اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57776
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109817
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180579
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259983
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8279
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32133
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4162
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30261
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      53036
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. قسم الاستشارات

    1. استشارات اجتماعية وإيمانية

      لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية

      المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات
      40675
      مشاركات
    2. 47551
      مشاركات
  6. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  7. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97011
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  8. سير وقصص ومواعظ

    1. 31796
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15479
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  9. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31147
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  10. مملكتكِ الجميلة

    1. 41315
      مشاركات
    2. 33887
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  11. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32201
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13114
      مشاركات
    3. 34855
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  12. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  13. IslamWay Sisters

    1. English forums   (37583 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  14. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • المتواجدات الآن   0 عضوات, 0 مجهول, 260 زوار (القائمه الكامله)

    لاتوجد عضوات مسجلات متواجدات الآن

  • العضوات المتواجدات اليوم

    2 عضوات تواجدن خلال ال 24 ساعة الماضية
    أكثر عدد لتواجد العضوات كان 8، وتحقق
  • أحدث المشاركات

    • ﴿ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١﴾] وأما قوله سبحانه: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) فتلك عهود جائزة لا لازمة؛ فإنها كانت مطلقة، وكان مخيراً بين إمضائها ونقضها. ابن تيمية:3/300.     ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦﴾] (حتى يسمع كلام الله) أي: القرآن؛ تقرأه عليه، وتذكر له شيئاً من أمر الدين، تقيم به عليه حجة الله... وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم. ابن كثير:2/322.     ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُۥ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٦﴾] أي: سأل جوارك؛ أي: أمانك وذمامك، فأعطه إياه ليسمع القرآن، أي: يفهم أحكامه، وأوامره، ونواهيه، فإن قبل أمراً فحسن، وإن أبى فرده إلى مأمنه. القرطبي:10/114.     ﴿ ۚ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّوا۟ سَبِيلَهُمْ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥﴾] ونبه بأعلاها على أدناها؛ فإن أشرف أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة التي هي حق الله عز وجل، وبعدها أداء الزكاة التي هي نفع متعدٍ إلى الفقراء والمحاويج، وهي أشرف الأفعال المتعلقة بالمخلوقين، ولهذا كثيراً ما يقرن الله بين الصلاة والزكاة. ابن كثير:2/321.     ﴿ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّوا۟ سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٥﴾] هذه الآية دالة على أن من قال: «قد تبت»؛ أنه لا يجتزأ بقوله حتى ينضاف إلى ذلك أفعاله المحققة للتوبة؛ لأن الله -عز وجل- شرط هنا مع التوبة إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة؛ ليتحقق بهما التوبة. القرطبي:10/114.     ﴿ وَأَذَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلْأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِىٓءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُۥ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣﴾] وهذا أمر للمسلمين بأن يأذنوا المشركين بهذه البراءة؛ لئلا يكونوا غادرين. ابن عاشور:10/108.     ﴿ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١﴾] قال علي بن أبي طالب: البسملة أمان، وبراءة نزلت بالسيف؛ فلذلك لم تبدأ بالأمان. ابن جزي:1/350.     ﴿ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٣﴾] وجيء بالشرط المتعلق بالمستقبل -مع أنه لا شك فيه- لقصد إثارة همتهم الدينية؛ فيبرهنوا على أنهم مؤمنون حقا؛ يقدمون خشية الله على خشية الناس. ابن عاشور:10/134.     ﴿ فَقَٰتِلُوٓا۟ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٢﴾] وخصهم بالذكر لعِظَم جنايتهم، ولأن غيرهم تبع لهم، وليدل على أن من طعن في الدين وتصدى للرد عليه فإنه من أئمة الكفر. السعدي:330.     ﴿ وَطَعَنُوا۟ فِى دِينِكُمْ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٢﴾] والطعن: هو أن ينسب إليه ما لا يليق به، أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدين لما ثبت من الدليل القطعي على صحة أصوله، واستقامة فروعه. القرطبي:10/123.     ﴿ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِى ٱلدِّينِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١١﴾] (فإن تابوا): من الشرك، (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم) أي: فهم إخوانكم (في الدين): لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم. البغوي:2/253     ﴿ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِى ٱلدِّينِ ۗ وَنُفَصِّلُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١١﴾] فعلق الأخوة في الدين على التوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والمعلق بالشرط ينعدم عند عدمه، فمن لم يفعل ذلك فليس بأخ في الدين. ابن تيمية:3/311.     ﴿ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٠﴾] فالوصف الذي جعلهم يعادونكم لأجله ويبغضونكم هو الإيمان؛ فذبوا عن دينكم، وانصروه، واتخذوا من عاداه لكم عدواً، ومن نصره لكم ولياً، واجعلوا الحكم يدور معه وجوداً وعدماً، لا تجعلوا الولاية والعداوة طبيعية؛ تميلون بهما حيثما مال الهوى، وتتبعون فيهما النفس الأمارة بالسوء. السعدي:330.     ﴿ ٱشْتَرَوْا۟ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا۟ عَن سَبِيلِهِۦٓ ۚ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٩﴾] استبدلوا بذلك (ثمنًاً قَليلاًً)، أي: شيئا حقيرا من حطام الدنيا؛ وهو أهواؤهم وشهواتهم التي اتبعوها. والجملة... مستأنفة كالتعليل لقوله تعالى: (وأكثرهم فاسقون)؛ فيه أن من فسق وتمرد كان سببه مجرد اتباع الشهوات، والركون إلى اللذات. الألوسي:5/251.     ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَجَٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٩﴾] سببها أن قوماً من قريش افتخروا بسقاية الحاج، وبعمارة المسجد الحرام؛ فبين الله أن الجهاد أفضل من ذلك. ابن جزي:1/353.     ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَجَٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٩﴾] يعني: الذين زعموا أنهم أهل العمارة، فسماهم الله ظالمين بشركهم، فلم تغن عنهم العمارة شيئاً. ابن كثير 2/327.     ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا ٱللَّهَ ۖ فَعَسَىٰٓ أُو۟لَٰٓئِكَ أَن يَكُونُوا۟ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٨﴾] وأَمَّا من لم يؤمن بالله ولا باليوم والآخر، ولا عنده خشية لله، فهذا ليس من عمار مساجد الله، ولا من أهلها الذين هم أهلها، وإن زعم ذلك وادَّعَاه. السعدي:331.     ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا ٱللَّهَ ۖ فَعَسَىٰٓ أُو۟لَٰٓئِكَ أَن يَكُونُوا۟ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٨﴾] فبين أن عمار المساجد هم الذين لا يخشون إلا الله، ومن لم يخش إلا الله فلا يرجو ويتوكل إلا عليه؛ فإن الرجاء والخوف متلازمان. والذين يحجون إلى القبور يدعون أهلها، ويتضرعون لهم، ويعبدونهم، ويخشون غير الله، ويرجون غير الله؛ كالمشركين الذين يخشون آلهتهم ويرجونها. ابن تيمية:3/327.     ﴿ ۗ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٥﴾] والتذييل بجملة: (والله عليم حكيم) لإفادة أن الله يعامل الناس بما يعلم من نياتهم، وأنه حكيم لا يأمر إلا بما فيه تحقيق الحكمة، فوجب على الناس امتثال أوامره. ابن عاشور:10/137.     ﴿ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ﴿١٤﴾ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٤﴾] وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى أنه جعل من جملة المقاصد الشرعية شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم. السعدي:331.     ﴿ قَٰتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿١٤﴾] قال تعالى عزيمة على المؤمنين، وبياناً لحكمته فيما شرع لهم من الجهاد مع قدرته على إهلاك الأعداء بأمر من عنده: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين). ابن كثير:2/325.     ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـًٔا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٥﴾] قال بعضهم: لن نغلب اليوم عن قلة، فوكلوا إلى هذه الكلمة، فكان ما ذكرناه من الهزيمة في الابتداء إلى أن تراجعوا. البغوي:10/149.     ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـًٔا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٥﴾] كانوا يومئذ [اثني] عشر ألفاً، فقال بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة، فأراد الله إظهار عجزهم، ففرَّ الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بقي على بغلته في نفر قليل، ثم استنصر بالله، وأخذ قبضة من تراب فرمى بها وجوه الكفار، وقال: (شاهت الوجوه)، ونادى بأصحابه فرجعوا إليه، وهزم الله الكفار. ابن جزي:1/354.     ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٥﴾] يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم، وإحسانه لديهم في نصره إياهم في مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله، وأن ذلك من عنده تعالى وبتأييده وتقديره، لا بعددهم، ولا بُعَددهم، ونبههم على أن النصر من عنده. ابن كثير:2/328.     ﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٤﴾] وخص الجهاد بالذكر من عموم ما يحبه الله منهم تنويها بشأنه، ولأن ما فيه من الخطر على النفوس، ومن إنفاق الأموال ومفارقة الإلف، جعله أقوى مظنة للتقاعس عنه، لا سيما والسورة نزلت عقب غزوة تبوك التي تخلف عنها كثير من المنافقين وبعض المسلمين. ابن عاشور:10/153.     ﴿ قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٤﴾] هذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء... وعلامة ذلك: أنه إذا عرض عليه أمران: أحدهما يحبه الله ورسوله، وليس لنفسه فيه هوى، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه، ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا لله ورسوله، أو ينقصه، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه على ما يحبه الله دل ذلك على أنه ظالم تارك لما يجب عليه. السعدي:332.     ﴿ قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٤﴾] وعيد لمن آثر أهله، أو ماله، أو مسكنه على الهجرة والجهاد. ابن جزي:1/354.     ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوٓا۟ ءَابَآءَكُمْ وَإِخْوَٰنَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّوا۟ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلْإِيمَٰنِ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٣﴾] (لا تتخذوا آباءَكُمْ وَإِخوانكم) الذين هم أقرب الناس إليكم، وغيرهم من باب أولى وأحرى، فلا تتخذوهم (أولياء إن استحبوا) أي: اختاروا على وجه الرضا والمحبة (الكفر على الإيمان). السعدي:332.     ﴿ ٱتَّخَذُوٓا۟ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَٰنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣١﴾] كانوا يأخذون بأقوال أحبارهم ورهبانهم المخالفة لما هو معلوم بالضرورة أنه من الدين؛ فكانوا يعتقدون أن أحبارهم ورهبانهم يحللون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، وهذا مطرد في جميع أهل الدينين... فحصل من مجموع أقوال اليهود والنصارى أنهم جعلوا لبعض أحبارهم ورهبانهم مرتبة الربوبية في اعتقادهم، فكانت الشناعة لازمة للأمتين ولو كان من بينهم من لم يقل بمقالهم كما زعم عدي بن حاتم؛ فإن الأمة تؤاخذ بما يصدر من أفرادها إذا أقرته ولم تنكره. ابن عاشور:10/170.     ﴿ ٱتَّخَذُوٓا۟ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَٰنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣١﴾] روي عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي عنقي صليب من ذهب، فقال لي: «يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك»، فطرحته، ثم انتهيت إليه وهو يقرأ: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)، حتى فرغ منها، قلت: إنا لسنا نعبدهم، فقال: «أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟» قال: فقلت: بلى، قال: «فتلك عبادتهم»، قال عبد الله بن المبارك: وهل بدل الدين إلا الملوك... وأحبار سوء ورهبانها. البغوي:2/273.     ﴿ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٩﴾] أي: لا يدينون الدين الصحيح، وإن زعموا أنهم على دين فإنه دين غير الحق؛ لأنه ما بين دِينٍ مُبَدَّلٍ وهو الذي لم يشرعه الله أصلاً، وإما دين منسوخ قد شرعه الله ثم غَيَّرَه بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فيبقى التمسك به بعد النسخ غير جائز. السعدي:334.     ﴿ قَٰتِلُوا۟ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعْطُوا۟ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَٰغِرُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٩﴾] (عن يد) أي: عن قهر وذل...وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «يعطونها بأيديهم، ولا يرسلون بها على يد غيرهم»...وقيل: عن إقرار بإنعام المسلمين عليهم بقبول الجزية منهم. البغوي:2/268.﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦٓ إِن شَآءَ ۚ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٨﴾] تعليق للإغناء بالمشيئة؛ لأن الغنى في الدنيا ليس من لوازم الإيمان، ولا يدل على محبة الله، فلهذا علَّقه الله بالمشيئة؛ فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان والدين إلا من يحب. السعدي:333.     ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦٓ إِن شَآءَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٨﴾] (وإن خفتم عيلة) أي: فقراً؛ كان المشركون يجلبون الأطعمة إلى مكة، فخاف الناس قلة القوت بها إذ مُنِع المشركون منها، فوعدهم الله بأن يغنيهم من فضله، فأسلمت العرب كلها، وتمادى جلب الأطعمة إلى مكة، ثم فتح الله سائر الأمصار. ابن جزي:1/355.     ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٢٨﴾] أي: خبثاء في عقائدهم وأعمالهم، وأي نجاسة أبلغ ممن كان يعبد مع الله آلهة لا تنفع ولا تضر، ولا تغني عنهم شيئاً؟! وأعمالهم ما بين محاربة لله، وصد عن سبيل الله، ونصر للباطل، ورد للحق، وعمل بالفساد في الأرض لا في الصلاح. السعدي:333.     ﴿ وَقَٰتِلُوا۟ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمْ كَآفَّةً ۚ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٦﴾] (واعلموا أن الله مع المتقين) فلتحرصوا على استعمال تقوى الله في سركم وعلنكم، والقيام بطاعته، خصوصاً عند قتال الكفار؛ فإنه في هذه الحال ربما ترك المؤمن العمل بالتقوى في معاملة الكفار الأعداء المحاربين. السعدي:336.     ﴿ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٦﴾] هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها؛ إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب دون الشهور التي تعتبرها العجم، والروم، والقبط. القرطبي:10/197.     ﴿ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٣٤﴾ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا۟ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [سورة التوبة آية:﴿٣٤﴾] يُقال: من أحب شيئاً وقَدَّمَه على طاعة الله عُذِّبَ به، وهؤلاء لما كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا الله عنهم عذبوا بها... هذه الأموال لما كانت أعز الأموال على أربابها كانت أضر الأشياء عليهم في الدار الآخرة. ابن كثير:2/336.   يتبع   الكلم الطيب  
    • هذه السورة التي أصبحت سلوى كل محزون، ورفيقَ كل مسافر، السورة التي إذا سمع المسلم آياتِها لا يجد من نفسه إلا المتابعة معها، والْمُضِيَّ معها حتى نهايتها، وكأنه يسمعها لأول مرة، وهذا لا يحدث مع أي سورة أخرى من سور القرآن الكريم.           وإذا نظرنا في هذه السورة، وفي هداياتها التي دلَّت عليها، نجد فيها عدة أمور؛ نذكرها فيما يلي:     أولًا: أن السورة تحذر من الحسد، وأنه قائم موجود حتى بين الإخوة أبناء الرجل الواحد، وأنه أحيانًا لا يكون سببه كثرة المال، أو قوة النفوذ، وإنما يكون سببه الحب والمشاعر الظاهرة بين الأب وابنه، وفي هذا تحذير للمؤمن أن يتحكم في مشاعره، ويضبطها بميزان الشريعة، ويَحذَر المؤمن كذلك أن يُراعي مشاعر الآخرين، فربما جرَّت عليه كلمةٌ أو معاملةٌ لم يُراعِ فيها الأطرافَ الأخرى ويلاتٍ، كان في غِنًى عنها.           ثانيًا: أهمية العِفَّة في حياة المسلم، وخاصةً الشباب، سيما الشابُّ المغتربُ عن أهله، فإذا اغتربتَ عن أهلك، فإنك لم تغترِبْ عن ربِّك، الذي يراك في كل أحوالك، فنبيُّ الله يوسف تعرَّض لدعوة قلَّ مَن يتعرض لمثلها، من المرأة صاحبة المنصب والجمال، ومع ذلك دفعه الإيمان بالله تعالى إلى الامتناع عن الموافقة على فعل الفاحشة، وفي هذا رسالة للشاب الذي يبذل كل جهد، ويضرب في كل أرض، بحثًا عن علاقة عابرة محرمة مع امرأة لا تحِلُّ له، وأنه يتمنى لو عُرِضَ عليه ما عُرِضَ على يوسف، لَبَادَرَ واستجاب.           