اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57533
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180567
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8267
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53020
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40675
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97009
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31794
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  11. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33884
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  12. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32200
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13114
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  13. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  14. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37437 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  15. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • المتواجدات الآن   0 عضوات, 0 مجهول, 5 زوار (القائمه الكامله)

    لاتوجد عضوات مسجلات متواجدات الآن

  • العضوات المتواجدات اليوم

    1 عضوة تواجدت خلال ال 24 ساعة الماضية
    أكثر عدد لتواجد العضوات كان 8، وتحقق
  • أحدث المشاركات

    • عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : الثيّب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) رواه البخاري ومسلم .

      الشرح

      ابتعث الله سبحانه وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالدين الخاتم ، الذي يخرج الناس من عبادة العباد ، إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان ، إلى عدل الإسلام ، فإذا دخل الإنسان حياض هذا الدين ، والتزم بأحكامه ، صار فردا من أفراد المجتمع الإسلامي ، يتمتع بكافة الحقوق المكفولة له ، ومن جملة هذه الحقوق ، عصمة دمه وماله وعرضه .

      وإعطاء المسلم هذه الحقوق له دلالته الخاصة ، فالحديث عن العصمة بكافة صورها هو حديث عن حرمة المسلم ، ومكانته في هذا المجتمع ، وقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقوق يوم حجة الوداع فقال : ( إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ) رواه مسلم ، وقال أيضا : (من صلّى صلاتنا ، واستقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله) رواه البخاري .

      والشريعة الإسلامية - بما تكفله من هذه الحقوق - تسعى إلى تحقيق الوحدة بين لبنات المجتمع المسلم ، وتعميق الروابط بين المؤمنين ، وبهذا يتحقق لهذا المجتمع أمنه ، وسلامة أفراده .

      ولكن المشكلة تكمن في أولئك الأفراد ، الذين يشَّكل وجودهم خطرا يهدد صرح الأمة ، ولم تكن هذه الخطورة مقتصرة على فسادهم الشخصي ، أو وقوعهم في بعض المحرمات وتقصيرهم في حقوق ربهم ، إنما تعدت إلى انتهاك حقوق الآخرين ، وتهديد حياة الاستقرار التي يعيشها هذا المجتمع ، فمن هنا رفع الإسلام عن هؤلاء المنعة الشرعية ، وأسقط حقهم في الحياة .

      وفي الحديث الذي بين أيدينا بيان لتلك الأمور التي من شأنها أن تزيل العصمة عن فاعلها ، وتجعله مهدر الدم ، وهي في قوله صلى الله عليه وسلم : ( الثيّب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) .

      فأما الزاني المحصن ، فإن الحكم الشرعي فيه هو الرجم حتى الموت ، ولعل في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، دلالة واضحة على هذا الحكم ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ..والثيب بالثيب جلد مائة ، والرجم ) رواه مسلم ، وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا و الغامدية رضي الله عنهما في عهده ، وأجمع المسلمون على هذا الحكم ، وكان فيما نزل من القرآن ، ثم نسخ لفظه وبقي حكمه : " والشيخ والشيخ إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من الله والله عزيز حكيم " - انظر مجموع الفتاوى 20/399 - .

      وليس ثمة شك في أن هذا الحكم الذي شرعه الله تعالى في حق الزاني المحصن ، هو غاية العدل ، وهو الدواء الوحيد لقطع دابر هذه الظاهرة ، فإن الله سبحانه وتعالى أعلم بعباده ، وهو الذي خلقهم ، فهو أدرى بما يصلحهم وينفهم ، لأنه أحكم الحاكمين ، ولكنا إذا أردنا أن نتلمس الحكمة في تشريع الله تعالى لهذا النوع من العقوبة ، بحيث اختصت في هذا الحد من الحدود ولم تشرع في غيره ، فنقول : إذا أردنا أن نعرف ذلك فعلينا أن نتأمل الآثار المدمرة التي يخلفها مثل هذا الفعل الشنيع على جميع المستويات ، فهو ليس انتهاكا لحقوق الآخرين واعتداء على أعراضهم فحسب ، بل هو جريمة في حق الإنسانية ، وإفساد للنسل والذرية ، وسبب في اختلاط الأنساب ، فلهذا وغيره ، جاء حكم الله تعالى في الزاني المحصن على هذا النحو .

      ويجدر بنا أن نشير إلى أن هذه العقوبة لا تتم إلا عندما يقرّ الزاني بما فعله من تلقاء نفسه ، أو بشهادة أربعة شهود على حصول ذلك منه ، وهذا في الحقيقة قد يكون متعذراً ، ومن ناحية أخرى دعت الشريعة من زلت قدمه بهذه الخطيئة أن يستر على نفسه ولا يفضحها ، ويتوب إلى الله عزوجل ، ولا داعي لفضح نفسه ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يراجع من يعترف بفعله مرات ومرات ، لعله يتراجع عن اعترافه هذا ، ونلمس ذلك جليا في قوله صلى الله عليه وسلم : ( لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت ) البخاري ، ومن هنا نرى أن الشريعة وضعت هذا الحد ضمن قيود واضحة ، وضوابط محددة ؛ حتى لا يطبق إلا في نطاق لازم ، وفي الموضع الصحيح .

      إن ذلك يعطينا تصورا واضحة بأن هذه العقوبة ليست غاية أو هدفا في حد ذاتها ، ولكنها وسيلة لاستئصال هذه الظاهرة والقضاء عليها ، وهذا ما أثبته التاريخ في العهد النبوي ، فإن كتب السير لم تنقل لنا حصول هذه الجريمة الخلقية إلا في عدد محدود للغاية .

      ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أمرا آخر يحل به دم المسلم وهو : ( النفس بالنفس ) أي : قتل العمد ، وقد أجمع العلماء أن قاتل النفس المعصومة عمدا مستحق للقتل إذا انطبقت عليه الشروط ، انطلاقا من قوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } ( المائدة :45 ) ، وهذا يشمل أن يكون المقتول أو القاتل ذكرا أم أنثى ، وهذا العموم مفهوم من الآية السابقة ، يؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أمر بقتل يهودي قصاصا من امرأة .

      وإذا نظرنا إلى قوله تعالى : { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب } ( البقرة :179) ، لأدركنا عظم الحكمة التي لأجلها شرع القصاص في الإسلام ، فالقصاص بحد ذاته ليس انتقاما شخصيا ، أو إرواء لغليل النفوس المكلومة ، بل هو أمر أعظم من ذلك ، إنه حياة للأمم والشعوب ، فإن القاتل إذا علم أن حياته ستكون ثمنا لحياة الآخرين ، فسوف يشكّل ذلك أكبر رادع له عن فكرة القتل ، وبهذا تستقيم الحياة ، وتعيش المجتمعات في أمن وطمأنينة .

      وثالث الأمور التي تهدر الدم وتسقط العصمة ، الردة عن دين الله تعالى ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( والتارك لدينه المفارق للجماعة ) أي : المفارق لجماعة المسلمين ، ويعضده ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من بدل دينه فاقتلوه ) .

