المنتديات
-
"أهل القرآن"
-
ساحة القرآن الكريم العامة
مواضيع عامة تتعلق بالقرآن الكريم
- 56762
- مشاركات
-
ساحات تحفيظ القرآن الكريم
ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]- 109825
- مشاركات
-
ساحة التجويد
ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح
- 9066
- مشاركات
-
-
القسم العام
-
الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"
للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة
المشرفات:
المشرفات, مساعدات المشرفات
- 284
- مشاركات
-
- 180415
- مشاركات
-
شموخٌ رغم الجراح
من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.
المشرفات:
مُقصرة دومًا
- 56691
- مشاركات
-
- حنايا الانين
- بواسطة مناهل ام الخير
-
همزة الوصل
ترحيب.. تهاني.. تعازي.. مواساة..
- 259975
- مشاركات
-
- مشتاقة لكن .....
- بواسطة أمّ عبد الله
-
شكاوى واقتراحات
لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره
- 23497
- مشاركات
-
- مشكلة في نسخ موضوع
- بواسطة أمّ عبد الله
-
-
فتياتنا الجميلات
-
أحلى صحبة
نقاشات، فوائد، قضايا تخص الفتيات
- 204487
- مشاركات
-
- 117096
- مشاركات
-
- فرقعة فُشار ..!
- بواسطة إسراء سعد أحمد
-
- 136898
- مشاركات
-
- 20373
- مشاركات
-
- مذكرة فتاة مسلمة
- بواسطة مناهل ام الخير
-
-
ميراث الأنبياء
-
قبس من نور النبوة
ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها
المشرفات:
سدرة المُنتهى 87
- 8172
- مشاركات
-
مجلس طالبات العلم
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"
- 32129
- مشاركات
-
- 4159
- مشاركات
-
أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة
يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم
المشرفات:
إشراف ساحة الأحاديث الضعيفة
- 3918
- مشاركات
-
- 25483
- مشاركات
-
- 1677
- مشاركات
-
-
الملتقى الشرعي
-
- 30247
- مشاركات
-
الساحة العقدية والفقهية
لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.
المشرفات:
أرشيف الفتاوى
- 52903
- مشاركات
-
أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية
يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية
المشرفات:
أرشيف الفتاوى
- 19526
- مشاركات
-
- 6677
- مشاركات
-
-
قسم الاستشارات
-
استشارات اجتماعية وإيمانية
لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية
المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
- 40679
- مشاركات
-
- 47548
- مشاركات
-
- فوائد الثوم الذكر
- بواسطة أمّ عبد الله
-
-
داعيات إلى الهدى
-
زاد الداعية
لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.
المشرفات:
جمانة راجح
- 21004
- مشاركات
-
- أهم صفات الداعية
- بواسطة أمّ عبد الله
-
إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية
إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.
- 776
- مشاركات
-
-
البيت السعيد
-
بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]
المشرفات:
جمانة راجح
- 6306
- مشاركات
-
- 97004
- مشاركات
-
آمال المستقبل
"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء
المشرفات: ~ محبة صحبة الأخيار~
- 36831
- مشاركات
-
-
سير وقصص ومواعظ
-
- 31791
- مشاركات
-
القصص القرآني
"لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"
المشرفات:
** الفقيرة الى الله **
- 4883
- مشاركات
-
- 16436
- مشاركات
-
سيرة الصحابة والسلف الصالح
ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."
المشرفات:
سدرة المُنتهى 87
- 15474
- مشاركات
-
على طريق التوبة
يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.
المشرفات:
أمل الأمّة
- 29721
- مشاركات
-
-
العلم والإيمان
-
العبادة المنسية
"وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس
- 31145
- مشاركات
-
- 12928
- مشاركات
-
-
إن من البيان لسحرًا
-
- 50486
- مشاركات
-
- شعر شعبي عراقي قصير
- بواسطة رنيم حمدي
-
-
مملكتكِ الجميلة
-
- 41313
- مشاركات
-
منزلكِ الجميل
تصاميم.. لمسات تجميلية.. نصائح.. متعلقة بمنزلكِ
- 33878
- مشاركات
-
الطيّبات
- الأطباق الرئيسية
- قسم الحلويات
- قسم المقبلات
- قسم المعجنات والمخبوزات
- منتدى الصحة والرشاقة
- تطبيقات الطيبات
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
[البقرة : 172]- 91729
- مشاركات
-
-
كمبيوتر وتقنيات
-
- 32198
- مشاركات
-
جوالات واتصالات
قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة
- 13116
- مشاركات
-
- 34854
- مشاركات
-
- تصميم مواقع
- بواسطة Hannan Ali
-
- 65605
- مشاركات
-
وميضُ ضوء
صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا
- 6120
- مشاركات
-
الفلاشات
- || لَوْحَہٌ مِنْ اِبْدَاعِے ||
- || سَاحَہ الفلاَشْ اَلْتَعْلِيمِيَہْ ||
- || حَقِيَبہُ الْمُصَمِمَہْ ||
ساحة خاصة بأفلام الفلاشات
- 8966
- مشاركات
-
المصممة الداعية
يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات
- 4925
- مشاركات
-
-
ورشة عمل المحاضرات المفرغة
-
ورشة التفريغ
هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)
- 12904
- مشاركات
-
المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة
هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها
- 508
- مشاركات
-
-
le forum francais
-
- 7177
- مشاركات
-
-
IslamWay Sisters
-
English forums (35838 زيارات علي هذا الرابط)
Several English forums
-
-
المكررات
-
المواضيع المكررة
تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.
- 101646
- مشاركات
-
-
المتواجدات الآن 0 عضوات, 0 مجهول, 103 زوار (القائمه الكامله)
لاتوجد عضوات مسجلات متواجدات الآن
-
العضوات المتواجدات اليوم
3 عضوات تواجدن خلال ال 24 ساعة الماضية
أكثر عدد لتواجد العضوات كان 14، وتحقق
إعلانات
- تنبيه بخصوص الصور الرسومية + وضع عناوين البريد
- يُمنع وضع الأناشيد المصورة "الفيديو كليب"
- فتح باب التسجيل في مشروع "أنوار الإيمان"
- القصص المكررة
- إيقاف الرسائل الخاصة نهائيًا [مع إتاحة مراسلة المشرفات]
- تنبيه بخصوص المواضيع المثيرة بالساحة
- الأمانة في النقل، هل تراعينها؟
- ضوابط و قوانين المشاركة في المنتدى
- تنبيه بخصوص الأسئلة والاستشارات
- قرار بخصوص مواضيع الدردشة
- يُمنع نشر روابط اليوتيوب
-
أحدث المشاركات
-
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
من أقوال السلف في الصيام الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فطوبى لمن وفَّقَه الله، فداوَمَ على الصيام، وكان صيامه صيام جوارح عن الذنوب والعصيان، فحظي برضا الرحمن، وفاز بالجنان، والعتق من النيران. للسلف أقوال كثيرة في الصيام، يسَّر الله الكريم فاخترْتُ بعضًا منها، أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع. معاني في صوم شعبان أكثر من غيره: قال العلَّامة ابن القيم رحمه الله: في صوم شعبان أكثر من غيره ثلاثة معانٍ: أحدها: أنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فرُبَّما شغل عن الصيام أشهرًا، فجمع ذلك في شعبان، ليدركه قبل الفرض. الثاني: أنه فعل ذلك تعظيمًا لرمضان، وهذا الصوم يشبه سنة فرض الصلاة قبلها تعظيمًا لحقِّها. الثالث: أنه شهر تُرفَع فيه الأعمال، فأحَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يُرفَع عملُه وهو صائم. العابد من يكون صاحب صيام: قال ثابت البناني رحمه الله: لا يُسمَّى عابدٌ أبدًا عابدًا، وإن كان فيه كل خصلة خير، حتى تكون فيه هاتان الخَصْلتان: الصوم، والصلاة. الصوم يُعين على طلب الحديث: عن إبراهيم عن إسماعيل رحمه الله قال: كان أصحابنا يستعينون على طلب الحديث بالصوم. السائحون هم الصائمون: قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما: ﴿ السَّائِحُونَ ﴾ [التوبة: 112] هم الصائمون. ♦ عن عائشة رضي الله عنها قالت: سياحة هذه الأُمَّة الصيام. ♦ قال سفيان بن عيينة: إنما سُمِّي الصائم سائحًا لتركه اللذَّات كلها من المطعم والمشرب والمنكح. ♦ قال أبو عمر العبدي: ﴿ السَّائِحُونَ ﴾ الذين يُديمون الصيام من المؤمنين. ♦ قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: وأما قوله: ﴿ السَّائِحُونَ ﴾ فإنهم الصائمون. ♦ قال الإمام القرطبي رحمه الله: الصائم مستمر على الطاعة في ترك ما يتركه من الطعام وغيره، فهو بمنزلة السائح. الصوم المشروع: ♦ قال العلَّامة ابن القيم رحمه الله: الصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث، فإن تكلَّم لم يتكلَّم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه كُلُّه نافعًا صالحًا، وكذلك أعماله، فهي بمنزلة الرائحة التي يشمُّها مَنْ جالَسَ حامِلَ المسك، كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته له، وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم، هذا هو الصوم المشروع، لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب. فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام، وصوم البطن عن الشراب والطعام، فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده، فكذلك الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته، فتُصيِّره بمنزلة من لم يَصُمْ. الصوم من أكبر العون على كسر الشهوة: ♦ قال الإمام الغزالي رحمه الله: الشهوة...أن ينظر إلى مادة قوَّتها، وهي الأغذية الطيبة المُحرِّكة للشهوة، فلا بد من قطعها بالصوم، مع الاقتصاد عند الإفطار على طعام قليل. ♦ قال العلَّامة ابن القيم رحمه الله: أن ينظر إلى مادة قوَّة الشهوة فيجدها من الأغذية المُحرِّكة للشهوة، إما بنوعها وإما بكميَّتِها وكثرتها، فليحسم هذه المادة بتقليلها، فإن لم تنحسم فليُبادِر إلى الصوم، فإنه يُضيِّق مجاري الشهوة، ويكسر حِدَّتها، ولا سيَّما إذا كان أكله وقت الفطر معتدلًا. وقال رحمه الله: الصوم ناهيك به من عبادة تكُفُّ النفس عن شهواتها، وتُخرِجها عن شبه البهائم إلى شبه الملائكة المقربين،... وأي حسن يزيدُ على حسن هذه العبادة التي تكسرُ الشهوة، وتقمعُ النفس...