المنتديات
-
"أهل القرآن"
-
ساحة القرآن الكريم العامة
مواضيع عامة تتعلق بالقرآن الكريم
المشرفات: الملتزمة المتفائلة, ام جومانا وجنى- 57440
- مشاركات
-
ساحات تحفيظ القرآن الكريم
ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]- 109817
- مشاركات
-
ساحة التجويد
ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح
- 9066
- مشاركات
-
-
القسم العام
-
الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"
للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة
المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات- 284
- مشاركات
-
- 180546
- مشاركات
-
شموخٌ رغم الجراح
من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.
المشرفات: مُقصرة دومًا- 56695
- مشاركات
- المقاومة جهاد
- بواسطة أمّ عبد الله
-
- 259983
- مشاركات
-
شكاوى واقتراحات
لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره
- 23500
- مشاركات
-
-
فتياتنا الجميلات
-
- 204494
- مشاركات
- ♥♥ زخــات الحب ♥♥
- بواسطة حواء أم هالة
-
- 117096
- مشاركات
- صويحباتي
- بواسطة أمّ عبد الله
-
- 136895
- مشاركات
-
- 20372
- مشاركات
- مذكرة فتاة مسلمة
- بواسطة مناهل ام الخير
-
-
ميراث الأنبياء
-
قبس من نور النبوة
ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها
المشرفات: سدرة المُنتهى 87- 8250
- مشاركات
-
مجلس طالبات العلم
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"
المشرفات: جمانة راجح, ميرفت ابو القاسم- 32133
- مشاركات
-
- 4162
- مشاركات
- أسئلة نحوية (2)
- بواسطة امانى يسرى محمد
-
أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة
يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم
المشرفات: إشراف ساحة الأحاديث الضعيفة- 3918
- مشاركات
-
- 25483
- مشاركات
-
- 1677
- مشاركات
-
-
الملتقى الشرعي
-
- 30256
- مشاركات
-
الساحة العقدية والفقهية
لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.
المشرفات: أرشيف الفتاوى- 53006
- مشاركات
-
أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية
يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية
المشرفات: أرشيف الفتاوى- 19530
- مشاركات
-
- 6678
- مشاركات
-
-
قسم الاستشارات
-
استشارات اجتماعية وإيمانية
لطرح المشاكل الشخصية والأسرية والمتعلقة بالأمور الإيمانية
المشرفات: إشراف ساحة الاستشارات- 40679
- مشاركات
-
- 47551
- مشاركات
- كتلة مشتبه بها في الثدي
- بواسطة Nibras
-
-
داعيات إلى الهدى
-
زاد الداعية
لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.
المشرفات: جمانة راجح- 21004
- مشاركات
- أهم صفات الداعية
- بواسطة أمّ عبد الله
-
إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية
إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.
- 776
- مشاركات
-
-
البيت السعيد
-
بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]
المشرفات: جمانة راجح- 6306
- مشاركات
-
- 97009
- مشاركات
- عاشروهن بالمعروف
- بواسطة أمّ عبد الله
-
آمال المستقبل
"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء
المشرفات: ~ محبة صحبة الأخيار~- 36838
- مشاركات
-
-
سير وقصص ومواعظ
-
- 31793
- مشاركات
- حكاوينا
- بواسطة حواء أم هالة
-
القصص القرآني
"لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"
المشرفات: ** الفقيرة الى الله **- 4883
- مشاركات
-
- 16438
- مشاركات
-
سيرة الصحابة والسلف الصالح
ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."
المشرفات: سدرة المُنتهى 87- 15479
- مشاركات
-
على طريق التوبة
يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.
المشرفات: أمل الأمّة- 29721
- مشاركات
-
-
العلم والإيمان
-
العبادة المنسية
"وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس
- 31147
- مشاركات
-
- 12926
- مشاركات
-
-
إن من البيان لسحرًا
-
- 50492
- مشاركات
- صفو الاكدار
- بواسطة أسما المشد
-
-
مملكتكِ الجميلة
-
- 41313
- مشاركات
-
منزلكِ الجميل
تصاميم.. لمسات تجميلية.. نصائح.. متعلقة بمنزلكِ
- 33883
- مشاركات
-
الطيّبات
- الأطباق الرئيسية
- قسم الحلويات
- قسم المقبلات
- قسم المعجنات والمخبوزات
- منتدى الصحة والرشاقة
- تطبيقات الطيبات
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
[البقرة : 172]- 91746
- مشاركات
-
-
كمبيوتر وتقنيات
-
- 32199
- مشاركات
-
جوالات واتصالات
قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة
- 13114
- مشاركات
- انشاء تطبيق بدون برمجة وتع…
- بواسطة Guest مريم السيد مصطفى
-
- 34854
- مشاركات
- تصميم مواقع
- بواسطة Hannan Ali
-
- 65605
- مشاركات
-
وميضُ ضوء
صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا
المشرفات: محبة للجنان, ** الفقيرة الى الله **- 6120
- مشاركات
-
الفلاشات
- || لَوْحَہٌ مِنْ اِبْدَاعِے ||
- || سَاحَہ الفلاَشْ اَلْتَعْلِيمِيَہْ ||
- || حَقِيَبہُ الْمُصَمِمَہْ ||
ساحة خاصة بأفلام الفلاشات
المشرفات: محبة للجنان, مُقصرة دومًا- 8966
- مشاركات
-
المصممة الداعية
يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات
- 4925
- مشاركات
-
-
ورشة عمل المحاضرات المفرغة
-
ورشة التفريغ
هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)
- 12904
- مشاركات
-
المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة
هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها
- 508
- مشاركات
-
-
le forum francais
-
- 7177
- مشاركات
-
-
IslamWay Sisters
-
English forums (37307 زيارات علي هذا الرابط)
Several English forums
-
-
المكررات
-
المواضيع المكررة
تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.
- 101648
- مشاركات
-
-
المتواجدات الآن 0 عضوات, 0 مجهول, 38 زوار (القائمه الكامله)
لاتوجد عضوات مسجلات متواجدات الآن
-
العضوات المتواجدات اليوم
إعلانات
- تنبيه بخصوص الصور الرسومية + وضع عناوين البريد
- يُمنع وضع الأناشيد المصورة "الفيديو كليب"
- فتح باب التسجيل في مشروع "أنوار الإيمان"
- القصص المكررة
- إيقاف الرسائل الخاصة نهائيًا [مع إتاحة مراسلة المشرفات]
- تنبيه بخصوص المواضيع المثيرة بالساحة
- الأمانة في النقل، هل تراعينها؟
- ضوابط و قوانين المشاركة في المنتدى
- تنبيه بخصوص الأسئلة والاستشارات
- قرار بخصوص مواضيع الدردشة
- يُمنع نشر روابط اليوتيوب
-
أحدث المشاركات
-
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
من درر العلامة ابن القيم عن النفس الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فمن المواضيع التي تحدَّث عنها العلامة ابن القيم رحمه الله في بعض مصنفاته: موضوع "النفس"، وقد يسَّر الله الكريم فجمعتُ بعضًا من أقواله، أسأل الله أن ينفع بها الجميع. كتاب: روضة المحبِّين ونزهة المشتاقين النفوسُ الشريفة الزكَّيةُ العلوية تعشقُ صفات الكمال: النفوسُ الشريفة الزكَّيةُ العلوية تعشقُ صفات الكمال بالذَّات، فأحبُّ شيء إليها العلمُ والشَّجاعةُ والعفَّةُ والجودُ والإحسانُ، والصبر، والثبات؛ لمناسبة هذه الأوصاف لجوهرها، بخلاف النفوس اللئيمة الدنيَّة فإنها بمعزل عن محبة هذه الصفات، وكثير من الناس يحمله على الجود والإحسان فرطُ عشقه ومحبَّته له، واللَّذة التي يجدها في بذله، كما قال المأمون: لقد حُبِّب إليَّ العفو حتى خشيت ألَّا أُؤجَرَ عليه، وقيل للإمام أحمد رحمه الله: تعلمت هذا العلم لله؟ فقال: أمَّا لله فعزيز، ولكن شيء حُبِّبَّ إليَّ، ففعلتُه. وقال آخر: إني لأفرحُ بالعطاء وألتذُّ به أعظم مما يفرحُ الآخذ بما يأخذه مني. وكثيرٌ من الأجواد يعشق الجود أعظم عِشْق، فلا يصبر عنه مع حاجته إلى ما يجود به، ولا يقبلُ فيه عَذْلَ عاذلٍ، ولا تأخذه لومةُ لائمٍ، وأمَّا عُشَّاق العلم فأعظمُ شغفًا به وعشقًا له من كل عاشقٍ بمعشوقه، وكثيرٌ منهم لا يشغلُهُ عنه أجمل صورة من البشر. قيل لامرأة الزبير بن بكار أو غيره: هنيئًا لك؛ إذ ليست لك ضرَّة، فقالت: واللهِ لهذه الكتبُ أضرُّ عليَّ مِن عدَّة ضرائر، فعِشْقُ صفاتِ الكمال من أنفع العشق وأعلاه، وإنما يكون بالمناسبة التي بين الروح وتلك الصفات. أقسام النفوس ومَحابِّها: النفوس ثلاثة: نفس سماوية عُلوية، فمحبتها منصرفة إلى المعارف، واكتساب الفضائل، والكمالات الممكنة للإنسان، واجتناب الرذائل، وهي مشغوفة بما يُقرِّبها من الرفيق الأعلى، وذلك قُوتُها، وغِذاؤُها، ودواؤها، واشتغالها بغيره هو داؤها. ونفس سبعية غضبية، فمحبَّتُها منصرفةٌ إلى القهر، والغي، والعلو في الأرض، والتكبُّر، والرئاسة على الناس بالباطل، فلذَّتُها في ذلك، وشغفُها به. ونفس حيوانية شهوانية، فمحبَّتُها منصرفةٌ إلى المأكل، والمشرب، والمنكح، وربما جمعت بين الأمرين، فانصرفت محبَّتُها إلى العلو في الأرض، والفساد. الملائكة أولياء لأصحاب النفس السماوية العلوية: الملائكة أولياء هذا النوع في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32] فالملك يتولَّى من يناسبه بالنصح له والإرشاد....وإلقاء الصواب على لسانه، ودفع عدوِّه عنه، والاستغفار له إذا زلَّ، وتذكيره إذا نسي، وتسليته إذا حزن، وإلقاء السكينة في قلبه إذا خاف، وإيقاظه للصلاة إذا نام عنها، وإيعاد صاحبه بالخير، وحضِّه على التصديق بالوعد، وتحذيره من الركون إلى الدنيا، وتقصير أمله، وترغيبه فيما عند الله، فهو أنيسه في الوحدة، ووليُّه، ومعلِّمه، ومثبتُه، ومسكِّن جأْشِه، ومرغِّبه في الخير ومحُذِّرة من الشرِّ، يستغفر له إن أساء، ويدعو له بالثبات إن أحسن، وإن بات طاهرًا يذكر الله بات معه في شعاره، فإن قصَدَه عدوٌّ له بسوءٍ وهو نائم، دفعه عنه. الشياطين أولياء لأصحاب النفوس السبعية الغضبية: الشياطين أولياء النوع الثاني، قال تعالى: ﴿ تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ ﴾ [النحل: 63]، وقال تعالى:﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50]. فهذا النوع بين نفوسهم وبين الشياطين مناسبة طبيعية، بها مالت أوصافُهم، وأخلاقُهم، وأعمالُهم، فالشياطين تتولَّاهم بضدِّ ما تتولَّى به الملائكة من ناسبهم، فتؤزُّهم إلى المعاصي أزًّا، وتزعجهم إليها إزعاجًا، ويزينون لهم القبائح، ويُخفِّفونها على قلوبهم، ويحلونهم في نفوسهم، ويثقلون عليهم الطاعات ويُثبطونهم عنها، ويقبحُونها في أعينهم، ويلقون على ألسنتهم أنواع القبيح من الكلام، وما لا يفيد، ويُزيِّنونه في أسماع من يسمعه منهم، يبيتون معهم حيث باتوا، ويقيلون معهم حيث قالوا، ويشاركونهم في أموالهم وأولادهم ونسائهم، يأكلون معهم ويشربون معهم وينامون معهم، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ﴾ [النساء: 38]. كتاب: بدائع الفوائد النفس كالعدوِّ: النفس كالعدوِّ إن عرفت صولة الجدِّ منك استأسرت لك، وإن أنست عنك المهانة أسرتك، امنعها ملذوذ مُباحاتها ليقع الصلح على ترك الحرام، فإذا ضجَّت لطلبِ المباح: ﴿ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ﴾ [محمد: 4]. كتاب: الروح النفس اللوَّامة: اللوَّامة، هي التي أقسم بها سبحانه في قوله: ﴿ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ [القيامة: 2]، فاختلف فيها، فقالت طائفة: هي التي لا تثبتُ على حال واحدة، أخذوا اللفظة من التلوُّم، وهو التردُّد، فهي كثيرة التقلُّب والتلوُّن، وهي من أعظم آيات الله، فإنها مخلوق من مخلوقاته تتقلَّب وتتلوَّن في الساعة الواحدة – فضلًا عن اليوم والشهر والعام والعمر – ألوانًا متلونةً، فتذكُر وتغفل، وتقبل وتُعرض، وتلطف وتكثف، وتنيب وتجفو، وتحب وتبغض، وتفرح وتحزن، وترضى وتغضب، وتطيع وتعصي، وتتقي وتفجر، إلى أضعاف ذلك من حالاتها وتلوُّنها، فهذا قول. وقالت طائفة: اللفظة مأخوذة من اللوم...