      والردة قد تكون بالقول الصريح : كأن يكفر بالله صراحة ، أو بالاعتقاد : كأن يجحد شيئا معلوما من الدين بالضرورة ، أوإنكار النبوة أو البعث ، أو تكون باستحلال ما حرم الله ، أو تحريم ما أحل الله ، كما قد تكون بالفعل : كمن رمى المصحف في مكان القاذورات - والعياذ بالله - أو سجد لصنم ، فهذه أمثلة على بعض ما يخرج المرء من دين الله .

      وينبغي أن نشير هنا إلى أنه قد ورد في أحاديث أخرى القتل بغير هذه الثلاث ، فقد ورد قتل اللوطي ، في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) رواه الإمام أحمد في مسنده ، وأبو داود والترمذي ، كما ورد الأمر بقتل الساحر ، وقتل من أراد أن يشق عصا المسلمين ، ومن أراد الإفساد في الأرض وقطع الطريق ، ولعلنا نلاحظ أن هذه الأصناف المذكورة تندرج ضمنا تحت الأنواع الثلاثة التي تناولها الحديث .

      إن هذه التشريعات التي أحكمها الله سبحانه وتعالى هي صمام الأمان الذي يحفظ للأمة أمنها واستقرارها ، وبها تصان حقوق الفرد والمجتمع ، فحري بنا أن نعقلها ونتدبرها ، وأن نطبقها على واقعنا كما سطرناها في كتبنا .   شرح الأربعين النووية اسلام ويب
    • الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: لما أبطل الله -تبارك وتعالى- مقالة المنافقين بقوله: الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين [آل عمران:168] حين عبروا عما جرى لإخوانهم بالقتل، فقالوا مقالة باطلة، وهي أنهم لو أطاعوهم ما قتلوا، وهذا غير صحيح، كما سبق. ثم قال الله -تبارك وتعالى-: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون ۝ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون [آل عمران:169-170] الآيات.   فقوله:وَلاَ تَحْسَبَنَّ أي: لا تظننّ أيها النبي، أو أيها المخاطب أن الذين قتلوا في سبيل الله أموات، بل هم أحياء حياة برزخية، عند ربهم الذي بذلوا من أجله، وقاتلوا من أجله، وفي سبيله، يجري عليهم رزقهم في الجنة، ويُنعمون فيها، وهذا كما جاء في الحديث الصحيح عن أرواح الشهداء: أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل[1]، والله -تبارك وتعالى- يُفيض عليهم من ألوان النعيم. وكذلك أيضًا جاء في الحديث في الشهداء الذين ذكر حالهم: فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا[2]، فطلبوا أن يرجعوا إلى الدنيا من أجل أن يقتلوا؛ لما رأوا من جزاء ذلك، وموفور الثواب عند الله . وكذلك أيضًا طلبوا أن يُبلغ عنهم إخوانهم بأنهم لقوا ربهم، فرضي عنهم وأرضاهم، بلغوا عنا قومنا: أنا لقينا ربنا، فرضي عنا وأرضانا[3]، فهؤلاء الشهداء لهم حياة برزخية أكمل من حياة من يموت حتف أنفه من المؤمنين، مع أن النبي ﷺ صح عنه: أنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة[4]، وما ذكره عن الشهداء أكمل، فهذا يدل على ما قاله الله -تبارك وتعالى- بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون، فنهى عن الظن بأن الذين قتلوا في سبيل الله أموات، لكن تأمل قوله: قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فالنبي ﷺ سأل عن الرجل يُقاتل حمية، يعني لقومه، وغير ذلك من المقاصد، فذكر النبي ﷺ ضابطًا في هذا الباب، فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله[5]، فهذا الذي يكون في سبيل الله، وهذه هي النية الصحيحة في القتال.   فلاحظ هنا: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ  فمن قاتل رياء وسمعة فهذا لا يكون في سبيل الله، وأخبر النبي ﷺ: إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار[6]، يعني: من أجل أن يُقال: شجاع، وقد قيل، فهذا هو حظه من هذا العمل، فالناس قد قالوا: شجاع، -ما شاء الله!- فهذا الذي يُقاتل رياء وسمعة أو حمية لقومه، أو نحو ذلك كل هذا خارج عن هذا الوصف: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون فهنا نفى عنهم الموت، وليس معنى ذلك إثبات الحياة الكاملة التي يكون عليها أهل الإيمان في الجنة، وإنما الحياة البرزخية دون ذلك، وإنما يكون كمال النعيم للأرواح والأجساد بالجنة، أما في الحياة البرزخية فالنعيم يكون للأرواح؛ ولهذا ذكر النبي ﷺ: أرواحهم في جوف طير خُضر[7]، فالأرواح تُنعم في الجنة، والأجساد مدفونة في الأرض، لكن ينال هذه الأجساد من النعيم على سبيل التبع، ولكنه ليس كتنعُم الأرواح، وليس كتنعم الأجساد أيضًا في الدنيا، وكما ذكر الحافظ ابن القيم -رحمه الله-: بأن دار الدنيا يكون النعيم فيها للأجساد في الأصل والأرواح تبع، وفي البرزخ للأرواح والأجساد تبع، وفي الجنة أو في النار يستوي عذاب الأرواح وعذاب الأجساد[8]، وكذلك نعيم الأجساد، ونعيم الأرواح، فهذا غاية النعيم، وغاية العذاب، فالمنفي هنا: أن يكون هؤلاء أموات، بمعنى أنهم لا شعور لهم، ولا إحساس، ولا تنعم ألبتة، قال: بَلْ أَحْيَاء يعني: الحياة البرزخية.   وقوله: عِندَ رَبِّهِمْ  هذا يقتضي علو درجتهم، وقربهم من الله -تبارك وتعالى-. وفي قوله: يُرْزَقُون التعبير بالمضارع يدل على أن هذا الرزق يتجدد حينًا بعد حين، وكذلك أيضًا هذا الإطلاق في الرزق، حينما قال: بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون ولم يقل: يُرزقون كذا، أو كذا، وإنما أطلقه، فدل على أنه يصلهم من أنواع النعيم الذي لا يعلم وصفه إلا من تفضل به وأعطاه، هكذا قال أهل العلم، مثل الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-[9]. ودلت هذه الآية: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون أنه يصح نفي الشيء باعتبار وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا فنفى عنهم الموت، مع أن أرواحهم فارقت الأجساد، لكن هذا باعتبار الموت الذي ينتفي معه كل شيء، فهؤلاء يتنعمون، ويلتذون بما يفيض الله  عليهم من ألوان النعيم.   ثم قال: فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون يعني: أن هؤلاء يعيشون في سعادة وغِبطة؛ وذلك بما أعطاهم الله  وأولاهم، فحصل لهم ما تقر به أعينهم. وأيضًا فهم في حال استبشار بإخوانهم المجاهدين، الذين فارقوهم، وهم أحياء؛ ليفوزوا كما فازوا، وينالوا ما نالوا، فهم يتطلعون إليهم، وإلى مقدمهم، فهؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فلا خوف عليهم فيما يستقبلون من أمور الآخرة، ولا هم يحزنون فيما فاتهم من حظوظ الدنيا. فقوله -تبارك وتعالى-: فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هذا يدل على أنهم يملكون شعورًا بعد قتلهم، وإحساسًا في حياة برزخية، ليس كالحي الذي لم تُفارق روحه جسده، ولكنها أمور غيبية، فأثبت الله  لهم الفرح والاستبشار، فهذه شعورية وجدانية يجدها الإنسان في نفسه.   (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون )ولاحظ كيف سماه هنا: فضلاً؟ لأن الذي هداهم هو الله، والذي وفقهم هو الله، والذي كتب لهم هذه الخاتمة هو الله، فهو المُتفضل أولاً، والمعطي والموفق، فما يُعطيه لعباده -تبارك وتعالى- فهو فضل منه، وهو وإن سماه أجرًا في كثير من المواضع في القرآن، فذلك أيضًا من كرمه وجوده وفضله، يُعطي ويوفق، ومع ذلك يُسميه أجرًا، وإلا فمعلوم أن الإنسان مهما عمل، ومهما قدم، ومهما بذل، فهو لا يوفي نعمة من نِعم الله  عليه، كالسمع أو البصر أو العقل أو العافية في بدنه، أو نحو ذلك.   كذلك أيضًا هذا يدل على أن كل النعيم حتى دخول الجنة هو فضل، كما قال النبي ﷺ: واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله قالوا: يا رسول الله ولا أنت؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه، وفضل[10]، ولو حاسب الله عباده لعذبهم، فهؤلاء الشهداء -أيها الأحبة- فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فرحين ذهبت عنهم حياة الكدر والتعب والآلام والجراح، وذهب عنهم الكبد في هذه الحياة الدنيا، وبقيت لهم حياة الصفاء، والراحة، والنعيم، فلا حزن يعتريهم، ولا خوف يُلم بهم، لا خوف عليهم لا يخافون في أرض المحشر، ولا حينما يقوم الناس من قبورهم، فهم آمنون.   