اذهبي الى المحتوى

باحلم بالفرحة

العضوات
  • عدد المشاركات

    206
  • تاريخ الانضمام

  • تاريخ آخر زيارة

  • الأيام التي فازت فيها

    6

مشاركات المكتوبهة بواسطة باحلم بالفرحة


  1. السؤال:

    هل الخوف من الله واجب ؟ وبماذا نرد على الذين يقولون مثل هذا القول : " إن معنى الصلاة الحقيقي لا يكمن في كميتها وطريقة حركاتها وعدد ركعاتها أو عدد زياراتنا للمساجد أو الكنائس أو الهياكل ، بل في تمدد الذات في كونيتها وتفتح زهرة الروح للتوحد مع الوجود وملامسة نور الله والشعور ببهجة لقاءه ، إن غاية الصلاة لا تكمن في توفير فرصة أو مجال زمني محدد للتعبير عن طلبات نطلبها من الله ، وما نريد الحصول عليه بجشع مغلف بطبقات من نفاق الذات للذات ، بل نصلي لنتحرر ونترك وراءنا -ولو للحظات- أثقال وأعباء رغبات الأنا وأوهامها ومخاوفها التحتية ، لا طائل من صلوات جعلها الناس عادة روتينية يكررونها بلا روح حتى يجنبوا عذاب جهنم أو يفوزوا بجنة خلد ، فغياب الروح هي جهنم ، أليست الأرواح من تحرق في جهنم ؟ هي رحلة معراج داخلية متجددة بتجدد أنفاسنا ، ومرآة تساعدنا على رؤية أنانا الكونية بوضوح وصفاء ، وتقربنا من مركز الوجود حيث السكون والاستقرار والطمأنينة التي ما بعدها طمأنينة ، فلنصلي ، ليس يوم الأحد فحسب ، وليس خمس مرات في اليوم ، ولا خمسين مرة في اليوم ، فلنصلي مع كل نفس نتنفسه ، ولنصلي من أجل المحبة لا الخوف فما أبعد إله المحبة عن أوثان الخوف " ؟

     

    الجواب :

    الحمد لله

    أولا :

    الخوف من الله تعالى واجب ، بل هو من أوجب الواجبات ، ومن لم يخف الله فليس بمؤمن .

    قال عز وجل : ( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران/ 175 .

    وقال عز وجل : ( أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) التوبة/ 13 .

    وقال تعالى : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) الرحمن/ 46 .

    وقال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) الملك/ 12 .

    وقال تعالى – في وصف حال الأنبياء - : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) الأنبياء/ 90 .

    والعبادة الشرعية عند أهل السنَّة تشمل المحبة والتعظيم ، والمحبة تولِّد الرجاء ، والتعظيم يولِّد الخوف .

    قال ابن القيم رحمه الله :

    " الخوف : أحد أركان الإيمان والإحسان الثلاثة التي عليها مدار مقامات السالكين جميعها ، وهى : الخوف ، والرجاءُ ، والمحبة .

    وانتفاءُ الإيمان عند انتفاء الخوف : انتفاءٌ للمشروط عند انتفاءِ شرطه ، وانتفاءُ الخوف عند انتفاءِ الإِيمان : انتفاءٌ للمعلول عند انتفاءِ علته .

    فالخوف من لوازم الإيمان وموجباته ؛ فلا يتخلف عنه .

    وقد أثنى سبحانه على أقرب عباده إليه بالخوف منه ، فقال عن أنبيائه بعد أن أثنى عليهم ومدحهم : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) الأنبياء/ 90 " . انتهى باختصار من "طريق الهجرتين" (ص282).

    راجع إجابة السؤال رقم : (104769).

     

    ثانيا :

    هذا الكلام المنقول كلام من لم يقدر الله حق قدره ، ولا خاف مقام ربه ، ولا فرق بين دين الموحدين ، ودين المشركين والملحدين ، بل لبس على نفسه ، فالتبس الأمر عليه ، وصار الكل عنده سواء ، إذا ما حققوا دينه الذي دعاهم إليه !!

    فمن صلى - أية صلاة ، على أي وجه كان ، صلاة المسلمين أو صلاة الوثنيين - ليتحرر من قيود العبودية ، ولا يطلب بها جنة ولا يخاف بها من نار ، وليس له من ورائها مطلب ، سواء في الدنيا أو الآخرة : فهو المصلي حقا ، عند هذا الدجال ، وهو الذي يعرف قدر الصلاة وحقيقتها .

    ومن المعلوم من الدين بالضرورة ، الذي يعرفه كل من له أدنى معرفة بدين الله : أن ما يقوله هذا الأفاك : هو عين المحادة لله ورسوله ، والمنابذة لما جاءت به الرسل ، وأنزل الله به الكتب .

    فما خلق الله الخلق ولا أرسل إليهم رسلا ، إلا لعبادته وطاعته ، والخوف منه ومن عذابه ، وابتغاء وجهه ، وسؤال جنته ، وطلب رحمته وعفوه ومغفرته ، ولولا ذلك لما كان في الناس وازع يزعهم عن الشر ، ولا رادع يردعهم عن المنكر ، ولا تقوى تنهاهم عن الخبائث ، ولا إيمان يأمرهم بالمعروف .

    بل لولا ذلك ، لما كان للجنة والنار شأن ، ولا لبعث الناس وقيامهم إلى رب العالمين خطر في دين ، ولا صار ذلك من أركان الإيمان ، ومعالم الديانة .

    والواقع أن هذا القول المجمل يغني عن تتبع عبارات هذا الدجال الذي لم يعظم شعائر الله ، ولا عرف حدوده ، ولا قدر الله حق قدره .

     

    فصلاة المسلمين قائمة ، بل عبادتهم وديانتهم التي بها يدينون لرب العالمين : قائمة على المحبة والخوف والرجاء ، وبهذه الثلاثة ينصلح حال العالم العلوي والسفلي ، وتتم سعادة الدارين ، وكل منها يستلزم الآخر .

    قال ابن القيم رحمه الله :

    " هَذِهِ الثَّلَاثَةُ : الْحُبُّ وَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ ، هِيَ الَّتِي تَبْعَثُ عَلَى عِمَارَةِ الْوَقْتِ بِمَا هُوَ الْأَوْلَى لِصَاحِبِهِ وَالْأَنْفَعُ لَهُ ، وَهِيَ أَسَاسُ السُّلُوكِ ، وَالسَّيْرِ إِلَى اللَّهِ ، وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الثَّلَاثَةَ فِي قَوْلِهِ : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ) الإسراء/ 57 ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ قُطْبُ رَحَى الْعُبُودِيَّةِ . وَعَلَيْهَا دَارَتْ رَحَى الْأَعْمَالِ " .

    انتهى من " مدارج السالكين " (3/ 128).

    وغاية أمثال هذا المفتري على الله : أن ينتهي إلى الزندقة ، والتحلل من أمر الله ونهيه ، والاتكال على الأماني والغرور ، أو الانتكاس في ضلالات أهل " الحلول والاتحاد " !!

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

    " وَفِي آيَةِ الدُّعَاءِ : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } ؛ فَذَكَرَ التَّضَرُّعَ فِيهِمَا مَعًا ، وَهُوَ التَّذَلُّلُ وَالتَّمَسْكُنُ وَالِانْكِسَارُ ، وَهُوَ رُوحُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ ...

    وَخَصَّ الذِّكْرَ بِالْخِيفَةِ : لِحَاجَةِ الذَّاكِرِ إلَى الْخَوْفِ ؛ فَإِنَّ الذِّكْرَ يَسْتَلْزِمُ الْمَحَبَّةَ وَيُثْمِرُهَا ؛ وَلَا بُدَّ لِمَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أَنْ يُثْمِرَ لَهُ ذَلِكَ مَحَبَّتَهُ .

    وَالْمَحَبَّةُ مَا لَمْ تَقْتَرِنْ بِالْخَوْفِ : فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعُ صَاحِبَهَا ، بَلْ تَضُرُّهُ ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ التواني وَالِانْبِسَاطَ ، وَرُبَّمَا آلَتْ بِكَثِيرِ مِنْ الْجُهَّالِ الْمَغْرُورِينَ إلَى أَنْ اسْتَغْنَوْا بِهَا عَنْ الْوَاجِبَاتِ ، وَقَالُوا : الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِبَادَاتِ إنَّمَا هُوَ عِبَادَةُ الْقَلْبِ وَإِقْبَالُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَحَبَّتُهُ لَهُ فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ فَالِاشْتِغَالُ بِالْوَسِيلَةِ بَاطِلٌ !!

    وَلَقَدْ حَدَّثَنِي رَجُل أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ خَلْوَةً لَهُ تَرَكَ فِيهَا الْجُمُعَةَ ؟

    فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : أَلَيْسَ الْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ : إذَا خَافَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ ، فَإِنَّ الْجُمُعَةَ تَسْقُطُ ؟

    فَقَالَ لَهُ : بَلَى .

    فَقَالَ لَهُ : فَقَلْبُ الْمُرِيدِ أَعَزُّ عَلَيْهِ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ - أَوْ كَمَا قَالَ - وَهُوَ إذَا خَرَجَ ضَاعَ قَلْبُهُ ، فَحِفْظُهُ لِقَلْبِهِ عُذْرٌ مُسْقِطٌ لِلْجُمُعَةِ فِي حَقِّهِ .

    فَقَالَ لَهُ : هَذَا غُرُورٌ ؛ بِل الْوَاجِبُ الْخُرُوجُ إلَى أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .

    فَتَأَمَّلْ هَذَا الْغُرُورَ الْعَظِيمَ كَيْفَ أَدَّى إلَى الِانْسِلَاخِ عَنْ الْإِسْلَامِ جُمْلَةً ؛ فَإِنَّ مَنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ : انْسَلَخَ عَنْ الْإِسْلَامِ الْعَامِّ ، كَانْسِلَاخِ الْحَيَّةِ مِنْ قِشْرِهَا ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ خَاصَّةِ الْخَاصَّةِ !!

    وَسَبَبُ هَذَا : عَدَمُ اقْتِرَانِ الْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ بِحُبِّهِ وَإِرَادَتِهِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالْحُبِّ وَحْدَهُ : فَهُوَ زِنْدِيقٌ ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْخَوْفِ وَحْدَهُ : فَهُوَ حروري [ الحرورية: هم الخوارج ] ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالرَّجَاءِ وَحْدَهُ : فَهُوَ مُرْجِئٌ . وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ .

    وَالْمَقْصُودُ أَنَّ تَجْرِيدَ الْحُبِّ وَالذِّكْرِ عَنْ الْخَوْفِ : يُوقِعُ فِي هَذِهِ الْمَعَاطِبِ ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِالْخَوْفِ : جَمْعُهُ عَلَى الطَّرِيقِ ، وَرَدُّهُ إلَيْهَا كَالْخَائِفِ الَّذِي مَعَهُ سَوْطٌ يَضْرِبُ بِهِ مَطِيَّتَهُ ؛ لِئَلَّا تَخْرُجَ عَنْ الطَّرِيقِ ، وَالرَّجَاء : حَادٍ يَحْدُوهَا ، يَطْلُبُ لَهَا السَّيْرَ ، وَالْحُبُّ قَائِدُهَا وَزِمَامُهَا الَّذِي يُشَوِّقُهَا ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَطِيَّةِ سَوْطٌ وَلَا عَصًا يَرُدُّهَا إذَا حَادَتْ عَنْ الطَّرِيقِ : خَرَجَتْ عَنْ الطَّرِيقِ ، وَضلَّتْ عَنْهَا .

    فَمَا حَفِظَتْ حُدُودَ اللَّهِ وَمَحَارِمَهُ ، وَوَصَلَ الْوَاصِلُونَ إلَيْهِ : بِمِثْلِ خَوْفِهِ وَرَجَائِهِ وَمَحَبَّتِهِ ؛ فَمَتَى خَلَا الْقَلْبُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ : فَسَدَ فَسَادًا لَا يُرْجَى صَلَاحُهُ أَبَدًا ، وَمَتَى ضَعُفَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ : ضَعُفَ إيمَانُهُ بِحَسَبِهِ .." .

    انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/19-21) .

    وينظر للمزيد إجابة السؤال رقم : (87534) ، وإجابة السؤال رقم : (147639).

    والله أعلم .

    موقع الإسلام سؤال وجواب


  2. بسم الله الرحمن الرحيم

    ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

    لا يخفَى على أحدٍ أن نسبة ارتداء الحجاب بين الفتيات زادت في الآونة الأخيرة بصورة ملحوظة، غير أن الحجاب في حدِّ ذاته- كغطاء للرأس- أصبح يأخذ عدةَ أوضاعٍ مختلفةِ الشكل والحجم والمُسمَّى؛ حتى أضحت معظم المحجبات يرتدينه على اعتبار أنه «موضةٌ» تتغيَّر بين الحين والآخر كلما تغيَّرت خطوط الموضة، وظهرت الربطات المختلفة للحجاب، فتجد ربْطةً تُظهر الأذن وأخرى تُظهر الرقبة .. ناهيك عن شكل الملابس التي يتم ارتداؤها أسفل الحجاب ذاته بصورةٍ تخلُّ بالحجاب نفسه كما فُرِض وشُرع!!

     

    لقد تم اختزال الحجاب في عملية تغطية .. تغطية بأي شكل وبأي لون .. تغطية تجري وراء خطوط الموضة التي تنافي الوقار وتلفت الأنظار .. تغطية لا تحقق المعني الشرعي ولا العرفي للستر .. تغطية جمعت بين الضدين وشملت المتناقضين، فلا سترت جسدا ولا أرضت ربا.

    إنه حجاب يحتاج لحجاب، تحررت فيه المرأة المحجبة من أصالة معتقداتها الدينية، وذلك دون أن تتخلى عن دينها بزعمها! حيث أظهرت مفاتنها، دون أن تنزع غطاء رأسها! ودخلت المسلمات إلى عالم الجمال والموضة بدون ضابط ولا رابط، وباتت العباءة الإسلامية قادرة على مواكبة الموضة، غربية كانت أم شرقية، حتى أنها فقدت من صرامتها ما يكفي لجعلها عباءة «كول»!!.

     

     

    حيرة وتشتت

    ------------------

    هناك أسباب كثيرة وراء ظاهرة «حجاب الموضة» منها ما هو اجتماعي ونفسي وإعلامي .. فيمكن اعتبار أن لهذه الظاهرة مزيج من الدوافع من أهمها ضعف الوازع الديني والأمية الدينية بحقيقة وأهداف الحجاب الشرعية والاجتماعية مما جعلت الكثيرات يزهدن في الخير الكثير الذي تجنيه المحجبة، فضلا عن ثواب الرحمن ودخول الجنان إن شاء الكريم المنان، بل وصلت الأمية بفضيلة الحجاب لدرجة اعتباره عند البعض نوع من القيد الذي يفرضه المجتمع والعادات والتقاليد، الأمر الذي جعل الفتاة في صراع نفسي في كيفية التوفيق بين الحجاب ومسايرة رياح التغيير بارتداء كل ما هو جديد وجذاب.

    فبعض النساء ينظرن إلى الحجاب على أنه «عادة» أو «واجب أسري» فُرض عليهن فرضا، وبالتالي يحاولن التحايل عليه. فمنهن من تضعه أمام عائلتها وفي الخارج تخلعه، ومنهن من تضعه ولكن لا تلتزم بشروطه الشرعية، وربما أهلها -مع الأسف- يرضيهم هذا الحل الوسط! ويعتقدون أنه مادامت بنتهم تضع خرقة على رأسها فقد التزمت بالحجاب!.

    أضف إلى ذلك ظاهرة «مذيعات حجاب الموضة» اللاتي ينتشرن على كافة الفضائيات، ويقدمن الدعم النفسي والعملي لهذا النوع من الحجاب الذي فرض نفسه على أرض الواقع الإعلامي، فباتت ظاهرة مألوفة، بل ومبررة في بعض الأحيان لدى البعض الذين يرون هذا الحجاب أحسن حالا من التبرج السافر لدى المذيعات الأخريات.

     

     

    الحق كل لا يتجزأ

     

    -----------------------

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» [مسلم 5704] *

    قال المناوي: (صنفان من أهل النار) أي نار جهنم (لم أرهما) أي لم يوجدا في عصري لطهارة ذلك العصر .. (ونساء) أي وثانيهما نساء (كاسيات) في الحقيقة (عاريات) في المعنى لأنهن يلبسن ثياباً رقاقاً يصف البشرة، أو يسترن بعض بدنهن ويكشفن بعضه إظهاراً للجمال (مائلات) متبخترات في مشيتهن، مميلات أكتافهن وأكفالهن، أو مائلات يتمشطن المشطة الميلاء مشطة البغايا، مميلات يرغبن غيرهن في تلك المشطة ويفعلنها بهن، أو مائلات للرجال مميلات قلوبهم إلى الفساد بهم بما يبدين من زينتهن (رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة) أي يُعَظِّمْنَ رؤوسهن بالخُمُرِ والعمائم التي يلففنها على رؤوسهن حتى تشبه أسنمة الإبل (لا يدخلن الجنة) مع الفائزين السابقين أو مطلقاً إن استحللن ذلك (ولا يجدن ريحها) أي الجنة (وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) كناية عن خمسمائة عام، أي يوجد من مسيرة خمسمائة عام، كما جاء مفسراً في رواية أخرى.

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد فسر قوله صلى الله عليه وسلم (كاسيات عاريات) بأن تكتسي ما لا يسترها. فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية. مثل من تكتسي الثوب الرقيق يصف بشرتها أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها، وإنما كسوة المرأة ما يسترها فلا يبدي جسمها ولا حجم أعضائها لكونه كثيفا واسعا. ومن هنا يظهر الضابط في نهيه صلى الله عليه وسلم عن تشبه الرجال بالنساء وعن تشبه النساء بالرجال، وأن الأصل في ذلك ليس هو راجعا إلى مجرد ما يختاره الرجال والنساء ويشتهونه ويعتادونه.

     

    ويروى أنه دخلت نسوة من بني تميم على عائشة رضي الله عنها وعليهن ثياب رقاق، فقالت عائشة: «إن كنتنَّ مؤمنات، فليس هذا بثياب المؤمنات»، ودخلت عليها عروس عليها خمار رقيق شفاف فقالت: «لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا» فكيف لو رأت عائشة ثياب نساء هذا العصر التي كأنها مصنوعة من زجاج؟!

     

    ماهية الحجاب

    -------------------

    قال أهل اللغة: الحَجْب والحِجاب: المنع من الوصول، يقال حَجَبَهُ أي: مَنَعَه حَجْباً وحجاباً، ومنه قيل للستِّر الذي يحول بين شيئين (حجاب)؛ لأنه يمنع الرؤية بينهما، وسُمِّي حجاب حجاباً؛ لأنه يمنع المشاهدة، وقيل للبواب (حاجب)؛ لأنه يمنع من الدخول عليه إلا بإذنه خشية الأذى يصيبه، وفي الحديث: (قال بنو قصي:فينا الحجابة) يعنون حجابة الكعبة، وهي سدانتها، وتولي حفظها، أو هم الذين بأيديهم مفاتيحها، وكل شيء منع شيئاً فقد حجبه كما تحجب الإخوة الأمَّ عن فريضتها، فإنهم يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس. والحاجبان من الرأس لكونهما كالحاجبين للعينين في الذَّبِّ عنهما، واحتجب الملك عن الناس، وتحجَّب: إذا اكتنَّ من وراء حجاب، ومادة الحجاب وردت في ثمانية مواضع من القرآن الكريم، ومعناها فيها جميعا يدور بين الستر والمنع.