وتزهدُ في الدنيا وشهواتها، وترغبُ فيما عند الله. ♦ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش؛ بل ما يتبعه من كسر الشهوات، وتطويع النفس الأمَّارة للنفس المطمئنة. ♦ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: الصوم من أكبر العون على كسر الشهوة. ♦ قال العلَّامة العثيمين رحمه الله: ومن حِكَمِ الصيام: كسر حِدَّة النفس؛ لأن النفس إذا كمَل لها نعيمُها، من أكل وشرب ونكاح، حملها ذلك على الأشَر والبَطَر ونسيان الآخر، وأصبح الإنسان كالبهيمة ليس له همٌّ إلا بطنه وفرْجه، فإذا كبَح جماحَ نفسه وعوَّدها على تَحمُّل المشاقِّ وتحمُّل الجوع وتحمُّل الظمأ وتحمُّل اجتناب النكاح؛ صار في هذا تربية عظيمة. الصوم من أكبر أسباب التقوى: ♦ قال العلَّامة ابن القيم رحمه الله: فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويُعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]. وقال رحمه الله: وبالجملة فعون الصوم على تقوى الله أمرٌ مشهورٌ، فما استعان أحد على تقوى الله وحفظ حدوده واجتناب محارمه بمثل الصوم. ♦ قال العلامة السعدي رحمه الله: الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه، فمِمَّا اشتمل عليه من التقوى...أن الصائم يُدرِّب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه؛ لعلمه باطِّلاع الله عليه. ♦ قال العلَّامة العثيمين رحمه الله: الله لم يُشرع الصيام إلا لحِكَمٍ عظيمة، أهمُّها وأجلُّها وأعظمُها: التقوى؛ تقوى الله عز وجل؛ لقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، هذه هي الحكمة من أجل تقوى الله عز وجل، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للصائم: ((إذا سابَّه أحدٌ أو شاتَمَه فليقُلْ: إنِّي صائمٌ))؛ أي: لا يسبُّه ويرُدُّ عليه بالمثْل، وليَقُل: إني امرؤ صائم، والصائم لا يسبُّ ولا يشتُمُ ولا يَصخَبُ؛ بل عنده الطُّمَأْنينة والوقار والسكينة، وتجنُّب المُحرَّمات والأقوال البذيئة؛ لأن الصوم جُنَّة يتَّقي به الإنسانُ محارمَ الله، ويتقي به النارَ يوم القيامة، وهذه أعظمُ حِكَم. تعويد الصغار على الصيام إذا أطاقوا: ♦ عن هشام عن أبيه قال: كان يعلِّم بنيه الصلاة إذا عقلوا، والصوم إذا أطاقوا. الصيام دليل على صحة الإيمان: ♦ قال الحافظ ابن رجب: إذا اشتدَّ توقان النفس إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه ثم تركته لله عز وجل في موضع لا يطَّلِع عليه إلا الله، كان ذلك دليلًا على صحة الإيمان، فإن الصائم يعلم أن له ربًّا يطَّلِع عليه في خلوته، وقد حرَّم عليه أن يتناول شهوته المجبول على الميل إليها في الخلوة، فأطاع ربَّه، وامتثل أمرَه، واجتنب نهيه؛ خوفًا من عقابه ورغبةً في ثوابه، فشكر الله تعالى له ذلك، واختصَّ لنفسه عمله، هذا من بين سائر أعماله. الصوم يذهب وغر الصدر: عن الحارث رحمه الله قال: صوم شهر الصبر، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر يذهبن بلابل الصدر. قال أبو إسحاق ومجاهد رحمهما الله: يذهبن وغر الصدر، قيل: وما وغر الصدر؟ قال: غِشُّه. الصوم جُنَّة من النار: قال الإمام ابن العربي رحمه الله: إنما كان الصوم جُنَّة من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوظة بالشهوات، فالحاصل أنه إذا كَفَّ نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترًا له من النار في الآخرة. في الصوم فرح للقلب: ♦ قال العلَّامة ابن القيم رحمه الله: الصوم...وفيه خاصية تقتضي إيثاره، وهي تفريحه للقلب عاجلًا وآجلًا، وقال رحمه الله: الصوم...أي حسن يزيدُ على حسن هذه العبادة التي تُحيي القلب وتفرحُه. ♦ قال العلَّامة السعدي رحمه الله: الصوم، وبقية الأعمال،... فيها فرح للقلب. الصوم زكاة البدن يُطهِّره من الأخلاق الرديئة: قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: الصوم زكاة البدن؛ أي: يُزكِّيه ويُطهِّره ويُنقِّيه من الأخلاط الرديئة طبعًا وشرعًا. في الصوم رياضة للبدن والنفس: ♦ قال العلَّامة ابن القيم رحمه الله: وفي الصوم الشرعي من أسباب حفظ الصحة ورياضة البدن والنفس.... الصوم...له تأثير عجيب في حفظ الصحة، وإذابة الفضلات، وحبس النفس عن تناول مؤذياتها، ولا سيَّما إذا كان باعتدال وقصد في أفضل أوقاته شرعًا، وحاجة البدن إليه طبعًا. ♦ قال العلَّامة السعدي رحمه الله: ما ذكره الله في كتابه من الأعمال كلها؛ كالجهاد... والصوم، وبقية الأعمال،... فإنها وإن كان المقصود الأعظم منها نيل رِضا الله، وقربه، وثوابه...فإن فيها صحة للأبدان، وتمرينًا لها، ورياضة، وراحة للنفس...وأسرارًا خاصة تحفظ الصحة، وتنميها، وتزيل عنها المؤذيات. في الصوم تمرين للنفس على قوة العزيمة والصبر والإخلاص: قال الإمام الغزالي رحمه الله: الصوم نصف الصبر. ♦ قال العلامة السعدي رحمه الله: في الصوم من تمرين النفوس على ترك محبوبها الذي ألفته؛ حُبًّا لله وتقرُّبًا، وتعويد النفوس وتمرينها على قوة العزيمة والصبر. وفيه تقوية داعي الإخلاص، وتحقيق محبَّتِه على مَحبَّة النفس. ♦ قال العلَّامة العثيمين رحمه الله: من حِكَمِ الصيام: تعويد الإنسان على تحمُّل المشقَّات والتعب؛ لأن التَّرَف والنعيم وتيسُّر الأكل والشرب، لن يدوم؛ فيُعوِّد الإنسانُ نفسَه على تحمُّل المشاقِّ. الصوم من أسباب علاج الفتور الذي يعتري المؤمن: ♦ قال العلَّامة عبدالله بن حسن القعود: من الأمراض التي قد تعتري أحدنا بينما هو شعلة متحرك وإذا هو بدأ يتغيَّر...علاج مثل هذه الأشياء: أن يتعاهد الإنسان نفسه بالقرآن، يقرأ القرآن، يتعاهد نفسَه بالسُّنَّة، يتعاهد نفسَه بالأعمال الصالحة، يُكثِر من نوافل العبادة مع نفسه، يقوم الليل بينه وبين ربِّه، ويسأل الله أن يشد من أزْرِه، يصوم ما تيسَّر. تلبيس إبليس على بعض الصائمين: ♦ قال الإمام الغزالي رحمه الله: وفرقة...اغترُّوا بالصوم، وربما صاموا الدهر، وهم فيها لا يحفظون ألسنتهم عن الغيبة، وبطونهم عن الحرام عند الإفطار، وهو مع ذلك يظن بنفسه الخير، فيهمل الفرائض، ويطلب النفل، ثم لا يقوم بحقِّه، وذلك غاية الغرور. ♦ قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: منهم من يلازم الصوم ولا يُبالي على ماذا أفطر، ولا يتحاشى في صومه عن غيبة ولا عن نظرة ولا عن فضول كلمة، وقد خيَّل له إبليس أن صومك يدفعُ إثمك، وكل هذا من التلبيس. من علامات قبول الصيام: ♦ قال العلَّامة العثيمين رحمه الله: قد تكون هناك علامات لمن تقبل الله منهم من الحُجَّاج والصائمين والمتصدِّقين والمصلِّين، وهي انشراح الصدر، وسرور القلب، ونور الوجه، فإن للطاعات علامات تظهر على بدن صاحبها؛ بل هي ظاهره وباطنه أيضًا. تطهير الصيام: كان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا قعدوا في المسجد وقالوا: نُطهِّر صيامنا. تأثير من يكثر من الصيام على غيره: قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: لقيت...ولقيت الشيخ أبا منصور الجواليقي فكان كثير الصمت، شديد التحرِّي فيما يقول...وكان كثير الصوم والصمت، فانتفعت برؤية هذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما. من حكم الصيام معرفة نعمة الله عز وجل: قال العلَّامة العثيمين رحمه الله: ومن حِكَمِ الصيام أنَّ الإنسان يذكرُ به نعمة الله عز وجل بتيسير الأكل والشرب والنكاح؛ لأن الإنسان لا يعرف الشيء إلا بضدِّه. كراهية إفراد يوم الجمعة بالصيام: قال العلامة ابن القيم رحمه الله: كان من هَدْيه صلى الله عليه وسلم، كراهةُ تخصيص يوم الجمعة بالصوم فعلًا منه وقولًا. الصيام للوقاية من حرِّ يوم النشور: قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: يا أيها الناس، إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق...صوموا الدنيا لحر يوم النشور. تذكُّر الصائم للمصابين بالجوع والعطش: قال العلَّامة العثيمين رحمه الله: ومن حكمة الله عز وجل في إيجاب الصيام أن يذكر إخوةً له مُصابين بالجوع والعطش وفَقْد النكاح فيرحمهم، ويَحنو عليهم، ويُعطيهم ممَّا أعطاه الله عز وجل. أحسن مصنف في فوائد الصيام: قال العلامة العثيمين رحمه الله: للصيام فوائد تكلَّم عليها العلماء رحمهم الله، ومن أحسن من تكلَّم عليها الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه "اللطائف". فليجاهد المسلم نفسه في صيام ما تيسَّر له من أيام في كل شهر، فالصيام من أسباب الوقاية من النار، ومن سبقونا كانوا يصومون حتى في أيام الحر الشديد، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: حج الحَجَّاج فنزل بين مكة والمدينة، ودعا بالغداء، وقال لحاجبه: انظر من يتغدَّى معي...فنظر فإذا هو بأعرابي، فقال له: ائتِ الأمير. فقال له الحَجَّاج: تغدَّ معي، فقال: إنه دعاني من هو خير منك فأجبْتُه. قال: من هو؟ قال: اللَّه عز وجل دعاني إلى الصوم فصمت. قال: في هذا الحَرِّ الشديد؟! قال: نعم صمت ليوم هو أشدُّ حرًّا من هذا اليوم. قال: فأفطر وتصوم غدًا. قال: إن ضمنت لي البقاء إلى غدٍ؟ قال: ليس ذلك إليَّ. قال: فكيف تسألني عاجلًا بآجل لا تقدر عليه؟ لقد بكى بعض السلف عند موته على الصيام، فعبدالرحمن بن الأسود رحمه الله بكى عند موته، وقال: وأسفاه على الصوم والصلاة! ولم يزل يتلو القرآن حتى مات. وختامًا: فطوبى لمن أكرمه الله الكريم فمات وهو صائم، قال هشام بن عروة رحمه الله: كان أبي [عروة بن الزبير رضي الله عنه] يسرد الصوم، ومات وهو صائم، وقال الإمام الذهبي رحمه الله: خالد بن معدان مات صائمًا. فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ شبكة الالوكة -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
قصة سيدنا لوط عليه السلام وقومه {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80)}
وكما قال الحق: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً} وقال: {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً}، {وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً} فهو هنا يأتي باسم (لوط) منصوباً لأنه معطوف على من سبقه من أصحاب الرسالات.
