اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57483
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180557
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8256
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53011
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40679
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  11. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33884
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  12. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32200
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13114
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  13. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  14. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37417 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  15. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • السؤال: جاء رجل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: يا رسول الله! إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت قال: الربع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: النصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: الثلثين؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك قال: يا رسول الله! فأجعل صلاتي كلها لك؟ قال: إذًا تكفى همك، ويغفر ذنبك وجهوني في هذا الحديث؟ واشرحوه لي؟ جزاكم الله خيرًا، وهل يجوز أن نصلي على النبي ﷺ أثناء السجود؟        الجواب: هذا الحديث صحيح، ومعنى الصلاة هنا: الدعاء، فإذا جعل الإنسان وقتًا يصلي فيه على النبي ﷺ كثيرًا، فالله -جل وعلا- يأجره على ذلك، والحسنة بعشر أمثالها، إلى ما لا يحصى من الفضل، يقول النبي ﷺ: إذًا تكفى همك، ويغفر ذنبك إذا أكثر من الصلاة -عليه عليه الصلاة والسلام- قال بعض أهل العلم: هذا السائل له وقت خصه للدعاء، فإذا صرف ذلك الوقت كله في الصلاة على النبي ﷺ؛ حصل له هذا الفضل: إذًا تكفى همك يعني: يكفيك الله همك  ويغفر ذنبك. فينبغي الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ، وإذا صلى على النبي ﷺ في السجود قبل الدعاء، أثنى على الله، وصلى على النبي ﷺ فهذا من أسباب الإجابة، كما أن الصلاة عليه في آخر التحيات، ثم الدعاء بعد ذلك من أسباب الإجابة. وهكذا في غير ذلك إذا حمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي ﷺ ثم دعا كان هذا من أسباب الإجابة، لما ثبت عنه ﷺ أنه قال لما رأى رجلًا دعا، ولم يصل على النبي ﷺ، قال: عجل هذا ثم قال: إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد ربه، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يدعو بما شاء فأرشد إلى أنه يحمد الله أولًا، ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يدعو بما شاء، وهذا من أسباب الإجابة. فيشرع لك أيها الأخت في الله! أن تجتهدي في الصلاة على النبي ﷺ في الليل والنهار، وإذا صليت على النبي ﷺ في السجود؛ فلا بأس؛ لأن السجود محل دعاء، يقول النبي ﷺ: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ فأكثروا الدعاء ويقول ﷺ: أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم يعني: فحري أن يستجاب لكم. فيشرع في ذلك الثناء على الله، والصلاة على النبي ﷺ ثم الدعاء. وهكذا في آخر الصلاة، يقرأ التحيات، ويتشهد الشهادتين، ثم يصلي على النبي ﷺ بالصلاة الإبراهيمية، ثم يتعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ثم يدعو بما شاء، فهو حري بالإجابة. وهكذا إذا دعا في غير ذلك في الضحى، أو في الظهر، أو في الليل، أو في أي وقت، إذا دعا يستحب له أن يبدأ دعاءه بحمد الله، والثناء على الله، ثم الصلاة على النبي ﷺ ثم الدعاء، نعم.   الامام ابن باز
    • ما أكثر الهموم في حياتنا! همَّ الرزق، وهمَّ المنصب، وهمَّ الجاه، وهمَّ الزوجة، وهمَّ الأولاد، وهمَّ الدراسة، وهمَّ المستقبل المجهول، وهمَّ السعادة المفقودة وهمَّ المرض وهمَّ العدو، وغير ذلك من الهموم وغيرها، فإذا كانت هذه هي الهموم التي تسيطر على حياتنا وسببت لنا التعاسة والشقاء وضنك العيش، فكيف نتعامل معها؟ وكيف نتجاوزها ونقلل من آثارها؟ وإذا كانت كل هذه الهموم دنيوية تدور حول الحياة فأين هَمُّ الآخرة؟ وأين نصيبه من هذا الكمِّ الهائل من الهموم؟ وهو الهمُّ الذي تزول به هموم الدنيا، وبه تحل السعادة والطمأنينة والرضا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من جعل الهموم همًّا واحدًا همَّ المعاد كفاه الله همَّ دنياه، ومن تشعَّبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك))؛ [ابن ماجه، ح 4106]. وفي رواية: ((من كان همُّه الآخرة جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيَّتُه الدنيا فرَّق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأتِهِ من الدنيا إلا ما كتب له))؛ [أحمد، ح 21080]. وفي رواية: ((من جعل الهموم همًّا واحدًا هَمَّ آخرته كفاه الله هَمَّ دنياه، ومن تشعَّبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك))؛ [ابن ماجه، ح257].   إن الإسلام دين واقعي، فعندما أمرنا بتذكُّر الآخرة وما فيها لم يغفل واقع الناس وحياتهم ومتطلباتهم وهمومهم في هذه الحياة، فالدنيا لا شك أنها مليئة بالهموم والمتاعب وقد أمرنا بالسعي فيها وتعميرها، وعندما ذَمَّها الإسلام إنما كان الذم تحذيرًا للإنسان أن ينشغل فيها عن الآخرة؛ فينسى طاعة ربه، وينسى رسالته في تعمير الأرض ودعوة الناس إلى دين الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة، وتقوية روابط المجتمع، وتقديم النفع، وكفِّ الأذى، وهذا ما فهمه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجهم، فما تركوا الدنيا؛ بل عمَّروها، وأسسوا دولة وبنوا حضارةً عظيمةً، وقدَّموا خدماتهم للبشرية في شتى مجالات الحياة، ومع ذلك لم تكن الدنيا أكبرَ همِّهم بل كانت الآخرة؛ هذا عمر بن عبدالعزيز الخليفة العادل الذي كان ملكه يمتدُّ في ثلاث قارات، من الصين شرقًا إلى حدود فرنسا غربًا، ومع ذلك كان على وجهه خطان أسودان من كثرة البكاء والتفكُّر في الآخرة، لما حضرته الوفاة قال لبنيه وكان مسلمة بن عبدالملك حاضرًا: يا بني، إني قد تركت لكم خيرًا كثيرًا، لا تمرُّون بأحد من المسلمين وأهل ذمتهم إلا رأوا لكم حقًّا، يا بني، إني قد خيرت بين أمرين؛ إما أن تستغنوا وأدخل النار، أو تفتقروا وأدخل الجنة، فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إليَّ، قوموا عصمكم الله... قوموا رزقكم الله... قوموا عني، قال مسلمة: فقمنا وتركناه، وتنحينا عنه، وسمعناه يُردِّد قوله تعالى: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83]، فدخلنا عليه فإذا هو قد مات... واليوم لا يمتلك أحدنا مبلغًا من المال أو قطعة أرض أو يعين في منصب أو وظيفة أو يكثر أتباعه وأولاده أو يرى في نفسه صحة وعافية، فإذا به يتكبَّر ويتجبَّر وينسى آخرته؛ فيظلم ويعتدي ويعصي ربَّه ليلًا ونهارًا!   لقد كان هَمُّ الآخرة في حياة الصالحين أعظمَ من كل شيء؛ بل ربما تسابقوا وتنافسوا عليه... هذا سعد بن خزيمة بن الحارث رضي الله تعالى عنه لما أراد أن يخرج إلى غزوة بدر جاءه والده خزيمة بن الحارث قال: يا سعد، ألست بوالدك، قال: نعم، قال: اجلس مع أخواتك في البيت وأخرج أنا، قال: يا أبي، لو كان غير الجنة آثرتك، إن الأنصار يعلمون أنه ما من أهل بيت في المدينة أبر فيها ولد في والده مني، فاستهما.. فوقعت القرعة على سعد ليخرج ويقتل فيها شهيدًا رضي الله تعالى عنه... وبعد عام ينطلق في أجواء المدينة صوت منادي رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يدعو المؤمنين للنفرة إلى أُحُد فيسارع خيثمة يلبي النداء، فيتلَقَّاه الرسول القائد ببسمة مشفقة، ولكأن خيثمة يدرك ما في نفس رسوله القائد من إشفاق على شيخوخته وضعفه فيقول: يا رسول الله، والله لقد كنت حريصًا أن أنفر معك إلى بَدْر؛ لكن ولدي سعدًا فاز فيها من دوني فرزقه الله الشهادة والجنة، ولقد رأيته البارحة في نومي وهو على أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها ويلح عليَّ يقول: يا أبتاه، الحَقْ بنا ترافقنا في الجنة، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًّا، وإني يا رسول الله، قد أصبحت مشتاقًا إلى مرافقة سعد في الجنة، وقد كبرت سِنِّي، ورقَّ عظمي، وأحببت لقاء ربي، فخَلِّ بيني وبين أُحُد، وادْعُ الله لي أن يرزقني الله الشهادة فأدخل الجنة وألحق بولدي سعد... ويرق قلب الرسول القائد لخيثمة فيدعو له بما أراد، وحين احتدمت المعركة كان خيثمة بن الحارث يصول ويجول يثخن بالكافرين الجراح ويثخنون به الجراح حتى تغلبه الجراح فيخر شهيدًا في سبيل الله، ويلحق بإذن الله بولده سعد في الجنة، يسرح في ثمارها وأنهارها، رضي الله عنهم أجمعين.   أيها المؤمنون، إن الدنيا ليست بدار مقام والناس يرحلون كل يوم إلى الآخرة، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل"؛ [رواه البخاري في باب: الأمل وطوله]... ومن أراد أن يعرف الهمَّ الأكبر الذي يشغله فلينظر في أحواله: ما الذي يفكر فيه قبل نومه أو في صلاته؟ ما الذي يفرحه ويحزنه؟ وما الذي يغضبه؟ما هي أمنياته؟ وبماذا يدعو الله في سجوده؟ ما الذي يهمه في تجارته: الربح بأي طريقة ووسيلة أم الربح الحلال؟ هل يحرص على تعليم أولاده قيم الدين وأخلاقه أم أن ذلك لا يدخل في حساباته ولا في اهتماماته؟ وهل يشعر بأن الوظيفة أو المنصب الذي تولَّاه أمانة يجب أن يؤديها كاملة أو أنه يشعر بأن ذلك يعتبر مغنمًا لا يؤدي حقَّه؟ هل يندم ويتأثر إذا فاتته طاعة؟ وهل يستفيد من مواسم الطاعات والنفحات ويستبشر بها؛ كرمضان وذي الحجة وعرفة ومحرم ويوم الجمعة؟ هل يتحرَّى الحلال في طعامه وشرابه؟ هل قلبه معلق بالمساجد والصلوات وقراءة القرآن؟ وهل يبرُّ والديه، ويصِل رحمه، ويحسن إلى جاره؟ وهل يحب للمسلمين ما يحب لنفسه؟ وغير ذلك من الأمور.   إن التبصُّر في ذلك كله يدلك على الهمِّ الأول أو الأكبر في حياتك، فتعرف حينذاك أنك ممن أهمته دنياه أو آخرته قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57- 61]، دخل عمر الفاروق رضي الله على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم على حصير قد أثَّر في جنبه الشريف، فبكى عمر وقال: يا رسول الله، كسرى وقيصر وهم على كفر ينامون على الحرير والديباج وأحلى الفُرُش وأنت رسول الله وحبيب الله وأول من تفتح لك الجنة وتنام على الحصير! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفي شك أنت يا بن الخطاب؟))، قال: لا يا رسول الله، قال: ((أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة))؛ إسناده صحيح.   لقد عدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب هَم الدنيا ممن يبغضهم الله تعالى ووصفهم بأوصاف ينبغي لكل مسلم أن ينأى بنفسه عنها، روى البيهقي وصححه الألباني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله يبغض كل جعظري جوَّاظ صخَّاب بالأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بالدنيا، جاهل بالآخرة))، عالم بالسياسة والاقتصاد والإعلام والرياضة والفن والقبائل وأنسابها بل والجيوش وأسلحتها والموضة ووسائل التواصل الاجتماعي وربما يعلم بعدد سكان الأرض وأين يتوزعون، إلى جانب أنه يحلل الأمور ويدرس التوقعات، عالم بدنياه جاهل بآخرته. (والجعظري: هو الفظ الغليظ المتكبر، والجوَّاظ: الجموع المنوع البخيل الشحيح)... قال تعالى: ﴿ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [البقرة: 200 - 202].   أيها المسلمون، أين صاحب همِّ الدنيا من ذلك؟! "الصحابي صهيب الرومي لما لحقت به قريش، قالوا: جئت صعلوكًا فقيرًا فآويناك وأغنيناك، أو بعد ما قويت واغتنيت تهاجر بمالك؟ والله لا ندعك، فقال: وإن تركت لكم المال؟ قالوا: نُخلِّي عنك، فوصف مكان ماله لهم وفَرَّ مهاجرًا إلى الله"، وما يغني قليل وحفنة ومتاع من الدنيا أمام الهجرة إلى الله ورسوله! فلما وقف أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((ربح البيع أبا يحيى))، وأنزل الله فيه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [البقرة: 207]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.   عباد الله، ألا فلنحرص على أن يكون هَمَّ الآخرة هو الهم الأكبر في حياتنا، فنعمق صلتنا بالله، ونتمسك بأحكام الدين، ونضبط سلوكياتنا وأخلاقنا بالشرع، ونقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر حياتنا، أما هموم الدنيا فقد دلَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وسائل وطرق إذا قام بها المسلم بثقة ويقين بالله فإن الله يذهبها عنه، من ذلك ما روى أبو سعيد الخُدْري، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: ((يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة))، قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: ((أفلا أُعلِّمُك كلامًا إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل هَمَّك وقضى عنك دينك))، قال: قلت: بلى، يا رسول الله، قال: ((قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجُبْن والبخل، وأعوذ بك من غَلَبة الدَّيْن وقَهْر الرجال))، قال: ففعلت ذلك؛ فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني؛ [أبو داود، ح 1555]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أصاب أحدًا قطُّ هَمٌّ ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أَمَتِك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حُكْمُك عَدْلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سمَّيْت به نفسك، أو عَلَّمْته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذَهاب همِّي، إلَّا أذهب الله همَّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجًا))، قال: فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلَّمَها))؛ [أحمد، ح 3704].   وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هَمٍّ فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب))؛ [أبو داود ح 1518، ابن ماجه ح 3819، أحمد ح 2234].   عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ((من قال إذا أصبح وإذا أمسى: حسبي الله، لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم - سبع مرات - كفاه الله ما أهمَّه صادقًا كان بها أو كاذبًا))؛ [أبو داود، ح 5081].   ومن ذلك الصلاة وإقامتها والمحافظة عليها، عن حذيفة قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبه أمرٌ صَلَّى"؛ [أبو داود، ح 1319]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بِلالُ، أقم الصلاة أرِحْنا بها))؛ [أبو داود، ح 4985].   عبـــاد الله، ومن ذلك كثرة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن أُبَيِّ بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: ((يا أيها الناس، اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، قال أُبَيّ: قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ((ما شئت))، قال: قلت: الربع؟ قال: ((ما شئت، فإن زدت فهو خير لك))، قلت: النصف؟ قال: ((ما شئت، فإن زدت فهو خير لك))، قال: قلت: فالثلثين؟ قال: ((ما شئت، فإن زدت فهو خير لك))، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: ((إذًا تُكفى همك ويُغفر لك ذنبك))؛ [رواه الترمذي، ح 2457، وقال: هذا حديث حسن].   اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ونسألك ألَّا تجعل الدنيا أكبر همِّنا، ولا مبلغ علمنـا، يا حـي يا قيوم، يا أرحم الراحمين، هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا ورُدَّنا إلى دينك ردًّا جميلًا.   اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.   ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغارًا.   رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.   عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90] فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].   شبكة الالوكة  
    • تفسير الشنقيطي قوله تعالى: {غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ}.

      جمع جل وعلا في هذه الآية الكريمة، بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد، لأن مطامع العقلاء محصورة في أمرين، هما جلب النفع ودفع الضر، وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى:
      {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ}
      [الحجر: 49ـ50] وقوله تعالى:
      {قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}
      [الأعراف: 156] الآية.
      وقوله تعالى في آخر الأنعام:
      {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}
      [الأنعام: 165].
      وقوله في الأعراف:
      {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}
      [الأعراف: 167] والآيات بمثل ذلك كثيرة معروفة. ///////// تفسير الشعراوي (غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ )٣-غافر يريد الحق سبحانه ألاَّ ينفصل خَلْقه عنه مهما كثرتْ ذنوبهم وغلبتهم شهواتهم، يريد سبحانه أنْ يعطفهم إليه ويجمعهم في ساحته، لذلك فتح لهم باب التوبة والمغفرة وبسط لهم يَدَ العفو والتسامح، ثم لوَّح لهم بعصا العقاب حتى لا يغتروا، وهذا المنهج يعود نفعه على الكون كله وعلى الفرد خاصة؛ لأن صاحب الذنب لو علم ذنبه لن يُغفر لتمادى فيه وأكثر وعربد في الكون وأفسد، وساعتها سيشقى به المجتمع، وخاصة أهل الإيمان.
        لذلك كانت هذه الآية من أرْجَى الآيات في القرآن الكريم كما قال سبحانه في أواخر سورة الزمر: { { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [الزمر: 53].
        وقلنا: إن هذه الآية وأمثالها لا تتعارض وقوله تعالى: { { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ .. } [النساء: 48] لأن الكفر ليس ذنباً، لأن الذنب أنْ تخالف أمراً مأموراً به أو منهياً عنه من المشرِّع الأعلى سبحانه، أما الشرك بالله فهو خروج عن الإيمان أصلاً فلا يُقال له مذنب.
      والحق سبحانه كثيراً ما يذكر عباده بمغفرته وقبوله للتوبة حتى لا ييأس أحدٌ من رحمته تعالى، فقوله تعالى: { { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ .. } [الزمر: 53] لم يقلها الحق سبحانه إلا وهناك مَنْ أسرف على نفسه ويَئِس من رحمة ربه، لأنه بالغ في الذنوب حتى ظن أنها لن تُغفر.
