سخطه، ولم يضر أحدا سوى نفسه. الطبري:22/68. ﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِى رَحْمَتِهِۦ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٣٠﴾] وابتدىء في التفصيل بوصف حال المؤمنين مع أن المقام للحديث عن المبطلين في قوله: (يومئذ يخسر المبطلون) تنويهاً بالمؤمنين، وتعجيلاً لمسرتهم، وتعجيلاً لمساءة المبطلين. ابن عاشور:25/371. ﴿ وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٢٨﴾] على رُكَبها خوفاً وذعراً، وانتظاراً لحكم الملك الرحمن. السعدي:778. ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّآ أَن قَالُوا۟ ٱئْتُوا۟ بِـَٔابَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٢٥﴾] قال الزمخشري: فإن قلت لم سمي قولهم حجة وليس بحجة؟ قلت: لأنهم أدلوا به كما يدلي المحتج بحجته، وساقوه مساقها، فسميت حجة على سبيل التهكم. أو لأنه في حسبانهم وتقديرهم حجة. أو...كأنه قيل: ما كان حجتهم إلا ما ليس بحجة. والمراد نفي أن تكون لهم حجة البتة. القرطبي:19/167. ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّآ أَن قَالُوا۟ ٱئْتُوا۟ بِـَٔابَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٢٥﴾] لم يجبهم إلى إحياء آبائهم إكراماً لهذه الأمة، لشرف نبيها عليه أفضل الصلاة والسلام؛ لأنَّ سنته الإلهية جرت بأنَّ مَن لم يؤمن بعد كشف الأمر بإيجاد الآيات المقترحات أهلكه، كما فعل بالأمم الماضية. البقاعي:7/106. ﴿ أَفَرَءَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِۦ وَقَلْبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنۢ بَعْدِ ٱللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٢٣﴾] وهذه الآية أصل في التحذير من أن يكون الهوى الباعث للمؤمنين على أعمالهم، ويتركوا اتباع أدلة الحق، فإذا كان الحق محبوباً لأحد فذلك من التخلق بمحبة الحق تبعاً للدليل؛ مثل ما يهوى المؤمن الصلاة والجماعة وقيامَ رمضان وتلاوة القرآن. وفي الحديث: (أرِحنا بها يا بلال) يعني الإقامة للصلاة... وأَما اتباع الأمرِ الْمحبوب لإِرضاء النفْسِ دون نظَرٍ في صلاحه أَو فَساده فَذلكَ سبب الضلالِ وسوء السيرة. ابن عاشور:25/359. ﴿ أَفَرَءَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِۦ وَقَلْبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنۢ بَعْدِ ٱللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٢٣﴾] وفيها [أي:في الآية] مِن ذَمِّ اتباع هوى النفس ما فيها، وعن ابن عباس: ما ذَكَرَ اللّه تعالى هوى إلا ذمه. وقال وهب: إذا شككتَ في خير أمرين فانظر أبعدهما مِن هواك فأته، وقال سهل التستري: هواك داؤك، فإن خالفته فدواؤك. الألوسي:25/209. ﴿ أَفَرَءَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِۦ وَقَلْبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنۢ بَعْدِ ٱللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٢٣﴾] (اتخذ إلهه هواه) أي: أطاعه حتى صار له كالإله. ابن جزي:2/328. ﴿ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَٰفِلُونَ ﴾ [سورة الأحقاف آية:﴿٥﴾] وإنما عنى بوصفها بالغفلة: تمثيلها بالإنسان الساهي عما يقال له؛ إذ كانت لا تفهم مما يقال لها شيئا كما لا يفهم الغافل عن الشيء ما غفل عنه. وإنما هذا توبيخ من الله لهؤلاء المشركين لسوء رأيهم، وقبح اختيارهم في عبادتهم من لا يعقل شيئا ولا يفهم. الطبري:22/95. ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَٰفِلُونَ ﴾ [سورة الأحقاف آية:﴿٥﴾] معناها: لا أحد أضل ممن يدعو إلهاً لا يستجيب له؛ وهي الأصنام؛ فإنها لا تسمع ولا تعقل، ولذلك وصفها بالغفلة عن دعائهم لأنها لا تسمعه. ابن جزي:2/331.