اذهبي الى المحتوى

امانى يسرى محمد

العضوات
  • عدد المشاركات

    7671
  • تاريخ الانضمام

  • تاريخ آخر زيارة

  • الأيام التي فازت فيها

    60

مشاركات المكتوبهة بواسطة امانى يسرى محمد


  1. أساليب التربية في سورة الحجركثيرة ، وهي رياض غناءة يسعد المتأمل فيها والناظر إليها ببديع هذه الأساليب التي يأخذ بعضها ببعض ، فتنظم عقداً بليغاً يحوي درر الحِكَم وجواهر الأدب وجميل المعاني الخلاّقة التي تستهوي المربين والأساتذة والآباء ، فيقتطفون منها طاقات فوّاحة من علم وأدب وتربية ... إليك بعضها :

    1- قال الحكماء : (لا تقم بعمل تندم عليه )؛ وكثير منا يجترح أحدنا أخطاء دون روية ، ثم يندم عليها . ولا شك أن الاعتراف بالخطأ والرجوع عنه فضيلة ، وأفضل منه تصويبه وعدم العودة إليه . هذه هي التوبة النصوح . وهذه التوبة مطلوبة في عالمنا ، وما تزال مقبولة ، بل مطلوبة ما دمنا على قيد الحياة . أما الندم بعد الموت فحسرة لا تنقضي ، واعتذار لا يقبل ، وخطأ لا يغتفر إلا بعفو الله تعالى ومغفرته ولطفه ما عدا الإشراك به سبحانه ، فهذا خطأ لا يُغتفر وذنب لا يُمحى " إن الله لا يغفر أن يُشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " ونقف وقفة الخائف الوجل والحذر المنتبه أمام الآية الكريمة الثانية في هذه السورة " رُبَما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين " إنهم سيندمون عَلَى مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْكُفْر ، ويتمنون لَو كَانُوا فِي الدنيا مَعَ المسلمين . قال اِبن عباس وابن مسعود  : إن الكفار  حين يعرضون على النَّار يوم القيامة ويرون المسلمين ناجين منها يتمنون أَنْ لَو كَانُوا مسلمين . ولعلّ الْمُرَاد أَنَّ كل كَافِر يَوَدّ عِنْد اِحْتِضَاره أَنْ لَوْ كَانَ مُؤمِنًا . وقيل : هذا إخبارعن يوم الْقِيَامَة كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّار فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدّ ولا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُون مِنْ الْمؤمِنِينَ" وَقَالَ بعض المفسرين إن هذه الآية يقولها الجهنّميون الذين يرون العاصين من المؤمنين خرجوا من النار بعفو الله تعالى . وفي رواية:  يَقُول أهل النار للموحدين مَا أَغْنَى عنكم إِيمَانكم ؟ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ قَالَ اللَّه : أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبه مِثْقَال ذَرَّة مِن إِيمَان . وروي عَنْ أَنَس بن مَالِك  قَالَ : قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم  " إِنَّ نَاسًا مِنْ أَهْل لا إله إلا اللَّه يدخلون النار بذنوبهم ،  َيَقُول لَهُم أَهْل اللات وَالْعُزَّى مَا أَغْنَى عنكم قولكم لا إله إلا اللَّه وَأَنْتُمْ مَعَنَا فِي النَّار ؟ فَيَغْضَب اللَّه لَهُمْ فيخرجهم ، فيلقيهم فِي نَهَرالحياة فيبرءون من حرقهم كَمَا يَبْرَأ الْقَمَر مِنْ خُسُوفه ، ويدخلون الجنة  وَيُسَمَّوْنَ فَيهَا "الجهنميون" . إن الكفار لا يعبأون في الدنيا بغير التمتع بها وانتهاب الملذات ، فكان التهديد واضحاً في قوله تعالى " ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلهيهِم الأمل ، فسوف يعلمون " ولن يعلموا إلا بعد فوات الأوان . فإذا رأوا يوم القيامة ذاقوا وبال أمرهم .

    2- إن الله سبحانه وتعالى ( يمهل ولا يهمل ) فلن يُهلك الله أمة إلا بعد قيام الحجة عليها " وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم " ولـ ( الكتاب المعلوم ) معنيان متلازمان ، أولهما أن الحق سبحانه لا يهلك امة قبل إرسال الرسل ودعوتها إلى عبادة الله وحده ، فإن أجابت نجت ، وإن لم تفعل حق عليها الهلاك . وثانيهما أن لكل أمة أجل " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " والله سبحانه – على غضبه على الكفار – حليم يؤخرهم لأجلهم المحدد لهم فلا يعجل عليهم . ولذلك كانت القاعدة الإلهية في حق الأمم " ما تسبق من أمة أجلها ، وما يستأخرون . " والإنسان هو الذي يستعجل حين يغضب وتأخذه الحميّة ، يكاد يخسف الأرض بمن غضب منهم ، ويحاول جاهداً أن يستأصل شأفتهم . " وخـُلق الإنسان عجولاً "

    3- العاقل يقارع الحجة بالحجة وضعيف الرأي يغطي على جهله بالهزء والسخرية ، ومن سخرية المشركين بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنهم يتعالون عن ذكر اسمه الشريف ، فلا ينادونه : يا محمد ؛ بل يقولون تعريضاً واستخفافاً " يا أيها الذي نُـزّل عليه الذكر ..." ويقصدون : يا من تدّعي أنك نبي ورسول ؛ إنك لمجنون . ويطالبونه أن يكون معه ملَك يؤيده . مع أن الملائكة لا تنزل إلا للدفاع عن الأنبياء والقضاء على أعدائهم وإبادتهم حين يشتد أذاهم للرسل وأصحابهم ، كما فعل الله بالأمم السابقة الهالكة . ويخفف الله تعالى عن الرسول ألمه وحزنه من صد المشركين وأذاهم فيخبر الحبيب المصطفى أنه ليس يدْعاً من الرسل ، فقد كُذبت الرسل من قبله ، واستهزأ المشركون بهم كما استهزأت قريش وكفار العرب به . فهذا دأب المكذبين الضالين .

    4- يعاقـَب المشركون الذين صدوا عن الإيمان وحاربوه واتبعوا أهواءهم بالكفر يعشش في قلوبهم فيتيهون في الضلالة ويعمهون فيها " كذلك نسلكه في قلوب المجرمين ، لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين "  وهكذا فـُعِل بكفار الأمم السابقة التي صدت عن سبيل الله ، فقد أدخل الله تعالى الشرك في قلوبهم لأنهم طلبوه كقوله تعالى في سورة الإسراء" قل : من كان في الضلالة فليمدُدْ له الرحمن مداً " وقوله تعالى  " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ، ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً " فهم – المشركين – لا يؤمنون حتى يقعوا في الواقعة التي لا خلاص منها . ولعل بعضهم يقول : أحقاً هم يصدون  لو وجدوا آيات بينات ؟ والدليل أن سجية البشر واحدة ، فالله تعالى قدم لقوم صالح آية الناقة حين وعدوا نبيهم أن يؤمنوا بهم لو جاءهم بخارق العادات ، فلما جاءتهم كفروا بها وقتلوها . فلما طلب القرشيون آية ذكـّرهم الله تعالى بالقاعدة الشهيرة : لا يُلدغ المرء من جحر مرتين حين أنزل الآية " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أنْ كذب بها الأولون ، وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها " أي ظلموا أنفسهم بقتلها . وفي هذه السورة يفضحهم الله تعالى حين يعريهم فيقول : " لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين " فهم مثلهم . ولأنه سبحانه عالم بهم خبير بدخائلهم يقول " ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فبه يعرجون لقالوا : إنما سُكـّرت أبصارنا ، بل نحن قوم مسحورون " . وقد يتفاصح أحدهم فيقول : لِمَ يأخذ ُربك الخلـَف بجريرة السلف ؟! فنقول له : يا هذا خانك الفهم ، وجانبك الصواب ، فالله تعالى بعدله لا يترك لأحد حجة ، فقد طلب مشركو مكة دليلاً على نبوة الحبيب محمد ، وسألوه أن يطلب من ربه انشقاق القمر ليؤمنوا به ، فلما انشق القمر قالوا : سحرنا محمد ، وحين قيل لهم إن كان سحَرَكم فاسألوا القادمين إلى مكة بعد أيام عما رأوا . فلما سألوهم وأكدوا أنهم رأوا القمر فِلقتين ذلك اليوم قالوا : سحر محمد الجميع ، إن سحره قوي مستمرشديد " اقتربت الساعة وانشق القمر ، وإن يروا آية يعرضوا ، ويقولوا سحر مستمر ، وكذبوا واتبعوا أهواءهم .. "

    5- كَانَ لِلْمَأْمُونِ - وَهُوَ أَمِير إِذ ذَاكَ - مَجْلِس نَظَر , فَدَخَلَ فِي جُملَة النَّاس رَجُل يَهُودِيّ حَسَن الثوب حَسَن الْوَجْه طَيِّب الرَّائِحَة , قَالَ : فَتَكَلَّمَ فَأَحْسَن الكلام والعبارة , قَالَ : فَلَمَّا انتهى المجلس دَعَاهُ الْمَأْمُون فَقَالَ لَهُ : إِسْرَائِيلِيّ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ لَهُ : أَسْلِمْ حَتَّى أَفْعَل بِك وَأَصْنَع , وَوَعَدَهُ . فَقَالَ : دِينِي وَدِين آبَائِي ! وَانْصَرَفَ . قَالَ : فَلَمَّا كَانَ بعد سَنَة جَاءَنَا مسلماً , قَالَ : فَتَكَلَّمَ عَلَى الْفِقْه فَأَحْسَن الكلام ; فَلَمَّا تَقَوَّضَ الْمَجْلِس دَعَاهُ الْمَأْمُون وَقَالَ : أَلَسْت صَاحِبنَا بالأمس ؟ قَالَ لَهُ : بَلَى . قَالَ : فَمَا كَانَ سَبَب إسلامك ؟ قَالَ : اِنْصَرَفْت مِنْ حَضْرَتك فَأَحْبَبْت أَنْ أَمْتَحِن هَذِهِ الأديان , وَأَنتَ تَرَانِي حَسَن الخطّ , فَعَمَدْت إِلَى الإنجيل فَكَتَبْت ثلاث نُسَخ فَزِدت فِيه وَنَقَصْت , وَأَدْخَلْتهَا الْكَنِيسَة فَاشْتُرِيَتْ مِنِّي , وَعَمَدْت إِلَى التوراة فَكَتَبْت ثلاث نُسَخ فَزِدْت فِيهَا وَنَقَصت , وَأَدْخَلْتهَا البِيعَة فَاشْتُرِيَتْ مِنِّي , وَعَمَدْت إِلَى الْقُرْآن فَعَمِلْت ثلاث  نُسَخ  منه وَزِدْت فِيهَا وَنَقَصْت , وأدخلتها الورَّاقِينَ فَتَصَفحُوهَا , فلَمَّا أَنْ وَجَدُوا فِيهَا الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان رَمَوا بِهَا فَلَمْ يَشترُوهَا ; فَعَلِمْت أَنَّ هَذَا كِتَاب محفوظ , فَكَانَ هَذَا سَبَب إسلامي . قَالَ يَحْيَى بْن أكثم : فَحَجَجْت تلك السَّنَة فَلَقِيت سُفيَان بْن عُيَيْنَة فَذَكَرْت لَهُ الْخَبَر فَقَالَ لِي : مِصْدَاق هَذَا فِي كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ قلت : فِي أَيّ موضِع ؟ قَالَ : فِي قَول اللَّه تبارك وَتَعَالَى فِي التوراة والإنجيل : " بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَاب اللَّه "  الْمَائِدَة : 44  , فَجَعَلَ حِفْظه إِلَيهِم فَضَاعَ , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " فَحَفِظَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا فَلَمْ يَضِعْ . وفي هذه الآية أحد عشر توكيداً ( إنّ المشددة ونا الدالة على الجمع ، وضمير العظمة نحن ، والتضعيف في نزّل ونا الدالة على الجمع ، وتعريف الذكر ، وإنّ المشددة ونا الجمع ، وتقديم ما حقه التأخير " له " فالجار والمجرور حقهما أن يتأخرا عن الخبر حافظون ، ولام حافظون ويسمونها المزحلقة ، وواو الجمع في قوله لحافظون )  فهذه الآية سبع كلمات فيها أحد عشر توكيداً ، وكلام الله سبحانه وتعالى لا يحتاج توكيداً ، فالله - سبحانه - أصدق القائلين ، فكيف إذا أكده ، أو كان فيه هذا الزخم من التوكيد؟

    6-  التفكر والتدبرغذاء القلوب والعقول ، فنرى القرآن الكريم يرشدنا إلى بديع الصنع من سماء وأرض وجبال وشجر وماء وزرع وحيوانات وحياة وموت . وهذا التفكير في أنفسنا وما حولنا دليل على وجود االإله الخالق الحكيم الذي أحسن كل شيء خلقه ، وبدأ خلق الإنسان من طين . ومن تفكر وتدبر وتابع المسيرة الكونية اهتدى إلى الحق ضمن قواعد منطقية متسلسلة الحلقات ، فأول هذه القواعد : أنا أفكر ، فأنا موجود ، وهذه القاعدة سرقها الفيلسوف " ديكارت " من الفيلسوف المسلم " ابن سينا " فعرفت للأول وهي للثاني وقد سبقه إليها بقرون عديدة . وثاني هذه القواعد  أنه لا بد لكل حادث من محدِث ، فما نحن وما حولنا إلا مخلوقات كانت في طور العدم ، وسنعود للعدم ، ونحن لا نملك لأنفسنا موتاً ولا حياة ولم نكن نعلم متى سنوجد ولن نعلم متى نعود للفناء ، وهذه الدورة الحيوية لم تأت من فراغ ، فقانون الصدفة ضعيف متهاوٍ  لا يثبت على حال ، ولا يقول به عاقل . وثالث هذه القواعد : ما له بداية له نهاية . وهذا أمر بدهي ، فنحن نرى نبات الأرض ودولة الليل والنهار والأطوار التي يمر بها الإنسان ولادة وحياة وموتاً ، وما يدّعي أحد أنه كان منذ الأزل وأنه باق إلى الأبد . وهؤلاء آباؤنا وأجددنا قضوا ونحن على إثرهم راحلون شئنا أم أبينا . وتعال معي نتدبر هذه الآيات في هذه السورة الكريمة نتابع فيها قدرة الله وبديع صنعه سبحانه

            وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)

            وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17)

            إلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18)

            والأرض مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)

            وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)

            وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)

            وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)

            وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)

    سماء عالية ،وقبة سامقة لا يحدها النظر فيها شمس وقمر، ونجوم لا يُحصى عددُها تبهر الناظرين تسير بنظام محكم وترتيب رائع ، ثم شهب تخر من السماء بسرعة إلى الأرض فلا تؤذي من فيها تمنع الشياطين أن تسترق السمع .

    وأرض ممتدة موزونة ، فيها الجبال الشامخة ، والأنهار المتدفقة ، والبحار الهادرة ، واليابسة الممتدة ، أشجار وزروع ، وخضرة وصفرة ، وترتيب عجيب لصيف وشتاء ، وربيع وخريف ، وثمار تتجدد كل فصل بما يناسبه وكل سنة في الميعاد نفسه ، وخيوانات لخدمة البشر وأكل لحوم بعضها ، ومواسم الأمطار ، وتشكل السحب ، والرياح اللواقح ... ألا يدل كل هذا على مدبر الكون وخالقه ؟! عجيب أمر البدوي الذي نطق الحكمة فقال : البعرة تدل على البعير، والماء يدل على الغدير، والأقدام تدل على المسير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج ، ألا تدلان على الحكيم الخبير؟!.

    بلى إنه الله الذي لا إله إلا هو ، به آمنا ، وعليه توكلنا ، وإليه أنبنا ...........


    رابطة ادباء الشام


     


  2. الحركة نوعان:

    • نوع من جنس الصلاة، وهي إمَّا ركن أو واجب أو مستحب.

    • والنوع الثاني حركة ليست من جنس الصلاة وهي موضوع البحث وفيه ثلاث مسائل:


    الأولى: حكم الحركة التي ليست من جنس الصلاة.

    الثانية: الضابط في الكثرة والقلة.


    الثالثة: حكم سجود السهو للحركة.


    أولاً: حكم الحركة التي ليست من جنس الصلاة:

    الحركة التي ليست من جنس الصلاة تجري فيها الأحكام الخمسة [1]:

    أولاً: الحركة المباحة: وهي الحركة التي ليست من جنس الصلاة وهي ثلاثة أنواع:

    النوع الأول: الحركة القليلة للحاجة.

    النوع الثاني: الحركة الكثيرة غير المتوالية الاضطرار.

    النوع الثالث: الحركة الكثيرة المتوالية حال الاضطرار.


    والأنواع الثلاثة جائزة ولا تبطل الصلاة بها وهو مذهب أبي بكر الصديق وأبي برزة الأسلمي رضي الله عنه والأحناف[2] والمالكية[3]والشافعية[4] والحنابلة [5] وقال به شيخ الإسلام ابن تيمية [6] وشيخنا العثيمين[7] وشيخه السعدي[8] ابن حزم - في الجملة - [9] وهي من مسائل الإجماع في الجملة.


    الدليل الأول: قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ﴾ [البقرة: ٢٣٩].

    وجه الاستدلال: أهل العلم مجمعون على أنَّ المصلي في شدة الخوف يصلي راكباً أو ماشياً وصلاته صحيحة ولو كثرت حركته نقل الإجماع ابن عطية [10] والجويني [11] والجصاص[12] والقرطبي [13].

    الدليل الثاني: قوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: ٧٨].

    وجه الاستدلال: المصلي لا بد له فيها من عمل قليل يدفع المار ويسوي ثوبه ويميط عنه الأذى إن أصابه فلو فسدت صلاته بهذا لحصل حرج شديد وهو منتفٍ شرعاً [14].

    الدليل الثالث: قوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: ١٨٥].

    وجه الاستدلال: لا بد للمصلي من رعاية التعظيم والخشوع في صلاته فهو لبها، ويتعذر إن لم يتعسر كون المصلي على هيئة واحدة في جميع صلاته فلا يخلو من حركة فيُسِّر بالعفو عن القدر الذي لا يدل على الاستهانة بالصلاة [15].


    الدليل الرابع: عن عائشة رضي الله عنه قالت «كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي، في قبلته فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما»، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح [16].

    وجه الاستدلال: غمزُ النبي صلى الله عليه وسلم لرجلي عائشة رضي الله عنها للحاجة وهو عمل قليل فدل على جوازه من غير كراهة [17].


    الدليل الخامس: عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ قال: نعم فصلى أبو بكر رضي الله عنه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفق الناس وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التصفيق التفت، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن امكث مكانك»، فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه، فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ثم استأخر أبو بكر رضي الله عنه حتى استوى في الصف، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى، فلما انصرف قال: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ» فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ، مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ، فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ التُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» [18].


    وجه الاستدلال: في الحديث التصفيق في الصلاة والتفات أبي بكر رضي الله عنه وإشارة النبي صلى الله عليه وسلم له وتأخر أبي بكر رضي الله عنه خطوات وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وهذه عدة أفعال قليلة ـــ من النبي صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه رضي الله عنهم ـــ ليست من جنس الصلاة للحاجة [19].

