اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 56845
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109825
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180456
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56691
      مشاركات
    4. 259975
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23497
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8190
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32129
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4159
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30248
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      52906
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19526
      مشاركات
    4. 6677
      مشاركات
  5. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  6. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97004
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36833
      مشاركات
  7. سير وقصص ومواعظ

    1. 31791
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16436
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15474
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  8. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31145
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12928
      مشاركات
  9. مملكتكِ الجميلة

    1. 41313
      مشاركات
    2. 33879
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91735
      مشاركات
  10. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32198
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13116
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  11. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  12. IslamWay Sisters

    1. English forums   (35864 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  13. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101646
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)}
      الخيانة مقابلها الأمانة، والأمانة هي الشيء يستودعه واحد عند آخر بدون وثيقة عليه، ولا شهود. بل الأمر متروك إلى من عنده الأمانة، إن شاء أقر بها وإن شاء أنكرها؛ لأن الأمانة ليس عليها صك ولا عليها شهود. ولا عليها (كمبيالة)، وغير محكومة بأي شيء إلا بذمة من ائْتُمن، والحق سبحانه تعالى يقول: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السموات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب: 72].
      وكل الأجناس التي في الوجود ودون الإنسان من حيوان ونبات وجماد، كلها مُسخرة، ولا تملك الاختيار في أن تفعل أو لا تفعل. الشمس ليس لها اختيار في أن تقول: سأشرق اليوم على هؤلاء الناس، أو لن أشرق اليوم. والهواء لا يملك إرادة الاختيار، كل الكائنات التي أوجدها الله في هذا الوجود ما عدا الإنسان مسخرة للمؤمن وللكافر. ورفضت هذه الكائنات أن تحمل أمانة الاختيار، لكن الإنسان قال: أنا لي عقل يختار بين البديلات وأقبل تحمل الأمانة وسوف أؤدي كل مطلوبات الأمانة لأني أقدر على الاختيار.
      لكن الإنسان ادّعى لنفسه القدرة على أداء الأمانة. وكأنه قد وثق من نفسه أنه سيؤديها، وهو لا يعلم بأي شيء حكم ذلك الحكم على أمر غيبي مستقبلي.
      صحيح أنه ساعة التحمل كان في نيته أن يؤدي الأمانة، لكن ماذا عن ساعة الأداء؟. وأنت لا تعرف ماذا تجيء به الأحداث والأغيار معك، فقد يأتي لك ظرف تضطر أن تبدد فيه الأمانة؛ لذلك تجد العاقل هو من يقول: ابعد عني أمانة الاختيار، لأني لا أعلم ماذا ماذا ستفعل بي الأغيار لحظة الأداء. وكل ما دون الإنسان أعلن عدم تحمل الأمانة وقبل التسخير، أما الإنسان فأعلن قبول الأمانة وأنه سيؤديها. ووصفه القرآن الكريم بقوله: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب: 72].
      (ظلوماً) لنفسه لأنه حمّل نفسه شيئاً ليس في يده. و(جهولاً) لأنه قاس وقت التحمل ولم يذكر وقت الأداء. فلم يضع في الاعتبار ما سوف تفعل به الأغيار.
        ويقول الحق عز وجل هنا: {لاَ تَخُونُواْ الله والرسول وتخونوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
      وكثير من التصرفات السلوكية للإنسان تكون مستترة عن أعين الخلق؛ لأن أعين الخلق حين ترى جريمة ما، فهي تستدعي رجال القانون ليأخذوا حق المجتمع من المجرم، لكن ماذا عن الجرائم المستترة؟.
      نحن نعلم أن كل جريمة تطفو وتظهر واضحة إنما توجد تحتها جرائم مختفية؛ لأن الذي يقتل إنما يخفي جرائم أخرى؛ مثل شرائه السلاح بدون ترخيص، وإن كان لا يملك نقوداً فقد يسرق ليشتري السلاح، ثم يقوم بتجنيد غيره لمساعدته في القتل، وكل ذلك جرائم مستترة، وبالتأكيد هناك سلوكيات باطنة يأتي بعدها السلوك المقلق للمجتمع وهو الجريمة الظاهرة، وقصارى قانون البشر أن يحرس المجتمع من الجرائم الظاهرة فقط، لكن عين القانون لا ترى الجرائم الباطنة والخفية، أما عين الدين فتختلف، إنها ترشد الأعماق إلى الصواب؛ لأن الدين أمانة وضعها الحق- الذي خلق الخلق- في ضمير الإنسان.
        فإياك أن تخون الأمانة في الأمور السرية التي لا يعرفها أحد سوى الله؛ لأن الأمور التي يعرفها الناس يمكن أن تدافع عنها أمام هؤلاء الناس، بخلاف الأمور الباطنة وهي المهمة؛ لأنها هي التي تسيطر على إيجاد السلوك.
      فإياك أن تخون الله والرسول، وتخون الأمانة التي وضعت لك. ولا حجة لك- في ذلك- إلا اختيارك. إن شئت فعلت وإن شئت تركت، وعلى الإنسان ألا يخون الأمانة التي بينه وبين ربه وإذا لم تتوافر الحراسة الإيمانية من ضميره على الأعمال الباطنة قد ينحرف؛ لأن كل جريمة ظاهرة إنما تتم بتبييت أمرٍ باطن.
        وما دمت قد آمنت بالله تعالى ربّا بمحض اختيارك، فالتزم بالأشياء التي جاء لك بها من آمنت به، وأنت تعلم: أن الإيمان هو علة كل تكليف، وعلى سبيل المثال؛ أنت تصلي خمسة فروض لأن المشرع أمرك بذلك؛ تصلي في الصبح ركعتين، وفي الظهر أربع ركعات، وفي العصر أربع ركعات، وثلاث ركعات في المغرب، وأربع ركعات في العشاء؛ لأن المشرع وهو المولى سبحانه وتعالى أمرك بذلك. وأنت تصوم لأن الله أمرك أن تصوم، فإن أدركت من بعد الصيام أن فيه منافع لك، فهذا موضوع آخر، ومع ذلك تظل علة الصيام أن الله أمرك به، وهكذا تكون علة كل حكم هي الإيمان بمن حكم بهذا الحكم.
        {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ الله والرسول} [الأنفال: 27].
      وما الخيانة؟. إن مادة الخيانة كلها الانتقاص؛ وضده التمام، والكمال، والوفاء. ويقابل كل ذلك الاختيان والغدر. فإذا كان الله يقول لنا: لا تخونوا الله والرسول، فعلينا أن نلتزم؛ لأن التشريع وصلنا من الله بواسطة الرسول، ومن يطع الرسول فقد أطاع الله؛ لأن الله لم يخاطبنا مباشرة، بل خاطب رسولاً اصطفاه من خلقه وأيده بمعجزة. وكل بلاغ وصلنا إنما كان بواسطة الرسول.
      {لاَ تَخُونُواْ الله والرسول}.
        فلا تخن الله فيما جاء في القرآن، وجاء من الرسول المفوَّض من الله بأن يشرع. وتشريع الرسول واتباعه جاء في قوله تعالى: {وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7].
      فلله أمانة فيما نص عليها قرآناً، وللرسول أمانة فيما لم ينص عليه القرآن إلا بتفويض قائل القرآن للرسول بأن يشرع، فإن أطعت هذا الرسول، فقد أطعت الله.
      وعرفنا أن الاختيانَ هو الانتقاص، ومعنى الانتقاص هو الوقوف بعيداً عن الكمال والإتمام المطلوب. والإنسان حين آمن يصبح للإيمان في النفس أمانة.
      فأنت قد آمنت أنه لا إله إلا الله، وأمانة هذا الإيمان تقتضيك ألاَّ تجعل لمخلوق ولاية عليك ولا ولاء له إلا أن يكون هذا الولاء نابعاً من اتباع منهج الله تعالى. وهذه هي أمانة الشهادة، أما أمانة الرسالة فهي الحرص على تطبيق كل ما بلغه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه قدر الاستطاعة.
        إذن فالأمانة مع الله تعالى أن تلتزم بكلمة الإيمان في أنه لا إله إلا الله، وإياك أن تعتقد في أن أحدا يمكنه أن يتصرف فيك، أو يملك لك ضرّاً أو نفعاً، أو أن مصالحك ممكن أن تقضى بعيداً عن الله، فكل شيء بيد الله سبحانه صاحب الحول والطول ولا إله إلا الله، وإياك أن تفهم أن حكماً يجيء لك عن غير طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنك إن خرجت عن هذا الإطار تكون إنساناً لم يؤد أمانة الله ولا أمانة الرسول.
      والقمة في الأمانة هي إيمان بالله، وإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم. والله قد أمر بأحكام وحين تقبلها فلها أمانة، وأمانتها هي أداؤها من غير نقص في شيء سواء كان عاماً أو خاصاً، ولو في الحديث يجري أمامك، وتمتد أمانة الإيمان إلى كل شيء، مثل أمانة أي مجلس توجد فيه، فلا يحق لك ان تنقل أسرار غيرك إلى هذا المجلس أو أسرار المجلس إلى آخرين.