﴿ تَنزِيلُ ٱلْكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ ﴿٢﴾ مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلَّا بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [سورة الأحقاف آية:﴿٢﴾] لما بين إنزال كتابه المتضمن للأمر والنهي ذكر خلقه السماوات والأرض، فجمع بين الخلق والأمر؛ (له الخلق والأمر) [الأعراف: 54]. السعدي:779. ﴿ وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٣٧﴾] عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: (يقول الله تبارك وتعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار). الشوكاني:5/12. ﴿ فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلْأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴿٣٦﴾ وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٣٦﴾] والعبادة مبنية على ركنين: محبة الله، والذل له، وهما ناشئان عن العلم بمحامد الله وجلاله وكبريائه. السعدي:779. ﴿ فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلْأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٣٦﴾] أعاد ذكر الرب تنبيهاً على أن حفظه للخلق وتربيته لهم ذو ألوان بحسب شؤون الخلق؛ فحفظه لهذا الجزء على وجه يغاير حفظه لجزء آخر، وحفظه للكل من حيث هو كل على وجه يغاير حفظه لكل جزء على حدته، مع أن الكل بالنسبة إلى تمام القدرة على حد سواء. البقاعي:18/116. ﴿ وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا ۚ ﴾ [سورة الجاثية آية:﴿٣٥﴾] خدعتكم بأباطيلها وزخارفها، فظننتم أن ليس ثم غيرها وأن لا بعث. القرطبي:19/173. الكلم الطيب -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
كتاب أحكمت آياته...كتاباً متشابهاً وصف سبحانه القرآن بأوصاف من صفات الكمال؛ فوصفه بأنه قرآن عربي، وقرآن مبين، وقرآن عظيم، وقرآن حكيم، وقرآن مجيد، وقرآن كريم، وأنه كتاب عزيز، وكتاب حفيظ، وكتاب مكنون، وغير ذلك من الأوصاف التي لم تجتمع لكتاب سماوي غير القرآن، فضلاً عن أن تجتمع في كتاب أرضي.
ومن الأوصاف التي وصف الله بها كتابه المحفوظ أنه {كتاب أحكمت آياته} (هود:1)، فجاء وصف القرآن كله بأنه كتاب (محكم)، ووصفه سبحانه في موضع آخر القرآن بأنه كتاب (متشابه)، وذلك في قوله سبحانه: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها} (الزمر:23) و{أحسن الحديث} القرآن، وأخبر سبحانه في موضع ثالث عن القرآن بأن {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} (آل عمران:7).
وقد يتساءل البعض فيقول: كيف يصف سبحانه كتابه تارة بأنه كتاب محكم، وتارة أخرى بأنه كتاب متشابه، وتارة ثالثة بأن فيه آيات محكمات وفيه آيات متشابهات، أليس في هذا تعارض وتناقض؟!
قبل الجواب على هذا السؤال، لا بد من الوقوف عند المقصود من كل آية من هذه الآيات الثلاث، ثم نتبع ذلك بمزيد إيضاح، كي يستبين لنا وجه الصواب في معنى هذه الآيات، فيرتفع من - خلال ذلك - ما يبدو بينها من تعارض أو تناقض.
أما قوله تعالى: {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}، فالراجح في معناها: أن (المحكمات) من الآيات، هي ما عُرف تأويله، وفُهم معناه وتفسيره، كقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} (المائدة:38)، فهذه الآية تتضمن حكماً واضحاً.
أما (المتشابه) من الآيات، فهي التي تشتبه على فهم كثير من الناس، ولا يزول هذا الاشتباه إلا بردها إلى (المحكم)؛ ويمكن أن يقال فيها: إنها ما لم يكن لأحد إلى علمها سبيل، بل هي مما استأثر الله تعالى بعلمها دون خلقه، كقوله تعالى: {إن الله عنده علم الساعة} (لقمان:34)، وقوله سبحانه: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} (الإسراء:85)، ومن قبيل (المتشابه) أيضاً الحروف المقطعة في أوائل السور.