فإن كل أحد يلوم نفسه، برًّا كان أو فاجرًا، فالسعيد يلومها على ارتكاب معصية الله وترك طاعته، والشقي لا يلومها إلا على فوات حظِّها وهواها...وقالت فرقة أخرى: هذا اللومُ يوم القيامة، فإن كل أحد يلوم نفسه: إن كان مسيئًا على إساءته، وإن كان محسنًا على تقصيره. وهذه الأقوال كلها حقٌّ ولا تنافي بينها؛ فإن النفس موصوفة بهذا كلِّه، وباعتباره سميت لوَّامة؛ ولكن اللوَّامة نوعان: لوَّامة ملُومة: وهي النفس الجاهلة الظالمة، التي يلومها الله وملائكته، ولوَّامة غيرُ ملومة: وهي التي لا تزال تلومُ صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده، فهذه غير ملومة. وأشرف النفوس مَن لامت نفسها في طاعة الله، واحتملت ملائم اللائمين في مرضاته فلا تأخذها فيه لومة لائم فهذه قد تخلَّصت من لوم الله لها، وأما من رضيت بأعمالها...ولم تحتمل في الله ملام اللُّوام، فهي التي يلومها الله عز وجل. النفس الأمَّارة: النفس الأمَّارة فهي المذمومة، فإنها تأمر بكل سوء، وهذا من طبيعتها إلا من وفَّقها الله، وثبَّتها، وأعانها، فما تخلَّص أحد من شرِّ نفسه إلا بتوفيق الله له، كما قال تعالى حاكيًا عن امرأة العزيز: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [يوسف: 53]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ ﴾ [النور: 21]، وقال تعالى لأكرم خلقه عليه وأحبِّهم إليه: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 74]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُعلِّمهم خطبة الحاجة: ((إنَّ الحمدَ لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له))، فالشرُّ كامنٌ في النفس، وهو موجب سيئات الأعمال، فإن خلى الله بين العبد وبين نفسه هلك بين شرِّها وما تقتضيه من سيئات الأعمال، وإن وفَّقه وأعانه نجَّاه من ذلك كله، فنسأل الله العظيم أن يعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. النفس المطمئنة: النفس المطمئنة هي أقلُّ النفوس البشرية عددًا، وأعظمها عند الله قدرًا، وهي التي يُقال لها: ﴿ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 28 - 30]، والله سبحانه المسؤول المرجو الإجابة، أن يجعلنا نفوسنا مطمئنةً إليه، عاكفةً بهمتها عليه، راهبةً منه، راغبةً فيما لديه، وأن يُعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وألَّا يجعلنا ممن أغفل قلبه عن ذكره، واتَّبع هواه، وكان أمره فرطًا. تأثير النفس في غيرها: تأثيرات النفوس بعضها في بعض أمر لا ينكره ذو حسٍّ سليم ولا عقل مستقيم، ولا سيَّما عند تجرُّدها نوع تجرد عن العلائق والعوائق البدنية، فإن قواها تتضاعف وتتزايد بحسب ذلك، ولا سيَّما عند مخالفة هواها وحملها على الأخلاق العالية...وتجنبها سفساف الأخلاق ورذائلها وسافلها، فإن تأثيرها في العالم يقوي جدًّا تأثيرًا يعجز عنه البدن، وأعراضه: أن تنظر إلى حجر عظيم فتشُقُّه، أو حيوان كبير فتُتلفه، أو نعمة فتزيلها، وهذا أمر قد شاهده الأمم على اختلاف أجنساها وأديانها، وهو الذي يُسمَّى إصابة العين، فيضيفون الأثر إلى العين، وليس لها في الحقيقة؛ وإنما هو للنفس المتكيفة بكيفية رديَّة سُمِّيَّة، وقد يكون بواسطة العين، وقد لا يكون؛ بل يوصف له الشيء من بعيد، فتتكيَّف عليه نفسه بتلك الكيفية فتفسده. كتاب: الفوائد شهود عيوب النفس: شهود العبد ذنوبه وخطاياه توجب له ألَّا يرى لنفسه على أحدٍ فضلًا، ولا له على أحدٍ حقًّا، وإذا شهد ذلك من نفسه لم يرَ لها على الناس حقوقًا من الإكرام يتقاضاهم إياها ويذمُّهم على ترك القيام بها...فيرى أنَّ من سلَّم عليه أو لقيه بوجهٍ منبسط فقد أحسن إليه، وبذل له ما لا يستحقُّه، فاستراح هذا في نفسه، وأراح الناس من شِكايته وغضبه على الوجود وأهله، فما أطيبَ عيشَه! وما أنعم بالَه! وما أقرَّ عينَه!. التضييق على النفس، والتوسيع عليها: النفس كلما وسَّعت عليها ضيَّقت على القلب حتى تصير معيشتُه ضنكًا، وكلما ضيَّقت عليها وسَّعت على القلب حتى ينشرح وينفسح. الاشتغال بعيوب النفس: • طوبى لمن شغله عيبُه عن عيوب الناس، وويل لمن نَسِي عيبه وتفرَّغ لعيوب الناس، هذا من علامة الشقاوة، كما أن الأول من أمارات السعادة. • من شغل بنفسه شُغل عن غيره، ومن شُغل بربِّه شُغل عن نفسه. • من عرف نفسه اشتغل بإصلاحها عن عيوب الناس. من عرف نفسه عرف ربَّه: من عرف نفسه عرف ربَّه، فإنه من عرَف نفسَه بالجهل والظلم والعيب والنقائص والحاجة والفقر والذُّل والمسكنة والعدم، عرف ربَّه بضدِّ ذلك، فوقف بنفسه على قدرها، ولم يتعدَّ بها طورها، وأثنى على ربِّه ببعض ما هو أهله، وانصرفت قوة حُبِّه وخشيته ورجائه وإنابته وتوكُّله إليه وحده، وكان أحبَّ شيء إليه وأخوف شيء عنده وأرجاه له، وهذا هو حقيقة العبودية، والله المستعان. مجاهدة النفس تُذهِبُ أخلاقها المذمومة: سبحان الله في النفس: كبرُ إبليس، وحسد قابيل، وعُتُوُّ عاد، وطغيانُ ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغيُ قارون، وقحة هامان، وحِيَل أصحاب السبت، وتمرُّدُ الوليد، وجهل أبي جهل. وفيها من أخلاق البهائم: حرص الغراب، وشره الكلب، ورعونة الطاووس، ودناءة الجُعل، وعقوق الضَّبِّ، وحقد الجمل، ووثوب الفهد، وصولة الأسد، وفسقُ الفارة، وخُبْثُ الحية، وعبث القرد، وجمع النملة، ومكر الثعلب، وخفَّةُ الفراش، ونوم الضبع، غير أنَّ الرياضة والمجاهدة تُذهِبُ ذلك. جهل الإنسان بمصالح نفسه: والعبدُ- لجهله بمصالح نفسه، وجهله بكرم ربِّه وحكمته ولطفه- لا يعرف التفاوت بين ما مُنِعَ منه وبين ما ذُخِرَ له؛ بل هو مُولِع بحبِّ العاجل وإن كان دنيًّا، وبقلَّةِ الرغبة في الآجل وإن كان عليًّا. ولو أنصف العبد ربَّه – وأنَّى له بذلك – لعَلِمَ أن فضله عليه فيما منعه من الدنيا ولذَّاتها ونعيمها أعظم من فضله عليه فيما آتاه من ذلك، فما منعه إلا ليُعطيه، ولا ابتلاه إلا ليُعاقبه، ولا امتحنه إلا ليُصافيه، ولا أماته إلا ليُحييه، ولا أخرجه إلى هذه الدار إلا ليتاهَّب منها للقدوم عليه، وليسلك الطريق الموصلة إليه. كتاب: طريق الهجرتين وباب السعادتين غِنى النفس: غنى النفس...استقامتها على الأمر الديني الذي يحبُّه الله ويرضاه، وتجنُّبها لمناهيه التي يسخطها ويُبغضها، وأن تكون هذه الاستقامة على الفعل والترك تعظيمًا لله وأمره، وإيمانًا به، واحتسابًا لثوابه، وخشية من عقابه، لا طلبًا لتعظيم المخلوقين له ومدحهم، وهربًا من ذمِّهم وازدرائهم، وطلبًا للجاه والمنزلة عندهم، فإن هذا دليل على غاية الفقر من الله، والبعد منه، وأنه أفقر شيء إلى المخلوق. فسلامة النفس من ذلك واتصافها بضدِّه دليل غناها؛ لأنها إذا أذعنت منقادةً لأمر الله طوعًا واختيارًا ومحبةً وإيمانًا واحتسابًا، بحيث تصير لذَّتها وراحتها ونعيمها وسرورها في القيام بعبوديته، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((يا بلالُ، أرِحْنا بالصَّلاةِ))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((حُبِّب إليَّ من دُنْياكم النساءُ والطيِّبُ، وجُعِلت قُرَّةُ عيني في الصلاة)). كتاب: التبيان في أيمان القرآن النفس اللوَّامة: كل نفس لوَّامة؛ فالنفس السعيدة تلوم على فعل الشر وترك الخير فتُبادِر إلى التوبة، والنفس الشقيَّة بالضد من ذلك. ونبَّه سبحانه بكونها لوَّامة على شدة حاجتها وفاقتها وضرورتها إلى مَن يُعرِّفها الخير والشر، ويرشدها إليه ويلهمها إياه، فيجعلها مريدةً للخير مؤثرة له، كارهةً للشر مجانبةً له. النفس المعطية: النفس المعطية: هي النفَّاعة المحسنة التي طبعها الإحسان وإعطاء الخير اللازم والمتعدي، فتعطي خيرَها لنفسها ولغيرها، فهي بمنزلة "العين" التي ينتفع الناس بشربهم منها، وسقي دوابهم وأنعامهم وزروعهم، فهم ينتفعون بها كيف شاؤوا فهي مُيسَّرة لذلك، وهكذا الرجل المبارك مُيسَّر للنفع حيث حلَّ، فجزاء هذا أن يُيسِّره الله لليُسْرى كما كانت نفسُه مُيسَّرةً للعطاء. كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد مراتب جهاد النفس: جهاد النفس أربع مراتب: إحداها: أن يُجاهِدها على تعلُّم الهدى ودين الحق. الثانية: أن يُجاهِدها على العمل به بعد علمه. الثالثة: أن يُجاهِدها على الدعوة إليه، وتعليمه من لا يعلمه. الرابعة: أن يُجاهِدها على الصبر على مشاقِّ الدعوة إلى الله، وأذى الخلق. رياضة النفوس: • رياضة النفوس بالتعلُّم والتأدُّب، والفرح والسرور، والصبر والثبات، والإقدام والسماحة، وفعل الخير، ونحو ذلك ممَّا ترتاض به النفوس. • النفوس...من أعظم رياضتها: الصبر والحب، والشجاعة والإحسان، فلا تزال ترتاض بذلك شيئًا فشيئًا حتى تصير لها هذه الصفات هيئات راسخة، وملكات ثابتة. • من لم يجاهد نفسه أولًا لتفعل ما أمرت به، وتترك ما نهيت عنه، ويُحاربها في الله، لم يُمكنه جهاد عدوِّه في الخارج، فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه، وعدوه الذي بين يديه قاهر له، مُتسلِّط عليه، لم يجاهده، ولم يُحارِبْه في الله. كتاب: إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان ظهور ما في النفس من طيب وخبث على الجسد: النفس النجسة الخبيثة يقوى خبثها ونجاستها حتى يبدو على الجسد، والنفس الطيبة بضدِّها، فإذا تجردت وخرجت من البدن وُجِدَ لهذه كأطيب نفحة مسكٍ وُجِدت على وجه الأرض، ولتلك كأنتن ريح جيفةٍ وُجِدت على وجه الأرض. لجهل النفس تضع الداء موضع الدواء: النفس...لجهلها تظن شفاءها في اتِّباع هواها؛ وإنما فيه تلفُها وعطبُها ولظلمها...تضع الداء موضع الدواء فتعتمده وتضع الدواء موضع الداء فتجتنبه فيتولَّد من بين إيثارها للداء واجتنابها للدواء أنواع من العِلَل التي تُعيي الأطباء ويتعذَّر معها الشفاء. فوائد محاسبة النفس: في محاسبة النفس عدة مصالح: منها: الاطلاع على عيوبها، ومن لم يطَّلِع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته، فإذا اطلع على عيبها مَقَتَها في ذات الله. • من فوائد محاسبة النفس: أنه يعرف بذلك حقَّ الله عليه، ومن لم يعرف حقَّ الله عليه فإن عبادته لا تكاد تُجدي عليه، وهي قليلة المنفعة جدًّا. • من فوائد محاسبة النفس النظر في حقِّ الله على العبد، فإن ذلك يُورِثه مَقْتَ نفسِه، والإزراء عليها، ويُخلِّصه من العُجْب ورؤية العمل، ويفتح له باب الخضوع والذُّل والانكسار بين يدي ربِّه، واليأس من نفسه، وأن النجاة لا تحصل له إلا بعفوِ الله. كتاب: مدارج السالكين في منازل السائرين السخط على النفس: قد قيل: علامة رضا الله عنك سخطك على نفسك، وعلامة قبول العمل احتقاره واستقلاله وصغره في قلبك، حتى إن العارف ليستغفر الله عقيب طاعاته. سوء الظن بالنفس، إنما احتاج إليه؛ لأن حسن الظن بالنفس يمنع من كمال التفتيش ويُلبس عليه، فيرى المساوئ محاسن، والعيوب كمالًا،... ولا يسيءُ الظن بنفسه إلا مَن عرَفها، ومن أحسن ظنَّه بها فهو من أجهل الناس بنفسه! رياضة النفس: من منازل: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] الرياضة، وهي تمرين النفس على الصدق والإخلاص...تمرينها على قبول الصِّدق إذا عرضه عليها في أقواله وأفعاله وإرادته، فإذا عرض عليها الصدق قبلته وانقادت له وأذعنت له، وقبول الحق ممن عرضه عليه. • تهذيب الأخلاق بالعلم المراد به إصلاحها وتصفيتها بموجب العلم فلا يتحرَّك بحركةٍ ظاهرةٍ أو باطنةٍ إلا بمقتضى العلم، فتكون حركاتُ ظاهره وباطنه موزونةً بميزان الشرع. شبكة الالوكة فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