     

    وحجاب المرأة معناه أن تستر المرأة بدنها عن الرجال الذين ليسوا من محارمها، كما قال تعالى: {ولَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ ..}[النور:31] ومن مجموع الأدلة الشرعية استخلص العلماء ثمانية شروط للحجاب الشرعي وهي:

    ستر بدن المرأة مع خلاف بين العلماء في كشف الوجه واليدين، واتفاقهم على تغطيتهما في زمان الفتنة. أن لا يكون الحجاب زينة في نفسه. أن يكون صفيقاً (ثخيناً) لا يشف ما تحته. أن يكون فضفاضاً واسعاً غير ضيق يصف ملامح الجسم. أن لا يكون مبخراً ولا مطيباً. أن لا يشبه ملابس الكافرات. أن لا يشبه ملابس الرجال. أن لا يقصد به الشهرة بين الناس.

     

    الحجاب شعار العفة

    --------------------------

    قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [الأحزاب:59]

    يقول الشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم: «ليس الحجاب الذي نعنيه مجرد ستر لبدن المرأة .. إن الحجاب عنوان تلك المجموعة من الأحكام الاجتماعية المتعلقة بوضع المرأة في النظام الإسلامي، والتي شرعها الله سبحانه وتعالى لتكون الحصن الحصين الذي يحمي المرأة، والسياج الواقي الذي يعصم المجتمع من الافتتان بها، والإطار المنضبط الذي تؤدي المرأة من خلاله وظيفة صناعة الأجيال، وصياغة مستقبل الأمة وبالتالي المساهمة في نصر الإسلام والتمكين له».

     

    لا شك أن زي الفتاة ومظهرها دليل عفتها وطهارتها أو علامة على عكس ذلك، ومن خلال ما تلبسه المرأة يمكن في أكثر الأحوال الحكم على نوع ما تحمله من فكر وخلق.

    ولا يستطيع أحد أن ينكر أن المرأة كلما كانت محتشمة في زيها متأدبة في مشيتها مع وقار في هيئتها كل ذلك ينم عن داخل نقي ومنبت زكي ونفس طاهرة، وبقدر ما يظهر ذلك على الفتاة بقدر ما تبتعد عنها همم اللئام، وأنظار الذئاب، وأطماع الكلاب، وتطلعات مرضى القلوب، ولصوص الأعراض.

    والفتاة التي تتفنن في إظهار مفاتنها من خلال الموضات المثيرة التي تظهر أكثر مما تخفي سواء بإظهار مفاتن البدن من خلال لبس الأزياء العارية أو الضيقة التي تصف تقاطيع البدن أو الخفيفة التي تشف عما تحتها أو من خلال الموضات الصارخة والعجيبة والغريبة التي تلفت الانتباه وتعلق عين الناظر .. هذا كله يعرض الفتاة لأن يتعرض لها الفسقة ومرضى النفوس والقلوب، وهي في ذات الوقت تعرض نفسها لخطر هي في غنى عنه.

     

    وأخيرا

    -----------------------

    لم يكن الحجاب يوماً وسيلةً لإبراز المفاتن ولإغراء الشباب كما هو حاصل اليوم بما يسمى «حجاب الموضة»، إنما كان الحجاب ولم يزل خضوعاً لأمر الله عز وجل وصوناً لعفة وكرامة المرأة المسلمة.

    فطالما أختي المسلمة أنك ارتضيتِ أن تكوني من المحجبات والحمد لله، وممن تبحثُ عن رضا الله ورسوله، فالواجب عليكِ ارتداء الحجاب كما أمر صاحب الأمر جلَّ وعلا، لا كما تتطلب الموضة أو تشتهي النفس، وهذه الكلمات التي بين يديك إنما هي تذكرةٌ عما غفلتِ عنه، وبيانٌ لصورة الحجاب الشرعي الذي يرضى عنه الله ورسوله. فكان لابد من كتابة هذه النصيحة حتى نكون من الأمة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، عسى أن ينفع الله بكِ وبنا ويرزقنا سواء السبيل.

     

    ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

    المصادر

    • الحجاب يواكب الموضة فراس زبيب

    • فيض القدير للمناوي

    • مجموع الفتاوى لابن تيمية 22/146

     

    د/ خالد سعد النجار

    موقع صيد الفوائد

    • معجبة 1

  3. 1- ليس هناك حل للخروج من النفق المظلم الذي تسير فيه الأمة إلا الرجوع إلى القرآن وكنوزه.

    2- القرآن بمثابة مشروع لنهضة الأمة جمعاء، فهو كالشمس يسع الجميع، مع الأخذ في الاعتبار أن الشمس لا تؤثر إلا فيمن يتعرض لها.

    3- الوصال بين القلب والقرآني يعني به الكاتب السماح لنور القرآن بدخول القلب فينوره ويغيَّره.

    4- المرحلة التي تعيشها أمتنا اليوم تتشابه إلى حدٍ كبير مع مرحلة التية التي مرت بها بنو إسرائيل عندما رفضوا دخول الأرض المقدسة.

    5- منذ عقود طويلة والمخلصون من أبناء أمتنا يبحثون عن مخرج يُنقذها من تيهها إلا أن هذا البحث تنقصه حلقة مهمة.

     

    6- فصيلة دم الأمة هو الإيمان فقد ربط الله بين علونا وقيادتنا للبشرية وبين الإيمان الذي تحمله صدورنا .. فقال سبحانه: { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران: 139]. والإيمان هو أهم شرط للتمكين قال تعالى: { وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } [النور: 55].

    7- إن فصيلة دم أمتنا هي الإيمان، ويوم أن يضعف الإيمان، ويتمكن الهوى وحب الدنيا من قلوب أبنائها، فإنها بذلك تفقد مصدر قوتها وتميزها على سائر الأمم.

    8- إن كانت فصيلة دم أمتنا هي الإيمان، واليوم نعاني من نقصٍ شديد فيه، فإن أعظم مقوٍ للإيمان هو القرآن فهو المنبع العظيم للإيمان.

    9- إن كان الإيمان للقلب كالروح للبدن، فإن القرآن يمثل العمود الفقري هذا الإيمان؛ لذلك ليس عجبا أن يُسمى القرآن بالروح: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا } [الشورى: 52].

    10- إذا كان القرآن قد صنع الجيل الأول، فإنه قادر بإذن الله أن يصنع أجيالاً ربانية جديدة، وأن يخرج الأمة - بإذن الله- من أزمتها، ويعيد لها مكانتها.

     

    11- القرآن الكريم أعظم معجزة نزلت من السماء، والسر الأعظم لإعجازه يكمن في قوة تأثيره على القلوب.

    12- يقول ابن القيم -رحمه الله-: «كما أن البدن محتاج أن يرقى بالأغذية المصلحة له، والحمية عما يضره، فلا ينمو إلا بإعطائه ما ينفعه ومنعه مما يضره، فكذلك القلب: لا يزكو، ولا ينمو، ولا يتم صلاحه إلا بذلك ..ولا سبيل له إلى الوصول لذلك إلا من القرآن».

    13- انصب اهتمام الغالبية من الأمة- إلا من رحم ربي - على الناحية الشكلية للقرآن، ولم يواكب ذلك اهتمام بتدبره والتأثر به، والاغتراف من منابع الإيمان التي تتفجر من كل آية من آياته، لتستمر الأمة في ضعفها وعجزها عن النهوض من كبوتها، وكيف لا وقد هُجر أهم وأعظم مصدر للإمداد الإيماني.

    14- إن وجود كلمة «اتخذوا» مع كلمة «مهجورا» في قوله تعالى: { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً } [الفرقان:30] أعطت لمفهوم الهجر بُعدًا آخر، ودلت على أن الشكوى تخص أناسًا تعاملوا مع القرآن، وبذلوا فيه مجهودا؛ فكلمة اتخذوا تدل على ذلك، إلا أنهم في نفس الوقت - رغم هذا المجهود - قد هجروا القرآن، وذلك حين اهتموا بشكله ولفظه، وهجروا أهم جانب فيه ألا وهو تأثيره المتفرد على القلوب.

    15- لا بد أن يستمر ويستمر التذكير بقيمة القرآن، وبالهدف الأسمى لنزوله، والذي لو اتضح أمامنا بصورة جلية، وأصبح إيمانًا مستقرًا في قلوبنا، فإنه - بلا شك - سيولد داخلنا الدافع القوي للإقبال على القرآن بصورة صحيحة.

     

    16- نقطة البداية الصحيحة في طريق الانتفاع بالقرآن هي زيادة الإيمان والثقة فيه كمصدر متفرد للهداية والشفاء والتغيير.

    17- القرآن هو الرحمة العظمى التي أرسلها الله للبشرية لتكون بمثابة الوسيلة السهلة والدواء الناجع لشفائها من أمراضها وهدايتها إليه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57].

    18- كل آية من آيات القرآن، وكل سورة من سوره، تحمل منابع غزيرة للإيمان.. هذه المنابع جاهزة للتفجر والتدفق في قلب أي شخص يتعرض لها مهما بلغت قسوته، ومهما كانت عِلَّته.

    19- يقول ابن القيم -رحمه الله-:«جماع أمراض القلب هي أمراض الشبهات والشهوات، والقرآن شفاء للنوعين. ففيه من البينات والبراهين القاطعة ما يبين الحق من الباطل، فتزول أمراض الشبهات المفسدة للعلم والتصور والإدراك، بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه... أما شفاؤه لمرض الشهوات، فذلك لما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب، والتزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة، والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار، فيرغب القلب السليم فيما ينفعه، ويرغب عما يضره، فيصير القلب محبًا للرشد، مبغضًا للغي....».

    20- القرآن ليس كتابًا فحسب، وليس دواءً فحسب. إنه شيء متفرد لا يمكن إدراك كنهه وقدرته الفذة على العمل في ذات الإنسان.. إنه -كما يقول سيد قطب-: «يزيل الغشاوة، ويفتح النوافذ، ويسكب النور، ويحرك المشاعر، ويستجيش القلوب، ويخلص الضمير، وينشئ حياة للروح تنبض بها وتشرق وتستنير ».

     

    21- إن المؤمن الذي يتلو الآيات ويعيش معها يجد قلبه وقد استولت عليه مشاعر التعظيم والمهابة والإجلال لله عز وجل، ولا يستطيع أن يسيطر على هذه المشاعر فتجده يسجد بتلقائية لربه إجلالاً وخشية ومهابة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ سُجَّدًا صدق الله العظيم وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 107، 109].

    22- إن أهم مظهر لقوة تأثير المعجزة القرآنية هو التحول العظيم الذي حدث لجيل الصحابة، والتغيير الجذري الذي حدث لهم بعد إسلامهم....

    23- كان حب الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن، واهتمامه به لا يُوصف، فقد سيطر القرآن على عقله، واستحوذ على مشاعره، وبلغت قوة تأثيره عليه أن شيَّب شعره.

    24- لقد تشبع الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن تشبعًا تامًا، وتأثر به تأثرًا بالغًا لدرجة أن الإمام الشافعي - رحمه الله- يعتبر أن كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن.

    25- ويقول الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - ومعنى مدارسة القرآن: القراءة والفهم والتدبر والتبين لسنن الله في النفس والآفاق، ومعرفة الوصايا والأحكام، وأنواع الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، وما إلى ذلك مما يحتاج المسلمون إليه.

     

    26- ذاق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حلاوة الإيمان من خلال القرآن، وأدركوا قيمته وقدرته الفذة على التغيير وبث الروح، فأقبلوا عليه، وانشغلوا به، وأعطوه الكثير من أوقاتهم، وانجذبت مشاعرهم نحوه عند لقائهم به لدرجة الاستغراق والهيمنة.

    27- إذا أردت - أخي - أن تعرف قدر تأثير القرآن على قلوب الصحابة، وكيف أن معانيه قد استحوذت على مشاعرهم، وأصبحت تواجههم وتوجههم حيثما اتجهوا فانظر إلى آثار ذلك من الناحية العملية لترى كيف كان ذلك الأثر سريعا في إذعانهم للحق، ومبادرتهم لفعل الخير، وعدم التلكؤ أو التباطؤ تحت أي دعوى.

    28- هذه الأمثلة الرائعة لأثر القرآن على سلوك الصحابة ما كانت لتظهر لولا حرص الصحابة على كثرة قراءة القرآن بتفهم وترتيل، فقد كان للواحد منهم حزب يومي من القرآن - قل أو كثر - لا يتكاسل عن القيام به.

    29- لقد كانت هناك مساحة معتبرة للقرآن في يوميات الصحابة، لدرجة أن بعضهم كان يختمه في ثلاثة أيام والبعض في سبع، والبعض في عشر، مع التدبر والترتيل والتجاوب مع الآيات كما مر علينا، والذي ساعدهم على المداومة على ذلك هو استشعارهم لقيمة القرآن من ناحية، ولتحذيرات الرسول صلى الله عليه وسلم المتكررة لهم بعدم الانشغال بغيره من ناحية أخرى .. لذلك كان القرآن يصحبهم في كل وقت، حتى في المعارك لم يتركوا قراءة القرآن.

    30- لقد كان القرآن هو محور حياة الصحابة الكرام ، ومادة حياة قلوبهم.. يحرصون على تحصيلها أكثر من حرصهم على تحصيل الطعام والشراب والراحة، ولم لا وهم يدركون بأن الحياة الحقيقية هي حياة القلب.

     

    31- يقول خباب بن الأرت رضي الله عنه لجارٍ له: «يا هناه! تقرب إلى الله ما استطعت، فإنك لن تقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه».

    32- كان أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه يقول:«اقرأوا القرآن، ولا يغرنكم هذه المصاحف المعلقة، فإن الله لا يعذب قلبا وعى القرآن».

    33- قال الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله-: «هجر المسلمون القرآن إلى الأحاديث..

    34- ثم هجروا الأحاديث إلى أقوال الأئمة ..ثم هجروا أقوال الأئمة إلى أسلوب المقلدين.

    وكان تطور الفكر الإسلامي على هذا النحو وبال على الإسلام وأهله».

    35- عن بشر الحافي - رحمه الله-قال: سمعت أبا خالد الأحمر يقول: «يأتي زمان، تُعطَّل فيه المصاحف، يطلبون الحديث والرأي، فإياكم وذلك فإنه يُصفِّقُ الوجه، ويَشغل القلب، ويُكثر الكلام».

     

    36- إن الذي يقرأ القرآن ويتدبره ويرتله، وينشغل به كما انشغل الصحابة، سيجد معانيه قد انطبعت في عقله، وتحولت إلى يقين، وامتزجت بعاطفته فصارت إيمانًا راسخًا رسوخ الجبال الرواسي، فالقرآن يُشرب في القلب محبة الله، وتعظيمه، ومهابته، وتقديسه..

    37- قال الشيخ محمد الغزالي- رحمه الله-: «.. إن دراسة هذا القرآن الكريم، أورثتنى إحساسًا بعظمة الله، لم أحسه في قراءة كتاب آخر... أحسست أن الكتاب الذي بين يدي، يبدئ ويعيد في قيادة الناس إلى الله، واستثارة مشاعرهم من الأعماق، كي يرتبطوا به، ويتوجهوا إليه، ويستعدوا للقائه .... ».

    38- قال الشيخ محمد الغزالي- رحمه الله-:« ليت المسلمين استقوا عقائدهم من القرآن وحده! إذن لأراحوا واستراحوا، إن بعض هواة الجدل لم يتورعوا عن كثرة اللغط في قضايا العقيدة، فضلوا وأضلوا».

    39- قال حسن البنا - رحمه الله-: «لقد صرنا نقرأ القرآن قراءة آلية صرفة .. كلمات تتردد، ونغمات تتعدد، ثم لا شيء إلا هذا، أما فيض القرآن وروحانيته، وهذا السيل الدافق من التأثير القوي الفعال، فمن بيننا وبينه حجاب، ولهذا لم نكن صورة من النسخة الأولى التي تأثرت بالقرآن وتبدَّلت نفوسها به».

    40- قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله-:« إن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهمان إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».

     

    41- بلوغ الهداية من القرآن، والتأثر بمعانيه، ومن ثم الانتفاع الحقيقي به، في وسع وطاقة أي عاقل مهما كان مستوى إدراكه.

    42- هناك دليل واقعي واضح يؤكد على أن السبب لعدم انتفاعنا بالقرآن ليس هو افتقادنا للتذوق اللغوي... هذا الدليل يتمثل في وجود نماذج كثيرة ممتدة عبر التاريخ الإسلامي من غير العرب ممن تعلموا اللغة العربية، فتأثروا بالقرآن تأثرًا بالغًا، وانتفعوا به انتفاعًا عظيمًا.

    43- كان الشيخ فضل الرحمن الكنج مراد آبادي (م 1313هـ) يقرأ القرآن ذات يوم إذ غلبه الوجد (التأثر والاستغراق المشاعري الشديد مع الآيات)، فقال للشيخ السيد تجمل حسين: «إن اللذة التي نجدها في القرآن، لو وجدتم منها ذرة، لما صبرتم على الجلوس مثلنا، ولخرجتم تمزقون ثيابكم إلى الصحراء»، ثم قال: آه، ودخل حجرته ومرض لعدة أيام.

    44- ويقول الشيخ الجليل عبد القادر الرائيفوري - أحد كبار المشايخ المعروفين في عصره - وهو يصف حال مربيه وشيخه عبد الرحيم الرائيفوري (م 1919م - الموافق 1337هـ): «لقد رأيت الشيخ يقرأ القرآن الكريم، فكان يطيل قراءته في صلاة الليل أيما إطالة، فتارة يبكي، وإذا جاء ذكر العذاب، بكى واستغفر الله تعالى وتضرع إليه تضرعا عجيبًا يتمثل حال من يسأل العفو عن جريمته في ضراعة ولهف، وإذا جاءت آية فيها ذكر رحمة الله - عز وجل - استبشر وسرَّ تارة، وهدأ صامتا أخرى».

    45- يقول أبو الحسن الندوي - رحمه الله-: «لقد أثَّر (القرآن الكريم) في عقلية إقبال، وفي نفسه ما لم يؤثر فيه كتاب ولا شخصية، ولم يزل محمد إقبال إلى آخر عهده بالدنيا يغوص في بحر القرآن، ويطير في أجوائه، ويجوب في آفاقه، فيخرج بعلم جديد، وإيمان جديد، وإشراق جديد، وقوة جديدة».

     

    46- بديع الزمان سعيد النورسي من نماذج الأعاجم الذين تأثروا بالقرآن تأثرًا بالغًا، وفاضت عليه معانيه، وكتب الكثير حولها في «رسائل النور» وحفظ الله به الإسلام في تركيا فترة سقوط الخلافة وتحويل تركيا إلى دولة علمانية..

    47- عائشة برجت هوني التي نشأت في أسرة إنجليزية مسيحية، وشغفت بالفلسفة، ثم سافرت إلى كندا لإكمال دراستها، وهناك في الجامعة أتيح لها أن تتعرف على الإسلام، وأن تنتهي إليه.تقول هوني: .. لن أستطيع مهما حاولت، أن أصف الأثر الذي تركه القرآن في قلبي، فلم أكد انتهى من قراءة السورة الثالثة من القرآن حتى وجدتني ساجدة لخالق هذا الكون، فكانت هذه أول صلاة لي في الإسلام.

    48- يمكن إجمال العوامل والأسباب التي أدت إلى ضعف الإيمان والثقة بالقرآن الآتي:

    أولاً: الصورة الموروثة عن القرآن.

    ثانيًا: طول الإلف.

    ثالثًا: نسيان الهدف من نزول القرآن.

    رابعًا: الانشغال بفروع العلم والتوسع فيها على حساب القرآن.

    خامسًا: غياب أثر القرآن.

    سادسًا: كيد الشيطان.

    سابعًا: مفاهيم وممارسات ساهمت في عدم الانتفاع بالقرآن.