     

    الدليل السادس: عن الأزرق بن قيس، قال: كنا بالأهواز نقاتل الحرورية، فبينا أنا على جرف نهر إذا رجل يصلي، وإذا لجام دابته بيده، فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها - قال شعبة: هو أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه - فجعل رجل من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ، فلما انصرف الشيخ، قال: إنَّي سمعت قولكم «وإني غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست غزوات - أو سبع غزوات - وثماني وشهدت تيسيره»، وإنِّي إن كنت أن أراجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها فيشق علي"[20].

    وجه الاستدلال: مشى أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه خطوات ويرى أنَّ ذلك مما جاءت الشريعة بجوازه للحاجة.


    الدليل السابع: في حديث وائل بن حجر رضي الله عنه: "أنَّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر، - وصف همام حيال أذنيه - ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى،... " [21].

    وجه الاستدلال: التحف النبي صلى الله عليه وسلم بثوبه بعد تكبيرة الإحرام وهذا عمل يسير للحاجة [22].

     
    الدليل الثامن: في حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة - امرأة من الأنصار رضي الله عنهم قد سماها سهل رضي الله عنه- «مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ، أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا، أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ» فأمرته فعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بها فوضعت ها هنا، ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها وكبر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى، فسجد في أصل المنبر ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس، فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلاَتِي» [23].


    وجه الاستدلال: تحرك النبي صلى الله عليه وسلم حركة كثيرة غير متوالية بصعوده على درج المنبر ونزوله القهقرى مراراً لأجل تعليم أصحابه رضي الله عنهم بالفعل وقد علمهم قبل ذلك بالقول فدل على أنَّ الحركة الكثيرة إذا لم تكن متوالية لا تفسد الصلاة [24].


    الدليل التاسع: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ جَعَلَ يَفْتِكُ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ، لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ، وَإِنَّ اللهَ أَمْكَنَنِي مِنْهُ فَذَعَتُّهُ، فَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى جَنْبِ سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى تُصْبِحُوا تَنْظُرُونَ إِلَيْهِ أَجْمَعُونَ - أَوْ كُلُّكُمْ - ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ: ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾، فَرَدَّهُ اللهُ خَاسِئًا » [25].


    وجه الاستدلال: خنق النبي صلى الله عليه وسلم الشيطان وهم بربطه بسارية من سواري المسجد فدل على أنَّ قدر هذا العمل لا يفسد الصلاة [26].

    الدليل العاشر: عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص وهي ابنة زينب رضي الله عنهما بنت النبي صلى الله عليه وسلم على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها» [27].

     
    وجه الاستدلال: وضعُ أمامة رضي الله عنها وحملُها في صلاة الفرض عمل كثير غير متوالٍ للحاجة جائز ولا يفسد الصلاة [28].


    الدليل الحادي عشر: الإجماع فأهل العلم مجمعون على أنَّ الحركة اليسيرة لا تبطل الصلاة والكثيرة غير المتوالية ـــ وإن كانوا يختلفون في بعضها هل هي من الكثير أو القليل؟ ـــ نقل الإجماع ابن عبد البر [29] والروياني [30] وأبو بكر ابن العربي [31] والعمراني [32] وابن بطال [33] والرافعي [34]والنووي [35] والعلائي [36] وابن نجيم [37]وصديق حسن خان [38].


    ثانياً: الحركة المكروهة: الحركة اليسيرة إذا كانت لغير حاجة تكره ولا تبطل الصلاة: وهو مذهب الأحناف [39] والمالكية [40] والشافعية [41] والحنابلة [42] وقال به شيخ الإسلام ابن تيمية [43] وشيخنا العثيمين [44] وشيخه السعدي [45].


    الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: « هُوَ اِخْتِلاسٌ يَخْتَلِسُهُ اَلشَّيْطَانُ مِنْ صَلاةِ اَلْعَبْدِ» [46].

    الدليل الثاني: عن سهل بن الحَنْظَلَّية رضي الله عنه قال: «ثوب بالصلاة - يعني صلاة الصبح -، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب» [47].

    وجه الاستدلال: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الالتفات ينقص أجر الصلاة والتفت النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة للحاجة وأقر أبا بكر رضي الله عنه حينما التفت فدل على كراهة الالتفات من غير حاجة وجوازه للحاجة والله أعلم.


    الدليل الثالث: عن أبي بكرة رضي الله عنه: أنَّه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ» [48].


    وجه الاستدلال: خطا أبو بكرة رضي الله عنه خطوات حتى دخل في الصف فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن تكرار ذلك ولم يأمره بإعادة الصلاة فدل ذلك على أنَّ العمل اليسير من غير حاجة يكره ولا يفسد الصلاة [49].


    الدليل الرابع: عن معيقيب رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: في الرجل يسوي التراب حيث يسجد، قال: «إِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً» [50].

     
    وجه الاستدلال: رخص النبي صلى الله عليه وسلم بتسوية التراب في الصلاة وبين أنَّ تركه أولى فدل على كراهته لعدم الحاجة له حيث تمكن التسوية قبل التحريم والله أعلم [51].

    الدليل الخامس: في حديث ابن عباس رضي الله عنهما « ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخْلَفَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ » [52].

    وجه الاستدلال: حول النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما من خلفه للنهي عن المرور بين يدي المصلي مع أنَّ الأيسر تحويله من بين يديه.



    ثالثاً: الحركة المستحبة: وهي الحركة اليسيرة التي يتوقف عليها كمال الصلاة: وهو مذهب الأحناف [53] والمالكية [54] والشافعية [55] والحنابلة [56]وقال به شيخنا العثيمين [57] وشيخه السعدي [58].


    الدليل الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» [59].


    وجه الاستدلال: في الحديث الأمر بمدافعة المار بين يدي المصلي حتى لا يتسبب في نقص أجر صلاته فدل على استحباب العمل القليل إذا كان لمصلحة الصلاة فالوسائل لها أحكام المقاصد [60].

    الدليل الثاني: في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «فقمت إلى جنبه الأيسر، فأخذ بيدي فجعلني من شقه الأيمن، فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني» [61].


    وجه الاستدلال: حول النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما إلى يمينه لأنَّه السنة وأخذ بشحمة أذنه ليقبل على صلاته وهذا عمل يسير لمصلحة الصلاة [62].


    الدليل الثالث: في حديث جابر رضي الله عنه: " ثم جاء جبار بن صخر رضي الله عنه فتوضأ، ثم جاء فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدينا جميعاً، فدفعنا حتى أقامنا خلفه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقني وأنا لا أشعر، ثم فطنت به، فقال هكذا، بيده - يعني شد وسطك - فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «يَا جَابِرُ» قلت: لبيك، يا رسول الله قال: «إِذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوِكَ»[63].


    الاستدلال من وجوه:

    الأول: دفع النبي صلى الله عليه وسلم جابراً وجباراً رضي الله عنهما خلفه لأنَّ السنة وقوف الاثنين فأكثر خلف الإمام.
    الثاني: رمق النبي صلى الله عليه وسلم جابراً رضي الله عنه ثم أشار إليه بشد ثوبه ففعل جابرٌ رضي الله عنه وهذا أفعال قليلة من مصلحة الصلاة [64].



    رابعاً: الحركة الواجبة: وهي القليلة التي يتوقف عليها صحة الصلاة: وهو مذهب الأحناف [65] والمالكية [66] والشافعية [67] والحنابلة [68] وابن حزم ـــ في الجملة ـــ [69] وقال به شيخنا العثيمين [70] وشيخه السعدي[71].


    الدليل الأول: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آت، فقال: «إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشأم، فاستداروا إلى الكعبة»[72].

    وجه الاستدلال: التوجه إلى القبلة واجب فاستدارتهم للكعبة واجبة لأنَّها مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.


    الدليل الثاني: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم فلما انصرف، قال: «لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ؟» فقالوا: يا رسول الله، رأيناك خلعت فخلعنا، قال: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا، فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْلِبْ نَعْلَهُ فَلْيَنْظُرْ فِيهَا فَإِنْ رَأَى بِهَا خَبَثًا فَلْيُمِسَّهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا» [73].

    وجه الاستدلال: تجنب النجاسة واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.



    خامساً: الحركة الكثيرة المتوالية حال الاختيار محرمة وتفسد الصلاة: وهو مذهب الأحناف[74] والمالكية[75] والشافعية[76] والحنابلة [77] وقال به شيخ الإسلام ابن تيمية [78] وشيخنا العثيمين [79] وشيخه السعدي [80].


    الدليل الأول: قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: ٣٣].

    وجه الاستدلال: الحركة الكثيرة المتوالية حال الاختيار تبطل الصلاة ويحرم إبطال الفرض من غير عذر.


    الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» [81].

    وجه الاستدلال: الحركة الكثيرة المتوالية في غير الاضطرار خلاف عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره فتبطل الصلاة بها.


    الدليل الثالث: الإجماع: أجمع أهل العلم على أنَّ العمل الكثير في غير حال الاضطرار مفسد للصلاة نقل الإجماع ابن عبد البر [82] وأبو بكر ابن العربي [83] وابن حزم [84] وابن بطال [85] والقاضي عياض [86] وابن قدامة [87] والعلائي [88]والنووي [89] وابن تيمية [90] وابن الملقن [91] وابن حجر [92] وابن مفلح الحفيد [93] والمرداوي [94] وابن نجيم [95].


    الدليل الرابع: الحركة الكثيرة المتوالية حال الاختيار تقطع الموالاة بين أركان الصلاة فلا تصح [96].


    ثانياً: ضابط الكثرة والقلة في الحركة:

    تقدم الإجماع على أنَّ الحركة الكثيرة المتوالية من غير ضرورة تفسد الصلاة وأنَّ الحركة القليلة لا تفسد الصلاة قال الرافعي: لا خلاف أنَّه يفرق فيه بين القليل والكثير[97].

    وليس في المسألة نص صريح يرفع الخلاف قال ابن عبد البر: ليس عن العلماء فيه حد محدود ولا سنة ثابتة وإنَّما هو الاجتهاد [98] وقال ابن بطال: لم يحدوا القليل، ولا الكثير، وإنَّما هو اجتهاد واحتياط [99].

     

    قال أبو عبد الرحمن: والأمر كما ذكر الإمامان ليس فيه سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنَّما هو اجتهاد واختلف المجتهدون من أهل العلم في تحديد القلة والكثرة على أقوال.

    القول الأول: يفوض تحديد القلة والكثرة إلى رأي المبتلى به: قال به بعض الأحناف [100].

    الرد: الناس مختلفون فمنهم المفرط ومنهم المفرط فلا ينضبط الحكم.

    القول الثاني: ثلاث حركات كثيرة وما دونها قليلة: قول للأحناف [101] والحنابلة [102] والشافعية في بعض الحركات [103].

    الرد من وجوه:

    الأول: التحديد يحتاج إلى نقل وليس في المسألة نص على التفريق بين ثلاث حركات وما دونها [104].

    الثاني: ما تقدم من أدلة كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر أكثر من حركتين [105].

    الثالث: قد تكون الحركة الواحدة أكثر منافاة لهيئة الصلاة من الثلاث فتحريك الأصبع ثلاثاً أقل منافاة للصلاة من لو قفز في صلاته [106].


    القول الثالث: القليل ما لا يسع زمانه فعل ركعة والكثير ما يسعها: وهذا القول وجه للشافعية [107].

    الرد: كالذي قبله.


    القول الرابع: ما يفعل عادة بيد واحدة قليل وبيدين كثير: وهذا قول للأحناف[108] ووجه للشافعية [109].

    الرد من وجهين:

    الأول: تقدم في حديث جابر رضي الله عنه: " فقال هكذا، بيده - يعني شد وسطك - » وشد الإزار بيدين لا بواحدة.

    الثاني: الأكل والشرب بيد واحدة ويفسدان الصلاة [110].

     

    القول الخامس: أن العمل الكثير ما يكون مقصوداً للفاعل بأن أفرد له مجلساً على حدة: وهذا قول للأحناف[111]. قال ابن برهان هذا القائل يستدل بامرأة صلت فلمسها زوجها أو قبلها بشهوة تفسد صلاتها، وكذا إذا مص صبي ثديها وخرج اللبن تفسد صلاتها.

    الرد: الفروع المذهبية محل خلاف فلا تصلح أن تجعل ضابطاً فقهياً.

    القول السادس: ما ظن الناظر له أنَّه ليس في صلاة فهو كثير وإلا قليل: وهو مذهب الأحناف [112] والمالكية [113] ووجه للشافعية [114] وقول للحنابلة [115].


    الرد: بادي الرأي هذا الضابط حسن لكنَّ النصوص ترده فمثلاً من يصعد المنبر وينزل القهقرى ومن يحمل صبياً أو يقتل عقرباً لا يظن ظان أنَّه في صلاة وورد النص بجواز ذلك في الصلاة [116].


    القول السابع: العرف: وهذا قول للأحناف [117] ومذهب الشافعية [118] الحنابلة [119].

    الرد: العادة يرجع فيها إلى ما ليس فيه نص شرعي بخلاف الحركة ففيها نصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وهذا القول في نظري أقوى الأقوال التي وقفت عليها في هذه المسألة.


    الترجيح: كثرة الخلاف في هذه المسألة يدل على أنَّ المسألة من مسائل الاجتهاد التي ليس فيها نص رافع للخلاف فيظهر رجحان قول من الأقوال وأطال ابن نجيم الكلام على المسألة وختمه بقوله: لقد صدق من قال كثرة المقالات تؤذن بكثرة الجهالات [120].


    فالذي يترجح لي أنَّ الضابط في حد القلة هو المنقول عن النبي صلى الله عيه وسلم وما يقاس عليه وما زاد عليه فهو كثير والله أعلم.


    قال ابن المنجى [اليسير] ما شابه فعل النبي صلى الله عليه وسلم مما روي، والكثير ما زاد على ذلك وعد كثيراً في العرف [121].

     
    وقال ابن قدامة يرجع في الكثير واليسير إلى العرف فيما يعد كثيراً أو يسيراً وكل ما شابه فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو معدود يسيراً [122].



    ثالثاً: سجود السهو للحركة التي ليست من جنس الصلاة:

    تحرير محل الخلاف: تقدم أنَّ الحركة التي ليست من جنس الصلاة تجري فيها الأحكام الخمسة فسجود السهو لا يشرع في الواجب والمستحب لأنَّه لجبر الخلل في الصلاة ولا خلل بفعل واجب أو مستحب فيها وإن كانت الحركة محرمة فتبطل الصلاة بها فبقيت الحركة المباحة والمكروهة فهل يشرع لهما سجود سهو أم لا؟.


    القول الأول: لا يسجد للسهو: وهو مذهب الأحناف [123] والمالكية [124] والشافعية [125] والحنابلة [126].

    الأدلة: ما تقدم من أدلة الكتاب والسنة والإجماع على صحة الصلاة مع الحركة المباحة والمكروهة.

     

    وجه الاستدلال: أباح ربنا عزَّ وجل الحركة في صلاة الخوف وصدرت أفعال ـــ ليست من جنس الصلاة ـــ من النبي صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه رضي الله عنهم ولم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم للسهو ولم يأمر أصحابه رضي الله عنهم بذلك فدل ذلك على عدم مشروعية سجود السهو لها والله أعلم [127].

     

    القول الثاني: يسجد للسهو: قول للحنابلة [128] وقال به ابن حزم إذا فعله سهواً [129].

    الدليل: سجود السهو لجبر خلل الصلاة فيسجد للحركة التي تخل بالصلاة.


    الرد من وجهين:

    الأول: الحركة في الصلاة مما وجد سببها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشرع لها سجود السهو بقوله ولا بفعله.

     

    الثاني: لا يصح قياس سجود السهو للحركة التي ليست من جنس الصلاة وهي منهي عنها على ما جاء النص بسجود السهو له من ترك المأمور به والله أعلم [130].


    الترجيح: الذي يترجح لي عدم استحباب سجود السهو للحركة المباحة والمكروهة في الصلاة والله أعلم.


    [1] تنبيه: يندر من ينص على أنَّ الحركة التي ليست من جنس الصلاة تجري فيها الأحكام الخمسة لكنَّ الفروع الفقهية المذكورة في كتب أهل العلم تدل على ذلك.

    [2] انظر: المبسوط (1/ 352) والمحيط البرهاني (1/ 395) وفتح القدير (1/ 352،357) والبناية (2/ 522).

    [3] انظر: التوضيح (1/ 404) والقوانين الفقهية ص:(60) وشرح الخرشي على خليل (2/ 39) ومنح الجليل (1/ 181).

    [4] انظر: نهاية المطلب (2/ 207) والعزيز (2/ 52) والمجموع (4/ 93) وأسنى المطالب (1/ 182،183).

    [5] انظر: الكافي (1/ 171) والمغني (2/ 79) والممتع (1/ 454،460) والإنصاف (2/ 97،129).

    [6] انظر: مجموع الفتاوى (22/ 624) (23/ 227).

    [7] انظر: الشرح الممتع (3/ 356).

    [8] انظر: القواعد والأصول الجامعة ص:(138) والإرشاد إلى معرفة الأحكام ص:(51).

    [9] قال في المحلى (3/ 73) ما عمله المرء في صلاته مما أبيح له من الدفاع عنه وغير ذلك فهو جائز، ولا تبطل صلاته بذلك، وكذلك المحاربة للظالم، وإطفاء النار العادية، وإنقاذ المسلم، وفتح الباب؛ قل ذلك العمل أم كثر؟.

    وكل ما تعمد المرء عمله في صلاته مما لم يبح له عمله فيها بطلت صلاته بذلك قل ذلك العمل أم كثر؟.

    [10] قال في تفسيره (1/ 324) حالة الخوف الطارئة أحياناً، فرخص لعبيده في الصلاة رجالاً متصرفين على الأقدام، وركباناً على الخيل والإبل، ونحوه إيماء وإشارة بالرأس حيث ما توجه، هذا قول جميع العلماء.

    [11] قال في نهاية المطلب (2/ 590) الأصل الذي لا خلاف فيه أنَّ الصلاة تقام راكباً وماشياً.

    [12] قال في شرح مختصر الطحاوي (2/ 174) لا خلاف أنَّ استدبار القبلة والمشي جائزان في الصلاة في حال الخوف.

    [13] قال في تفسيره (3/ 146) إجماع العلماء أن يكون الإنسان حيثما توجه من السموت ويتقلب ويتصرف بحسب نظره في نجاة نفسه.

    [14] انظر: بحر المذهب (2/ 114) والمهذب مع المجموع (4/ 92).

    [15] انظر: نهاية المطلب في دراية المذهب (2/ 206) والعزيز شرح الوجيز (2/ 52).

    [16] رواه البخاري (513) ومسلم (513).

    [17] انظر: المسالك في شرح الموطأ (2/ 484) والتوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 404) وفتح الباري لابن رجب (9/ 329) وشرح أبي داود للعيني (3/ 281).

    [18] رواه البخاري (513) ومسلم (421).

    [19] انظر: أعلام الحديث (1/ 657) ونخب الأفكار (7/ 50) والتوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 408) والتوضيح لشرح الجامع الصحيح (9/ 278) وفتح الباري (2/ 170).

    [20] رواه البخاري (1211).