وأما قوله تعالى: {كتاب أحكمت آياته}، أي: أحكمت آياته في النظم والوضع، وأنه حق من عند الله، لا مدخل لأحد في نظمه ولا في معناه؛ فمعنى (الإحكام) هنا: أنه لا يتطرق إلى آياته تناقض ولا فساد، كإحكام البناء، فإن القرآن نسخ جميع الكتب المتقدمة عليه، وأحكم أمر الشرائع إحكاماً لا إحكام بعده.
وقوله تعالى: {كتاباً متشابها}، أي: يشبه بعضه بعضاً في الصحة والفصاحة والحسن والبلاغة، ويصدق بعضه بعضاً، ويدل بعضه على بعض، فآياته متساوية في ذلك بحسب ما يقتضيه حال كل آية منها، فلا تعارض فيها ولا تناقض بينها ولا اختلاف، بل كلما تدبره المتدبر، وتفكر فيه المتفكر، رأى من اتفاقه - حتى في معانيه الغامضة - ما يبهر الناظرين، ويجزم بأنه لا يصدر إلا عن حكيم عليم، بخلاف ما هو حاصل في كلام البشر، فالكاتب البليغ والشاعر المجيد لا يخلو كلام أحدهما من ضعف في بعضه، وأيضاً لا تتشابه أقوال أحد منهما، بل تجد لكل منهما قطعاً متفاوتة في الحسن والبلاغة وصحة المعاني.
إذا تبين المقصود من هذه الآيات، ننعطف على رفع ما يبدو بينها من تعارض، فنقول: إن المراد بـ (المحكمات) في قوله تعالى: {منه آيات محكمات} غير المراد من (المحكم) في قوله سبحانه: {أحكمت آياته}؛ إذ المراد بـ (المحكم) في سورة آل عمران ما لا التباس فيه، ولا يحتمل إلا وجهاً واحداً، وهو المقابل لـ (المتشابه)؛ أما المحكم في سورة هود، فالمراد منه (الإحكام) في النظم، وأنه كله حق من عند الله، على معنى قوله تعالى: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} (فصلت:42).
وأيضاً، المراد من (المتشابه) في قوله سبحانه: {وأخر متشابهات} غير المراد من (التشابه) في قوله سبحانه: {كتابا متشابها}؛ إذ المراد بـ (المتشابه) في سورة آل عمران ما كان من باب الاحتمال والاشتباه، على معنى قوله سبحانه: {إن البقر تشابه علينا} (البقرة:70)، أي: التبس علينا، أي: يحتمل أنواعاً كثيرة من البقر؛ أما المراد بـ (المتشابه) في سورة الزمر، فالمراد منه التوافق في الوصف، بمعنى أن كله يشبه بعضه بعضاً، ولا يخالف بعضه بعضاً؛ لأن مصدره واحد، هو الله سبحانه، على معنى قوله تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} (النساء:82).
وبما تقدم نعلم، أن (الإحكام) و(التشابه) في قوله تعالى: {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}، هما من باب التقابل، أي: أن (المحكم) مقابل لـ (المتشابه)، وبعبارة أخرى: (المحكم) بمثابة الأصل، و(المتشابه) بمثابة الفرع، يقول القرطبي: " فالمحكم أبداً أصل تُردُّ إليه الفروع، والمتشابه هو الفرع "؛ وعليه فـ (المحكم) و(المتشابه) في هذه الآية مصطلحان يندرجان ضمن مباحث أصول الفقه.
أما (المحكم) في قوله سبحانه: {أحكمت آياته}؛ فليس مقابلاً لـ (المتشابه) في قوله تعالى: {كتابا متشابها}، بل كل منهما وصف للقرآن جميعه؛ إذ إحداهما تثبت أن القرآن كتاب (محكم) في النظم، والأخرى تثبت أن القرآن يشبه بعضه بعضاً من جهة اللفظ ومن جهة المعنى، فليس فيه لفظ ضعيف وآخر قوي، وليس فيه معنى بليغ وآخر غير بليغ، بل ألفاظه كلها في غاية الضبط والقوة والإحكام، ومعانيه كله بالغة النهاية في البلاغة والبيان؛ وعليه فـ (المحكم) و(المتشابه) هنا يندرجان في مباحث بلاغة القرآن وإعجازه.