وهكذا المؤمن الموفق الصالح المُخلص لله -تبارك وتعالى-، فإنه إذا مات لا حزن يصيبه، وتأمل حال هؤلاء لشدة صلاحهم، وما هم عليه من الخير العظيم، وأنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، يعني حتى بعد موتهم، فهم معنيون بإخوانهم، وبحسن عاقبتهم، وصلاح منقلبهم، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ فيتطلعون إلى هؤلاء، ويستبشرون بهم، فهم مغتبطون بفضل الله ، قارة عيونهم بذلك، فرحة نفوسهم به، لحُسنه وكثرته وعظمته، وكمال اللذة، وعدم المُنغصات، فجمع الله  لهم بين نعيم الأبدان بالرزق، ونعيم القلوب والأرواح بالفرح والسرور بما آتاهم الله من فضل، فتم لهم ذلك من الوجهين، وإن كان -كما سبق- ليس كالنعيم الكامل، الذي يحصل في الجنة، لكن الناس -أيها الأحبة- يعرفون ما هم عليه وهم في قبورهم؛ ولذلك تجد المؤمن يقول: ربِّ أقم الساعة؛ لما يرى من النعيم، وتجد الكافر يقول: ربِّ لا تُقم الساعة، مع أنه يُعذب في قبره، لكن يرى أن هذا العذاب يسير بالنسبة لما ينتظره من الأهوال والأوجال، والعذاب العظيم، فالناس في القبور على أحد هاتين الحالتين، ربِّ أقم الساعة، أو ربِّ لا تُقم الساعة، والفُرصة -أيها الأحبة- سانحة في هذه الحياة، ما دامت هذه الأنفاس مترددة، يستطيع الإنسان أن يستدرك ويُراجع، والموت يأتي بغتة، ولا يدري الإنسان في أي لحظة يوافي؛ ولذلك ينبغي أن يُعد الإنسان عُدته لهذا الرحيل، ويجتهد في الأعمال التي تُقربه وترفعه، وإلا فإذا فارقت الروح الجسد انتهى كل شيء، وبقي الحساب والجزاء، وسيرى عند الموت الملائكة، ويرى أشياء كانت غائبة عنه، والقبر هو أول منازل الآخرة.   فنسأل الله  أن يُحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأن يختم لنا بخير، وأن يغفر ويرحم موتى المسلمين، وأن يتجاوز عنهم، وأن يرفع درجاتهم، ويُكفر سيئاتهم، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين، اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.   أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون برقم (1887). أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون برقم (1887). أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة الرجيع، ورعل، وذكوان، وبئر معونة، وحديث عضل، والقارة، وعاصم بن ثابت، وخبيب وأصحابه برقم (4090). أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى برقم (4271) وصححه الألباني. أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا برقم (2810) ومسلم في الإمارة، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا... برقم (1904). أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار برقم (1905). أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون برقم (1887). الروح (ص:52). تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص:157). أخرجه مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى برقم (2816).   موقع الشيخ خالد السبت
    • تفسير الشيخ الشعراوي (فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ )٣٥-الأحقاف الخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الحق سبحانه يُسلِّيه ويثبته ليتحمل الإيذاء من الكافرين، فليس هو بدعاً في ذلك، فقد سبقه كثير من إخوانه الرسل، فليصبر محمد كما صبروا.
        تعرفون أن سيدنا رسول الله تعرَّض لكثير من أذى قومه، آذوه بالقول فقالوا: ساحر وشاعر ومجنون وكاهن وكذاب. ثم تعدّى الإيذاء إلى الإيذاء بالفعل، فاعتدوا عليه في الطائف حتى أدموا قدميْه، وكُسرت رباعيته في أُحد، ورموا على ظهره سلى البعير وهو يصلي.
      آذوه في نفسه، وآذوه في أهله وفيمن آمن معه، بل تآمروا على قتله، وضيَّقوا عليه حتى اضطروه لترك مكة والهجرة إلى المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم يتحمل ذلك كله لكنه بشر ويشقّ عليه ذلك.
      فأراد الحق سبحانه أنْ يضع أمامه أسوة ونموذجاً لمَنْ صبر من الرسل السابقين { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ .. } [الأحقاف: 35].
        ((أولي العزم من الرسل خمسة، هم المذكورون في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} ١ .ولم يرتض -رحمه الله- قول من قال: إنهم جميع الرسل، بل قال عند تفسير قوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} ٢: "اختلف العلماء في المراد بأولي العزم من الرسل في هذه الآية الكريمة اختلافاً كثيراً، وأشهر الأقوال في ذلك أنهم خمسة، وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم السلام. وعلى هذا القول فالرسل الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبروا أربعة، فصار هو صلى الله عليه وسلم خامسهم) الشيخ محمد الأمين الشنقيطي)   فسيدنا إبراهيم عليه السلام وصل الأمر به إلى أنْ أُلقِيَ في النار، ومع ذلك لم يُفقده الموقف ثقته بربه، بدليل أن جبريل عليه السلام لما عرض عليه أنْ يطفىء هذه النار قال له: أما إليك فلا فجاء الأمر من السماء { يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [الأنبياء: 69].
      في صِغَره ابتُلي في نفسه، وفي كبره ابتُلي بذبح ولده الوحيد، وصبر على الابتلاء ففدى الله الذبيح إسماعيل، وزاده على ذلك بولد آخر هو سيدنا إسحاق ومن بعده سيدنا يعقوب، وكلهم كانوا أنبياء.
      وجاء هذا العطاء نتيجة التسليم لله في قضائه وقدره والرضا به. ولنا في أبي الأنبياء أُسوة في الرضا بالقضاء، وأنْ نربي أجيالنا على ذلك، لأن التسليم والرضا بقضاء الله أول أسباب رفع القضاء، فلا يُرفع قضاء حتى يرضى صاحبه به، وإلا ظلَّ البلاء نازلاً به.
      والذين يطول عليهم قضاء الله هم سبب ذلك، لأنهم في الواقع معترضون، ولو رضُوا لرفعه الله عنهم، مثل الأب الذي يضرب ولده على خطأ ارتكبه، فإنْ خضع وانصاع لوالده تركه، بل ويحنو عليه ويرضيه. فإن اعترض زاده ضرباً. إذن: الله تعالى يريد أنْ يُربي عبده بالابتلاء،
      كذلك من أولي العزم سيدنا نوح عليه السلام وظل يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل
      وسبق أنْ بيَّنا أن الأقدار لا تخلو من حكمة، وأن الحدث لا ينفصل عن فاعله، فقبل أنْ تعترض انظر من الفاعل. والنبي صلى الله عليه وسلم حين يتأمل مواكب إخوانه من الرسل السابقين وما تعرضوا له يهون عليه إيذاء قومه، ويكون ذلك تسلية له.
        وقوله تعالى: { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ .. } [الأحقاف: 35] يعني: لا تستعجل عذابهم، خاصة وأنهم كانوا يستعجلون العذاب جهلاً وعناداً منهم، لذلك خاطبه ربه بقوله: { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [غافر: 77] يعني: إنْ مُت يا محمد قبل أنْ ترى انتقام الله منهم فموعدهم الآخرة.
        وقوله: { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ .. } [الأحاقف: 35] يعني: يوم القيامة  [الأحقاف: 35] يعني: وحاصل ذلك أنهم استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وفي البرزخ حين عاينوا يوم القيامة وشدائدها وطولها ] .
      وهذا رأيناه في قصة أهل الكهف، فقد ألقى اللهُ عليهم النوم فناموا { ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً } [الكهف: 25] ومع ذلك لمَّا قاموا قالوا: { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ .. } [الكهف: 19] لماذا لانعدام الأحداث التي تشعر بالزمن، إذن: لا تستعجل لهم العذاب لأنها مجردُ ساعة مهما طال الزمنُ.
        وتعرفون قصة العُزير { أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ .. } [البقرة: 259].
        وقوله سبحانه: { بَلاَغٌ .. } [الأحقاف: 35] البلاغ: هو الوصول للغاية يقول تعالى: { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ .. } [إبراهيم: 52] يعني: نهاية ما يمكن أن أعظكم به.
      وما دام قال سبحانه (هذا) إذن: لا بد أن يحدث ولا يمنعه شيء لأنه إله واحد لا شريك له ولا معارض {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [الأحقاف: 35].
      الفسق: الخروج عن الطاعة، وهو سبب الهلاك في الآخرة أو حتى في الدنيا.   التفاسير العظيمة
    • السؤال إذا أصيب المسلم بمصيبة في نفسه أو ماله أو غير كذلك ، كيف يكون تصرفه صحيحاً موافقا للشرع ؟.
      الجواب الحمد لله.