    [21] قال مسلم (401) حدثنا زهير بن حرب، حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا محمد بن جحادة، حدثني عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل، ومولى لهم أنَّهما حدثاه عن أبيه وائل بن حجر رضي الله عنه: أنَّه... " عفان هو ابن مسلم. وهمام هو ابن يحيى العوذى.

    [22] انظر: شرح مسلم للنووي (4/ 151).

    [23] رواه البخاري (917) ومسلم (544).

    الغابة: شمال المدينة تبعد عن المسجد (15) كم تقريباً وهي أرض سبخة وهي المعروف اليوم بالخُلْيل.

    [24] انظر: أعلام الحديث (1/ 359) وفتح الباري (2/ 400).

    [25] رواه البخاري (461) ومسلم (541).

    يفتك:أصل الفتك مجىء الإنسان إلى آخر على غرة وغفلة فيقتله. فذعته: خنقته.

    [26] انظر: شرح البخارى لابن بطال (3/ 200).

    [27] رواه البخاري (516) ومسلم (543).

    [28] انظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 145) والإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 152).

    [29] قال في التمهيد (20/ 95) أجمع العلماء أنَّ العمل الخفيف في الصلاة لا يفسدها مثل حك المرء جسده حكاً خفيفاً وأخذ البرغوث وطرده له عن نفسه والإشارة والالتفات الخفيف والمشي الخفيف إلى الفرج ودفع المار بين يديه وقتل العقرب وما يخاف أذاه بالضربة الواحدة ونحوها مما يخف والتصفيق للنساء ونحو هذا كله ما لم يكن عملاً متتابعاً.

    وانظر: التمهيد (14/ 155) والاستذكار (2/ 349).

    [30] قال في بحر المذهب (2/ 114) العمل القليل لا يبطل الصلاة عامداً كان أو ساهياً، وهذا إجماع.

    [31] قال في المسالك شرح الموطأ (3/ 203) جواز العمل الخفيف في الصلاة، والعلماء يجمعون على جوازه.

    [32] قال في البيان (2/ 315) إنَّ عمل في الصلاة عملاً ليس من جنسها... فإن كان قليلاً، مثل: دفع المار بين يديه، وفتح الباب، وخلع النعل، وإصلاح الرداء عليه، والحمل، أو الوضع، أو الإشارة، وما أشبه ذلك.. لم تبطل صلاته... وهو إجماع لا خلاف فيه.

    [33] قال في شرح البخارى (2/ 145) العمل الخفيف فى الصلاة العلماء مجمعون على جوازه.

    [34] قال في العزيز (2/ 54): أجمعوا على أنَّ الكثير إنَّما يبطل بشرط أن يوجد على التوالي.

    ويحتمل كلامه عموم أهل العلم أو الشافعية خاصة والله أعلم.

    [35] قال في روضة الطالبين (1/ 293) اتفقوا على أنَّ الكثير منه يبطل الصلاة والقليل لا يبطل... ثم أجمعوا على أنَّ الكثير إنَّما يبطل إذا توالى.

    [36] قال في نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد ص:(280) لا خلاف فيه في الشيء اليسير من العمل بل حكى صاحب الشامل الإجماع على أنَّ تعمد الفعل اليسير لا يقطع الصلاة كدفع المصلي من يمر بين يديه.

    [37] قال في البحر الرائق (2/ 19) اتفقوا على أنَّ الكثير مفسد والقليل لا لإمكان الاحتراز عن الكثير دون القليل فإنَّ في الحي حركات من الطبع وليست من الصلاة فلو اعتبر العمل مفسداً مطلقاً لزم الحرج في إقامة صحتها.

    [38] قال في الروضة الندية ـــ مع تعليقات الألباني - (1/ 309) اتفقوا على أنَّ العمل اليسير لا يبطل الصلاة.

    [39] انظر: المبسوط (1/ 352) والبحر الرائق (2/ 26،37) والبناية (2/ 522) والدر المختار (2/ 423).

    [40] انظر: الشرح الكبير (1/ 254) ومواهب الجليل (2/ 258) والتاج والإكليل (2/ 317) ومنح الجليل (1/ 163).

    [41] انظر: أسنى المطالب (1/ 183) وتحفة المحتاج (1/ 237) ونهاية المحتاج (2/ 58) وتحفة الحبيب (2/ 258).

    [42] انظر: الكافي (1/ 171) والمغني (1/ 661) والإنصاف (2/ 129) وكشاف القناع (1/ 398).

    [43] انظر: مجموع الفتاوى (22/ 560).

    [44] انظر: الشرح الممتع (3/ 356).

    [45] انظر: القواعد والأصول الجامعة ص:(138) والإرشاد إلى معرفة الأحكام ص:(51).

    [46] رواه البخاري (751).

    [47] رواه أبو داود (916) والنسائي في الكبرى (8870) بإسناد صحيح.

    وانظر غاية المقتصدين شرح منهج السالكين (1/ 291). والتثويب بالصلاة: أي الإقامة.

    [48] رواه البخاري (783).

    [49] انظر: نهاية المطلب (2/ 205).

    [50] رواه البخاري (1207) ومسلم (546).

    [51] انظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح (9/ 292).

    [52] رواه البخاري في مواضع منها (138) ومسلم (186) (763) وتقدم تخريجه.

    [53] تستحب الحركة في الصلاة عند الأحناف ومن ذلك:

    1: إذا أتى مصلٍ ثالث يتأخر المأموم أو يتقدم الإمام وهذا على سبيل الاستحباب فلو وقف أحدهما عن يمين الإمام والآخر عن شماله فصلاتهم صحيحة في مذهب الأئمة الأربعة.

    2: إذا سقطت قلنسوة المصلي أو عمامته في الصلاة فالأفضل عندهم إعادتها.

    انظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 111) والدر المختار مع حاشية ابن عابدين (2/ 408) ومعارف السنن (2/ 315).

    3: يستحب رد المار بين يدي المصلي وسترته عند بعض الأحناف. انظر: المبسوط (1/ 349) والبناية (2/ 517).

    4: الأفضل تسوية الحصا في الصلاة إذا كان لإصلاح صلاته عند بعض الأحناف. انظر: البحر الرائق (2/ 35).

    [54] تستحب الحركة في الصلاة عند المالكية ومن ذلك:

    1: تأخر المأموم إذا أتى ثانٍ مع جواز مصافة الإمام والتقدم عليه عندهم وتقدمت تأتي المسألتان.

    2: يندب رد السترة التي بين يدي المصلي إذا سقطت.

    انظر: الشرح الكبير (1/ 280) ومنح الجليل (1/ 181) وحاشية العدوي على شرح خليل للخرشي (2/ 38) وحاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 254).

    3: يندب رد الرداء إذا سقط عن منكبيه.

    انظر: الشرح الكبير (1/ 280) ومنح الجليل (1/ 181) وحاشية العدوي على شرح خليل للخرشي (2/ 38) وحاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 254).

    [55] تستحب الحركة في الصلاة عند الشافعية ومن ذلك:

    1: رد المار بين المصلي وسترته.

    انظر: العزيز (2/ 55) والمجموع (3/ 249) وتحفة المحتاج (1/ 236) ونهاية المحتاج (2/ 54).

    2: يندب قتل الحية والعقرب في الصلاة.

    انظر: المجموع (4/ 105) وأسنى المطالب (1/ 183) ومغني المحتاج (1/ 282) وحاشية القليوبي (1/ 279).

    3: يستحب للمرأة التنبيه بالتصفيق.

    انظر: أسنى المطالب (1/ 181) وتحفة المحتاج (1/ 232) ومغني المحتاج (1/ 280) وحاشية القليوبي وعميرة (1/ 278).

    [56] تستحب الحركة في الصلاة عند الحنابلة ومن ذلك:

    1: يستحب تأخر المأموم عن الإمام إذا أتى ثالث مع جواز صلاة أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله عندهم تقدم يأتي.

    2: يستحب رد المار بين يدي المصلي.

    انظر: الإنصاف (2/ 93) وكشاف القناع (1/ 375) وشرح منتهى الإرادات (1/ 260) ومطالب أولي النهى (1/ 481).

    [57] انظر: الشرح الممتع (3/ 356).

    [58] انظر: القواعد والأصول الجامعة ص:(138) والإرشاد إلى معرفة الأحكام ص:(51).

    [59] رواه البخاري (509) ومسلم (505).

    [60] انظر: الاستذكار (2/ 273) والتوضيح لشرح الجامع الصحيح (6/ 62) وكشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 147) والعزيز شرح الوجيز (2/ 55) وأسنى المطالب (1/ 183) وتحفة المحتاج (1/ 236) ومغني المحتاج (1/ 283).

    [61] انظر:

    [62] انظر: إكمال المعلم (3/ 120) والتوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 404) ومنح الجليل (1/ 181).

    [63] انظر: نية الإمامة.

    [64] انظر: شرح أبي داود للعيني (3/ 164).

    [65] تجب الحركة في الصلاة عند الأحناف ومن ذلك:

    1: إذا أخطأ القبلة وعلم في الصلاة يجب أن يستدير لها وإلا فسدت صلاته.

    انظر: الهداية (1/ 49) ومنية المصلي ص:(161) والجوهرة النيرة (1/ 133) وحاشية ابن عابدين (2/ 116).

    2: إذا انكشفت عورته ولم يغطها في الحال فسدت صلاته.

    انظر: فتح القدير (1227) ومنية المصلي ص:(158) وتبيين الحقائق (1/ 256) وحاشية ابن عابدين (2/ 82).

    3: إذا أصابته نجاسة ولم يلقها فسدت صلاته.

    انظر: منية المصلي ص:(158) وبدائع الصنائع (1/ 221) والمحيط البرهاني (1/ 486) وحاشية ابن عابدين (2/ 82).

    [66] تكون الحركة في الصلاة واجبة عند المالكية ومن ذلك:

    1: إذا تبين للأعمى أنَّه منحرف عن القبلة انحرافاً كثيراً يستقبل القبلة وتصح صلاته وإلا فسدت.

    انظر: الشرح الكبير (1/ 227) والشرح الصغير (1/ 198) وشرح الخرشي على خليل (1/ 510) ومنح الجليل (1/ 143).

    2: إذا سقطت عليه نجاسة غير معفو عنها، وكان قادراً على إزالتها ـــ بشروطهم ــــ ولم يزلها بطلت صلاته.

    انظر: التلقين ص:(34) وشرح التلقين (2/ 660) والفواكه الدواني (1/ 358) وشرح زروق على الرسالة (1/ 226).

    3: إذا تعمد ترك تغطية العورة بعد انكشافها بطلت صلاته.

    انظر: التلقين ص:(34) وشرح التلقين (2/ 660) ومواهب الجليل (2/ 179).

    [67] تجب الحركة في الصلاة عند الشافعية ومن ذلك:

    1: إذا تبين خطؤه في القبلة استدار إليها وبنى على صلاته وإلا بطلت.

    انظر: روضة الطالبين (1/ 219) وتحفة المحتاج (1/ 178) ومغني المحتاج (1/ 215) ونهاية المحتاج (1/ 447).

    2: إذا انكشفت عورته فسترها في الحال لم تفسد صلاته وإلا فسدت.

    انظر: نهاية المطلب (2/ 198) والعزيز (2/ 6) وروضة الطالبين (1/ 272) وتحفة المحتاج (1/ 221).

    3: لو قعت عليه نجاسة فزالت في الحال لم تفسد صلاته وإلا فسدت.

    انظر: العزيز (2/ 6) والمهذب مع المجموع (4/ 76) وروضة الطالبين (1/ 272) وتحفة المحتاج (1/ 221).

    [68] تجب الحركة في الصلاة عند الحنابلة ومن ذلك:

    1: لو انكشفت عورته فغطاها سريعاً لم تفسد صلاته وإلا فسدت.

    انظر: كشاف القناع (1/ 269) وشرح منتهى الإرادات (1/ 188) ومعونة أولي النهى (2/ 13) ومطالب أولي النهى (1/ 333).

    2: لو سقطت عليه نجاسة فأزالها سريعاً لم تفسد صلاته وإلا فسدت.

    انظر: كشاف القناع (1/ 290) وشرح منتهى الإرادات (1/ 201) ومعونة أولي النهى (2/ 46) ومطالب أولي النهى (1/ 363).

    3: إذا تبين خطؤه في القبلة أثناء الصلاة لزمه التوجه لها وإلا فسدت صلاته.

    انظر: كشاف القناع (1/ 312) وشرح منتهى الإرادات (1/ 215) ومعونة أولي النهى (2/ 75) ومطالب أولي النهى (1/ 393).

    [69] من الحركة الواجبة عند ابن حزم:

    1: رد المار بين يدي المصلي. انظر: المحلى (3/ 87).

    2: ما يتأذى به في الصلاة. انظر: المحلى (3/ 84،86).

    3: إنكار المنكر في الصلاة. انظر: المحلى (3/ 91).

    [70] انظر: الشرح الممتع (3/ 356).

    [71] انظر: القواعد والأصول الجامعة ص:(138) والإرشاد إلى معرفة الأحكام ص:(51).

    [72] رواه البخاري (403) ومسلم (526).

    [73] رواه أحمد (10769) (11467) وأبو داود (650) بإسناد صحيح.

    وانظر: غاية المقتصدين شرح منهج السالكين (1/ 32).

    [74] انظر: المبسوط (1/ 352) وفتح القدير (1/ 351) والبناية (2/ 505) وحاشية ابن عابدين (2/ 403).

    [75] انظر: الشرح الكبير (1/ 280) ومختصر ابن الحاجب وشرحه التوضيح (1/ 404) والقوانين الفقهية ص:(60) ومنح الجليل (1/ 181).

    [76] انظر: نهاية المطلب (2/ 207) والبيان (2/ 315) والمجموع (4/ 93) وأسنى المطالب (1/ 182).

    [77] انظر: المغني (2/ 79) والممتع (1/ 460) والإنصاف (2/ 129) وكشاف القناع (1/ 398).

    [78] انظر: مجموع الفتاوى (23/ 227).

    [79] انظر: الشرح الممتع (3/ 356).

    [80] انظر: القواعد والأصول الجامعة ص:(138) والإرشاد إلى معرفة الأحكام ص:(51).

    [81] رواه مسلم (1718).

    [82] قال في الاستذكار (2/ 349) أجمع العلماء أنَّ العمل الكثير الذي يبين به ترك الصلاة له لا يجوز وكذلك فهو مفسد للصلاة.

    وانظر: التمهيد (20/ 95).

    [83] قال في المسالك شرح الموطأ (3/ 203): العمل الكثير لا يجوز، وأنَّ ذلك مفسد للصلاة.

    [84] قال في مراتب الإجماع ص: (27) اتفقوا أنَّ الأكل والقهقهة والعمل الطويل بما لم يؤمر به فيها ينقضها إذا كان تعمد ذلك كله وهو ذاكر.

    [85] قال في شرح البخارى (3/ 200) أجمعوا أنَّ الكثير منه لا يجوز.

    [86] قال في إكمال المعلم (2/ 419) اتفقوا على أنَّه لا يجوز له المشي من مقامه إلى رده والعمل الكثير فى مدافعته.

    [87] قال في الكافي (1/ 164) إن كثر متوالياً أبطل الصلاة إجماعاً، وإن قل لم يبطلها.

    [88] قال في نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد ص:(280) الفعل الكثير إن كان عمداً أبطل الصلاة بالإجماع في حال الاختيار إلا في صورة واحدة عند من يقول بها [البناء على الصلاة إذا أحدث].

    [89] قال في روضة الطالبين (1/ 293) اتفقوا على أنَّ الكثير منه يبطل الصلاة والقليل لا يبطل.

    [90] قال في مجموع الفتاوى (23/ 227) العمل الكثير فإنَّه لا يجوز لغير عذر بالاتفاق.

    [91] قال في التوضيح (9/ 298) اغتفار العمل اليسير في الصلاة دون الكثير، والإجماع قائم على أنَّه غير جائز.

    [92] قال في الفتح (3/ 83) أجمع الفقهاء على أنَّ المشي الكثير في الصلاة المفروضة يبطلها.

    [93] قال في المبدع (1/ 164) (فإن طال) أي: كثر (الفعل)... متوالياً (أبطلها) إجماعاً.

    [94] قال في الإنصاف (2/ 129) الصلاة تبطل بالعمل الكثير عمداً، بلا نزاع أعلمه.

    [95] قال في البحر الرائق (2/ 19) اتفقوا على أنَّ الكثير مفسد.

    [96] انظر: الممتع شرح المقنع (1/ 460) والمبدع (1/ 164).

    [97] العزيز (2/ 52).

    تنبيه: قال ابن حزم في المحلى (3/ 94) كل من فرق بين قليل العمل وكثيره فلا سبيل له إلى دليل على ذلك، ولا بد له ضرورة من أحد أمرين لا ثالث لهما: إمَّا أن يحد في ذلك برأيه حداً فاسداً ليس هو أولى به من غيره بغير ذلك التحديد، فيحصل على التحكم بالباطل، وأن يشرع في الدين ما لم يأذن به الله، وإمَّا أن لا يحد في ذلك حداً، فيحصل على أقبح الحيرة في أهم أعمال دينه، وعلى أن لا يدري ما تبطل به صلاته مما لا تبطل به، وهذا هو الجهل المتعوذ بالله منه؟.

    وهذا تماشياً مع مذهبه في عدم اعتبار القياس وإن كان يرى جواز بعض الحركات التي لم يرد فيها نص كالتروح من الحر في الصلاة لدخولها في عموم نصوص رفع الحرج ويرى وجوب دفع ما يؤذيه ليتفرغ لصلاته. انظر: المحلى (3/ 84).

    فأهل العلم لم يعتدوا بخلافه في مسألة الحركة لشذوذه ونقلوا الإجماع.

    [98] التمهيد (20/ 99).

    [99] شرح صحيح البخاري (3/ 200).

    [100] انظر: المحيط البرهاني (1/ 395).

    [101] انظر: المحيط البرهاني (1/ 395) وفتح القدير (1/ 351) والبحر الرائق (2/ 20).

    قال ابن عابدين في حاشيته (2/ 390) ليس الاعتماد عليه.

    [102] انظر: المبدع (1/ 164).

    قال ابن رجب في الفتح (6/ 204) الصحيح عند أصحابنا أنَّه يرجع فيه إلى عرف الناس من غير تقدير له بمرة أو مرتين. ومنهم من قدره بالمرة والمرتين، وجعل الثلاث في حد الكثرة، وكلام أحمد مخالف لهذا مع مخالفته للسنن والآثار الكثيرة.

    [103] قال النووي في روضة الطالبين (1/ 293ـــ294) والثلاث: كثير قطعاً... ثم المراد بالفعلة الواحدة التي لا تبطل، ما لم يتفاحش، فإن أفرطت كالوثبة الفاحشة أبطلت قطعاً وكذا قولهم: الثلاث المتوالية تبطل أراد: والخطوات ونحوها فأمَّا الحركات الخفيفة، كتحريك الأصابع في سبحة، أو حكة، أو حل وعقد، فالأصح: أنَّها لا تضر وإن كثرت متوالية والثاني: تبطل كغيرها.

    وانظر: العزيز (2/ 54) وأسنى المطالب (1/ 183) ونهاية المحتاج (2/ 51).

    [104] انظر: المغني (2/ 79).

    [105] انظر: المغني (2/ 79) وفتح الباري لابن رجب (6/ 205) ورياض الأفهام شرح عمدة الأحكام (2/ 616).