    49- يقول عمر عبيد حسنة: «إن الصورة التي طبعت في أذهاننا، في مراحل الطفولة للقرآن أنه لا يُستدعي للحضور إلا في حالات الاحتضار والنزع والوفاة، أو عند زيارة المقابر، أو نلجأ لقراءته عند أصحاب الأمراض المستعصية، وهي قراءات لا تتجاوز الشفاة».

    50- إن الإنسان هو موضوع القرآن، بمعنى أن الهدف الأسمى لنزول القرآن هو هداية الإنسان وإصلاحه والسير به في الطريق المؤدي إلى رضا الله وجنته..ومن أجل تحقيق هذا الهدف جعلها الله رسالة موجزة مقارنة بما تحتويه من معان عظيمة، ليسهل حملها وقراءتها وحفظها.

     

    51- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:« أُنزل القرآن ليُعمل به، فاتخذوا دراسته عملا!!».

    52- يقول الحسن البصري - رحمه الله-: «إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل، وجعلتم الليل جملا، فأنتم تركبونه وتقطعون به مراحله، وإن من كان قبلكم رأوه رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار».

    53- لم يبق لمعظم من طلب القرآن العزيز هِمَّةً إلا في قوة حفظه، وسرعة سرده، وتحرير النطق بألفاظه، والبحث عن مخارج حروفه، والرغبة في حسن الصوت به.وكل ذلك- وإن كان حسنا - ولكن فوقه ما هو أهم منه وأتم، وأولى، وأحرى، وهو فهم معانيه، والتفكر فيه، والعمل بمقتضاه، والوقوف عند حدوده، وثمرة خشية الله تعالى من حسن تلاوته.

    54- من أقوال الإمام حسن البنا -رحمه الله-:«لم ينزل القرآن من علياء السماء على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون تميمة يحُتجب بها، أو أورادًا تُقرأ على المقابر وفي المآتم، أو ليُكتب في السطور، ويحفظ في الصدور، أو ليحُمل أوراقًا ويُهمل أخلاقًا، أو ليحفظ كلامًا ويهُجر أحكامًا .. وإنما نزل ليهدي البشرية إلى السعادة والخير {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16].

    55- من أقوال الإمام حسن البنا -رحمه الله-: «ليس المقصود من القرآن: مجرد التلاوة، أو التماس البركة، وهو مبارك حقًا، ولكن بركته الكبرى في تدبره، وتفهم معانيه ومقاصده، ثم تحقيقها في الأعمال الدينية والدنيوية على السواء، ومن لم يفعل ذلك، واكتفى بمجرد التلاوة بغير تدبر ولا عمل، فإنه يُخشى أن يحق عليه الوعيد الذي يرويه البخاري عن حذيفة - رضي الله عنه -: «يا معشر القراء: استقيموا فقد سبقتم سبقًا عظيمًا وإن أخذتم يمينًا وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا».

     

    56- إن جملة الأحاديث الصحيحة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة الحد الأدنى لختم القرآن تؤكد على أنه صلى الله عليه وسلم لم يُرخِّص لأحد ختمه في أقل من ثلاثة أيام.فإن قلت بأن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان يقرأ القرآن في ركعة. لجاءك الجواب بأن هذا الأثر قد ضعَّفه الترمذي، وأقر الألباني ذلك التضعيف فقال: ولقد أحسن الإمام الترمذي برواية هذا الخبر والذي بعده (خبر عثمان بن عفان، وخبر سعيد بن جبير) بصيغة التضعيف، لأن الركعة مهما طالت لا يمكن أن يقرأ فيها القرآن الكريم كاملا، فضلا عما في ذلك من مخالفته لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود والقيام، وحاشا لسيدنا عثمان أن يفعل مثل ذلك .قال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: أقول: هذا هو الصواب الموافق للسنة.

    57- إذا ما نظرنا إلى كتب فضائل القرآن نجد في أغلبها أخبارًا عجيبة عن بعض السلف بأن فلانًا كان يختم في رمضان ستين ختمة، وآخر كان يختم ختمة فيما بين الظهر والعصر، ويختم ختمة أخرى فيما بين المغرب والعشاء، وآخر كان يختم بالنهار أربع ختمات، وبالليل أربع ختمات .وأكثر من هذا وأكثر، ومن لا يصدق هذا الكلام فعليه بالنظر في كتب فضائل القرآن ليتأكد بنفسه. فهل هذا كلام يُعقل؟!هل يمكن لأحد أن يختم القرآن بين صلاتي المغرب والعشاء؟!إن متوسط المسافة الزمنية بين انتهاء صلاة المغرب حتى صلاة العشاء تقرب من ساعة من الزمن، أي أنه كان يقرأ كل جزء من القرآن في دقيقتين!!!

    58- هذه الأخبار التي تورد ختم القران في اليوم أو اليومين مرات عديدة وغيرها، مهما قيل في صحتها أو عدم صحتها، فهي أولاً: تخالف الهدى النبوي، ثانيًا: تصطدم مع قوله تعالى: {لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29]: ثالثًا: لا يمكن تصديقها مهما ادعى البعض وجود بركة في الوقت عندهم .. ولعل السبب وراء تناقل هذه الآثار -دون التثبت من صحتها- هو استثارة همم المسلمين في الانكباب على القراءة، والانشغال بها.

    59- لقد نجح الشيطان نجاحًا كبيرًا في استدراج الأمة وإبعادها عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن، وهذا لم يتم في يوم وليلة، بل كان استدراجًا هادئًا بطيئًا عبر القرون المتعاقبة حتى وصل إلى الحال الذي وصل إليه الآن.

    60- إن هدف الشيطان هو إبعاد كل فرد في الأمة عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن، من خلال :

    #في البداية يجتهد في الحيلولة دون قراءة المسلم للقرآن، إما بالتسويف، أو بإشغاله بأمر آخر.

    فإن قرأ بالفعل دخل عليه من مداخل متعددة:

    #مدخل التعب والنعاس.

    #مدخل تحصيل أكبر قدر من الحسنات ليدفع القارئ للقراءة السريعة غير المتدبرة.

    #مدخل شرود الذهن مع بعض الكلمات.

    #مدخل تذكيره بأمر من أمور الدنيا التي ينبغي عليه القيام بها ليترك القراءة.

    #مدخل الاهتمام الشديد بمخارج الحروف وإتقان التلاوة.

    #مدخل تخويفه من تدبر القرآن..

     

    61- يقول ابن هبيرة: «ومن مكايد الشيطان تنفير عباد الله عن تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر، فيقول: هذه مخاطرة، حتى يقول الإنسان: أنا لا أتكلم في القرآن تورعًا ».

    62- يقول أبو حامد الغزالي -رحمه الله - في حديثه عن موانع فهم القرآن: «أن يكون الهم منصرفًا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن فهم معاني كلام الله عز وجل، فلا يزال يحملهم على ترديد الحرف يُخَّيل إليهم أنه لم يخرج من مخرجه، فهذا يكون تأملهم مقصورا على مخارج الحروف فأنى تنكشف له المعاني؟ وأعظم ضحكة للشيطان من كان مطيعًا لمثل هذا التلبيس ».

    63- يقول ابن القيم -رحمه الله-: «إن الشيطان يُجْلِب على قارئه بخيله ورَجْله، حتى يشغله عن المقصود بالقرآن، وهو تدبره وتفهمه، ومعرفة ما أراد به المتكلم -سبحانه - فيحرص بجهده على أن يحول بين قلبه وبين مقصود القرآن، فلا يكمل انتفاع القارئ به، فأُمر عند الشروع أن يستعيذ بالله منه».

    64- من المفاهيم التي ينبغي أن تُصحح عند المسلمين قصر وظيفة القرآن على تحصيل الأجر والثواب والتبرك...ومن المفاهيم التي كان لها دور كبير في إبعاد البعض عن الانتفاع بالقرآن: قناعتهم بأن أهل القرآن هم حفاظ حروفه، بغض النظر عن ربط ذلك بالعمل بما فيه، والتخلق بأخلاقه.

    65- مما أبعد طائفة كبيرة من الحفاظ عن تدبر القرآن والانتفاع الحقيقي به، هو حرصهم على عدم نسيان المحفوظ فقط، لذلك تراهم يقرأون الآيات قراءة سريعة بقصد المراجعة وكل همهم هو عدم النسيان أو الخطأ.

     

    66- الإمام أبو شامة حمل الأحاديث الواردة في ذم نسيان القرآن على ترك العمل، لأن النسيان هو الترك لقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ} [طه: 115].

    قال: وللقرآن يوم القيامة حالتان:

    أحدهما: الشفاعة لمن قرأه ولم ينس العمل به.

    والثانية: الشكاية على من نسية أي تركه تهاونا ولم يعمل به.

    قال: ولا يبعد أن يكون من تهاون به حتى نسى تلاوته كذلك.

    67- من المداخل المبُعدة للبعض عن القرآن تصورهم بأنه يمكنهم الجمع بين القراءة السريعة للقرآن بلا تدبر ولا تأثر بغية تحصيل الأجر والثواب، وبين قراءة القرآن بتدبر وتأثر، وذلك من خلال تخصيص ختمة للقراءة السريعة، وختمة للتدبر، ولا بأس من المكث مع ختمة التدبر وقتًا طويلاً، ولو استمرت سنوات وسنوات.

    68- من المداخل المُبْعدة كذلك اقتناع البعض بضرورة ختم القرآن في مدة أقصاها شهر أو أربعون يوما حتى لا يكون هاجرًا له، فيؤدي ذلك إلى الإفراط في سرعة القراءة في بعض الأيام حتى يتسنى له ختم القرآن خلال المدة المحددة، وبالتالي تقل فرصة التدبر والتأثر.

    69- مما أبعد البعض عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن ظنه أنه يتأثر بالسماع أكثر من تأثره بالقراءة، ومن ثمَّ فإنه يهمل القراءة.

    70- إذا ما شخَّصنا حالنا مع القرآن، وبحثنا عن السبب الرئيس لهذا الوضع الشاذ لوجدناه - كما أسلفنا - نابعًا من ضعف الإيمان بقيمة القرآن وقدرته الفذة على إنشاء الإيمان وإحداث التغيير.

     

    71- الخطوة الأولى في طريق العودة إلى القرآن، وتوجيه القلب نحو أنواره -كما أسلفنا- هي زيادة الثقة فيه، والتعرف على قيمته الحقيقية، وكيف أنه قادر -بإذن الله- على إحياء قلوبنا وتغيير ما بأنفسنا، والتعرف كذلك على العقبات التي تواجهنا في طريق العودة إليه وكيفية اجتيازها، مع تصحيح المفاهيم الخاطئة التي رسخت في الأذهان عن كيفية التعامل معه.. وكلما ازدادت الثقة في القرآن قويت الرغبة، واشتدت الحاجة، وتولد الدافع القوي للإقبال الصحيح عليه.

    72- يقول أبي الحسن الندوي -رحمه الله-: «إن من الشروط الأولية الأساسية للاستفادة من القرآن الكريم والانتفاع به، هو وجود الرغبة إليه، وطلب الاستفادة منه، فمن لم تتحقق عنده الرغبة والطلب ماذا يكون تأثير القرآن فيه؟».

    73- إن من سنة الله - تعالى - ونواميسه أنه لا يعطي إلا بالرغبة والسؤال، وللرغبة والسؤال عنده قيمة كبيرة، فالقلق على الوضع الراهن، وعدم الاقتناع به، والجهد للإصلاح والتغيير، والبحث عن الطريق هو أول خطوة عنده في سبيل السعادة.

    74- الخطوة الأولى والأساسية في طريق العودة إلى القرآن هي ترسيخ وتعميق الشعور بالرغبة الأكيدة والاحتياج الحقيقي إليه، وهذا يستلزم منا القراءة في بعض الكتب التي تناولت هذا الموضوع والإكثار منها في البداية؛ لتقوم بتغذية وتقوية مشاعر الرغبة وتأججها لينتج عنها دافع قوي ومستمر للإقبال الصحيح على القرآن.

    75- إن كانت الخطوة الأولى للانتفاع الحقيقي بالقرآن هي اشتداد الرغبة، فإن الخطوة التي تليها .. بل تصحبها .. هي ترجمة هذه الرغبة بالدعاء والتضرع إلى الله عز وجل بأن يفتح قلوبنا لنور القرآن، ويُعرَّضها لحُسن التأثر به.

     

    76- علينا أن ندعوه - سبحانه - دعاء المضطر الذي يخرج دعاؤه من أعماق أعماق قلبه، كالذي تتقاذفه الأمواج في البحر، فأخذ يصارع الغرق، وليس لديه شيء يتعلق به إلا أمله في الله بأن يستجيب تضرعه، وينقذه من الموت.

    77- قال محمد اقبال -رحمه الله- : «قد كنت تعمدت أن أقرأ القرآن بعد صلاة الصبح كل يوم، وكان أبي يراني، فيسألني: ماذا أصنع؟ فأجيبه: أقرأ القرآن، وظل على ذلك ثلاث سنوات متتاليات يسألني سؤاله، فأجيبه جوابي، وذات يوم قلت له: ما بالك يا أبي! تسألني نفس السؤال وأجيبك جوابًا واحدًا، ثم لا يمنعك ذلك عن إعادة السؤال من غدٍ؟ فقال: إنما أردت أن أقول لك: يا ولدي؛ اقرأ القرآن كأنما نُزَّل عليك. ومنذ ذلك اليوم بدأت أتفهم القرآن وأقبل عليه، فكان من أنواره ما اقتبست، ومن درره ما نظمت».

    78- من وصايا الإمام حسن البنا -رحمه الله -في كيفية الانتفاع بالقرآن: «واجتهد أن تقرأ في الصلاة وغيرها على مُكث وتمهُّل، وخشوع وتذلل، وأن تقف على رؤوس الآيات، وتعطي التلاوة حقها من التجويد والنغمات، من غير تكلف ولا تطريب، أو اشتغال بالألفاظ عن المعاني، مع رفع الصوت المعتدل في التلاوة العادية أو الصلاة الجهرية، فإن ذلك يُعين على الفهم، ويثير ما غاص من شآبيب الدمع، وما نفع القلب شيء أفضل من تلاوة في تدبر وخشوع».

    79- ها هو القرآن يدعونا جميعًا لذلك :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].إن القرآن ينبت الإيمان في القلوب مهما بلغت قسوتها، ويُشربها محبة الله، وخشيته، ومهابته حتى يصير حبه - سبحانه - أحب الأشياء إليها، وخشيته أخوف الأشياء لديها. .إنه روح القلوب وقوتها .. من فقده فقد أضاع على نفسه فرصة عظيمة للحياة الحقيقية، والسعادة، والرضا، ودخول جنة الدنيا.

    80- تذكر أخي أن صلاح الأمة متوقف على صلاحي وصلاحك، وصلاحنا لن يكون إلا بالإيمان أولا، والقرآن هو العمود الفقري لهذا الإيمان. فماذا ننتظر بعد ذلك؟!

    ماذا ننتظر وقد دخلت الأمة إلى الغار، وقد سقطت صخرة عظيمة فأغلقت بابه، والكل يستصرخ وينادي: هل إلى خروج من سبيل؟

    فهل نكتفي بارتداء الأكفان، و انتظار الموت، أم نبحث عن مخرج من هذا الغار؟!إن الدليل الذي سيقودنا إلى الخروج موجود لكنه مهجور.

    إن القائد الذي نبحث عنه قريب منا، وأهل لإخراجنا من الغار.

    إنه القرآن .. إي وربي القرآن..

    أمير بن محمد المدري

    اليمن - المهرة

    موقع صيد الفوائد


  4. مواساة المصابين والتخفيف عن المنكوبين والمبتلين دليل على إيمان العبد وحسن فهمه لمباديء الإسلام القويمة , وللقرآن الكريم منهج خاص في مواساته للمبتلين والمصابين , وهذا المنهج الخاص يقوم على أسس ودعائم منها أن :

     

    ( 1 ) الدنيا دار اختبار وابتلاء :

    فالدنيا كما وصفها الله تعالى بأنها دار اختبار وابتلاء , قال الله تعالى: \" الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) سورة الملك. .

    ووصفها أيضاً بأنها دار لهو ولعب وأن نعيمها لا يدوم والراحة فيها ليست بباقية , قال سبحانه : \"وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ\" (64) سورة العنكبوت .

    وقال : \"إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ\" (24) سورة يونس .

    وقال :\واضرب لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا\" (45) سورة الكهف.

    وقال :\"اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ\" (20) سورة الحديد .

    ولقد وصفها المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه سجن للمؤمن , والمسجون يتشوق إلى التحرر من السجن , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِر.أخرجه أحمد 2/323(8272) و\"مسلم\" 8/210 و\"التِّرمِذي\" 1324 .

    والعاقل هو من يؤثر ما يبقى على ما يفنى , عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ، قال:منْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَّرَ بِدُنْيَاهُ ، فَآثِرُوا مَايَبْقَى عَلَى مَايَفْنَى. أخرجه ابن حبان في \" صحيحه \" ( 2473 ) ، وأحمد ( 4 / 412 ) والحاكم ( 4 / 308 ، 319 ) وقال الحاكم :\" صحيح على شرط الشيخين.

     

    وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ ، جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ ، جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ.أخرجه التِّرْمِذِي (2465) الألباني في \"السلسلة الصحيحة\" 2 / 670 .

    قال على بن أبي طالب رضي الله عنه : إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة ، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ، ولكل منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل .

    قال الشاعر :

    حكم المنية في البرية جاري * * * ما هذه الدنيا بدار قرار

    بينما يرى الإنسان فيها مخبرا * * * ألفيته خبرا من الأخبار

    طبعت على كدر و أنت تريدها * * * صفوا من الأقذار و الأكدار

    ومكلف الأيام ضد طباعها * * * متطلب قي الماء جذوة نار

    وإذا رجوت المستحيل فإنما * * * تبني الرجاء على شفير هار

     

    يروى أنه كان ملك كثير المال قد جمع مالاً عظيماً واحتشد من كل نوع خلقه الله تعالى من متاع الدنيا ليرفه نفسه ويتفرغ لأكل ما جمعه، فجمع نعماً طائلة وبنى قصراً عالياً مرتفعاً سامياً يصلح للملوك والأمراء والأكابر والعظماء وركَّب عليه بابين محكمين وأقام عليه الغلمان والأجلاد والحرسة والأجناد والبوابين كما أراد وأمر بعض الأنام أن يصطنع له من أطيب الطعام وجمع أهله وحشمه وأصحابه وخدمه ليأكلوا عنده وينالوا رفده، وجلس على سرير مملكته واتكأ على وسادته وقال يا نفس قد جمعت أنعم الدنيا بأسرها فالآن أفرغي لذلك وكلي هذه النعم مهنأة بالعمر الطويل، والحظ الجزيل، فلم يفرغ مما حدث نفسه حتى أتى رجل من ظاهر القصر عليه ثياب خلقة ومخلاته في عنقه معلقة على هيئة سائل يسأل الطعام فجاء وطرق حلقة الباب طرقة عظيمة هائلة بحيث تزلزل القصر وتزعزع السرير وخاف الغلمان ووثبوا إلى الباب وصاحوا بالطارق وقالوا يا ضيف ما هذا الحرص وسوء الأدب اصب إلى أن نأكل ونعطيك مما يفضل، فقال لهم قولوا لصاحبكم أن يخرج إليّ فلي إليه شغل مهم وأمر ملم فقالوا له تنح أيها الضيف من أنت حتى نأمر صاحبنا بالخروج إليك، فقال: أنتم عرِّفوه ما ذكرت لكم فلما عرَّفوه قال هلا نهرتموه وجرتم عليه وزجرتموه ثم طرق حلقة الباب أعظم من طرقته الأولى فنهضوا من أماكنهم بالعصي والسلاح وقصدوه ليحاربوه فصاح بهم صيحة وقال: ألزموا أماكنكم فأنا ملك الموت وطاشت حلومهم وارتعدت فرائضهم وبطلت عن الحركة جوارحهم فقال الملك قولوا له ليأخذ بدلاً مني وعوضاً عني فقال ما آخذ إلا روحك ولا أتيت إلا لأجلك لأفرق بينك وبين النعم التي جمعتها والأموال التي حويتها. ابن الجوزي : التبصرة 1/169.