      أولاً : إن المصائب والبلاء امتحانٌ للعبد ، وهي علامة حب من الله له ؛ إذ هي كالدواء ، فإنَّه وإن كان مُرًّا إلا أنَّـك تقدمه على مرارته لمن تحب – ولله المثل الأعلى – ففي الحديث الصحيح : ( إنَّ عِظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط ) رواه الترمذي ( 2396 ) وابن ماجه ( 4031 ) ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
      ونزول البلاء خيرٌ للمؤمن من أن يُدَّخر له العقاب في الآخرة ، وكيف لا وفيه تُرفع درجاته وتكفر سيئاته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبـــه حتى يوافيه به يوم القيامة ) رواه الترمذي ( 2396 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي . وقال الحسن البصري رحمه الله : لا تكرهوا البلايا الواقعة ، والنقمات الحادثة ، فَلَرُبَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك ، ولَرُبَّ أمرٍ تؤثره فيه عطبك – أي : هلاكك – . وقال الفضل بن سهل : إن في العلل لنعَماً لا ينبغي للعاقل أن يجهلها ، فهي تمحيص للذنوب ، وتعرّض لثواب الصبر ، وإيقاظ من الغفلة ، وتذكير بالنعمة في حال الصحة ، واستدعاء للتوبة ، وحضّ على الصدقة . والمؤمن يبحث في البلاء عن الأجر ، ولا سبيل إليه إلاَّ بالصبر ، ولا سبيل إلى الصبر إلاَّ بعزيمةٍ إيمانيةٍ وإرادةٍ قوية . وليتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999) . وعلى المسلم إذا أصابته مصيبة أن يسترجع ويدعو بما ورد . فما أجمل تلك اللحظات التي يفر فيها العبد إلى ربه ويعلم أنه وحده هو مفرج الكرب ، وما أعظم الفرحة إذا نزل الفرج بعد الشدة ، قال الله تعالى : ( وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ) .
      وروى مسلم (918) عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله ” إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها ” إلا أخلف الله له خيراً منها ) . قالت : فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ؟! أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إني قلتها فأخلف اللهُ لي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم .
      ثانياً : وهناك أمور إذا تأملها من أصيب بمصيبة هانت عليه مصيبته وخفت .
        وقد ذكر ابن القيم في كتابه القيم ” زاد المعاد ” (4/189–195) أموراً منها
        1- ” أن ينظر إلى ما أصيب به فيجد ربه قد أبقى عليه مثله أو أفضل منه ، وادَّخر له إن صبر ورضي ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة ، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي .
        2- أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب ، ولينظر يمنة فهل يرى إلا محنة ؟ ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة ؟ وأنه لو فتَّش العالم لم ير فيهم إلا مبتلى ، إما بفوات محبوب ، أو حصول مكروه ، وأن شرور الدنيا أحلام نوم ، أو كظل زائل ، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً ، وإن سرَّت يوماً ساءت دهراً ، وإن متَّعت قليلاً منعت طويلاً ، ولا سرته بيوم سروره إلا خبأت له يوم شرور ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : لكل فرحة ترحة ، وما مليء بيت فرحاً إلا مليء ترحاً . وقال ابن سيرين : ما كان ضحك قط إلا كان من بعده بكاء .
        3- أن يعلم أن الجزع لا يردها – أي : المصيبة – بل يضاعفها ، وهو في الحقيقة من تزايد المرض .
        4- أن يعلم أن فوات ثواب الصبر والتسليم وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر والاسترجاع أعظم من المصيبة في الحقيقة .
        5- أن يعلم أن الجزع يشمت عدوه ، ويسوء صديقه ، ويغضب ربه ، ويسر شيطانه ، ويحبط أجره ، ويضعف نفسه ، وإذا صبر واحتسب وأرضى ربه ، وسر صديقه ، وساء عدوه ، وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه ، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم ، لا لطم الخدود ، وشق الجيوب ، والدعاء بالويل والثبور ، والسخط على المقدور .
        6- أن يعلم أن ما يعقبه الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه ويكفيه من ذلك ” بيت الحمد ” الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه واسترجاعه ، فلينظر أي المصيبتين أعظم : مصيبة العاجلة ، أو مصيبة فوات بيت الحمد في جنة الخلد ، وفي الترمذي مرفوعاً : ( يود ناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء ) ، وقال بعض السلف : لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس
      . 7- أن يعلم أن الذي ابتلاه بها أحكم الحاكمين ، وأرحم الراحمين ، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به ، ولا ليعذبه به ، ولا ليجتاحه ، وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه وليسمع تضرعه وابتهاله ، وليراه طريحا ببابه ، لائذاً بجنابه ، مكسور القلب بين يديه ، رافعا قصص الشكوى إليه .
        8- أن يعلم أنه لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا ، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يفتقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء ، وحفظا لصحة عبوديته ، واستفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه ، فسبحان من يرحم ببلائه ، ويبتلي بنعمائه ، كما قيل : قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
        9- أن يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة ، يقلبها الله سبحانه ، كذلك وحلاوة الدنيا بعينها مرارة الآخرة ، ولأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك ، فإن خفي عليك هذا فانظر إلى قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : ( حُفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ) ” انتهى باختصار .
      ثالثاً : كثير من الناس إذا أحسن تلقي البلاء علم أنه نعمة عليه ومنحة لا محنة قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله ” . وقال سفيان : ” ما يكره العبد خير له مما يحب ، لأن ما يكرهه يهيجه للدعاء ، وما يحبه يلهيه ” . وكان ابن تيمية رحمه الله يعد سجنه نعمة عليه تسبب فيها أعداؤه . قال ابن القيم : ” وقال لي مرة – يعني شيخ الإسلام – ما يصنع أعدائي بي !! أنا جنتي وبستاني في صدري ، أنى رحت فهي معي لا تفارقني ، إنّ حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة . وكان يقول في محبسه في القلعة : لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هذه النعمة أو قال : ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا . وكان يقول في سجوده وهو محبوس : اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله ، وقال لي مرة : المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى ، والمأسور من أسره هواه ، ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال : فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط ، مع كل ما كان فيه من ضيق العيش ، وخلاف الرفاهية والنعيم ، بل ضدها ، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق ، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً ، وأشرحهم صدراً ، وأقواهم قلباً ، وأسرهم نفساً ، تلوح نضرة النعيم على وجهه ، وكنا إذا اشتد بنا الخوف ، وساءت منا الظنون ، وضاقت بنا الأرض ، أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله ، وينقلب انشراحاً وقوة ويقينا وطمأنينة ، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه ، وفتح لهم أبوابها في دار العمل ، فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها ” انتهى . “الوابل الصيب” (ص 110) .