فتحصَّل من مجموع ما تقدم: أن المراد بـ (المحكم) و(المتشابه) الوارد في قوله تعالى: {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}، غير (المحكم) الوارد في قوله سبحانه: {كتاب أحكمت آياته}، وغير (المتشابه) الوارد في قوله تعالى: {كتابا متشابها}، بل كل وصف من هذه الأوصاف جاء مناسباً للسياق الذي وردت فيه الآية، الأمر الذي ينفي التعارض تماماً بين هذه الآيات. <<<<<<<<<<<<<<<< عيسى عليه السلام بين الوفاة والحياة تفيد الأخبار الصحيحة أن نبي الله عيسى عليه السلام، سوف ينـزل في آخر الزمان، ويحكم بشريعة الإسلام، ويرفع الظلم عن الناس، ويقيم العدل بينهم، ويعم الرخاء في البلاد، ويسود الأمن بين العباد؛ والأخبار في هذا الصدد بلغت مبلغ التواتر، وهي تفيد في مجملها أن عيسى عليه السلام قيد الحياة.
وقد وردت آية في القرآن الكريم، يفيد ظاهرها أن الله سبحانه قد توفى عيسى عليه السلام، ورفعه إليه بعد تلك الوفاة، وهي قوله تعالى: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي} (آل عمران:55).
وظاهر لفظ الآية يتعارض مع آيات أخرى، تفيد أن عيسى عليه السلام حي يرزق، كما جاء في قوله تعالى: {وما قتلوه وما صلبوه} (النساء:157) وقوله سبحانه: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} (النساء:159)، على الراجح من أقوال المفسرين في أن الضمير في قوله سبحانه: {قبل موته} يعود على عيسى عليه السلام؛ ناهيك عن الأحاديث الدالة على أن عيسى عليه السلام حي في السماء؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: (ليوشكن أن ينـزل فيكم بن مريم حكمًا عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا) متفق عليه.
إذن، نحن أمام آية يفيد ظاهرها وفاة عيسى عليه السلام؛ ونحن أيضًا أمام آيات وأحاديث بعضها صريح، وبعضها الآخر غير صريح، لكن يؤخذ منها بطريق الاستنتاج، أن عيسى عليه السلام حي لم يمت. فكيف يمكن التوفيق بين قوله تعالى: {متوفيك}، وبين بعض الآيات والأحاديث المفيدة لحياة عيسى عليه السلام؟
وقبل الجواب على هذا السؤال، نشير إلى أن الجمع والتوفيق بين ما ظاهره التعارض من الأدلة أمر متعين، ما دامت الأدلة ثابتة، ولا يجوز الأخذ ببعض الأدلة، وترك بعضها الآخر؛ لأن في هذا المسلك تحكم بغير دليل.
وقد نظر العلماء في مجموع الأدلة الواردة في هذا الشأن، ووجدوا أن أدلة نزول عيسى عليه السلام أدلة صحيحة وصريحة، قد بلغت مبلغ التواتر، وهي بمجموعها تستلزم أن يكون عيسى عليه السلام حيًا، لم تفارق روحه جسده؛ فلم يكن أمامهم سوى أن يؤولوا قوله سبحانه: {متوفيك} بحيث يتوافق مع الأدلة التي تفيد أن عيسى عليه السلام لا يزال على قيد الحياة.