ثالثًا: أنَّ بذلَ المعروف يَقِي المرءَ سوءَ الوقائع، ويردُّ الناسَ عن أذى صاحب المعروف؛ فيوسف عليه السلام قال في سبب امتناعه عن موافقة المرأة على الفاحشة: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [يوسف: 23]، وإذا كان المقصود بالربِّ هنا هو عزيز مصر، فإن إحسانه إلى يوسف مَنَعَ الفاحشةَ أن تقع في أهله وفي بيته، وصرفها الله تعالى عن أهل بيته، وكذلك على المرء أن يحفظ لأهل المعروف معروفَهم، ولا يؤذيهم بشيء لا من قريب ولا من بعيد.           رابعًا: وهي القيمة العظمى في هذه السورة؛ ألَا وهي قيمة وخلق الإحسان، فقد تكررت هذه الكلمة، وهذا الفعل في هذه السورة سبع مرات:     ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 22].           ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ [يوسف: 23].           ﴿ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 36].           ﴿ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 56].           ﴿ فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 78].           ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].           ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾ [يوسف: 100].           وإذا رأينا مراتب الدين؛ التي هي الإسلام والإيمان والإحسان، وجدنا أن الإحسان أعلاها مرتبة؛ وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).           فيحرص المؤمن على الإحسان إلى الخَلْقِ قدرَ ما يستطيع؛ ففيه نفع لنفسه، ونفع للآخرين، وفيه دفع من الله تعالى للشرور والأذى عنه، ما لا يعلم صاحب الإحسان به.            الأمر الخامس - أيها المسلمون - من هدايات هذه السورة الكريمة، وهو من الأمور اللافتة في هذه السورة، وهو ما يتوافق مع خلق الإحسان؛ وهو خلق العفوِ، وقد تجلَّى في شخصية يوسف عليه السلام في العفو عن إخوته؛ لما مكَّنه الله تعالى منهم: ﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92].           وفي عفوه عن النساء اللاتي حاوَلْنَ التغرير به.           وفي عفو نبي الله يعقوب عليه السلام عن أبنائه بعد ما فعلوه في أخيهم يوسف: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ﴾ [يوسف: 97].           الأمر السادس: أن المؤمن في كل حالاته ينفع الآخرين، فيوسف عليه السلام وهو في محنة السجن كان الرجل الأبرز في خدمة الآخرين ونفعهم، والتخفيف عنهم؛ كما وصفه صاحبا السجن: ﴿ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 36]؛ أي: إنه كان محسنًا للسجناء الآخرين، فلم تمنعه محنته، والظلم الذي وقع عليه من نفع الآخرين، ولم ينطوِ على نفسه يتحسَّر، ويلوم الزمان وأصحاب الزمان؛ فهو عليه السلام كان متعايشًا مع الوضع الصعب الذي كان فيه، يعيش في السجن وكأن السجن هو عالمه، فهو يعبد الله في السجن، ويدعو إلى الله في السجن، وينفع الآخرين ويداويهم ويطعمهم وهو في السجن، فالمؤمن كالغيثِ أينما وقع نَفَعَ، وهذا يدفع الإنسان المؤمن أن يتعايش مع كل الظروف التي يكون فيها، مهما كانت صعبة أو عسيرة، وينجو بنفسه من أمراض الاكتئاب، أو السلبية واليأس من الحياة، فهذا نبي يوسف في السجن، وذاك نبي الله يونس في بطن الحوت يسبِّح الله تعالى: ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87].           الأمر السابع: وهو من أغرب المواقف في شأن يوسف في هذه السورة، بل هو أغربها عند النظر والتأمل في فهم شخصية يوسف عليه السلام: ﴿ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ [يوسف: 42]، هل لاحظتم بعد موقف النسيان من صاحب يوسف في السجن، أن يوسف لم يقابله بعتبٍ ولا سؤال عن النسيان، وأنه لم يتذكره إلا وقت الحاجة إليه وإلى علمه، فلم يعنِّفه بشيء، ولم يوبِّخه بكلمة، بل أجابه فورًا: ﴿ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ﴾ [يوسف: 45 – 47].           لم يتفوَّه بشيء من عتاب الناس في مثل هذه الحالات، بل فسَّر الرؤيا وكأنه لم يقل لهذا الرجل شيئًا عن حاله فيما سبق من الأيام والسنين.           فلماذا يكون المرء كثيرَ العتاب، كثير السؤال، يحلِّل كل موقف، ويفسِّر كل تصرف على أنه ضده، وأن المقصود هو لا غيره، والتقليل من شأنه؟ وليعلم المغرور في نفسه أن الناس لا يحبون كثيرَ العتب، فبسبب كثرة عتبه، وكثرة لومه، فإن الآخرين ينفرون منه، ويستثقلون وجوده، ويهربون من صحبته، فاقْبَلِ الناس على ما هم عليه، ولا ترجُ منهم فوق ما يستطيعون.           وليكن للمرء أسوة في نبي الله يوسف، فلن يبلغ أحد المكانة التي بلغها، ولن يُنسى النسيانَ الذي أُنسيه.           الأمر الثامن: وهو في شأن التغافُلِ؛ أن يترفَّع المؤمن عن كثير من الأقوال التي يسمعها، أو الأوصاف التي تبلغه: ﴿ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 77].           تجاوَزْ عن الكلمات الجارحة، ولا تكن سيفًا لا تفوته شاردة ولا واردة، واحمِلْ أقوالَ إخوانك على محامل العذر، ولا تبحث ولا تفتش عن الأقوال المسيئة لك، فلن تجنيَ منها إلا التعب، وضيق الصدر، ووحشة النفس، وفَقْدَ الثقة بالآخرين.           الأمر التاسع: وهو الأخير؛ كما قال ابن الجوزي رحمه الله، وهو الذي امتنع عن قراءة سورة يوسف خمس سنين لما اغترب عن بغداد في واسط، بعد أن وشى به الواشون: "قرأت بواسط مدة مقامي بها كل يوم ختمة، ما قرأت فيها سورة يوسف من حزني على ولدي يوسف، وشوقي إليه".           قال ابن الجوزي: "الظلم ظلمات، ولا بد أن يلقى الظالم جزاءه وإن طالت حبال الأيام، وتأمل لما امتدت أيدي الظلم من إخوة يوسف: ﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ﴾ [يوسف: 20]، امتدت أكفُّهم بين يديه بالطلب يقولون: ﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ﴾ [يوسف: 88]".       ساير بن هليل المسباح شبكة الالوكة
    • {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:٥٦]