من درر العلامة ابن القيم عن الشيطان الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فالشيطان من المواضيع التي تكلَّم عنها العلامة ابن القيم رحمه الله في عدد من كتبه، ولا غَرْو في ذلك، فقد جاء التحذير من الشيطان في الكِتاب والسُّنَّة في مواضع متعددة، قال رحمه الله في كتابه المفيد النافع "إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان": الشيطان ... المتأخرون من أرباب السلوك لم يعتنوا به اعتناءهم بذكر النفس وعيوبها وآفاتها، فإنهم توسَّعوا في ذلك، وقصروا في هذا الباب، ومَن تأمَّل القرآن والسُّنَّة وجد اعتناءهما بذكر الشيطان وكيده ومحاربته أكثر من ذكر النفس. الشيطان ... تحذير الرب تعالى لعباده منه جاء أكثر من تحذيره من النفس، وهذا هو الذي لا ينبغي غيره، فإن شرَّ النفس وفسادها ينشأ من وسوسته فهي مركبه، وموضع سرِّه، ومحل طاعته. هذا وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره العلامة ابن القيم عن الشيطان، أسأل الله أن ينفع به الجميع. الشيطان هو الداعي إلى الوسواس: الشيطان هو الداعي إلى الوسواس، فأهله قد أطاعوا الشيطان ... ورغبوا عن اتِّباع سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريقته، حتى إن أحدَهم ليرى أنه إذا توضَّأ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اغتسل كاغتساله، لم يطهر ولم يرتفع حدثُه؛ [إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان]. وسوسة الشيطان: قوله تعالى: ﴿ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ ﴾ [الناس: 4] يعُمُّ كُلَّ شَرِّه. ووصفه بأعظم صفاته وأشدها شرًّا، وأقواها تأثيرًا، وأعمها فسادًا؛ وهي: الوسوسة، التي هي مبادئ الإرادة، فإن القلب يكون فارغًا من الشر والمعصية، فيوسوس إليه، ويخطرُ الذنب بباله، فيصوره لنفسه، ويُمنِّيه ويشهِّيه؛ فيصير شهوة، ويُزينها له ويُحسنها، ويُخليها له في خيال تميل نفسه إليه؛ فيصير إرادة، ثم لا يزال يُمثل ويُخيلُ، ويُمنِّي ويُشهِّي، وينسى علمه بضررها، ويطوى عنه سوء عاقبتها، فيحول بينه وبين مطالعته؛ فلا يرى إلا صورة المعصية والتذاذه بها فقط، وينسى ما وراء ذلك، فتصير الإرادة عزيمة جازمة، فيشتدُّ الحرص عليها من القلب. فأصل كل معصية وبلاء إنما هو الوسوسة؛ ولهذا وصفه بها لتكون الاستعاذة من شرها من أهم من كل مستعاذ منه؛ [بدائع الفوائد]. الرقص سببه ركوب الشيطان على كتفي الراقص، ودقه برجليه على صدره: حركة الرقص ... سببها استخفاف الشيطان لأحدهم، وركوبه على كتفيه، ودقُّه برجليه على صدره، وكلما دقَّه برجليه، ورقص على صدره رقص هو كرقص الشيطان عليه؛ [الكلام على مسألة السماع]. الشيطان مع العبد إلى الموت مهما بلغ من الزهادة والعبادة: لو بلغ العبد من الزهادة والعبادة ما بلغ فمعه شيطانه ونفسه، لا يفارقنه إلى الموت، والشيطان يجري منه مجرى الدم، والعصمة إنما هي للرُّسُل صلوات الله وسلامه عليهم، الذين هم وسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه، ووعده ووعيده؛ [إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان]. ما أمر الله عز وجل بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما تفريط، وإما إفراط: ما أمر الله عز وجل بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما تقصير وتفريط، وإما إفراط وغلو، فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخُطتين، فإنه يأتي إلى قلب العبد فيشتامه، فإن وجد فيه تقصيرًا وفتورًا وتوانيًا وترخيصًا؛ أخذه من هذه الخطة، فثبَّطه وأقعده، وضربه بالكسل والتواني والفتور، وفتح له باب التأويلات والرجاء وغير ذلك، حتى ربما ترك العبد المأمور جملة. وإن وجد عنده حذرًا وجدًّا، وتشميرًا ونهضةً، وأيس أن يأخذه من هذا الباب؛ أمره بالاجتهاد الزائد، وسوَّل له أن هذا لا يكفيك، وهمتك فوق هذا، وينبغي لك أن تزيد على العاملين، وألَّا ترقد إذا رقدوا، ولا تفطر إذا أفطروا، وألَّا تفتر إذا فتروا، ... فيحمله على الغلو والمجاوزة، وتعدي الصراط المستقيم، كما يحمل الأول على التقصير دونه، وألَّا يقربه. ومقصوده من الرجلين إخراجهما عن الصراط المستقيم؛ هذا بألَّا يقربه، ولا يدنو منه، وهذا بأن يتجاوزه ويتعدَّاه. وقد فتن بهذا أكثر الخَلْق، ولا يُنجي من ذلك إلا علم راسخ، وإيمان وقُوَّة على محاربته، ولزوم الوسط، والله المستعان؛ [الوابل الصيب ورافع الكلم]. من لم يعذب شيطانه في الدنيا بذكر الله تعالى عذَّبه شيطانه في الآخرة بعذاب النار. من لم يعذب شيطانه في هذه الدار بذكر الله تعالى، وتوحيده، واستغفاره، وطاعته؛ عذبه شيطانه في الآخرة بعذاب النار، فلا بُدَّ لكل أحدٍ أن يُعذِّبَ شيطانه أو يُعذِّبُه شيطانه؛ [بدائع الفوائد]. مداخل الشيطان على الإنسان وما يُنجيه منها: الله سبحانه بحكمته سلَّط على العبد عدوًّا عالمًا بطرق هلاكه، وأسباب الشرِّ الذي يلقيه فيه، متفننًا فيها، خبيرًا بها، حريصًا عليها، لا يفتر عنه يقظة ولا منامًا، ولا بدَّ له من واحدةٍ من ستٍّ ينالها منه: أحدها: وهي غاية مراده منه، أن يحُول بينه وبين العلم والإيمان، فيلقيه في الكفر، فإذا ظفر بذلك فرغ منه واستراح. فإن فاتته هذه، وهُدي للإسلام؛ حرص على تلو الكفر وهي البدعة، وهي أحبُّ إليه من المعصية، فإن المعصية يُتابُ منها، والبدعةُ لا يُتابُ منها؛ لأن صاحبها يرى أنه على هُدًى. فإن أعجزته ألقاه في الثالثة، وهي الكبائر، فإن أعجزته ألقاه في اللَّمَم، وهي الرابعة، وهي الصغائر، فإن أعجزته؛ شغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه؛ ليربح عليه الفضل الذي بينهما، وهي الخامسة. فإن أعجزه ذلك صار إلى السادسة؛ وهي تسليط حزبه عليه يؤذونه ويشتمونه، ويبهتونه، ويرمونه بالعظائم؛ ليحزُنه، ويشغل قلبه عن العلم والإرادة، وسائر عمله. فكيف يمكن أن يحترز منه مَنْ لا علم له بهذه الأمور، ولا بعدوِّه، ولا بما يحصنه منه؟ فإنه لا ينجو من عدوِّه إلَّا مَنْ عَرَفه، وعَرَف طرقه التي يأتيه منها، وجيشه الذي يستعين به عليه، وعَرَفَ مداخله ومخارجه، وكيفية محاربته، وبأيِّ شيءٍ يُحاربه، وبماذا يُداوي جراحته، وبأيِّ شيءٍ يستمدُّ القوة لقتاله ودفعه، وهذا كله لا يحصل إلَّا بالعلم، فالجاهلُ في غفلةٍ وعَمًى عن هذا الأمر العظيم، والخطب الجسيم؛ [مفتاح دار السعادة]. حروز يستدفع بها شرَّ الشيطان: يعتصم ... العبدُ من الشيطان، ويستدفعُ شره، ويحترز منه، ... بأسباب: أحدها: الاستعاذة بالله من الشيطان، قال تعالى: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [فصلت: 36]. الحرز الثاني: قراءة هاتين السورتين [الفلق، والناس]؛ فإن لهما تأثيرًا عجيبًا في الاستعاذة بالله تعالى من شره ودفعه، والتحصُّن منه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما تعوَّذ المتعوِّذُون بمثلهما))، وكان يتعوَّذ بهما كل ليلة عند النوم، وأمر عقبة أن يقرأ بهما دُبَرَ كل صلاة، وقال: ((مَنْ قرأهما مع سورة الإخلاص ثلاثًا حين يُمسي، وثلاثًا حين يصبحُ؛ كفَتْه من كلِّ شيءٍ)). الحرز الثالث: قراءة آية الكرسي. الحرز الرابع: قراءة سورة البقرة. الحرز الخامس: خاتمة سورة البقرة. الحرز السادس: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) مائة مرة. الحرز السابع: وهو من أنفع الحروز من الشيطان، وهو كثرة ذكر الله عز وجل. الحرز الثامن: الوضوء والصلاة، وهذا من أعظم ما يُتحَرَّز به منه، ولا سيَّما عند ثوران قوة الغضب والشهوة، فإنها نار، والوضوء يُطفئُها، والصلاة إذا وقعت بخشوعها؛ أذهبت ذلك كله، وهذا أمر تَجْرِبَتُه تُغني عن إقامة الدليل عليه. الحرز التاسع: إمساك فضول النظر، والكلام، والطعام، ومخالطة الناس، فإن الشيطان إنما يتسلَّط على ابن آدم، وينال منه غرضه من هذه الأبواب الأربعة؛ [بدائع الفوائد]. ناس بالصورة وشياطين بالحقيقة: الموصوفون بقوله: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الأنفال: 22]، هذا الضرب شرُّ البريَّة، يضيِّقون الديار، ويُغلون الأسعار. عند أنفسهم أنهم يعلمون؛ ولكن يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا، وهو عن الآخرة هم غافلون، ويتعلمون ولكن ما يضرُّهم ولا ينفعهم، ويتكلمون ولكن بالجهل ينطقون، ويؤمنون ولكن بالجبت والطاغوت يؤمنون، ويعبدون ولكن يعبدون من دون الله ما لا يضُرُّهم ولا ينفعهم، ويجادِلون ولكن بالباطل ليدحضوا به الحَقَّ، ويتفكَّرون ويبيتون ولكن ما لا يرضى من القول يبيتون، ويدعون ولكن مع الله إلهًا آخر يدعون، ويذكرون ولكن إذا ذكروا لا يذكُرون، ويصلُّون ولكنهم من المصلِّين الذين عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراؤون، ويمنعون الماعون، ويحكمون ولكن حكم الجاهلية يبغون، ويكتبون ولكن يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون: هذا من عند الله، ليشتروا به ثمنًا قليلًا، فويل لهم ممَّا كتبت أيديهم، وويل لهم مما يكسبون. ويقولون: إنما نحن مصلحون ألا إنهم المفسدون ولكن لا يشعرون، وإذا قيل لهم: آمنوا كما آمن الناس، قالوا: أنؤمن كما آمن السفهاء ؟! ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون......فهذا الضرب ناس بالصورة وشياطين بالحقيقة؛ [مفتاح دار السعادة]. صوت الشيطان كل صوت في غير طاعة الله: قال الله تعالى للشيطان: ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ﴾ [الإسراء: 64]، فالصوت الشيطاني يستفزُّ بني آدم، وصوت الشيطان كل صوت في غير طاعة الله، نُسِبَ إلى الشيطان؛ لأمره به ورضاه به، وإلا فليس هو الصوت نفسه، فصوت الغناء وصوت النوح وصوت المعازف...