    [106] انظر: روضة الطالبين (1/ 293).

    [107] استغربه الرافعي في العزيز (2/ 53) وذكره النووي في روضة الطالبين (1/ 293) وقال في المجموع (4/ 93) وهو ضعيف أو غلط.

    [108] انظر: المبسوط (1/ 353) والمحيط البرهاني (1/ 395) وفتح القدير (1/ 351) وحاشية ابن عابدين (2/ 285).

    [109] انظر: المجموع (4/ 93) وروضة الطالبين (1/ 293). واستغربه الرافعي في العزيز (2/ 53).

    [110] انظر: البحر الرائق (2/ 20).

    [111] انظر: المحيط البرهاني (1/ 395) والبحر الرائق (2/ 24) وحاشية ابن عابدين (2/ 385).

    [112] انظر: المبسوط (1/ 353) والمحيط البرهاني (1/ 395) وفتح القدير (1/ 351) والبحر الرائق (2/ 20).

    [113] انظر: عقد الجواهر الثمينة (1/ 118) والذخيرة (1/ 513) وبلغة السالك (1/ 231) وحاشية البناني على شرح الزرقاني لخليل (1/ 431).

    [114] انظر: نهاية المطلب (2/ 207) والعزيز (2/ 53) والمجموع (4/ 93) وروضة الطالبين (1/ 293).

    [115] انظر: المبدع (1/ 164).

    [116] انظر: العزيز شرح الوجيز (2/ 53) والمجموع (4/ 93) وروضة الطالبين (1/ 293).

    [117] انظر: المحيط البرهاني (1/ 395).

    [118] انظر: نهاية المطلب (2/ 206) والعزيز (2/ 53) والمجموع (4/ 93) وأسنى المطالب (1/ 183).

    [119] انظر: الكافي (1/ 164) والمغني (2/ 79) والممتع (1/ 485) والمبدع (1/ 164).

    [120] البحر الرائق (2/ 24).

    [121] الممتع (1/ 485).

    [122] المغني (2/ 79).

    [123] انظر: التجريد (2/ 716) والجوهرة النيرة (1/ 199) والبحر الرائق (2/ 175) والبناية (2/ 730).

    [124] انظر: الشرح الكبير (1/ 284) والشرح الصغير (1/ 254) وشرح الخرشي على خليل (2/ 38) ومنح الجليل (1/ 181).

    [125] انظر: البيان (2/ 334) وتحفة المحتاج (1/ 242) ومغني المحتاج (1/ 291) ونهاية المحتاج (2/ 70).

    [126] انظر: الكافي (1/ 164) والممتع (1/ 486) والإنصاف (2/ 129) وكشاف القناع (1/ 398).

    [127] انظر: الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/ 280) ومغني المحتاج (1/ 291) والممتع شرح المقنع (1/ 486) وكشاف القناع (1/ 398).

    [128] انظر: الإنصاف (2/ 129) والكافي (1/ 165).

    [129] قال في المحلى (3/ 73): كل ما فعله المرء ناسياً في صلاته ما لم يبح له فعله: فصلاته تامة، وليس عليه إلا سجود السهو فقط؛ قل ذلك العمل أم كثر.

    [130] انظر: كشاف القناع (1/ 398).


    الشيخ أحمد الزومان
    شبكة الالوكة


  3. وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281).
    المؤمن الصادق لا يفعل شيئاً إلا وهو يراقب الله تعالى :
    قال تعالى:
    ﴿ وَأَنْ تَصَدَّقُوا ﴾
    بأن تنزلوا عن بعض هذا المال للمَدين المُعْسر..
    ﴿ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون* وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾
    أي يجب أن تعلم علم اليقين أنه لا بد من أن تقف يوم القيامة بين يدي الله لتحاسب على كل حركةٍ، وعلى كل سكنةٍ، وعلى كل نفقةٍ، وعلى كل كسبٍ فعلته في الدنيا، وهذا هو يوم الدين يوم الجزاء، فالإنسان الذي يؤمن أنه سيحاسب يستقيم في الدنيا، سيدنا عمر يقول: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزَن عليكم.

    ﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾
    نحن في دار عملٍ ولا جزاء، ونحن قادمون على دار جزاءٍ ولا عمل، نحن في دار هدنةٍ وانقطاع، العام الدراسي عام هُدْنَة، الطالب يدرس أو لا يدرس، يجتهد أو لا يجتهد، هو في بحبوحة، أما بالامتحان فيتميز الناس، الامتحان يفرز الطلاَّب، ونحن في زمن هدنةٍ وانقطاع، الموت يقطع هذه الهدنة، وخلال فترة الهدنة مسموح لنا أن نفعل، فالمرء مخير، وكل شيء بحسابه:
    ﴿ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ﴾
    [سورة فصلت: 40]

    لكن المؤمن الصادق لا يفعل شيئاً إلا وهو يراقب الله تعالى، إن فعلت هذا هل يرضى الله عني، أم لا يرضى عني؟ ماذا أفعل؛ أقْدِم أم أحْجِم؟ في حوار مع نفسه، وهذه الآية من أدق الآيات في كتاب الله، وقيل إنها آخر آية نزلت في القرآن الكريم..
    ﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾

  4. إذا كنت تشعر أن عام 2020 كان عاماً شديداً عليك
    مليئاً بالإبتلاءات والكوارث والأزمات والأمراض
    فتذكر عام الحزن الذي عاشه النبي صلّى الله عليه وسلم
    عام واحد تجمّع فيه الفقد والحزن والهمّ والعجز مرة واحدة على قلب سيد الخلق وحبيب الحق
    عام فقد فيه زوجته خديجة التي واسته بنفسها ومالها ووقفت معه ساعة الشِدّة .
    عامٌ فقد فيه عمه أبو طالب الذي كان يحوطه ويدافع عنه ويغضب له .
    عام فقد فيه السند الداخلي والخارجي
    عام بكى فيه وشكى لله ضعف قوته وقلّة حيلته
    عام سار فيه وحيداً من مكة للطائف لعلّ رجلاً واحداً يؤمن به
    عام لم ينظر فيه سوى لله
    عام لم ينتظر فيه الفرج إلا من الله
    ثم بعد كل هذا الصبر جاءته البشرى برحلةٍ إلى السماء، رحلة الإسراء والمعراج، التي كانت مسحاً لجراح الماضي، وتثبيتاً لقلبه صلى الله عليه وسلم
    بأن الله معه بالرعاية والعناية، وأنه كرّمه تكريماً فريداً من نوعه، وعرّفه بأنه سيد ولد آدم .
     
    لذا علينا أن نتعلم مما يجري الآن، أن للمحن والمصائب حكماً جليلة، منها :
    أنها تسوق أصحابها إلى باب الله تعالى
    وتلبسهم رداء العبودية
    وتُلجئهم إلى طلب العون من الله
    تعلمنا أنه مادام الله هو الآمر فلا شك أنه هو الضامن والحافظ والناصر
    تعلمنا أن اليسر مع العسر
    وأن النصر مع الصبر
    وأن الفرج مع الكرب
    تعلمنا أن نؤمن بأن هناك جزاء ، بعد الصبر على كل بلاء
     
     
    ..............
     

     

    لا تدع الناس يخبروك عمّن يكرهك أو من يتكلم عنك
    قل لهم : أتركوني أُحب الجميع، وأظنّ أن الجميع يُحبني .
    فرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بُعث رحمةً العالمين كان يقول :
    ( أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصَدر )
     
     

     

    كان أجدادنا يُسمّون الشكر بـ : ( الحافظ والجالب )
    لأنه يحفظ النِعَم الموجودة
    و يجلب النِعَم المفقودة
    وكانوا يقولون : قيّدوا نِعَم الله بالشكر
     
     

     

    عاش المسلمون قروناً بلا مكبرات للصوت في المساجد،
    ولا منبهات في البيوت، ولم تنقطع صلاة الفجر يوماً !
    كانت منبهاتهم قلوبهم

     

     

     

    ( حُب الظهور .. يقصِم الظهور )
    أحياناً ينشأ لدى الإنسان رغبة لإظهار ما عنده للناس :
    بيته ، أثاث بيته ، ثريات بيته ، سجاده ، مركبته ، أمواله ، رحلاته ، موائده ، حفلة زواجه ، هداياه ، هواتفه ، ملابسه ، مجوهراته ..
    هذه الرغبة غير مشروعة ، لأن الله تعالى وصف قارون بأنه خرج على قومه بزينته ، فقال تعالى :
    ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾
    ثم قال تعالى :
    ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾
    يقول سيدنا علي رضي الله عنه :
    ( في آخر الزمان ، قيمة المرء متاعه )
    للأسف ..
    يستمد الإنسان اليوم قيمته الإجتماعية من مساحة بيته ، ومن ثمن بيته ، ومن موقع بيته ، ومن أناقة بيته ، ومن نوع سيارته ، ومن رقم سيارته ، ومن نوع هاتفه ، ومن رقم هاتفه ، ومن حجم ماله ..
    أما القيم والأخلاق فهي للأسف منعدمة .. (ولا نعمّم )

     

     

     

    image.png


  5. السؤال رقم (22) :
    إحدى الصلوات المكتوبة سماها الله تعالى في كتابه قرآنًا ..
    ما هذه الصلاة؟.. ولماذا سماها ربنا قرآنًا؟.. وفي أي سورة وردت؟..

    الجواب :
    قوله تعالى: { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)}(الإسراء)
    يقول الإمام ابن باز رحمه الله :المراد بذلك صلاة الفجر عند أهل العلم .. ّ سماها قرآنًا؛ لأنه يطول فيها القراءة ..
    ومعنى مشهودا يعني تشهده ملائكة الليل وملائكة الليل يجتمعون في صلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فينا إلى السماء ويبقى الذين نزلوا بعمل النهار، وقال بعض أهل العلم يشهده الله وملائكته، لكن المشهور هو الأول لكون ملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون هذه الصلاة. انتهى ..
    وتلحظون أن كلمة { قُرْآنَ } جاءت منصوبة على الإغراء { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } أي عليك بقرآن الفجر (صلاتها) .

    السؤال رقم (23) :
    سورة الكهف سورة عظيمة مقصودها الوقاية من الفتن المختلفة ..
    ما هي الفتن التي وردت في هذه السورة ؟..

    الجواب :
    الفتن التي ذكرت في سورة الكهف هي :
    1 ) فتنة الدين ومثل لها بقصة أصحاب الكهف ..
    2 ) فتنة المال ومثل لها بقصة صاحب الجنتين ..
    3 ) فتنة العلم والمعرفة ومثل لها بقصة موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام..
    4 ) فتنة الجاه والسلطان وقص في ذلك قصة ذي القرنين .. ُ

    يقول الشيخ عبد الله الحكَمـة - حفظه الله - : من أوجه مناسبة اسم ُّ السورة لمضمونها ؛ التناسب القائم بين سورة الكهف ومضمونها ، ذلك أن من شأن الكهف وقاية ُمن بداخله من الغبار والمطر والبرد والهوام وغير ذلك، وكذلك سورة ُ الكهف جاءت فيها سبل الوقاية من الفتن .
    من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصِم من فتنة الدجال (رواه ُ مسلم وغيره) .

     

    السؤال رقم (24) :
    في الجزء السادس عشر آية جمعت أنواع التوحيد الثلاثة :
    توحيد الربوبية -
    ـ وتوحيد الإلوهية
    ـ- وتوحيد الأسماء والصفات ..
    فما هذه الآية وفي أي سورة وردت ؟ واستخرجوا منها جميع أنواع التوحيد الثلاثة

    الجــواب :
    هي قوله تعالى: { رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)}(مريم)
    - توحيد الربوبية في قوله: { رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }
    - وتوحيد الإلوهية: { فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ }
    - وتوحيد الأسماء والصفات: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }.

    كما أن سورة الفاتحة شملت أيضًا أنواع التوحيد الثلاثة :
    - فتوحيد الربوبية في قوله: { ... رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}
    - وتوحيد الألوهية: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ ... (5)}
    - وتوحيد الأسماء والصفات: { الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3)}

    السؤال رقم (25) :
    يقول هرم بن حيان رحمه الله : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه ، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم . في سورة مريم آية تدل على هذا المعنى .. فما هذه الآية؟

    الجواب :
    قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)}
    فعن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
    قال: إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إني قد أحببت فلانا، فأحبه، فينادي في السماء، ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قول الله { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا }
    رواه مسلم والترمذي ..

     

    السؤال رقم (26) :
    من هو النبي الذي ما رآه أحد إلا أحبه؟ وما الآية التي تدل على هذا؟..

    الجواب :
    النبي هو موسى .. والدليل قوله تعالى في سورة طه:

    { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)….}
    قال ابن عباس: أحبه وحببه إلى خلقه
    وقال عكرمة: ما رآه أحد إلا أحبه
    وقال قتادة: ملاحة كانت في عيني موسى ، ما رآه أحد إلا عشقه

    السؤال رقم (27) :
    آية في سورة طه بينت أن الصلاة سبب لجلب الرزق وسعته .. فما هذه الآية ؟..

    الجـواب :

    قوله تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)}
    وقد كان بعض السلف إذا ضاق رزقه فزع إلى الصلاة ، ويتأول هذه الآية ، ومن تدبر هذه الآية وجد فيها منهجًا تربويًا لا يصبر عليه إلا أولو العزائم { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } فتأمل في كلمة { وَاصْطَبِرْ } ففيها صبر خاص ..

     


    السؤال رقم (28) :
    الاعتكاف عبادة عظيمة .. وهو لزوم المسجد لعبادة الله وطاعته والتذلل له قال تعالى في سورة البقرة: { ... وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ...(187)} .
    فهل يكون الاعتكاف في الشر ؟.. وما الدليل ؟.

    الجواب :
    الاعتكاف هو: ً ملازمة الشيء والمواظبة والإقبال والمقام عليه خيرا كان أو ًشرا، هذا من ناحية اللغة ..
    والدليل قوله تعالى: { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)}(الأنبياء)
    مع أنها أصنام وسمى فعلهم عكوفًا ..
    وأيضًا: { ... وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) } (طـه) هذا كلام موسى للسامري، مع أنه في الشر وسمي اعتكافًا، وغيرها من الآيات ..

    السؤال رقم (29):
    في الجزء السابع عشر ذكر الله تعالى ما أصاب أنبياءه من الابتلاءات وشدة َ تضرعهم لربهم واستجابته لدعواتهم .. ثم جلى لنا بعد هذا أسباب استجابته لدعائهم ..
    ما الآية التي ذكرت هذه الأسباب ؟

    الجــواب :
    قوله تعالى في سورة الأنبياء: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
    فقد ذكر الله تعالى ثلاثة أسباب لإجابته دعاء أنبيائه وشدة تضرعهم، وسرعة استجابته لدعاء كل واحد منهم، والذي صدره بالفاء الفورية فقال: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ*}!!.. وهذه الأسباب هي
    1 - { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ }
    2 - { وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا } .
    3 - { وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } .
    ففيها عناية بأعمال الجوارح :
    { يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ }
    { وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا }
    وكذا أعمال القلوب :
    { وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }
    وتأمل في قوله: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } قال: { يُسَارِعُونَ } ولم يقل يسرعون لأن زيادة المبنى دليل على زيادة المعنى
    وقال: { فِي الْخَيْرَاتِ } ولم يقل إلى الخيرات لأنهم أحاطوا أنفسهم بالخير فكانوا فيه ..
    وقال: { الْخَيْرَاتِ } ولم يقل الخير للجمع والتكثير .. فهي آية عظيمة جديرة بالتأمل والتطبيق
    { فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ (90)}(الأنعام).

     

    السؤال رقم (30) :
    لماذا بدأت سورة الحج بالتأكيد على عظم زلزلة الساعة : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)} ؟
    الجــواب :
    بدأت سورة الحج بالتأكيد على عظم زلزلة الساعة دلالة على الارتباط الوثيق بين الموقفين: الحج والقيامة ..
    يقول الشيخ ناصر العمر: ختمت آيات الحج في سورة البقرة بذكر الحشر { ... وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}، وبدأت سورة الحج بذكر زلزلة الساعة !.. وهذا يدل على ما في الحج من مشاهد وأعمال تذكر بالحشر والنشور فابتداء الحج بالإحرام يذكر بالكفن ، والموت أول خطوة نحو القيامة ، ثم تتوالى المشاهد والقرائن ، فهل من معتبر ؟؟
    أعاننا الله على أهوال ذلك اليوم


  6. آية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله، وهي تشتمل على عشر جمل، نذكر تفسيرها باختصار فيما يلي: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾؛ أي: الله لا معبود بحق إلا هو سبحانه، فلا أحد كائنًا مَن كان يشاركه في استحقاق العبادة.

     

    ﴿ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾: اسمان من أسماء الله الحسنى، فهو الحي حياة كاملة لم يتقدمها عدم، ولا يلحقها موت، القيوم بمعنى القائم بنفسه، والمقيم لجميع خلقه بالإيجاد والرزق والتدبير، فهو الغني عن جميع خلقه، والخلق فقراء إليه، فلا يستغني أحد من الخلق عن الله؛ كما قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، وقال عز وجل: ﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾ [هود: 56]، وقال عز وجل: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ﴾ [الروم: 25].

     

    ﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾: الله سبحانه لا ينعس ولا ينام، لكمال حياته وكمال صفاته.

     

    ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾: هذا بيان سَعة ملك الله، فكل ما في السماوات وما في الأرض عبيد لله، مملوكون له، وهو المتصرف وحده في جميع خلقه بمشيئته وحكمته.

     

    ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾؛ أي: من هذا الذي يَملِك الشفاعة عند الله إلا بإذن الله؟ فلا يجرؤ أحد يوم القيامة أن يتكلم إلا بإذن الله، ولا يشفع الملائكة والأنبياء والصالحون إلا بإذن الله لمن يريد أن يرحمهم؛ كما قال تعالى: ﴿ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴾ [النبأ: 37، 38]، وقال سبحانه: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم: 26]، وقال عز وجل: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [الأنبياء: 28].

     

    ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾: هذا بيان سعة علم الله، فهو يعلم الحاضر والماضي والمستقبل لكل مخلوق بالتفصيل، فلا يخفى عليه شيء من أحوال خلقه في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران: 5]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6]، وقال عز وجل: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد: 19]، فهو سبحانه يعلم مستقر كل مخلوق كبير أو صغير حال حياته، ويعلم مستودعَه في الأرض بعد موته، ويعلَم جميعَ أحوالنا التي نتقلب فيها في الدنيا، ويعلم مَثوى كل واحد منَّا في الآخرة في الجنة أو في النار، وكل ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ عنده؛ قال تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59].

     

    ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾: هذا بيان قلة علم المخلوقين بالنسبة إلى علم الله؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]، فالعباد لا يعلمون شيئًا من علم الله الواسع إلا بما شاء أن يُطلعَهم عليه، سواء من العلم الديني أو العلم الدنيوي، فمثلًا لا نعلم من أسماء الله الحسنى، ولا نعلم من قصص الأنبياء، إلا ما أطلعنا الله عليه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ﴾ [النساء: 164]، ولا نعلم من أسرار الطبيعة إلا ما شاء الله أن يُطلع العباد عليه في الوقت الذي يريده الله.