      إن من الناس -والعياذ بالله- من استولى اليأس والقنوط على قلبه فتراه يتلفظ بألفاظ ينبأ عن مدى ما هو عليه من إحباط ويأس واستبعاد للفرج والنصر ويأس من الرحمة، وهذه كلها ليست من أخلاق المؤمنين الموحدين ..
      إن جميع ما يحصل في الكون من شدة وبلاء عامًّا كان أو خاصًّا، وتسلط الكفار والفجار على المسلمين كل ذلك بتقدير العزيز الحكيم، وابتلاء للخلق حتى يراجعوا دينهم ويصححوا مسيرتهم، (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الروم: 36- 37]. وقال تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ * وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ * وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ * وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: 27- 30].
      إن اليأس والقنوط مرضان خطيران يقعدان عن العمل، ويصيبان النفس بالزجر، ويملأن القلب بالغم والحزن تتكدر مع اليأس والقنوط الحياة، وتضيق معهما الدنيا على سعتها ورحابتها. ولهذا كان موقف الإسلام من اليأس والقنوط موقفًا حاسمًا كما مر في الآيات السابقة، وأما الأحاديث النبوية فإن النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد المتفائلين في أحلك الظروف وأقسى الأحوال كان يربّي أصحابه رضي الله عنهم على الحذر من اليأس والقنوط وينفّرهم من هذين الخُلقين الذميمين .. سأله رجل فقال يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: «الشرك بالله واليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله».
      وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثَةٌ لا تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ يُنَازِعُ اللَّهَ رِدَاءَهُ، فَإِنَّ رِدَاءَهُ الْكِبْرِيَاءُ وَإِزَارَهُ الْعِزَّةُ، وَرَجُلٌ شَكَّ فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ». وعن حَبَّةَ وَسَوَاءٍ ابْنَيْ خَالِدٍ قالا رضي الله عنهما: دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعالج شيئًا فأعناه عليه،فقال :" لا تيأسا من الرزق ما اهتزت رءوسكما، فإن الإنسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشر ثم يرزقه الله عز وجل".
      أيها الإخوة في الله: كم تطيب الحياة وتسر يوم يشع الفأل والأمل، وكم هي الحياة مبهجة يوم يعيش العبد فيها محسن الظن بخالقه منتظرًا فرج الله ورحمته ونصره وتيسيره ولطفه. لقد كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه الفأل الحسن وكان يقول: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل».
      الكلمة الحسنة سمة طيبة، لقد عاش صلى الله عليه وسلم حياته كلها متفائلاً لم يعرف اليأس والقنوط إلى قلبه سبيلاً في جميع الأحوال والأهوال التي أحاطت به، يبلغ الأذى وتعذيب الكفار لأصحابه ما يبلغ وهم في خوف وضعف، ثم يبشرهم صلى الله عليه وسلم بقرب الفرج فيقول لهم: «والله ليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون». يحيط به الكفار في غار ثور يريدون قتله، ويقفون على رأس الغار ليذبوا الخوف إلى قلب الصديق رضي الله عنه ويقول: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا، فيجيبه الرسول صلى الله عليه وسلم بلغة كلها ثقة بربه وتفاؤل بنصر خالقه وثقة بقرب الفرج من الله: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما». تحيطه الأحزاب بالمدينة من كل جانب ويبلغ الخوف بأصحابه مبلغًا عظيمًا، فيبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح المدائن ..
      إنه التفاؤل الحق المقرون بحسن العمل وبذل المستطاع من الأسباب، ألا فلنشع التفاؤل بيننا ولنطرد اليأس والقنوط من حياتنا، إن أمسكت السماء واشتد الجدب أمّلنا بربنا خيرًا وانتظرنا الفرج منه وقرب رحمته سبحانه وتعالى ..
      إذا ضاقت أمور الرزق والمعيشة بأحدنا لم ينقطع رجاءه بالكريم الرزاق أبدًا الذي يرزق الحيتان في قعر البحار والوحوش في القفار والطيور في مهامه الصحراء والوديان والجبال. إذا ساءك خُلق أبنائك وتصرفاتهم تفاءل خيرًا بمن بيديه قلوب العباد يقربها كيف يشاء وألح بالدعاء إليه فإنه سميع قريب مجيب .
      إذا اشتد بك المرض وطال بك السقم وتوالت عليك الأوجاع فتذكر نبي الله أيوب عليه السلام وقوله: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء: 83] فأعقب هذا الدعاء بقوله (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 84]. إذا اشتملتْ على اليأس القلوبُ *** وَضَاْقَ بِمَا بِهِ الصَّدْرُ الرَّحِيْبُ
      وأوطنت المكارهُ واستقرت *** وَأَرْسَتْ فِي أَمَاكِنِهَا الخُطُوْبُ
      ولم ترَ لانكشاف الضرِّ وجهاً *** ولا أغنى بحيلته الأريبُ
      أتاكَ على قنوطٍ منك غوثُ *** يمنُّ به اللطيفُ المستجيبُ
      وكلُّ الحادثاتِ إذا تناهتْ *** فَمَوْصُولٌ بِهَا فَرَجٌ قَرْيَبُ  
      لقد جرت سنة الله عز وجل الذي أن الابتلاء يعقبه التمكين، وأن الصبر يتلوه الفرج والنصر والظفر .. إنهم وإن صالت دولة الباطل وجالت وظلمت واعتدت لكن نهايتها إلى زوال وهزيمة، فدولة الباطل مهما عظمت ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].

