امانى يسرى محمد 323 أرسلي تقرير عن المشاركة قامت بالمشاركة منذ 16 دقيقة (1) التربية بالدعاء قال ابن القيم في (الفوائد): "إذا كان كل خير أصله التوفيق، وهو بيد الله لا بيد العبد، فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه، فمتى أعطى العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له، ومتى أضلَّه عن المفتاح بقي باب الخير مرتجًا دونه"؛ ا هـ. عبــــاد الله، الأبناء نعمة عظيمة، وحسن تربيتهم مسؤولية الآباء، وهي أمانة مُلْقاة على عاتقهم، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]. وقال صلى الله عليه وسلم: "أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"؛ (متفق عليه). والدعاء لهم بصلاح الحال من وسائل التربية، فدعوات الوالدين مستجابة، قال عليه الصلاة والسلام: "ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الولد لولده"؛ (رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه). إن الدعاء بالخيرية والصلاح للأبناء والأحفاد والصغار منهج نبوي، فقد ورد في صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ)، وفي رواية أخرى في مسند الإمام أحمد بإسناد قوي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس فقال: (اللَّهُمَّ فَقِّهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ). وهذا الفضيل بن عياض - رحمه الله- كان يدعو لولده علي وهو صغير فيقول: "اللهم إنك تعلم أني اجتهدت في تأديب ولدي علي فلم أستطع، اللهم فأدِّبْه لي". نماذج من دعاء الأنبياء والصالحين لذرياتهم وأتباعهم: أيها المؤمنون، ولأهمية الدعاء وأثره في صلاح النفس والأبناء والذرية فقد قص علينا القرآن الكثير من أدعية الأنبياء وابتهالاتهم، فهذا سيدنا إبراهيم يرفع أكُفَّ الضراعة طالبًا من الله تعالى أن يرزقه أبناء صالحين مصلحين، فقال: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 100]. بل إن الخليل عليه السلام لم ينقطع عن الدعاء لذريته، بل ظل يتعهدهم بالدعوات الصالحات طوال حياتهم، ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، ودعا ربَّه فقال: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37]، وكان من دعائه: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40]. وهذا زكريا عليه السلام يدعو ربَّه قائلًا: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38]، فاستجاب الله دعاءه وبشَّره: ﴿ يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 7]، وكانت صفات هذا الابن البار كما قال تعالى: ﴿ يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 12 - 15].. فكانت كل هذه البركة في يحيى بسبب دعاء أبيه له. وموسى عليه السلام يسأل ربَّه المعونة والتوفيق والسداد وهو يتهيأ لمواجهة فرعون وجنوده: ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ﴾ [طه: 25 - 35]. عباد الله، الأبناء زينة الحياة الدنيا، قال الله تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، ومهما عصفت بهم الحياة، وتقلَّبت أحوالهم وظروفهم، وساءت بعض تصرُّفاتهم، ينبغي على الآباء والمربِّين أن يدعوا لهم لا أن يدعو عليهم فتصعب حياتهم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على الأولاد والأموال والأنفس، خشية أن يوافق ساعة إجابة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِن اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ)؛ (رواه مسلم). والدعاء على الأولاد فيه ضرر كبير عليهم، قال مجاهد في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ﴾ [يونس: 11]، قال: هو قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه: اللهم لا تبارك فيه والعنه. فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك، كما يستجاب لهم في الخير لأهلكهم. فأكثروا – رحمكم الله - لأنفسكم ولأولادكم ومن حولكم بالدعاء، واسألوا الله أن يصلح أحوالكم وذريَّاتكم، وأن يجعلهم قرة عين لكم في الدنيا والآخرة. ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، هـــذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. """"" (2) التربية بالحب إن التربية بالحب تعني القدرة على التواصل مع أطفالنا بطريقة يشعرون بها بصدق المحبة، والقرب منهم، وإرادة الخير لهم، واحترام كرامتهم وتقدير ذاتهم، دون ازدراء أو تحقير، وترجمة هذا الحب عن طريق الحوار والتواصل بصورة إيجابية، وتعزيز الاحترام المتبادل، وتشجيع السلوك الجيد الذي يرغب الوالد بظهوره عند طفله بدل التركيز فقط على معاقبة السلوك المذموم إذا ما صدر منه. والتربية بالحب تعني أن تكون صديقًا لابنك أو ابنتك عندما يحتاجان إلى النصيحة، أو يرغبان في السؤال، أو يقعان في مشكلة، أو يقترفان خطأ، أو يبديان رأيًا، أو يتمنيان أمرًا، فتستطيع من خلال ذلك تربيتهم وتزكية نفوسهم وكسب قلوبهم، وانظروا- رعاكم الله- إلى هذا الحب والقرب من الأبناء، الذي جعل من يوسف الطفل الصغير يقص على أبيه حتى أحلامه وهو في هذه السن الصغيرة، قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف: 4]. عباد الله، وإذا كان الحب يشكل أسلوبًا من أساليب التربية، فإن القرآن الكريم قد أفاض في ذكر الحب وصفات أهله وحب الله لهم وقربه منهم، فهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام، اتخذه الله جل جلاله خليلًا، وهي أعلى مرتبة في الحب بالنسبة للبشر، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء: 125]. وهذا موسى عليه السلام أحَبَّه ربُّه وقرَّبه منه، قال تعالى: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: 38، 39]، قال ابن عباس رضي الله عنه: "أحبه وحببه إلى خلقه"، وقال عكرمة: "ما رآه أحدٌ إلا أحَبَّه". وكم هي الآيات التي بيَّنت حب الله لعباده وقربه منهم، وكيف أن هذا الحب ثمرة الإيمان والتقوى والعمل الصالح والجهاد والبذل والعطاء، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [المائدة: 54]. والله جلَّ جلاله إذا أحبَّ عبدًا قذف حُبـَّه في قلوب من شاء من عباده، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى إذا أحَبَّ عبدًا نادى جبريل: إن الله قد أحَبَّ فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحَبَّ فلانًا فأحِبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القَبول في أهل الأرض)؛ (البخاري). أيها المؤمنون، والتربية بالحب والقرب كذلك كانت أسلوبًا نبويًّا راقيًا، استطاع النبي صلى الله عليه وسلم من خلال تثبيت الإيمان وغرس القيم كسب القلوب وتوجيه الاهتمامات، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: (يا معاذ، والله إنِّي لأحبُّك، والله إنِّي لأحبُّك، فقال: أوصيك يا معاذ، لا تدعنَّ في دبر كلِّ صلاة تقول: اللهمَّ أعنِّي على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك)؛ (صحيح الجامع). وعن أنس رضي الله عنه قال: رأى النَّبي صلى الله عليه وسلم النِّساء والصِّبيان مقبلين -قال: حسبت أنَّه قال: من عرس- فقام النَّبي صلى الله عليه وسلم مُمْثِلًا فقال: (اللهمَّ أنتم من أحبِّ النَّاس إليَّ. قالها ثلاث مرار))؛ (البخاري). وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا ذرٍّ، إنِّي أراك ضعيفًا، وإنِّي أحبُّ لك ما أحبُّ لنفسي، لا تأمَّرنَّ على اثنين، ولا تولَّينَّ مال يتيم)؛ (مسلم). وكان صلى الله عليه وسلم يُعبِّر عن حبِّه للأطفال وصغار السن، فعن أُسامة بن زيد رضي الله عنهما؛ حدَّث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه كان يأخذه والحسن فيقول: (اللهمَّ أحبَّهما فإنِّي أحبُّهما)؛ (البخاري). وكان صلى الله عليه وسلم يوطِّد حبه لأصحابه بوصفهم بأجمل الصفات التي تُعَزِّز الأُلْفة والتقارب بينه وبينهم، فيصف الزُّبير بن العوام بأنه حواريه، ويصفُ أبا بكر وعمر بأنهما وزيراه، وجعل حذيفة بن اليمان كاتم سرِّه، ولقَّب أبا عبيدة عامر بن الجرَّاح بأنه أمين الأُمَّة وغيرهم الكثير من الصحابه رضي الله عنهم أجمعين. كما مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم المتحابِّين في الله، وكشف عن عظيم ثمار هذا الحبِّ في الآخرة، فقال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ.." فذكر منهم: "... رَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ..."؛ (البخاري). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبِّلون الصبيان؟ فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أوأملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة»؛ (رواه البخاري (5998)). وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبله ذات يوم صبيان الأنصار، والإماء، فقال: «والله إني لأحبكم»؛ (رواه الإمام أحمد (14043))، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط)، إن الحب والقرب من الأولاد أسلوب تربوي ذو فعالية وأثر كبير ينبغي ألَّا نغفل عنه، وعلينا أن نستخدم جميع أساليب التربية المختلفة لتزكية نفوس أبنائنا وقيامًا بواجباتنا ومسؤولياتنا. ::::::::::::: (3) أساليب تربوية: التربية بالتحفيز عباد الله، لقد حفل القرآن الكريم بالكثير من الآيات التي تدعو للتحفيز في كسب فضيلة أو ترك رذيلة، أو مسابقة ومنافسة على خير ومعروف، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ [البينة: 7، 8]. وقال سبحانه: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، وقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 30]، الأجر ها هنا يشمل مُجْمل المزايا التي يَمْنحها الله لعباده الصالحين، سواء أكانت مادِّية أو معنوية. وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، وهذا نوع من التحفيز والتشجيع للثبات والاستقامة. كما اهتمَّ القرآن بقضية المكافأة على العمل الصالح والعمل المثمِر، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ [الأنعام: 160]، فهذه مكافأةٌ على عمل واحد إيجابيٌّ، يُكافَأ بعشر أمثاله، وهذا تعزيز ودعم معنوي، ودافع مستمر في عمل الصالحات. أيها المؤمنون، لقد كان أسلوب التربية بالتحفيز منهجًا نبويًّا سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه، وجعل منه طريقًا لكسب القلوب، وتجويد الأعمال، والتفاني في الأداء، والمسارعة إلى الخيرات، والتخلُّق بمحاسن الأخلاق، والبُعْد عن سيِّئها، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟" قَالُوا: وَذَلِكَ مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "ذِكْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ"؛ (رواه أحمد). وَهَذَا تحفيز وتشجيع عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ والمسارعة إليه. ومن ذلك تحفيزه وتشجيعه صلى الله عليه وسلم لمن يكفل يتيمًا، ففي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وقال بإصبعيه السبابة والوسطى). وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حطَّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)؛ رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَنَّ في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء)؛ رواه مسلم. ومن ذلك تحفيزه صلى الله عليه وسلم لسراقة بن مالك يوم الهجرة وهو يريد أن يلحق به مرة والثانية والثالثة فحفزه بأن له سوارَي كسرى، إن رجع وترك الرسول صلى الله عليه وسلم. مع أن الله حَمَى رسولَه منه، فكان هذا التحفيز سببًا في هداية سراقة وإسلامه. وَقَدِ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ذَلِكَ مَعَ الْكِبَارِ، فَكَيْفَ بِالصِّغَارِ؟! فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلْأَشَجِّ -أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ-: "إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ". وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ: "إِنَّ فِيكَ لَخُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ" قُلْتُ: وَمَا هُمَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْحِلْمُ، وَالْحَيَاءُ"، قُلْتُ: قَدِيمًا أَوْ حَدِيثًا؟ قَالَ: "قَدِيمًا". قُلْتُ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ أَحَبَّهُمَا اللهُ. بل كان صلى الله عليه وسلم ينوِّع في أساليب التحفيز المادية منها والمعنوية ليكسب القلوب ويُغيِّر القناعات ويوجِّه السلوك، ففي صحيح مسلم، عن أنس رضي الله عنه: (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئًا إلَّا أعطاه. قال فجاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم، أسلموا؛ فإن محمدًا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة). يتبع حسان أحمد العماري شبكة الالوكة شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شارك