وما هو زمان الإِرسال؟ إن قوله الحق: {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} يفيد أن زمن القول كان وقت الإِرسال. وهي الإِشارة القرآنية ذات الدلالة الواضحة على أن الرسول حين يبعث ويرسل إليه ويبَّلغ الرسالة لا يتوانى لحظة في أداء المهمة، فكأن تبليغ الرسالة تزامن مع قوله: {يَاقَوْمِ}. والأسلوب يريد أن يبين لك أنه بمجرد أن يقال له: (بلغ) فهو يبلغ الرسالة على الفور، وكأن الرسالة جاءت ساعة التبليغ فلا فاصل بينهما. {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} [الأعراف: 80].
وكلمة (قومه) تعني أنه منهم، ولماذا لم يقل: (أخاهم لوطاً)؟ وهذه لها معنى يفيد أن السابقين من الرسل كانوا من بيئة الأقوام الذين أرسلوا إليهم؛ فعاد كان (هود) من بيئتهم و(ثمود) كان صالح من بيئتهم وإذا كان الحق لم يقل (أخاهم لوطاً) فلنلحظ أنه أوضح أنه قد أرسله إلى قومه، وهذه تنبهنا إلى أن لوطاً لم يكن من هذا المكان، لأن لوطاً وإبراهيم عليهما السلام كانا من مدينة بعيدة، وجاء إلى هذا المكان فراراً من الاضطهاد هو وإبراهيم عليهما السلام، وهذا يبين لنا أن لوطاً طارئ على هذا المكان، ولم يكن أخاهم المقيم معهم في البيئة نفسها. ولكنهم (قومه) لأنه عاش معهم فترة فعرف بعضهم بعضاً، وعرفوا بعضاً من صفاته، وأنسوا به.
أقول ذلك لننتبه إلى دقة أداء القرآن، فمع أن القصص واحد فسبحانه يضع لنا التمييز الدقيق، ولم يقل لهم لوط: إن ربي نهاكم عن هذه العملية القذرة وهي إتيان الرجال. بل أراد أن يستفهم منهم استفهاماً قد يردعهم عن العملية ويقبحها.
وكان استفهام سيدنا لوط هو استفهام تقريع، واستفهام إنكار، فلم يقل لهم: إن ربنا يقول لكم امتنعوا عن هذا الفعل، بل يستنكر الفعل كعمل مضاد للفطرة، واستنكار فطري. {... أَتَأْتُونَ الفاحشة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين} [الأعراف: 80].
وهذا يدل على أنه يريد أن يسألهم سؤالاً إنكاريًّا ليحرجهم، لأن العقل الفطري يأبى هذه العملية: {أَتَأْتُونَ الفاحشة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين}.
أي أن هذه المسألة لم تحدث من قبل لأنها عملية مستقذرة؛ لأن الرجل إنما يأتي الرجل في محل القذارة، لكنهم فعلوها، وهذا الفعل يدل على أنها مسألة قد تشتهيها النفس غير السويَّة. ولكنها عملية قذرة تأباها الفطرة السليمة.
وكلمة (فاحشة) تعطينا معنى التزيد في القبح؛ فهي ليست قبحاً فقط، بل تَزَيُّدٌ وإيغال وتعمق في القبح ومبالغة فيه؛ لأن الفاحشة تكون أيضاً إذا ما أتى الرجل أنثى معدة لهذه العملية لأنه لم يعقد عليها، ولم يتخذها زوجا، وعندما يتزوجها تصير حِلاًّ له، لكن إتيان الذكر للذكر هو تزيد في الفحش.
وإذا كان هذا الأمر محرماً في الأنثى التي ليست حلالاً له ويعد فاحشة، فالرجل غير مخلوق لمثل هذا الفعل ولا يمكن أن يصير حلالاً، يكون إتيانه فاحشة بمعنى مركّب. {... أَتَأْتُونَ الفاحشة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين} [الأعراف: 80].
وقلنا من قبل: إن (من) قد تأتي مرة زائدة، ويمكنك أن تقول إنها زائدة في كلام الإنسان، لكن من العيب أن تقول ذلك في كلام ربنا. وقوله: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين}.
أي ما سبقكم أحد من العالمين، و(أحد) هي الفاعل، وجاءت (من) لتوضح لنا أنه لم يأت بها أحد ابتداءً، مثلما قلنا قديماً، حين تأتي لواحد لتقول له: (ما عندي مال). فأنت قد نفيت أن يكون عندك مال يعتد به. وقد يكون معك من بداية ما يقال له أنه مال وقوله الحق: {... مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين}.[الأعراف: 80].
يعني أنه لم يسبقكم أي أحد من بداية ما يقال له أحد، وسبحانه يريد بذلك أن ينفيها أكثر، و(من) التي في قوله: {مِّن العالمين} هي تبعيضية أي ما سبقكم بها أحد (من بعض) العالمين. فما هذا الأمر؟ لقد سماها فاحشة، وهي تزيد في القبح ووصفة لها بأنها لم يأتها أحد من العالمين جعلها مسألة فظيعة للغاية.
لأننا حين نبحث هذه المسألة بحثاً عقلياً نجد أن الإنسان مخلوق كخليفة في الأرض وعليه استبقاء نوعه؛ لأن كل فرد له عمر محدود، ويخلف الناس بعضهم بعضاً، ولابد من بقاء النوع، وقد ضمن الله للإنسان الأقوات التي تبقيه، وحلل له الزواج وسيلة لإبقاء النوع، ومهمة الخلافة تفرض أن يخلف بعضنا بعضاً.
وكل خليفة يحتاج إلى اقتيات وإلى إنجاب. و(الاقتيات) خلقه الله في الأرض التي قدر فيها أقواتها.
والنوع البشري جعل منه سبحانه الذكر والأنثى ومنهما يأتي الإنجاب الخلافي؛ فهو محمول أولاً في ظهر أبيه نطفة، ثم في أمه جنيناً ثم تضعه لترعاه مع والده ويربيه الاثنان حتى يبلغ رشده. وهذه خمس مراحل، وكل مرحلة منها شاقة، فحمل الأم في الطفل تسعة شهور هو أمر شاق؛ لأن الإِنسان منا إن حمل شيئاً طوال النهار سيصاب بالتعب، لكن الأم تحمل الجنين تسعة أشهر، وأراد الله أن يكون الحمل انسيابياً بمعنى أن الجنين في نشأته الأولى لا يبلغ وزنه إلا أقل القليل، ثم يكبر بهدوء وبطء لمدة تسعة شهور حتى يكتمل نموه.
وهذا الجنين كان صغيراً في بدء تكوينه، ثم صار وزنه غالباً ثلاثة كيلو جرام في يوم ولادته، وبين بدء تكوينه إلى لحظة ميلاده هناك فترة زمنية ينمو فيها هذا الجنين تدريجياً، وبشكل انسيابي، فهو لا يزيد في الوزن كل ساعة، بل ينمو في كل جزء من المليون من الثانية بمقدار يناسب هذا الجزء من الثانية، وهذا يعني أن الجنين ينمو انسيابيا بما يناسب الزمن.
نلاحظ ذلك أيضاً في أثناء التدريب على رياضة حمل الأثقال أنهم لا يدربون اللاعب الناشئ على حمل مائة كيلو جرام من أول مرة بل يدربونه على حمل عشرين كيلو جراماً في البداية، ثم يزاد الحمل تباعاً بما لا يجعل حامل الأثقال في عنت، ويسمون ذلك: انسياب التدريب؛ لأن حمل هذه الأثقال يحتاج إلى تعود، ولهذا لا يتم تدريبه على حمل الأثقال فجأة، بل بانسياب بحيث لا يدرك الزمن مع الحركة، كذلك النمو، فأنت إذا نظرت إلى طفلك الوليد ساعة تلده أمه، وسأقدر جدلاً أنك ظللت تنظر إليه دائماً، فهو لا يكبر في نظرك أبداً؛ لأنه ينمو بطريقة غير محسوسة لديك، لكنك لو غبت شهراً عنه وتعود لرؤيته ستدرك نموه، وهذا النمو الزائد قد تجمع في الزمن الفاصل بين آخر مرة رأيته فيها قبل غيابك وأول مرة تراه بعد عودتك.