      خالد بن سعد الخشلان
      ملتقى الخطباء


      {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:٥٦]

      اليأس ضلالة .. وفيك من الهداية بقدر ثقتك برحمة ربك

      تأمل {إلا الضّالون} أولئك الذين يشعرون أن أحوالهم الصعبة لن تتغير !!.. حقاً الذنوب عظيمة ياعزيزي ، وإن تشعر باليأس بعدها فهو أعظم .. لكن كيف تقنط من رحمة الله وأنت تعلم أنه يغفر الذنوب جميعا ؟! .. استغفر وعد إليه واعلم أن الله يفرح بعبده التائب

      التفاؤل وحسن الظن بالله يثمر الهداية وانشراح الصدر ..والإنابة إلى الله هي طريق النجاة والسلامه والحق ، وتذكر إن أتيت الله ماشيا أتاك هروله .. فماذا تنتظر ؟!
      ابتعد عن مجتمع المخذلين والمقنطين والمتشائمين لكي تستمتع بعبادة انتظار الفرج ... وسيأتيك ..
    • {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:٥٥]
      من المضامين التربوية التي تضمنتها الآية الكريمة ما يأتي:
      أولًا: تتضمَّن أمرًا إلهيًّا عامًّا بالتذكير، وهو يدخل ضمنًا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي قال الله تعالى فيه: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]، وقـال تعــالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]، وقـال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41]، وقال تعـالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [التوبة: 71].   ثانيًا: يعتري الإنسان حالات من الضعف البشري؛ كالنسيان، والغفلة، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنما سمي الإنسان؛ لأنه عُهد إليـه فنسي ولذلك فهو بحاجة إلى التذكير من أخيه الإنسان بصفة دائمة؛ بل هو واجبٌ وحقٌّ شرعيٌّ له مـن باب ((الدين النصيحة))، وفي هذه الأيام تشتدُّ الحاجة إلى التذكير؛ لكثرة المشاغل والمصارف الدنيوية التي أفرزتها الحياة المعاصرة، فكثيرٌ منَّا أصبح مشغولًا صباحًا ومساءً بأمور الدنيا، ونسينا وغفلنا عن كثير من الواجبات الشرعية التي تزيدنا قُرْبًا من الله تعالى. ولذلك كان لزامًا على الجميع دون استثناء تذكيرُ بعضنا بعضًا وعدم التقاعس أو التخلِّي عن هذا التوجيه المهم؛ لأن فيه صلاح الناس، وبصلاحهم يصلح المجتمع، وتصلُح الأُمَّة، ويحصل الخير، ويعـمُّ الأمــن والرخاء، ويصدق ذلك قول الله تعــــــــــــالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]، وقوله تعالى: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3].   ثالثًا: اختيار الوقت والمكان المناسبين للتذكير، وهذا أمر مهمٌّ جدًّا لكي يحقق التذكير الفائدة المرجوَّة منه، فالإمام الخطيب مثلًا: يجتهد في أن تكون خطبته في قضية من قضايا الساعة، فإذا هلَّ شهر رمضان، تناول ما يجب على الصائم فعله، وما يجب عليه تركه، وكذلك في أشهر الحج، وهكذا كل مناسبة يتناول ما يناسبها مــن التذكير والوعظ، فلكل مقامٍ مقالٌ، كما لا يفوته أيضًا التذكير بما يعين على الأخوَّة الإسلامية وتماسُك المجتمع، وما يُحقِّق للمجتمع والأُمَّة الخير والفائدة والتقدُّم والرُّقي.   رابعًا: كل ما كان هناك مراعاة لأحوال المراد تذكيرهم: من حيث لغة التخاطُب، ونفسيَّاتهم، ومشاعرهم، وأعمارهم، وأحوالهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وما إلى ذلك، كان التذكير أكثر وضوحًا وبيانًا ونفعًا؛ ولذا قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [إبراهيم: 4].   خامسًا: أن يحرص الجميع على تخصيص مساحة ولو دقائق معدودة يوميًّا للتذكير، فالموظف في عمله بحاجة للتذكير بأهمية الأمانة في العمل وإنجازه بالدقة المطلوبة وفي الوقت المحدد، والأولاد بحاجة للتذكير بالاهتمام بالصلاة والمحافظة عليها، والاهتمام بواجباتهم المدرسية وإنجازها ومراجعتها، والتلميذ في مدرسته والطالب في جامعته بحاجة للتذكير، وكُلٌّ في موقعه بحاجة للتذكير، فتخصيص وقت يسير في حدود خمس إلى عشر دقائق للتذكير بين فترة وأخرى فيه خيرٌ كثيرٌ ونفْعٌ كبير إن شاء الله تعالى.   سادسًا: تواجه عملية التذكير بعض الصعوبات؛ كإعراض المراد تذكيرهم وعدم مُبالاتهم، أو الاستهزاء والسخرية؛ ولذلك يتطلب من المُذَكِّرْ أن يكون هدفه الأساس من التذكير وجه الله تعالى، ويستشعر عظمة هذا العمل، وحسن الجزاء من الله تعالى، وأن يكون قُدْوته في هذا العمل الجليل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفي مقدِّمتهم خاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يتذكر ما لاقوه من إعراض واستهزاء وسخرية؛ بل وصل الأمر إلى شتمهم وضربهم وطردهم من ديارهم وحتى قتلهم.     د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي     {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:٥٥]
        إذا تحركت نفسك للذكرى وانتفعت بها كان ذلك مؤشر إيمانك . صباحك ذكرى تنفعك

      كثيرون هم الذين لايحتاجون أن تضيف لهم معلومة جديدة ، أو أن تحل مشكلتهم بطريقة مختلفة لأنهم يعرفون ذلك .. إنما حاجتهم أن توقظ لديهم شيء مستتر ، أو تهيء لهم أجواء مناسبة ليتقبلوا ماستقوله لهم ، لذلك يكثر في القرآن استخدام إسلوب التذكير والذكرى ...