        ونعرف رجلاً من قادة العرب هو زياد بن أبيه وكان شديد الحزم، فوشى واش بهمام بن عبد الله السلولي إلى زياد، وتوقع القوم عقاباً صارماً بهمام؛ لأن زياداً كان يأخذ بالظن، لكن الله ألهم همَّاماً كلمة ظلت دستوراً يطبق، وحين استدعى زياد هماماً، قال زياد: بلغني أنك هجوتني. قال همام: كلا أصلحك الله. ما فعلت ولا أنت لذلك بأهل. فقال: إن هذا الرجل- وأخرج الرجل من الخباء- أخبرني. فنظر همام إليه فوجده جليساً وصديقاً ومؤنساً، فلما رآه كذلك أقبل عليه وقال: أنت امرؤ إما ائتمنتك خالياً فخنت، وإما قلت قولاً بلا علم فأبت- رجعت- من الأمر الذي كان بيننا بمنزلة الخيانة والإثم، أي إما أنك خائن أو آثم، فإن كنت قد ائتمنتك على كلمة نفست بها عن نفسي فأنت خائن، وإن كنت اختلقتها عليّ فأنت كاذب، فأعجب زياد هذا المنطق، وأقصي الواشي ولم يتقبل منه. ويقال إنه خلع همام الصلة والعطايا. فكان همام حين يرى الواشي يقول له: هل لك في وشاية أخرى تغنيني؟!!
      وفي سيرته صلى الله عليه وسلم وقائع حدثت في تاريخه حتى من بعض الصحابة، وعلى سبيل المثال: نحن نعلم أنه حينما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، جعل عهداً بينه وبين اليهود، فاستقام لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما استقاموا للعهد، فلما خالفوا هم العهد؛ أراد رسول الله أن يؤدبهم، فأدبهم، وكان أول ذلك في بني النضير وأوضح لهم أنه لن يقتلهم، بل سيكتفي بإخراجهم من ديارهم وإبعادهم إلى الشام.
      ثم حدثت خيانة من بني قريظة، وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة من الزمن. فبعثوا إلى رسول الله من يقول: يا رسول الله إن بني قريظة يريدون ان تصنع بهم ما صنعته مع بني النضير، أي أن بني قريظة يعرضون ترك البلاد إلى الشام، فرفض الرسول ذلك إلا بعد أن يحكّم فيهم سعد بن معاذ، وكان يحب بني قريظة وبينه وبينهم صلة، وعرف بنو قريظة أن رسول الله يطمئن إلى حكم سعد بن معاذ فقالوا: لا ولكن أرسل لنا أولاً أبا لبابة، وهذه كُنْيته، أما اسمه فهو مروان بن عبد المنذر، وكان ماله في يد اليهود يتاجرون له فيه، أي أن بينه وبينهم صلةً مالية.
      ذهب أبو لبابة إلى اليهود، فاسْتَشاروه في الأمر متسائلين: أنرضى بحكم سعد بن معاذ؟ فماذا قال أبو لبابة؟ قال: إنه الذبح، وأشار إلى حلقومه، وبعد ذلك لام أبو لبابة نفسه وقال: والله ما جالت قدماي حتى تيقنت أني خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن انظروا إلى الإيمان، ويقين الإيمان، وترجيح أمر الآخرة على أمر الدنيا، والنظر إلى أن افتضاح الإنسان في الدنيا أمر هين بالنسبة لافتضاحه في الآخره.
      ذهب إلى سارية المسجد- أي عمود في وسط المسجد- على مرأى ومشهد من الناس، وحكم على نفسه بأن يربط نفسه بالسارية بيده، وظل لا يَطْعَم ولا يَشْرَب سبعة أيام، حتى خارت قواه وغشي عليه وسقط، فعطف الله عليه، وأبلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله قد تاب عليه. فقالوا له: حل نفسك بنفسك لأنك أنت الذي ربطت نفسك، فقال: والله لا أحلها حتى يحلني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحله من السارية.
      لماذا فعل أبو لبابة ذلك بنفسه؟ لأنه شعر بأنه خان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه قال لليهود إنه الذبح.
        وهناك صحابي آخر هو حاطب بن أبي بلتعة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع أمره لفتح مكة وأراد أن يستر مقدمه حتى تفاجأ قريش. وتكون المفاجأة سبباً في عدم تولد اللدد وليتم الصلح. لذلك كتم الأمر، وبعد ذلك جلس رسول الله بين صحابته وأعلمه الله أن حاطبا قد أرسل إلى قريش يخبرها. فانتدب عليّاً ومعه صحابيان وأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذهبوا إلى مكان حدَّده لهم في الطريق إلى مكة ليجدوا فتاةً معها كتاب إلى قريش، فلما ذهبوا إلى المكان المحدد وجدوا الفتاة، فقال لها الإمام عليّ: أخرجي ما معك، فقالت: ليس معي شيء.
      فمسك عليّ بن أبي طالب عقيصتها وأخرج الكتاب من المكان الذي تخبئ فيه أشياءها، فوجد رسالة تحذير لقريش، وعاد عليّ- كرّم الله وجهه- بالرسالة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم حاطبا: ما حملك على هذا يا حاطب؟
      قال: والله يا رسول الله لقد علمت أن ذلك لا يضرك في شيء، وأن الله ناصرك.. ناصرك، ولكني أردت أن أتخذ لي يداً عند قريش، لأنني رجل ضعيف ولا مال لي ولا أهل.
      فعفا عنه رسول الله صلى الله وسلم رغم أن هذا نوع من اختيان الرسول. ولكنْ عليك أن تعلم أن كل مخالفة لحكم قبلته من الله الذي آمنت به يعتبر خيانة للأمانة.
      {لاَ تَخُونُواْ الله والرسول وتخونوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27].
      أي لا تخونوا الله والرسول في المنهج ولا تخونوا أماناتكم فيما بينكم وأنتم تعلمون، أي ألا يخون أحدكم قومه عن عمد، ويؤخذ من هذا القول ثبوت المغفرة في حالة الخطأ والنسيان، والممنوع أن تخون وأنت تعلم وتقصد، لكن إن حدث أمر بسبب فلتة لسان، فاعلم أن ربنا سبحانه وتعالى غفور رحيم، وله فضل عظيم، لا يأخذك بالسهو، وأنتم تعلمون بالفطرة أن مثل هذا الفعل رذيلة لا يقبل عليها إنسان كريم، ولو لم يكن متديناً، وعليك أن تقيس الأمر بمقياس واضح هو: أتحب أن يفعل أحد معك نفس ما تفعله مع غيرك؟. وهذا سؤال تكون إجابته دليل الفطرة. فإن عرفت أن الفطرة ترفض الفعل ولا تقبله، فعليك ألا تفعله، لأنه مناف لهذه الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها، وعلى سبيل المثال: إن اللص لو تخيل نفسه مسروقاً لما رضي أن يسرق، والمعتدي على العرض، لو تخيل أن هناك من يعتدي على عرضه لما اقترف الاعتداء على عرض الغير بهدف تحقيق شهوة في النفس. وما لا ترضاه لنفسك يجب عليك ألا ترضاه لغيرك. أتحب أن يخونك أحد في حديث أو في أمانة؟ لا؛ لذلك عليك أن تقيس كل أمر لا من الطرف الآخر، بل من طرفك أنت.
        إذن فقول الحق تبارك وتعالى: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي متعمدون، غير ناسين أو ساهين، أو جاء الأمر كفلتة لسان؛ لأنكم إذا كنتم تعلمون، ففي ارتكاب هذه الأفعال خيانة والله ينهي عن ذلك فيقول: {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ الله والرسول وتخونوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27].
      ونلحظ أن الخطاب هنا لجماعة المؤمنين، وجاءت الأمانات أيضاً جماعة، وأنت حين تُفصِّل الأمانات المجموعة على القوم المخاطبين بذلك، تعلم أنَّ على كل إنسان تكليفاً محدوداً هو ألا يخون أمانته مثلما يقول الأستاذ للتلاميذ: أخرجوا أقلامكم. فعذا أمر لجماعة التلاميذ بأن يخرج كل واحد قلمه.