      الاسلام سؤال وجواب
           
    • الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:   فالبلاء من المواضيع التي تكلَّم عنها العلامة ابن القيم رحمه الله في عدد من كتبه، وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره.       [عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين]   البلاء اختبار:   الغِنى والفقر والبلاء والعافية فتنة وابتلاء من الله لعبده يمتحن بها صبره وشكره.       العاقل لا يجعل المصيبة مصيبتين:   الكريم ينظر إلى المصيبة، فإن رأى الجزع يردُّها ويدفعها، فهذا قد ينفعه الجزع، وإن كان الجزع لا ينفعه فإنه يجعل المصيبة مصيبتين.       [كتاب: الكلام على مسألة السماع]   لا يرفع البلاء إلا بتوبة:   قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، فدلالة لفظها أنه لا يغير نِعَمَه التي أنعم بها على عباده حتى يُغيروا طاعته بمعصيته، كما قال في الآية الأخرى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأنفال: 53] وإشارتها أنه إذا عاقب قومًا وابتلاهم، لم يغير ما بهم من العقوبة والبلاء حتى يغيروا ما بأنفسهم من المعصية إلى الطاعة، كما قال العباس عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة.       [كتاب: مدارج السالكين في منازل السائرين]   النظر إلى أهل البلاء:   أهل الغفلة عن الله والابتداع في دين الله، فهذان الصنفان هم أهل البلاء حقًّا، فإذا رآهم وعلِمَ ما هم عليه عظمَت نعمةُ الله عليه في قلبه، وصفت له، وعرف قدرها.       طمأنينة المبتلى إلى ثواب الله:   المبتلى إذا قويت مشاهدته للمثوبة سكن قلبه واطمأنَّ بمشاهدة العوض حتى يستلذَّ بالبلاء ويراه نعمة، ولا يستبعد هذا، فكثير من العقلاء إذا تحقق نفع الدواء الكريه فإنه يكاد يلتذُّ به، وملاحظته لنفعه تغنيه عن تألُّمه بمذاقه.       ثلاثة أشياء تبعث على الصبر على البلاء:   ثلاثة أشياء تبعث على الصبر على البلاء:   أحدها: ملاحظة حسن الجزاء وعلى حسب ملاحظته والوثوق به ومطالعته يخفُّ حملُ البلاء لشهود العوض.       الثاني: انتظار روح الفرج؛ يعني راحته ونسيمه ولذته، فإن انتظاره ومطالعته وترقُّبه يخفف حمل المشقة، ولا سيما عند قوة الرجاء والقطع بالفرج.       الثالث: تهوين البلية بأمرين:   أحدهما: أن يعدَّ نعم الله عليه وأياديه عنده، فإن عجز عن عدِّها وأيس من حصرها، هان عليه ما هو فيه من البلاء، ورآه بالنسبة إلى أيادي الله ونعمه كقطرةٍ من بحر.       الثاني: أن يذكر سوالف النِّعم التي أنعم الله بها عليه، فهذا يتعلق بالماضي، وتعداد أيادي المنن يتعلق بالحال.       لذة المحبة تُنسي المصائب:   المُحِبُّ يجد في لذة المحبة ما يُنسيه المصائب، ولا يجد من مسِّها ما يجد غيره، حتى كأنه قد اكتسى طبيعة ثانية ليست بطبيعة الخلق، بل يقوى سلطانُ المحبة، حتى يلتذَّ بكثير من المصائب أعظم من التذاذ الخَلِي بحظوظه وشهواته.           من أوجه استواء النعمة والبلية في الرضا بهما:   وإنما تستوي النعمة والبلية عنده في الرضا بهما لوجوهٍ:   أحدها: أنه جازم بأنه لا تبديل لكلمات الله، ولا رادَّ لحكمه، وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فهو يعلم أن كلًّا من البلية والنعمة بقضاءٍ سابقٍ وقدرٍ حتم.       الثاني: أنه محب، والمحب الصادق من رضي بما يعامله به حبيبه.       الثالث: أنه جاهل بعواقب الأمور، وسيده أعلم بمصلحته وما ينفعه.       [كتاب: إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان]   ما يصيب العبد من مصائب فبسبب ذنوبه:   إذا أصيب العبد بمصيبة في نفسه أو ماله أو بإدالة عدُوِّه عليه، فإنما هي بذنوبه، إما بترك واجبٍ، أو فعل محرمٍ، وهو من نقص إيمانه.       وبهذا يزول الإشكال الذي يورده كثير من الناس على قوله تعالى: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141]، فالتحقيق أن انتفاء السبيل عن أهل الإيمان الكامل، فإذا ضعف الإيمان صار لعدوِّهم عليهم من السبيل بحسب ما نقص من إيمانهم، فهم جعلوا لهم عليهم السبيل بما تركوه من طاعة الله تعالى.       فالمؤمن عزيز عالٍ مُؤيد منصور مكفي مدفوع عنه بالذات أين كان، ولو اجتمع عليه من بأقطارها، إذا قام بحقيقة الإيمان وواجباته، ظاهرًا، وباطنًا.       من رحمة أرحم الراحمين تسليط أنواع البلاء على العبد:   من إتمام رحمة أرحم الراحمين: تسليط أنواع البلاء على العبد، فإنه أعلم بمصلحته، فابتلاؤه له وامتحانه، ومنعه من كثير من أعراضه وشهواته: من رحمته به، ولكن العبد لجهله وظُلْمه يتهم ربه، ولا يعلم إحسانه إليه بابتلائه وامتحانه.       من حِكَم ابتلاء المؤمنين بغلبة عدوِّهم عليهم:   إن ابتلاء المؤمنين بغلبة عدوِّهم لهم وقهرهم وكسرهم لهم أحيانًا، فيه حِكَم عظيمة، لا يعلمها على التفصيل إلا الله عز وجل.       فمنها: استخراج عبوديتهم، وذُلهم لله، وانكسارهم له، وافتقارهم إليه، وسؤالهم نصرهم على أعدائهم، ولو كانوا دائمًا منصورين قاهرين غالبين لبطروا وأشروا، ولو كانوا دائمًا مقهورين مغلوبين منصورًا عليهم عدوُّهم لما قامت للدين قائمة، ولا كانت للحق دولة، فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن صرفهم بين غلبتهم تارة، وكونهم مغلوبين تارةً، فإذا غُلبوا تضرعوا إلى ربهم، وأنابوا إليه، وخضعوا له، وانكسروا له، وتابوا إليه، وإذا غَلَبوا أقاموا دينه وشعائره، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وجاهدوا عدوَّه، ونصروا أولياءه.       