وكان للعلماء في توجيه وتأويل قوله سبحانه: {متوفيك} عدة أقوال، أصحها ما يلي:
الوجه الأول: أن المراد بقوله تعالى: {متوفيك} ( وفاة النوم ) وهي وفاة غير حقيقية؛ وذلك أن (الوفاة) في القرآن تطلق ويراد بها الوفاة الحقيقة، كقوله تعالى: {والله خلقكم ثم يتوفاكم} (النحل:70)، وقوله سبحانه: {قل يتوفاكم ملك الموت} (السجدة:11)؛ وتطلق ( الوفاة ) ويراد بها النوم، كقوله سبحانه: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} (الأنعام:60)، وقوله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} (الزمر:42)؛ وعلى هذا، تكون الأدلة المثبتة لحياة عيسى عليه السلام قرينة على أن المراد من ( الوفاة ) في قوله سبحانه: {متوفيك} الوفاة التي هي بمعنى النوم؛ ويكون المعنى على هذا التأويل: أن الله سبحانه أنام عيسى عليه السلام ثم رفعه إليه، وهو حي، وسوف يبعثه الله إلى الأرض يوم القيامة ليقوم بما أخبرت عنه الأحاديث. فهذا قول للمفسرين في توجيه الآية، وقد قال عنه ابن كثير: إنه قول الأكثرين.
الوجه الثاني: أن لفظ (الوفاة) الوارد في الآية بمعنى (القبض)، ووجدوا في اللغة ما يساعدهم على القول بذلك؛ ففي اللغة يقال: توفيت الحساب واستوفيته؛ وتوفيت المال منه واستوفيته: إذا أخذته منه كله؛ وتوفيت مالي من فلان، أي: قبضته. وعلى هذا المعنى، جاء قوله تعالى: {ووجد الله عنده فوفاه حسابه} (النور:39). وعلى ضوء هذا المعنى اللغوي لـ ( الوفاة ) يكون معنى قوله تعالى: {متوفيك} أي: قابضك من الأرض حيًا بغير موت، ورافعك من بين المشركين، ومطهرك منهم.
وهناك وجه يرى أن الآية جاءت من باب التقديم والتأخير، فهي من باب تقديم ما حقه التأخير، وهو أسلوب جار في لغة العرب، وعليه جاء قول حفص بن حبيب:
ألا يا أيها المحجوب عنا عليك ورحمة الله السلام
أي: عليك السلام ورحمة الله.
ومنه قوله سبحانه: {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى} (طه:129)، وتقدير الكلام: ولولا كلمة سبقت من ربك، وأجل مسمى، لكان لزامًا. وعلى هذا القول يكون معنى الآية: يا عيسى! إني رافعك إلي، ومطهرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا. وبهذا القول قال قتادة من التابعين، ومال إليه من المفسرين الإمام القرطبي.
ورأى بعض المفسرين، أن الآية لا تعين وقتًا، بل جاءت مطلقة، وغاية ما تفيده الإخبار عن توفي عيسى عليه السلام، ورفعه إليه، وتطهيره، من غير تعين وقت لوقوع هذه الأحداث؛ فـ (الواو) في الآية لا تفيد ترتيب وقوع الأحداث، بل كل ما تفيده وقوعها وحدوثها فحسب، وعلى هذا فلا دليل يقطع أن الوفاة قد حصلت، بل غاية ما في الأمر، أن هناك وفاة حاصلة يومًا ما، أما متى وكيف فلا دليل عليه في الآية؛ وقد ثبت الدليل في غير هذه الآية أنه حي، وصح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سينـزل، ويقتل الدجال، ثم يتوفاه الله بعد ذلك.