    • برنامج بنيان مرصوص. د. رقية العلواني.(الرحمة)   استوقفتني كثيراً الآية التي يقول فيها ربي عز وجل مخاطباً حبيبه صلى الله عليه وسلم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء) الرحمة، الرحمة هي خلاصة هذا الدين العظيم، ديننا يقوم على الرحمة، علاقتنا بالله عز وجل تقوم على الرحمة، علاقتنا بالآخرين تقوم على الرحمة، علاقتي بالكون من حولي تقوم على الرحمة، وعلى قدر ما أمتلك من الرحمة في قلبي وفي سلوكي وفي تصرفاتي على قدر ما أنال من رحمة الله عز وجل فالراحمون يرحمهم الله ومن لا يَرحم لا يُرحَم.   ولكن قبل أن نخوض في الحديث عن الرحمة أكثر دعونا نتعرف ما هي الرحمة إبتداءً؟ هل هي مجرد شعور مؤقت؟ هل هي مجرد عاطفة جياشة تدفعني إلى سكب شيء من الدموع من عيني وأنا أرى بعض المناظر المؤلمة ثم بعد ذلك ألتزم الصمت؟ أم أن الرحمة التي تتحدث عنها الآية والتي هي خلاصة هذا الدين العظيم وخلاصة علاقتي بالآخرين وخلاصة كل شيء في ديني إنما هي خُلُق ثابت وسجيّة وطبع ينبغي أن يتحول بالتصرفات وبالأعمال وبالأقوال إلى شيء ثابت شيء أعتاد عليه يصبح جزء من حياتي يصبح جزء من عملي اليومي، أن تتحول تصرفاتي لإزالة ما يقع على الآخرين من أذى، أيّ نوع من أنواع الأذى، أيّ نوع من أنواع الألم والحزن أراه ربما في بعض الأحيان حتى على طير يطير أمام عيني ورأيت أن هذا الطير أو هذه الحمامة ربما تعاني من شيء تعاني ربما من كسر في جناحيها تعاني من أي شيء تعاني من عطش هي لا تتكلم ولا تملك لغة البيان أو التعبير عن الحزن، ولكن أنا بما امتلكت به من إنسانية ومن رحمة تأثرت بها نتيجة لاعتزازي ونتيجة لفهمي لتعاليم ديني بشكل صحيح. تحرّكت في نفسي المشاعر والعواطف من الرحمة فقمت بإزالة الأذى عن هذه الحمامة أو هذا الطائر أو قطة تمشي على الأرض أو أي شيء.   إذاً هي ما عادت مجرد عاطفة ولا عادت مجرد دمعة أو دمعتين وإن كان هذا بعض أعراضها ولكن هي تحولت إلى تصرّف يدفع بالإنسان المسلم إلى القيام بشيء لأجل إزالة الأذى أو الضرر أو ما يقع من ألم أو حزن على الآخرين، أن أُسهم في حل أن أُسهم في تغيير الشيء السلبي الذي أراه أمامي أن أسهم في تغيير الحزن الذي أراه بادياً على وجوه الأخرين من حولي ربما كانوا لا يعيشون قريباً مني ربما كانوا بعيدين عني ولكني أُسهم بطريقة أو بأخرى في إيجاد حل وإيقاف أحزانهم وآلامهم وما يمرون به، هذه هي الرحمة. هذه هي الرحمة التي أراد ربي عز وجل أن يجعلها جزءاً لا يتجزأ من هذا الدين القائم على الرحمة. إسلام بدون رحمة لا يسمى إسلاماً كاملاً، هو رحمة، ملخص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة للعالمين، للكل، للمسلم ولغير المسلم، لمن يعيش قريباً مني ولمن يعيش بعيداً عني، للجميع، رحمة.   فما هو حظي من هذه الرحمة هذا السؤال الذي أحتاج أن أوجهه لنفسي في إطار محاسبة ومراجعة الذات ما هو نصيبي من الرحمة بالآخرين؟ أولاً ما هو نصيبي من الرحمة بنفسي؟ وقد يتساءل الإنسان كيف؟! طبعاً أنا أرحم الناس بنفسي نفسي، أقرب الناس إليّ فكيف لا ينالها النصيب والحظ الأكبر من الرحمة؟! الحقيقة أن هذا الأمر أحياناً يغيب عن بال الكثيرين منا إذا كانت رحمتي بنفسي رحمة حقيقية فعليّ أن أترجم هذه الرحمة إلى تصرفات، إن كنت أشد الناس رحمة بنفسي فعلي أن أرحمها بتجنب ما يغضب الله عز وجل والإبتعاد عنه، علي أن أرحمها بتقديم العمل الصالح، أرأيت لو أن الله عز وجل قد أنعم عليك بفضل مال شيء زائد عن حاجتك ربما طعام ربما ملبس ربما أي شيء من عَرَض الدنيا إذا كنت بالفعل رحيماً بنفسك فعليك أن تبادر بإخراج ما لديك من فضل ومن زيادة للآخرين . إذا كان يكفيك صحن من الطعام أخرج ما زاد عن حاجتك للآخرين لجيرانك لمن حولك حتى لمن لم تعرف أخرج كل ما لديك هذه من أعظم أشكال الرحمة بنفسك أولاً قبل الرحمة بالآخرين وتأكد تماماً أن خلاصة رحمتك بنفسك إنما تنحصر في مدى إشغال هذه النفس بعمل الخير والسعي فيه والعمل الصالح وتقديمه قبل فوات الأوان.
      ما من استثمار أعظم من أن تستثمر في العمل الصالح والخير، اِشغل نفسك بالطاعات إذا أردت أن تقدم وتستأثر بشيء لنفسك فقدّمه بين يدي الله (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ (110) البقرة) كل أنواع الخير بكل أشكاله، الكلمة الطيبة، الإبتسامة الصادقة، المواساة بالكلمة، المواساة بالرحمة، المواساة بتفريج الكروب وتنفيس الهموم عن الآخرين ومواساتهم بكلمة طيبة وبمبادرة غير متوقعة من عمل صالح من أعظم الأعمال التي تعكس مدى رحمتي بنفسي أولاً قبل رحمتي بالآخرين لأن البعض يخطئ ويبخل حين يعتقد أن العمل الصالح الذي أقدمه أنا أقدمه للآخرين. اِسمح لي أنت مخطئ، عمل الخير الذي تقدمه أنت للآخرين إنما تقدمه لنفسك ولذلك من عمل خيراً فلنفسه كما أن من يعمل السوء إنما هو يعمل هذا السوء على نفسه. إذاً هو الرحمة بالنفس أولاً هي التي أحتاج أن أجددها ثم هذه الرحمة بالنفس تبدأ تفيض بالعطاء لأن الرحمة سبحان الله العظيم كالنبع تماماً بقدر ما تأخذ منه بقدر ما يزداد عطاءً وفيضاناً بالخير، كلما أمسكت عن العطاء كلما بدأ هذا النبع أن ينضب شيئاً فشيئاً إذا أردت الزيادة فيه عليك أن تأخذ منه أكثر، عليك أن تفيض به أكثر.   الرحمة بالآخرين الرحمة لا تحتاج في بعض الأحيان إلى عطاء مادي لأننا نحن في الآونة الأخيرة كل شيء حولناه إلى أشياء مادية كل شيء مادي يعتقد البعض منا أنه إذا أخرج ديناراً أو درهماً أو جنيهاً للآخرين اِنتهت مسؤوليته تماماً لا يحتاج إلى إخراج شيء آخر، لا، المسألة لا تنحصر في العطاء المادي. بل العطاء المادي إذا لم يكن أساساً مُخرَجاً بالعطاء المعنوي والعاطفي لا يصبح ذاك العطاء ذو معنى ولا له أي نوع من أنواع المعاني التي أراد لها هذا الدين العظيم أن تتواجد في نفس المعطي قبل نفس من يأخذ بمعنى آخر قبل أن تخرج العطاء المادي قلّ أو كثر ضع معه شيئاً من لمسة الحنان والعطف والرحمة والحب والشفقة بالآخرين. الجنيه والدينار إذا أُخرِج بدون رحمة وبدون شفقة وبدون رغبة صادقة وبدون إيمان بالله سبحانه الذي أمر بالرحمة الذي من أسمائه عز وجل “الرحمن الرحيم” أكثر اسمين نرددهما ونكررهما “الرحمن الرحيم” بعد لفظ الجلالة “الله” ولذا تتكرر الكلمة بسم الله الرحمن الرحيم لتذكرني بأن ديني مبني على الرحمة ومشتق من الرحمة. الجنيه أو الدينار الذ يخرج بدون رحمة جاف ناشف متيبس متصلب لن يؤدي قيمته ولن يؤدي معناه أو غرضه الإنفاق قبل أن يكون إنفاقاً مادياً هو إنفاق عاطفي إنفاق الرحمة عوّد نفسك دائماً قبل أن تقدم أي شيء مادي إسأل نفسك سؤالاً مباشراً يا نفس بما تشعرين كيف تشعرين؟ لماذا تمتد يدك بالعطاء المادي للآخرين؟ أين الرحمة اِبحث عن الرحمة في جوهرك في داخلك قبل أن تمتد يدك إلى جيبك.   