من رحمة أرحم الراحمين أن ابتلى عباده ليعافيهم:   ومن رحمته: أن نغَّص عليهم الدنيا وكدَّرها، لئلا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا إليها، ويرغبوا في النعيم المقيم في دار جواره، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليُعطيهُم، وابتلاهم ليُعافيهُم، وأماتهم ليُحييهم.       [كتاب: الروح]   سهام البلاء:   وقد جعل الله سبحانه نفوس المطمئنين إلى سواه أغراضًا لسهام البلاء، ليعلم عباده وأولياءه أن المتعلق بغيره مقطوع، والمطمئن إلى سواه عن مصالحه ومقاصده مصدود وممنوع.       [كتاب: طريق الهجرتين وباب السعادتين]   من ابتُلي فرده ذلك إلى ربه فهو علامة سعادته:   إذا ابتلى الله عبده بشيء من أنواع البلايا والمحن فإن رده ذلك الابتلاء والامتحان إلى ربه، وجمعه عليه، وطرحه ببابه، فهو علامة سعادته وإرادة الخير به، والشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت، فتقلع عنه حين تقلع، وقد عُوِّض منها أجلَّ عوض وأفضله، وهو رجوعه إلى الله بعد أن كان شاردًا عنه، وإقباله عليه بعد أن كان نائيًا عنه، وانطراحه على بابه وقد كان عنه معرضًا، وللوقوف على أبواب غيره متعرضًا.       وكانت البلية في حق هذا عين النعمة، وإن ساءته، وكرهها طبعه، ونفرت منها نفسه.       فربما كان مكروه النفوس إلى محبوبها سببًا ما مثله سبب     وقوله تعالى في ذلك هو الشفاء والعصمة: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].       وإن لم يرده ذلك البلاء إليه، بل شرد قلبه عنه، وردَّه إلى الخلق، وأنساه ذكر ربه، والضراعة إليه، والتذلل بين يديه، والتوبة والرجوع إليه، فهو علامة شقاوته وإرادة الشرِّ به، فهذا إذا أقلع عنه البلاء ردَّه إلى حكم طبيعته، وسلطان شهواته، ومرحه وفرحه، فجاءت طبيعتهُ عند القدرة بأنواع الأشر والبطر والإعراض عن شكر المنعم عليه بالسراء، كما أعرض عن ذكره والتضرع إليه في الضراء، فبليةُ هذا وبال عليه وعقوبة ونقص في حقه، وبلية الأول تطهير له ورحمة وتكميل، وبالله التوفيق.       أسباب الصبر على البلاء:   والصبر على البلاء ينشأ من أسباب عديدة:   أحدها: شهود جزائها وثوابها.       الثاني: شهود تكفيرها للسيئات ومحوها لها.       الثالث: شهود القدر السابق الجاري بها، وأنها مقدرة في أُمِّ الكتاب قبل أن تخلق، فلا بد منها، فجزعه لا يزيده إلا بلاء.       الرابع: شهوده حق الله عليه في تلك البلوى، وواجبه فيها، وهو الصبر بلا خلاف بين الأمة...فهو مأمور بأداء حق الله وعبوديته عليه في تلك البلوى، فلا بد له منه، وإلا تضاعفت عليه.       الخامس: شهود ترتُّبها عليه بذنبه، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشورى: 30]، وهذا عامٌّ في كل مصيبة دقيقة وجليلة، فيشغله شهود هذا السبب بالاستغفار الذي هو أعظم الأسباب في رفع تلك المصيبة.       السادس: أن يعلم أن الله قد ارتضاها له واختارها وقسمها، وأن العبودية تقتضي رضاه بما رضي له به سيده ومولاه.       السابع: أن يعلم أن هذه المصيبة هي دواء نافع ساقه إليه الطبيب العليم بمصلحته، الرحيم به، فليصبر على تجرُّعه، ولا يتقيأه بتسخُّطه وشكواه، فيذهب نفعه باطلًا.       الثامن: أن يعلم أن في عقبى هذا الدواء من الشفاء والعافية والصحة وزوال الألم ما لا يحصل بدونه، فإذا طالعت نفسه كراهية هذا الدواء ومرارته فلينظر إلى عاقبته وحسن تأثيره، قال الله تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].       التاسع: أن يعلم أن المصيبة ما جاءت لتهلكه وتقتله، وإنما جاءت لتمتحن صبره وتبتليه، فيتبين حينئذٍ هل يصلح لاستخدامه وجعله من أوليائه وحزبه أم لا؟ فإن ثبت اصطفاه واجتباه...وجعل أولياءه وحزبه خدمًا له وعونًا له، وإن انقلب على وجهه ونكص على عقبيه طُرِدَ...وتضاعفت عليه المصيبة، وهو لا يشعر في الحال بتضاعفها وزيادتها، ولكن سيعلم بعد ذلك بأن المصيبة في حقه صارت مصائب، كما يعلم الصابر أن المصيبة في حقه صارت نعمًا عديدة، وما بين هاتين المنزلتين المتباينتين إلا صبر ساعة، وتشجيع القلب في تلك الساعة.       العاشر: أن يعلم أن الله سبحانه يربِّي عبده على السرَّاء والضرَّاء، والنعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال، فإن العبد على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال، وأما عبد السراء والعافية الذي يعبد الله على حرف، فإن أصابه خيرٌ اطمأنَّ به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه، فليس من عبيده الذين اختارهم لعبوديته.       فلو علم العبد أن نعمة الله عليه في البلاء ليست بدون نعمته عليه في العافية لشغل قلبه بشكره ولسانه بقوله: ((اللهم أعِنِّي على ذكرك وشُكْرك وحسن عبادتك))، وكيف لا يشكر من قيض له ما يستخرج به خبثه ونحاسه، ويُصيره تِبْرًا خالصًا يصلح لمجاورته والنظر إليه في داره؟       فهذه الأسباب ونحوها تثمر الصبر على البلاء، فإن قويت أثمرت الرضا والشكر، فنسأل الله أن يسترنا بعافيته، ولا يفضحنا بابتلائه بمَنِّه وكرمه.       [كتاب: مفتاح دار السعادة]   من رحمة الله وبره بعباده كسرهم بأنواع المصائب والمحن لينالوا رضاءه ومحبته:   ومن تدبر حكمته سبحانه، ولطفه وبرَّه بعباده وأحبابه، في كسره لهم ثم جبره بعد الانكسار، كما يكسر العبد بالذنب ويُذلُّه به ثم يجبرُه بتوبته عليه ومغفرته له، وكما يكسره بأنواع المصائب والمحن ثم يجبره بالعافية والنعمة انفتح له باب عظيم من أبواب معرفته ومحبته، وعَلِمَ أنه أرحمُ بعباده من الوالدة بولدها، وأن ذلك الكسر هو نفس رحمته به وبره ولطفه، وهو أعلم بمصلحة عبده منه، ولكن العبد لضعف بصيرته ومعرفته بأسماء ربه وصفاته لا يكاد يشعر بذلك، ولا يُنالُ رضا المحبوب وقربه والابتهاج والفرح بالدنو منه والزُّلْفى لديه إلا على جسر من الذل والمسكنة، وعلى هذا قام أمرُ المحبة، فلا سبيل إلى الوصول إلى المحبوب إلا بذلك.       على جسر المحنة والابتلاء يصل العبد إلى الغايات المحمودة:   لله سبحانه من الحِكم في ابتلائه أنبياءه ورسله وعباده المؤمنين ما تتقاصر عقولُ العالمين عن معرفته، وهل وصل من وصل إلى الغايات المحمودة والنهايات الفاضلة إلا على جسر المحنة والابتلاء.       أهل الابتلاء على الحقيقة:   من خَلَّى الله بينه وبين معاصيه، فقد سقط من عينه وهان عليه، وأن ذلك ليس من كرامته على ربه، وإن وسَّع الله عليه في الدنيا، ومدَّ له من أسبابها، فإنهم أهلُ الابتلاء على الحقيقة.       متى يصير البلاء نعمة:   قيل: إذا استكمل العبدُ حقيقة اليقين صار البلاءُ عنده نعمةً، والمحنة منحةً.           [كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد]   علاج حرِّ المصيبة وحُزنها:   قال تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157]، وفي المسند عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من أحد تصيبه مُصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا أجاره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها))، وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب، وأنفعه له في عاجلته وآجلته، فإنها تتضمن أصلين عظيمين إذا تحقَّق العبد بمعرفتهما تسلَّى عن مصيبته.       أحدهما: أن العبد وأهله وماله ملك له عز وجل حقيقة، وقد جعله عند العبد عارية، فإذا أخذه منه، فهو كالمعير يأخذ متاعه من المستعير، وأيضًا فإنه محفوف بعدمين: عدمٍ قبله، وعدمٍ بعده، وملك العبد له متعة معارة في زمن يسير، وأيضًا فإنه ليس الذي أوجده عن عدمه، حتى يكون ملكه حقيقةً، ولا هو الذي يحفظه من الآفات بعد وجوده، ولا يُبقي عليه وجوده، فليس له فيه تأثير، ولا ملك حقيقي.       والثاني: أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق، ولا بد أن يُخلِّف الدنيا وراءَ ظهره، ويجيء ربه فردًا كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا مال ولا عشيرة، ولكن بالحسنات والسيئات، فكيف يفرح بموجود، أو يأسى على مفقود، ففكره في مبدئه ومعاده من أعظم علاج هذا الداء.       ومن علاجه: أن ينظر إلى ما أصيب به، فيجد ربَّه قد أبقي عليه مثله، أو أفضل منه، وادَّخَر له – إن صبر ورضي – ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعافٍ مُضاعفةٍ، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي.       ومن علاجها: أن يعلم علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22، 23].       ومن علاجه: أن يُطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب، وليعلم أنه في كل وادٍ بنو سعد، ولينظر يَمْنةً فهل إلا محنة؟ ثم ليعطف يَسْرةً، فهل يرى إلا حسرة؟ وأنه لو فتش العالم لم يرَ فيهم إلا مُبْتلى، إما بفوات محبوب، أو حصول مكروه، وأن سرور الدنيا أحلامُ نوم أو كظلٍّ زائلٍ، إن أضحكت قليلًا، أبكت كثيرًا، وإن سرت يومًا ساءت دهرًا، وإن متعت قليلًا منعت كثيرًا، وما ملأت دارًا خيرةً إلا ملأتها عبرة، ولا سرته بيوم سرور إلا خبأت له يوم شرور.       ومن علاجها: أن يعلم أن فوات ثواب الصبر والتسليم، وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر والاسترجاع أعظمُ من المصيبة في الحقيقة.       ومن علاجها: أن يروح قلبه بروح رجاء الخلف من الله، فإنه من كل شيء عوض إلا الله، فما منه عوض.       ومن علاجها: أن يعلم أن ما يعقبه الصبرُ والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أُصيب به لو بقي عليه، ويكفيه من ذلك بيتُ الحمد الذي يُبنى له في الجنة على حمده لربه واسترجاعه، فلينظر أي المصيبتين أعظم؟ مصيبةُ العاجلة، أو مصيبةُ فوات بيت الحمد في جنة الخلد.       ومن علاجها: أن يعلم أنه وإن بلغ في الجزع غايته، فآخر أمره إلى صبر الاضطرار، وهو غير محمود ولا مُثاب.       ومن علاجها: أن يعلم أن الجزع يُشمت عدوه، ويسوء صديقه، ويُغضب ربه، ويسرُّ شيطانه، ويُحبط أجره، ويُضعف نفسه، وإذا صبر واحتسب أنضى شيطانه، وردَّه خاسئًا، وأرضى ربَّه، وسرَّ صديقه، وساء عدوه، وحمل عن إخوانه، وعزَّاهم هو قبل أن يُعزُّوه، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم، لا لطم الخدود، وشق الجيوب.       ومن علاجها: أن يعلم أن حظَّه من المصيبة ما تُحدث له، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، فحظُّك منها ما أحدثته لك، فاختر خير الحظوظ أو شرَّها، فإن أحدثت له سخطًا وكفرًا كُتِبَ في ديوان الهالكين، وإن أحدثت له جزعًا وتفريطًا في ترك واجب، أو فعل محرم كتب في ديوان المفرِّطين، وإن أحدثت له شكاية وعدم صبر كتب في ديوان المغبونين، وإن أحدثت له اعتراضًا على الله وقدحًا في حكمته فقد قرع باب الزندقة أو ولجه، وإن أحدثت له صبرًا وثباتًا لله كتب في ديوان الصابرين، وإن أحدثت له الرضا عن الله كتب في ديوان الراضين، وإن أحدثت له الحمد والشكر كتب في ديوان الشاكرين، وكان تحت لواء الحمد مع الحمَّادين، وإن أحدثت له محبة واشتياقًا إلى لقاء ربه، كُتِبَ في ديوان المحبين المخلصين، وفي مسند أحمد والترمذي من محمود بن لبيد يرفعه: ((إن الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)) زاد أحمد: ((ومن جزع فله الجزع)).       