     

    ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾: هذا بيان عظمة الله سبحانه، فالكرسي مخلوق من مخلوقات الله، يسع السماوات السبع والأرض، فالسماء الدنيا التي زيَّنها الله بالنجوم تُحيط بالأرض من جميع جوانبها، والسماء الثانية تحيط بالسماء الأولى، وهكذا تحيط كل سماء بالسماء التي دونها، والكرسي فوق السماء السابعة، وفوقه العرش العظيم، وهو مستقر على ماء عظيم بقدرة الله؛ كما أخبرنا الله في قوله: ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾ [هود: 7]؛ أي: كان ولم يزل، وروى ابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/ 242)، والطبراني في المعجم الكبير (8987)، والبيهقي في الأسماء والصفات (8987) بإسناد حسن عن الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «ما بين السماء الدنيا التي تليها مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة والكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي والماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله عز وجل على العرش يعلم ما أنتم عليه»، ولا نعلم كيفية الكرسي ولا العرش، والذي نعلمه أنهما مخلوقان عظيمان، والعرش أعظم من الكرسي، وهو أعظم المخلوقات؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129].

     

    ﴿ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾؛ أي: ولا يُثقِل الله ولا يُتعِبه ولا يشق عليه حفظ السماوات السبع والأرض وما فيهما من الخلق؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾ [فاطر: 41]، وقال سبحانه: ﴿ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن: 29]، فهو يحيي ويميت، ويُقدِّر الأرزاق، ويجيب الدعوات، ويُقلِّب الليل والنهار، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، وهو أحكم الحاكمين في تدبير خلقه.

     

    ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾: اسمان من أسماء الله الحسنى، فالله هو العلي بذاته وقدْره وقهره، العظيم الذات والصفات، فهو أكبر من كل شيء، ولا شيء أعظم منه، فيجب على المسلم تعظيم الله، وتعظيم أمره ونهيه، وتعظيم شرعه، وطاعته والخوف من عقابه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67].

     

    ومثل اسم الله العلي الدال على عُلوِّ الله على خلقه اسمان آخران من الأسماء الحسنى، وهما: الأعلى والمتعال، والأدلة على علوِّ الله على خلقه علوًّا يليق بجلاله وعظمته كثيرة جدًّا، منها:

    قول الله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، وقوله سبحانه: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ [الملك: 16]، وقوله عز وجل: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر: 10]، وقوله جل شأنه: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ﴾ [الرعد: 9].

     

    وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟!))؛ رواه البخاري (4351)، ومسلم (1064).

     

    وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء))؛ رواه أبو داود (4941)، والترمذي (1924)، وصحَّحه هو والألباني.

     

    وعن معاوية بن الحكم السُّلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جاريته التي لطَمها، فقال لها: ((أين الله؟))، قالت: في السماء، قال: ((من أنا؟))، قالت: أنت رسول الله، فقال له: ((أعتقها، فإنها مؤمنة))؛ رواه مسلم (537).

     

    قال الإمامان أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان رحمهما الله: (أدركنا العلماء في جميع الأمصار، حجازًا وعراقًا، وشامًا ويَمنًا، فكان من مذهبهم أن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بلا كيف، أحاط بكل شيء علمًا, ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11])؛ ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة))؛ للالكائي (1/ 198).

     

    وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله: (أجمعوا على أنه عز وجل فوق سماواته على عرشه دون أرضه، وقد دل على ذلك بقوله: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ [الملك: 16])؛ ((رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب)) (ص: 131).

     

    وقال علامة اليمن السيد محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله: (قوله تعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ﴾ (في) هنا بمعنى فوق؛ كقوله: ﴿ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ [طه: 71]، ولا يحيط بالله شيء بالإجماع، وهي في الفوقية حقيقة لا مجاز، وآيات الاستواء توضح ذلك)؛ ((العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم)) (5/ 92).

     

    وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: (الله تعالى وصف نفسه بالعُلوِّ في السماء، ووصفه بذلك محمد خاتم الأنبياء، وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء، والأئمة من الفقهاء، وتواترت الأخبار بذلك على وجهٍ حصل به اليقين، وجمع الله تعالى عليه قلوب المسلمين، وجعله مغروزًا في طباع الخلق أجمعين)؛ ((إثبات صفة العلو)) (ص: 63)، ويُنظر: ((الرد على الجهمية))؛ لأحمد بن حنبل (ص: 146)، ((التوحيد))؛ لابن خزيمة (1/ 254 - 289)، ((رسالة في إثبات الاستواء))؛ للجويني (ص: 33)، ((التمهيد))؛ لابن عبدالبر (7/ 129)، ((جزء فيه ذكر اعتقاد السلف)) للنووي (ص: 68)، ((الحموية))؛ لابن تيمية (ص: 201)، ((العلو))؛ للذهبي (ص: 596)، ((شرح الطحاوية))؛ لابن أبي العز الحنفي (2/ 375 - 394).


     

    الشيخ : محمد بن علي بن جميل المطري

     


    شبكة الالوكة

  7. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

     1. من أُذل عنده مؤمن فلم ينصره:
     خرج الإمام أحمد من حديث أبي أمامة بن سهل بن حُنَيف عن أبيه عن النبي قال: «من أُذل عنده مؤمن فلم ينصره، و هو يقدر على أن ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة» (نيل الأوطار [6/76]). قال الإمام المناوي -رحمه الله- شارحاً هذا الحديث (في فيض القدير [6/ 46-47]): (من أُذِلَّ) بالبناء للمجهول (عنده) أي بحضرته أو بعلمه (مؤمن فلم ينصره) على من ظلمه (هو) أي والحال أنه: "يقدر على أن ينصره أذله اللّه على رؤوس الأشهاد يوم القيامة". 

    وخرج أبو داود من حديث أبي طلحة الأنصاري وجابر بن عبد الله، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
    «ما من امرئ مسلم يخُذلُ امرأً مسلماً في موطن تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يُحبٌّ فيه نُصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عِرضه، ويُنتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موضع يحبُ فيه نُصرته» (الترغيب والترهيب [3/201]). 

    فخذلان المؤمن حرام شديد التحريم دنيوياً كان -مثل أن يقدر على دفع عدوّ يريد أن يبطش به فلا يدفعه- أو دينياً. فانظر أخي المسلم، كم من المسلمين اليوم يحتاج نُصرتنا على مستوى العالم: - فمنهم من يُفتن في دينه -أعز شيء في حياة المؤمنين- ولم يجد من ينصره إلا من رحم الله، وبنظرة بسيطة إلى الفضائيات تجد ذلك واضحاً وضوح الشمس، بل وتجد من نصَّبه الله -عز وجل- لرفع راية الله، ومد يد العون لهؤلاء يُتهم في دينه بالإرهاب وتمويل الإرهابيين. - ومنهم من يُفتن في عرضه، وما يحدث في بلاد الرافدين ومسرى الرسول الكريم عنا ببعيد، وتشتكي أرحام المؤمنات من أولاد السفاح!، بل وتعرض الرجال أيضاً لهذه الأفعال الشائنة. - ومنهم ومنهم.. اللهم لا تؤاخذنا بمن لا نستطيع نصرتهم 



    2. المرائي ينادى به يوم القيامة على رؤوس الخلائق بأربعة أسماء:

     ففي الحديث: إن قائلاً من المسلمين قال: "يا رسول الله ما النجاة غداً؟"، قال: «لا تخدع الله»، قال: "وكيف نخادع الله؟"، قال: «أن تعمل بما أمرك به تريد به غيره، فاتقوا الرياء فإنه الشرك بالله، فإن المرائي ينادى به يوم القيامة على رؤوس الخلائق بأربعة أسماء.يا كافر، يا فاجر، يا خاسر، يا غادر. ضل عملك، وبطل أجرك، فلا خلاق لك اليوم عند الله، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع» ، وقرأ من القرآن {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف من الآية:110] (درر المنثور [1/158]). 

    قال الإمام أحمد: عن أبي بكرة -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به» (صحيح مسلم [2986]). وعن معاذ بن جبل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال «ما من عبد يقوم مقام سمعة ورياء إلا سمع الله به على رؤوس الخلائق يوم القيامة» (إتقان ما يحسن [2/587]). 


    3. الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله: 

    وفي صحيح مسلم عن صفوان بن محرز قال: قال رجل لابن عمر: "كيف سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النجوى؟"، قال: "سمعته يقول: «يدنى المؤمن من ربه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول هل تعرف فيقول أي رب أعرف قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم فيعطي صحيفة حسناته وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله»".


     4. الغادر سيفضحه على رؤوس الخلائق يوم القيامة:

    إن الغادر مذموم في الدنيا، وهو كذلك عند الله -تعالى-، وسيفضحه على رؤوس الخلائق يوم القيامة. عن ابن عمر: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء، فقيل: هذه غدرة فلان ابن فلان» (صحيح مسلم [1735]).
     الغادر: الذي يواعد على أمر و لا يفي به. 
    اللواء: الراية العظمى، لا يمسكها إلا صاحب جيش الحرب، أو صاحب دعوة الجيش، و يكون الناس تبعاً له. 
    فالغادر ترفع له راية تسجل عليها غدرته، فيفضح بذلك يوم القيامة.

    مكان راية الغادر: تجعل الراية عند مؤخرته: كما في صحيح مسلم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة). فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: «لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة» (رواه مسلم). 

    وأمير العامة هو الحاكم أو الخليفة، وكانت غدرته كذلك لأن ضرره يتعدى إلى خلق كثير، ولأن الحاكم أو الوالي يملك القوة والسلطان فلا حاجة به إلى الغدر. وقد جعل الله العقاب بهذا اللون من العقوبة على طريقة ما يعهده البشر ويفهمونه ألا ترى قول شاعرهم: أسمّى ويحك هل سمعت بغدرة *** رفع اللواء لنا بها في الجميع فكانت العرب ترفع للغادر لواء في المحافل و مواسم الحج، وكذلك يطاف بالجاني. 


    5. الفاجر فينادى بذنوبه على رؤوس الخلائق: 

    وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمُه ربُّه ليس بينه وبينه تَرجُمانٌ، فينظر أيمنَ منه فلايرى إلا ما قدَّم من عملِه، وينظر أشْأَمَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر بين يدَيه فلايرى إلا النّارَ تلقاءَ وجهِه، فاتَّقوا النَّارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ» (صحيح البخاري [7512]). 
    فلابد أن يصير المسلم إلى هذا الموقف وهو إما إلى إحدى حالين: إما أن يكون كما قال -عليه السلام- في حديث النجوى: «أما المؤمن فيدنيه ربه فيضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه، فيقول: أتذكر ذنب كذا وكذا؟ حتى إذا ظن أنه قد هلك قال: أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، وأما الفاجر فينادى بذنوبه على رؤوس الخلائق».

     
    6. الظالمون: 

    {وَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعرَضُونَ عَلَى رَبِّهِم وَيَقُولُ الأَشهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِم أَلاَ لَعنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18].

    يبين -تعالى- حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الآخرة علي رءوس الخلائق من الملائكة والرسل والأنبياء وسائر البشر والجان. قال شيخ الإسلام: هؤلاء: "لا يحاسبون حساب من توزن حسناته، وسيئاته لأنهم لا حسنات لهم ولكن تحصى أعمالهم، وتحفظ، فيوقفون عليها، ويقررون بها، ويخزون بها يعني: وينادى عليهم على رؤوس الخلائق: هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِم أَلاَ لَعنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود من الآية:18]".

     
    7.  كاتم الشهادة يطعمه الله لحمه على رؤوس الخلائق:

     {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة من الآية:283]. أي لا تخفوها وتغلوها ولا تظهروها قال ابن عباس وغيره: شهادة الزور من أكبر الكبائر وكتمانها كذلك. ولهذا قال "ومن يكتمها فإنه آثم قلبه" قال السدي: يعني فاجر قلبه. عن النبي -صلى الله عليه وآله- في حديث المناهي انه نهى عن كتمان الشهادة وقال: "من كتمها أطعمه الله لحمه على رؤوس الخلائق، وهو قول الله -عز وجل-: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ}". 

     
    8. من أفشى سر أخيه أفشى الله سره يوم القيامة على رؤوس الخلائق:

     أبو عبيدة جابر بن زيد: عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من روع مسلماً روعه الله يوم القيامة ومن أفشى سر أخيه، أفشى الله سره يوم القيامة على رؤوس الخلائق». 

    9. والد جحده ولده وهو ينظر إليه فضحه الله على رؤوس الخلائق:

     وللطبراني معناه من حديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ولأبي داود وابن حبان عن أبي هريرة مرفوعاً: أيما «امرأة أدخلت على قوم ما ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها جنته، وأيما والد جحده ولده وهو ينظر إليه إلا احتجب الله عنه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الخلائق من الأولين والآخرين». 

    10. الغلول: 

    الغلول هو الأخذ من الغنيمة على وجه الخفية، وهو ذنب يخفى تحته شيء من الطمع والأثرة، وقد توعد الله -تبارك وتعالى- الغال بفضحه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وذلك لتحميله ما غله في ذلك اليوم ( {وَمَن يَغلُل يَأتِ بِمَا غَلَّ يَومَ القِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلٌّ نَفسٍ, مَّا كَسَبَت وَهُم لاَ يُظلَمُونَ} [آل عمران من الآية:161]. يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: "أي يأتي به حاملاً له على ظهره وعلى رقبته، معذباً بحمله وثقله، ومرعوبا بصوته، وموبخا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد".
     
    ومن الغلول غلول الحكام والموظفين والعمال والولاة من الأموال العامة، وقد وضح الرسول -صلى الله عليه وسلم- كيف يحمل الغالون يوم القيامة ما غلوه في أكثر من حديث: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فذكر الغلول فعظمه، وعظم أمره، ثم قال: «لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك». «لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمه، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك» . «لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك». «لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح، فيقول يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك». «لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رأسه رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك». «لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته صامت، فيقول يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك» (متفق عليه وهذا لفظ مسلم، وهو أتم). 

    وقال الإمام أحمد: عن عبد الرحمن بن جبير قال سمعت المستورد بن شدّاد يقول سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ منزلًا أو ليست له زوجة فليتزوج أو ليس له خادم فليتخذ خادماً أو ليس له دابة فليتخذ دابة ومن أصاب شيئا سوى ذلك فهو غال». عن عدي بن عميرة الكندي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا أيها الناس من عمل لنا منكم عملا فكتمنا منه مخيطا فما فوقه فهو غل يأتي به يوم القيامة" قال: فقام رجل من الأنصار أسود -قال مجاهد: هو سعد بن عبادة كأني أنظر إليه- فقال يا رسول الله اقبل مني عملك قال "وما ذاك؟" قال سمعتك تقول كذا وكذا قال وأنا أقول ذاك الآن من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره فما أوتي منه أخذه وما نهى عنه انتهى» (وكذا رواه مسلم وأبو داود). عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ردّوا الخياط والمخيط فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة».

     
    11. من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل:

     يجب العدل بين الزوجات، قال ربنا جل في علاه: {فَإِن خِفتُم أَلاَّ تَعدِلُوا فَوَاحِدَةً أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم} [النساء من آية:3]

    وقد روى أحمد والأربعة من طريق همام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بِشير بن نَهيك عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل». والعدل الواجب هنا في القسم والسكن والكسوة والنفقة. وعدم العدل بين الزوجات من كبائر الذنوب، ولهذا توعد عليه في الآخرة بسقوط شقه. والجزاء من جنس العمل فلما مال في الدنيا عن العدل جاء بهذه الصفة يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.


     12. الآمر بالمعروف ولا يآتيه والناهي عن المنكر ويآتيه:

     في الصحيحين عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون، يا فلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنى عن المنكر وآتيه».
     
    هذه حال من خالف قوله فعله، -نعوذ بالله- تسعر به النار، ويفضح على رؤوس الأشهاد، يتفرج عليه أهل النار، ويتعجبون كيف يلقى في النار. هذا ويدور في النار كما يدور الحمار بالرحى، وتندلق أقتاب بطنه، يسحبها، لماذا؟!. لأنه كان يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه، فعلم بذلك أن المقصود الأمر بالمعروف مع فعله، والنهي عن المنكر مع تركه. وهذا هو الواجب على كل مسلم، وهذا الواجب العظيم أوضح الله شأنه في كتابه الكريم، ورغب فيه، وحذر من تركه، ولعن من تركه.
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين توفيق علي 

    المصدر: مجموعة مواقع مداد
    طريق الاسلام


  8. قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله :

    " و انتبهوا لأمر يخل به كثير من الناس و ذالك إن بعض الناس إذا غسل يديه بعد غسل وجهه بدا بهما من أطراف الذراع إلى المرافق , و لا يغسل الكفين و هذا خطا لان الكفين داخلان في مسمى اليد و على هذا فيجب أن تغسل يديك بعد غسل وجهك من إطراف الأصابع إلى المرافق ." رسالة في الطهارة للشيخ بن عثيمين.

    ولا يقال أنه غسلهما أول الوضوء لأن غسلهما أول الوضوء سنة ولا تجزىء عن الفرض اتفاقا
    بعض الناس عند غسل وجهه لا يغسل صفحة وجهه كاملة. بل تبقى أجزاء الوجه جهة الأذنين لم يمسها الماء .

    ترك مواضع في البدن لا يصلها الماء عند الوضوء منها :
    أ - قد يكون في يده خاتم أو ساعة إثناء الوضوء لا يصل تحته الماء فيختل وضوءه، قال البخاري : " كان بن سيرين يغسل موضع الخاتم اذا توضأ."
    ب- بعض النساء يجعلن على اضافرهن ما يسمى بالمناكير و هذا الطلاء فيه سماكة، بحيث يمنع وصول الماء، فالواجب إزالته عند الوضوء.
    ج- عدم الاهتمام بغسل العقب، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أتموا الوضوء، ويل للأعقاب من النار".
    السلسلة الصحيحة.
    إعتقاد بعض الناس انه لابد من غسل الفرج قبل كل وضوء و لو لم يحدث وهذا خطا شائع.
     
    منقول من 'بحث أخطاء شائعة فى الوضوء'
     
    ..............
     

    أخطاء شائعة في الوضوء

     

    ترك المضمضة والاستنشاق، وهذا مُبطل للوضوء؛ لأنهما داخلان في غسل الوجه المأمور به.

     

    ومن تلك الأخطاء: عدم غسل الكفين مع اليدين، والاكتفاء بغسلهما أول الوضوء، والصواب أن يغسل الكفين مع اليدين حتى لو غسلهما في أول الوضوء، فغسلهما أول الوضوء مستحب، وغسلهما مع اليدين واجب.

     

    ومن الأخطاء في الوضوء: التساهل أو ترك غسل المرفقين أو الكعبين أو العقبين، وقد جاء الوعيد في ذلك؛ كما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ»؛ [رواه مسلم]، والعَقِب: هو مؤخَّرُ القَدَم.

     

    ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا ترك موضع ظُفر على قدمه، فقال له: «ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ»؛ [رواه مسلم]، وفي حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجُلا يُصلي، وفي ظهرِ قدمهِ لمعة قدرَ الدرهمِ لم يُصبها الماءُ، فأمَرَهُ النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعِيدَ الوضوءَ والصلاةَ»؛ [رواه أبو داود وصححه الألباني].

     

    ومن الأخطاء في الوضوء: الزيادة في غسل أعضاء الوضوء أو بعضها أكثر من ثلاث مرات، وهذا مخالف للسنة.