هذه النقطة نقطة مهمة ينبغي أن تكون وأن تستحضر في حياتنا. الناس في كثير من الأحيان كل من حولنا ليسوا بحاجة إلى العطاء المادي بقدر حاجتهم إلى العطاء المعنوي وعطاء الرحمة ولذلك قد يسبق درهم ألف درهم وقد يسبق دينار ألف ألف ألف دينار لأن ذاك الدينار قد أُخرِج برحمة وربما الألف ألف ألف خرجت ناشفة يابسة لا عطاء فيها ولا رحمة لا روح فيها لأنها خلت من الرحمة. المسألة ليست العطاء المادي، المسألة عطاء الروح وعطاء الرحمة ولذلك الإنسان وقد ذُكر هذا في القرآن في أكثر من مرة الإنسان أحياناً يتمنى من أعماق قلبه أن يكون لديه فضل من مال أو فضل من وقت أو فضل من شي يقدمه للآخرين ولكنه لا يمتلك ولكن النية مع الله قد صدقت. إنفاق الرحمة صدق فيه فوصلت الدرجة ووصل العمل ووصل الإحسان على الرغم من أنه لم يواكبه العطاء المادي لأن المطلوب هو الرحمة وليس المطلوب العطاء المادي البحت الخالي من الرحمة.   اليوم في عصرنا وفي وقتنا الحاضر كلنا نشكو من قسوة في القلب قسوة في قلوبنا حتى ونحن نقرأ ونتلو آيات القرآن العظيم والتأثر إلى حد كبير. القسوة ونحن نرى في كل يوم وليلة عشرات المناظر المؤلمة التي ينبغي أن تفجر القلب كمداً وحزناً على ما فيها من مناظر مؤلمة، أشياء ينفطر لها القلب السليم القلب الحيّ، القلب الذي لا يزال فيه بقية من روح. ولكن نحن ونحن نعيش حالة القسوة التي نعيش ربما ننظر إلى هذه المناظر ونحن نحتسي طبقاً من الحساء أو كوباً من الشاي أو ربما حتى طبقاً من الحلو ونحن ننظر إلى هذه المناظر المؤلمة! إنسان يحترق، يد تقطع، رجل تكسر، بيت يهدم على أصحابه، حيّ بأكمله يُدَكّ دكاً فيصبح أثراً بعد عين ونحن ننظر إلى هذه المناظر ونقول ويمكن تخرج كلمة “لا حول ولا قوة إلا بالله” ولكن هي ليست الكلمات، السؤال أين الرحمة؟ وقد يقول أو يبادر البعض منا وماذا بيدي حتى أغيّر؟ الرحمة ليست أن يطلع بيدك أو يخرج من يدك، الرحمة شعور في القلب، اِسأل قلبك أين الرحمة؟ اِسأل قلبك أين العطف؟ اِسأل قلبك أين الشفقة؟ وحاول أن تقوم بعملية قياس لمقدار الرحمة في قلبك أرأيت ذلك الجهاز الذي يستعمله الكثيرون جهاز قياس السكر في الدم حتى يبين للإنسان أن كان السكر مرتفع أو منخفض، أين أجهزة قياس الرحمة في قلوبنا؟ في حياتنا؟ في واقعنا؟ جهاز قياس الرحمة يتمثل في أمرين: الأمر الأول مدى تحرك مشاعرك من الداخل في القلب يعني بمعنى آخر اِسأل نفسك وأنت تنظر وأنت ترى هذه المناظر مع أحوال القلب؟ تأثر؟ تألم؟ صرخ؟ أم تجمدت فيه مشاعر الإحساس ما عاد يصرخ ولا عاد يبكي ولا عاد يتأثر؟ أصبح الأمر عنده سيان رأى أم لم يرى! هذه واحدة. الأمر الآخر ما هي الخطوة التي قرر القلب أن يتخذها لأجل أن يغير ما يراه ويزيل ما يراه من آلام الآخرين؟ ولو كان هذا التغيير أو هذه الخطوة أن ترتفع يدي بقلب صادق ومعها دموع صادقة وساخنة في نفس الوقت تعبر عن إحساسي لله سبحانه متجهة بكل صدق لله سبحانه أن يا رب غير ما قد نزل بإخوتي وإخواني من المسلمين في كل مكان غيّر حالهم غيّر أحزانهم فرّج همومهم نفّس كروبهم.   وأنا متأكدة أنك ستبادر بالقول وتقول أدعو في كل صلاة بهذا الدعاء أنا لا أتكلم عن الدعاء أنا أتكلم عن الشعور والإحساس الذي يصاحب هذا الدعاء أنا أتكلم عن الألم أنا أتكلم عن دعوة المضطر التي يقول فيها ربي عز وجل (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ (62) النمل) هل وصل قلبي وقلبك إلى مرحلة الاضطرار حتى يجيب ربي الدعاء وأنا أرى كل هذا الكمّ المهول من الألم والحزن الذي بات يخيم على مدن وقرى وقلوب وتجمعات المسلمين في كل مكان؟! هذا الذي نتساءل عنه، نحن لا نتحدث عن الكلمات نحن نحاول هنا أن نتسامر ونتحادث ونتشاكى لبعضنا البعض عن المشاعر عن الأحاسيس عن القلوب لأن عُمدة البنيان المرصوص ليست هي مجموعة ذرات الاسمنت أو الطوب، لا، هي ذرات الإحساس ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما قلنا في أول حديثنا عن البنيان المرصوص قال “إذا اشتكى منه عضو” أحاسيس، مشاعر، القضية لا تتحدث فقط عن الأعمال والتصرفات والأموال والأشياء الشكلية نستطيع أن نقول وإن كانت ليست شكلية نحن نتحدث عن العمق هذا الذي نريد أن نصل إليه، لأن على قدر حظي من هذا العمق والإحساس على قدر حظي من العمل ومن النتيجة والثمر. يعني أشعر أني قد أثقلت عليكم كثيراً ولكن أحياناً بصدق هذا النوع من الشعور نحن نحتاج إليه حتى يعيد فينا من جديد المعاني التي ربما افتقدناها، الشعور بالرحمة. أستودعكم الله السلام عليكم ورحمة الله.    
    • {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)}
      يذكّر الحق عز وجل هنا صاحب الحال الأعلى بالماضي الأدنى، ليثبت له: أن الذي نقلك من أدنى حياة إلى أعلى حياة، موجود ولا يزال موجوداً، وما دام قد شاءت قدرته أن ينقلك من الأدنى للأعلى، فقدرته سبحانه وتعالى- إن شاءت- نقلتك من الأعلى إلى الأدنى. فإذا كنت في حال أعلى؛ إياك أن تنسى أنك كنت في حال أدنى. وعليك أن تعترف بجميل عطاء الخالق المنعم المتفضل وتقول: إن ربي القوي العظيم هو الذي وهبني ورفع مكانتي ولم أفعل ذلك بمهارتي، وحتى إن كنت قد ارتقيت بالمهارة، فالمهارة عطاء منه سبحانه وتعالى، لذلك يقول المولى عز وجل هنا: {واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرض}.
      أي اجعلوا هذا الأمر على بالكم دائما وإياكم أن تخافوا أية قوة مهما بلغت هذه القوة، ولكن أعدوا لكل قوة ما يناسبها من أسلوب المواجهة الكثير؛ لأنكم حملة دعوة، ومن يحمل الدعوة قد يعاني من المصاعب والمتاعب والمشقات؛ لكن يجب ألاَّ يفت ذلك في عضدكم.
        لقد كان المسلمون الأوائل قلة تعاني من إذلال واضطهاد الكافرين الأقوياء. وكان المسلم من الأوائل لا يجد أحياناً من يحميه من اضطهاد المتجبرين، فيلجأ إلى كافر يتوسم فيه الرحمة ويقول له: أجرني من إخوانك الكفر. وحين بلغ الضعف بالمسلمين الأوائل أشده، ولم يجدوا حامياً لهم من ظلم وتعذيب الكفار، عرض عليهم صلى الله عليه وسلم أن يهاجروا إلى الحبشة؛ لأنَّ فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد. وكانت الهجرة إلى الحبشة هرباً من قوة الخصوم، ولم يظل حال المسلمين كذلك، بل نصرهم الله لا بقوتهم، ولكنه سبحانه وتعالى شاء لهم أن يأخذوا بأسباب منهجه فانتصروا وعلت كلمة الله عز وجل.
        إننا نتخذ من هذه المسألة حجة ومثلاً نواجه به من يشككون في قدرة المسلمين على إدارة الحياة والارتقاء بها؛ لأن العالم كله قد شهد ألف عام كان المسلمون فيها هم قادة العلم والفكر والابتكار، وكانت غالبية الدول تخضع لحكم دولة الإسلام.
      لقد سبق أن قلت: إن هارون الرشيد الخليفة المسلم بعث لشارلمان ملك فرنسا بهدية هي ساعة دقاقة بالماء؛ تم تصميمها بدقة عالية تفوق طاقة خيال الناس في فرنسا، ولحظة أن شاهدوها في فرنسا ظنوا أن الشياطين هي التي تحركها؛ لأن التقدم العلمي والتطبيقي في بغداد في ذلك الوقت فاق كل التصور الأوروبي حيث كانوا يعيشون في تخلف علمي شديد.
        لكن المسألة انعكست في زماننا هذا وصرنا نعاني من تخلف في الأخذ بأسباب الله للاستفادة بالعلم، فحين جاء (الراديو) وجاء (التليفزيون) إلى بعض البلاد الإسلامية، وجدنا من يقول عن الراديو: إن بداخله شيطاناً يتكلم ويلوّن ويغير من صوته.
      ولم يغير أصحاب هذا الرأي اندهاشهم ورفضهم لوجدوا محطة الإذاعة وأجهزة الاستقبال في بلادهم إلا بعد أن قلنا لهم: حرّكوا مؤشر الراديو وستجدونه يذيع القرآن الكريم، وحين فعلوا ذلك استمعوا إلى صوت الشيخ محمد رفعت، وكان يقرأ في سورة مريم، وقلنا لأصحاب هذا الرأي: إن الشيطان لا يقرأ القرآن، بل إن الإذاعة وأجهزة الاستقبال هي اختراعات علمية توصل إليها من أخذوا بأسباب الله في العلم التطبيقي.
      وحين جاء اختراع (الميكروفون) وطالب الكثير بوضعه في المساجد وقت صلاة الجمعة، وجدنا البعض يرفض دخول الميكروفون إلى المسجد، متجاهلاً أن هناك مساجد كبيرة يحتاج إسماع الناس فيها لخطبة الجمعة وجود أكثر من (ميكروفون). وقلت لواحد من هؤلاء: ليصلح الله حالك وبالك، لماذا ترتدي نظارة طبية وتضعها على عينيك؟ أجابني: لأن نظري ضعيف والنظارة تكبر لي الكتابة. فقلت: وهكذا (الميكروفون) يكبر الصوت ليسمعه من يجلس بعيداً عن المنبر والإمام، أثناء صلاة الجماعة وصلاة الجمعة.
        فإذا كان بعض من الدول الإسلامية قد وصل بها الحال إلى هذا الحد من العجز في تقبل العلم، فهذا تنبيه لنا لأن نعيد الأخذ بأسباب الله في الكون، ولنطور العلوم، ونخدم بها منهج الله، بدلاً من أن نظل متخلفين رغم أن منهج الله يحضنا على الأخذ بالأسباب الموجودة في الكون، وكلنا يعلم أن كون الله في يده والنواميس في يده، يسخرها سبحانه وتعالى لمن يأخذ بالأٍباب.
        ويذكرنا الحق تبارك وتعالى بقوله: {واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرض تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ الناس} [الأنفال: 26].
      والخطف هو أخذ بسرعة، أي أن يأخذ إنسان أو جماعة غير الحق، وعرفنا من قبل أنَّ أخذ غير الحق له صُوَر متعددة، والمثال: نجد تاجراً يعرض أيْ يفرش بضاعته من تمر أو تفاح، ويأتي أحد المارة لينظر إلى البضاعة المعروضة والمفروشة وليس معه نُقُود يشتري بها فيخطف تفاحة أو بعضاً من التمر ويجري بسرعة، ويحاول صاحب البضاعة أن يلحق به وحاول اللص أن يتخلص ويفلت منه؛ فهذا اسمه (غصب)، أما السرقة، فهي أخذ المال خفيةً من حرز وصاحبه غير موجود. ويختلف كل ذلك عن الاختلاس؛ لأن الاختلاس هو أن تأخذ مما في حوزتك وأنت مأمون عليه؛ إذن أخذ غير الحق له عدة صور هي: خطف، أو غصب، أو سرقة أو اختلاس. والحق تبارك وتعالى يقول: {تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ الناس فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ} [الأنفال: 26].
      أي يأخذونكم دون أن يدافع عنكم أحد. وها أنتم أولاء قد صرتم أقوياء باستقرار الإيمان في قلوبكم، وبمدد من الله عز وجل؛ لذلك يجب أن تذكروه دائماً امتناناً وتقديرا وعبادة، وشكراً، وخشوعاً.
      فهو سبحانه وتعالى قد أعطاكم الاستقرار في المأوى الجديد- المدينة المنورة- ورحب بكم مجتمع الإيمان في المدينة المنورة.
        وعندما دخلتم إلى المدينة أقمتم المسجد وهو سمة استمرار النور من السماء هداية للأرض. كان هذا هو أول عمل لكم ولم تنشغلوا من قبله بأي عمل آخر. واعتبركم الأنصارُ إخوةً، فصرتم أقوياء بأخوة الإيمان، وصاروا هم أيضا أقوياء بهذه الأخوة بعد أن كان اليهود هناك يستفتحون عليهم بالرسول القادم، جاء الرسول وكان في نصرة المستضعفين وصار منهجه قوة لكم وللأنصار، وكان المهاجر منكم يجد الدعوة من الأنصارى إلى بيته، لا للطعام ولا للشراب فقط، بل للإقامة أيضاً.
        ثم حدث الملحظ العجيب، فالإنسان إذا أنعم الله عليه بنعم شتى، فقد يحب أن يمتع صاحبه من هذه النعم، إلا المرأة، فالزوج يغار على نسائه. لكن الأنصاري من هؤلاء إن كان متزوجاً من اثنين، يقول للمهاجر: لقد جئت من مكة إلى المدينة دون أهلك. فانظر إلى زوجتيَّ، فأيهما تعجبك أطلقها وتتزوجها بعد انقضاء عدتها، هذا هو الملظ العجيب، وهي مسألة لا يمكن أن تمر على خيال العربي أبداً.
      ويذيل الحق تبارك وتعالى الآية الكريمة بقوله: {وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطيبات لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26].
      وقد رزقهم المولى سبحانه وتعالى وأمدهم بالخيرات والأسلحة والنفائس وهزموا صناديد قريش، ولم تكن الغنائم تحل لأحد من الأنبياء من قبل، لكنها أحلت لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذن فالذي صنع لكم كل ذلك حقيق أن يُذكر فلا ينسى وأن يشكر دائما.
    • {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)}
        يأمرنا الحق عز وجل أن نتقي الفتن من بدئها قبل أن يستفحل شأنها. وأن يتجنب الإنسان المعصية، وأن يضرب المجتمع على يد أي انحراف، فمن يسرق الآن الخزائن قد بدأ أولا بسرقة اليسير، سرق من أخيه أو من البيت ثم من الجيران ثم من البنك. ولو أن كل انحراف عوجل بالضرب على يد من فعله وهو صغير لما كبر المنحرف والانحراف. ولتم وأد الجرائم الكبيرة في مهدها؛ لأن من ارتكب الصغيرة قد عوقب. وإياكم أن يقول أحدكم ما دام مثل هذا الانحراف لا يمسني فليس لي به شأن؛ لأن الذي اجترأ على مثلك، من السهل أن يجترئ عليك. ونحن نعرف جميعاً قصة الثيران الثلاثة؛ الأحمر والأبيض والأسود، فقد هاجم الأسد الثور الأبيض فأكله، ولم يدافع عنه الثور الأحمر أو الأسود. وهاجم الأسد الثور الأحمر بعد ذلك فقال الثور الأسود لنفسه: ما دام الأسد لم يأكلني فلا دخل لي بهذا الأمر. وجاء الأسد إلى الثور الأسود، بينما هو يقترب منه قال: لقد أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض.
      إذن فقول الحق تبارك وتعالى: {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [الأنفال: 25].
      هذا القول يدلنا على أن اتقاء الفتنة يبدأ من الضرب على أيدي صانع الفتنة وهي في بدايتها. وأضرب هذا المثل ليبقى في الذاكرة دائما؛ إن الأم التي قسمت الأكل بما فيه من لحم وخضر وفاكهة على الأبناء، فأكل أحد الأبناء نصيبه، ثم احتفظت الأم ببقية أنصبة إخوته في الثلاجة، ومن بعد ذلك لاحظت الأم أن الابن الذي أكل نصيبه يأكل نصيب أحد إخوته من خلف ظهرها ودون استئذانها، وهنا يجب أن تؤنبه وتعاقبه على مثل هذا الفعل حتى لا يتمادى في ذلك.
        كذلك إن دخل الابن بلعبة أو بشيء يفوق قدرة مصروف يده على الشراء، فعلى الأب أن يضرب على يد الابن حتى لا يتمادى الولد في إفساد نفسه. ولذلك نجد أن الحق سبحانه وتعالى جعل الدية في القتل الخطأ على العاقلة وهم العصبة أي قرابة القاتل من جهة أبيه، ويطلق عليهم العائلة- أي عائلة القاتل- لأن أفراد العائلة حين يرون أن كلاً منهم سوف يصيبه جزء من الغرم، فإنه يضرب على يد من يتمادى في إرهاب الغير وتهديدهم إن كان من عائلته.
        ولذلك ترى أن الناس إذا رأوا الظالم ثم لم يضربوا على يده فإن الله يعمهم بغضب من عنده؛ لأن الظالم يتمادى في ظلمه وطغيانه ويعربد في الآخرين. فيستشري الظلم في المجتمع ويحق على الجميع عقاب الله. ولذلك نجد سيدنا أبا بكر رضوان الله عليه- يقول، يبين لنا ذلك فيما رواه عنه الإمام أحمد.
      فقد روى الإمام أحمد قال: قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس أنتم تقرأون هذه الآية: {ياأيها الذين آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهتديتم} وإنكم تضعونها على غير موضعها.
      وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه، يوشك الله- عز وجل- أن يعمهم بعقابه».
      ويبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطريق الفاصل في القضايا العقدية والحكمية ويأتي بمثال واضح يتفق عليه الكل، فيقول صلى الله عليه وسلم: فيما يرويه عنه النعمان بن بشير: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها. فكان الذين في أسفلها إذا استقوْا من الماء مرُّوا على مَنْ فوقهم، فقالوا لو أنّا خرقنا خرقاً في نصيبنا ولم نؤذ منْ فَوْقنا. فإن يَتْركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوْا ونَجَوْا جميعا).
      والرسول صلى الله عليه وسلم يضرب لنا المثل بقوم ركبوا سفينة، وأجروا فيما بينهم القرعة لينقسموا إلى جماعتين؛ جماعة تجلس في النصف الأعلى من السفينة أي على سطحها، وجماعة تسكن في بطن السفينة، حسب ما تأتي به قسمة القرعة وهي ما تسمى بالاستهام.
      وهذا يدلنا على أنهم أناس طيبون، ولا توجد فيهم جماعة قوية تفرض شيئاً على جماعة ضعيفة. وكان الذين يسكنون أسفل السفينة حين يريدون الماء يصعدون إلى أعلى لينزلوا الأواني من فوق سطح السفينة إلى النهر.
      ولو تُرك الذين في أسفل السفينة لتنفيذ رغبتهم في خرق السفينة ليأخذوا الماء من النهر لغرقت السفينة، لكن إن ضرب الذين يعيشون فوق السفينة على يد من يريدون خرقها لنجوا جميعاً.
      وهكذا يكون فهمنا لقول الحق تبارك وتعالى: {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب} [الأنفال: 25].
        ولسائل أن يسأل ويقول: إن العقاب يقع هنا على الظالم والمظلوم، والظالم هو الذي يستحق العقاب على ما وقع منه من ظلم، ولكن ما ذنب المظلوم؟ والجواب: أن المظلوم قد كان في مكنته أن يرد الظلم لكنه سكت عن ذلك فاستحق أن يشمله العقاب.
      وإن لم تنتبه المجتمعات إلى مقاومة الفتن، أنزل الله بها العقاب، وعقاب الحق تبارك وتعالى أشد من عقاب الخلق.
    • (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه)   {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)}
        وهنا نقل المسألة من سماع إلى استجابة؛ لأن مهمة السماع أن تستجيب.
      {ياأيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}
      أي استجيبوا لله تعالى تشريعا، وللرسول صلى الله عليه وسلم بلاغاً، وغاية التشريع والبلاغ واحدة، فلا بلاغ عن الرسول إلا بتشريع من الله عز وجل، بل وللرسول صلى الله عليه وسلم تفويض بأن يشرع. ورسول الله لم يشرع من نفسة، وإنما شرع بواسطة حكم من الله تعالى حيث يقول: {وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7].
        وأضرب هذا المثل- ولله المثل الأعلى-: نسمع أن فلاناً قد فُصل لأنه غاب خمسة عشر يوماً عن عمله في وظيفته، ويعود المحامي إلى الدستور الذي تتبعه البلد فلا يجد في مواد الدستور هذه الحكاية، ويسمع من المحامي الأكثر خبرة أن هذا القانون مأخوذ من تفويض الدستور للهيئة التي تنظم العمل والعاملين.
      ورسول الله صلى الله عليه وسلم مفوض من ربه بالبلاغ وبالتشريع.
      {استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم} [الأنفال: 24].
        ونجد هنا أيضاً أن الحق تبارك وتعالى قال: {إِذَا دَعَاكُم} ولم يقل: إذا دعَوَاكُمْ، وفي ذلك توحيد للغاية، فلم يفصل بين حكم الله التشريعي وبلاغ الرسول لنا. ونعلم أن الأشياء التي حكم فيها الرسول صلى الله عليه وسلم حكماً ثم عدّل الله له فيها الحكم، هذا التعديل نشأ من الله، وهو صلى الله عليه وسلم لم ينشئ حكماً عدّله الله تعالى إلا فيما لم يُنزِل الله فيه حكماً. وحين ينزل الله حكماً مخالفاً لحكم وضعه الرسول، فمن عظمته صلى الله عليه وسلم أنه أبلغنا هذا التعديل، وهكذا جاءت أحكامه صلى الله عليه وسلم إذا وافقت حقّاً فلا تعديل لها، وإن لم يكن الأمر كذلك فهو صلى الله عليه وسلم يعدل لنا. وبذلك تنتهي كل الأحكام إلى الله تعالى. فإذا قال قائل: كيف تقول إن قول الرسول يكون من الله؟ نجيب: إنه سبحانه القائل: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى} [النجم: 3-4].
      و(الهوى)- كما نعلم- أن تعلم حكماً ثم تميل عن الحكم إلى مقابله لتخدم هوًى في نفسك، والرسول صلى الله عليه وسلم حينما عمد إلى أي حكم شرعه ولم يكن عنده حكم من الله عز وجل، فإن جاءه تعديل أبلغنا. إذن ما ينطق عن الهوى. أي من كل ما لم ينزله الله، وحكم فيه صلى الله عليه وسلم ببشريته، ولم يكن له هوى يخدم أي حكم، ونجد في قول الله تعالى: {ياأيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم} [الأنفال: 24]. أنَّ كلمة (دعاكم) مفردة، مثلها مثل كلمة (يرضوه) في قوله لكم: {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 62].
      ومثلها مثل الضمير في (عنه) في قوله تعالى: {أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ} [الأنفال: 20].
        وفي هذه الآيات الكريمة توحيد للضمير بعد المثنى، وهذا التوحيد كان مثار شبهة عند المستشرقين، فقالوا: كيف يخاطب اثنين ثم يوحدهما؟ ونقول لمن يقول ذلك: لأنك استقبلت القرآن بغير ملكة العربية. فلم تفهم، ولو وجد الكفار في أسلوب القرآن ما يخالف اللغة لما سكتوا، فهم المعاندون، ولو كانوا جربوا في القرآن كلمة واحدة مخالفة لأعلنوا هذه المخالفة. وعدم إعلان الكفار عن هذه الشبهات التي يثيرها الأعداء، يدل على أنهم فهموا مرمى ومعنى كل ما جاء بالقرآن، وهم فهموا - على سبيل المثال- الآية التي يكرر المستشرقون الحديث عنها ليشككوا الناس في القرآن الكريم، وهي قول الحق تبارك وتعالى: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى فَقَاتِلُواْ التي تَبْغِي حتى تفياء إلى أَمْرِ الله فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بالعدل وأقسطوا إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} [الحجرات: 9].
      وتساءل المستشرقون- مستنكرين-: كيف يتحدث القرآن عن طائفتين، ثم يأتي الفعل الصادر منهما بصيغة الجمع؟. ونقول: إن (طائفتان) هي مثنى طائفة، والطائفة لا تطلق على الفرد، إنما تطلق على جماعة، مثلما نقول: المدْرَسَتان اجتمعوا؛ وصحيح أن المَدْرسة مفرد. لكن كل مدرسة بها تلاميذ كثيرون، وكذلك (طائفتان)، معناها أن كل طائفة مكونة من أفراد، وحين يحدث القتال فهو قتال بين جمع وجمع؛ لذلك كان القرآن الكريم دقيقاً حين قال: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا}
      ولم يقل القرآن الكريم: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلا؛ لأن هذا القول لا يعبر بدقة عن موقف الاقتتال لأنهم كطائفتين، إن انتهوا فيما بينهم إلى القتال. فساعة القتال لا يتحيز كل فرد لفرد ليقاتله، وإنما كل فرد يقاتل في كل أفراد الطائفة الأخرى، وهكذا يكون القتال بين جمع كبير من أفراد الطائفتين.
        وبعد ذلك يواصل الحق تبارك وتعالى تصوير الموقف من الاقتتال بدقة فيقول سبحانه: {فَقَاتِلُواْ التي تَبْغِي حتى تفياء إلى أَمْرِ الله فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9].
      وهنا يقول سبحانه وتعالى: {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا}، ولم يقل: أصلحوا بينهم. وهكذا عدل عن الجمع الذي جاء في الاقتتال إلى المثنى؛ لأننا في الصلح إنما نصلح بين فئتين متحاربتين، ونحن لا نأتي بكل فرد من الطائفة لنصلحه مع أفراد الطائفة الأخرى. ويمثل كل طائفة رؤساؤها أو وفد منها، وهكذا استخدم الحق المثنى في مجاله، واستخدم الجمع في مجاله، وسبحانه وتعالى منزه عن الخطأ.
      وهنا في الآية التي ما زلنا بصدد خواطرنا عنها وفيها يقول المولى سبحانه وتعالى: {ياأيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].
      وفي أولها نداء من الله للمؤمنين، والنداء يقتضي أولاً أن يكون المنادى حيّاً؛ لأنه سبحانه وتعالى القائل: {وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء وَلاَ الأموات إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القبور} [فاطر: 22].
      إذن: كيف يقول سبحانه لمن يخاطبهم وهم أحياء: {دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}؟.