ومن علاجها: أن يعلم أن الجزع لا يردها بل يُضاعفها وهو في الحقيقة من تزايد المرض.       ومن علاجها: أن يوازن بين أعظم اللذَّتين والتمتعين وأدومهما، لذة تمتعه بما أُصيب به، ولذة تمتعه بثواب الله له، فإن ظهر له الرجحان فآثر الراجح فليحمد الله على توفيقه، وإن آثر المرجوح من كل وجه فليعلم أن مصيبته في عقله وقلبه ودينه أعظمُ من مصيبته التي أُصيب بها في دنياه.       ومن علاجها: أن يعلم أن أنفع الأدوية له موافقة ربه وإلهه فيما أحَبَّه ورضيه له، وأن خاصية المحبة موافقة المحبوب، فمن ادَّعى محبة محبوب ثم سخط ما يُحبُّه وأحبَّ ما يُسخطه، فقد شهد على نفسه بكذبه، وتمقَّت إلى محبوبه.       ومن علاجها: أن يعلم أن الذي ابتلاه بها أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به، ولا ليعذبه به، ولا ليجتاحه، وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه، وليسمع تضرعه وابتهاله، وليراه طريحًا ببابه، لائذًا بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعًا قصص الشكوى إليه.       ومن علاجها: أن يعلم أنه لولا مِحَنُ الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكِبرِ والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلًا وآجلًا، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقَّده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء، وحفظًا لصحة عُبوديته، واستفراغًا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه، فسبحان من يرحم ببلائه ويبتلي بنعمائه.       فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا، وبغوا، وعتوا، والله سبحانه إذا أراد بعبد خيرًا سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله يستفرغُ به من الأدواء المهلكة حتى إذا هَذَّبه ونقَّاه وصفَّاه أهَّله لأشرف مراتب الدنيا وهي عبوديته، وأرفع ثواب الآخرة، وهو رؤيته وقربه.       ومن علاجها: أن يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة، قلبها الله سبحانه كذلك، وحلاوة الدنيا بعينها مرارة الآخرة، ولأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خيرٌ له من عكس ذلك، فإن خفي عليك هذا، فانظر إلى قول الصادق المصدوق: ((حُفَّتِ الجنَّةُ بالمكاره، وحُفَّتِ النارُ بالشهوات)).       وفي هذا المقام تفاوتت عقول الخلائق، وظهرت حقائق الرجال، فأكثرُهم آثر الحلاوة المنقطعة على الحلاوة الدائمة التي لا تزول، ومن لم يحتمل مرارة ساعة لحلاوة الأبد، ولا ذُلَّ ساعةٍ لعزِّ الأبد، ولا محنة ساعة لعافية الأبد، فإن الحاضر عنده شهادة، والمنتظر غيب، والإيمان ضعيف، وسلطان الشهوة حاكم، فتوَلَّد من ذلك إيثار العاجلة، ورفضُ الآخرة، وهذا حال النظر الواقع على ظواهر الأمور، وأوائلها ومبادئها، وأما النظر الثاقب الذي يخرق حجب العاجلة، ويجاوزه إلى العواقب والغايات، فله شأن آخر.       فادْعُ نفسك إلى ما أعَدَّ الله لأوليائه وأهل طاعته من النعيم المقيم، والسعادة الأبدية، والفوز الأكبر، وما أعَدَّ لأهل البطالة والإضاعة من الخزي والعقاب والحسرات الدائمة، ثم اختر أيّ القسمين أليق بك، وكلٌّ يعمل على شاكلته، وكلُّ أحد يصبو إلى ما يُناسبه، وما هو الأولى به، ولا تستطل هذا العلاج، فشدة الحاجة إليه من الطبيب والعليل دعت إلى بسطه، وبالله التوفيق.       البلاء قد يكون منحة ونعمة:   النفوس تكتسبُ من العافية الدائمة والنصر والغنى طغيانًا وركونًا إلى العاجلة، وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والدار الآخرة، فإذا أراد بها ربُّها ومالكها وراحمها كرامته، قيَّض لها من الابتلاء والامتحان ما يكون دواء لذلك المرض العائق عن السير الحثيث إليه، فيكون ذلك البلاء والمحنة بمنزلة الطبيب يسقي العليل الدواء الكريه، ويقطع منه العروق المؤلمة لاستخراج الأدواء منه، ولو تركه لغلبته الأدواء حتى يكون فيها هلاكه.               [كتاب: الفوائد]   مشاهد على العبد ملاحظتها إذا جرى له مكروه يكرهُهُ:   إذا جرى على العبد مقدور يكرهُهُ، فله فيه ستة مشاهد:   أحدها: مشهد التوحيد، وأن الله هو الذي قدرهُ وشاءهُ وخلقهُ، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.       الثاني: مشهد العدل، وأنه ماضٍ فيه حُكْمُهُ، عدل فيه قضاؤه.       الثالث: مشهد الرحمة، وأن رحمته في هذا المقدور غالبة لغضبه وانتقامه، ورحمتهُ حشوهُ.       الرابع: مشهد الحكمة، وأن حكمته سبحانه اقتضت ذلك، لم يُقدره سُدًى، ولا قضاه عبثًا.       الخامس: مشهد الحمد، وأن له سبحانه الحمد التام على ذلك من جميع الوجوه.       السادس: مشهد العبودية، وأنه عبد محض من كل وجه، تجري عليه أحكام سيِّده وأقضيته بحكم كونه ملكه وعبده، فيُصرفه تحت أحكامه القدرية كما يصرفه تحت أحكامه الدينية، فهو محل لجريان هذه الأحكام عليه.   فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ شبكة الالوكة
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182272
    • إجمالي المشاركات
      2535553
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93223
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    chaima12
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×