كلها من أصوات الشيطان، التي يستفزُّ بها بني آدم فيستخفهم ويُزعجهم؛ ولهذا قال السلف في هذه الآية: "إنه الغناء"؛ [الكلام على مسألة السماع]. لا تُمكن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك: إياك أن تُمكن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك، فإنه يفسدها عليك فسادًا يصعُب تداركه، ويُلقي إليك أنواع الوساوس والأفكار المضرة، ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك، وأنت الذي أعنته على نفسك بتمكينه من قلبك وخواطرك فملكها عليك، والذي يلقيه الشيطان في النفس لا يخرج عن الفكر فيما كان...لو كان على خلاف ذلك، وفيما لم يكن لو كان كيف كان يكون. أو في خيالات وهمية لا حقيقة لها، أو فيما لا سبيل إلى إدراكه من أنواع ما طوي عنه علمه، فيلقيه في تلك الخواطر التي لا يبلغ منها غاية، ولا يقف منها على نهاية، فيجعل ذلك مجال فكره ومسرحَ وَهْمِه. وجماع إصلاح ذلك: أن تشغل فكرك...بمعرفة ما يلزمك من التوحيد وحقوقه، وفي الموت وما بعده إلى دخول الجنة والنار، وفي آفات الأعمال وطُرُق التحرُّز منها. وبالجملة فالقلب لا يخلو قَطُّ من الفكر إمَّا في واجب آخرته ومصالحها، وإمَّا في مصالح دُنْياه ومعاشه، وإمَّا في الوساوس والأماني الباطلة والمقدرات المفروضة؛ [الفوائد]. الشيطان يشمُّ قلب العبد ويختبره: الشيطان يشمُّ قلب العبد ويختبره، فإن رأى فيه داعيةً للبدعة وإعراضًا عن كمال الانقياد للسُّنَّة أخرجه عن الاعتصام بها، وإن رأى فيه حرصًا عليها وشدةَ طَلَبٍ لها لم يظفر به من باب اقتطاعه عنها، فأمره بالاجتهاد والجور على النفس ومجاوزة حدِّ الاقتصاد فيها، قائلًا له: إن هذا خير وطاعة، والزيادة والاجتهاد فيها أوْلَى، فلا تفتر مع أهل الفتور، ولا تَنَمْ مع أهل النوم، فلا يزال يحثُّه ويُحرِّضه حتى يخرجه عن الاقتصاد فيها، فيُخرجه عن حدِّها، كما أن الأول خارج عن هذا الحدِّ، فكذا هذا الآخر خارج عن الحدِّ الآخر، وهذا حال الخوارج الذين يحقر أهل الاستقامة صلاتهم مع صلاتهم، وصيامهم مع صيامهم، وقراءتهم مع قراءتهم، وكلا الأمرين خروج عن السُّنَّة إلى البدعة؛ لكن هذا بدعة التفريط والإضاعة، والآخر إلى بدعة المجاوزة والإسراف؛ [مدارج السالكين في منازل السائرين]. انتشار الأرواح الشيطانية عند إقبال الليل: شرع عند إقبال الليل وإدبار النهار ذكر الربِّ تعالى بصلاة المغرب... كما شرع ذكر الله بصلاة الفجر عند إدبار الليل وإقبال النهار. ولما كان الرَّبُّ تبارك وتعالى يحدث عند كل واحد من طرفي إقبال الليل والنهار وإدبارهما ما يحدثه، ويبثُّ من خلقه ما يشاء فينشر الأرواح الشيطانية عند إقبال الليل، وينشر الأرواح الإنسانية عند إقبال النهار، فيحدث هذا الانتشار في العالم أثره، شرع سبحانه في هذين الوقتين هاتين الصلاتين العظيمتين؛ [التبيان في أيمان القرآن]. من عقوبات المعاصي أنها مدد من الإنسان يمدُّ به عدوَّه عليه: ومن عقوبات الذنوب والمعاصي: أنها مَدَد من الإنسان يمدُّ به عدوَّه عليه، وجيش يُقوِّيه به على حربه، وذلك أن الله سبحانه ابتلى...الإنسان بعدوٍّ لا يُفارقه طرفةَ عينٍ، ينام ولا ينام عنه، ويغفل ولا يغفل عنه، يراه هو وقبيلُه من حيث لا يراه، يبذل جهده في معاداته في كل حال، ولا يدع أمرًا يكيده به يقدر على إيصاله إليه إلا أوصله، ويستعين عليه ببني أبيه من شياطين الجن وغيرهم من شياطين الإنس، قد نصب له الحبائل...والفخاخ والشباك، وقال لأعوانه: دونكم عدوكم وعدو أبيكم، لا يفوتنكم، ولا يكن حظُّه الجنة وحظُّكم النار، ونصيبُه الرحمة ونصيبكم اللعنة، وقد علمتم أن ما جرى عليَّ وعليكم من الخزي واللعن والإبعاد من رحمة الله فبسببه ومن أجله، فابذلوا جهدكم أن يكونوا شركاءنا في هذه البليَّة. ودونكم ثغر العين، فإن منه تنالون بغيتكم، فإني ما أفسدت بني آدم بشيء مثل النظر، فإني أبذر به في القلب بذر الشهوة، ثم أسقيه بماء الأمنية، ثم لا أزال أعِدُهُ وأُمَنِّيه حتى أُقوِّي عزيمتَه، وأقُودَه بزمام الشهوة إلى الانخلاع من العصمة. ثم امنعوا ثغر الأذن أن يدخل منه ما يفسد عليكم الأمر، فاجتهدوا ألَّا تدخلوا منه إلا الباطل، فإنه خفيف على النفس تستحليه وتستملحه، وتخيروا له أعذب الألفاظ وأسحرها للألباب...وإيَّاكم أن يدخل من هذا الثغر شيء من كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أو كلام النصحاء، فإن غلبتم على ذلك ودخل من ذلك شيء فحُولوا بينه وبين فهمه وتدبُّره والتفكُّر فيه. ثم...قوموا على ثغر اللسان، فإنه الثغر الأعظم...فأجروا عليه من الكلام ما يضره ولا ينفعه، وامنعوه أن يجري عليه شيء مما ينفعه. فالرباط الرباط على هذا الثغر...فزيِّنوا له التكلُّم بالباطل بكل طريق، وخوِّفُوه من التكلُّم بالحق بكل طريق. وكونوا أعوانًا على الإنس بكل طريق، وادخلوا عليهم من كل باب، واقعدوا لهم كل مرصاد...اقعدوا...على سائر طريق الخير بالتنفير منها وذكر صعوبتها وآفاتها، ثم اقعدوا على طُرُق المعاصي، فحسِّنُوها في أعيُن بني آدم، وزيِّنوها في قلوبهم، واجعلوا أكبر أعوانكم على ذلك النساء، فمن أبوابهن فادخلوا عليهم، فنعم العون هن لكم، واستعينوا يا بني بجندين عظيمين لن تغلبوا معهما: أحدهما: جند الغفلة، فأغفلوا قلوب بني آدم عن الله والدار الآخرة بكل طريق...فإن القلب إذا غفل عن الله تمكنتم منه ومن أعوانه. الثاني: جند الشهوات فزيِّنُوها في قلوبهم، وحسِّنُوها في أعينهم. وإذا رأيتم جماعة مجتمعين على ما يضُرُّكم من ذكر الله أو مذاكرة أمره ونهيه ودينه، ولم تقدروا على تفريقهم، فاستعينوا عليهم ببني جنسهم من البطَّالين، فقربوهم منهم، وشوشوا عليهم. وبالجملة...فادخلوا على كل واحد من بني آدم من باب إرادته وشهوته، فساعدوه عليها، وكونوا عونًا له على تحصيلها. ورابطوا على الثغور، وانتهزوا فرصكم فيهم عند الشهوة، والغضب، فلا تصطادون بني آدم في أعظم من هذين الموطنين. واعلموا أنه ليس لكم في بني آدم سلاح أبلغ من هذين السلاحين، وإنما أخرجت أبويهم من الجنة بالشهوة، وإنما ألقيت العداوة بين أولادهم بالغضب. وأعظم أسلحتهم فيكم وأمنع حصونهم: ذكر الله، ومخالفة الهوى، فإذا رأيتم الرجل مخالفًا لهواه، فاهربوا من ظِلِّه، ولا تدنوا منه؛ [الداء والدواء]. إذا غفل العبد عن ذكر الله جثم على قلبه الشيطان: العبد إذا غفل عن ذكر الله جثم على قلبه الشيطان، وانبسط عليه، وبذر فيه أنواع الوساوس التي هي أصل الذنوب كلها، فإذا ذكر العبد ربَّه واستعاذ به انخنس وانقبض كما ينخنس الشيءُ ويَتَوارى. فذكر الله تعالى يقمعُ الشيطان ويُؤلمه ويُؤذيه؛ كالسياط والمقامع التي تؤذي من يضربُ بها؛ ولهذا يكون شيطان المؤمن هزيلًا ضئيلًا مضنًى ممَّا يُعذِّبهُ المؤمن ويقمعه به من ذكر الله وطاعته؛ [بدائع الفوائد]. قول: قبح الله الشيطان، مما يفرح الشيطان: قول القائل: أخزى الله الشيطان، وقبَّح الله الشيطان، فإن ذلك كُلَّهُ يُفرحهُ، ويقول علم ابن آدم أني قد نلته بقوتي...فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ مَسَّهُ شيءٌ من الشيطان أن يذكر الله تعالى، ويذكر اسمه، ويستعيذ بالله منه، فإن ذلك أنفع له. لما كان الشيطان: نوعًا يُرى عيانًا؛ وهو شيطان الإنس، ونوعًا لا يُرى؛ وهو شيطان الجن، أمر سبحانه وتعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يكتفي من شَرِّ شيطان الإنس بالإعراض عنه والعفو والدفع بالتي هي أحسن، ومن شيطان الجن بالاستعاذة بالله منه؛ [زاد المعاد]. من مكايد الشيطان: • من كيده للإنسان: أنه يُورِده الموارد التي يُخيَّل إليه أن فيها منفعته، ثم يُصدرُهُ المصادر التي فيها عطبه، ويتخلى عنه ويُسلمه ويقف يشمت به، ويضحك منه، فيأمره بالسرقة والزِّنا والقتل، ويدل عليه ويفضحه. • من كيد عدوِّ الله أنه يخوِّف المؤمنين من...أوليائه، فلا يجاهدونهم، ولا يأمرونهم بالمعروف ولا ينهونهم عن المنكر، وهذا من أعظم كيده بأهل الإيمان، وكلما قوي إيمانُ العبدِ زالَ مِنْ قلبِه خوفُ أولياء الشيطان، وكُلَّما ضعُف إيمانُه قوي خوفُه منهم. • من مكايده: أنه يسحر العقل دائمًا حتى يكيده، ولا يسلم من سحره إلا من شاء الله، فيُزيِّن له الفعل الذي يضُرُّه، حتى يُخيِّل إليه أنه من أنفع الأشياء له، وينفره من الفعل الذي هو أنفع الأشياء له، حتى يخيل له أنه يضُرُّه. • من كيده: أنه يحسن إلى أرباب التخلي والزهد والرياضة العمل بهاجسهم وواقعهم، دون تحكيم أمر الشارع، ويقولون: القلب إذا كان محفوظًا مع الله كانت هواجسُه وخواطِرُه معصومةً من الخطأ! وهذا من أبلغ كيد العدوِّ فيهم. • من أعظم مكايده التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا مَنْ لم يرد الله فتنته: ما أوْحَاه قديمًا وحديثًا إلى...أوليائه من الفتنة بالقبور حتى آل الأمر فيها أن عبد أربابها من دون الله، وعُبدت قبورهم، واتخذت أوثانًا، وبُنيت عليها الهياكل وعبدت مع الله. • من مكايد عدوِّ الله ومصايده التي كاد بها من قَلَّ نصيبُه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين: سماع المكاء والتصدية، والغناء بالآلات المحرَّمة، الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفةً على الفسوق والعصيان. • من مكايده ومصايده: ما فتن به عُشَّاق الصور: وتلك لعمر الله الفتنة الكبرى، والبليَّة العُظْمى، التي استعبدت النفوس لغير خالقها، وملكت القلوب لمن يسومها الهوان من عُشَّاقها، وألقت الحرب بين العشق والتوحيد، ودَعَتْ إلى موالاة كل شيطان مريد، فصيرت القلبَ للهوى أسيرًا، وجعلته حاكمًا وأميرًا، فأوسعت القلوب محنةً، وملأتها فتنةً، وحالت بينها وبين رُشْدِها، وصرفتها عن طريق قصدها. • من مكايده التي كاد بها الإسلام وأهله: الحيل، والمكر، والخداع، الذي يتضمَّن تحليل ما حرَّمه الله، وإسقاط ما فرضه، ومضادته في أمره ونهيه، وهي من الرأي الباطل الذي اتفق السلف على ذمِّه. • من كيده العجيب: أنه يشامُّ النفوس، حتى يعلم أي القوَّتَينِ تغلب عليها: قوة الإقدام والشجاعة، أم قوة الانكفاف والإحجام والمهانة. فإن رأى الغالب على النفس المهانة والإحجام أخذ في تثبيطه وإضعاف همته وإرادته عن المأمور به وثقله عليه، وهون عليه تركه، حتى يتركه جملةً أو يقصر فيه ويتهاون به، وإن رأى الغالب عليه قوة الإقدام وعلو الهمة أخذ يقلل عنده المأمور به، ويوهمه أنه لا يكفيه، وأنه يحتاج معه إلى مبالغة وزيادة. وقد اقتطع أكثر الناس إلا أقل القليل في هذين الوادين: وادي التقصير، ووادي المجاوزة والتعدِّي، والقليل منهم جدًّا الثابت على الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فقصَّر بقوم في خلطة الناس حتى اعتزلوهم في الطاعات؛ كالجمعة والجماعات والجهاد وتعلُّم العلم، وتجاوز بقوم حتى خالطوهم في الظلم والمعاصي والآثام. وقصَّر بقوم حتى منعهم من الاشتغال بالعلم الذي ينفعهم، وتجاوز بآخرين حتى جعلوا العلم وحده هو غايتهم، دون العمل به. وقصَّر بقوم حتى قالوا: إن الله سبحانه لا يُشفِّع أحدًا في أحد البتة، ولا يرحم أحدًا بشفاعة أحدٍ، وتجاوز بآخرين حتى زعموا أن المخلوق يشفع عنده بغير إذنه، كما يشفع ذو الجاه عند الملوك ونحوهم، وقصَّر بقوم حتى نفوا حقائق أسماء الربِّ تعالى وصفاته وعطَّلوه منها، وتجاوز بآخرين حتى شبَّهوه بخلقه ومثَّلُوه بهم. وقصَّر بقومٍ حتى عَادَوا أهلَ بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلوهم، واستحلُّوا من حرمتهم، وتجاوز بقوم حتى ادَّعَوا فيهم خصائص النبوَّة من العصمة وغيرها، وربما ادَّعَوا فيهم الإلهية. وقصَّر بقومٍ حتى أخملوا أعمال القلوب ولم يلتفتوا إليها، وعدُّوها فضلًا أو فضولًا، وتجاوز بآخرين حتى قصروا نظرهم وعملهم عليها، ولم يلتفتوا إلى كثير من أعمال الجوارح؛ [إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان]. شبكة الالوكة فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