    وقال جابر بن عبدالله خرجت مع الأمام علي رضي الله عنه إلى خارج المدينة فتفكرت في أحوال الدنيا وغرورها وفتنتها فقال: يا جابر إن الدنيا أحقر من أن يفتتن بها لبيب يا جابر إن لذاتها في ستة أشياء : مأكول ومشروب وملبوس ، ومنكوح ومشموم ومسموع ؛ فأما المأكول فألين ما يؤكل العسل وهو رجيع ذبابة, وأما المشروب فألذ ما يشرب الماء وقد تساوى فيه جميع الحيوانات , وأما الملبوس فأفخر ما يلبس الحرير ومخرجه من دودة , وأما المنكوح فمبال في مبال , وأما المشموم فأطيبه المسك وهو دم دابة , وأما المسموع فألذ ما يسمع الوتر وهو إثم كله.

    قد أولـع الناسُ في الدنيا بأربعــةٍ * * * أكـل وشرب وملبوس ومنكوح

    وغايــة الكُلِّ إنْ فكــرت فيــه إلى * * * رَوْثٍ وبـول ومطــروح ومفضوح

     

    ( 2 ) لست وحدك المبتلى في هذه الحياة :

    وكما أخبرنا القرآن الكريم بأن الدنيا دار اختبار وابتلاء فقد أخبرنا أيضاً بأن المبتلى فيها ليس فرداً في ابتلائه وأنه ليس وحده المبتلى , قال تعالى : \" ألم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ\" [العنكبوت:1-2-3].

    بل إن أشرف الناس الأنبياء والمرسلون كانوا أكثر الناس ابتلاءً , عَن سعد بن أَبي وَقاصِ ؛ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ الله ، أَيُّ اَلناسِ أَشَدُّ بَلاَءً ؟ قَالَ : الأنبياء ، ثُم الأمثل فالأمثل ، يُبْتَلَى اَلْعَبْدُ على حَسَبِ دِينِهِ ، فَإنْ كَانَ فِي دِينِهِ صلبا اَشتَد بَلأَوهُ ، وإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقة أبتُلِيَ على حَسَبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ ألبَلاَءُ بِالعَبْدِ حَتُّىَ يَترُكَهُ يَمشِي على ألأَرضِ ، ومَا عَلَيهِ مِن خَطِيئَةِ. أخرجه أحمد 1/172(1481) و\"ابن ماجة\" 4023 والتِّرْمِذِيّ\" 2398 الألباني في السلسلة الصحيحة (143).

    ذكر ابن الجوزي بإسناده عن عبد الله بن زياد قال: حدثني بعض من قرأ في الكتب أن ذا القرنين لما رجع من مشارق الأرض ومغاربها وبلغ أرض بابل مرض مرضاً شديداً، فعلم أنه مرض الموت وأشفق على نفسه فكتب لأمه معزياً في ذكاء قائلاً: يا أماه، إذا جاءك كتابي فاصنعي طعاماً واجمعي من قدرت من الناس ولا يأكل طعامك من أصيب بمصيبة، وتسألي هل وجدت لشيء قراراً. إني لأرجو أن الذي أذهب إليه خيراً مما أنا فيه. فلما وصل كتابه صنعت طعاماً عظيماً وجمعت الناس وقالت: لا يأكل هذا من أصيب بمصيبة. فلم يتقدم أحد من هذا الطعام، فعلمت مراد ابنها فقالت: بني، من مبلغك عني أنك وعظتني فاتعظت وعزيتني فتعزيت فعليك السلام حياً وميتاً. انظر: تسلية أهل المصائب صـ20،21.

    قالت الخنساء في رثاء أخيها صخرا :

    ألا يا صخرُ لا أنساكَ حتى * * * أفارقَ مُهجتي ويُشقَّ رَمْسِي

    ولولا كثرة الباكين حولي * * * على إخوانهم لقتلْتُ نَفْسِي

    وما يَبكونَ مثلَ أخي ولكِنْ ** * اعزّي النَّفسَ عنهُ بالتَّأسي

     

    ( 3 ) تنوع وتعدد أنواع الابتلاء في حياة الناس :

    المتأمل لتاريخ الأنبياء وقصصهم في القرآن الكريم يلحظ أنه ما من نبي ولا غير نبي إلا قد ابتلي , ولقد تنوع البلاء وتعدد في حياة الناس ,وفي هذا كله نوع من أنواع المواساة للمصابين والمبتلين , فمن ابتلي بالمرض فليتذكر قصة أيوب عليه السلام الذي ظل مريضاً السنين الطوال حتى تساقط لحمه وتركه من حوله , قال تعالى : \" وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) سورة الأنبياء .

    ومن ابتلي بزوجة سيئة الخلق فلتذكر امرأة نوح وامرأة لوط , قال تعالى : \" ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) سورة التحريم.

    ومن ابتليت بزوج سيء فلتتذكر آسية امرأة فرعون , قال تعالى : \" وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) سورة التحريم .

    ومن ابتلي بولد عاق فليذكر قصة نوح عليه السلام مع ولده , قال تعالى : \" وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) سورة هود .

     

    ومن ابتلي بوالد كافر عاص فليتأسى بقصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه آذر , قال سبحانه : \" وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) سورة الأنعام , وقال : \" وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) سورة مريم .

    ومن ابتلي بأذى قومه فليتسلى بقصص الأنبياء مع قومهم , قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ . الأنبياء/68-70 .

    وقال عن موسى عليه السلام : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} (69) سورة الأحزاب.

    وقال تعالى عن حبيبه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) سورة التوبة , وقال : \" وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) سورة التوبة .

    وهكذا فقد تنوع الابتلاء وتعددت المصائب في حياة من جعلهم الله تعالى المثل والقدوة لجميع الناس .

    قال ابن القيم في \" الفوائد\" ص (42) : \" الطريق طريقٌ تعِب فيه آدم ، وناح لأجله نوح ، ورُمي في النار الخليل ، وأُضْجع للذبح إسماعيل ، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ، ونُشر بالمنشار زكريا ، وذُبح السيد الحصور يحيى ، وقاسى الضرَّ أيوب ... وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم \" انتهى .

    يا لاهياً بالمنايا قد غره الأملُ * * * وأنت عما قليل سوف ترتحلُ

    تبغي اللحوق بلا زاد تقدمه * * * إن المخفين لما شمروا وصلوا

    لا تركنن إلى الدنيا وزخرفها * * * فأنت من عاجل الدنيا ستنتقلُ

    أصبحت ترجو غداً يأتي وبعد غد * * * ورب ذي أمل قد خانه الأملُ

    هذا شبابك قد ولت بشاشته * * * ما بعد شيبك لا لهو ولا جدلُ

    ماذا التعلل بالدنيا وقد نشرت * * * لأهلها صحة في طيها عللُ

     

    ( 4 ) الأمر بالصبر على الابتلاء والحث عليه :

    أمرنا الله تعالى بالصبر وحثنا عليه لكي يكون مسلاة لنا عند المصائب والشدائد , قال تعالى : \" وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) سورة البقرة .

    بل وقرن الصبر بفضائل الأعمال ومكارم الأخلاق , فقرنه بالتسبيح والاستغفار فقال : \" وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) سورة الطور .

    وقرنه باليقين فقال : \" وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) سورة السجدة.

    وقرنه بالتوكل فقال : \" الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) سورة النحل .

    كما ربطه بالشكر فقال : \"إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) سورة إبراهيم .

    وربطه بالتقوى فقال : \"وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) سورة آل عمران .

    وربطه كذلك بالحق فقال : \" وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) سورة العصر .

    وربطه بالرحمة فقال :\" ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) سورة البلد .

    وكذا ربطه بالجهاد في سبيل الله تعالى فقال : \" ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) سورة النحل .

    والصابرون هم من أعظم الناس جزاءً , ومن أكثرهم سعادة يوم القيامة قال تعالى : \" إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) سورة الزمر .

    وعَن أَبي سَعِيدٍ الْخُدرِي رضي الله عنه أن نَاساَ مِنَ اَلأنصَارِ سَاَلُوا رَسُولَ الله ، صلى الله عليه وسلم ، فَأَعْطَاهُمْ ، ثُم سَأَلُوُهُ فَأَعْطَاهُمْ ، حَتَى نَفِسَ عِنْدَهُ ، فَقَالَ : مَا يَكُونُ عِنْدِي مِن خَير فَلَنْ أَدخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ الله ، وَمَنْ يَسْتَغْن يُغْنِهِ الله ، وَمَنْ يَتَصَبرْ يُصَبرهُ الله ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَد عَطَاء خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصبْر.أخرجه \"أحمد\" 3/93(11912) و(البُخارى) 2/151(1469) و\"مسلم\" 3/102(2388).

    قال الشاعر :

    اصبر ففي الصبر خير لو علمت به * * * لطبت نفساً ولم تجزع من الألــم

    واعلم بأنك لو لم تصطبر كرمـــــاً * * * صبرت رغماً على ما خط بالقلم

     

    ( 5 ) تبشير المؤمنين بفضل ثواب الصابرين :

    وكما أمرنا الله تعالى بالصبر مواساة لكل مصاب ودفعاً للشك واليأس عن كل قلب متكبر مرتاب , فقد بشر الله تعالى الصابرين بحسن الجزاء وجزيل العطاء , فقال :\" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) سورة البقرة .

     

    قال أهل التفسير : والصلاة : من الله المغفرة ، قاله ابن عباس؛ أو الثناء ، قاله ابن كيسان ، أو الغفران والثناء الحسن ، قاله الزجاج.

    والرحمة : قيل هي الصلوات ، كررت تأكيداً لما اختلف اللفظ ، كقوله { رأفة ورحمة } وقيل : الرحمة : كشف الكربة وقضاء الحاجة. انظر : تفسير البحر المحيط 2/102.

    وقال أيضاً في فضل الصبر وبيان جزاء الصابرين \" أُوْلَـئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَـاماً\" . الفرقان:75.

    عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: \" يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاَءِ الثَّوَابَ ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بالْمَقَارِيضِ.أخرجه التِّرْمِذِي (2402) صحيح الجامع : 8177.

    وعَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ ، أًنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ ، قال الله ، لِمَلاَئِكَتِهِ : قَبَضْتُم وَلَدَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ . فَيَقُولُ : قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ فَيَقُولَونَ : نعَمْ . فَيَقُولُ : مَاذَا قال عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : حَمِدَكَ وَاستَرْجَعَ . فَيَقُولُ الله : ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ . وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ.أخرجه أحمد 4/415 والترمذي (1021 ).

    الوزير المهلبي أبو محمد الحسن بن محمد بن هارون ؛ كان وزير معز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه الديلمي ,كان من ارتفاع القدر واتساع الصدر وعلو الهمة وفيض الكف على ما هو مشهور به، وكان غاية في الأدب والمحبة لأهله. وكان قبل اتصاله بمعز الدولة في شدة عظيمة من الضرورة والضائقة، وكان قد سافر مرة ولقي في سفره مشقة صعبة واشتهى اللحم فلم يقدر عليه فقال ارتجالاً :

    ألا موت يباع فأشتريه * * * فهذا العيش ما لا خير فيه

    ألا موت لذيذ الطعم يأتي * * * يخلصني من العيش الكريه

    إذا أبصرت قبراً من بعيد * * * وددت لو أنني مما يليه

    ألا رحم المهيمن نفس حر * * * تصدق بالوفاة على أخيه

    وكان معه رفيق يقال له: أبو عبد الله الصوفي، وقيل أبو الحسين العسقلاني، فلما سمع الأبيات اشترى له بدرهم لحماً وطبخه وأطعمه، وتفارقا. وتنقلت بالمهلبي الأحوال، وتولى الوزارة ببغداد لمعز الدولة المذكور، وضاقت الحال

    برفيقه في السفر الذي اشترى له اللحم ، وبلغه وزارة المهلبي فقصده وكتب إليه:

    ألا قل للوزير فدته نفسي * * * مقالة مذكر ما قد نسيه

    أتذكر إذ تقول لنضك عيش * * * ألا موت يباع فأشتريه

    فلما وقف عليه تذكره وهزته أريحية الكرم، فأمر له في الحال بسبعمائة درهم ووقع في رقعته : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) سورة البقرة . ثم دعا به فخلع عليه وقلده عملاً يرتفق به. ابن خلكان وفيات الأعيان 2/125.

    قال الأبشيهي : \" فلو لم يكن الصبر من أعلى المراتب وأمنى المواهب، لما أمر الله تعالى به رسله ذوي الحزم وسماهم بسبب صبرهم، أولى العزم وفتح لهم بصبرهم أبواب مرادهم، وسؤالهم، ومنحهم من لدنه غاية أمرهم ومأمولهم ومرامهم، فما أسعد من اهتدى بهداهم، واقتدى بهم، وإن قصر عن مداهم، وقيل العسر يعقبه اليسر، والشدة يعقبها الرخاء، والتعب يعقبه الراحة . انظر : المستطرف 2/149.

    قال الشاعر :

    ما أحسن الصبر في الدنيا وأجمله*** عند الإله وأنجاه من الجزع

    من شد بالصبر كفا عند مؤلمه *** ألوت يداه بحبل غير منقطع

    فاللهم واجعلنا من الراضين بقضائك . الصابرين على اختبارك وابتلائك . وأعقب لنا بعد الصبر فرجا , وبعد الضيق والعسر يسرا .

    د. بدر عبد الحميد هميسه

    موقع صيد الفوائد


  5. هل يمكن أن تذكر ثواب قراءة كل من السور التالية مع ذكر الدليل من السنة عليه :

    سورة النبأ و سورة الواقعة و سورة يس و سورة الملك ، أنا في أواسط الثلاثينات من العمر وأحاول أن أحفظ من القرآن قدر الاستطاعة ، أي السور يجب أن أبدأ بها ؟ هل يجوز أن أقرأ الجزء الذي حفظته في صلاة النافلة ؟ ماذا أفعل إذا أخطأت أو نسيت بينما أنا أقرأ ؟.

     

    الحمد لله

    أولاً :

     

    أما فضل سورة النبأ وثواب قراءتها فلا نعلم هنالك خصوصية لهذه السورة إلا ما هو معروف عن سائر القرآن وليس لها فضل خاص دون غيرها إلا ما علمناه أن من قرأ من القرآن حرفاً فله عشر حسنات عن عبد الله بن مسعود قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " .

     

    رواه الترمذي ( 2910 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 2327 ) .

     

    ولكن ورد أنها من السور المنذرات الشديدات على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

     

    عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت " .

     

    رواه الترمذي ( 3297 ) .

     

    والحديث : صححه الشيخ الألباني " الصحيحة " ( 955 ) .

     

    - وأما فضل سورة الواقعة فقد ورد في فضلها حديث لا يصح .

     

    عن شجاع عن أبي فاطمة : " أن عثمان بن عفان رضي الله عنه عاد ابن مسعود في مرضه فقال ما تشتكي قال ذنوبي قال فما تشتهي قال رحمة ربي قال ألا ندعوا لك الطبيب قال الطبيب أمرضني قال ألا آمر لك بعطائك قال منعتنيه قبل اليوم فلا حاجة لي فيه قال فدعه لأهلك وعيالك قال إني قد علمتهم شيئا إذا قالوه لم يفتقروا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من قرأ " الواقعة " كل ليلة لم يفتقر " .

     

    رواه البيهقي في " شعب الإيمان " ( 2 / 491 ) .

     

    والحديث : ضعَّفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة ( 289 ) .

     

    ـ وأما فضل سورة ( يس ) فقد ورد في فضلها أحاديث لا تصح .

     

    عن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات " .

     

    رواه الترمذي ( 2887) وقال لا يصح من قبل إسناده وإسناده ضعيف .

     

    وقال الألباني في " الضعيفة " ( 169 ) : موضوع .

     

    ومثله الحديث الذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تبارك وتعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق السموات والأرض بألف عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت طوبى لأمة ينزل هذا عليها وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبى لألسنة تتكلم بهذا " . رواه الدارمي ( 3280 ) .

     

    قال الألباني في الضعيفة ( 1248 ) : مُنْكر

     

    وكذلك الحديث الذي عن معقل بن يسار قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اقرءوا يس على موتاكم " .

     

    رواه أبو داود ( 3121 ) وابن ماجه ( 1448 ) .

     

    قال الشيخ الألباني :

     

    وأما قراءة سورة " يس " عنده ـ يعني الميت ـ و توجيهه نحو القبلة فلم يصح فيه حديث .

     

    " أحكام الجنائز " ( ص 11 ) .

     

    وكذلك حديث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من دخل المقابر فقرأ سورة (يس ) خفف عنهم يومئذ و كان له بعدد من فيها حسنات " .

     

    قال الشيخ الألباني في " الضعيفة " ( 1246 ) : موضوع أخرجه الثعلبي في تفسيره (3 /161 /2 ) .

     

    ـ أما سورة الملك فقد ورد في فضلها أحاديث صحيحة .

     

    عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي سورة تبارك الذي بيده الملك " .

     

    رواه الترمذي ( 2891 ) وأحمد ( 7634 ) وأبو داود ( 1400 ) وابن ماجه ( 3786 ) .

     

    والحديث : حسَّنه الترمذي والألباني في " صحيح الترمذي " ( 3 / 6 ) .

     

    وجاء في فضلها أيضاً :

     

    عن جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ " الم تنزيل " و" تبارك الذي بيده الملك " .

     

    رواه الترمذي ( 2892 ) وأحمد ( 14249 ) .

     

    والحديث : قال الألباني في " صحيح الترمذي " ( 3 / 6 ) : صحيح .

     

    ثانياً :

     

    ليست هناك طريقة محددة لحفظ القرآن الكريم فالناس متفاوتون بالمقدرة على الحفظ فلكل طريقة تناسبه ووقت يناسبه .

     

    فبعض الناس يحب القراءة والحفظ بعد صلاة الفجر وبعضهم يحبها بعد المغرب ، فانظر في شأنك واسلك أحسن السبل في ذلك .

     

    وبعض الناس تسهل عليه السور المكية القصيرة وبعضهم تسهل عليه السور المدنية الطويلة ، فابدأ بالذي يسهل عليك .

     

    ويمكنك البداية بالسور المسموعة كثيراً واليسيرة الحفظ كسورة " الكهف " و " مريم " والأجزاء الأخيرة ، فإن هذا يعطيك دافعاً قوياً لتكملة الحفظ إذا وجدت نفسك قد حفظتَ أجزاءً كثيرةً .

     

    ومن أهم السبل في تثبيت ما قد حفظت وعدم نسيانه التكرار والإعادة الدائمة في كل وقت وعلى كل حال ، حتى إن بعض الناس الذين يحاولون حفظ القرآن ليقرأونه في السكك والطرقات وعند ركوب الحافلة وعند دخول الدكاكين والأسواق وعلى كل حال وفي كل وقت من ليل أو نهار .

     

    وإن العمل بما تعلم من آيات الله تعالى هو أهدى السبل للمحافظة على القرءان في الصدر .

     

    عن أبي عبد الرحمن قال : حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل قالوا فعلمنا العلم والعمل " .أحمد ( 22384 )

     

    ومما هو معلوم و مجرب عند الناس أن أفضل السبل للمحافظة على القرآن هي المراجعة في الصلوات كالسنن الرواتب وغيرها - أو الفروض للإمام - لاسيما قيام الليل ؛ لذلك فلا بأس بقراءة الجزء الذي تحفظه في صلاة النافلة .