     

    ومن الأخطاء الشائعة: الإسراف في استخدام الماء، والله تعالى يقول: ﴿ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].

     

    وفقنا الله لاتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم، واقتفاء أثره، نكتفي بهذا القدر ونتحدث في اللقاء القادم - بمشيئة الله - عن أحكام المسح على الخُفَّين.

     

    "المصدر: كتاب عطر المجالس"

     
     
     


  9.  

    قال العلماء : الويل وادٍ في النار يسيل من صديد أهلها وقيحهم ، وهو – بمعنى عام – العذاب الشديد – نعوذ بالله تعالى منه أياً كان ولا أحِبُّ أن أتصوره فليس لنا به طاقة. فهو العذاب بعينه وقد قيل إن حجارته تتعوّذ منه. نسأل الله العفو والعافية .
    ولكنْ لِمَنْ أُعِدّ هذا الوادي أو هذا العذاب ؟
    يقول تعالى : إنه أُعِدّ للهمّاز اللمّاز { ويل لكل هُمَزة لُمَزة }.
    اختلف المفسّسرون في تعريف الهُمزة اللمَزة ‘ فقال بعضهم :
    الهُمَزة : من يأكل لحوم الناس بالغِيبة والنميمة ومن يطعنهم باليد وباللسان .
    اللُّمزة : من يحرك عينه مشيراً بتهكم أو يطعن أنسابهم بلسانه .

    وأظنّ الهُمَزة واللمَزة يتعاوران ما ذكرَ المفسرون من إيذاء باللسان والعين فقط ، بينما أخواتهما من ( الوكز واللكز والنكز ..) إيذاء باليد والعصا وغيرهما ، يضاف إليها (اللكم واللطم واللخم..).
    من صفات الهُمَزة اللُمَزة الذميمة التي أدت إلى الويل والعذاب جمعُ المال بكل الوجوه حلالِها وحرامِها ، سلبِها ونهبها ، بيعها وشرائها ، أتاواتها ومكوسِها. فالمُهمُّ عند صاحبها الجمعُ كيفما كان وحيثما اتفق.
    يضاف إلى ذلك البخلُ والشح ، ومَن جمَعَ المالَ بكل الطرق لا ينوي صرفه فيما يريد الله تعالى بل يتلذذ بِعدّهِ والاحتفاظ به ، لهذا قال تعالى { الذي جمع مالاً وعدّده } وهذا يذكرنا بقوله سبحانه : { جمع فأوعى } والمعنى هنا وهناك مؤداه واحد، من تكديس الأموال والتمتع باحتوائها وتكثيرها. ويحضُرنا قوله صلى الله عليه وسلم في النعي على أمثال هؤلاء :
    " ما من يوم طلعت شمسه إلا وبجنبيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غيرَ الثقلين: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم إنّ ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ولا آبت الشمس إلا وكان بجنبيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلقُ الله كلهم غيرَ الثقلين : اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا ".
    رواه المنذري في الترغيب والترهيب.

    ومن صفات الهُمَزة اللُّمَزة أنه ينشغل بجمع المال عن الموت والدار الآخرة ، فيحسب أنه خالد في الدنيا ، فيعمل لها غافلاً عن النهاية التي تسرع إليه كما غَيَّبتْ أسلافه وستغيِّب أخلافه.لكنه الحرصُ على الدنيا والانشغالُ بها يَعمي القلوب ويَذهب بالأبصار.
    ثم تأتي كلمة ( كلا ) التي تقرع الأسماع وتتهز القلوب خوفاً وفزعاً لتنبه بقوة وإلحاح إلى الحقيقة التي يتناساها الغالبية البشرية عماية وجهلاً :
    { إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى * إنّ إلى ربك الرجعى } .
    فماذا بعد { كلا }؟ إنها الجملة التي تعصف بالالباب :
    { ليُنْبَذنّ في الحُطمة } .
    إن ( النبذ) إلقاءُ المرء محتقراً منبوذاً في مجاهل النار المحرقة التي تَحْطِم الضلوع وتأكل العيون والآذان والأيدي والرؤوس ، وتذيب الصخر والجماد. وما سميت { الحُطَمة } إلا لأنها تكسر كل ما يلقى فيها وتحطمه وتهشّمه .
    فما هذه النهاية المخيفة التي يتناساها الناس ويغفلون عنها ؟!
    إنها والله لَنهاية بئيسة مرعبة ومفزعة.

    وتزداد وتيرة الخوف والهلع بصيغة الاستفهام { وما أدراك ما الحُطمة }؟ وهذا الأسلوب الاستفهامي يتكرر في كثير من سور القرآن لبيان فداحة الأمر وشدة كربه: { وما أدراك ما الحاقة }، { وما أدراك ما يوم الدين } .. ويجيب القرآن بأسلوب مَهُولٍ تقشعر له الأبدان وتهتز له النفوس : { نار الله الموقدة } لم يوقدها بشر ولا ملَك ولا مخلوق مهما جل شانه وعظُمت مكانته ،ولا تنتسب إلى ناقص وضعيف إنها نار الله الموقدة . وقد تخف النار وتضعف إلا نارَ الله تعالى التي تأكل الأجساد وتصل إلى القلوب فلا تأكلها بل تعود الأجساد كما كانت ليبدأ العذاب من جديد . أتدرون السبب ؟ إن القلب إذا أكلته النار مات صاحبه وارتاح من العذاب ، والكفرة أصحاب النار خالدون فيها لا يُفَتّر عنهم العذاب .
    ولا مهرب من جهنم ولا خلاص لأعداء الله منها . وأين الهروب ؟ { إنها عليهم مؤصدة } وإيصاد الباب دون فروج ولا منافذ . لا هواء بارداً يخفف عنهم حرها مغلقةٌ إغلاقاً محكماً يزيد في الكمد والحزن المتنامي .. قد سُدّ عليهم كلُّ أمل في النجاة { مؤصدةٌ في عَمَد ممددةٍ } .

    يذكر القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية، فيقول:
    في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( ثم إن الله يبعث إليهم ملائكة بأطباق من نار , ومسامير من نار وعمد من نار , فتطبق عليهم بتلك الأطباق , وتشد عليهم بتلك المسامير , وتمد بتلك العمد , فلا يبقى فيها خلل يدخل فيه روح , ولا يخرج منه غم , وينساهم الرحمن على عرشه , ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم , ولا يستغيثون بعدها أبدا , وينقطع الكلام , فيكون كلامهم زفيرا وشهيقا ; فذلك قوله تعالى : { إنها عليهم مؤصدة * في عمد ممددة }) .

    وقال قتادة : { عمد } يعذبون بها . واختاره الطبري . وقال ابن عباس : إن العمد الممددة أغلال في أعناقهم . وقيل : قيود في أرجلهم ; قاله أبو صالح . وقال القشيري : والمعظم على أن العمد أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار . وتشد تلك الأطباق بالأوتاد , حتى يرجع عليهم غمها وحرها , فلا يدخل عليهم روح .
    وقيل : أبواب النار مطبقة عليهم وهم في عمد ; أي في سلاسل وأغلال مطولة , وهي أحكم وأرسخ من القصيرة . وقيل : هم في عمد ممددة ; أي في عذابها وآلامها يضربون بها . وقيل : المعنى في دهر ممدود ; أي لا انقطاع له .]

    { فهل من مُدّكر
     
     
    المصدر
    الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب واتا


  10. القاعدة الثانية عشرة : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }

     

    الحمد لله الرحيم الرحمن، علم القرآن، وخلق الإنسان، علمه البيان، والصلاة والسلام على خير من صلى وزكى وصام، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

    فمنار منيف، وروضة أنف حديث موضوعنا المحجل: (قواعد قرآنية)، نقف فيه ملوحين مع قاعدة من القواعد القرآنية المحكمة، التي تدل على عظمة هذا الدين، وسموه، وعلو مبادئه، إنها القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات:13].

    إن هذه الآية العظيمة، جاءت في سورة الحجرات، وإن شئت فسمها: جامعة الآداب، فبعد أن ذكر الله تعالى جملةً من الآداب العظيمة، والخلال الكريمة، ونهى عن جملة من الأخلاق الرذيلة، والطباع السيئة، قال الله بعدها، مقرراً الأصل الجامع الذي تنطلق منه الأخلاق الحسنة، وتضعف معه أو تتلاشى الأخلاق السيئة، وأنه معيار التفاضل والكرامة عند الله:
    { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} [الحجرات].
    إنها لآية عظيمة، تبرز ميزان العدل الذي لم تظهر تفاصيله كما ظهرت في هذا الدين.

    أيها القارئ الحصيف:
    لن يتبين لك موقع هذه الآية الكريمة إلا إذا استعرضتَ في ذهنك شيئاً من الموازين التي كان يتعامل بها عرب الجاهلية في نظرتهم لغيرهم من غير قبائلهم، سواءٌ كانوا من قبائل أخرى أقل منها درجة في النسب، أو في نظرتهم للأعاجم، أو في تعاملهم مع العبيد والموالي.
    وإليك هذا الموقف الذي وقع في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحدّث به الصحابي - صادق اللهجة - أبو ذر رضي الله عنه:
    روى الشيخان من حديث المعرور بن سويد: قال: مررنا بأبي ذر بالربذة، وعليه بُردٌ وعلى غلامه مثله، فقلنا يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة، فقال: إنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام، وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه، فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
    « يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية »
    قلت: يا رسول الله من سب الرجال سبوا أباه وأمه،
    قال: « يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم » [البخاري:5703، ومسلم:1661].
    فهذا أبو ذر مع صدق إيمانه، وسابقته في الإسلام، لامه النبي صلى الله عليه وسلم، وعاتبه لما خالف هذه القاعدة القرآنية العظيمة، وعيّر الرجل بمنطق أهل الجاهلية!

    وليس هذا الموقف الوحيد الذي ربّى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - على الاهتداء بهدي هذه القاعدة، بل كررها بعدة أساليب بيانية، وعملية، ولعلي أكتفي بهذين الموقفين الذين لا يمكن أن تنساهما العرب ولا قريش أبد الدهر:

    أما الموقف الأول:
    فهو يوم فتح مكة، حين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلالاً أن يصعد فوق الكعبة ليرفع الأذان، في مشهد ما ظنّ بعض مُسْلِمةِ الفتح أن يعيش ليرى هذا العبد الحبشي يقف كهذا الموقف! ولكنه الإسلام، والهدي النبوي الذي يربي بالفعل والقول.
    وفي ذات اليوم ـ فتحِ مكة ـ يدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - الكعبةَ ويصلي فيها، ولك أن تتفكر من هي الشخصيات المتوقعة التي حظيت بشرف مرافقته في دخوله هذا، والذي أغلق عليه الباب بعد دخوله ومن معه؟!
    لعله أبو بكر وعمر رضي الله عنهما؟
    كلا.. إذن لعله صهره وزوج ابنتيه ذي النورين عثمان، وابن عمه علي رضي الله عنهما؟
    كلا.. إذن لعله دخل بعض مسلمة الفتح من أكابر قريش؟
    كلا, بل لم يدخل معه سوى: أسامة بن زيد ـ مولاه ابن مولاه ـ وبلال الحبشي، وعثمان بن طلحة المسؤول عن مفتاح الكعبة [البخاري:2826، ومسلم:1329]!
    الله أكبر! أي برهان عملي على إذابة المعايير الجاهلية أكبر من هذا؟ مع أن في الحضور من هو أفضل من بلال وأسامة كالخلفاء الأربعة، وبقية العشرة المبشرين!

    وأما الموقف الثاني:
    فإنه وقع في أعظم مشهد عرفته الدنيا في ذلك الوقت... إنه مشهد حجة الوداع، ففي بعض مشاهد تلك الحجة، وبينما الناس مستعدون للنفير من عرفة، وإذا بالأبصار ترمق الدابة التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يركبها، ويتساءلون: من الذي سيحظى بشرف الارتداف مع النبي صلى الله عليه وسلم؟
    فلم يرعهم إلا وأسامة ـ ذلك الغلام الأسود - مولاه وابن مولاه ـ يركب خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - والناس ينظرون!
    فعل هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي خطب ظهر ذلك اليوم خطبته العظيمة التي قرر فيها أصول التوحيد والإسلام، وهدم فيها أصول الشرك والجاهلية، وقال كلمته المشهورة:
    « ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع » [مسلم:1218].

    أيها القاريء الكريم:
    هذان الموقفان قطرة من بحر سيرته العطر - صلى الله عليه وسلم - أما سيرة أصحابه - رضي الله عنهم - والتابعين لهم بإحسان فالمواقف فيها كثيرة وعظيمة، أكتفي منها بهذا الموقف الذي يدل على نبلهم وفضلهم، وشرف أخلاقهم حقاً، جعلهم أهلاً لأن يكونوا خير من يمثل عالمية الإسلام وعالمية الرسالة.

    كان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم ـ المعروف بزين العابدين وهو من سكان مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد، يتخطى حلق قومه من قريش، حتى يأتي حلقة زيد بن أسلم ـ وهو مولى لكنه من علماء المدينة الكبار في زمانه ـ فيجلس عنده، فكأن بعض الناس لامه: كيف تجلس ـ وأنت الرجل القرشي وحفيد النبي صلى الله عليه وسلم ـ عند رجل من الموالي؟
    فقال: كلمة ملؤها العقل: " إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه " [حلية الأولياء:3/138].

    أيها القاريء الكريم:
    إن من عظمة هذا الدين أنه لم يربط مكانة الإنسان ومنزلته عند الله بشيء لا قدرة عليه به، فالإنسان لا يختار أن يكون شريف النسب، وإلا لتمنى الكل أن يتصل بالسلالة النبوية! ولم يربطه بطول ولا قصر، ولا وسامة ولا دمامة، ولا غير ذلك من المعايير التي ليست في مقدور البشر، بل ربطه بمعيار هو في مقدور الإنسان.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس في كتاب الله آية واحدةٌ يمدح فيها أحداً بنسبه، ولا يَذُمُّ أحداً بنسبه، وإنما يمدحُ الإيمانَ والتقوى، ويذمَ بالكفرِ والفسوقِ والعصيان" [الفتاوى الكبرى:1/164].

    ومما يشهد لما قاله شيخ الإسلام: أن الله تعالى أنزل سورة كاملة في ذم أبي لهبٍ لكفره وعداوته للنبي صلى الله عليه وسلم، ونهى اللهُ نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يطرد المؤمنين من ضعفة أصحابه وإن كان القصدُ من ذلك: الرغبة في كسب قلوب أكابر قريش، فقال سبحانه:
    { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِين (52)} [الأنعام]، وقال له في الآية الأخرى:
    { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)} [الكهف].

    أيها الناظر البصير:
    إن مما يؤسف له ـ في واقعنا المعاصر ـ وجود أمثلة كثيرة مخالفة لهذه القاعدة الشريفة: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } تمثلت بصور من عودة العصبية الجاهلية للقبيلة، والتي لم تتوقف عند حد التعارف بين أفراد القبيلة الواحدة فحسب، ولم تتوقف عند التمادح المباح، بل تجاوز ذلك إلى الغلو في المدح، والموالاة المفرطة للقبيلة، بل والتلويح تارة بنبز القبائل الأخرى، والتي ذوبانِ المعايير الشرعية عند البعض بسبب هذه الأساليب التي كرسها وعزز من حضورها المسابقات الشعرية التي تبنتها بعض القنوات الفضائية، والتي ترتب عليها محاذير شرعية أخرى ليس هذا موضع ذكرها، وإنما الغرض الإشارة إلى مخالفتها إلى ما دلت عليه هذه القاعدة القرآنية الكريمة، فليتق الله من يسمع ويقرأ قول ربه: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } من التفاخر المذموم، وليعلم المؤمن أن من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه.

    نسأل الله تعالى أن يعيذنا من أخلاق أهل الجاهلية، وأن يرزقنا التأسي برسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أمورنا.

  11. بسم الله الرحمن الرحيم

    دلت النصوص الشرعية من الكتابِ والسنة على أحوال وساعات ومواطن تكون الإجابة فيها أرجى بإذن الله لقبول الدعاء، فيُستحبُ للعبد أن يتحرّاها ويُكثر من الدعاء عندها ومن ذلك :

    1ـ ليلة القدر:
    فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة لما قالت له : أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ، ما أقول فيها ؟

    قال : قولي " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ".

    2ـ الدعاء في جوف الليل:
    وهو وقت السحر ووقت النزول الإلهي فإنه سبحانه يتفضل على عباده فينزل ليقضي حاجاتهم ويفرج كرباتهم فيقول : " من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له" رواه البخاري (1145)

    3ـ دبر الصلوات المكتوبات:
    وفي حديث أبي أمامه " قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال جوف الليل الآخر ، ودبر الصلوات المكتوبات" رواه الترمذي (3499) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
    وقد اختلف في دبر الصلوات - هل هو قبل السلام أو بعده ؟.

    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ما ورد من الدعاء مقيداً بدبر الصلاة فهو قبل السلام وما ورد من الذكر مقيداً بدبر الصلاة ، فهو بعد الصلاة ؛ لقوله تعالى : " فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ" انظر كتاب الدعاء للشيخ محمد الحمد ص (54).

    4ـ بين الأذان والإقامة:
    فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة ) رواه أبو داود (521) والترمذي (212) وانظر صحيح الجامع (2408) .

    5ـ عند النداء للصلوات المكتوبة:
    وعند التحام الصفوف في المعركة كما في حديث سهل بن سعد مرفوعاً : " ثنتان لا تردان ، أو قلما تردان الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً " رواه أبو داود وهو صحيح انظر صحيح الجامع (3079 )

    6ـ عند نزول الغيث:
    كما في حديث سهل بن سعد مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ثنتان ما تردان : ( الدعاء عند النداء وتحت المطر ) رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع (3078 ).

    7ـ في ساعة من الليل:
    كما قال عليه الصلاة والسلام :" إن في الليل ساعة لا يوافقها مسلم يسأل خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة" رواه مسلم ( 757).

    8ـ ساعة يوم الجمعة:
    فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال : (فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه وأشار بيده يقللها). رواه البخاري (935) ومسلم (852).

    9ـ عند شرب زمزم:
    فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ماء زمزم لما شرب له ). رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع " (5502)

    10ـ في السجود:
    قال صلى الله عليه وسلم : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء ). رواه مسلم (482).

    11ـ عند سماع صياح الديكة:
    لحديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله ، فإنها رأت ملكاً). رواه البخاري (2304) ومسلم (2729).

    12ـ عند الدعاء بـ" لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين:
    وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم : أنه قال : (دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له). رواه الترمذي وصححه في صحيح الجامع (3383)

    13ـ إذا وقعت عليه مصيبة فدعا بـ "إنا لله إنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها:
    فقد أخرج مسلم في صحيحه (918) عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله : إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها ) رواه مسلم (918).

    14ـ دعاء الناس بعد قبض روح الميت:
    ففي الحديث أن النبي صلى الله دخل على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : ( إن الروح إذا قبض تبعه البصر ، فضج ناس من أهله فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ). رواه مسلم (2732).