﴿ وَأَنَّ ٱلْكَٰفِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١١﴾] (لا مولى لهم): يهديهم إلى سبل السلام، ولا ينجيهم من عذاب الله وعقابه، بل أولياؤهم الطاغوت؛ يخرجونهم من النور إلى الظلمات. السعدي:786. ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرُوا۟ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١٠﴾] كل موضع أمر الله سبحانه فيه بالسير في الأرض، سواء كان السير الحسي على الأقدام والدواب، أو السير المعنوي بالتفكير والاعتبار، أو كان اللفظ يعمهما... فإنه يدل على الاعتبار والحذر أن يحل بالمخاطبين ما حل بأولئك. ابن القيم:2/454. ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴿٧﴾ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ ﴿٨﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا۟ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٧﴾] وهذا وعيد للأمة بأنها إن تخلت عن نصر الله والجهاد في سبيله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وَكَلَها سبحانه إلى نفسها، وتخلَّى عن نصرها، وسلَّطَ عليها عدوها. ولقد وجد بعض ذلك من تسلط الفسقة لما وجد التهاون في بعض ذلك والتواكل فيه. البقاعي:7/155. ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٦﴾] فالذين يرتكبون جميع المعاصي ممن يتسمون باسم المسلمين، ثم يقولون: إن الله سينصرنا مغررون ; لأنهم ليسوا من حزب الله الموعودين بنصره كما لا يخفى. ومعنى نصر المؤمنين لله: نصرهم لدينه ولكتابه، وسعيهم وجهادهم في أن تكون كلمته هي العليا، وأن تقام حدوده في أرضه، وتمتثل أوامره، وتجتنب نواهيه. الشنقيطي:7/252. ﴿ وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٦﴾] أي بَيَّن لهم منازلهم في الجنة حتى يهتدوا إلى مساكنهم لا يخطؤون ولا يستدلون عليها أحدًا؛ كأنهم سكانها منذ خلقوا، فيكون المؤمن أهدى إلى درجته وزوجته وخدمه منه إلى منزله وأهله في الدنيا، هذا قول أكثر المفسرين. البغوي:4/154. ﴿ ۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَٰلَهُمْ ﴿٤﴾ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٤﴾] (ويصلح بالهم) أي: موضع فِكرهم؛ فيجعله مهيأ لكل خير، بعيداً عن كل شر، آمناً من المخاوف، مطمئناً بالإيمان بما فيه من السكينة، فإذا قتل أحد في سبيله تولى سبحانه وتعالى ورثته بأحسن من تولي المقتول لو كان حياً. البقاعي:7/153. ﴿ وَلَوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَا۟ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٤﴾] فإنه تعالى على كل شيء قدير، وقادر على أن لا ينتصر الكفار في موضع واحد أبداً، حتى يبيد المسلمون خضراءهم. (ولكن ليبلوا بعضكم ببعض) ليقوم سوق الجهاد، ويتبين بذلك أحوال العباد: الصادق من الكاذب، وليؤمن من آمن إيماناً صحيحاً عن بصيرة، لا إيماناً مبنياً على متابعة أهل الغلبة؛ فإنه إيمان ضعيف جداً لا يستمر لصاحبه عند المحن والبلايا. السعدي:785. ﴿ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنۢبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ ۗ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١٩﴾] وإذا كان مأموراً بالاستغفار لهم المتضمن لإزالة الذنوب وعقوباتها عنهم، فإن من لوازم ذلك النصح لهم، وأن يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه، ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه، ويأمرهم بما فيه الخير لهم، وينهاهم عما فيه ضررهم، ويعفو عن مساويهم ومعايبهم، ويحرص على اجتماعهم اجتماعاً تتألف به قلوبهم، ويزول ما بينهم من الأحقاد المفضية للمعاداة والشقاق الذي به تكثر ذنوبهم ومعاصيهم. السعدي:787- 788. ﴿ فَٱعْلَمْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنۢبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ ۗ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١٩﴾] عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن فضل العلم فقال: ألم تسمع قوله حين بدأ به: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) فأمر بالعمل بعد العلم، وقال: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب...) إلى قوله: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم...) [الحديد: 20- 21]، وقال: (واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة) [الأنفال: 28]، ثم قال بعد: (فاحذروهم) [التغابن: 14]، وقال تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء...) [الأنفال: 41]، ثم أمر بالعمل بعد. القرطبي:19/267. ﴿ فَٱعْلَمْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنۢبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَىٰكُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١٩﴾] عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه ﷺ: (ما أصبحت غداة قط إلا استغفرت اللّه فيها مائة مرة). عن ابن عمر -رضي اللّه تعالى عنهما- قال: إنا كنا لنَعُدُّ لرسول اللّه ﷺفي المجلس يقول: (رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم) مائة مرة. الألوسي:25/294. ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلْأَنْعَٰمُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١٢﴾] (كما تأكل الأنعام): أكل التذاذ ومرح من أي موضع كان، وكيف كان الأكل في سبعة أمعاء؛ أي في جميع بطونهم، من غير تمييز للحرام من غيره؛ لأن الله تعالى أعطاهم الدنيا، ووسع عليهم فيها، وفرغهم لها حتى شغلهم عنه. البقاعي:18/214. ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلْأَنْعَٰمُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١٢﴾] والذين جحدوا توحيد الله، وكذبوا رسوله صلى الله عليه وسلم يتمتعون في هذه الدنيا بحطامها ورياشها وزينتها الفانية... فمثلهم في أكلهم ما يأكلون فيها من غير علم منهم بذلك وغير معرفة، مثل الأنعام من البهائم المسخرة التي لا همة لها إلا في الاعتلاف دون غيره. الطبري:22 / 164. ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلْأَنْعَٰمُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١٢﴾] (والذين كفروا يتمتعون): في الدنيا كأنهم أنعام، ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم، ساهون عما في غدهم. وقيل: المؤمن في الدنيا يتزود، والمنافق يتزين، والكافر يتمتع. القرطبي:19/257. ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ ۖ ﴾ [سورة محمد آية:﴿١٢﴾] أنساهم دخولهم غصص ما كانوا فيه في الدنيا من نكد العيش ومعاناة الشدائد، وضموا نعيمها إلى ما كانوا فيه في الدنيا من نعيم الوصلة بالله، ثم لا يحصل لهم كدر ما أصلا، وهي مأواهم لا يبغون عنها حولا، وهذا في نظير ما زوي عنهم من الدنيا وضيق فيها عيشهم نفاسة منهم عنها، حتى فرغهم لخدمته وألزمهم حضرته حبا لهم وتشريفا لمقاديرهم. البقاعي:18/214. ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّوا۟ عَلَىٰٓ أَدْبَٰرِهِم مِّنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ۙ ٱلشَّيْطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٢٥﴾] يخبر تعالى عن حالة المرتدين عن الهدى والإيمان على أعقابهم إلى الضلال والكفران؛ ذلك لا عن دليل دلهم ولا برهان، وإنما هو تسويل من عدوهم الشيطان وتزيين لهم، وإملاء منه لهم. السعدي:789. ﴿ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَٰرَهُمْ ﴿٢٧﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُوا۟ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُوا۟ رِضْوَٰنَهُۥ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٢٧﴾] الجمع بين الإخبار عنهم باتباعهم ما أسخط الله وكراهتهم رضوانه، مع إمكان الاجتزاء بأحدهما عن الآخر للإيماء إلى أن ضرب الملائكة وجوه هؤلاء مناسب لإقبالهم على ما أسخط الله، وأن ضربهم أدبارهم مناسب لكراهتهم رضوانه؛ لأن الكراهة تستلزم الإعراض والإدبار. ابن عاشور:26/119. ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٢٤﴾] والمعنى: أفلا يتفهمونه، فيعلمون بما اشتمل عليه من المواعظ الزاجرة والحجج الظاهرة والبراهين القاطعة، التي تكفي من له فهم وعقل وتزجره عن الكفر بالله والإشراك به والعمل بمعاصيه؟! الشوكاني:5/38. ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٢٤﴾] وكأن القلبَ بمنْزلة الباب الْمُرتَج، الذي قد ضُرِبَ عليه قفل؛ فإنه ما لم يُفْتَح القفل لا يمكن فتح الباب والوصول إلى ما وراء، وكذلك ما لم يرفع الختم والقفل عن القلب لم يدخل الإيمان والقرآن. ابن القيم:2/454. ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوٓا۟ أَرْحَامَكُمْ ﴿٢٢﴾ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰٓ أَبْصَٰرَهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٢٢﴾] قوله: (أولئك الذين لعنهم الله): يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يفعلون هذا؛ يعني الذين يفسدون ويقطعون الأرحام الذين لعنهم الله، فأبعدهم من رحمته. (فأصمهم): يقول: فسلبهم فَهمَ ما يسمعون بآذانهم من مواعظ الله في تنزيله. (وأعمى أبصارهم): يقول: وسلبهم عقولهم، فلا يتبينون حجج الله، ولا يتذكرون ما يرون من عبره وأدلته.. الطبري:22/ 178 ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوٓا۟ أَرْحَامَكُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٢٢﴾] الرحم على وجهين: عامة وخاصة؛ فالعامة رحم الدين، ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان والمحبة لأهله، ونصرتهم، والنصيحة، وترك مضارتهم، والعدل بينهم، والنصفة في معاملتهم، والقيام بحقوقهم الواجبة؛ كتمريض المرضى، وحقوق الموتى من: غسلهم والصلاة عليهم ودفنهم، وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم. وأما الرحم الخاصة -وهي رحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه- فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة؛ كالنفقة، وتفقد أحوالهم، وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب. القرطبي:19/277. ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوٓا۟ أَرْحَامَكُمْ ﴿٢٢﴾ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰٓ أَبْصَٰرَهُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٢٢﴾] وقد علم من هذا أن من أمر بالمعروف، وجاهد أهل المنكر أمن الإفساد في الأرض وقطيعة الرحم، ومن تركه وقع فيهم. البقاعي:7/169. ﴿ هَٰٓأَنتُمْ هَٰٓؤُلَآءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِۦ ۚ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا۟ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓا۟ أَمْثَٰلَكُم ﴾ [سورة محمد آية:﴿٣٨﴾] (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه) أي: إنما ضرر بخله على نفسه؛ فكأنه بخل على نفسه بالثواب الذي يستحقه بالإنفاق. (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم) أي: يأت بقوم على خلاف صفتكم، بل راغبين في الإنفاق في سبيل الله. ابن جزي:2/344. ﴿ وَإِن تُؤْمِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْـَٔلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٣٦﴾] (ولا يسألكم) ربكم (أموالكم) لإيتاء الأجر، بل يأمركم بالإيمان والطاعة ليثيبكم عليها الجنة؛ نظيره قوله: (ما أريد منهم من رزق) [اذاريات:57]. وقيل: لا يسألكم محمد أموالكم؛ نظيره: (قل ما أسألكم عليه من أجر) [ص: 86]، وقيل: معنى الآية: لا يسألكم الله ورسوله أموالكم كلها في الصدقات، إنما يسألانكم غيضًا من فيض -ربع العشر- فطيبوا بها نفسًا. القرطبي:4/163. ﴿ إِنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْـَٔلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٣٦﴾] الأشبه أن هذا عطف على قوله: (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم) تذكيراً بأن امتثال هذا النهي هو التقوى المحمودة، ولأن الدعاء إلى السلم قد يكون الباعث عليه حبّ إبقاء المال الذي ينفَق في الغزو، فذُكروا هنا بالإيمان والتقوى ليخلعوا عن أنفسهم الوهن؛ لأنهم نُهُوا عنه وعن الدعاء إلى السلم، فكان الكف عن ذلك من التقوى. ابن عاشور:26/133. ﴿ فَلَا تَهِنُوا۟ وَتَدْعُوٓا۟ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٣٥﴾] (فلا تهنوا) أي: لا تضعفوا عن الأعداء. (وتدعوا إلى السلم) أي: المهادنة والمسالمة ووضع القتال بينكم وبين الكفار في حال قوتكم وكثرة عَدَدِكُم وعُدَدِكُم. (وأنتم الأعلون) أي: في حال علوكم على عدوكم، فأما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين، ورأى الإمام في المهادنة والمعاهدة مصلحة فله أن يفعل ذلك. ابن كثير:4/184. ﴿ فَلَا تَهِنُوا۟ وَتَدْعُوٓا۟ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٣٥﴾] (والله معكم): فيه بشارة عظيمة بالنصر والظفر على الأعداء. ابن كثير:4/184. ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوٓا۟ أَعْمَٰلَكُمْ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٣٣﴾] (ولا تبطلوا أعمالكم): يحتمل أربعة معان: أحدها: لا تبطلوا أعمالكم بالكفر بعد الإيمان، والثاني: لا تبطلوا حسناتكم بفعل السيئات، والثالث: لا تبطلوا أعمالكم بالرياء والعجب، والرابع: لا تبطلوا أعمالكم بأن تقتطعوها قبل تمامها. ابن جزي:2/343. ﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَأَرَيْنَٰكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَٰهُمْ ۚ ﴾ [سورة محمد آية:﴿٣٠﴾] ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عياناً، ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين ستراً منه على خلقه، وحملاً للأمور على ظاهر السلامة، ورداً للسرائر إلى عالمها. ابن كثير:4/183. ﴿ لِّتُؤْمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٩﴾] ومعنى التعزير في هذا الموضع: التقوية بالنصرة والمعونة، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال... فأما التوقير: فهو التعظيم والإجلال والتفخيم. الطبري:22/ 208. ﴿ لِيَزْدَادُوٓا۟ إِيمَٰنًا مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ ۗ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٤﴾] والحق الذي لا شك فيه أن الإيمان يزيد وينقص، كما عليه أهل السنة والجماعة، وقد دل عليه الوحي من الكتاب والسنة. الشنقيطي:7/394. ﴿ هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوٓا۟ إِيمَٰنًا مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٤﴾] قال الرازي: والسكينة: الثقة بوعد الله، والصبر على حكم الله، بل السكينة ههنا معين يجمع فوزاً وقوة وروحاً، يسكن إليه الخائف ويتسلى به الحزين، وأثر هذه السكينة الوقار والخشوع وظهور الحزم في الأمور. البقاعي:18/284. ﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَٰطًا مُّسْتَقِيمًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢﴾] عن المغيرة بن شعبة قال: كان النبي ﷺ يصلي حتى تَرم قدماه، فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا. الشوكاني:5/46. ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ﴿١﴾ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَٰطًا مُّسْتَقِيمًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١﴾] وجمع سبحانه له بين الهدى والنصر؛ لأن هذين الأصلين بهما كمال السعادة والفلاح؛ فإن الهدى هو العلم بالله ودينه، والعمل بمرضاته وطاعته، فهو العلم النافع والعمل الصالح. والنصر: القدرة التامة على تنفيذ دينه بالحجة والبيان والسيف والسنان؛ فهو النصر بالحجة واليد، وقهر قلوب المخالفين له بالحجة، وقهر أبدانهم باليد، وهو سبحانه كثيراً ما يجمع بين هذين الأصلين؛ إذ بهما تمام الدعوة وظهور دينه على الدين كله. ابن القيم:2/456. ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ﴿١﴾ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١﴾] رتب الله على هذا الفتح عدة أمور، فقال: (ليغفر لك الله ماتقدم من ذنبك وما تأخر)؛ وذلك والله أعلم بسبب ما حصل بسببه من الطاعات الكثيرة، والدخول في الدين بكثرة، وبما تحمَّل ﷺ من تلك الشروط التي لا يصبر عليها إلا أولو العزم من المرسلين. السعدي:791. ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١﴾] قال الزهري: لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية؛ وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم؛ أسلم في ثلاث سنين خلق كثير، وكثر بهم سواد الإسلام. البغوي:4/166. ﴿ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا ۚ بَلْ كَانُوا۟ لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١٥﴾] (بل تحسدوننا) على الغنائم، وهذا منتهى علمهم في هذا الموضع، ولو فهموا رشدهم لعلموا أن حرمانهم بسبب عصيانهم، وأن المعاصي لها عقوبات دنيوية ودينية؛ ولهذا قال: (بل كانوا لا يفقهون إلا قليلاً). السعدي: 793. ﴿ سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ ۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا۟ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ۚ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١٥﴾] أي يريدون أن يبدلوا وعد الله لأهل الحديبية؛ وذلك أن الله وعدهم أن يعوضهم من غنيمة مكة غنيمة خيبر وفتحها، وأن يكون ذلك مختصاً بهم دون غيرهم، وأراد المخلفون أن يشاركوهم في ذلك، فهذا هو ما أرادوا من التبديل. ابن جزي: 2/349. ﴿ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١٤﴾] وقدمت المغفرة هنا بقوله: (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) ليتقرر معنى الإطماع في نفوسهم، فيبتدروا إلى استدراك ما فاتهم. وهذا تمهيد لوعدهم الآتي في قوله: (قل للمخلفين من الأعراب) إلى قوله: (فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً). ابن عاشور: 26/166. ﴿ بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰٓ أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِى قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًۢا بُورًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١٢﴾] وإنما جعل ذلك الظن مزيناً في اعتقادهم لأنهم لم يفرضوا غيره من الاحتمال؛ وهو أن يرجع الرسول ﷺ سالماً. وهكذا شأن العقول الواهية والنفوسُ الهاوية: أن لا تأخذ من الصور التي تتصور بها الحوادث إلا الصورةَ التي تلوح لها في بادىء الرأي. ابن عاشور: 26/164. ﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْـًٔا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًۢا ۚ بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًۢا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١١﴾] لا أحد يدفع ضره ولا نفعه تعالى؛ فليس الشغل بالأهل والمال عذرا؛ فلا ذاك يدفع الضر إن أراده عز وجل، ولا مغافصة العدو تمنع النفع إن أراد بكم نفعا. الألوسي: 13/253. ﴿ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ ۚ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١١﴾] لما كان طلب الاستغفار منهم ليس عن اعتقاد، بل على طريقة الاستهزاء، وكانت بواطنهم مخالفة لظواهرهم فضحهم الله سبحانه بقوله: (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم). وهذا هو صنيع المنافقين. الشوكاني: 5/48 ﴿ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١٠﴾] لأنه بفعله ذلك يخرج ممن وعده الله الجنة بوفائه بالبيعة؛ فلم يضر بنكثه غير نفسه، ولم ينكث إلا عليها، فأما رسول الله ﷺ فإن الله تبارك وتعالى ناصره على أعدائه؛ نكث الناكث منهم، أو وفى ببيعته. الطبري: 22/210. ﴿ سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٣﴾] ولما وصف تلك السنة بأنها راسخة فيما مضى، أعقب ذلك بوصفها بالتحقق في المستقبل تعميماً للأزمنة بقوله: (ولن تجد لسنة الله تبديلا)؛ لأن اطراد ذلك النصر في مختلف الأمم والعصور، وإخبارَ الله تعالى به على لسان رسله وأنبيائه، يدل على أن الله أراد تأييد أحزابه، فيعلم أنه لا يستطيع كائن أن يحول دون إرادة الله تعالى. ابن عاشور:26/183. ﴿ وَكَفَّ أَيْدِىَ ٱلنَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ ءَايَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٠﴾] (وكف أيدي الناس عنكم): وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قصد خيبر، وحاصر أهلها، همت قبائل من بني أسد وغطفان أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة، فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم. البغوي:4/175. ﴿ وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَٰذِهِۦ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٠﴾] في هذا وعد منه سبحانه لعباده المؤمنين