        من هؤلاء وحشيّ قاتل سيدنا حمزة، لأنه بعد أن قتله أحسَّ بذنبه وعِظَم جُرْمه، وأيقن أنه هالك لن يغفر الله له، لذلك البعض يقول إنه ذهب لرسول الله يسأله في هذه المسألة وكذا وكذا، لكن الواقع أنه كان في مكة والآية نزلت في المدينة لكن نُقلت إليه فلما سمعها آمن وأسلم.
        ويُروى أن وحشياً قابل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم: ما كنتُ أود أنْ أراك لولا أنك جئت مستجيراً وربي يقول: { { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ .. } [التوبة: 6].
      فقال: وأنا مستجير بك حتى أسمع كلام الله، فقرأ عليه رسول الله: { { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [الزمر: 53].
      فقال: لكن الله يقول: { { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً .. } [الفرقان: 70] وأنا لا أضمن أني أعمل عملاً صالحاً، فقرأ عليه رسول الله هذه الآية: { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ .. } [غافر: 3].
        ومن هؤلاء الذين أصابهم اليأس من رحمة الله عياش بن أبي ربيعة، فيُروى أن سيدنا عمر رضي الله عنه لما أراد أن يهاجر اتفق مع عياش وهشام بن العاص بن وائل السهمي على أن يهاجروا معاً وأن يجتمعوا عند بئر غفار، فإذا حُبِس واحد منهم انتظروه، فلما جاء الموعد لم يأتِ عياش حيث حبسه أهله عن الهجرة ثم فتنوه ففُتن ولم يهاجر مع صاحبيه، فحصل له يأس من رحمة الله.
      فلما نزلت هذه الآية: { { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } [الزمر: 53] تذكر عمر صاحبه عياشاً الذي فُتن وتذكر أنه التقى معه على الإيمان في يوم ما، وأنه كان ينوي الهجرة إلا أن أهله فتنوه فرقَّ له قلبه وبعث إليه بهذه الآية ليطمئن ويعود إلى الإيمان.
        قوله تعالى: { غَافِرِ ٱلذَّنبِ } [غافر: 3] أي: الذي سلف { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } [غافر: 3] أي: عن المعصية التي استقبلها { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } [غافر: 3] لحكمة يقرن الحق سبحانه بين المغفرة والعقاب حتى لا يتواكل الناس وحتى لا يغتروا برحمة الله، فالدين يقوم على الخوف والرجاء، وهما كالجناحين للطائر لابدَّ منهما معاً { ذِي ٱلطَّوْلِ } [غافر: 3] كما تقول يعني (إيده طايلة) يفعل ما يشاء، فالله ذو الطوْل أي صاحب الفضل والإنعام يعطي ويتفضَّل بما يشاء على مَنْ يشاء إلا يردّ عطاءه أحدٌ، لذلك ورد في الدعاء: "لا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت".
        فإذا قال الحق سبحانه: { { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } [غافر: 2] فهمنا من كلمة تنزيل عُلو المنزل والواسطة المنزل إليه والمنزل إليهم ليكون منهجاً لحركة حياتهم، وهذا العلو إنما نشأ لأن المنزل كتابٌ من الله واجب الوجود الذي له الكمال المطلق في قولنا لا إله إلا الله والله أكبر من كل شيء التي فسرناها في قوله تعالى { { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الزمر: 63].
      فلا إله إلا الله مقلاد، والله أكبر مقلاد، وسبحان الله مقلاد، وبحمده مقلاد، ونستغفر الله مقلاد، ولا حول ولا قوة إلا بالله مقلاد، وهو الأول مقلاد، وهو الآخر مقلاد، وهو الظاهر مقلاد، وهو الباطن مقلاد، بيده الخير مقلاد، وهو على كل شيء قدير مقلاد. ولن تجد شيئاً في كَوْن الله يخرج عن هذه المقاليد أبداً، وكل شيء فيها إنما هو بيد الله، كما قال سبحانه: { { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } [الأنعام: 59].
        وبعد ذلك تكلم الحق سبحانه، فقال { { ٱلْعَزِيزِ } [غافر: 2] أي: عن خَلْقه. والعزيز هو الذي يغلب ولا يُغلب، وهذه إشارة إلى أنه إذا أنزل اللهُ كتاباً على رسول فلن يوجد مَنْ يقف أمام هذا الكتاب لأنه غالبٌ لا يُغلب، وقوله { ٱلْعَلِيمِ } [غافر: 2] أي: يضع الأشياء في أماكنها بما يعلم أنها تؤدي مهمتها بصلاحها.