وكما تبين، فإن كل تأويل من التأويلات الواردة على قوله تعالى: {متوفيك} له وجه معتبر، وعليه دليل يؤيده؛ وأيًّا كان المعنى لـ (الوفاة) فإنه يمكن الجمع بين الآية وغيرها من الأدلة الدالة على حياة عيسى عليه السلام، وبذلك يندفع التعارض، ويزول الإشكال. -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
﴿ إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿١٨﴾] أي: رسول من رب العالمين، أمين على ما أرسلني به، ولا أكتمكم منه شيئاً، ولا أزيد فيه ولا أنقص، وهذا يوجب تمام الانقياد له. السعدي:773. ﴿ ۞ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿١٧﴾] عن قتادة، في قوله: (رسول كريم) قال: موسى عليه السلام، ووصفه جل ثناؤه بالكرم لأنه كان كريما عليه، رفيعا عنده مكانه، وقد يجوز أن يكون وصفه بذلك لأنه كان في قومه شريفا وسيطا. الطبري:22/24. ﴿ رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿١٢﴾] وعليه فجملة (إنا مؤمنون) تعليل لطلب دفع العذاب عنهم؛ أي إنا متلبسون بما يدفع عنا عذاب الكافرين، وفي تلقينهم بذلك تنويه بشرف الإيمان. ابن عاشور:25/290. ﴿ فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿١٠﴾] عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بادروا بالأعمال ستاً: الدَجَّال، والدخان، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة، وخُوَيْصَة أحدكم). البقاعي:7/68. ﴿ بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ يَلْعَبُونَ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٩﴾] إِنَّ إِقْرارهم غَير صادرٍ عن علْمٍ ويقينٍ ثابتٍ، بل هو كَالْعَدَمِ؛ لأنَّهُم خَلَطُوهُ بِالشَّكِّ واللَّعب فَارتفَعتْ عنْه خاصِّيَّةُ الْيقينِ والإقْرارِ الَّتي هي الْجَري علَى مُوجَبِ الْعِلْمِ؛ فإن العلم إذا لم يَجُرّ صاحبه على العمل به وتجديد ملاحظته تطرق إليه الذهول ثم النسيان، فضعف حتى صار شكّا. ابن عاشور:25/284-285. ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٤﴾] معنى (يفرق): يفصل ويخلص، والأمر الحكيم: أرزاق العباد وآجالهم، وجميع أمورهم في ذلك العام؛ نسخ من اللوح المحفوظ في ليلة القدر ليتمثل الملائكة ذلك بطول السنة القابلة. ابن جزي:2/321. ﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَٰرَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٣﴾] (فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) أي: كثيرة الخير والبركة؛ وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؛ فأنزل أفضل الكلام بأفضل الليالي والأيام على أفضل الأنام، بلغة العرب. السعدي:773. ﴿ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَٰعِبِينَ ﴿٣٨﴾ مَا خَلَقْنَٰهُمَآ إِلَّا بِٱلْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٣٨﴾] فهم لأجل ذلك [لأجل أنهم لا يعلمون لماذا خلق اللهُ الخلق] يجترئون على المعاصي ويفسدون في الأرض؛ لا يرجون ثواباً ولا يخافون عقاباً. البقاعي:7/79. ﴿ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ أَهْلَكْنَٰهُمْ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا۟ مُجْرِمِينَ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٣٧﴾] ومعنى الآية: أقريش أشدّ وأقوى، أم قوم تبع والذين من قبلهم من الكفار؟! وقد أهكلنا قوم تبع وغيرهم لما كفروا، فكذلك نهلك هؤلاء، فمقصود الكلام تهديد. ابن جزي:2/324. ﴿ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ أَهْلَكْنَٰهُمْ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا۟ مُجْرِمِينَ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٣٧﴾] فبعد أن ضرب لهم المثل بمهلك قوم فرعون زادهم مثلاً آخر هو أقرب إلى اعتبارهم به؛ وهو مُهلك قوم أقرب إلى بلادهم من قوم فرعون، وأولئك قوم تبّع؛ فإن العرب يتسامعون بعظمة مُلك تُبَّع وقومه أهل اليمن، وكثير من العرب شاهدوا آثار قوتهم وعظمتهم في مراحل أسفارهم، وتحادثوا بما أصابهم من الهلك بسيل العرم. ابن عاشور:25/ 308. ﴿ وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَٰهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ ﴿٣٢﴾ وَءَاتَيْنَٰهُم مِّنَ ٱلْءَايَٰتِ مَا فِيهِ بَلَٰٓؤٌا۟ مُّبِينٌ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٣٢﴾] ولما كانت قريش تفتخر بظواهر الأمور من الزينة والغرور، ويعدونه تعظيماً من الله، ويعدون ضعف الحال في الدنيا شقاء وبعداً من الله، ردَّ عليهم قولهم بما آتى بني إسرائيل، على ما كانوا فيه من الضعف وسوء الحال، بعد إهلاك آل فرعون بعذاب الاستئصال. البقاعي:7/76. ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلْأَرْضُ وَمَا كَانُوا۟ مُنظَرِينَ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٢٩﴾] هذا بيان لعدم الاكتراث بهلاكهم؛ قال المفسرون: أى إنهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملا صالحا تبكي عليهم به، ولم يصعد لهم إلى السماء عمل طيب يُبكى عليهم به؛ والمعنى أنه لم يصب بفقدهم وهلاكهم أحد من أهل السماء ولا من أهل الأرض. الشوكاني:4/575. ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلْأَرْضُ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٢٩﴾] أي: لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله فيها ففقدتهم؛ فلهذا استحقوا أن لا يُنظَروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم وعتوهم وعنادهم. ابن كثير:4/144. ﴿ وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا۟ لِى فَٱعْتَزِلُونِ ﴿٢١﴾ فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٢١﴾] (وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون) أي: فلا تتعرضوا لي، ودعوا الأمر بيني وبينكم مسالمة إلى أن يقضي الله بيننا، فلما طال مقامه بين أظهرهم، وأقام حجج الله تعالى عليهم، كل ذلك وما زادهم ذلك إلا كفراً وعناداً، دعا ربه عليهم دعوة نفذت فيهم. ابن كثير:4/143. ﴿ فَٱرْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٥٩﴾] أي ارتقب نصرنا لك وإهلاكهم؛ فإنهم مرتقبون ضدّ ذلك، ففيه وعد له ووعيد لهم. ابن جزي:2/325. ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَٰهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٥٨﴾] أي: إنما يسرنا هذا القرآن الذي أنزلناه سهلاً واضحاً بيناً جلياً بلسانك الذي هو أفصح اللغات وأجلاها وأحلاها وأعلاها. ابن كثير:4/149. ﴿ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَٰكِهَةٍ ءَامِنِينَ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٥٥﴾] يقول: ليست تلك الفاكهة هنالك كفاكهة الدنيا التي نأكلها، وهم يخافون مكروه عاقبتها، وغب أذاها، مع نفادها من عندهم، وعدمها في بعض الأزمنة والأوقات. الطبري:22/53. ﴿ يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَٰبِلِينَ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٥٣﴾] لا يجلس أحدٌ منهم وظهره إلى غيره. ابن كثير:4/148. ﴿ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى مَقَامٍ أَمِينٍ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٥١﴾] والأمن أكبر شروط حسن المكان؛ لأن الساكن أولُ ما يتطلب الأمن -وهو السلامة من المكاره والمخاوف- فإذا كان آمناً في منزله كان مطمئن البال شاعراً بالنعيم الذي يناله. ابن عاشور:25/317. ﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٤٩﴾] يقال هذا للكافر على وجه التوبيخ والتهكم به؛ أي كنت العزيز الكريم عند نفسك. وروي أن أبا جهل قال: ما بين جبليها أعز مني ولا أكرم. فنزلت الآية. ابن جزي:2/324. ﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ ٱللَّهُ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [سورة الدخان آية:﴿٤٢﴾] أي أن الله (عزيز) لا يُكرهه أحد على العدول عن مراده؛ فهو يرحم من يَرحمه بمحض مشيئته، وهو (رحيم): أي واسع الرحمة لمن يشاء من عباده على وفق ما جرى به علمه وحكمته ووعدُه. وفي الحديث: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء). ابن عاشور:25/31. الكلم الطيب
-
-
آخر تحديثات الحالة المزاجية
-
أم أنيس تشعر الآن ب حزينة
-
حواء أم هالة تشعر الآن ب راضية
-
مناهل ام الخير تشعر الآن ب سعيدة
-
سارة سيرو تشعر الآن ب مكتئبة
-
samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
-
-
إحصائيات الأقسام
-
إجمالي الموضوعات182133
-
إجمالي المشاركات2535405
-
-
إحصائيات العضوات
منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤
أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..