     

    ـ ولكن إن نسيت شيئاً من القرءان حال الصلاة فحاول التذكر حتى إذا أعياك ذلك فلا بأس أن تتجاوز الذي لم تستذكره إلى الذي يليه مما تذكر فإذا قضيت صلاتك رجعت إلى المصحف واستذكرت الذي نسيته من هناك .

     

    والله أعلم.

     

    الإسلام سؤال وجواب

    • معجبة 1

  6. ما هي المنافع التي يحصل عليه حافظ (القرآن) في هذه الحياة وفي الآخرة ؟

    وما الذي سيحصل عليه أقرباؤه وذريته ؟

    وماذا عن الأجيال قبله وبعده ؟.

     

    الحمد لله

    أولاً :

    إن حفظ القرآن عبادة يبتغي به صاحبه وجه الله والثواب في الآخرة ، وبغير هذه النية لن يكون له أجر بل وسيعذَّب على صرفه هذه العبادة لغير الله عز وجل .

    يجب على حافظ القرآن أن لا يقصد بحفظه تحصيل منافع دنيوية لأن حفظه ليس سلعة يتاجر بها في الدنيا ، بل هي عبادة يقدمها بين يدي ربِّه تبارك وتعالى .

    وقد اختصَّ الله تعالى حافظ القرآن بخصائص في الدنيا وفي الآخرة ، ومنها :

     

    1. أنه يُقدَّم على غيره في الصلاة إماماً .

    عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه " . رواه مسلم ( 673 ) .

    وعن عبد الله بن عمر قال : لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضع بقباء قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا . رواه البخاري ( 660 ) .

     

    2. أنه يقدَّم على غيره في القبر في جهة القبلة إذا اضطررنا لدفنه مع غيره .

    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى " أحد " في ثوب واحد ثم يقول : أيهم أكثر أخذاً للقرآن ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدَّمه في اللحد وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم . رواه البخاري ( 1278 ) .

     

    3. يقدّم في الإمارة والرئاسة إذا أطاق حملها .

    عن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال : من استعملتَ على أهل الوادي ؟ فقال : ابن أبزى ! قال : ومن ابن أبزى ؟ قال : مولى من موالينا ! قال : فاستخلفتَ عليهم مولى ؟ قال : إنه قارئ لكتاب الله عز وجل ، وإنه عالم بالفرائض ، قال عمر : أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال : إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين . رواه مسلم ( 817 ) .

    وأما في الآخرة :

     

    4. فإن منزلة الحافظ للقرآن عند آخر آية كان يحفظها .

    عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها ". رواه الترمذي ( 2914 ) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وقال الألباني في " صحيح الترمذي " برقم ( 2329 ) : حسن صحيح ، وأبو داود ( 1464 ) .

    ومعنى القراءة هنا : الحفظ .

     

    5. أنه يكون مع الملائكة رفيقاً لهم في منازلهم .

    عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران " . رواه البخاري ( 4653 ) ومسلم ( 798 ) .

     

    6. أنه يُلبس تاج الكرامة وحلة الكرامة .

    عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يجيء القرآن يوم القيامة فيقول : يا رب حلِّه ، فيلبس تاج الكرامة ثم يقول : يا رب زِدْه ، فيلبس حلة الكرامة ، ثم يقول : يا رب ارض عنه فيرضى عنه ، فيقال له : اقرأ وارق وتزاد بكل آية حسنة " . رواه الترمذي ( 2915 ) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وقال الألباني في " صحيح الترمذي " برقم ( 2328 ) : حسن .

     

    7. أنه يَشفع فيه القرآن عند ربِّه .

    عن أبي أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة قال معاوية بلغني أن البطلة السحرة . رواه مسلم ( 804 ) ، والبخاري معلَّقاً .

     

    ثانياً :

    وأما أقرباؤه وذريته فقد ورد الدليل في والديه أنهما يكسيان حلَّتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها ، وما ذلك إلا لرعايتهما وتعليمهما ولدهما ، وحتى لو كانا جاهليْن فإن الله يكرمهما بولدهما ، وأما من كان يصدُّ ولده عن القرآن ويمنعه منه فهذا من المحرومين .

    عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : " يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول لصاحبه : هل تعرفني ؟ أنا الذي كنتُ أُسهر ليلك وأظمئ هواجرك ، وإن كل تاجر من وراء تجارته وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار ، ويُكسى والداه حلَّتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها ، فيقولان : يا رب أنى لنا هذا ؟ فيقال لهما : بتعليم ولدكما القرآن " . رواه الطبراني في " الأوسط " ( 6 / 51 ) .

    وعن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس ، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان : بم كسينا هذا ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن " . رواه الحاكم ( 1 / 756 ) .

    والحديثان يحسن أحدهما الآخر ، انظر " السلسلة الصحيحة " ( 2829 ) .

    والله أعلم.

    الشيخ محمد صالح المنجد

    الإسلام سؤال وجواب


  7. السؤال : كيف يجمع بين قوله تعالى : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) ، وبين قوله : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) ؟ وما رأيكم في من يقول : العلم سهل ؛ لأنني أذكر أن أحد أئمة المذاهب الأربعة يقول : بأنه ليس في العلم شيء سهل ، فلو تكرمتم بالتوضيح لي ؟

     

    الجواب :

     

    الحمد لله

     

    أولًا:

     

    أما قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر) [القمر: 17]، فقد بينا معناه، وذكرنا وجوه تسهيله في هذه الإجابات (243369)، (244165)، وذكرنا من وجوه تسهيله:

     

    1- تيسير ألفاظه للحفظ .

     

    2- تيسير معانيه للفهم .

     

    وأن هذا التيسير يحصل لمن أخذ القرآن بحقه، وأقبل عليه إقبال المحب الطالب، ولم يعرض عنه إعراض الجافي .

     

    وإن من وجوه هذا التيسير = أن الله قيض له من العلماء، من يبينه للناس، امتدادًا لما كلف الله به نبيه من بيان القرآن، وتيسير معانيه لهم .

     

    ولك أن تعلم أيها القارئ الكريم أن القرآن جمع في أسلوبه بين خطاب العامة والخاصة، " فلو أنك خاطبت الأذكياء بالواضح المكشوف الذي تخاطب به الأغبياء ، لنزلت بهم إلى مستوًى لا يرضونه لأنفسهم في الخطاب، ولو أنك خاطبت العامة باللمحة والإشارة التي تخاطب بها الأذكياء ، لجئتهم من ذلك بما لا تطيقه عقولهم .

     

    فلا غنى لك -إن أردت أن تعطي كلتا الطائفتين حظها كاملًا من بيانك- أن تخاطب كل واحدة منها بغير ما تخاطب به الأخرى؛ كما تخاطب الأطفال بغير ما تخاطب به الرجال .

     

    فأما أن جملة واحدة تلقى إلى العلماء والجهلاء، وإلى الأذكياء والأغبياء، وإلى السوقة والملوك ، فيراها كل منهم كأنها مُقَدَّرة على مقياس عقله ، وعلى وفق حاجته : فذلك ما لا تجده على أتمه إلا في القرآن الكريم.

     

    فهو قرآن واحد ؛ يراه البلغاء أوفى كلام بلطائف التعبير، ويراه العامة أحسن كلام وأقربه إلى عقولهم ، لا يلتوي على أفهامهم، ولا يحتاجون فيه إلى ترجمان وراء وضع اللغة، فهو متعة العامة والخاصة على السواء، ميسر لكل من أراد "، النبأ العظيم ، د. محمد عبد الله دراز (148).

     

     

     

    ثانيًا:

     

    وأما قوله تعالى: (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) [المزمل: 5]، فقد اختلف العلماء في بيان نوع الثِّقَل على أقوال:

     

    1- فذهب بعضهم إلى أن الثقل إنما هو في نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يعرق عرقًا شديدًا حال نزول الوحي عليه .

     

    2- وذهب بعضهم إلى أن الثقل في العمل به .

     

    3- وقال بعضهم إن الثقل إنما هو على المنافقين .

     

    4- وذهب آخرون إلى أن الثقل في الميزان، أي في ثواب القرآن .

     

    ولا تنافي بين هذه الأقوال جميعا ؛ بل هي كلها من معاني "الثقل" في ذلك الكتاب المبين ، والنبأ العظيم .

     

    قال الطبري: " وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله وصفه بأنه قول ثقيل، فهو كما وصفه به ؛ ثقيل محمله ، ثقيل العمل بحدوده وفرائضه"، تفسير الطبري: (23/ 366).

     

    وقال السعدي: " أي: نوحي إليك هذا القرآن الثقيل، أي: العظيمة معانيه، الجليلة أوصافه، وما كان بهذا الوصف، حقيق أن يُتهيأ له، ويُرتل، ويُتفكر فيما يشتمل عليه "، التفسير: (892).

     

    ثالثًا:

     

    أنت ترى أن الثقل هنا قد وصف به القرآن المجيد في طريقة نزوله، وفي عظمه وقدره ، وفي حمله وأمانته ، وما جاء به من امور يجب العمل بها، وأخذها بحقها .

     

    ولكن هذا الثقل يخففه الله تعالى لمن أقبل على القرآن طالبًا الهدى، كما قال تعالى في آية أخرى: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) [البقرة: 45]، فالصبر والصلاة والاستمساك بهما صعب، ولكن الله ييسره على الخاشعين، المنفذين لأوامر الله، المجتنبين نواهيه .

     

    وهكذا القرآن، فإنه ثقيل، ولكن الله ييسره لمن أقبل عليه ، طالبا له ، متذكرا ، مذاكرا ، متدارسا له .

     

    رابعًا:

     

    مما ينبغي أن يُعْلم : أن العلم صعب سهل، وذلك: أن العلم الشرعي من معالي الأمور، ومعالي الأمور لا تنال إلى على جسر من التعب، والنعيم لا يدرك بالنعيم، ومن طلب الراحة فاتته الراحة.

     

    لكن طالب العلم حقًا، يشعر في هذا الطريق بلذة العلم الذي يتمنى ألا يُشغل عنها بشاغل، فالعلم يسير سهل على من أخذ بمنهجه، وطلبه من بابه ، ومن عند أهله، ولكن الطريق إليه محفوف بالصعوبات التي يجب على الإنسان أن يقطعها .

     

    يقول الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله :

     

    " وطلب العلم له أصوله، وله رتبُه، فمن فاته طلب العلم على رتبِه وأصوله، فإنه يحرم الوصول. وهذه مسألة كثيرًا ما نكررها رغبة في أن تَقَرَّ في قلوب طلبة العلم ومحبِّي العلم، ألا وهي: أنْ يُطلب العلم شيئًا فشيئًا ، على مر الأيام والليالي، كما قال ذلك ابن شهاب الزهري الإمام المعروف، إذ قال: "من رام العلم جملة ، ذهب عنه جملة، وإنما يُطلب العلم على مر الأيام والليالي" .

     

    وهذا كما تُدَرِّس صغيرًا أصول الكتابة، أو أصول نُطق الكلمات، فإنه لا بد أن يأخذه شيئًا فشيئًا، ثم إذا استمرّ على ذلك أحكم الكتابة، وأحكم النطق حتى تمكّن من ذلك، والعلم كذلك .

     

    فالعلم منه صِغار ، ومنه كِبار ، باعتبار الفهم ، وباعتبار العمل ، وباعتبار كون العلم من الله جل جلاله ، وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - .

     

    فإنه ليس في العلم شيء سهل، كما قال مالك رحمه الله تعالى ، إذ قيل له: هذا من العلم السهل، قال: ليس في علم القرآن والسنة شيء سهل، وإنما كما قال الله جل وعلا ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ) [المزمل:5] .

     

    فالعلم : من أخذه على أنه ثقيل صعب : أدركه .

     

    وأما من أخذ المسائل على أنها سهلة، وهذه سهلة، وهذه مُتصوّرة، وهذه مفهومة، ويمرّ عليها مرور السريع : فإن هذا يفوته شيء كثير.

     

    فإذًا لا بد لنا في طلب العلم من تدرج فيه، على أصوله، وعلى منهجية واضحة، ولا بد لنا أن نأخذ العلم على أنه ليس فيه شيء سهل؛ بل كلُّه ثقيل من حيث فهمُه، ومن حيثُ تثبيتُه، ومن حيث استمرارُه مع طالب العلم، فهو ثقيل ؛ لا بد له من مواصلة ومتابعة، فالعلم يُنسى إذا تُرِك، وإذا تواصل معه طالب العلم فإنه يبقى .

    وهذا يُعظِّم التبعة على طالب العلم ، في ألا يتساهل في طلبه للعلم، فلا يقولن قائل مثلا: هذا الكتاب سهل، وهذا المتن ما يشرح لأنه سهل واضح، أحاديث معروفة، فإن هذا يُؤتى من هذه الجهة، حيث استسهل الأصول ، وعُقَد العلم .

     

    وقد قال طائفة من أهل العلم: "العلم عُقَد وملح، فمن أحكم العقد سهل عليه العلم، ومن فاته حل العقد فاته العلم" .

     

    وهذا إنما يكون بإحكام أصول العلوم. وإذا ضبط طالب العلم المتون المعروفة في الحديث، وفي العلوم المختلفة، فإنه يكون مهيئًا للانتقال إلى درجات أعلى ، بفهمٍ وتأسيس لما سبق . " انتهى ، من مقدمة "شرح الأربعين للنووية" للشيخ صالح آل الشيخ ، ن الشاملة .

     

    وننصحك أن تطالع كتاب (حلية طالب العلم) للشيخ بكر أبي زيد رحمه الله ، و"صفحات من الصبر" ، للشيخ عبد الفتاح أبو غدة ، رحمه الله ، وكتاب "المشوق" للشيخ علي العمران .

     

    وراجع هذه الإجابات: (97012)، (10324).

     

    والخلاصة

     

    العلم يسير لمن أخذه بحقه، والقرآن يسير لمن أقبل عليه وتدبره، صعب لمن أدبر عنه، وابتعد عن العلم، وطريقه .

     

    والله أعلم .

     

    ملخص الجواب :

     

    أن العلم يسير لمن أخذه بحقه، والقرآن يسير لمن أقبل عليه وتدبره، صعب لمن أدبر عنه، وابتعد عن العلم، وطريقه .

     

    موقع الإسلام سؤال وجواب


  8. السؤال :

    وجدت أنّ الكثير من الناس يفسرون مسألة خلق الله السموات والأرض في ستة أيام (أو 6000 سنة) أنّ الأيام تعني مراحل، بمعنى أنّ الله خلقهم على ست مراحل، وذلك لأنّ المسألة لا تتطابق مع العلم الحديث، (وهو بحد ذاته غير موثوق به). فهل هذا التفسير صحيح؟

     

    الجواب :

    الحمد لله

    أولا:

    يتفق العلماء والمفسرون على أن الزمان الناتج عن حركة الأفلاك السماوية لم يكن موجودا قبل خلق السماوات والأرض، ولهذا فإخبار الله عز وجل عن خلقهما في (ستة أيام) لا يراد به أيامنا الناتجة عن حركة الأرض حول الشمس، بل المراد المقدار المماثل في الزمان بما يناسب ظرف الخلق في ذلك الحين.

    قال البغوي رحمه الله :

    "أراد به: في مقدار ستة أيام، لأن اليوم من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، ولم يكن يومئذ يوم، ولا شمس، ولا سماء" انتهى من "تفسير البغوي" (3/ 235)

    ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

    "والرسل أخبرت بخلق الأفلاك، وخلق الزمان، الذي هو مقدار حركتها، مع إخبارها بأنها خلقت من مادة قبل ذلك، وفي زمان قبل هذا الزمان؛ فإنه سبحانه أخبر أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام. وسواء قيل: إن تلك الأيام بمقدار هذه الأيام المقدرة بطلوع الشمس وغروبها؛ أو قيل: إنها أكبر منها كما قال بعضهم: إن كل يوم قدره ألف سنة - فلا ريب أن تلك الأيام التي خلقت فيها السموات والأرض ، غير هذه الأيام، وغير الزمان الذي هو مقدار حركة هذه الأفلاك. وتلك الأيام مقدرة بحركة أجسام موجودة قبل خلق السموات والأرض" انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/ 235)

     

    ويقول الألوسي رحمه الله:

    "ولا يمكن أن يراد باليوم اليوم المعروف؛ لأنه كما قيل: عبارة عن كون الشمس فوق الأرض، وهو مما لا يتصور تحققه حين لا أرض ولا سماء" انتهى من "روح المعاني" (6/ 62)

    وهؤلاء العلماء كلهم أشاروا إلى الخلاف – الذي سيأتي التوسع فيه – في معيار "تقدير" الستة أيام، إن كان بأيام الدنيا أم بأيام الله، ولكنهم نبهوا على أنه – على جميع الأقوال – لا يجوز تفسير الزمان بالزمان المعروف في دنيا الناس اليوم، وهو الناتج عن حركة الأرض والشمس.

    ثانيا:

    ثم اختلفوا في هذا "المقدار" للستة أيام، إن كان مساويا لمقدار أيام الدنيا، أم لا، وذلك على ثلاثة أقوال:

     

    القول الأول: أنها ستة أيام كأيام الدنيا العادية

    واستدلوا عليه بظاهر قول الله عز وجل: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) الأعراف/ 54 ، وقوله سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) السجدة/ 4.

    كما يمكن أن يستدل عليه بحديث خلق التربة المشهور في "صحيح مسلم"، ولكن دلالته على هذا القول محل نظر كبير؛ لأن الحديث يبين تفاصيل المخلوقات على الأرض، وليس أصل خلق السماوات والأرض، فضلا عما يكتنف هذا الحديث من كلام نقدي يطول شرحه، سبق الكلام عليه في الجواب رقم: (218080) .

    يقول الزمخشري رحمه الله:

    "الظاهر أنها من أيام الدنيا" انتهى من "الكشاف" (3/ 288).

    ويقول ابن عطية رحمه الله :

    "قال أكثر أهل التفسير: الأيام: هي من أيام الدنيا. وقالت فرقة: هي من أيام الآخرة يوم من ألف سنة. قاله كعب الأحبار، والأول أرجح" انتهى من "المحرر الوجيز" (3/ 152) .

    وقال ابن كثير رحمه الله:

    "الجمهور على أنها كأيامنا هذه" انتهى من " البداية والنهاية" (1/ 16) .

    وجاء في "حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي" (5/ 4):

    "(فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) قيل: هي مدة مساوية لأيام الدنيا. وقيل: هي بالمعنى اللغوي، وهو مطلق الوقت. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها من أيام الآخرة التي هي كألف سنة مما تعدون. قيل: والأوّل أنسب بالمقام لما فيه من الدلالة على القدرة الباهرة بخلق هذه الأجرام العظيمة في مثل تلك المدّة اليسيرة، ولأنه تعريف لنا بما نعرفه" انتهى.

    وهو ما اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حين قال:

    "خلقها الله عز وجل في ستة أيام، والأيام أطلقها الله عز وجل، ولم يبين أن اليوم خمسين ألف سنة، أو أقل، أو أكثر، وإذا أطلق يحمل على المعروف المعهود، وهي أيامنا هذه، وقد جاء في الحديث أنها الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة" انتهى من "تفسير العثيمين: الحجرات – الحديد" (ص: 364) .

    هذا حاصل من قال بالقول الأول، مع التحفظ على نسبة هذا القول إلى الجمهور؛ إذ لا يبدو أن الجمهور يقولون به، بل بالقول الثاني الذي وصفه الإمام الطبري بقوله: "لا نعلم قائلا من أئمة الدين قال خلافه".