بما سيفتحه عليهم من الغنائم إلى يوم القيامة؛ يأخذونها في أوقاتها التي قدر وقوعها فيها. الشوكاني:5/51. ﴿ وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٠﴾] في هذا التدبير الذي دبره لكم من أنه لطيف يوصل إلى الأشياء العظيمة بأضداد أسبابها فيما يرى الناس؛ فلا يرتاع مؤمن لكثرة المخالفين وقوة المنابذين أبدا؛ فإن سبب كون الله مع العبد هو الاتباع بالإحسان الذي عماده الرسوخ في الإيمان الذي علق الحكم به، فحيث ما وجد الـمُعَلَّق عليه وجد الـمُعَلَّق؛ وهو النصر بأسباب جلية أو خفية. البقاعي:18/319. ﴿ لَّقَدْ رَضِىَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَٰبَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١٨﴾] قال رسول الله ﷺ: (لا يدخل النار إن شاء الله أحد من أهل الشجرة الذين بايعوا تحتها)... (فعلم ما في قلوبهم) يعني من صدق الإيمان وصدق العزم على ما بايعوا عليه... (وأثابهم فتحاً قريباً) يعني: فتح خيبر، وقيل: فتح مكة. والأول أشهر؛ أي جعل الله ذلك ثواباً لهم على بيعة الرضوان، زيادة على ثواب الآخرة. ابن جزي:2/349. ﴿ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١٧﴾] في الدنيا بالمذلة، وفي الآخرة بالنار. ابن كثير:4/193. ﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى ٱلْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ ۗ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿١٧﴾] ذكر تعالى الأعذار في ترك الجهاد: فمنها لازم كالعمى والعرج المستمر، وعارض كالمرض الذي يطرأ أياماً ثم يزول، فهو في حال مرضه ملحق بذوي الأعذار اللازمة حتى يبرأ. ابن كثير:4/193. ﴿ هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ ۚ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٨﴾] ذكر القرآن صلاح القوة النظرية العلمية، والقوة الإرادية العملية في غير موضع؛ كقوله: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله)؛ فالهدى كمال العلم ودين الحق كمال العمل؛ كقوله: (أولي الأيدي والأبصار) [ص: 45]. ابن تيمية:6/38. ﴿ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٧﴾] فيه تعريض بأن وقوع الدخول من مشيئته تعالى لا من جلادتهم وتدبيرهم. الألوسي:13/273. ﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٦﴾] هي لا إله إلا الله، وأضيفت إلى التقوى لأنها بها يتقى الشرك؛ فهي رأس كل تقوى. الألوسي:13/271. ﴿ ﴾ إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٦﴾] لَمَّا كانت حَمِيَّة الجاهلية توجب من الأقوال والأعمال ما يناسبها، جعل الله في قلوب أوليائه السكينة تقابل حمية الجاهلية، وفي ألسنتهم كلمة التقوى مقابلة لما توجبه حمية الجاهلية من كلمة الفجور. ابن القيم:2/458-459. ﴿ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٦﴾] وثمرة هذه السكينة: الطمأنينة للخبر تصديقاً وإيقاناً، وللأمر تسليماً وإذعاناً؛ فلا تدع شبهة تعارض الخبر، ولا إرادة تعارض الأمر، فلا تمر معارضات السوء بالقلب إلا وهي مجتازة من مرور الوساوس الشيطانية التي يبتلى بها العبد؛ ليقوى إيمانه، ويعلو عند الله ميزانه بمدافعتها وردها وعدم السكون إليها، فلا يظن المؤمن أنها لنقص درجته عند الله. ابن القيم:2/459. ﴿ إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٦﴾] إضافة الحمية إلى الجاهلية لقصد تحقيرها وتشنيعها؛ فإنها من خلق أهل الجاهلية؛ فإن ذلك انتساب ذم في اصطلاح القرآن كقوله: (يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية) [آل عمران: 154]، وقوله: (أفحكم الجاهلية يبغون) [المائدة: 50]. ابن عاشور:26/194. ﴿ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَٰتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَـُٔوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌۢ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِى رَحْمَتِهِۦ مَن يَشَآءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُوا۟ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [سورة الفتح آية:﴿٢٥﴾] فربما عَسَّرَ عليه أمراً يظهر له أن السعادة كانت فيه وفي باطنه سم قاتل، فيكون منع الله له منه رحمة في الباطن، وإن كان نقمة في الظاهر، فالزم التسليم مع الاجتهاد في الخير والحرص عليه، والندم على فواته، وإياك والاعتراض. وفي الآية أيضاً أن الله تعالى قد يدفع عن الكافر لأجل المؤمن. البقاعي:18/329. الكلم الطيب -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
قوله تعالى : (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )سورة الزمر الآية 42.
فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها أي يقبضها عند فناء آجالها والتي لم تمت في منامها اختلف فيه . فقيل : يقبضها عن التصرف مع بقاء أرواحها في أجسادها " فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى " وهي النائمة فيطلقها بالتصرف إلى أجل موتها ، قال ابن عيسى . وقال الفراء : المعنى ويقبض التي لم تمت في منامها عند انقضاء أجلها . قال : وقد يكون توفيها نومها ، فيكون التقدير على هذا : والتي لم تمت وفاتها نومها . وقال ابن عباس وغيره من المفسرين : إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله منها ، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى الأجساد أمسك الله أرواح الأموات عنده ، وأرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها . وقال سعيد بن جبير : إن الله يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا ، وأرواح الأحياء إذا ناموا ، فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف ، فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى أي : يعيدها . قال علي - رضي الله عنه - : فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة ، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها تلقيها الشياطين ، وتخيل إليها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة . وقال ابن زيد : النوم وفاة ، والموت وفاة . وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كما تنامون فكذلك تموتون ، وكما توقظون فكذلك تبعثون . وقال عمر : النوم أخو الموت . وروي مرفوعا من حديث جابر بن عبد الله قيل : يا رسول الله ، أينام أهل الجنة ؟ قال : لا ، النوم أخو الموت ، والجنة لا موت فيها خرجه الدارقطني . وقال ابن عباس : ( في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس ، فالنفس التي بها العقل والتمييز ، والروح التي بها النفس والتحريك ، فإذا نام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض [ ص: 233 ] روحه ) . وهذا قول ابن الأنباري والزجاج . قال القشيري أبو نصر : وفي هذا بعد ، إذ المفهوم من الآية أن النفس المقبوضة في الحال شيء واحد ، ولهذا قال : " فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى " فإذا يقبض الله الروح في حالين في حالة النوم وحالة الموت ، فما قبضه في حال النوم فمعناه أنه يغمره بما يحبسه عن التصرف فكأنه شيء مقبوض ، وما قبضه في حال الموت فهو يمسكه ولا يرسله إلى يوم القيامة . وقوله : ويرسل الأخرى أي : يزيل الحابس عنه فيعود كما كان . فتوفي الأنفس في حال النوم بإزالة الحس وخلق الغفلة والآفة في محل الإدراك . وتوفيها في حالة الموت بخلق الموت وإزالة الحس بالكلية . فيمسك التي قضى عليها الموت بألا يخلق فيها الإدراك ، كيف وقد خلق فيها الموت ؟ ويرسل الأخرى بأن يعيد إليها الإحساس .
الثانية : وقد اختلف الناس من هذه الآية في النفس والروح ، هل هما شيء واحد أو شيئان على ما ذكرنا . والأظهر أنهما شيء واحد ، وهو الذي تدل عليه الآثار الصحاح على ما نذكره في هذا الباب . من ذلك حديث أم سلمة قالت : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ، ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر وحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره قال : فذلك حين يتبع بصره نفسه . خرجهما مسلم . وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : تحضر الملائكة فإذا كان الرجل صالحا قالوا : اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ورب راض غير غضبان ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء . . . وذكر الحديث وإسناده صحيح . خرجه ابن ماجه ، وقد ذكرناه في التذكرة . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدان بها . . . . وذكر الحديث . وقال بلال في حديث الوادي : أخذ بنفسي يا رسول الله الذي أخذ بنفسك .
[ ص: 234 ] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقابلا له في حديث زيد بن أسلم في حديث الوادي : يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ، ولو شاء ردها إلينا في حين غير هذا .
الثالثة : والصحيح فيه أنه جسم لطيف مشابك للأجسام المحسوسة ، يجذب ويخرج وفي أكفانه يلف ويدرج ، وبه إلى السماء يعرج ، لا يموت ولا يفنى ، وهو مما له أول وليس له آخر ، وهو بعينين ويدين ، وأنه ذو ريح طيبة وخبيثة ، كما في حديث أبي هريرة . وهذه صفة الأجسام لا صفة الأعراض ، وقد ذكرنا الأخبار بهذا كله في كتاب التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة . وقال تعالى : فلولا إذا بلغت الحلقوم يعني النفس إلى خروجها من الجسد ، وهذه صفة الجسم . والله أعلم .
الرابعة : خرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه ، وليسم الله ، فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه ، فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن وليقل : سبحانك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فاغفر لها - وقال البخاري وابن ماجه والترمذي : فارحمها بدل فاغفر لها - وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين . زاد الترمذي وإذا استيقظ فليقل : الحمد لله الذي عافاني في جسدي ، ورد علي روحي ، وأذن لي بذكره . وخرج البخاري عن حذيفة قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ، ثم يقول : اللهم باسمك أموت وأحيا ، وإذا استيقظ قال : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور .
قوله تعالى : فيمسك التي قضى عليها الموت هذه قراءة العامة على أنه مسمى [ ص: 235 ] الفاعل " الموت " نصبا ، أي : قضى الله عليها ، وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد ، لقوله في أول الآية : الله يتوفى الأنفس فهو يقضي عليها . وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي " قضي عليها الموت " على ما لم يسم فاعله . النحاس ، والمعنى واحد ، غير أن القراءة الأولى أبين وأشبه بنسق الكلام ; لأنهم قد أجمعوا على " ويرسل " ولم يقرأوا " ويرسل " . وفي الآية تنبيه على عظيم قدرته وانفراده بالألوهية ، وأنه يفعل ما يشاء ، ويحيي ويميت ، لا يقدر على ذلك سواه .