ومن لطف الله- إذن- في الحمل أن الجنين ينمو انسيابياً، ولذلك يزداد الرحم كل يوم من بدء الحمل إلى آخر يوم فيه، وترى الأم الحامل، وهي تسير بوهن وتبطئ في حركتها، ثم يأتي الميلاد مصحوباً بمتاعب الولادة وآلامها، وبعد أن يولد المولود تستقبله رعاية أمه وأبيه، ويأخذ سنوات إلى أن يبلغ الرشد. ونعلم أن أطول الأجناس طفولة هو الإنسان، ولذلك نجد الأب الذي يريد الإنجاب يتحمل مع الأم متاعب التربية، وقد قرن الله هذا الأمر بشهوة، وهي أعنف شهوة تأتي من الإِنسان، وبعد ميلاد الطفل نجد المرأة تقول: لن أحمل مرة أخرى، ولكنها تحمل بعد ذلك.
إذن كأن الشهوة هي الطُعم الموضوع في المصيدة ليأتي بالصيد وهو الإِنجاب؛ لذلك قرن الحق الإِنجاب بالشهوة لنقبل عليها، وبعد أن نقبل عليها، ونتورط فيها نتوفر ونبذل الجهد لنربي الأولاد. فإذا أنت عزلت هذه الشهوة عن الإِنجاب والامتداد تكون قد أخللت وملت عن سنة الكون، لأنك ستأخذ اللذة بدون الإِنجاب، وإذا تعطل الإِنجاب تعطلت خلافة الأرض، والشيء الآخر أن الرجل في الجماع يلعب دور الفاعل، وفي الشذوذ وهو العملية المضادة التي فعلها قوم لوط ينقلب الرجل إلى منفعل بعد أن كان فاعلاً. {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفاحشة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين} [الأعراف: 80].
والفاحشة هي العملية الجنسية الشاذة، ولم يحددها سبحانه من البداية كدليل على أنها أمر معلوم بالفطرة، فساعة يقول: {أَتَأْتُونَ الفاحشة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين} يعرفون ما فعلوا. وإن افترضنا أن هناك أغبياء أو من يدعون الغباء ويرفضون الفهم، فقد جاء بعدها بالقول الواضح: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً...}.
{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)}
والإِسراف هو تجاوز الحد، والله قد جعل للشهوة لديك مصرفاً طبيعياً منجبا، وحيث تأخذ أكثر من ذلك تكون قد تجاوزت الحد، ولقد جعل الله للرجل امرأة من جنس البشر وجعلها وعاء للإِنجاب، وتعطيك الشهوة وتعطيها أنت الشهوة، وتعطيك الإِنجاب، وتشتركان من بعد ذلك في رعاية الأولاد. وأي خروج عما حدده الله يكون الدافع إليه هو الشهوة فحسب لكي ينبغي أن يكون الدافع إلى هذه العملية مع الأنثى هو الشهوة والإنجاب معا؛ لبقاء النوع، ولذلك وصف الحق فعل قوم لوط: {... بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ}. ويأتي الحق سبحانه بما أجابوا به عن سؤال سيدنا لوط: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ...}.
{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)}
وبذلك تمادى هؤلاء القوم رافضين أن يقبح أحد لهم الشذوذ؛ لذلك قالوا: {أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ...}.
وما هي الحجة التي من أجلها إخراج لوط والذين آمنوا معه من القرية؟ {... أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 82].
فهل التطهر عيب! لا، لكنهم عاشوا في النجاسة وألفوها، ويرفضون الخروج منها، لذلك كرهوا التطهر. والمثال على ذلك حين نجد شاباً يريد أن ينضم إلى صداقة جماعة في مثل عمره، لكنه وجدهم يشربون الخمور، فنصحهم بالابتعاد عنه، ووجدهم يغازلون النساء فحذرهم من مغبة الخوض في أعراض الناس، لكن جماعة الأصدقاء كرهت وجوده بينهم لأنه لم يألف الفساد فيقولون: لنبتعد عن هذا المستقيم المتزهد المتقشف، وكأن هذه الصفات صارت سُبة في نظر أصحاب المزاج المنحرف، مثلهم مثل الحيوان الذي يحيا في القذارة، وإن خرج إلى النظافة يموت.
{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83)}
وهم حين أرادو طرد لوط وأهله، إنما كانوا يجازفون.
إنهم بذلك قد تعجلوا العقاب، وجاءهم العقاب وأنجى الحق سبحانه لوطاً وأهله بتدبير حكيم لا يحتاج فيه سبحانه إلى حد، وإذا تساءل أحد: ومن هم أهل لوط الذين أنجاهم الله معه؟ أهم أهل النسب أم أهل التدين والتبعية؟. إن كان أهله بالنسب فالحق يستثني منهم (إمرأته)، وهذا دليل على أن أهل البيت آمنوا بما قاله لوط وكذلك الأتباع أيضاً {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين}.
إذن كان مع لوط أيضاً بعض من أهله وبعض من الأتباع، وكانوا من المتطهرين، والتطهر هو أن يترفع الإنسان عن الرجس والسوء. ولذلك نجد سيدنا شعيباً حين ينصح وقومه: {فَأَوْفُواْ الكيل والميزان وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءَهُمْ...} [الأعراف: 85].
ويتعجب القوم سائلين شعيباً: {أصلاوتك تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ...} [هود: 87].
إنهم يتعجبون من أن الصلاة تنهى عن ذلك، لقد أعمى ضلالهم بصيرتهم، فلم يعرفوا أن الصلاة تنهى عن كل شيء. وكذلك فعل بعض من الكافرين حين اتهموا سيدنا رسول الله بأنه مجنون: {وَقَالُواْ ياأيها الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6].
ومن قولهم يتأكد غباء تفكيرهم، فماداموا قد قالوا: {نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر} فمن الذي نزل هذا الذكر؟، والذكر هو القرآن، والذي نزله هو الله سبحانه وتعالى فكيف يعترفون بالقرآن كذكر، ثم يتهمون الرسول بأنه (مجنون)؟، لأنهم ماداموا قد قالوا عن القرآن إنه ذكر، وإنه قد نزل عليه، ولم يأت به من عنده، فكيف يكون مجنوناً؟ إنهم هم الكاذبون، وقولهم يؤكد أن فكرهم نازل هابط.
وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها نجد الحق يقول سبحانه: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين} [الأعراف: 83]. إن إمرأة سيدنا لوط لم تدخل في الإنجاء لأنها من الغابرين و(غبر) تأتي لمعان متعددة فهي تعني إقامة ومكثا بالمكان، أو تعني أي شيء مضى، كما يقال: هذا الشيء غبرت أيامه؛ أي مضت أيامه، ولسائل أن يقول: كيف تأتي الكلمة الواحدة للمعنى ونقيضه؟ فغبر تعني بقي، وغبر أيضاً تعني مضى وانتهى. نقول: إن المعنى ملتق هنا في هذه الاية، فمادام الحق ينجيه من العذاب الذي نزل على قوم لوط في القرية فنجد زوجته لم تخرج معه، بل بقيت في المكان الذي نزل فيه العذاب، وبقيت في الماضي، وهكذا يكون المعنى ملتقيا. فإن قلت مع الباقين الذين آتاهم العذاب فهذا صحيح. وإن قلت إنها صارت تاريخاً مضى فهذا صحيح أيضاً: {إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين}.
ونحن لا ندخل في تفاصل لماذا كانت امراته من الغابرين؛ لأن البعض تكلم في حقها بما لا يقال، وكأن الله يدلس على نبي من أنبيائه، لا، نحن لا نأخذ إلا ما قاله الحق بأنها كانت مخالفة لمنهجه وغير مؤمنة به.
ونلاحظ أيضاً أن الحق تحدث عن امرأة نوح وامرأة لوط في مسألة الكفر؛ فقال: {ضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امرأت نُوحٍ وامرأت لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا...} [التحريم: 10].
ودقق النظر في كلمة {تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} وتساءل البعض عن معنى الخيانة وهل المقصود بها الزنا؟. ونقول: ربنا لا يدلس على نبي له، لكن أن تؤمن الزوجة أو تكفر، فهذه مسألة اختيارية. وكأن الله سبحانه يوضح لنا أن الرسول مع أنه رسول من الله إلا أنه لا يستطيع أن يفرض إيماناً على امرأته؛ فالمسألة هي حرية الاعتقاد. وانظر إلى التعبير القرآني: {ضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امرأت نُوحٍ وامرأت لُوطٍ}.
إياك أن تظن أن أيًّا منهما متكبرة على زوجها؛ لأن الحق يقول: {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا} أي أن إمرة وقوامة الرجل مؤكدة عليها، يشير إلى ذلك قوله: {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ} لكن الإِيمان هو مسالة اختيار، وهذا الاختيار متروك لكل إنسان، وأكد الحق ذلك في مسألة ابن سيدنا نوح: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46].
وحاول البعض أن يلصق تهمة الزنا بامرأة نوح وامرأة لوط، وهم في ذلك يجانبون الصدق، إنه محض افتراء، وقد نبهنا الحق إلى ذلك فقال عن امرأة نوح وامرأة لوط: {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا} [التحريم: 10].
ولنفهم أن الاختيار في العقيدة هو الذي جعلهما من الكافرين، وأن الرسولين نوحاً ولوطاً لم يستطيعا إدخال الإيمان في قلبي الزوجتين؛ حتى يتأكد لدينا أن العقيدة لا يقدر عليها إلا الإِنسان نفسه ولذلك ضرب سبحانه لنا مثلاً آخر: {وَضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ امرأت فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابن لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الجنة وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ القوم الظالمين} [التحريم: 11].