     

    القول الثاني: مقدار كل يوم كألف سنة من أيام الدنيا

    عن ابن عباس في قوله: (في ستة أيام) قال: يوم مقداره ألف سنة. رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" (5/ 1496)، والطبري في "جامع البيان" (20/168) .

    وعن مجاهد: يوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدّون. "تفسير الطبري" (12/482)

    وعن الضحاك: (وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام) ، قال: من أيام الآخرة، كل يوم مقداره ألف سنة. ابتدأ في الخلق يوم الأحد، وختم الخلق يوم الجمعة، فسميت "الجمعة"، وسَبَت يوم السبت فلم يخلق شيئًا". "تفسير الطبري" (15/245)، (20/168)

    ونحوه قال يحيى بن سلام كما في "تفسيره" (2/ 685) ,

    ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:

    "أما قوله: (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج: 47] فهذا من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض، كل يوم كألف سنة" انتهى من "الرد على الجهمية" (ص70) ونسب ابن كثير هذا القول إليه أيضا في "تفسير القرآن العظيم" (3/426) .

    ويقول ابن جرير الطبري رحمه الله:

    "فإن قال قائل: وما دليلك على أن الأيام الستة التي خلق الله فيهن خلقه كان قدر كل يوم منهن قدر ألف عام من أعوام الدنيا، دون أن يكون ذلك كأيام أهل الدنيا التي يتعارفونها بينهم، وإنما قال الله عز وجل في كتابه: (الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام)، فلم يُعلمنا أن ذلك كما ذكرت، بل أخبرنا أنه خلق ذلك في ستة أيام، والأيام المعروفة عند المخاطبين بهذه المخاطبة ، هي أيامهم التي أول اليوم منها طلوع الفجر إلى غروب الشمس. ومن قولك: إن خطاب الله عباده بما خاطبهم به في تنزيله إنما هو موجه إلى الأشهر والأغلب عليه من معانيه، وقد وجهت خبر الله في كتابه عن خلقه السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام إلى غير المعروف من معاني الأيام، وأمر الله عز وجل ، إذا أراد شيئا أن يكونه : أنفذُ وأمضى من أن يوصف بأنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، مقدارهن ستة آلاف عام من أعوام الدنيا، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون، وذلك كما قال ربنا تبارك وتعالى: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر)؟

    قيل له:

    قد قلنا فيما تقدم من كتابنا هذا : إنا إنما نعتمد في معظم ما نرسمه في كتابنا هذا على الآثار والأخبار عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وعن السلف الصالحين قبلنا، دون الاستخراج بالعقول والفكر، إذ أكثره خبر عما مضى من الأمور، وعما هو كائن من الأحداث، وذلك غير مدرك علمه بالاستنباط [و] الاستخراج بالعقول:

    فإن قال: فهل من حجة على صحة ذلك من جهة الخبر؟

    قيل: ذلك ما لا نعلم قائلا من أئمة الدين قال خلافه.

    فإن قال: فهل من رواية عن أحد منهم بذلك؟

    قيل: علم ذلك عند أهل العلم من السلف ، كان أشهر من أن يحتاج فيه إلى رواية منسوبة إلى شخص منهم بعينه، وقد روي ذلك عن جماعة منهم مسمين بأعيانهم .

    فإن قال: فاذكرهم لنا.

    قيل: [فأورد مجموعة آثار بأسانيده عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وكعب الأحبار]" انتهى من "تاريخ الرسل والملوك" (1/ 57-59) .

    ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

    "وقد أخبر الله أنه: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) في مواضع متعددة من القرآن. وأخبر أنه: (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ)، وأنه: (وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ. ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ. فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ... ) ، وأمثال هذه النصوص التي تدل على أن السماوات والأرض مخلوقة في أيام، وأن كل يوم كألف سنة، كما قال ذلك طائفة من السلف" انتهى من "مسألة حدوث العالم" (ص: 152) .

    ويقول العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله:

    "(وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) من أيام الله تعالى في الخلق والتكوين وما شاء من الأطوار، لا من أيامنا في هذه الدار التي وجدت بهذا الخلق ، لا قبله، فلا يصح أن تقدر أيام الله بأيامها كما توهم الغافلون عن هذا، وما يؤيده من قوله: (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) (22: 47) وقوله: (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) (70: 4)" انتهى من " تفسير المنار" (12/ 15) .

     

    القول الثالث: اليوم مطلق الوقت، أي : مرحلة زمنية تقديرية غير محددة .

    يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله:

    "قيل المراد: في ستة أوقات، فإن اليوم يطلق على الوقت، كما في قوله تعالى: (ومن يولهم يومئذ دبره) [الأنفال: 16] أي: حين إذ يلقاهم زحفا. ومقصود هذا القائل أن السماوات والأرض خلقت عالما بعد عالم، ولم يشترك جميعها في أوقات تكوينها" انتهى من "التحرير والتنوير" (8-ب/ 161) .

    رابعا:

    إذا تبين أن المسألة يدخلها الاحتمال والاختلاف، وأن الآراء الشرعية في تناولها متنوعة بقدر كبير، وليس فيها حد قطعي ولا ترجيح جزمي، عرفنا أن خلق التعارض أو التناقض بين النقل الديني ، وعلوم الفلك والفيزياء في هذه المسألة : ليس من الصواب ولا من المنهجية الموضوعية، وسواء ترجح لدى الفلكيين أو الفيزيائيين خلق السماوات والأرض في مدة طويلة أو قصيرة، فلا يدل ذلك بحال على بطلان المنظور الكوني في النصوص الإسلامية، لما علمت من اتساع دلالة هذه النصوص، واحتمال العلماء لمجموعة من الأقوال في تفسيرها وتأويلها، مما يعني ضرورة بذل الباحث جهده في التوفيق بين المنظورين: الكوني والشرعي، وقراءتهما جميعا كوحدة واحدة صادرة عن الله سبحانه، الذي له الخلق والأمر، دون تكلف ادعاء تناقض، ولا تبجح باكتشاف التعارض.

    وقد وجدنا في المختصين الفيزيائيين من يجمع بين النظرين، ويبين أن ادعاء الحسم في مثل هذه القضايا – على المستوى الفيزيائي والفلكي – مخاطرة ومغامرة، كما أكد الأستاذ الدكتور حسين راشد عمري – الأستاذ في قسم الفيزياء في جامعة مؤتة – في بحث محكم منشور له في مجلة مؤتة للبحوث والدراسات، حيث يقول:

    " إذا كانت مادّة خلق السّماوات السّبع والأرضين السّبع مادّة نيوكليونيّة، فإنّ طول اليوم الواحد من أيّام خلقهنّ يعدلُ ألف سنةٍ ممّا نعدُّ.

    أمّا إذا كانت مادّة خلقهنّ مادّة غير نيوكليونيّة، فيرجّح أنّ أيّام خلق السّماوات السّبع والأرضين السّبع هي بطول الأيّام الأرضيّة (24 ساعة)" انتهى، وللتوسع ينظر البحث مطولا على الرابط الآتي:

    https://www.mutah.edu.jo/eijaz/univcreation.htm

    والله أعلم.

     

    موقع الاسلام سؤال وجواب


  9. السؤال:

    هل ثبت أن : سبب نزول سورة الإخلاص أن مشركي قريش طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم بنسب الله عز وجل؟ وسبب نزول سورة الكافرون : أن كفار قريش عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدوا إلهه سنة فنزلت السورة ؟

     

     

    الجواب :

    الحمد لله

    أولا :

    تقدم في جواب السؤال رقم : (132099) ذكر سبب نزول سورة " الكافرون " وهو أن كفار قريش عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبدوا الله سبحانه وتعالى ويقبلوا ما جاء به ، بشرط أن يشاركهم في عبادة آلهتهم الباطلة ، فنزلت هذه السورة للبراءة من الشرك وأهله .

     

     

    ثانيا :

    أما سبب نزول سورة (قل هو الله أحد ) فقد روى الترمذي (3364) ، وأحمد (21219) ، والحاكم (3987) ، والبيهقي في "الشعب" (100) ، وابن خزيمة في "التوحيد" (1/95) ، وأبو الشيخ في "العظمة" (88) من طريق أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ ، عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : " أَنَّ المُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ) "

    وهذا إسناد ضعيف ، أبو جعفر الرازي - واسمه عيسى بن أبي عيسى ماهان - ضعيف الحديث ، قال أحمد والنسائي: ليس بالقوى . وقال ابن المدينى: ثقة كان يخلط .

    "ميزان الاعتدال" (3 /320) .

    وفيه علة أخرى ، وهي الإرسال ، فقد رواه الترمذي عقب هذه الرواية (3365) من طريق عُبَيْد اللَّهِ بْن مُوسَى، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، به مرسلا ، وقال الترمذي : " وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَهَذَا أَصَحُّ".

     

    لكن لهذا الحديث شواهد :

    - فرواه الطبراني في "الأوسط" (5687) ، والطبري في "تفسيره" (24/ 687) ، والبيهقي في "الشعب" (2319) ، وأبو نعيم في "الحلية" (4/335) من طريق إِسْمَاعِيل بْن مُجَالِدٍ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَنَزَلَتْ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) "

    وإسناده ضعيف ، مجالد ، هو ابن سعيد ، ضعفه أحمد والنسائي والدارقطني وغيرهم ، انظر : "الميزان" (3/438) .

    وقال عنه الحافظ ابن حجر في "التقريب" (ص109) : " صدوق يخطىء "

    - ورواه الهروي في "ذم الكلام" (4/ 106) من طريق مُحَمَّد بْن حَمْزَةَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ حَدَّثَنِي أَهْلُ بَيْتِي عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ به نحوه ، وهذا ضعيف أيضا ؛ لجهالة من رواه عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه . انظر : "التاريخ الكبير" للبخاري (1/ 59) .

    - ورواه أبو الشيخ في "العظمة" (89) ، والهروي في "ذم الكلام" (4/111) من طريق قَيْس بن الربيع ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ: " قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْسبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هذه السورة " .

    وهذا مرسل ، وقيس بن الربيع ضعيف ، ضعفه وكيع وابن معين وابن المديني وغيرهم ، انظر "التهذيب" (8/351) .

    - وقد روي من طرق مرسلا ، قال ابن كثير في "تفسيره" (8/ 489):

    " أَرْسَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ " انتهى .

    وقال البغوي في "تفسيره" (5/ 329):

    " وقال الضحاك وقتادة ومقاتل: جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: صف لنا ربك يا محمد لعلنا نؤمن بك ، فإن الله أنزل نعته في التوراة ، فأخبرنا من أي شيء هو ؟ وهل يأكل ويشرب ؟ فأنزل الله هذه السورة " .

    وكذا أرسله محمد بن عمرو ، كما رواه أبو الحسن السكري في "مشيخته" (104)

    - وأخرج البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/ 38) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، " َنَّ الْيَهُودَ، جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هذه السورة ".

    حسنه الحافظ في "الفتح" (13/ 356)

     

    ولأجل تعدد طرقه ، وكثرة مخارجه : حسنه الحافظ ابن حجر - كما تقدم - وكذا حسنه السيوطي في "الدر المنثور" (8/669) ، وكذا الألباني في "صحيح الترمذي". وهو حديث مشهور متداول في كتب أئمة السنة ، ويورده شيخ الإسلام ابن تيمية كثيرا .

    والله تعالى أعلم .

     

    موقع الإسلام سؤال وجواب


  10. السؤال

    هل يصح للمسلم أن يكون له سورة يفضّلها على غيرها من السور فيخصها بمزيد تلاوة واستماع؟ فمنذ أن كنت صغيرة وأن أحب سورة الواقعة ، إنني أحاول أن أقرأ القران يومياً ، ولكني أحب سورة الواقعة أكثر من غيرها لأنها تثير لدي كل مشاعر الحب والأمل والثناء، كذلك مشاعر الخوف من الله والجنة والنار، إنني أشعر بارتياح غريب عند تلاوة أو سماع هذه السورة ، لكني أحياناً أقول في نفسي علّ ما أفعله من تخصيص لها فيه مخالفة للشرع . فهل من نصيحة ؟ وشكراً.

     

     

    الجواب :

    الحمد لله

    لا بأس أن يخص المسلم سورة من كتاب الله بمزيد عناية ، من تلاوة واستماع وتفسير ونحو ذلك لما تشتمل عليه من أحكام أو ترغيب وترهيب ونحوه ، دون أن يؤدي ذلك إلى هجر بقية القرآن وإهمال تلاوته ، ما دام ذلك يعتمد على اعتبارات خاصة ، من فهم زائد لمعاني السورة ، أو تأثر بمضمونها ، أو نحو ذلك ، ولم يكن اعتقادا لفضيلة خاصة بها ، لم يثبت الشرع بها .

     

    وفي الحديث عند الترمذي (3297) وحسنه قوله صلى الله عليه وسلم : ( شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلَاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

     

    وعند النسائي (1010) عن أبي ذَرٍّ قال : قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ بِآيَةٍ ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) حسنه الألباني في "صحيح النسائي" .

    وروى أبو نعيم في "الحلية" (2/55) بسند صحيح عن عروة بن الزبير قال : " دخلت على أسماء بنت أبي بكر وهي تصلي فسمعتها وهي تقرأ هذه الآية ( فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ) فاستعاذت ، فقمت وهي تستعيذ ، فلما طال علىّ أتيت السوق ثم رجعت وهي في بكائها تستعيذ ".

     

    وروى ابن سعد في "الطبقات" (7/150) عن بهز بن حكيم : " أن زرارة بن أوفى أمّهم الفجر في مسجد بني قشير فقرأ حتى إذا بلغ ( فإذا نقر في الناقور* فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير ) خرّ ميتا ، قال بهز : فكنت فيمن حمله " .

     

    وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

    ما حكم تفضيل سورة على أخرى وخاصة أنني أحب أن أقرأ سورة مريم مثلاً أحياناً ؛ لأنني أحس براحة واستمتاع عند قراءتها ؟

    فأجاب : " لا حرج أن يفضل الإنسان سورة من القرآن على سورة أخرى لأي سبب من الأسباب ؛ وإلا فالكل كلام الله عز وجل ، فالقرآن من حيث المتكلم به وهو الله سبحانه وتعالى لا يتفاضل ، أما من حيث ما يشتمل عليه من المعاني الجليلة العظيمة فإنه يتفاضل .

    ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إن أعظم سورة في كتاب الله سورة الفاتحة وإن أعظم آية في كتاب الله آية الكرسي ) .

    وكان أحد الصحابة قد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية ، فكان يقرأ القرآن لأصحابه ، ويختتم بسورة الإخلاص ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( سلوه لأي شيء كان يصنع ذلك ) فقال : لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أخبروه أن الله يحبه ) .

    وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إن سورة الإخلاص تعادل ثلث القرآن ) ، فإذا كان هذا السائل يحب قراءة سورة مريم لما فيها من القصص العظيمة النافعة ، ولما فيها من ذكر الجزاء في اليوم الآخر ، والإنكار على من كذب بآيات الله وكفر بها ، وأعجب بما أعطاه الله من المال ، وما إلى ذلك من المعاني ، فإن هذا لا بأس به ، ولا حرج عليه " .

    انتهى من "فتاوى إسلامية" (4 /50) .

    والمقصود أن من القرآن ما يكون تأثيره في القلب خوفا أو رجاءً أعظم مما سواه من الآيات والسور، فإذا انتفع القارئ بتلاوة ذلك ، واعتاده في المرة بعد المرة : فلا بأس به .

     

    وإنما الممنوع من ذلك أن يرى أن لسورة معينة ، أو آية معينة ، فضيلة دينية ، أو أن لمن قرأ ذلك كذا وكذا من الأجر، دون أن يكون لذلك مستند من الوحي المنزل .

    قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله :

    " ومن البدع التخصيص بلا دليل ، بقراءة آية ، أو سورة في زمان أو مكان أو لحاجة من الحاجات ، وهكذا قصد التخصيص بلا دليل " انتهى من " بدع القراءة " (ص/14) .

    ولمزيد الفائدة راجع إجابة السؤال رقم (131683) .

    والله أعلم .

     

    الإسلام سؤال وجواب


  11. السؤال: طرح عليّ أحد المسيحيين هذا السؤال فأريد إجابة له حتى أرسله إليه : في سورة " مريم " ( وإن منكم إلا واردها .. ) بمعنى أن جميع الخلق سيدخلون جهنم لبعض الوقت بما في ذلك المسلمون دون استثناء ، ثم نجد أنه يشير ضمناً في سورة " آل عمران " أن من قتل مجاهداً فإنه لا يجري عليه هذا الحكم ( ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة .. ) فأين الرأي الصحيح في هذين القولين ؟! . فكيف أرد عليه في كل هذه الادعاءات ؟ أرجوا تزويدي بالإجابة مفصّلة .

     

    الجواب :

    الحمد لله

    ليس فيما ذكره من الآيات ، ولا في غيرها من آيات القرآن ـ بحمد الله ـ تناقض ولا اضطراب ، وحاشا كلام الله من ذلك ، إنما ذلك يليق بكلام البشر ، لنقصهم ، وجهلهم ، وقصورهم ، وأما كلام العليم الخبير فمنزه عن كل عيب ونقصان ، إنما العيب في فهم الفاهم ، وذهن القائل ، وقديما قال الشاعر :

    وكم من عائِبٍ قولاً صحيحاً ... وآفتُه من الفهْمِ السّقيمِ

    ولكنْ تأخذُ الآذانُ منهُ ... على قدْرِ القرائِحِ والعُلومِ

     

    والجواب على ذلك : أن يقال له : إن آية " آل عمران " لا تُعارض آية " مريم " ولا تعني – البتة – عدم تحقق " الورود " الوارد ذِكره في " مريم " لأنه حق اليقين ، وهو قطعي في الحصول من غير ريب ، ومما يدل على ذلك : ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ ) .

    رواه البخاري ( 1193 ) ومسلم ( 2632 ) .

    وقد فسَّر الإمام البخاري رحمه الله معنى ( تَحِلَّةَ الْقَسَمِ ) بقوله في نهاية الحديث : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ) .

    قال النووي – رحمه الله - : " قال العلماء : ( تحلة القسم ) ما ينحل به القسم ، وهو اليمين ، وجاء مفسراً في الحديث أن المراد قوله تعالى ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ) ، وبهذا قال أبو عبيد وجمهور العلماء ، والقسم مقدَّر ، أي : والله إنْ منكم إلا واردها ، وقيل : المراد قوله تعالى ( فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ) مريم/ 68 " . انتهى من " شرح مسلم " ( 16 / 180 ) .

    وإذا تبيَّن لنا أنه لا معارضة بين الآيات وأن " ورود النار " حق على كل الخلق حتى لو كانوا مسلمين ! فيبقى علينا معرفة ما معنى " الورود " المذكور في آية " مريم " ، فنقول : أقوى ما قيل في معنى الورود المذكور في آية " مريم " قولان :

    الأول : أنه ورود بمعنى الدخول ، وأنه سيسلم المتقون من حرِّها ولهيبها ، ويُبقي رب العالمين فيها الظالمين من الكفار والمستحقين للعذاب من المسلمين فيها ، أما الكفار فعذاب إلى الأبد ، وأما المسلمون فعذاب إلى أمَد ، والدليل على ذلك ما جاء بعد تلك الآية من قوله تعالى ( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ) مريم/ 72 ، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه ، ويرجحه الشيخ الشنقيطي ، فلينظر كلامه – لمن أراد التوسع – في تفسيره " أضواء البيان " ( 3 / 478 – 481 ) .

    الثاني : أنه ورود خاص بالموحدين من المسلمين سواء كانوا من أصحاب الطاعات أم من أصحاب المعاصي ، وهذا الورود ليس هو الدخول في النار بل هو المرور فوقها ، ويكون ذلك المرور على " الصراط " ، وهو جسر يُنصب على جهنم يمر عليه المسلمون فقط فمِن ناجٍ ومن مكردس في النار ، وأما الكفار فلا يمرون على الصراط لأنهم سيدخلون جهنم مباشرة قبله داخرين ، وهذا قول ابن مسعود رضي الله عنه ، ويرجحه كثير من المحققين .

    قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - : " واعلم أن الناس منقسمون إلى : مؤمن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا ، ومشرك يعبد مع الله غيره ، فأما المشركون : فإنهم لا يمرون على الصراط إنما يقعون في النار قبل وضع الصراط " . انتهى من " التخويف من النار " ( ص 233 ) .

     

    فالورود – على هذا القول الثاني – إن جاء في حق المسلمين – كما في آية " مريم " حيث قال تعالى ( وإنْ مِنْكُم ) - فهو بمعنى المرور فوق جهنم ، وأما الورود الوارد في حق الكفار فهو بمعنى الدخول فيها .

    فالورود ورودان ، ورود مع دخول في الشيء ، وورود مع مقاربة ووصول وإشراف من غير دخول في الشيء ، وكلا المعنيين جاء في كتاب الله تعالى ، فأما الأول : فهو في حق أهل الوعيد من الكفار وأصحاب المعاصي ، وفي هذا يقول تعالى ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ . لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ) الأنبياء/ 98 ، 99 ، ويقول تعالى – أيضاً – ( وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ) هود/ 98 .

    قال ابن رجب – رحمه الله - : " فإن الإنسان إذا قُرن في العذاب بمن كان سبب عذابه كان أشد في ألمه وحسرته" . انتهى من " التخويف من النار " ( ص 99 ) .

    وأما الورود بالمعنى الثاني : فمنه قوله تعالى ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ) القصص 23 ، ومنه قوله تعالى ( وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ ) يوسف/ 19 .

    وبما أن آية " مريم " هي في حق الجميع من المسلمين فسيكون الورود فيها على المعنى الثاني ، وأما المعنى الأول فليس هو في حق جميع المسلمين ، بل في حق من استحق منهم الدخول فيها ، ويشترك معهم في ذلك الكفار .

    قال الشيخ عمر سليمان الأشقر – حفظه الله - : " ذهب بعض العلماء إلى أن المراد بورود النار المذكور في قوله تعالى ( وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ) مريم/ 71 هو دخول النار ، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه ، وكان يستدل على ذلك بقول الله تعالى في فرعون ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ) هود/ 98 ، وبقوله ( وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ) مريم/ 86 ، وقوله ( لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ) الأنبياء/ 99 ، وروى مسلم الأعور عن مجاهد ( وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ) قال : داخلها .

     

    وذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد بالورود هنا : المرور على الصراط ، يقول شارح الطحاوية : " واختلف المفسرون في المراد بالورود في قوله تعالى ( وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ) مريم/ 71 ما هو ؟ والأظهر والأقوى أنه : المرور على الصراط ، قال تعالى ( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) مريم/ 72 .

    وفي " الصحيح " أنه صلى الله عليه وسلم قال ( وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَلِجُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) قالت حفصة : فقلت : يا رسول الله أليس الله يقول ( وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ) فقال ( أَلَمْ تَسْمَعِيهِ قال ( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) .

    وأشار صلى الله عليه وسلم إلى أن ورود النار لا يستلزم دخولها ، وأن النجاة من الشر لا تستلزم حصوله ، بل تستلزم انعقاد سببه ، فمن طلبه عدوه ليهلكوه ولم يتمكنوا منه يقال : نجاه الله منهم ، ولهذا قال تعالى ( وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا ) هود/ 58 ، ( فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا ) هود/ 66 ، ( وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا ) هود/ 94 ، ولم يكن العذاب أصابهم ولكن أصاب غيرهم ، ولولا ما خصهم الله به من أسباب النجاة لأصابهم ما أصاب أولئك ، وكذلك حال الوارد على النار ، يمرون فوقها على الصراط ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيّاً ، فقد بيَّن صلى الله عليه وسلم في حديث جابر المذكور أن الورود هو الورود على الصراط " . انتهى .

    والحق : أن الورود على النار ورودان : ورود الكفار أهل النار ، فهذا ورود دخول لا شك في ذلك ، كما قال تعالى في شأن فرعون ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ) هود/ 98 ، أي : بئس المدخل المدخول .

    والورود الثاني : ورود الموحدين ، أي : مرورهم على الصراط على النحو المذكور في الأحاديث " . انتهى من " القيامة الكبرى " ( ص 267 ، 268 ) .

    وسواء قيل بالقول الأول أم بالثاني – وهو الأقرب عندنا للصواب – فليس ثمة تعارض بين نصوص الوحي ، والحمد لله رب العالمين .

    والله أعلم .

    الإسلام سؤال وجواب


  12. السؤال : هل معنى قوله تعالى: ( إن قرآن الفجر كان مشهوداً ) يخص القراءة في صلاة الفجر ، أم قراءة القرآن بعد صلاة الفجر ؟

     

    الجواب:

    الحمد لله

    المقصود بـ " قرآن الفجر " في قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) الإسراء/78 ، هو القراءة في صلاة الفجر ، كما قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم من السلف .

    وتسمية الصلاة بأنها " قرآن " لأن القرآن ركن من أركانها ، وهو قراءة الفاتحة فيها ، كما تسمى الصلاة ركوعاً وسجوداً ، لأن الركوع والسجود ركن فيها .

     

     

    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (فَضْلُ صَلَاةِ الْجَمِيعِ عَلَى صَلَاةِ الْوَاحِدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً ، وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ ، يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ : اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) رواه البخاري (4717) ومسلم (649) .

    قال ابن جرير الطبري رحمه الله :

    " وأما قوله : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) فإن معناه : وأقم قرآن الفجر : أي ما تقرأ به صلاة الفجر من القرآن ، والقرآن معطوف على الصلاة في قوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) ، وكان بعض نحويي البصرة يقول : نصب قوله : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) على الإغراء ، كأنه قال : وعليك قرآن الفجر ، (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) يقول : إن ما تقرأ به في صلاة الفجر من القرآن كان مشهودا ، يشهده فيما ذكر ملائكة الليل وملائكة النهار ، وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاءت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى من " جامع البيان " (17/520) .

    وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

    "وقوله تعالى : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) يعني : صلاة الفجر" انتهى من "تفسير القرآن العظيم" (5/102) .

    وقال القرطبي رحمه الله :

    "وعبر عنها بالقرآن خاصة دون غيرها من الصلوات ؛ لأن القرآن هو أعظمها ، إذ قراءتها طويلة مجهور بها حسبما هو مشهور مسطور" انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (10/304) .

    والله أعلم .

     

    الإسلام سؤال وجواب


  13. السؤال:

    هناك حديث صحيح يقول : بالمغرب باب مفتوح للتوبة مسيرته سبعون سنة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها ، ومع ذلك يأتي القرآن ليخبر أبا لهب فى سور المسد ، وبعض المنافقين فى سورة التوبة (فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ) أنهم من أهل النار ، فالآية واضحة بشأن أبى لهب والمنافقين كذلك ، فالله يقول إنه أعقبهم نفاقا ليوم يلقونه ، وهذا معناه أن الله سلبهم التوبة، وأغلق باب التوبة فى وجوههما ، فكيف أوفق بين الحديث الشريف الذى يخبرنا أن باب التوبة مفتوح ، وبين الآيات الكريمة التى تبين أن الله أغلق باب التوبة فى وجه إبليس وأبى لهب والمنافقين فى سورة التوبة ؟ وهل يمكن أن يحدث أن يغلق الله باب التوبة فى وجه أحد فى عصرنا هذا ويومنا هذا مثلما فعل مع أبى لهب وبعض منافقى عهد نبينا عليه الصلاة والسلام ؟

     

     

    الجواب :

    الحمد لله

    روى مسلم (2759) عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ).

    فباب التوبة مفتوح ، ويتوب الله على من تاب ، بل يفرح الرب تعالى بتوبة عبده ، ويكفر عنه ذنوبه ، ولو بلغت عنان السماء .

     

    ولكن هناك من الناس من علم الله عنهم أنهم لن يتوبوا ، فأخبر عنهم ـ وهم في الحياة الدنيا ـ بأنهم من أصحاب النار ، كما في قصة أبي لهب .

    وكما روى مسلم (2897) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، فَإِذَا تَصَافُّوا، قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا، وَاللهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا، فَيُقَاتِلُونَهُمْ ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُم ْ، أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ ، لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ ... ) .

    قال القاري رحمه الله :

    " ( فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا ) كِنَايَةٌ عَنْ مَوْتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَتَعْذِيبِهِمْ عَلَى التَّأْبِيدِ " انتهى من " مرقاة المفاتيح " (8/ 3412).

    وكما روى مسلم أيضا (2779) ( فِي أُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، وَلَا يَجِدُونَ رِيحَهَا، حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ، ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ، سِرَاجٌ مِنَ النَّارِ يَظْهَرُ فِي أَكْتَافِهِمْ ، حَتَّى يَنْجُمَ مِنْ صُدُورِهِمْ ) .

    فمثل هؤلاء علم الله تعالى أنهم لن يتوبوا ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بذلك ، وأنهم لا يوفقون إلى التوبة ، ولا يمنع ذلك أن يكون باب التوبة مفتوحا ، ولكن هؤلاء لا يصلون إليه ، ولا يؤذن لهم في دخوله .

    ذلك بأن الله تعالى يعلم خلقه ، وما هم عليه : (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ) ، ويعلم أهل الإيمان منهم من أهل الكفر ، ويعلم من يستحق التوبة ممن لا يستحقها ، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون .

    قال ابن القيم رحمه الله :

    " وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَإِن أضلّ من شَاءَ وَقضى بالمعصية والغي على من شَاءَ فَذَلِك مَحْض الْعدْل فِيهِ لِأَنَّهُ وضع الإضلال والخذلان فِي مَوْضِعه اللَّائِق بِهِ ، كَيفَ وَمن أَسْمَائِهِ الْحسنى الْعدْل ، الَّذِي كل أَفعاله وَأَحْكَامه سداد وصواب وَحقّ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ قد أوضح السبل وَأرْسل الرُّسُل وَأنزل الْكتب وأزاح الْعِلَل ومكّن من أَسبَاب الْهِدَايَة وَالطَّاعَة بالأسماع والأبصار والعقول وَهَذَا عدله، ووفّق من شَاءَ بمزيد عناية وَأَرَادَ من نَفسه أَن يُعينهُ ويوفّقه فَهَذَا فَضله ، وخذل من لَيْسَ بِأَهْل لتوفيقه وفضله وخلى بَينه وَبَين نَفسه وَلم يرد سُبْحَانَهُ من نَفسه أَن يوفّقه فَقطع عَنهُ فَضله وَلم يحرمه عدله ، وَهَذَا نَوْعَانِ : أَحدهمَا : مَا يكون جَزَاء مِنْهُ للْعَبد على إعراضه عَنهُ وإيثار عدوه فِي الطَّاعَة والموافقة عَلَيْهِ وتناسي ذكره وشكره فَهُوَ أهل أَن يَخْذُلهُ ويتخلى عَنهُ . وَالثَّانِي : أَن لَا يَشَاء لَهُ ذَلِك ابْتِدَاء لما يعلم مِنْهُ أَنه لَا يعرف قدر نعْمَة الْهِدَايَة وَلَا يشكره عَلَيْهِ وَلَا يثني عَلَيْهِ بهَا وَلَا يُحِبهُ فَلَا يشاؤها لَهُ لعدم صَلَاحِية مَحَله قَالَ تَعَالَى : (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَم بِالشَّاكِرِينَ) وَقَالَ : (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسمعهم) فَإِذا قضى على هَذِه النُّفُوس بالضلال وَالْمَعْصِيَة كَانَ ذَلِك مَحْض الْعدْل ، كَمَا إِذا قضى على الحيّة بِأَن تقتل ، وعَلى الْعَقْرَب وعَلى الْكَلْب الْعَقُور كَانَ ذَلِك عدلا فِيهِ ، وَإِن كَانَ مخلوقا على هَذِه الصّفة" انتهى من "الفوائد" (25) .

     

    وقد حكى الله تعالى اعتراض الكفار ، واستهزاءهم ، مما قضاه الله تعالى ، وأنعم به على المستضعفين من عباده المؤمنين ، فقالوا : كيف يكون هؤلاء أهلا لخيرٍ ، وهدىً ، ويحرم منه سادات قريش ، وصناديدها ؟!

    فأجاب الله تعالى عن ذلك ، وأن الأمر ليس بالصور التي اغتر بها المشركون ، إنما مرده إلى علم الله تعالى وحكمته .

    قال الله تعالى : ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) الأنعام/53.

    قال ابن كثير رحمه الله :

    " أَيْ: أَلَيْسَ هُوَ أَعْلَمُ بِالشَّاكِرِينَ لَهُ بِأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَضَمَائِرِهِمْ، فَيُوَفِّقُهُمْ وَيَهْدِيهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ، وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [الْعَنْكَبُوتِ: 69] " انتهى من "تفسير ابن كثير" (3/261) .

    وقال تعالى : ( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) الأنعام/124 .

    قال ابن القيم رحمه الله :

    " أَيْ: لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ أَهْلًا وَلَا صَالِحًا لِتَحَمُّلِ رِسَالَتِهِ ، بَلْ لَهَا مَحَالُّ مَخْصُوصَةٌ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِهَا، وَلَا تَصْلُحُ إِلَّا لَهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهَذِهِ الْمَحَالِّ مِنْكُمْ. وَلَوْ كَانَتِ الذَّوَاتُ مُتَسَاوِيَةً كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام: 53] أَيْ: هُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يَشْكُرُهُ عَلَى نِعْمَتِهِ، فَيَخْتَصُّهُ بِفَضْلِهِ وَيَمُنُّ عَلَيْهِ مِمَّنْ لَا يَشْكُرُهُ، فَلَيْسَ كُلُّ مَحَلٍّ يَصْلُحُ لِشُكْرِهِ، وَاحْتِمَالِ مِنَّتِهِ، وَالتَّخْصِيصِ بِكَرَامَتِهِ. " انتهى من "زاد المعاد" (1/53) .

     

    فأبو لهب وأمثاله من أهل الكفر والنفاق : علم الله أنهم لا يوفقون في حياتهم إلى التوبة ، فأخبر أنه لا يتوب عليهم ، أو أنهم من أهل النار ، كمن مات على الكفر ، قال تعالى : (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) المنافقون/ 6 .

    فهؤلاء لما اختاروا الكفر والنفاق ، وأصروا على ذلك ، كان منهم قسم قد مات ، أخبر الله أنه لا يغفر لهم .

    وقسم لا يزال حيا ، علم الله أنهم لا يؤمنون ولا يتوبون ، فأخبر سبحانه أنه لا يغفر لهم ولا يتوب عليهم .

     

    وهؤلاء الذين أعقبهم الله نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه : من الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ، ولا أن يوفقهم للتوبة ؛ لِما علم من حالهم أنهم ليسوا أهلا لذلك ، لأنهم عاهدوا الله وأخلفوا عهده ، فكان جزاؤهم على ذلك نفاقا يجدونه في قلوبهم إلى يوم يلقونه ، فيصدهم عن التوبة ، فيُحرموها .

    قال السعدي رحمه الله :

    " لما لم يفوا بما عاهدوا الله عليه، عاقبهم (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ) مستمرا (إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) " .

    انتهى من " تفسير السعدي " (ص 345) .

     

    وحاصل ذلك : أن الله جل جلاله أبى أن يسوي بين النفوس الطيبة ، والنفوس الخبيثة ، وأبى أن يسوي بين الطاهر من هذه النفوس ، والمخلوقات ، والنجس منها ، والصالح ، والطالح ؛ فإن حكمته جل جلاله تأبى ذلك أعظم الإباء .

    وهو يختار لنفسه ، ولدينه ، ولهداه ، من هو أهل لذلك ، قابل لنعمة ربه ، شاكر له ، مثن عليه بها .

    قال ابن القيم رحمه الله :

    " فهو أعلم حيث يجعلها [ يعني : رسالته ] ؛ أصلا وميراثا !!

    وكما أنه ليس كل محل أهلا لتحمل الرسالة عنه ، وأدائها إلى الخلق ؛ فليس كل محل أهلا لقبولها والتصديق بها ، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) . أي : ابتلينا ، واختبرنا بعضهم ببعض ، فابتلى الرؤساء والسادة ، بالأتباع والموالي والضعفاء ؛ فإذا نظر الرئيس والمطاع إلى المولى والضعيف أنفةً ، وأنف أن يُسلم ، وقال : هذا يمن الله عليه بالهدى والسعادة دوني ؟! قال الله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) ، وهم الذين يعرفون النعمة وقدرها ، ويشكرون الله عليها، بالاعتراف والذل والخضوع والعبودية ؛ فلو كانت قلوبكم مثل قلوبهم ، تعرفون قدر نعمتي ، وتشكروني عليها ، وتذكروني بها ، وتخضعون لي كخضوعهم ، وتحبوني كحبهم لمننت عليكم ، كما مننت عليهم ؛ ولكن لمنِّي ونعمي محالّ لا تليق إلا بها ، ولا تحسن إلا عندها .

    ولهذا يقرن كثيرا بين التخصيص والعلم ، كقوله ههنا: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) ، وقوله: (وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) ، وقوله: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ) .." انتهى من "شفاء العليل" (ص31) .

     

    والله تعالى أعلم .

     

    موقع الإسلام سؤال وجواب


  14. Arkaan Al-Iman: The fundamental articles of faith in Islam

    (The Beliefs)

    The true faithful Muslim believes in the following principal

    articles of faith

     

     

     

    1)Belief in one God(Allah) supreme and Eternal,Infinite and Mighty,Merciful and Forgiving,the creator and the provider,he begets not,nor was he begotten,and there is none equal or comparable unto him

     

    2)Belief in all messengers of Allah(Al-Rusul)without the discrimination among them

    The Qur'aan mentions the names of some of them,and Muhammad stands as the last messenger and the crowning glory of the foundation of prophethood

     

    3)Belief in all original scriptures and revelations of Allah(Al-Kutub),accepting them as the guiding light that the messengers received to show their people the right path to Allah

    In the Qur'aan,special reference is made to the books of Moses and Jesus but long before the revelation of the Qur'aan to Muhammed

    Some of these books and revelations had been lost or corrupted

    The only authentic and complete book of Allah in existence today is the Qur'aan which has been preserved as it was revealed to prophet Muhammad in its pure form

     

    4)Belief in Angels(Malaa-ikah)of Allah, recognizing them as spiritually pure and splendid beings whose nature requires no food , drink or sleep

    They are honored servants who are assigned certain functions and spend their days and nights in the worship of Allah

    They do not speak before Allah does and they act only by his command

     

    5)Belief in the Iast Day(Yaum Al-Akherah) acknowledging that this world will end someday and that the dead will rise to stand for their final and fair trial

    People with good records will be generously rewarded and warmly welcomed to the Heaven of Allah

    Those with bad records will be punished and cast into Hell and none will be treated with injustice

     

    6)Belief in fate(Qadar) whether good or bad, which Allah measured and ordained for all creation according to his previous knowledge and as deemed suitable by his wisdom

    and in the timeless knowledge of Allah and in his power to plan and execute his plans ,nothing could happen in his kingdom against his will

    He is wise and merciful and whatever he does must have a meaningful purpose

    If this is istablished in our minds and hearts , we should accept with good faith all that he does although we may fail to understand it fully or think it is bad

    TO BE COMPLETED WITH

    ARKAAN AL-ISLAM

     

    TRANSLATION

     

    أركان الإيمان:

    يؤمن المسلم الحق بالمبادئ التالية للايمان:

    1)الإيمان بالله الواحد الاول الاخر العلي القدير الغفور الرحيم الخالق الرازق الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوآ أحد.