      وهنا نقول: ما هي الحياة أولاً؟. نحن نعلم أن الحياة تأخذ مظهرين، مظهرَ الحسّ ومظهرَ الحركة، ولا يتأتى ذلك إلا بعد أن توجد الروح في المادة فتتكون الحياة، وهذه مسألة يتساوى فيها المؤمن والكافر. وثمرة الحياة أن يسعد فيها الإنسان، لا أن يحيا في حرب وكراهية وتنغيص الآخرين له وتنغيصه للآخرين، والحياة الحقيقية أن يوجد الحسّ والحركة، شرط أن تكون حركة كل إنسان تسعده وتسعد من حوله، وبذلك تتآزر الطاقات في زيادة الإصلاح في الأمور النافعة والمفيدة، أما إذا تبددت الطاقات الناتجة من الحسّ والحركة وضاعت الحياة في معاندة البعض للبعض الآخر، فهذه حياة التعب والمشقة، حياة ليس فيها خير ولا راحة. وهذا ما يخالف ما أراده الحق سبحانه وتعالى للخلق، فقد جعل الله عز وجل الإنسان خليفة له في الأرض ليصلح لا ليفسد، وليزيد الصالح صلاحاً، ولا تتعاند حركة الفرد مع غيره؛ لأن كل إنسان هو خليفة لله، وما دمنا كلنا خلفاء لله تعالى في الأرض. فلماذا لا نجعل حركاتنا في الحياة متساندة غير متعاندة؟
      وعلى سبيل المثال: إن أراد إنسان أن يخدم نفسه ومن حوله بحفر بئر، هنا يجب أن يتعاون معه جميع من سوف يستفيدون من البئر؛ فمجموعة تحفر، ومجموعة تحمل التراب بعيداً، ليخرج الماء ويستفيد منه الجميع، لكن أن يتسلل إنسان ليردم البئر، فهذا يجعل حركة الحياة متعاندة لا متساندة.
        وقد نزل المنهج من الله عز وجل ليجعل حركة الحياة متساندة؛ لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {ياأيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].
      والنداء هنا من الله للمؤمنين فقط، فإذا قال الله: يأيها الذين آمنوا استجيبوا لما آمنتم به؛ فهو لم يطلب أن تستجيب لمن لم تؤمن به، بل يطلب منك الاستجابة إذا كنت قد دخلت في حظيرة الإيمان بالله، واهتديت إلى ذلك بعقلك، وبالأدلة الكونية واقتنعت بذلك، وصرت تؤمن أنه إذا طلب منك شيئاً فهو لا يطلب منك عبثاً؛ بل طلب منك لأنك آمنت به تعالى إلهاً، وربّاً، وخالقاً، ورازقاً، وحكيماً، وعادلاً.
      حين يأمرك من له هذه الصفات، فمن الواجب عليك أن تستجيب لما يدعوك إليه.   ولله المثل الأعلى؛ نجد في حياتنا الأب والأم يراعيان المصالح القريبة للغلام، ويأمره الأب قائلا: اسمع الكلام لأني والدك الذي يتعب من أجل أن تنعم أنت.
      وتضيف الأم قائلة له: اسمع كلام والدك، فليس غريباً عنك، بل لك به صلة وهو ليس عدوّاً لك، وتجربته معك أنه نافع لك ويحب لك الخير، هنا يستجيب الابن. وكلنا عيال الله، فإذا ما قال الله: يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول المبلغ عن الله لأنه سيدعوكم لما يحييكم فعلينا أن نستجيب للدعوة.
      الداعي- إذن- هو الله تعالى وقد سبقت نعمه عليك قبل أن يكلفك، وهو سبحانه قد أرسل رسولاً مؤيداً بمعجزة لا يستطيع واحد أن يأتي بها، ويدعو كل إنسان إلى ما فيه الخير، ولا يمنع الإنسان من الاستجابة لهذا الدعاء إلا أن يكون غبيا.
        ونلحظ في حياتنا اليومية أن الإنسان المريض، المصاب في أعز وأثمن شيء عنده وهو عافيته وصحته، وهو يحاول التماس الشفاء من هذا المرض ويسأل عن الطبيب المتخصص فيما يشكو منه، وهناك لكل جزء من الجسم طبيب متخصص، فإذا كان له علم بالأطباء فهو يذهب إلى الطبيب المعين، وإن لم يكن له علم فهو يسأل إلى أن يعرف الطبيب المناسب، وبذلك يكون قد أدى مهمة العقل في الوصول إلى من يأمنه على صحته. فإذا ما ذهب إلى الطبيب وشخص له الداء وكتب الدواء، في هذه اللحظة لن يقول المريض: أنا لا أشرب الدواء إلا إن أقنعتني بحكمته وفائدته وماذا سيفعل في جسمي؛ لأن الطبيب قد يقول للمريض: إن أردت أن تعرف حكمة هذا الدواء، اذهب إلى كلية الطب لتتعلم مثلما تعلمت. وطبعاً لن يفعل مريض ذلك؛ لأن المسألة متعلقة بعافيته، وهو سيذهب إلى الصيدلية ويشتري الدواء ويسأل عن كيفية تناوله، والمريض حين يفعل ذلك إنما يفعله لصالحه لا لصالح الطبيب أو الصيدلي.
        والرسول صلى الله عليه وسلم حين يدعونا لما يحيينا به، إنما يفعل ذلك لأن الله تعالى أوكل له البلاغ بالمنهج الذي يصلح حالنا، وإذا كانت الحياة هي الحس والحركة، بعد أن تأتي الروح في المادة، يواجه الإنسان ظروف الحياة من بعد ذلك إلى الممات. وهذه حياة للمؤمن والكافر. وقد يكون في الحياة منغصات وتمتلئ بالحركات المتعاندة، وقد يمتلئ البيت الواحد بالخلافات بين الأولاد وبين الجيران، ويقول الإنسان: هذه حياة صعبة وقاسية. والموت أحسن منها. والشاعر يقول:
      كفى بك داء أن ترى الموت شافياً وشاعر آخر يقول:
      ذل من يغبط الذليل بعيش ** رب عيش أخف منه الحِمام والحِمام هو الموت، وكأن الموت- كما يراه الشاعر- أخف من الحياة المليئة بالمنغصات. إذن فليس مجرد الحياة الأولى هو المطلوب، بل المطلوب حياة خليفة يأتي في مجتمع خلفاء لله في الأرض. وكل منا موكل بالتعاون وإصلاح المجال الذي يخصه. ولا يصح للوكلاء أن يتعاندوا مع بعضهم البعض، بل عليهم أن يتفقوا؛ لأنهم وكلاء لواحد أحد.
        كذلك خلف الله الإنسان، خلفه خليفة له في الأرض وأنجب الخليفة خلفاء؛ ليؤدوا الخلافة بشكل متساند لا متعاند.
      إننا- على سبيل المثال- حين نرغب في تفصيل جلباب واحد، نجد الفلاح يزرع القطن، والغزّال يغزله، والنسّاج ينسجه، ومن بعد ذلك نشتريه لنذهب به إلى الخيّاط الذي يأخذ المقاسات المناسبة للجسم، ثم يقوم بحياكة الجلباب على آلة اشتراها بعد أن صنعها آخرون. إذن فجلباب واحد يحتاج إلى تعاون بين كثير من البشر، هكذا تتعاضد الحياة.
      وإذا نظرنا إلى العالم الذي نحيا فيه نجده مليئاً بالتعب، خصوصاً الأمم المتخلفة، وأيضاً نجد التعب في الأمم المتقدمة؛ لأننا نجد صعاليك من أية دولة يصعدون إلى طائرة تتبع دولة كبرى ويهددون بتفجير الطائرة بمن فيها ويفرضون الشروط، وَيُزِلُّون الدولة الكبرى.
      إذن فالحياة حتى في الدول الراقية متعبة.
        وعلى سبيل المثال: الحروب التي قامت في منطقتنا منذ عام 1948 مع إسرائيل واستمرت كل هذه المدة الطويلة، ثم الحرب الأهلية في لبنان، ثم الحرب التي دارت بين العراق وإيران؛ هذه الحروب تكلفت المليارات التي لو استخدمت في وجه آخر لرفعت من شأن تقدم بلادنا.
      إذن الذي يتعب العالم هو الحركة المتعاندة، والحق سبحانه وتعالى أنزل لنا المنهج القويم ليجعل حركة حياتنا متساندة. فإن اتبعنا المنهج صرنا نأخذ الأوامر من إله واحد، وصار كل منا مكلفاً بالتعاون مع غيره، وهذا لن يحدث إلا إذا استجبنا لما يدعونا الله تشريعاً والرسول بلاغاً، وبهذا تتساند الحياة وتصبح حياة لها طعم. وينطبق عليها قول الحق تبارك وتعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
      أمَّا من يحيا بغير منهج فتكون حالته كما يبينها قول الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى} [طه: 124].
      وعلى هذا: فالعقاب على عدم اتباع المنهج الإلهي لا يتأخر إلى يوم القيامة، ولكن الحياة في الدنيا تكون مرهقة، والمعيشة ضنكا.