فهذه زوجة فرعون المتجبر؛ الذي (ادّعى الألوهية)، لكنه لا يقدر أن يمنع امرأته من أن تؤمن بالله، وهكذا نجد نبيًّا لا يقدر أن يقنع امرأته بالإِيمان، ونجد مدّعي الألوهية عاجزاً عن أن يجعل امرأته كافرة مثله، وهذا يدل على أن العقيدة أمر اختياري محمي بكل أنواع الحماية؛ حتى لا يختار الإِنسان دينه إلا على أساس من اقتناعه لا على أساس قهره.
وضرب الله مثلاً آخر: {وَمَرْيَمَ ابنت عِمْرَانَ...} [التحريم: 12].
ونلاحظ أن الحق لم يأت بأسماء زوجتي نوح ولوط، وكذلك لم يأت باسم امرأة فرعون، لكنه أورد لنا اسم مريم واسم والدها. فلماذا كان الإِبهام أولاً؟ لنعلم أنه من الجائز جدًّا أن يحصل مثل هذا الأمر لأي امرأة، فقد تكون تحت جبار وكافر، وتكون هي مؤمنة، وقد تكون تحت عبد مؤمن ولا يلمس الإِيمان قلبها. {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين}.[الأعراف: 83].
فكلمة (أنجيناه) تشير إلى أن عذاباً سيقع في المكان الذي فيه قوم لوط، ولأنه سبحانه شاء أن يعذب جماعة ولا يعذب جماعة أخرى، فلابد أن يدفع الجماعة التي كتب لها النجاة إلى الخروج. وهذا الخروج أراده لهم من يكرهونهم، فقد قالوا: {... أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 82].
لكن ربنا هو الذي أخرجهم، والإِخراج كان من العذاب الذي نزل بهؤلاء المجرمين؛ إنه كان لإِنجاء لوط وأهله مما نزل بهؤلاء الفجرة.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)}
فهل كان ذلك المطر مثل المطر الذي ينزل عادة؟ لا، بل هو مطر من نوع آخر. فسبحانه يقول: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات: 33-34].
يقول الحق: إنه سبعذبهم بالمطر، فلننتبه أنه ليس المطر التقليدي، بل إنه يعذبهم ويستأصلهم بنوع آخر من المطر.
وقوله: (انظر) أي فاعتبر يا من تسمع هذا النص، وهذه القصة تبين وتوضح أن الله لا يدع المجرمين يصادمون دعوة الله على لسان رسله دون عقاب. نداء الايمان -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
قصة سيدنا لوط عليه السلام وقومه {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80)}
وكما قال الحق: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً} وقال: {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً}، {وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً} فهو هنا يأتي باسم (لوط) منصوباً لأنه معطوف على من سبقه من أصحاب الرسالات.
وما هو زمان الإِرسال؟ إن قوله الحق: {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} يفيد أن زمن القول كان وقت الإِرسال. وهي الإِشارة القرآنية ذات الدلالة الواضحة على أن الرسول حين يبعث ويرسل إليه ويبَّلغ الرسالة لا يتوانى لحظة في أداء المهمة، فكأن تبليغ الرسالة تزامن مع قوله: {يَاقَوْمِ}. والأسلوب يريد أن يبين لك أنه بمجرد أن يقال له: (بلغ) فهو يبلغ الرسالة على الفور، وكأن الرسالة جاءت ساعة التبليغ فلا فاصل بينهما. {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} [الأعراف: 80].
وكلمة (قومه) تعني أنه منهم، ولماذا لم يقل: (أخاهم لوطاً)؟ وهذه لها معنى يفيد أن السابقين من الرسل كانوا من بيئة الأقوام الذين أرسلوا إليهم؛ فعاد كان (هود) من بيئتهم و(ثمود) كان صالح من بيئتهم وإذا كان الحق لم يقل (أخاهم لوطاً) فلنلحظ أنه أوضح أنه قد أرسله إلى قومه، وهذه تنبهنا إلى أن لوطاً لم يكن من هذا المكان، لأن لوطاً وإبراهيم عليهما السلام كانا من مدينة بعيدة، وجاء إلى هذا المكان فراراً من الاضطهاد هو وإبراهيم عليهما السلام، وهذا يبين لنا أن لوطاً طارئ على هذا المكان، ولم يكن أخاهم المقيم معهم في البيئة نفسها. ولكنهم (قومه) لأنه عاش معهم فترة فعرف بعضهم بعضاً، وعرفوا بعضاً من صفاته، وأنسوا به.
أقول ذلك لننتبه إلى دقة أداء القرآن، فمع أن القصص واحد فسبحانه يضع لنا التمييز الدقيق، ولم يقل لهم لوط: إن ربي نهاكم عن هذه العملية القذرة وهي إتيان الرجال. بل أراد أن يستفهم منهم استفهاماً قد يردعهم عن العملية ويقبحها.
وكان استفهام سيدنا لوط هو استفهام تقريع، واستفهام إنكار، فلم يقل لهم: إن ربنا يقول لكم امتنعوا عن هذا الفعل، بل يستنكر الفعل كعمل مضاد للفطرة، واستنكار فطري. {... أَتَأْتُونَ الفاحشة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين} [الأعراف: 80].
وهذا يدل على أنه يريد أن يسألهم سؤالاً إنكاريًّا ليحرجهم، لأن العقل الفطري يأبى هذه العملية: {أَتَأْتُونَ الفاحشة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين}.
أي أن هذه المسألة لم تحدث من قبل لأنها عملية مستقذرة؛ لأن الرجل إنما يأتي الرجل في محل القذارة، لكنهم فعلوها، وهذا الفعل يدل على أنها مسألة قد تشتهيها النفس غير السويَّة. ولكنها عملية قذرة تأباها الفطرة السليمة.
وكلمة (فاحشة) تعطينا معنى التزيد في القبح؛ فهي ليست قبحاً فقط، بل تَزَيُّدٌ وإيغال وتعمق في القبح ومبالغة فيه؛ لأن الفاحشة تكون أيضاً إذا ما أتى الرجل أنثى معدة لهذه العملية لأنه لم يعقد عليها، ولم يتخذها زوجا، وعندما يتزوجها تصير حِلاًّ له، لكن إتيان الذكر للذكر هو تزيد في الفحش.
وإذا كان هذا الأمر محرماً في الأنثى التي ليست حلالاً له ويعد فاحشة، فالرجل غير مخلوق لمثل هذا الفعل ولا يمكن أن يصير حلالاً، يكون إتيانه فاحشة بمعنى مركّب. {... أَتَأْتُونَ الفاحشة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين} [الأعراف: 80].
وقلنا من قبل: إن (من) قد تأتي مرة زائدة، ويمكنك أن تقول إنها زائدة في كلام الإنسان، لكن من العيب أن تقول ذلك في كلام ربنا. وقوله: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين}.
أي ما سبقكم أحد من العالمين، و(أحد) هي الفاعل، وجاءت (من) لتوضح لنا أنه لم يأت بها أحد ابتداءً، مثلما قلنا قديماً، حين تأتي لواحد لتقول له: (ما عندي مال). فأنت قد نفيت أن يكون عندك مال يعتد به. وقد يكون معك من بداية ما يقال له أنه مال وقوله الحق: {... مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين}.[الأعراف: 80].
يعني أنه لم يسبقكم أي أحد من بداية ما يقال له أحد، وسبحانه يريد بذلك أن ينفيها أكثر، و(من) التي في قوله: {مِّن العالمين} هي تبعيضية أي ما سبقكم بها أحد (من بعض) العالمين. فما هذا الأمر؟ لقد سماها فاحشة، وهي تزيد في القبح ووصفة لها بأنها لم يأتها أحد من العالمين جعلها مسألة فظيعة للغاية.
لأننا حين نبحث هذه المسألة بحثاً عقلياً نجد أن الإنسان مخلوق كخليفة في الأرض وعليه استبقاء نوعه؛ لأن كل فرد له عمر محدود، ويخلف الناس بعضهم بعضاً، ولابد من بقاء النوع، وقد ضمن الله للإنسان الأقوات التي تبقيه، وحلل له الزواج وسيلة لإبقاء النوع، ومهمة الخلافة تفرض أن يخلف بعضنا بعضاً.
وكل خليفة يحتاج إلى اقتيات وإلى إنجاب. و(الاقتيات) خلقه الله في الأرض التي قدر فيها أقواتها.
والنوع البشري جعل منه سبحانه الذكر والأنثى ومنهما يأتي الإنجاب الخلافي؛ فهو محمول أولاً في ظهر أبيه نطفة، ثم في أمه جنيناً ثم تضعه لترعاه مع والده ويربيه الاثنان حتى يبلغ رشده. وهذه خمس مراحل، وكل مرحلة منها شاقة، فحمل الأم في الطفل تسعة شهور هو أمر شاق؛ لأن الإِنسان منا إن حمل شيئاً طوال النهار سيصاب بالتعب، لكن الأم تحمل الجنين تسعة أشهر، وأراد الله أن يكون الحمل انسيابياً بمعنى أن الجنين في نشأته الأولى لا يبلغ وزنه إلا أقل القليل، ثم يكبر بهدوء وبطء لمدة تسعة شهور حتى يكتمل نموه.
وهذا الجنين كان صغيراً في بدء تكوينه، ثم صار وزنه غالباً ثلاثة كيلو جرام في يوم ولادته، وبين بدء تكوينه إلى لحظة ميلاده هناك فترة زمنية ينمو فيها هذا الجنين تدريجياً، وبشكل انسيابي، فهو لا يزيد في الوزن كل ساعة، بل ينمو في كل جزء من المليون من الثانية بمقدار يناسب هذا الجزء من الثانية، وهذا يعني أن الجنين ينمو انسيابيا بما يناسب الزمن.