      أعظم وأهم قضايا التذكير هي في قضية عبادة الله تعالى وإطاعته في أوامره ونواهيه ، والتذكير بصفات الإيمان الحق ، وخاصة تذكيرك لعائلتك ، فأنت مسؤول عنها أمام الله ، كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته .. فهل نقوم بواجبنا ؟! الجواب في حال المجتمع اليوم !!.  
    • الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله أجمعين؛ أما بعد:

      فقد قال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية: "وأصول أهل السنة والجماعة تابعة لما جاء به الرسول، وأصل الدين: الإيمان بما جاء به الرسول، كما تقدم بيان ذلك، ولهذا كانت الآيتان من آخر سورة البقرة لمَّا تضمنتا هذا الأصل، لهما شأن عظيم ليس لغيرهما؛ ففي الصحيحين عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلةٍ، كَفَتَاهُ))[1].


      ما جاء في فضلهما:

      عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أُعطيتُ خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش، ولم يُعْطَهُنَّ نبيٌّ قبلي))[2].


      وعن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام، أنزل منه آيتين، ختم بهما سورة البقرة، لا يُقرأان في دار ثلاثَ ليالٍ فيقربها شيطان))[3].


      وعن ابن عباس، قال: ((بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم، سمِع نقيضًا من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فُتح اليوم لم يُفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملَك، فقال: هذا ملَك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلَّم، وقال: أبشِرْ بنورَين أُوتيتَهما لم يؤتَهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أُعطيتَه))[4].


      وعن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلةٍ، كَفَتَاهُ))[5].


      فقوله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ... في ليلة)): والقراءة في الليل تكون على حالتين:

      في الصلاة: ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ بمائة آية في ليلةٍ، كُتب له قنوت ليلة))[6]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فشقَّ ذلك عليهم وقالوا: أيُّنا يُطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: الله الواحد الصمد ثلث القرآن))[7]، وهذه أفضل الحالات وأكملها، وأرجحها في معنى الحديث، ولأن الملَك لما نزل بالبشارة جمع بينهما وبين الفاتحة، فقال: ((أبشر بنورين أوتيتَهما لم يؤتَهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته)).


      وقد تكون هذه من السنن المهجورة، فالناس لا يكادون يتركون سورة الإخلاص في قيامهم، ولا يكاد أحد يقوم بهاتين الآيتين مع عِظَمِ أجرهما.


      خارج الصلاة: ومنه قوله صلى الله عليه وسل: ((إذا أخذت مضجعك، فاقرأ: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، ثم نَمْ على خاتمتها؛ فإنها براءة من الشرك))[8]، ومنه قول الشيطان لأبي هريرة: ((إذا أويتَ إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي، لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تُصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان))[9]، ومنه قول ابن عباس: ((استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شنٍّ معلقة، فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي))[10].


      وقوله صلى الله عليه وسلم: ((كفتاه))[11]: جاء معناه مبيَّنًا ببشارة الملَك في قوله: ((لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته))، والمراد بـ (الحرف) أجزاء الكلمات من حروف التهجي، فقد ورد: "إن لكل حرف من القرآن جزاءً، وعليه ثوابًا".


      وقد وردت الكفاية في الحديث بسور أخرى من القرآن الكريم؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((قل: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، والمعوذتين حين تمسي وتصبح ثلاثَ مرات، تكفيك من كل شيء))، فقوله: ((تكفيك)) جاء مبيَّنًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا عقبةُ، ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1] و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1] ما تعوَّذ بمثلهن أحدٌ))[12]، فالمعوِّذات تكفي بما اشتملت عليه من عقيدة وتعوُّذ، وكذلك أواخر سورة البقرة تكفيان بما اشتملتا عليه من عقيدة وانقياد ودعاء، وكلاهما مشتق من: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]؛ إذ إن نصفهما دعاء عبادة، ونصفهما الآخر دعاء مسألة.


      فالآيتان من آخر سورة البقرة تكفيان فيما يتعلق بالاعتقاد، فالعقيدة موجودة ومتضمنة في هاتين الآيتين؛ لأنهما اشتملتا على أمور الإيمان وأعماله وأصوله؛ وهي الإيمان بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر[13].


      وتكفيان بما وعد الله الذين لم يفرقوا بين الرسل بقولهم: ﴿ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴾ [البقرة: 285] بالمثوبة والأجر الكريم؛ قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 152].


      وتكفيان فيما يتعلق بالاتباع والتسليم والانقياد؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابته: ((أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابَين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير، قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير))[14]، وهذا القول عهدٌ وميثاق، فليحذر القارئ أن ينوي نقضه في الصباح؛ قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [المائدة: 7]، وقد وعد الله الذين يطيعون الله ورسوله بالفلاح والفوز العظيم؛ فقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 51، 52].


      وتكفيان بإجابة الدعاء الذي في آخر السورة، وهو من الدعاء الذي ينبغي أن يُحفظ وأن يُدعى به كثيرًا، وهو من جوامع الدعاء، ومن سأل الله تعالى به أعطاه؛ ((فإذا قال العبد: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286]؛ قال الله: نعم، ﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ﴾ [البقرة: 286]، قال: نعم، ﴿ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾ [البقرة: 286]، قال: نعم، ﴿ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286]، قال: نعم))[15].


      ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286]: النسيان عكس الحفظ، وهو السهو والغفلة عن الشيء؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ [الكهف: 24]، أما الخطأ: فالمراد به هنا ما لم يتعمده المسلم؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [الأحزاب: 5]، وعن أبي ذر الغفاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استُكرهوا عليه))[16]، وعن أبي موسى الأشعري: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جِدِّي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي))[17]، فالخطأ غير الخطيئة، والنسيان غير نسيان الترك؛ الذي قال الله عنه: ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾ [التوبة: 67].


      ﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا ﴾ [البقرة: 286]؛ أي: عهدًا وميثاقًا لا نطيقه، ولا نستطيع القيام به.