        إذن إياكم أن تفهموا أن المنهج الديني لله غايته الآخرة فقط، لا. بل إن اتباع المنهج الديني لله جزاؤه في الآخرة، وأما ثمرته ففي الدنيا. فمن يوفق في هذه الدنيا، وحركته متساندة مع غيره، يعطي له الله الجزاء في الحياة المستريحة في الدنيا بالإضافة إلى جزاء الآخرة. وهكذا نفهم أن موضوع الدين هو الدنيا، أما الآخرة فهي جزاء على هذا الاختبار الدنيوي.
      وقوله سبحانه وتعالى: {إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].
      أي يعطيكم منهجاً من إله واحد؛ لا يعود بالخير عليه ولا على المبلغ عنه وهو الرسول، وإنما يعود بالخير عليكم أنتم، وتلك هي حيثيات الاستجابة، ومن لا يستجيب لهذه فهو الأحمق.
      {استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].
        إذن فالخير يأتي من أمر إله واحد؛ فلا يجعل كل منا إلهه هواه، حتى لا تتعدد الأهواء: {وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض وَمَن فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71].
      ولذلك لا يتعرض التشريع من الله سبحانه وتعالى إلا ما للأهواء فيه مدخل، أمَّا الشيء الذي ليس للأهواء فيه مدخل فهو يترك الإنسان ليواجهه بملكاته التي خلقها الله له، والشرع يتدخل فقط فيما يمكن أن يخضع للهوى، أما الأمور التي لا تخضع للهوى فألد الأعداء يتفقون فيها.
        والحياة الآن فيها موجة ارتقاء طموحي علمي، وهذا الطموح العلمي نشأ عن التجربة في المعمل حيث يجلس العلماء الوقت الطويل ليخترعوا ويطوروا، مثال ذلك: (أديسون) الذي قضى وقتاً طويلاً ليخترع المصباح الكهربي، وغيره من العلماء طوروا مخترعاته وجاءوا باختراعات جديدة، ولم ندر عنهم شيئاً إلا أننا نفاجأ بمخترع قد أتى منهم، والعالمُ من هؤلاء تجده أشعث أغبر، لا يفكر في العناية بحسن مظهره وقد لا يأكل ولا يشرب، ولا تدري أنت به إلا إذا الثمرة من عمله واختراعه جاءت، ويقال: فلان اخترع الشيء (الفلاني). وتنتفع أنت بما اخترع رغم أنك لم تَشْقَ شقاءَه حين أخذت الخير الناتج منه.
        ونرى المعسكرات المتضادة في عالمنا المعاصر تحاول أن تسرق تجارب غيرها في العلوم، وهذه المعسكرات تختلف فقط في الأهواء، فذلك شيوعي، وآخر رأسمالي، وثالث وجودي. الخلاف- إذن- في الأهواء غير المحكومة بالمادة أو بالتجربة. ومن المؤسف حقًا أن ما اتفقنا عليه كالعلوم المادية الكونية التي هي وليدة التجربة، هذه المخترعات نستعملها في فرض ما نختلف فيه، وهكذا تجد أن التعب في العالم إنما يأتي من الطموح الأهوائي لا الطموح المادي العلمي؛ لذلك يتدخل الشرع في الأهواء ويحسمها؛ ليكون كل منا عبداً لله تعالى، وكل منَّا حر أمام غيره.   والرسول صلى الله عليه وسلم بمنهجه الذي جاء به من الله يدعو الحيّ- صاحب الحس والحركة- إلى أن تكون حياته حياة طيبة ليس فيها ضنك؛ هذا إن نظرنا إلى كيفية الحياة. فإن قسنا الحياة بعمر الآخرة، فهي لا تساوي إلا القليل؛ لأن ما لا نختلف فيه كأفراد في الخلافة يجب أن يكون غاية للخلفاء، فربنا قد يخلق واحدا ليموت في بطن أمه، وواحدا يموت بعد ساعة من مولده، وثالثا يموت بعد شهر من ميلاده، ومنا من يعمر مائة سنة، ولا يمكن أن يكونَ الأمر المُخْتَلَف فيه غاية للمتحدين في الجنس، فالغاية أن نعمر الدنيا بالعمل الصالح لنسعد بها، ونعبر منها إلى ما هو أجمل وهي الآخرة، ومأمون فيها أننا لا نموت، ومأمون فيها أننا لن نتعب أبداً، لأنه كلما اشتهيت شيئاً ستجده أمامك. وهذه قمة الحياة الطيبة.
        وعلى فرض أنك ستتعب في سبيل منهج الله حين تبلغه للناس، دفاعاً عنه بالحرب والقتال وبالتضحية بالأموال، فأنت رابح لحياة طيبة أبدية، ويبين القرآن الكريم لنا هذه الحياة في قول الحق تبارك وتعالى: {وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64].
      فالدار الآخرة ليست مجرد حياة، بل أكبر من حياة؛ لأن حياتك الدنيا موقوتة ومحددة، ونعيمك فيها على قدر إمكانياتك وتصوراتك، ولكن الحياة الأخرى ليست موقوته بل ممتدة، ونعيمك فيها على قدر إمكانيات خالقك المنعم القادر. وهكذا نتأكد أنه صلى الله عليه وسلم قد دعانا إلى ما يحيينا.
      والحق سبحانه وتعالى حينما دعانا إلى الحياة الطيبة سمى المعيشة في منهجه حياة، لأنها حياة سعيدة، وتسلم إلى حياة خالدة. ولذلك سمى الحياة الأولى التي تأتي إذا نفخ الله الروح في المادة، وقال عن آدم وكل بني آدم: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} [ص: 72].
      وأعطى الله سبحانه وتعالى هذه الحياة للمؤمن والكافر. وسمى سبحانه وتعالى ما يحمل المنهج للناس وهو القرآن روحاً: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52].
        والمنهج- إذن- روح من أمر الله سبحانه وتعالى نزل به الروح الأمين، وهذه هي الحياة المطلوبة لله سعادة، وتسانداً، وخلوداً في الجنة. ولذلك أنزل المنهج ليمنع التعاند والتعارض والتضاد بين المؤمنين، وليحمي كل مؤمن نفسه من الزلل، فيقاوم المعصية وهي صغيرة قبل أن تكبر وتستفحل.
      ثم يقول المولى سبحانه وتعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24].
        وماذا يعني قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ}؟.
      أقول: إياك أن تظن أن الكافر- على سبيل المثال- يعلن أن قلبه قد انعقد على الكفر؛ لأنه قد يجرب أن يخلع نفسه من هواه وينظر إلى حقيقة الإيمان فيقتنع به، ولن يسيطر على هواه، وقد انقلب أكثر من قلب شرير إلى قلب خير، مثل صناديد قريش من الكفار الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد كانت قلوبهم معقودة على الشر، لكنها لم تستمر على الشر، بل حال الحق بين كل امرئ منهم وقلبه.
      والقلب هو محل التمنيات والأماني، وأول الأماني أن تطول حياة الإنسان، خصوصاً وهو يرى أن من في مثل عمره يموت، ومن في مثل عمر والده يموت. وأن جده يموت، ولأن الإنسان يحب أن تطول حياته، يرغب في أن ينجب ولداً ليمتد ذكره، إنه يريد الحياة ولو من غيره، ما دام منسوباً له.
      كما أن الإنسان يحب الآمال، ويبني في أحلامه الكثير مما يريد أن يحققه، والواجب عليه ألاَّ ينسى أن لهذا الكون إلهاً قادراً، قد ينهى حياة أي منا رغم أن كل إنسان يحلم أن تطول حياته، وقد يقف بين الإنسان وبين آماله التي يريد أن يحققها، ولا أحد منا معزول عن خالقه، وكل منا في يد الخالق، وسبحانه وتعالى لم يخلق الخلق ثم يترك النواميس لتعمل دون إرادته، بل كل النواميس في يده.
      وما دام الحق يحول بين المرء وتمنيات قلبه؛ استطالة حياة، وتحقيق آمال، وستراً للموت وأسبابه وزمنه، كل ذلك لنتجه دائماً إلى فعل الخير لنحيا في ضوء المنهج وأنت لا تعرف متى ينتهي الأجل، وإلى الله المصير. -: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ إن تثاقلتم عن الاستجابة، وأبطأتم فلا تأمنوا أن الله يحول بينكم، وبين قلوبكم فلا يمكّنكم بعد ذلك من الاستجابة عقوبة لكم على تركها بعد وضوح الحق، واستبانته، وبعد أن طرقت الفرصة بابكم فأدرتكم إليها ظهوركم  
       
  • أكثر العضوات تفاعلاً

    لاتوجد مشارِكات لهذا الاسبوع

  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      181567
    • إجمالي المشاركات
      2534477
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      92926
    • أقصى تواجد
      1872

    أحدث العضوات
    وبالاسحار هم يستغفرون
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏فكرة انتهاء مهلة العمل والانتقال لدار الجزاء مهيبة جدًا ! لا توبة تُقْبَل ولا عمل يُصَحح . لو نطق أهل القبور لكانت موعظتهم : أنتم في دار العمل فأحسنوا العمل . نسأل الله حُسن الختام .

×