إن في ذلك لآيات يعني في قبض الله نفس الميت والنائم ، وإرساله نفس النائم ، وحبسه نفس الميت " لقوم يتفكرون " . وقال الأصمعي سمعت معتمرا يقول : روح الإنسان مثل كبة الغزل ، فترسل الروح ، فيمضي ثم تمضي ثم تطوى فتجيء فتدخل ، فمعنى الآية : أنه يرسل من الروح شيء في حال النوم ومعظمها في البدن متصل بما يخرج منها اتصالا خفيا ، فإذا استيقظ المرء جذب معظم روحه ما انبسط منها فعاد . وقيل : غير هذا ، وفي التنزيل : ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي أي : لا يعلم حقيقته إلا الله . وقد تقدم في [ سبحان ] . اسلام ويب -
بواسطة امانى يسرى محمد · قامت بالمشاركة
كم من غني افتقر؟ وكم من مسرور شقي؟ وكم من مستقيم انحرف؟! جنى عليهم كلهم كفران النعم، ونسيان حق الله -تعالى- فيها، قال صلى لله عليه وسلم: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها"، وروى البيهقي في شُعَب الإيمان عن النعمان بن بشير وحسنه الشيخ الألباني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير". وقال تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ) [الزمر: 66]، وفي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام حتى تفطرت قدماه، فقالت عائشة -رضي الله عنها-: "أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: "يا عائشة، أفلا أكون عبداً شكوراً؟". (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34 ]. وهنا دعاء عظيم رواه أبو داود والنسائي بسند حسن علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته قال: "من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدى شكر يومه، ومن قال ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته". ما هي أسباب زوال النعم لاشك أنه من أكبر أسباب زوال النعم وجلب النقم، هو كفران النعم، وجحود المنعم، والاغترار بفتنة المال، وإنفاقه فيما يغضب الكبير المتعال، وليس مال المرء ما جمعه، ليقتسمه ورثته من بعده، بل حقيقة مال المرء، هو ما قدمه لنفسه، ذخراً له بين يدي خالقه. وورد في صحيح البخاري: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ، قَالَ: ((فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ))، فما أحسنَ أن يكونَ للمؤمنِ أثرٌ يَبقى له بعدَ موتِه، وذخرٌ له عندَ ربِّه، فأهل القبور في قبورهم مرتهنون، وعن الأعمال منقطعون، وعلى ما قدَّموا في حياتهم محاسبون، فالموفَّق من يموت ويبقى عملُه، ويرحلُ ويدومُ أثرُه. أسباب زوال النعم وقد أرشدَنا ديننا الحنيف إلى الأسباب التي تزيل نعمة الله وتمحق بركة الرزق، وذلك في القرآن الكريم وسنة النبي الأمين – صلى الله عليه وسلم -، والتي منها على سبيل الذكر لا الحصر:
1- كفران النعمة: كفران النعمة بمعنى إنكارها وجحودها وعدم الإقرار بها سواء كان هذا بالقلب أو باللسان أو بالفعل، فإذا كان القلب منكرا للنعمة فهذا كفر بها، وإذا قال اللسان كلاما يدل على إنكار النعمة فهو كفر بها، وكذلك إذا صدر فعل يدل على إنكار النعمة فهو كفر بها. وقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: “اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك” (أخرجه مسلم في صحيحه رقم: 2739)، وقال تعالى: ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ” (إبراهيم: 7)، وقال الإمام الطبري – رحمه الله -: وقوله تعالى” لئن شكرتم لأزيدنكم”، يقول: لئن شكرتم ربَّكم، بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم، لأزيدنكم في أياديه عندكم ونعمهِ عليكم، على ما قد أعطاكم من النجاة من آل فرعون والخلاص مِنْ عذابهم. وقال تعالى: ” ولئن كفرتم إن عذابي لشديد “، يقول: ولئن كفرتم، أيها القوم، نعمةَ الله، فجحدتموها بتركِ شكره عليها وخلافِه في أمره ونهيه، وركوبكم معاصيه (إن عَذَابي لشديد)، أعذبكم كما أعذب من كفر بي من خلقي، وقال ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره لهذه الآية: أي: لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، ولئن كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها إن عذابي لشديد، وذلك يسلبها عنهم وعقابه إياهم على كفرها. ( تفسير ابن كثير 4/479) . وقال تعالى: ” وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ” (النحل:112.)
قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره: ” هذا مثل أريد به أهل مكة فإنها كانت أمنة مطمئنة مستقرة يتخطف الناس من حولها ومن دخلها كان آمنا لا يخاف. كما قال تعالى: “وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا”، وهكذا قال ههنا “يأتيها رزقها رغدا” أي: هنيئا سهلا “من كل مكان فكفرت بأنعم الله” أي: جحدت آلاء الله عليها وأعظمها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إليهم كما قال تعالى: “ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار” ، ولهذا بدلهم الله بحاليهم الأولين خلافهما فقال: “فأذاقها الله لباس الجوع والخوف” أي: ألبسها وأذاقها الجوع بعد أن كان يجبى إليهم ثمرات كل شيء، ويأتيها رزقها رغدا من كل مكان وذلك أنهم استعصوا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبوا إلا خلافه فدعا عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء لهم فأكلوا العلهز وهو وبر البعير يخلط بدمه إذا نحروه، وقوله والخوف وذلك أنهم بدلوا بأمنهم خوفا من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه حين هاجروا إلى المدينة من سطوته وسراياه وجيوشه. ويقول الشيخ السعدي – رحمه الله – في تفسيره: ” وهذه القرية هي مكة المشرفة التي كانت آمنة مطمئنة لا يهاج فيها أحد، وتحترمها الجاهلية الجهلاء حتى إن أحدهم يجد قاتل أبيه وأخيه، فلا يهيجه مع شدة الحمية فيهم، والنعرة العربية فحصل لها من الأمن التام ما لم يحصل لسواها وكذلك الرزق الواسع، كانت بلدة ليس فيها زرع ولا شجر، ولكن يسر الله لها الرزق يأتيها من كل مكان، فجاءهم رسول منهم يعرفون أمانته وصدقه، يدعوهم إلى أكمل الأمور، وينهاهم عن الأمور السيئة، فكذبوه وكفروا بنعمة الله عليهم، فأذاقهم الله ضد ما كانوا فيه، وألبسهم لباس الجوع الذي هو ضد الرغد، والخوف الذي هو ضد الأمن، وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم وعدم شكرهم ” وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون “. 2- احتقار النعمة والانتقاص منها سبب عظيم في زوالها أو محق بركتها: لا شك أن احتقار النعمة مغاير من بعض الوجوه لكفرانها؛ فكفران النعمة جحود للنعمة من أصلها، أما احتقار النعمة فهو اعتراف بها لكنه مع احتقارها وانتقاصها، فهو مغاير للكفران من هذا الوجه. وقد حذرنا الله – عز وجل – في كتابه، وحذرنا رسوله – صلى الله عليه وسلم – في سنته من احتقار النعمة وبين لنا أن عاقبة ذلك هو زوال هذه النعمة أو زوال بركتها ، قال تعالى: ” وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ” (سبأ: 18). وقال ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره: يذكر تعالى ما كانوا فيه من الغبطة والنعمة، والعيش الهنيء الرغيد، والبلاد الرضية، والأماكن الآمنة، والقرى المتواصلة المتقاربة، بعضها من بعض، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء، بل حيث نزل وجد ماءً وثمرا، ويقيل في قرية ويبيت في أخرى، بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم، ثم بين تعالى ازدراءهم للنعمة وبطرهم فقال تعالى: ” فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ” ( سبأ: 19 ) . أسباب كثرة النقم لعل من أكبر الأسباب التي أدت بنا إلى هذا الحال من كثرة النقم هي كثرة المعاصي والمجاهرة بها ، واستحل الكثير من الناس المحرمات التي حرّمها الله في كتابه الكريم؛ كالزنا والربا والرشوة وعقوق الوالدين وهجر الأقارب ، وقطع صلة الرحم ، والسرقة والسلب ، ونهب الأراضي والعقار بغير وجه حقٍ ، وأكل أموال الناس بالباطل ، وجرائم القتل وإزهاق الأنفس المعصومة بغير حق ، والشح والبخل والحسد ، وعدم الرحمة بالفقراء والمحتاجين والأرامل والأيتام ، وشرب الخمور والمخدرات وغيرها من الموبقات يقول -سبحانه-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم: 41]، (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى: 30]. وكذلك من الأسباب التي أدت بنا إلى كثرة النقم: امتناع الكثير من الناس عن أداء الواجبات التي أوجبها الله في كتابه الكريم ، من توحيد لله -عزَّ وجلّ- وعدم الإشراك به ، وصلاة وزكاة وصيام وحج ، يقول -سبحانه وتعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)[الأعراف: 96 - 99]. وورد أن المعاصي مزيلة للنعم جالبة للنقم ، مؤدية إلى الهلاك والدمار، روى ابن ماجة والحاكم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:" يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ! خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ؛ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ". وجاء أنه إذا أردنا صلاحا لأحوالنا فعلينا أن نبادر بالتوبة والاستغفار والرجوع إلى الله -تعالى- ، علينا أن نقلع عن كبائر الذنوب الذي اقترفناها ولا زلنا نقترفها إلى اليوم؛ كشرب الخمور والمخدرات ، والخيانة الزوجية والاستهزاء بشعائر الإسلام، وإن أردنا صلاح الحال وتغير الأحوال فعلينا أن نجدد العهد مع الله ، ونفتح صفحة جديدة مع الله ، ونعيد النظر في توحيدنا لله؛ هل نحن موحدون لله حقا؟ هل نعرف الله حقَّ المعرفة في حال الرخاء وكثرة الخيرات والنعم أم لا ، أم نعرف الله إلاّ في حال الشدة ونزول الكوارث والزلازل؟ هل نلجأ إلى الله في جميع أحوالنا رخاءً وشدة سراء وضراء؟ يقول -سبحانه وتعالى-: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)[العنكبوت: 65، 66]. ولنعد النظر في تأدية صلواتنا؛ هل نحن نؤدي الصلاة على الوجه المطلوب شرعا أم نقوم بتسريع تأدية الصلاة فلا نتمُّ ركوعها ولا سجودها؟ هل نحن نؤدي زكاة أموالنا حقيقة على الوجه المطلوب؟ الواقع يقول أن الزكاة التي أوجبها الله على الأغنياء تكاد تكون معدومة على رغم من كثرة الخيرات ، وعلى الرغم من وفرة الأموال بصورة لم تكن معروفة في أزمنة سابقة ، في سنوات سبقت كان الواحد منهم يتمنى لو يجد كسرة خبز يسد بها جوعته ، واليوم الكثير من المسلمين في جميع بقاع الأرض يعيشون في بحبوحة مالية وفي رغد من العيش ، وبوسائل الرفاهية والراحة ، وبالتحكم عن بعد لم يعرفوها من قبل ، فعلى الرغم من هذه النعم التي أنعمها الله على عباده نجد أنَّ أكثر الناس لا يزكون إلاَّ من رحم ربِّي. وعليه إن أردنا أن تنزل الأمطار وتنزل الخيرات والبركات فعلينا أن نزكي أموالنا ، ونطهر نفوسنا من الجشع والطمع والبخل ، إن أردنا شفاءً لمرضانا فعلينا أن نداويهم بالصدقات ، إن أردنا أن يرحمنا الله فعلينا أن نرحم بعضنا البعض كبشر ، فالراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، ومن فرج على مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يَسَّر على معسر يسر الله عنه يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والأخرة والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه. عبـاد الله: اعتبروا من هلاك الأمم بكفران النعم, ودوموا على ذكر الله وشكره، وتأملوا وأنتم تقرؤون القرآن كيف هلكت دولة سبأ بكفران النعمة، وانقلبت أحوالها إلى الشقاء والضيق، فهل لنا فيها من معتَبر؟! وهل لنا فيها من مزدجر؟ وتأملوا قول الله -تعالى- في نوح -عليه السلام-: (إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً) [الإسراء: 3]. وكيف أثنى على إبراهيم -عليه السلام- بقوله: (شَاكِراً لأَنْعُمِهِ) [النحل: 121].
إنكم -يا مسلمون- لن تؤدوا حق الله في هذه النعم، ولكن هي عبادة جليلة تعنى الخضوع والاعتراف، قال داود -عليه السلام-: "كيف أشكرك يا رب؟ وشكري لك نعمة علي تستوجب الشكر، فقال: الآن شكرتني يا داود؟".
إذا كان شكري نعمةَ الله نعمةً *** عليّ ماله في مثلها يجب الشكرُ فكيف وقوع الشكر إلا بفضله *** وإن طالت الأيام واتصل العمرُ إذا مس بالسراء عم سرورها *** وإن مس بالضراء أعقبها الأجرُ وما فيها إلا إله ومنه *** تضيق بها الأوهام والبر والبحرُ اللهم اجعلنا لك ذاكرين، لك شاكرين، لك مطواعين، لك راهبين، إليك أواهين منيبين. ملتقى الخطباء
-
-
آخر تحديثات الحالة المزاجية
-
أم أنيس تشعر الآن ب حزينة
-
حواء أم هالة تشعر الآن ب راضية
-
مناهل ام الخير تشعر الآن ب سعيدة
-
سارة سيرو تشعر الآن ب مكتئبة
-
samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
-
-
إحصائيات الأقسام
-
إجمالي الموضوعات182142
-
إجمالي المشاركات2535415
-
-
إحصائيات العضوات
منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤
أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..