        وبعد ذلك طمأن خَلْقه الذين أسرفوا على أنفسهم في بعض الأشياء، فذكر التخلية في { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } [غافر: 3] ولكنه سبحانه مع غفرانه للذنب وقبوله للتوب { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [غافر: 3] فجمع في هذه الآية صفات جلاله كلها وصفات جماله كلها.
      ونفهم من (لا إله إلا هو) أنه لا استدراك لأحد على شيء من قوله { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [غافر: 3] فلا مرجع ولا مردَّ إلا إليه.   التفاسير العظيمة
    • وقفت على كلام، نفيس المعنى، لطيف المبنى، يحسن أن يكون لك قاعدة تعامل، في وسائل التواصل. " قال بعضهم: "مَن عاب سَفلَةً فقد رَفَعه، ومن عاب شريفًا فقد وضع نفسَه." عيون الأخبار لابن قتيبة.—————-  السافل ليس مطلوبًا منك ألا تمدحه فقط، بل وألا تعيبه؛ لأن عيبك له دليل على اهتمامك به، وعدم الاهتمام به أقسى عليه من عيبه. وأما الشريف فلا يذمّه إلا حاسد أو حاقد أو وضيع.   يأتي الشيطان إلى المسلم، فيقول له: كيف تعمل طاعة كذا وأنت لم تتب من معصية كذا؟ فلا يزال يوسوس له حتى يترك تلك الطاعة! الموقف من الذنب التوبة منه، وليس ترك عمل صالح تقوم به. جاهد نفسك في ترك الذنب وسيهديك الله إن رأى منك الصدق. ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سُبُلنا﴾ ﴿فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم﴾       قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ ما أكثر نعم الله علينا، وكثيرًا ما نغفل عنها. قال ابن عباس: النعيم: صِحةُ الأبدان والأسماع والأبصار، يَسأَلُ اللهُ العبادَ فيما استعملوها، وهو أعلمُ بذلك منهم، وهو قوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا﴾   إذا رأيت من اقترف معصيةً أو عيبًا، فإيّاك واستحقاره وتزكية نفسك بلومه، فلعلّ الظروف التي قارف فيها ذنبه لو كنتَ فيها لفعلت مثله أو أكثر منه. ولكن اسأل ربك السلامة ولأخيك الستر والهداية.    
       
    • (وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ )٧١-الزمر نلاحظ هنا أن الفعل (وَسِيقَ) جاء مبنياً لما لم يُسمَّ فاعله، وفي موضع آخر قال تعالى: { { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } [ق: 21] فمَن هو السائق؟ قالوا: هم الملائكة يسوقون أهل النار إلى جهنم والعياذ بالله، والسائق هو الذي يحثّ المسوق على الإسراع، كراكب الدابة الذي ينهرها ويحثُّها لتسرع به، كذلك تفعل الملائكة بالمجرمين وتحثهم إلى جهنم ليسرعوا إليها.
      وهذا يدل على أن الملائكة مغتاظون منهم، كارهون لهم، متضايقون من أعمالهم في الدنيا، لذلك يزجُّون بهم إلى جزائهم العادل في جهنم، بلا هوادة وبلا رحمة، أرأيتم رجال الشرطة حينما يمسكون بالمجرم ماذا يفعلون به؟ إنهم يضربونه ويُعذبونه ويهينونه لأنه عضو فاسد في المجتمع يريد الجميع التخلص منه، ومعلوم أن الملائكة عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
      والقرآن يصور هذا الموقف في آية أخرى، فيقول سبحانه: { { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [الطور: 13] يعني: يزجرونهم إليها ويدفعونهم فيها رغماً عنهم.
        ومعنى (زُمَراً) يعني: جماعات، فكل أصحاب مخالفة لمنهج الله معاً في جماعة، فالتاركون للصلاة جماعة، والتاركون للزكاة جماعة، والآكلون للربا جماعة وهكذا الظلمة والمرتشون والسارقون والزناة والمختلسون يجمع الله كل واحد منهم مع صاحبه، فيُحشرون معاً يتقدمهم كبيرهم.
      والفتوة فيهم كما قال سبحانه: { { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ .. } [الإسراء: 71] وقال سبحانه: { { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } [مريم: 69].
      وقال في حق فرعون: { { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } [هود: 98].