نلاحظ ذلك أيضاً في أثناء التدريب على رياضة حمل الأثقال أنهم لا يدربون اللاعب الناشئ على حمل مائة كيلو جرام من أول مرة بل يدربونه على حمل عشرين كيلو جراماً في البداية، ثم يزاد الحمل تباعاً بما لا يجعل حامل الأثقال في عنت، ويسمون ذلك: انسياب التدريب؛ لأن حمل هذه الأثقال يحتاج إلى تعود، ولهذا لا يتم تدريبه على حمل الأثقال فجأة، بل بانسياب بحيث لا يدرك الزمن مع الحركة، كذلك النمو، فأنت إذا نظرت إلى طفلك الوليد ساعة تلده أمه، وسأقدر جدلاً أنك ظللت تنظر إليه دائماً، فهو لا يكبر في نظرك أبداً؛ لأنه ينمو بطريقة غير محسوسة لديك، لكنك لو غبت شهراً عنه وتعود لرؤيته ستدرك نموه، وهذا النمو الزائد قد تجمع في الزمن الفاصل بين آخر مرة رأيته فيها قبل غيابك وأول مرة تراه بعد عودتك.
ومن لطف الله- إذن- في الحمل أن الجنين ينمو انسيابياً، ولذلك يزداد الرحم كل يوم من بدء الحمل إلى آخر يوم فيه، وترى الأم الحامل، وهي تسير بوهن وتبطئ في حركتها، ثم يأتي الميلاد مصحوباً بمتاعب الولادة وآلامها، وبعد أن يولد المولود تستقبله رعاية أمه وأبيه، ويأخذ سنوات إلى أن يبلغ الرشد. ونعلم أن أطول الأجناس طفولة هو الإنسان، ولذلك نجد الأب الذي يريد الإنجاب يتحمل مع الأم متاعب التربية، وقد قرن الله هذا الأمر بشهوة، وهي أعنف شهوة تأتي من الإِنسان، وبعد ميلاد الطفل نجد المرأة تقول: لن أحمل مرة أخرى، ولكنها تحمل بعد ذلك.
إذن كأن الشهوة هي الطُعم الموضوع في المصيدة ليأتي بالصيد وهو الإِنجاب؛ لذلك قرن الحق الإِنجاب بالشهوة لنقبل عليها، وبعد أن نقبل عليها، ونتورط فيها نتوفر ونبذل الجهد لنربي الأولاد. فإذا أنت عزلت هذه الشهوة عن الإِنجاب والامتداد تكون قد أخللت وملت عن سنة الكون، لأنك ستأخذ اللذة بدون الإِنجاب، وإذا تعطل الإِنجاب تعطلت خلافة الأرض، والشيء الآخر أن الرجل في الجماع يلعب دور الفاعل، وفي الشذوذ وهو العملية المضادة التي فعلها قوم لوط ينقلب الرجل إلى منفعل بعد أن كان فاعلاً. {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفاحشة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين} [الأعراف: 80].
والفاحشة هي العملية الجنسية الشاذة، ولم يحددها سبحانه من البداية كدليل على أنها أمر معلوم بالفطرة، فساعة يقول: {أَتَأْتُونَ الفاحشة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين} يعرفون ما فعلوا. وإن افترضنا أن هناك أغبياء أو من يدعون الغباء ويرفضون الفهم، فقد جاء بعدها بالقول الواضح: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً...}.
{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)}
والإِسراف هو تجاوز الحد، والله قد جعل للشهوة لديك مصرفاً طبيعياً منجبا، وحيث تأخذ أكثر من ذلك تكون قد تجاوزت الحد، ولقد جعل الله للرجل امرأة من جنس البشر وجعلها وعاء للإِنجاب، وتعطيك الشهوة وتعطيها أنت الشهوة، وتعطيك الإِنجاب، وتشتركان من بعد ذلك في رعاية الأولاد. وأي خروج عما حدده الله يكون الدافع إليه هو الشهوة فحسب لكي ينبغي أن يكون الدافع إلى هذه العملية مع الأنثى هو الشهوة والإنجاب معا؛ لبقاء النوع، ولذلك وصف الحق فعل قوم لوط: {... بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ}. ويأتي الحق سبحانه بما أجابوا به عن سؤال سيدنا لوط: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ...}.
{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)}
وبذلك تمادى هؤلاء القوم رافضين أن يقبح أحد لهم الشذوذ؛ لذلك قالوا: {أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ...}.
وما هي الحجة التي من أجلها إخراج لوط والذين آمنوا معه من القرية؟ {... أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 82].
فهل التطهر عيب! لا، لكنهم عاشوا في النجاسة وألفوها، ويرفضون الخروج منها، لذلك كرهوا التطهر. والمثال على ذلك حين نجد شاباً يريد أن ينضم إلى صداقة جماعة في مثل عمره، لكنه وجدهم يشربون الخمور، فنصحهم بالابتعاد عنه، ووجدهم يغازلون النساء فحذرهم من مغبة الخوض في أعراض الناس، لكن جماعة الأصدقاء كرهت وجوده بينهم لأنه لم يألف الفساد فيقولون: لنبتعد عن هذا المستقيم المتزهد المتقشف، وكأن هذه الصفات صارت سُبة في نظر أصحاب المزاج المنحرف، مثلهم مثل الحيوان الذي يحيا في القذارة، وإن خرج إلى النظافة يموت.
{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83)}
وهم حين أرادو طرد لوط وأهله، إنما كانوا يجازفون.
إنهم بذلك قد تعجلوا العقاب، وجاءهم العقاب وأنجى الحق سبحانه لوطاً وأهله بتدبير حكيم لا يحتاج فيه سبحانه إلى حد، وإذا تساءل أحد: ومن هم أهل لوط الذين أنجاهم الله معه؟ أهم أهل النسب أم أهل التدين والتبعية؟. إن كان أهله بالنسب فالحق يستثني منهم (إمرأته)، وهذا دليل على أن أهل البيت آمنوا بما قاله لوط وكذلك الأتباع أيضاً {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين}.
إذن كان مع لوط أيضاً بعض من أهله وبعض من الأتباع، وكانوا من المتطهرين، والتطهر هو أن يترفع الإنسان عن الرجس والسوء. ولذلك نجد سيدنا شعيباً حين ينصح وقومه: {فَأَوْفُواْ الكيل والميزان وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءَهُمْ...} [الأعراف: 85].
ويتعجب القوم سائلين شعيباً: {أصلاوتك تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ...} [هود: 87].
إنهم يتعجبون من أن الصلاة تنهى عن ذلك، لقد أعمى ضلالهم بصيرتهم، فلم يعرفوا أن الصلاة تنهى عن كل شيء. وكذلك فعل بعض من الكافرين حين اتهموا سيدنا رسول الله بأنه مجنون: {وَقَالُواْ ياأيها الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6].
ومن قولهم يتأكد غباء تفكيرهم، فماداموا قد قالوا: {نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر} فمن الذي نزل هذا الذكر؟، والذكر هو القرآن، والذي نزله هو الله سبحانه وتعالى فكيف يعترفون بالقرآن كذكر، ثم يتهمون الرسول بأنه (مجنون)؟، لأنهم ماداموا قد قالوا عن القرآن إنه ذكر، وإنه قد نزل عليه، ولم يأت به من عنده، فكيف يكون مجنوناً؟ إنهم هم الكاذبون، وقولهم يؤكد أن فكرهم نازل هابط.
وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها نجد الحق يقول سبحانه: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين} [الأعراف: 83]. إن إمرأة سيدنا لوط لم تدخل في الإنجاء لأنها من الغابرين و(غبر) تأتي لمعان متعددة فهي تعني إقامة ومكثا بالمكان، أو تعني أي شيء مضى، كما يقال: هذا الشيء غبرت أيامه؛ أي مضت أيامه، ولسائل أن يقول: كيف تأتي الكلمة الواحدة للمعنى ونقيضه؟ فغبر تعني بقي، وغبر أيضاً تعني مضى وانتهى. نقول: إن المعنى ملتق هنا في هذه الاية، فمادام الحق ينجيه من العذاب الذي نزل على قوم لوط في القرية فنجد زوجته لم تخرج معه، بل بقيت في المكان الذي نزل فيه العذاب، وبقيت في الماضي، وهكذا يكون المعنى ملتقيا. فإن قلت مع الباقين الذين آتاهم العذاب فهذا صحيح. وإن قلت إنها صارت تاريخاً مضى فهذا صحيح أيضاً: {إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين}.
ونحن لا ندخل في تفاصل لماذا كانت امراته من الغابرين؛ لأن البعض تكلم في حقها بما لا يقال، وكأن الله يدلس على نبي من أنبيائه، لا، نحن لا نأخذ إلا ما قاله الحق بأنها كانت مخالفة لمنهجه وغير مؤمنة به.
ونلاحظ أيضاً أن الحق تحدث عن امرأة نوح وامرأة لوط في مسألة الكفر؛ فقال: {ضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امرأت نُوحٍ وامرأت لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا...} [التحريم: 10].
ودقق النظر في كلمة {تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} وتساءل البعض عن معنى الخيانة وهل المقصود بها الزنا؟. ونقول: ربنا لا يدلس على نبي له، لكن أن تؤمن الزوجة أو تكفر، فهذه مسألة اختيارية. وكأن الله سبحانه يوضح لنا أن الرسول مع أنه رسول من الله إلا أنه لا يستطيع أن يفرض إيماناً على امرأته؛ فالمسألة هي حرية الاعتقاد. وانظر إلى التعبير القرآني: {ضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امرأت نُوحٍ وامرأت لُوطٍ}.
إياك أن تظن أن أيًّا منهما متكبرة على زوجها؛ لأن الحق يقول: {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا} أي أن إمرة وقوامة الرجل مؤكدة عليها، يشير إلى ذلك قوله: {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ} لكن الإِيمان هو مسالة اختيار، وهذا الاختيار متروك لكل إنسان، وأكد الحق ذلك في مسألة ابن سيدنا نوح: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46].
وحاول البعض أن يلصق تهمة الزنا بامرأة نوح وامرأة لوط، وهم في ذلك يجانبون الصدق، إنه محض افتراء، وقد نبهنا الحق إلى ذلك فقال عن امرأة نوح وامرأة لوط: {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا} [التحريم: 10].