    15ـ الدعاء عند المريض:
    جاء في حديث عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : قال صلى الله عليه وسلم : (إذا حضرتم المريض فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون .. قالت : فلما مات أبو سلمة أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إن أبا سلمة قد مات، فقال لي : قولي : اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة " قالت : فقلت فأعقبني الله من هو خير لي منه ، محمداً صلى الله عليه وسلم). أخرجه مسلم (919)

    16ـ دعوة المظلوم:
    وفي الحديث : (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) رواه البخاري (469) ومسلم (19) وقال عليه الصلاة والسلام : " دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ؛ ففجوره على نفسه " رواه أحمد وانظر صحيح الجامع (3382).

    17ـ دعاء الوالد لولده:
    أي : لنفعه - ودعاء الصائم في يوم صيامه ودعوة المسافر فقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ثلاث دعوات لا ترد : دعوة الوالد لولده ، ودعوة الصائم ودعوة المسافر ). رواه البيهقي وهو في صحيح الجامع (2032) وفي الصحيحة (1797).

    18ـ دعوة الوالد على ولده:
    أي : لضرره - ففي الحديث الصحيح : ( ثلاث دعوات مستجابات : دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد على ولده ). رواه الترمذي (1905) وانظر صحيح الأدب المفرد (372)

    19ـ دعاء الولد الصالح لوالديه:
    ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به ). أخرجه مسلم (1631)

    20ـ الدعاء بعد زوال الشمس قبل الظهر:
    فعن عبد الله بن السائب ـ رضي الله عنه أن رسول الله كان يصلي أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر وقال : ( إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح ). رواه الترمذي وهو صحيح الإسناد انظر تخريج المشكاة (1/337) .

    21ـ الدعاء عند الاستيقاظ من الليل:
    وقول الدعاء الوارد في ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَعَارَّ ( أي : استيقظ ) مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ ). رواه البخاري (1154) .

    22ـ دعاء المُضطَر:
    قال تعالى ) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ( .[النمل: 62]

    23ـ في حالُ الصيام:
    قال صلى الله عليه وسلم) : ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ) . رواه أحمد في المسند (8043)

    24ـ دعاء يوم عرفة:
    قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:َ( خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ). رواه الترمذي (3585)

    وهذا اليوم العظيم، يومٌ يُكثرُ اللهُ فيه من عتقه لعبادهِ من النار، فهو من أعظم المواطن المرجو فيها استجابة الدعاء.

    25ـ الدعاء باسم الله الأعظم:
    عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال : سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ :(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ .فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ). رواه الترمذي (3475) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

    ـ هذا آخرُ ما يّسر اللهُ تعالى مِن جمع للأدعية الشرعية التي جاءت في القرآن العظيم، والسنة النبوية، وإني لأرجو الله تعالى أن ينفع بذلك عبادهُ إلى يومِ الدين.

    المصدر: كتيب جوامع الدعاء ـ د. خالد عبدالرحمن الجريسي.
    وموقع الإسلام سؤال وجواب ـ الشيخ/ محمد بن صالح المنجد.


  12. هل لنا أن نطيع الكذاب والله تعالى ينبه حبيبه وخليله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقع في حبائلهم،فقال : { فلا تطع المكذبين } فلا خير فيهم. وهم يُغيّرون مواقفهم في كل آن ويلبسون لكل موقف لباسه ، ونلحظ بوضوح نوعاً من النصح المبطن بالتهديد في قوله تعالى : { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلاً إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً } . والمهدد بكسر الدال هو المولى سبحانه ، والمهدَّد بفتحها هو حبيبه صلى الله عليه وسلم .

    فما الصفة الفاقعة الأولى للمكذّبين التي ينبغي معرفتها والبعد عنها؟
    يذكر القرطبي رحمه الله في تفسيره معاني كثيرة للصفة الأولى للمكذبين { ودوا لو تدهن فيدهنون }:إنها المداهنة

    1- ودوا لو تكفر فيتمادون على كفرهم.
    2- ودوا لو ترخص لهم فيرخصون لك.
    3- لو تلين فيلينون لك . والإدهان : التليين لمن لا ينبغي له التليين ; قاله الفراء .
    4- ودوا لو ركنت إليهم وتركت الحق فيمالئونك.
    5- ودوا لو تكذب فيكذبون .
    6- ودوا لو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك .
    7- ودوا لو تصانعهم في دينك فيصانعونك في دينهم .
    8- ودوا لو ترفض بعض أمرك فيرفضون بعض أمرهم .
    9- لو تنافق وترائي فينافقون ويراءون .
    10- ودوا لو تضعف فيضعفون ;
    11- ودوا لو تداهن في دينك فيداهنون في أديانهم ;
    12- طلبوا منه أن يعبد آلهتهم مدة ويعبدوا إلهه مدة.

    فهذه اثنا عشر قولاً كلها إن شاء الله تعالى صحيحة على مقتضى اللغة والمعنى ; فإن الإدهان : اللين والمصانعة . ومجاملة العدو،وممايلته .
    والمقاربة في الكلام والتليين في القول والمداهنة – في أغلب ال أحيان - نوع من النفاق وترك المناصحة . فهي على هذا الوجه مذمومة .ويقال أدهن في دينه وداهن في أمره ; أي خان فيه وأظهر خلاف ما يضمر . وقيل : داهنت بمعنى واريت , وأدهنت بمعنى غششت .
    { فيدهنون } لم تجزم لسوقها على العطف , ولو جاء بها جواب النهي لقال فيدهنوا . وإنما أراد : إن تمنوا لو فعلت فيفعلون مثل فعلك ; عطفا لا جزاء عليه ولا مكافأة , وإنما هو تمثيل وتنظير .

    وأما الصفة الثانية للمكذّبين فكثرة الحلف .
    ووصف من يتخذ الحلفان دأبه بالمهانة { ولا تطع كل حلاّف مهين } وصيغة المبالغة ( حلاف ) تكسبه المهانة عند الله تعالى وعدم تصديق السامعين له ، فمن امتهن اسم الله كان عند الله مهيناً ( مُحتقراً )ووضيعاً لانه لم يُراعِ عظمة الله سبحانه لضعف إيمانه وقلة يقينه وكان الكذب متأصلاً فيه . ومن أكثر من الحلفان كذّبه الناس ولم يصدّقوه ، فكأنه يقول لهم – على عكس ما يريد – لا تصدقوني أيها الناس.

    وأما الصفة الثالثة للمكذبين : فالتحريش بين الناس والمشي بينهم بالنميمة ونقل الحديث لفساد ذات البين .
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يدخل الجنة قتّات ) وهو النمام ،
    وروتْ أسماء بنت يزيد بن السكن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ألا أخبركم بخياركم ؟ "
    قالوا بلى يا رسول الله
    قال : ( الذين إذا رُؤُوا ذكر الله عز وجل ) ثم قال : ( ألا أخبركم بشراركم المشاءون بالنميمة المفسدون بين الأحبة والباغون للبرآء العنت ).
    إن النمام والمغتاب لا ذمام له ولا خير فيه ، مذموم محتقر لإساءاته بزرع الفتنة بين الناس .

    وأما الصفة الرابعة للمكذبين: فالمناع للخير المعتدي الأثيم يمنع الخير عن الناس ويحتكره لنفسه ويعتدي على حرمات الله سبحانه ويسرف في ارتكاب الموبقات، ويتجاوز حدود الحلال إلى الحرام غير آبهٍ به. يميل إلى الباطل. ويحارب الحق وأهله ويعذب المؤمنين ويصرفهم عن الحق.

    وأما الصفة الخامسة للمكذّبين : ( فالعُتُلّ الزنيم )
    أما العُتلُّ فهو الفظ الغليظ الصحيح الجموع المنوعُ .
    روى الإمام أحمد عن حارثة بن وهب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ألا أنبئكم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر ).
    وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العتل الزنيم فقال: ( هو الشديد الخلق المصحح الأكول الشروبُ الواجد للطعام والشراب الظلومُ للناس رحيبُ الجوف )
    وعن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تبكي السماء من عبد أصح الله جسمه وأرحب جوفه وأعطاه من الدنيا هضما فكان للناس ظلوما قال فذلك العتل الزنيم ).
    وأما الزنيم في لغة العرب فهو الدعيّ ، قال الشاعر:

     
    زنيم ليس يُعرف من أبوه * بغيّ الأمِّ ذو حسب لئيم
    وقيل: الدعي الفاحش اللئيم الملحق النسب الملصق بالقوم ليس منهم ، وعن ابن عباس هو المريب الذي يعرف بالشر.

    اما الصفة السادسة : فالناكر لفضل الله المستكبر عن التزام الحق ، إذا عُرض عليه الإيمان بالله وحده أباه جحده ووصفه بالخرافات والأباطيل :
    { إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين } .ألم يقل الله تعالى :
    { وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور }
    مختال مخادع . والمستكبر على شرع الله المخالف لأمره يتبع هواه فيرديه
    { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين }(القصص 28)؟

    ومن كان بهذه الصفات استحق اللعنة الأبدية وكان من أهل النار والعياذ بالله ..

    نسأل الله العفو والعافية والأمن والإيمان وحسن الختام.
     
    مركز الشرق العربي للدراسات

  13. القاعدة الحادية عشرة: { وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى }

     
     
     
    الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

    فمهوى أبصارنا ميعاد يتنور مع هتيك المرسوم الموسوم بـ: (قواعد قرآنية)، نمضي فيه الساعة بزورق قاعدة من القواعد القرآنية المحكمة، التي يحتاجها الناس، كل الناس، وخصوصاً في هذا الزمن الذي روجت فيه سوق السحرة والمشعوذين، إنها القاعدة التي بثها المولى في قوله تعالى: { وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } - وممن نص على أن هذه قاعدة كلية من قواعد القرآن: الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب في تفسيره [301]- وفي معنى هذه القاعدة قوله تعالى ـ على لسان موسى ـ: { وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ } [يونس:77].

    وهذه القاعدة ـ أعني قوله تعالى: { وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } ـ جاءت في تضاعيف قصة موسى مع سحرة فرعون في سورة طه، بعد أن واعدهم موسى، هو في خندق، وفرعون ومن معه من السحرة في خندق آخر، فلما اجتمعوا: { قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا (أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)} [طه].

    ووجه اطّراد هذه القاعدة أن المتقرر في علم النحو أن الفعل إذا كان في سياق النفي فإن ذلك يكسبه صفة العموم، وهكذا الفعل { لَا يُفْلِحُ } فإنه جاء في سياق النفي، فدل ذلك على عمومه، فلن يفلح ساحر أبداً، مهما احتال، وتأمل كيف عمم ذلك بالأمكنة فقال: { حَيْثُ أَتَى } [أضواء البيان:4/551 ط.الراجحي].

    وتأمل ـ وفقك الله وحفك بأوسمة رحمته ـ في سر اختيار الفعل { أَتَى } دون قوله مثلاً ـ: حيث كان، أو حيث حل، ولعل السر في ذلك من أجل مراعاة كون معظم أولئك السحرة مجلوبون من جهات مصر المختلفة، كما قال تعالى: { فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38)} [الشعراء] [التحرير والتنوير:9/144].

    يقول العلامة الشنقيطي: معلقاً على نفي الفلاح عن الساحر مطلقاً: "وذلك دليل على كفره، لأن الفلاح لا ينفى بالكلية نفياً عاماً إلا عمن لا خير فيه وهو الكافر، ويدل على ما ذكرنا أمران:
    الأول: هو ما جاء من الآيات الدالة على أن الساحر كافر، كقوله تعالى: 
    { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ...(102)} [البقرة]. فقوله: { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ } يدل على أنه لو كان ساحراً ـ وحاشاه من ذلك ـ لكان كافراً، وقوله { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ } صريح في كفر معلم السحر.

    الأمر الثاني: أنه عرف باستقراء القرآن أن الغالب فيه أن لفظة { لَا يُفْلِحُ } يراد بها الكافر، كقوله تعالى: 
    { قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69)} [يونس] ، وقولِه أيضا:
    { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (1)} [يونس] [أضواء البيان:4/552 ط.الراجحي].

    أيْ قارئ المسطور:
    كم هي الآيات التي تحدثت عن السحر والسحرة في كتاب الله تعالى؟ وأخبرت عن ضلالهم، وبوارهم وخوارهم، وخسارتهم في الدنيا والآخرة؟ ومع هذا فيتعجب المؤمن ـ أشد العجب ـ من رواج سوق السحر والسحرة في بلاد الإسلام!
    وليس العجب من وجود ساحر أو ساحرة، فهذا لم يخل منه أفضل الأزمان،وهو الزمن الذي عاش فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن غيره! وليس العجبُ ـ أيضاً ـ من ساحر يسعى لكسب الأموال بأي طريق، وحيثما أتى، لكن العجب من أمة تقرأ هذا الكتاب العظيم، وتؤمن بصدقه، وتقرأ ما فيه من آيات صريحة واضحة في التحذير من السحر وأهله، وبيان سوء عاقبتهم ومآلهم في الدنيا والآخرة، ومع ذلك يقف أبناء الأمة زرافاتٍ ووحداناً أمام عتبات أولئك السحرة المجرمين! سواء أمام بيوتهم، أم أمام شاشات قنوات السحر والشعوذة، والتي سفرت فاجرة كافرة منذ فترة من الزمن، يلتمسون منهم التسبب في إيقاع الضر بأحد أو إزالته عن آخر، وكأن هؤلاء لم يقرؤوا قول الله تعالى:
    { ...وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون (102)} [البقرة]!

    والمقطوع به ـ أيها الإخوة ـ أنه لولا تكاثر الناس على هؤلاء السحرة لما راجت سوقهم، ولما انتشر باطلهم.
    إن مرور الإنسان بحالة مرضية صعبة، أو حالة نفسية شديدة، لا يبيح له بحال أن يرد هذه السوق الكاسدة ـ سوق السحرة ـ فإنهم لا يفلحون، وإن الله تعالى أرحم وأحكم من أن يحرم عليهم إتيان السحرة، ولا ينزل لهم دواء لما ابتلوا به، كما قال النبي فيما رواه مسلم من حديث جابر « لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل » [صحيح مسلم:2204].
    وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي قال: « ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء » [صحيح البخاري:5678].
    ولعظيم ضرر السحر، فقد حرمته جميع الشرائع.
    إذا.. أيها القارئ المسدد: من أيقن بأن الساحر لا يفلح حيثُ أتى، وأيقن بأنه لا يفلح الساحرون، دفعه هذا إلى أمورٍ، من أهمها:

    1- البعد عن إتيان هذا الصنف من الناس الذين نفى الله فلاحهم في الدنيا والآخرة ـ بغية علاج أو نحوه ـ وكيف يرتجى النفع ممن حكم عليه رب العالمين بأنه خاسر في الدنيا والآخرة!!

    2- الحذر من التفكير في ممارسة شيء من أنواع السحر، مهما كان المبرر، سواء بقصد العطف، أو الصرف ـ كما تفعله بعض النساء ـ وتظن أن قصدَ استمالةِ الزوج ، أو منعِه من الزواج عليها، ونحو ذلك من الشبه، أن ذلك يبيح لها ما تصنع، فإن هذا كله من تزيين الشيطان وتلبيسه.

    3- ليعلم من كل من يمارس السحر أو تسبب في فعله ذلك أنه على خطر عظيم، وأنه قد باع دينه بثمن بخس، وأن الشياطين هم شيوخه وأساتذته في عمله هذا، كما قال تعالى:
    { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } إلى قوله سبحانه: { وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون (102)} [البقرة].

    4- إن ضعفت النفس لحظة، وزين الشيطان لها شيئاً من هذه الأفعال المنكرة، فليبادر بالتوبة الآن، وليقلع عن هذا العمل الباطل، وليتحلل ممن لحقه الأذى من جراء هذا الفعل، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، وقبل أن يوقف للحساب بين يدي من لا تخفى عليه خافية، الذي يعلم من هو الساحر، ومن هو المسحور، ومن هو المتسبب في ذلك كله، فيقتص للمظلوم من ظالمه، حين تكون الحسنة أغلى من الدنيا وما عليها.

    5- إن يقين المؤمن بهذه القاعدة: { وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } مما يقوي عبادة التوكل عنده، وعدم الخوف من إرهاب هذا الصنف الحقير من الناس، وهم السحرة، ويتذكر عندها، قول الله عز وجل: { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [الزمر:36]، وفي قراءة: { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عِبَادَهُ }؟ والجواب: بلى والله.

    ومما يحسن تأمله والتفكرُ فيه: أن هؤلاء السحرة رغم ما يملكون من الأموال، وما يعيشونه من سكرة التفات الناس إليهم، إلا أنهم من أتعس الناس حياةً، وأخبثهم نفوساً، ولا عجب! فمن سلّم قياده للشياطين، وكفر برب العالمين، كيف يسعد أم كيف يفلح؟!

    ختاماً لنطلب العون من المالك المدبر المتصرف، وتأكد يقيناً أنه:

     
     
     
    إذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأول ما يقضي عليه اجتهاده
    يتبع

  14. [*]مُلَخَّص أحكام سجود (التلاوة - الشكر - السَهْو )

    1- سجود التلاوة

    • اعلم - رحمك الله - أنه قد ثبتت مشروعية سجود التلاوة بالسُنَّة: فعن ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قرأ: ﴿ وَالنَّجْمِ ﴾ فسجد فيها، وسجدَ مَن كانَ معه "[1].

    هذا إذا كان يتلو القرآن خارج الصلاة وَمَرَّ أثناء تلاوته بسجدة تلاوة، وكذلك يُشرَعُ السُّجودُ للتِّلاوة في الصلاة:

    فعن أبي رافعٍ قال: صلَّيتُ مع أبي هريرةَ العَتَمة فقرأَ: ِ﴿ إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾ [الانشقاق: 1]، فسجد فيها، فقلتُ: ما هذه؟ فقال: سجدتُ بها خلف أبي القاسِمِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -، فما أزالُ أسجدُ فيها حتَّى ألقاه[2].


    هذا وقد ذهب جمهورُ العلماءِ إلى مشروعيَّة سجود التلاوة في الصلاة السِّريَّة والجهريَّة (سواء صلاة الفريضةِ أو النَّافلة[3]، وهذا هو الراجح، إلا أنه في صلاة الجماعة السِرِّيَّة يُخشَى مِن حدوث بلبلة للمأمومين، بسبب هذا السجود المُفاجئ للإمام، إلا لو نَبَّهَ الإمام على المأمومين قبل الصلاة أنَّ هناك سجدة تلاوة أثناء الصلاة.

    • فضيلة سجود التِّلاوة: قال رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا قرأ ابنُ آدمَ السَّجدةَ فسجد، اعتزلَ الشَّيطانُ يبكي، يقولُ: يا وَيْلَهُ، أُمِرَ بالسُّجودِ فسجَدَ؛ فله الجنَّةُ، وأُمِرْتُ بالسُّجود فعصيْتُ؛ فلِيَ النَّار))[4].



    تنبيه:

    الحُكم السَّابق فيمَن تلا آيةً بها سجدةٌ مِنْ كتابِ الله عزَّ وجلَّ، ولكِنْ ما حُكْمُ مَن استمعَ إليها ولَم يَكُنْ تاليًا؟

    قال ابنُ بطَّالٍ: "أجْمَعوا على أنَّ القارئَ إذا سجد، لزِمَ المستمعُ أن يسجُدَ"[5]، أي: إنَّ المستمعَ مؤتَمٌّ بالقارئِ، فلا يُشرَعُ له السُّجودُ إلا إذا سجد القارئُ.