      وكَوْن كبراء الضلال وقادة الكفر يتقدمون أتباعهم يدل ذلك على قطع أمل الآخرين في النجاة، فلو دخل التابع فلم يجد متبوعه لتعلق قلبه به، وظن أنه سيأتي ويُخلصه، لكن الحال أنه سيدخل فيجد أستاذه وقدوته في الضلال قد سبقه إلى جهنم.
      حتى إذا ما وصلوا إلى أبواب جهنم فتح لهم { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا .. } [الزمر: 71] لأن باب الغضب (مش مفندق) بل مغلق يُفتح للضرورة، على خلاف باب الرحمة فهو مفتوح دائماً، وهذا من رحمة الله، لأن رحمة الله سبقتْ غضبه.
        وهذه النهاية التي انتهى إليها أهل النار كُتبتْ عليهم، وعلمها الحق سبحانه من بداية الحياة، واقرأ إنْ شئتَ قوله تعالى: { { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [هود: 105-108].
        أولاً: لا بدَّ لفهم هذه الآية أن تعرف أولاً معنى الخلود: الخلود هو المكث الطويل، وهذا المكث سُمِّي خلوداً لأن له بداية وليس له نهاية، والكلام هنا عن الذين سُعِدوا وهم أهل الجنة، والذين شقوا وهم أهل النار، لكن الحق سبحانه استثنى من هؤلاء ومن هؤلاء، والذين استثناهم الله ستنقص مدة خلودهم، كيف؟
      الكافر بعد أنْ حُوسب وسيق إلى جهنم تُفتح له ويظل خالداً فيها خلوداً كاملاً من البداية إلى ما لا نهاية، كذلك المؤمن الذي تداركته رحمة ربه بعد أنْ يُحاسب يُساق إلى الجنة فيظل فيها خلوداً كاملاً من البداية إلى ما لا نهاية.
      أما الاستثناء فللمؤمن العاصي الذي لم يَتُبْ عن معاصيه أو تاب ولم تُقبل توبته، هذا لا بدَّ أن يأخذ جزاء هذه المعاصي، وأنْ تناله لفحة من لفحات النار والعياذ بالله، هذا في البداية، فيدخل النار ما يشاء الله له ثم يُخرجه إلى الجنة وبذلك تكون فترة خلوده في الجنة نقصتْ عن إخوانه المؤمنين، والنقص هنا من البداية، كذلك نقص خلود في النار عن أهل النار الخالدين فيها.
        وقوله تعالى: { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ .. } [الزمر: 71] أي: خزنة النار قالوا لهم على سبيل التقريع والتوبيخ { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا .. } [الزمر: 71] هذا الاستفهام ألزمهم الحجة وأفحمهم، فربهم عز وجل لم يأخذهم على غِرَّة، إنما أرسل لهم رسلاً، وهؤلاء الرسل (منكُمْ) من جنسكم ومن أوسطكم والأقرب إليكم لتسهل القدوة به.
      ومع هؤلاء الرسل حجج وبراهين ووَعْد ووعيد، لذلك لم يستطيعوا الإنكار { قَالُواْ بَلَىٰ .. } [الزمر: 71] يعني: حدث هذا، فأقرّوا على أنفسهم بإسقاط الحجة، وأن الله بعث لهم الرسل الذين أنذروهم هذا اليوم.
      إذن: الإنذارات التي تحدث للناس في حياتهم من تمام رحمة الله بالخلق، والإنذارات التي سبقت في الحياة بما سيكون بعدها من تمام رحمة الله بالخلق، أرأيتَ حين تُبصِّر ولدك بعاقبة الإهمال وتُخوِّفه من الرسوب آخر العام، فإنك تعينه على المذاكرة والاجتهاد حتى لا يلاقي العاقبة، وحتى لا يفاجأ بشيء غفل عنه.
        لذلك وقف المستشرقون عند سورة الرحمن وقالوا: قوله تعالى { { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ * وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا ٱلُّلؤْلُؤُ وَٱلمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن: 14-25] قالوا: نعم هذه نِعَم يناسبها { { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن: 25] لكن أيّ نعمة في قوله { { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن: 35-36].
      نعم الإنذار بالشر قبل أن يقع والتحذير منه قبل أوانه نعمة، بل من أعظم نِعم الله على الإنسان ليحتاط للأمر، فالتهديد والوعيد والتبصير والتخويف إنما لنحذر المخوف منه فلا نقع فيه.
      وقوله: { وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [الزمر: 71] يعني: وجبتْ لهم رغم الإنذار والتبصير، والكلمة التي حقَّتْ هي قوله تعالى: { { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [السجدة: 13] فماذا تنتظرون بعد ذلك؟ والعجيب أننا باختياراتنا الخائبة نساعد القدر ويمهد القدر لقدر.