     

    2) الايمان بكل رسل الله:

    وذلك بدون تمييز بينهم ويذكر القرآن أسماء بعضهم ومحمد هو خاتم الأنبياء والمرسلين .

     

    3)الإيمان بالكتب :

    وتقبلهم كنور الهداية تنزل علي الرسل ليهدي أقوامهم إلي طريق الله الحق

    هناك إشارات خاصة لرسالات عيسى وموسى في القرآن ولكنهم منذ مدة طويلة قبل نزول القرآن علي محمد صلي الله عليه وسلم وقد فقدت بعض هذه الكتب او حرفت

    ☆كتاب الله الوحيد الكامل الصحيح في الوجود اليوم هو القرآن والذي حفظه الله بشكله الاصلي كما نزل علي محمد عليه الصلاة والسلام.

     

    4)الإيمان بالملائكة :

    يعرف المسلمون الملائكة كمخلوقات طاهرة لا تأكل او تشرب او تنام

    وهم عباد مكرمون موكلين بوظائف معينة يسبحون الله ليلا نهارا ولا يسبقونه القول ويفعلون ما يؤمرون.

     

    5) الإيمان باليوم الآخر(يوم القيامة)والآخرة:

    يعني الاعتراف بأن هذا العالم سينتهي يوما ما وان الموتي سيبعثهم الله لحسابهم الاخير العادل.

    سوف يكافئ الله المؤمنين الذين عملوا الصالحات بالجنة

    وسيعاقب الذين ارتكبوا السيئات بنار جهنم وهم لا يظلمون.

     

    6) الإيمان بالقدر:

    خيره وشره والذي قدره الله لكل مخلوق لانه وحده يعلم الغيب و له حكمة في كل تقدير.

    الله وحده علام الغيوب والقادر ان يكتب الاقدار وينفذها بين الخلق ولا يحدث شئ في ملكه إلا بأمره.

    هو الحكيم الرحيم ولا يقدر شئ إلا لحكمة.

    لو ترسخت تلك الأفكار في عقولنا وقلوبنا فيجب ان نتقبل بإيمان قوي كل ما يقدره الله لنا حتي لو عجزنا عن فهم تقديره واعتبرناه شر لنا.

    يتبع ب:أركان الإسلام

    الحمد لله رب العالمين

    المقال منقول من this is truth

    والترجمة من باحلم بالفرحة

    اللهم ارض عنا وتقبل منا صالح الاعمال


  15. أريد أجابه مفصلة عن حكم مصافحة الرجل للمرأة وأقوال الأئمة الأربعة في ذلك وقول جمهور العلماء ؟ .

     

    الحمد لله

    أولاً :

     

    لا يحل لرجل يؤمن بالله ورسوله أن يضع يده في يد امرأة لا تحل له أو ليست من محارمه ، ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه .

     

    عن معقل بن يسار يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " .

     

    رواه الطبراني في " الكبير " ( 486 ) .

     

    والحديث : قال الألباني عنه في " صحيح الجامع " ( 5045 ) : صحيح .

     

    فهذا الحديث وحده يكفي للردع والتزام الطاعة التي يريدها الله تعالى منا لما يفضي إليه مس النساء من الفتن والفاحشة .

     

    وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : " كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُمتحنَّ بقول الله عز وجل : ( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ) الممتحنة / 12 ، قالت عائشة : فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم : انطلقن فقد بايعتكن ، ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَ امرأةٍ قط غير أنه يبايعهن بالكلام ، قالت عائشة : والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء قط إلا بما أمره الله تعالى وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن قد بايعتكن كلاما " .

     

    رواه مسلم ( 1866 ) .

     

    وعن عروة أن عائشة أخبرته عن بيعة النساء قالت : " ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته ، قال : اذهبي فقد بايعتك " .

     

    رواه مسلم ( 1866 ) .

     

    فهذا المعصوم خير البشرية جمعاء سيد ولد آدم يوم القيامة لا يمس النساء ، هذا مع أن الأصل في البيعة أن تكون باليد ، فكيف غيره من الرجال ؟ .

     

    وعن أميمة ابنة رقيقة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لا أصافح النساء " .

     

    رواه النسائي ( 4181 ) وابن ماجه (2874) . وصححه الألباني " صحيح الجامع " ( 2513 ) .

     

    ثانياً :

     

    لا تجوز المصافحة ولو بحائل من تحت ثوب وما أشبهه والذي ورد بذلك من الحديث ضعيف :

     

    عن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم : " كان يصافح النساء من تحت الثوب " .

     

    رواه الطبراني في الأوسط ( 2855 ) .

     

    قال الهيثمي : رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ، وفيه عتاب بن حرب ، وهو ضعيف .

     

    " مجمع الزوائد " ( 6 / 39 ) .

     

    قال ولي الدين العراقي :

     

    "قولها رضي الله عنها " كان يبايع النساء بالكلام " أي : فقط من غير أخذ كف ولا مصافحة ، وهو دال على أن بيعة الرجال بأخذ الكف والمصافحة مع الكلام وهو كذلك ، وما ذكرته عائشة رضي الله عنها من ذلك هو المعروف .

     

    وذكر بعض المفسرين أنه عليه الصلاة والسلام دعا بقدح من ماء فغمس فيه يده ثم غمس فيه أيديهن ! وقال بعضهم : صافحهن بحائل وكان على يده ثوب قطري ! وقيل : كان عمر رضي الله عنه يصافحهن عنه !

     

    ولا يصح شيءٌ من ذلك ، لا سيما الأخير ، وكيف يفعل عمر رضي الله عنه أمرا لا يفعله صاحب العصمة الواجبة ؟" .

     

    " طرح التثريب " ( 7 / 45 ) .

     

    قال الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى - :

     

    "الأظهر المنع من ذلك ( أي مصافحة النساء من وراء حائل ) مطلقا عملا بعموم الحديث الشريف ، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " إني لا أصافح النساء " ، وسدّاً للذريعة" .

     

    ( حاشية مجموعة رسائل في الحجاب والسفور صفحة " 69 " بتصرف ) .

     

    ثالثاً :

     

    ومثله مصافحة العجائز ، فهي حرام لعموم النصوص في ذلك ، وما ورد في ذلك من الإباحة فهو ضعيف :

     

    قال الزيلعي :

     

    قوله : " وروي أن أبا بكر كان يصافح العجائز " ، قلت : غريب أيضاً .

     

    " نصب الراية " ( 4 / 240 ) .

     

    وقال ابن حجر :

     

    لم أجده .

     

    " الدراية في تخريج أحاديث الهداية " ( 2 / 225 ) .

     

    رابعاً :

     

    وأما مذاهب العلماء الأربعة فكما يلي :

     

    1- مذهب الحنفية :

     

    قال ابن نجيم :

     

    ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفها وإن أمن الشهوة لوجود المحرّم ولانعدام الضرورة .

     

    " البحر الرائق " ( 8 / 219 ) .

     

    2- مذهب المالكية :

     

    قال محمد بن أحمد ( عليش ) :

     

    ولا يجوز للأجنبي لمس وجه الأجنبية ولا كفيها ، فلا يجوز لهما وضع كفه على كفها بلا حائل ، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها " ما بايع النبي صلى الله عليه وسلم امرأة بصفحة اليد قط إنما كانت مبايعته صلى الله عليه وسلم النساء بالكلام " ، وفي رواية " ما مست يده يد امرأة وإنما كان يبايعهن بالكلام " .

     

    " منح الجليل شرح مختصر خليل " ( 1 / 223 ) .

     

    3- مذهب الشافعية :

     

    قال النووي :

     

    ولا يجوز مسها في شيء من ذلك .

     

    " المجموع " ( 4 / 515 ) .

     

    وقال ولي الدين العراقي :

     

    وفيه : أنه عليه الصلاة والسلام لم تمس يده قط يد امرأة غير زوجاته وما ملكت يمينه ، لا في مبايعة ، ولا في غيرها ، وإذا لم يفعل هو ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة في حقه : فغيره أولى بذلك ، والظاهر أنه كان يمتنع من ذلك لتحريمه عليه ؛ فإنه لم يُعدَّ جوازه من خصائصه ، وقد قال الفقهاء من أصحابنا وغيرهم : إنه يحرم مس الأجنبية ولو في غير عورتها كالوجه ، وإن اختلفوا في جواز النظر حيث لا شهوة ولا خوف فتنة، فتحريم المس آكد من تحريم النظر ، ومحل التحريم ما إذا لم تدع لذلك ضرورة فإن كان ضرورة كتطبيب وفصد وحجامة وقلع ضرس وكحل عين ونحوها مما لا يوجد امرأة تفعله جاز للرجل الأجنبي فعله للضرورة .

     

    " طرح التثريب " ( 7 / 45 ، 46 ) .

     

    4- مذهب الحنابلة :

     

    وقال ابن مفلح :

     

    وسئل أبو عبد الله – أي الإمام أحمد – عن الرجل يصافح المرأة قال : لا وشدد فيه جداً ، قلت : فيصافحها بثوبه ؟ قال : لا ...

     

    والتحريم اختيار الشيخ تقي الدين ، وعلل بأن الملامسة أبلغ من النظر )

     

    الآداب الشرعية 2/257

     

    والله أعلم .

     

    الإسلام سؤال وجواب


  16. السؤال:

    أمضيت الشهور السابقة في بحث ودراسة الدين الإسلامي وبدأت أقرأ القرآن في الآونة الأخيرة .. أشعر داخلي بأني قد تهيأت لنطق الشهادتين لكن بعض أصدقائي من المسلمين لا يعتقدون بذلك فهم يحذرونني من اتخاذ هذا القرار المصيري بسرعة ، لكني أشعر أني قد تهيأت لذلك بالفعل . هل يمكنك نصحي بما يجب علي أن أفعل حتى يمكنني إعلان إسلامي وأن أشهد أن الله هو الإله الواحد رب العالمين ، مع العلم أني لم أتخذ أي قرار سريع في حياتي من قبل . شكرا لك .

     

    الجواب:

    الحمد لله

    تحية طيبة لك أيّها السائل الكريم ، واعلم بأننا لا يمكن أن نكتم فرحتنا لقراءة سؤالك المعبّر عن استعدادك للدخول في الإسلام ، وأما عن نصيحة بعض الناس لك بالتريّث والتمهّل ففيه غرابة ولعلّهم يخشون عليك من الردّة والعودة إلى الكفر بعد الإسلام ولكن أيّها السّائل العزيز أليس الموت محتملا في أي وقت ؟ إذا كان الجواب نعم ، ألا ترى أنّه من الخير لك أن تُبادر بالإسلام فورا ، حتى إذا حضر الأجل في أيّ وقت تلقى الله وأنت على دينه الإسلام الذي لا يَقبل غيره وخير البرّ عاجله ' ثمّ إنّك ولله الحمد قد قرأت عن الإسلام وطالعت في القرآن مدّة لا بأس بها فسارع ولا تحرم نفسك من الأجر الذي ستجنيه كلما بكّرت بالإسلام ، ونسأل الله أن يُعينك وييسر أمورك ويشرح صدرك للحقّ ويثبتّك عليه . والله الموفّق .

    الإسلام سؤال وجواب

    الشيخ محمد صالح المنجد


  17. الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد

    قرأت هذا المقال فأعجبني وأحببت مشاركته معكم

     

    قد يتعب القلب من تربية الأبناء وتعاني النفس من تمردهم مما يسبب الهم والغم للوالدين.

    قال العلامة ابن القيم رحمه الله :

    إن من الذنوب ما لا يكفره إلا الهم بالأولاد .

    فهنيئا لكل من اهتم بتربية أبناءه علي ما يحبه الله ويرضاه هنيئا لكم طريقا لتكفير الذنوب.

    وإن وجدتم من أبنائكم ما يتعبكم في تربيتهم فاستغفروا ربكم.

     

    دخل مقاتل بن سليمان رحمه الله علي المنصور رحمه الله يوم بويع بالخلافة فقال له المنصور عظني يا مقاتل.

    فقال : أعظك بما رأيت أم بما سمعت؟

    قال: بما رأيت.

    قال : يا أمير المؤمنين إن عمر بن عبد العزيز أنجب أحد عشر ولدا وترك ثمانية عشر دينارا كفن بخمسة دنانير واشتري له قبرا بأربعة دنانير ووزع الباقي علي أبناءه.

    وهشام بن عبد الملك أنجب أحد عشر ولدا وكان نصيب كل ولد من التركة مليون دينار.

    والله يا أمير المؤمنين لقد رأيت في يوم واحد أحد أبناء عمر بن عبد العزيز يتصدق بمائة فرس للجهاد في سبيل الله وأحد أبناء هشام يتسول في الأسواق.

     

    وقد سأل الناس عمر بن عبد العزيز وهو علي فراش الموت ماذا تركت لأبناءك يا عمر؟

    قال:

    تركت لهم تقوي الله فإن كانوا صالحين فالله تعالي يتولي الصالحين وإن كانوا غير ذلك فلن أترك لهم ما يعينهم علي معصية الله تعالي.

     

    فتأمل

    كثير من الناس يسعي ويكد ويتعب ليؤمن مستقبل أولاده ظنا منه أن وجود المال في أيديهم بعد موته أمان لهم وغفل عن الأمان العظيم الذي ذكره الله في كتابه:

    (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا)

    الشيخ فواز المدخلي.

    منقول

    الحمد لله رب العالمين

    • معجبة 2

  18. السؤال:

    لدي سؤال صعب ولكن أملي الوحيد أن تستطيع الإجابة على سؤالي .

    أنا يهودية روسية تعرفت على شاب مسلم منذ سنة وكلما زادت معرفتنا ببعضنا تزيد المشاكل التي نواجهها ، ليست بسبب الدين أو العادات والتقاليد فنحن نحب بعضنا والموضوع هو هل يستطيع أن يتزوجني أم لا .

    هو مسلم ممتاز وينتمي إلى عائلة تقليدية وأنا معجبة بمعتقده ودين أهله .

    أنا مولودة في مدينة مغلقة وليس هناك مجال لعرض أو تقديم أي دين آخر فهذا ممنوع ، وعندما حضرت إلى الولايات المتحدة اكتشفت أن معتقداتي لا تطابق اليهودية فقمت بالكثير من البحث عن الإسلام بعد معرفتي بهذا الشاب وكذلك شابان مسلمان وفتاتان مسلمتان وكذلك قراءتي للقرآن فأصبح عندي شعور قوي بأنني يمكن أن أكون مسلمة جيدة .

    أنا أريد الآن أن أذهب إلى مدرسة لأتعلم الدين والتقاليد الإسلامية وخصوصا اللغة العربية.

    اتصلت بالمسجد وكنت جاهزة للذهاب ولكن المشكلة هي هل يمكن أن يقبلوني كأي أخت مسلمة جديدة مثل الذين يسلمون من جميع الأديان المختلفة ما عدا اليهودية ؟

    اليهود والمسلمون دائما في خلاف ولا أظن أنه سيحصل سلام أبداً .

     

    الجواب:

    الحمد لله " لديّ شعور قويّ بأنني أستطيع أن أكون مسلمة جيدة " عبارة رائعة تلك التي جاءت في ثنايا رسالتك المنطوية على مشاعر مرهفة وتجربة ممتازة في البحث عن الحقّ .

    " إنني أدعو الله ( بلغتي الأمّ : الروسية ) بأن يهديني إلى طريق الحقّ " . عبارة أخرى جاءت في آخر سؤالك يشعر معها القارئ المسلم بالتأثّر البالغ لحال امرأة لجأت إلى الله بعدما عرفت أنّه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ففزعت إليه تطلب الهداية إلى الدّين القويم . قال الله تعالى : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(186) سورة البقرة ، وابشري بهذا الانشراح للإسلام الذي تجدينه فقد قال الله تعالى : ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ) سورة الأنعام 125

    واعلمي أنّه ليس لدى المسلمين الذين يفقهون دينهم أي نوع من النفور أو عدم الارتياح تجاه أيّ أخ أو أخت أسلما واعتنقا دين الله مهما كانا أصلهما ، وكون المسلم الجديد من أصل يهودي أو نصراني لا يجعل هناك أيّ نوع من التفرقة أو التمييز ، ولنضرب مثلين من التاريخ الإسلامي على يهودي ويهودية دخلا الإسلام : أما الأول فهو أبو يوسف عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه وأرضاه

    عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاثٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا نَبِيٌّ ، قَالَ : مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلائِكَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ الْمَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا قَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ .. رواه البخاري 3082 ، وفي رواية للبخاري أيضا : " جَاءَ عبد الله بن سلام فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ وَيْلَكُمْ اتَّقُوا اللَّهَ فَو اللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ فَأَسْلِمُوا قَالُوا مَا نَعْلَمُهُ .. قَالَهَا ثَلاثَ مِرَارٍ قَالَ فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ قَالُوا ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ قَالُوا حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ قَالُوا حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ قَالُوا حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ قَالَ يَا ابْنَ سَلامٍ اخْرُجْ عَلَيْهِمْ فَخَرَجَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ اتَّقُوا اللَّهَ فَو َاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ فَقَالُوا كَذَبْتَ فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواه البخاري 3621

    هذا الرجل لم يمنعه أصله اليهودي من أن يكون من المبشرين بالجنّة قبل أن يموت فروى سعد بن أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ الآيَةَ .. رواه البخاري 3528

    وأما المرأة فهي صفية بنت حيي بن أخطب من يهود خيبر التي آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا .

    لقد صارت صفية اليهودية التي أسلمت أمّا لنا جميعا نحن المسلمين لقوله تعالى : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلاثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ .. فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَقَالُوا إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّى لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ . رواه البخاري 4762

    صفية رضي الله عنها التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم من معتكفه خصيصا ليرافقها إلى بيتها ( والمعتكف لا يجوز له أن يخرج إلا لحاجة ) ، فقد روى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا .. رواه البخاري 1894

    وفي رواية : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ أَزْوَاجُهُ فَرُحْنَ فَقَالَ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ لا تَعْجَلِي حَتَّى أَنْصَرِفَ مَعَكِ وَكَانَ بَيْتُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا .. رواه البخاري 1897

    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرعاها ويحنو عليها كما وصف أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم معاملته لزوجته صفية في السفر فقَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءهُ بِعَبَاءة ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ رواه البخاري 2081

    هذه النماذج وغيرها تبيّن أنّ المسلم الجديد له مكانته في دين الإسلام مهما كان أصله يهوديا أو غيره ، ولو حصل صدود من بعض المسلمين تجاه يهودي أسلم أو يهودية أسلمت فإنّ سببه الجهل والتقصير ، أمّا موقف الإسلام فقد عرفتيه ، فبادري أيتها السائلة إلى الدّخول في الإسلام فورا ونحن متفائلون لك بحياة سعيدة في ظلال هذا الدين .

    بقي لنا ملاحظة نودّ إبداءها حول أمر ذكرتيه في رسالتك وهي قضية العلاقة بينك وبين الرجل المسلم المذكور في السؤال . إن هذه العلاقة لن تكون علاقة شرعية يرضى الله عنها إلا إذا قامت على أساس الزواج الذي شرعه الله سبحانه لعباده ورضي به طريقا لارتباط الرجل بالمرأة ، ونحن نتصور في وضعك الذي ذكرتيه أن إسلامك وتوبتك ستفتح الباب وتمهّد الطريق للارتباط الشّرعي والصحيح بهذا الرجل المسلم .

    نسأل الله لك التوفيق إلى الحقّ والثبات عليه وأن يعجّل لك الخير في الدّنيا ويرزقك الفوز بالجنّة في الآخرة ، والله الهادي إلى سواء السبيل .

    الإسلام سؤال وجواب

    الشيخ محمد صالح المنجد

     

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×