ولنفهم أن الاختيار في العقيدة هو الذي جعلهما من الكافرين، وأن الرسولين نوحاً ولوطاً لم يستطيعا إدخال الإيمان في قلبي الزوجتين؛ حتى يتأكد لدينا أن العقيدة لا يقدر عليها إلا الإِنسان نفسه ولذلك ضرب سبحانه لنا مثلاً آخر: {وَضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ امرأت فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابن لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الجنة وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ القوم الظالمين} [التحريم: 11].
فهذه زوجة فرعون المتجبر؛ الذي (ادّعى الألوهية)، لكنه لا يقدر أن يمنع امرأته من أن تؤمن بالله، وهكذا نجد نبيًّا لا يقدر أن يقنع امرأته بالإِيمان، ونجد مدّعي الألوهية عاجزاً عن أن يجعل امرأته كافرة مثله، وهذا يدل على أن العقيدة أمر اختياري محمي بكل أنواع الحماية؛ حتى لا يختار الإِنسان دينه إلا على أساس من اقتناعه لا على أساس قهره.
وضرب الله مثلاً آخر: {وَمَرْيَمَ ابنت عِمْرَانَ...} [التحريم: 12].
ونلاحظ أن الحق لم يأت بأسماء زوجتي نوح ولوط، وكذلك لم يأت باسم امرأة فرعون، لكنه أورد لنا اسم مريم واسم والدها. فلماذا كان الإِبهام أولاً؟ لنعلم أنه من الجائز جدًّا أن يحصل مثل هذا الأمر لأي امرأة، فقد تكون تحت جبار وكافر، وتكون هي مؤمنة، وقد تكون تحت عبد مؤمن ولا يلمس الإِيمان قلبها. {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين}.[الأعراف: 83].
فكلمة (أنجيناه) تشير إلى أن عذاباً سيقع في المكان الذي فيه قوم لوط، ولأنه سبحانه شاء أن يعذب جماعة ولا يعذب جماعة أخرى، فلابد أن يدفع الجماعة التي كتب لها النجاة إلى الخروج. وهذا الخروج أراده لهم من يكرهونهم، فقد قالوا: {... أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 82].
لكن ربنا هو الذي أخرجهم، والإِخراج كان من العذاب الذي نزل بهؤلاء المجرمين؛ إنه كان لإِنجاء لوط وأهله مما نزل بهؤلاء الفجرة.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)}
فهل كان ذلك المطر مثل المطر الذي ينزل عادة؟ لا، بل هو مطر من نوع آخر. فسبحانه يقول: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات: 33-34].
يقول الحق: إنه سبعذبهم بالمطر، فلننتبه أنه ليس المطر التقليدي، بل إنه يعذبهم ويستأصلهم بنوع آخر من المطر.
وقوله: (انظر) أي فاعتبر يا من تسمع هذا النص، وهذه القصة تبين وتوضح أن الله لا يدع المجرمين يصادمون دعوة الله على لسان رسله دون عقاب. نداء الايمان -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
أحمد الله بمحامده التي هو لها أهل، والصلاة والسلام على خاتم رسله وأنبيائه، محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد: فإن المطالعة والنظر في تراث العلامة الرباني محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - يثري المطَّلع والناظر بجملة كبيرة من الفوائد والتقسيمات البديعة، والضوابط العلمية المتينة، وقد اخترت أن أذكر في هذه السلسلة من المقالات جملة منها، وسوف أخص بالذكر فيها ما كان منها مندرجًا تحت الرقم أربعة؛ ولذلك سميتها: رباعيات العلامة محمد بن صالح العثيمين (رحمه الله)، وقد وضعت لها عناوين تلخص مضامينها وتوضح مقاصدها، بعضها من وضعه رحمه الله، والآخر من عندي. وإلى هذه الرباعيات فنقول، منها: الصفات والصيغ الواردة في: ((ربنا ولك الحمد)): قال العثيمين - رحمه الله -:"فهذه الصيغة لها أربع صفات[1]: الصفة الأولى: رَبَّنا ولك الحمدُ. الصفة الثانية: رَبَّنا لك الحمدُ. الصفة الثالثة: اللَّهُمَّ رَبَّنا لك الحمدُ. الصفة الرابعة: اللَّهُمَّ رَبَّنا ولك الحمدُ. وكلُّ واحدة من هذه الصِّفات مجزئة، ولكن الأفضل أن يقول هذا أحيانًا، وهذا أحيانًا، على القاعدة التي قرَّرناها فيما سبق، مِن أنَّ العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة الأفضلُ فيها فِعْلُها على هذه الوجوه ". الشرح الممتع على زاد المستقنع (3/ 98). بطلان الصَّلاةِ بالمرور: قال العثيمين - رحمه الله -:"والخلاصة: أن بطلان الصَّلاةِ بذلك له أربعة شروط: 1 - المرور. 2 - أن يكون المارُّ كلبًا. 3 - أن يكون أسود. 4 - أن يكون بهيمًا ". الشرح الممتع على زاد المستقنع (3/ 283). أحوال المأمومُ مع إمامِهِ: قال العثيمين - رحمه الله -:" فالمأمومُ مع إمامِهِ له أحوالٌ أربعٌ: 1 - سَبْقٌ. 2 - تَخَلُّفٌ. 3 - موافقةٌ. 4 - متابعةٌ....". الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/ 185 - 186). أربع دعوات: قال العثيمين - رحمه الله -: " أربع دعوات: 1- ﴿ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾ [البقرة: 286]، وهذا من باب التخلية. 2- ﴿ وَاعْفُ عَنَّا ﴾ [البقرة: 286]، كذلك من باب التخلية. 3- ﴿ وَاغْفِرْ لَنَا ﴾ [البقرة: 286]، كذلك من باب التخلية. 4- ﴿ وَارْحَمْنَا ﴾ [البقرة: 286]، من باب التحلية أي: من باب إيجاد الشيء. فهذه الدعوات كلها دعوات مفيدة مناسبة، لكن بشرط ألا يتخذها الإِنسان على أنها سنة". الشرح الممتع على زاد المستقنع (5/ 228). أربع علامات حسية يعلم بها الموت: قال العثيمين - رحمه الله -:" فهذه أربع علامات: الأولى: انخساف الصُدْغ؛ لأن اللحيين ينطلقان فإذا انطلقا صار الصدغ منخسفًا. الثانية: ميل أنفه، فإذا مات يميل الأنف؛ لأن الأنف مستقيم ما دامت الحياة بالإِنسان، ثم إذا مات ارتخى ولان ومال. الثالثة: انفصال كفيه، أي: عن ذراعه فتنطلق الكف عن الذراع، وتجدها مرتخية. الرابعة: استرخاء رجليه، فتنفصل الرجل عن الكعب، فترتخي وتميل. فهذه أربع علامات يعلم بها الموت، وهي علامات حسية بدون آلات، لكن الآن لدى الأطباء آلات تدل على الموت دون هذه العلامات ". الشرح الممتع على زاد المستقنع (5/ 258). العقيقة عن الجنين الذي مات: قال العثيمين - رحمه الله -:" إذًا عندنا أربع مراتب: الأول: خرج قبل نفخ الروح فيه، فلا عقيقة له. الثانية: خرج ميتًا بعد نفخ الروح، ففيه قولان للعلماء. الثالثة: خرج حيًا ومات قبل اليوم السابع فيه - أيضًا - قولان، لكن القول بالعق أقوى من القول بالعق في المسألة التي قبلها. الرابعة: بقي إلى اليوم السابع ومات في اليوم الثامن يعق عنه قولًا واحدًا ". الشرح الممتع على زاد المستقنع (7/ 494). الجهاد العيني: قال العثيمين - رحمه الله -:" الجهاد يجب وجوب عين في أربع مسائل: الأولى: إذا حضر القتال. والثانية: إذا حصر بلدَه العدوُّ. والثالثة: إذا استنفره الإمام. والرابعة: إذا احتيج إليه. وما عدا ذلك فهو فرض كفاية ". الشرح الممتع على زاد المستقنع (8/ 11). [1] انظرها في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للألباني - رحم الله علماءنا. بكر البعداني شبكة الالوكة
-
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
(قصة قوم ثمود و ناقة صالح ) {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)}
لقد قال سيدنا صالح لثمود مثلما قال سيدنا هود لعاد، وحمل لهم الإِنذار ليتقوا فيرحموا، قال سيدنا صالح: {يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ}.
إذن فالإِنذار للتقوى وللوصول إلى الرحمة والفلاح، ولذلك أقول دائماً: إن القرآن حينما يتعرض لأمر قد لا يأتي به مفصلا ولكن سياقه يوحي بالمراد منه، ولا يكرر وذلك ليربي فينا ملكة الاستيقاظ إلى استقبال المعاني. والمثال على ذلك في قصة الهدهد مع سيدنا سليمان، يقول القرآن على لسان سيدنا سليمان: {وَتَفَقَّدَ الطير فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الهدهد أَمْ كَانَ مِنَ الغآئبين} [النمل: 20].
ويهدد سيدنا سليمان الهدهد قائلاً: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ...} [النمل: 21].
ثم جاء الهدهد ليقول: {... وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: 22].
ثم أرسل سيدنا سليمان الهدهد إلى قوم سبأ قائلاً: {اذهب بِّكِتَابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل: 28].
وبعد هذه الآية مباشرة قال القرآن: {قَالَتْ ياأيها الملأ إني أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: 29].
وكأن الهدهد قد ذهب بالكتاب، ورماه إلى ملكة سبأ، وقالت هي الرد مباشرة. إذن لم يكرر القرآن ما حدث، بل جعل بعضاً من الأحداث متروكاً للفهم من السياق.
وكذلك هنا في قوله الحق: {وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ...} [الأعراف: 73].
وكلمة (أخاهم) هنا تؤكد أن سيدنا صالحاً كان مأنوساً به عند ثمود، ومعروف التاريخ لديهم، سوابقه في القيم والأخلاق معروفة لهم تماماً وأضيفت ثمود له لأنه أخوهم. وقد جاءت دعوته مطابقة لدعوة نوح وهود. {... قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ في أَرْضِ الله وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأعراف: 73].