        والكلمة قوْلٌ مفرد لا يؤدي إلا معنىً في ذاته، إنما لا يؤدي معنى إسنادياً، فكلمة السماء مثلاً لا تؤدي معنىً وحدها يحسنُ السكوت عليه، لكن حين تقول: السماء صافية تعطي معنى مفهوماً يحْسن السكوت عليه، قالوا: لكن قد تفيد الكلمة الواحدة، فلو قلت: مَنْ عندك؟ تقول: زيد. فأفادت: زيد عندي. ولولا تقدير كلمة عندي ما أفادتْ, فالكلمة - إذن - لا تؤدي معنىً يحسن السكوت عليه إلا بضميمة غيرها.
      وقد بيَّن علماء النحو ذلك حين قسَّموا الكلمة إلى اسم وفعل وحرف وكل منها تُسمَّى كلمة، والفرق بينها أن الاسم يعطي في ذاته معنىً مستقلاً بالفهم، والفعل يعطي معنىً في ذاته، لكنه مرتبط بزمن أو الزمن جزء منه، تقول: أكل أي في الماضي. يأكل في المضارع. وكُلْ في المستقبل، أما الحرف فهو لا يعطي معنى مستقلاً بالفهم، إنما لا بدَّ من ضميمة تبين معناه.
      وتطلق الكلمة ويُراد بها الكلام تقول: ألقيت كلمة في الحفل والمراد خطبة، وقد استخدم القرآنُ الكلمة بهذا المعنى في قوله تعالى: { { كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا .. } [المؤمنون: 100] والمراد بالكلمة قوله: { { رَبِّ ٱرْجِعُونِ * لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ .. } [المؤمنون: 99-100].
      وكذلك هنا: { حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [الزمر: 71] الكلمة هي { { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [السجدة: 13].   (قِيلَ ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ )٧٢-الزمر كلمة (بئْسَ) للذم والمذموم { مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ } [الزمر: 72] أي: إقامتهم ونهايتهم، ووصفهم بالمتكبرين خاصة لأنهم ما وصلوا إلى هذه النهاية إلا بتكبرهم، تكبرهم على مَنْ؟ على ربهم وخالقهم، وعجيب من العبد أن يتكبر أول ما يتكبر على خالقه سبحانه الذي خلقه من عدم وأمده من عُدم.
          ونلحظ في هذه الآية مظهراً من مظاهر رحمته تعالى حتى بالكافرين، وكأن الحق سبحانه يفتح لهم باب الأمل في النجاة، ويلمح لهم بإمكانية التوبة، ومهما كان منهم فالباب مفتوح، نفهم ذلك من قوله تعالى: { خَالِدِينَ فِيهَا .. } [الزمر: 72] ولم يقُلْ هنا أبداً كما قال مثلاً في قوله تعالى: { { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً }[الجن: 23].
        ولما أحصى العلماء لفظ الأبدية بالنسبة للكافرين وجدوه في آيتين (هما الأحزاب 65 - الجن 23)، إذن: ذكر كلمة أبداً في بعض الآيات وتركها في البعض الآخر، وفي هذا إطماع لمن لم يصل إلى الحقيقة التي تنجيه ربما تدارك الأمر وأنقذ نفسه وعاد إلى الجادة، أما حين يتكلم الحق سبحانه عن الجنة فتجد كلمة { { خَالِدِينَ فِيهَآ .. } [الجن: 23] غالباً مقرونة بالأبدية.
      ونلحظ أيضاً قوله تعالى: { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ .. } [الزمر: 72] ولم يقل: ادخلوا جهنم. فما الفرق بين التعبيرين؟ قال تعالى: { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ .. } [الزمر: 72] لأن العذاب يبادرهم ويسرع إليهم بمجرد أنْ يدخلوها فهو يستقبلهم على بابها.
      بعد ذلك ينتقل السياق إلى المقابل، إلى أهل الجنة، لكن لماذا بدأ بأهل النار فقال: { { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً .. } [الزمر: 71] قالوا: بدأ بهم لأنهم هم المنكرون المكذِّبون بالبعث والحساب، فبدأ بهم تعجيلات بعقابهم ومساءتهم، أما المتقون فهم مُصدِّقون بهذا اليوم مؤمنون به، وبما سيكون فيه من حساب وجزاء، ثم إن الختام بالوعد والبشارة فيه استبشارٌ وحُسْن ختام.
      (وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ )٧٣-الزمر   التفاسير العظيمة  
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182196
    • إجمالي المشاركات
      2535472
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93208
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    chaima12
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×