      ﴿ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾ [البقرة: 286]؛ أي: ما فوق طاقتنا وقدرتنا من المصائب والبلايا، والمحن والعقوبات في الدنيا والآخرة.


      ﴿ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ﴾ [البقرة: 286]: العفو هو إزالة الذنب ومحوه بترك العقوبة، والمغفرة ستر الذنب، والرحمة إفاضة الإحسان، فالمغفرة أبلغ من العفو، والرحمة أبلغ من المغفرة؛ قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].


      ﴿ أَنْتَ مَوْلَانَا ﴾ [البقرة: 286]: أي: الذي يتولى أمورنا بالهداية والتوفيق، والتثبيت والحفظ والنصر.


      ﴿ فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286]، وكلمة قوم مشتقة من (ق و م) الذي يدل على القيام، وهم الجماعة الذي يقومون لأمر معين، سواء أكانوا من الإنس أو من الجن؛ كقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 29]؛ أي: انصرنا على البشر منهم في إقامة الحُجة عليهم، وفي غلبنا إياهم في حربهم وسائر أمرهم، حتى تُظهر ديننا على الدين كله، وما أحوجنا إلى هذه الدعوات في مثل هذه الأيام العصيبة! فقد حدث ما حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم منه؛ إذ قال: ((ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم))[18].


      وانصرنا على الجن منهم بالإيمان والذكر والعمل الصالح؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المؤمن لَيُنضي شياطينه، كما ينضي أحدكم بعيره في السفر))[19]؛ أي: يهزله ويجعله نضوًا، والنضو: دابة هزلتها الأسفار وأذهبت لحمها؛ وعن أنس بن مالك، قال: ((مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقومٍ يصطرعون، فقال: ما هذا؟ فقالوا: يا رسول الله، فلان الصريع، لا ينتدب له أحد إلا صرعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألَا أدلكم على من هو أشد منه؟ رجل ظلمه رجل، فكظم غيظه فغلبه، وغلب شيطانه، وغلب شيطان صاحبه))[20]، وانصرنا عليهم بهاتين الآيتين؛ فعن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام، أنزل منه آيتين، ختم بهما سورة البقرة، لا يُقرأان في دار ثلاثَ ليالٍ فيقربها شيطان)).


      فمن قرأ بهاتين الآيتين في ليلة، إيمانًا وتصديقًا وبتدبر وحضور قلب، أُثيب على العبادة، واستُجيب له في المسألة؛ وإلا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ))[21].


      فتعتبر قراءة هاتين الآيتين تجديدًا أو زيادة للإيمان، فالمسلم في يومه قد يضعف إيمانه بسبب ذنوبه وأخطائه ونسيانه؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الإيمان لَيخلُق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدِّد الإيمان في قلوبكم))[22]؛ قال المناوي في شرحه لهذا الحديث: "شبَّه الإيمان بالشيء الذي لا يستمر على هيئته، والعبد يتكلم بكلمة الإيمان، ثم يدنسها بسوء أفعاله، فإذا عاد واعتذر، فقد جدد ما أخلق، وطهر ما دنس"[23].


      والله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وبسط اليد: استعارة في قبول التوبة؛ قال المازري: "المراد به قبول التوبة، وإنما ورد لفظ بسط اليد؛ لأن العرب إذا رضِيَ أحدهم الشيء بسط يده لقبوله، وإذا كرهه قبضها عنه، فخُوطبوا بأمر حسيٍّ يفهمونه؛ وكذلك لما كانت التوبة كالمبايعة والمعاهدة، حصل ضرب مِثل هذا المَثل لها".


      والمسلم وإن كان متصفًا بالعبودية والإيمان والاتباع لا يخلو عن زلَّة ما؛ بمقتضى ما جُبل عليه من الخطأ؛ كما في الحديث: ((كل بني آدم خطَّاء))، فناسب أن يختم يومه بما يفيء به من الزلة والخطأ إلى الاستقامة والصواب، وهو التوبة التي كانت طريق الفيئة والتدارك لأبيه آدم عليه السلام ليكون من خير الخطائين؛ إذ خير الخطائين التوابون، والعِبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات.


      وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وسلم تسليمًا كثيرًا.


      .................




      [1] شرح العقيدة الطحاوية (طبعة الأوقاف السعودية): 278.

      [2] صحيح الجامع: 1060.

      [3] صحيح الترمذي: 2882.

      [4] صحيح مسلم: 254 (806).

      [5] صحيح البخاري: 5009.

      [6] الصحيحة: 644.

      [7] صحيح البخاري: 5015.

      [8] صحيح الجامع: 292.

      [9] صحيح البخاري: 3275.

      [10] صحيح النسائي: 1620.

      [11] أما ما يُروى موقوفًا عن أبي مسعود: ((من قرأ خاتمة البقرة أجزأت عنه قيام ليلة))، فلا يستقيم متنًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين))، فكيف تُجزئ عنه وهما آيتان؟ ولا سندًا: انظر قول المحدثين عن عاصم بن أبي النجود، فإنه وإن كان قمة في القراءة، فإنه غير ذلك في الحديث.

      [12] صحيح النسائي: 5430.

      [13] ﴿ وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]: أي: نحن مقرُّون بالبعث.

      [14] صحيح مسلم: 199 (125).

      [15] صحيح مسلم: 199 (125).

      [16] صحيح ابن ماجه: 2043.

      [17] صحيح مسلم: 70 (2719).

      [18] صحيح ابن ماجه: 4019.

      [19] الصحيحة: 3586.

      [20] الصحيحة: 3295.

      [21] صحيح الترمذي: 3479.

      [22] صحيح الجامع: 1590.

      [23] فيض القدير: ج 2/ ص 410.




      محمد حباش
  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      182401
    • إجمالي المشاركات
      2535850
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93275
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    خلود محمد متولي
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×