والبنية هي الدليل على الصدق في البلاغ عن الله، وهي الناقة. فما قصة الناقة؟ هل خرج لهم بناقة ونسب ملكيتها لله؟ بطبيعة الحال، لا، بل لابد أن تكون لها قصة بحيث يعلمون أن هذه الناقة ليست لأحد من البشر. وحين قام سيدنا صالح بدعوته، تحداه السادة من قومه، وقالوا: نقف نحن وأنت، نستنجد نحن بآلهتنا، وأنت تستنجد بإلهك، وإن غلبت آلهتنا تتبعنا، وإن غلب إلهك نتبعك، وجلسوا يدعون آلهتهم، فلم يحدث شيء من تلك الآلهة، وهنا قالوا لسيدنا صالح: إن كنت صادقاً في دعوتك، هذه الصخرة منفردة أمامك في الجبل اسمها (الكاثبة) فليخرج ربك لنا من هذه الصخرة ناقة هي عشراء كالبخت- أحسن أنواع الإِبل- فدعا الله سبحانه وتعالى، وانشقت الصخرة عن الناقة، وخروج الناقة من الصخرة لا يدع مجالاً للشك في أنها آية من الله ظهرت أمامهم. إنها البينة الواضحة. لقد انشقت الصخرة عن الناقة ووجدوها ناقة عشراء، وَبْرَاء- أي كثيرة الوَبَر- يتحرك جنينها بين جنبيها ثم أخذها المخاض فولدت فصيلاً، وهكذا تتأكد الإِلهية دون أن يجرؤ أحد على التشكيك فيها، وهي ناقة من الله وهو القائل: {... نَاقَةَ الله وَسُقْيَاهَا} [الشمس: 13].
وأوضح لهم سيدنا صالح أنها ناقة الله، وترونها رؤية مشهدية وهذه الناقة لها يوم في الماء لتشرب منه، ويوم تشربون أنتم فيه. وكان الماء قليلاً عندهم في الآبار. {... لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [الشعراء: 155].
أي لابد من تخصيص يوم لتشرب فيه هذه الناقة، ولكم أنتم وإبلكم وحيواناتكم يوم آخر، وكان من عجائب هذه الناقة أن تقف على العين وتشرب فلا تدع فيها ماءً، وهي كمية من المياه كانت تكفي كل الإِبل. وبعد ذلك تتحول كل المياه التي شربتها في ضرعها لبناً، فيأخذون هذا اللبن.
صحيح أن الناقة منعتهم المياه لكنهم أخذوا منها اللبن الذي يطعمونه، ولأنها ناقة الله كان لابد أن تأخذ هيكلاً وحجماً يناسبها وكمية من الطعام والشراب مناسبة لتقيم بها حياتها، وكمية إدرار اللبن مناسبة لشربها وطعامها وحجمها، فمادامت منسوبة لله فلابد أن فيها مواصفات إعجازية، وكان الفصيل الذي ولدته معها، وكان إذا ما جاء الحر في الصيف تسكن الناقة في المشارف العالية، وبقية النوق تنزل في الأرض الوطيئة، وحين يأتي الشتاء تنزل إلى المناطق المنخفضة.
والمعروف أن مدائن صالح كانت منطقة شديدة الحرارة، ويمكن لمن يزور المدينة أو (تبوك) أن يمر عليها.
كانت الناقة حرة في اختيار المكان الذي تعيش فيه صيفاً أو شتاءً فلا أحد بقادر أن يمسها بسوء. وكانت هناك امرأتان لهما نياق. وناقة الله تغلب نياق المرأتين في المراعي والماء. فأحضرت المرأتان رجلاً يطلق عليه: (أُحَيْمر ثمود: واسمه قُدار بن سالف) ليقتلها، فقتل الناقة، فلما قتلت الناقة، طلع ابنها الفصيل على جبل يسمى (قارة) وخار ثلاثة أصوات، فنادى سيدنا صالح: يا قوم أدركوا هذا الفصيل، لعل الله بسبب إدراككم له يرفع عنكم العذاب، فراحوا يتلمسونه فلم يجدوه وأعلم الله صالحاً النبي أن العذاب قادم، ففي اليوم الأول تكون وجوههم مصفرة، وفي اليوم الثاني تكون محمرة، وفي اليوم الثالث تكون مسودّة، فقد كانت الناقة هي ناقة الله المنسوبة له سبحانه، وقد تأكدوا بالأمر المشهدي من ذلك، وكان من الواجب عليهم ساعة أن وجدوا الآية الكونية المشهودة أن يأخذوا منها العبرة، وأنها مقدمة للشيء الموعود به. لكنَّ الغباء أنساهم أنها ناقة الله. {... هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ في أَرْضِ الله وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأعراف: 73].
وبالفعل حدث العذاب بعد أن قتل أحميرثمود الناقة.
.
{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)}
ومن قبل قال الحق لقبيلة عاد: {واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ...} [الأعراف: 69].
وهنا قال الحق: {واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ}.
لأن عاداً هم الخلفاء الأقرباء منهم، وقصتهم مازالت معروفة ومعالمها واضحة، أما قصة نوح فهي بالتأكيد أقدم قليلاً من قصة عاد.
ويذكرهم الحق أيضاً أنه جعل في الأرض منازل يسكنونها، فاتخذوا من سهولها قصوراً، والسهل هو المكان المنبسط الذي لا توجد به تلال أو صخور أو جبال، وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً، وكان عمر الإِنسان منهم يطول لدرجة أن البيت ينهدم مرتين في العمر الواحد للإِنسان. ولذلك قرروا أن يتخذوا من الجبال بيوتاً لتظل آمنة، وحين يرى الإِنسان مدائن صالح منحوتة في الجبل فهي فرصة لأن يتأمل عظمة الحق في تنبيه الخلق إلى ما يفيدهم وهي بالفعل من نعم الله، ويقول سبحانه: {... فاذكروا آلآءَ الله وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأرض مُفْسِدِينَ} [الأعراف: 74].
وآلاء الله- كما عرفنا- هي نعمه التي لا تحصى، وينبههم إلى عدم نشر الفساد في الأرض.
{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75)}
ونعرف أن هناك سادة، وهناك أتباعاً. ومن قبل قال الحق: {إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا...} [البقرة: 166].
وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها حوار بين السادة وبين المستضعفين الذين لا جاه لهم لا جبروت يُحافظ عليه، ورأوا دعوة الإِيمان ووجدوا فيها النفع لهم فأقبلوا عليها، أما الملأ وهم السادة الأشراف الأعيان الذين يملأون العين هيبة، والقلوب مهابة فقد قالوا لمن آمن من المستضعفين- لأن هناك مستضعفين ظلوا على ولائهم للكفر- قال هؤلاء الملأ من المستكبرين لمن آمن من المستضعفين: {... أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قالوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 75].
{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76)}
إذن فقد أعلنوا الكفر بالقول وضموا إليه بالعمل وهو قتل الناقة
{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)}
والعقر: هو الذبح بالنسبة للنوق.
وهم هنا يقولون أيضاً مثلما قال السابقون لهم: {... ائتنا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ المرسلين} [الأعراف: 77].
و(الصادقين) تؤول أيضاً إلى المرسلين. لقد اتهموا صالحاً عليه السلام بالكذب كنبي مرسل لهم برغم حدوث الآية الواضحة وهي خروج الناقة من الجبل، لذلك يحل عليهم غضب الله في قوله الحق: {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة فَأَصْبَحُواْ...}.
{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)}
والرجفة هي الهزة التي تحدث رجة في المهزوز. ويسميها القرآن مرة بالطاغية في قوله الحق: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية} [الحاقة: 5].
والتي أصبحوا من بعدها (جاثمين)، وهو التعبير الدقيق الذي يدل على أن الواحد منهم إن كان واقفاً ظل على وقوفه، وإن كان قاعداً ظل على قعوده، وإن كان نائماً ظل على نومه. أو كما نقول: (إنسخطوا على هيئاتهم).
(فالجاثم) هو من لزم مكانه فلم يبرح أو لصق بالأرض.
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)}
فهل كان سيدنا صالح يخاطبهم وهم موتى؟. نعم يخاطبهم إنصافاً لنفسه وإبراء لذمته، مثلما يقع واحد في ورطة فيقول له صديقه: لا أملك لك شيئاً الآن: فقد نصحتك من قبل. أو أن شريراً قد قتل، فتقول له: (ياما نصحتك). وأنت تتكلم لكي تعطي لنفسك براءة العذر، (أو كما فعل صلى الله عليه وسلم مع قتلى بدر وناداهم واحداً واحداً بعد أن ألقوا جثثهم في قليب بدر، وقال صلى الله عليه وسلم: يا أهل القليب، يا فلان، يا فلان، يا فلان، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً، فقال الصحابة:
- أو تكلمهم يا رسول الله وقد جيَّفوا. قال: والله ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني).
وكأن سيدنا صالح قال ذلك ليتذكروا كيف أبلغهم رسالات الله ومنهجه ونصح لهم وتحنن عليهم أن يلتزموا بمنهج الله، لكنهم لم يستمعوا للنصح. ولم يحبوا الناصحين؛ لأن الناصح يريد أن يُخرج المنصوح عما ألفه من الشر، وعندما ينصحه أحد يغضب عليه. نداء الايمان
-
-
أكثر العضوات تفاعلاً
-
آخر تحديثات الحالة المزاجية
-
سارة سيرو تشعر الآن ب مكتئبة
-
samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
-
أمة الله هاجر تشعر الآن ب محبطة
-
مناهل ام الخير تشعر الآن ب أمزح
-
Hannan Ali تشعر الآن ب سعيدة
-
-
إحصائيات الأقسام
-
إجمالي الموضوعات181472
-
إجمالي المشاركات2534322
-
-
إحصائيات العضوات
منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤
فكرة انتهاء مهلة العمل والانتقال لدار الجزاء مهيبة جدًا ! لا توبة تُقْبَل ولا عمل يُصَحح . لو نطق أهل القبور لكانت موعظتهم : أنتم في دار العمل فأحسنوا العمل . نسأل الله حُسن الختام .