    الذِّكْر والدُّعاء في سجود التِّلاوة:

    عن عائشةَ - رضي الله عنها قالت: كانَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقولُ في سجودِ القُرآنِ: ((سجدَ وجهي للَّذي خلقَه، وشقَّ سمعَه وبصرَه بحولِهِ وقوَّتِه، فتبارَكَ اللهُ أحسنُ الخالِقين))[6]، ويجوز أيضاَ أن يقول فيها: (سبحان ربي الأعلى)، كما في سجود الصلاة.

    • الشُّروط في هذا السُّجود: اشترط جمهورُ الفقهاء لهذا السُّجودِ ما يشترطونَه لسجودِ الصَّلاةِ؛ من طهارةٍ، واستقبالِ القِبْلة، وسَتْرٍ للعورةِ، ولكنْ عارَضَهم بعضُ العلماءِ:

    قال الشَّوكانيُّ رحمه الله: "ليس في أحاديثِ سجودِ التِّلاوةِ ما يدلُّ على اعتبارِ أنْ يكونَ السَّاجدُ متوضِّئًا" [7]، وقد روى البخاريُّ - تعليقًا - عن ابنِ عُمرَ - رضي الله عنه - ما أنَّه كان يسجدُ على غيرِ وضوء[8]، وعلى هذا؛ فالرَّاجحُ أنَّه لا يُشترَطُ في سجودِ التِّلاوة ما يُشترَطُ في سجودِ الصَّلاة؛ لأنَّ هذه ليست صلاةً، فأقلُّ الصَّلاةِ ركعةٌ، وأمَّا هذه فسجدةٌ فقط، فلا يُشتَرَطُ فيها شُروطُ صحَّةِ الصَّلاةِ (من طهارةٍ، واستقبالِ القِبْلة، وسَتْرٍ العورةِ)، وهذا ما رجَّحَه ابنُ تيميَّةَ[9].



    ملاحظات :

    1- سجود التِّلاوةِ مُستحبة على الرَّاجحِ من أقوالِ أهل العِلم، وعلى هذا فإذا لم يتمكَّنْ من السُّجودِ، فلا شيء عليه، ولا يُشرَعُ له ما يفعلُهُ بعض الناس من التَّسبيحِ والتَّحميد والتهليل والتكبير أربعَ مرَّاتٍ؛ فهذا لا أصلَ له.


    2- يجوزُ للخطيبِ إذا مرَّ بآيةِ السَّجدةِ أن ينزلَ فيسجُدَها ويسجُدَها النَّاسُ معه، ويجوزُ له تَرْكُ ذلك ولا إثمَ عليه.


    التَّكبيرُ في سجود التِّلاوة (يعني قول كلمة: الله أكبر):

    لا يُشرَعُ في سجودِ التِّلاوةِ تكبيرٌ، كما لا يُشرَعُ التَّسليم بعدها؛ لأنه لَم يثبتْ دليلٌ في ذلك، ولكن: هل يكبِّرُ إذا كانَ في الصَّلاةِ، ومرَّ بآيةِ تلاوةٍ؟!


    لَم يثبتْ حديثٌ صحيحٌ صريحٌ في هذه المسألةِ، لكنْ رأَى الشَّيخُ ابنُ عُثيمين رحمه الله مشروعيَّةَ ذلك التَّكبيرِ؛ لعمومِ الحديثِ: "كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يكبِّرُ في كلِّ خفضٍ ورفعٍ"[10]، ومع هذا فلا نُنكِرُ أيضاً على مَن ينزل لسجود التلاوة في الصلاة دون تكبير، ثم يرفع منها دونَ تكبير.

    ملحوظة: إذا كانَ يتلو القرآن وهو جالس - خارج الصلاة - وَمَرَّ بسجدة تلاوة، فلا يُشتَرَط أن يقوم ليأتي بها مِن قيام.

    ♦ ♦ ♦


    2- سجودُ الشُّكْر

    يُشرَعُ سجودُ الشُّكرِ عند حدوثِ نعمةٍ، أو رفع بلاء، أو أيّ شيءٍ يَسُرُّه: فعن أبي بكرةَ - رضي الله عنه -: "أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان إذا أتاه أمرٌ يسرُّهُ، أو بُشِّرَ به: خرَّ ساجدًا؛ شُكْرًا للهِ تعالى"[11].


    وثبتَ في الصَّحيحين أنَّ كعبَ بنَ مالكٍ - رضي الله عنه - سجدَ لَمَّا جاءَتْهُ البُشرى بتوبةِ اللهِ عليه[12].


    ملاحظات:

    1- الرَّاجحُ أن سجودَ الشُّكرِ لا يُشترَط فيه شيءٌ من شروطِ الصَّلاة (من طهارةٍ، واستقبالِ القِبْلة، وسَتْرٍ العورةِ)؛ كما تقدَّم في سجودِ التِّلاوة.


    2- المشروعُ سجدةُ شكرٍ؛ كما ثبَتَ في الأحاديثِ، وليس هناك صلاةٌ تسمَّى صلاةَ الشُّكرِ، كما يظنُّهُ كثيرٌ من الناس.


    3- اعلم أنه ليس مِن السُنَّة السجود للشكر بعد كل صلاة.


    4- لا يُشرَعُ في سجودِ الشكر تكبيرٌ، كما لا يُشرَعُ التَّسليم بعدها، وكذلك لا يُشتَرَط أن يقوم ليأتي بها مِن قيام.


    5- يَجوز أن يقول في سجدة الشُكر: (سبحان ربي الأعلى)، كما يجوز أن يحمد اللهَ تعالى فيها بأي صيغة.

    ♦ ♦ ♦


    3-سجود السهو

    اعلم - رحمك الله - أنه يتعلق بسجود السهو بعض المسائل:

    المسألة الأُولى: إذا ترك المصلي بعضَ الرَّكعاتِ وَسَلَّم (سواء كانت ركعة واحدة، أو اثنين، أو ثلاثة)، ثم تيقَّن بعد الصَّلاة أنَّه ترك هذه الركعات: فإنه يأتى بهذه الرَّكعات (هذا إذا لم يطُلِ الفصلُ، كأنْ يمر أقل من 5 دقائق تقريبا)[13] وسواءٌ في ذلك تكلَّمَ بعد السَّلام، وخرج من المسجدِ، واستدبر القِبْلةَ، ونحو ذلك، ويكون سجودُ السَّهو في هذه الحالة: بعد السَّلام؛ وذلك لِمَا ثبت عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - أنه قال: صَلَّى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إحدى صلاتَيِ العَشِيِّ - إمَّا الظُّهرَ وإما العصرَ - فسَلَّمَ في ركعتيْنِ، ثمَّ أتى جِذْعًا في قِبْلة المسجدِ، فاستند إليها، وخرجَ سَرَعانُ النَّاس - (يعني خرجَ الناس المتعجلون من المسجد) -، فقام ذو اليديْنِ - وكان رجلٌ في يديه طُولٌ - فقال: يا رسولَ الله، أقُصِرَتِ الصَّلاةُ أم نسيتَ؟ فنظر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يمينًا وشِمالاً، فقال: ((ما يقولُ ذو اليديْنِ؟!)) قالوا: صدَقَ، لَمْ تُصَلِّ إلا ركعتيْنِ، فصلَّى ركعتيْنِ وسلَّمَ، ثم كبَّرَ، ثم سجدَ، ثم كبَّرَ فرفعَ، ثم كبَّرَ وسجدَ، ثم كبَّر ورفع[14].


    • وأما إذا طال الفصل (كأن يتذكر بعد فترةٍ تزيد على 5 دقائق تقريباً): فإنه يُعِيدُ الصلاة مِن أوَّلِها (على الراجح من أقوال العلماء)[15]، وعند مالكٍ: يبنِي (أي: يُكمِلُ صلاتَه)، طالما أنه لَم يُنتقض وضوءه.


    هذا إذا تيَّقنَ بعد السَّلام أنه نَسِيَ هذه الركعات، وأما إذا شكَّ بعد السَّلام: (هل تركها أم لا؟)، ففيهِ خلافٌ، ورجَّحَ النَّوويُّ أنَّه لا أثَرَ للشَّكِّ بعد السَّلام[16]، ويرى بعضُ أهل العلم أنه لا أثَرَ للشَّكِّ في الحالات الآتية:

    الأُولى: إذا شكَّ بعد السلام.

    الثانية: إذا كان يكثُرُ منه هذا الشَّكُّ.

    الثالثة: إذا كان وهمًا أشبه بالوسواسِ.



    المسألة الثانية: إذا ترك رُكنًا من أركان الصَّلاة (كأن يسجدَ سجدةً واحدةً ويقومَ للثانية، أو يترْكَ ركوعًا أو اعتدالاً)، ثم تذكَّرَ بعد قيامِه للرَّكعة التي تليها، فالذي نصَّ عليه الإمام أحمدُ أنه إنْ بدأ في القراءةِ: بطَلت الرَّكعةُ التي ترَكَ ركنَها، ويجعل الركعة التي بدأ فيها مكانَها (يعني عليه أن يأتي بركعة أخرى مكان الركعة التي بَطُلَت).

    • وأمَّا إذا تذكَّر قبل أن يبدأ في القراءة، فإنَّه يرجعُ إلى الرُّكن الذي ترَكَه، ويبني عليه بقيَّةَ صلاتِه، (وفي المسألةِ خلافٌ عند الشَّافعية؛ لِمَا ذكِر).



    المسألة الثَّالثة: إذا شكَّ في عدد الركعات التي صَلاّها فله حالتان:

    الحالة الأُولى: أن يكونَ عنده غلبةُ ظنٍّ، (فإذا شكَّ مثلاً: هل صلَّى ركعتين أم ثلاثًا؟ فقد يغلِبُ على ظنِّه أنهم اثنتانِ، وقد يغلِبُ على ظنِّه أنهم ثلاثةٌ)، ففي هذه الحالةِ يعمل بما غلب على ظنِّه، ثم يسجدُ سجدتين بعد السَّلامِ.

    الحالة الثانية: أن يستويَ عنده الشَّكُّ، ولا يغلِبُ على ظنِّه شيءٌ، ففي هذه الحالة يبني على الأقلِّ، فإذا شكَّ هل صلَّى ركعتين أم ثلاثًا؟ اعتبرهما اثنتينِ؛ لأنَّ ذلك هو اليقينُ عنده، ثمَّ يسجدُ سجدتين قبل السَّلامِ.


    المسألة الرَّابعة: إذا ترك واجبًا من واجباتِ الصَّلاة: فلا يَلزَمُه الإتيان به، لكنه يسجدُ للسَّهو.

    المسألة الخامسة: إذا نسِيَ سنَّةً من سُنَن الصَّلاة: فلا شيءَ عليه، وليس عليه سجودُ سهوٍ، ولا يجبُ عليه الرُّجوع للإتيان به، فإن عاد إليه، فقد قال النووي رحمه الله: (بَطَلت صلاتُه إن كان عامدًا عالِمًا بتحريمه، فإنْ كان ناسيًا أو جاهلاً، لَم تبطُلْ)[17].

    المسألة السادسة: إذا سها الإنسانُ في غير هذه المواضع السابقة: (كأن يجلسَ في موضع قيامٍ - بعد الرَّكعة الأُولى مثلاً أو الثالثة -، ظناً منه أنه موضعُ تشهُّدٍ)، أو أن يجهَرَ في موضع إسرارٍ أو العكس، أو أن يصلَّى خمسًا، أو أن يزيد في عددَ السَّجَدات)، فكلُّ ذلك يسجد له للسَّهو، واختلفوا هل يسجد قبل السَّلامِ أم بعده؟ والأمر فيه واسعٌ؛ لأنَّه لَم يرِدْ نصٌّ يحدِّد موضعَ سجودِ السَّهو في مثل هذه الأمور.


    واعلم أنَّ المواضع التي وردَ فيها السُّجود قبل السَّلام هي:

    أ - إذا شكَّ في عدد الركعات التي صَلاّها.

    ب- إذا ترك التشهُّدَ الأوَّلَ ناسياً.

    وأما المواضع التي ورد فيها السُّجودُ بعد السَّلام فهي:

    أ- إذا سلَّم قبل أن يُتمَّ الصَّلاةَ وقد ترك بعضَ ركعاتِها.

    ب- إذا زاد ركعةٍ في الصَّلاة (وفيها خلافٌ بين العلماء: هل يسجد قبل السلام أم بعده، فالأمر في ذلك واسع)[18].


    جـ- إذا تحرَّى في عدد الرَّكعات، وصلَّى على الغالب لظنِّه.


    د- وأما ما عدا هذا، فالمصلي مخيَّرٌ بين أن يسجدَ قبل السَّلامِ أو بعده؛ لأنَّه لَم يرِدْ في ذلك تقييدٌ.



    المسألة السابعة: إذا أتى بشيءٍ من المنهيَّات في الصلاة:

    أ- فإن كانت هذه " المنهيَّات" مما لا تَبطُلُ - بعَمْدِها - الصَّلاةُ؛ (كالنَّظر إلى ما يُلهي، ورفع البصر إلى السَّماء، وتشمير الثَّوب والشَّعَر، ومسح الحصى، والتَّثاؤب، والعبثِ بلحيتِه وأنفِه ونحو هذا)، فإذا فعل من ذلك شيئًا سهوًا فلا شيءَ عليه.


    ب- أما إن كانت هذه المنهيَّات مما تَبطُلُ - بعَمْدِها - الصَّلاةُ؛ (كالكلامِ، والرُّكوع والسُّجود الزَّائد)، فإذا فعل من ذلك شيئًا سهوًا: سجد للسَّهو.



    المسألة الثامنة: في التشهُّد الأول:

    أ- إذا ترك التشهُّدَ الأوَّلَ ناسياً، وقام حتى انتصب قائمًا، فلْيَمضِ في صلاته، وليسجد سجدتيْنِ للسهو قبل السلام، ولا يجوزُ له العَوْدُ إلى القعود، فلو عاد بعد قيامِه كاملاً بَطَلت صلاتُه، وهذا ما ذهب إليه جمهورُ العلماءِ.


    • وأما إذا تذكَّرَ أثناء تحرُّكِه (وقبل أن يستتمَّ قيامه)، فإنه يعودُ إلى جلوسِه للتشهُّد، وليس عليه سجدتانِ.


    قال النَّوويُّ رحمه الله: "فإن عادَ متعمِّدًا عالِمًا بتحريمه: بَطَلت صلاتُهُ، وإن عاد ناسيًا لَم تبطُلْ، وَيَلزمُهُ أن يقومَ عند تذكُّرِه ويسجدَ للسَّهو[19]"، وأمَّا إن عاد جاهلاً بأنّ ذلك الفِعل يُبطِلُ الصلاة، ففيه خلاف بين العلماء (هل تَبطُل صلاته أم لا؟)، والراجح أنها لا تَبطُل طالما أنه جاهل بالأمر.


    ب- إذا ترك التشهُّدَ الأوَّلَ واستتمَّ قائماً: فقد وجبَ على المأمومينَ أن يتابعوه، حتى لو سبَّحوا به، وذلك لِمَا ثبت عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه أشار إليهم بالقيامِ عندما سبَّحوا به[20]، وحينئذٍ لا يجوز للمأمومِ أن يتخلَّفَ عن إمامِه ليتشهد هوَ، فإن فعل ذلك فقد بطَلت صلاتُه.


    ج- لو انتصبَ المأموم قائماً مع الإمام، فعاد الإمامُ للتشهُّد، لَم يَجُزْ للمأمومِ العَوْدُ، بل ينوي مفارقتَه ويتم صلاته لنفسه، فلو عاد مع الإمامِ للتشهد عالِمًا بتحريمِ ذلك فقد بطَلت صلاتُه، وأما إن عاد ناسيًا أو جاهلاً لَم تبطُلْ.


    د- لو قعد المأمومُ فانتصب الإمامُ قائماً ثم عاد: لزِمَ المأمومُ القيامَ، لأنَّ القيام قد وجب على المأموم بانتصابِ الإمام[21].


    هـ- هذا كلُّه ما إذا انتصب الإمام، وأما إذا لَم ينتصِبْ، فقد قال ابنُ قُدامةَ: "فأمَّا إن سبَّحوا به قبل قيامِه - يعني قبل أن يستتم قائماً - ولَم يرجعْ: تشهَّدوا لأنفسِهم ولَم يتبَعوه في ترْكِه؛ لأنَّه ترَكَ واجبًا تعيَّن فِعلُهُ عليه"[22].



    ما هي الحكمة من سجود السهو؟

    الحكمةَ من سجود السَّهو: أنه إذا كانت صلاتُه في حقيقةِ الأمرِ خمسًا، كانت السَّجدتانِ بمقامِ ركعة فتشفع صلاتَه؛ (يعني يكونُ مجموعُ ركعاتِه شَفْعًا "أي: عددًا زوجيًّا")، وإن كانت صلاتُهُ في حقيقة الأمر تامَّةً، وليس فيها شيءٌ زائد، كانت السجدتانِ ترغيمًا للشَّيطان؛ وذلك لأنَّ الشَّيطان إنما يقصِدُ من وسوستِهِ إبعادَ المرءِ عن السُّجود لله، فلمَّا كان السَّهوُ بسببه: كان السُّجود إغاظةً له، وإمعانًا في مخالفة مقصودِه، فلا يزيدُه ذلك إلا بؤسًا.


    ملاحظات(**):

    1- إذا قامَ عن التشهُّدِ الأخيرِ إلى ركعةٍ زائدة: فإنه يرجعُ إلى التشهد متى تذكَّرَ، ولا يجوزُ له المضيُّ في الزِّيادة.


    ومثالُ ذلك: رجُلٌ قام إلى خامسةٍ، ثمَّ تذكَّرَ أثناء قراءتِهِ - أو أثناء ركوعِهِ - أنه أتى بخامسة، فإنه يعود مباشرةً للجلوس للتشهُّد، ويسجد في آخر الصَّلاة للسَّهو، فلو مضى مع علمِهِ بالزِّيادة فقد بطَلت الصَّلاة.


    2- إذا جلس في موضع قيامٍ (كأن يجلسَ بعد الرَّكعة الأُولى أو الثالثة، ظناً منه أنه موضعُ تشهُّدٍ)، فإنه يقوم متى تذكرَ، ويُتِمّ صلاتَه، ويسجد للسَّهو.


    3- إذا كانَ عليه سجدتين للسهو، وَنَسِيَ أن يسجدهما، ثم تذكَّرَ بعد الصلاة فإنه يأتي بهما، سواءٌ تكلَّم بعد الصَّلاةِ أم لم يتكلَّم، (إلا أنَّ بعضَ العلماء يرونَ أنه يأتي بهما إذا لَم يَطُلِ الفصلُ، وأما إذا طالَ الفصلُ: فقد قالوا: لا يسجدُ، ثم اختلفوا: هل تبطُلُ صلاتُه أم لا؟) (والرَّاجح - والله أعلم - أنه يسجد متى تذكَّرَ حتى لو طالَ الفصلُ، وأنَّ صلاتَه صحيحةٌ).


    4- ليس في سجودِ السَّهو تشهُّدٌ، والرِّواية التي ورد فيها ذِكرُ التشهُّدِ روايةٌ شاذَّة؛ كما أشار إلى ذلك الحافظُ ابنُ حجَرٍ رحمه الله.


    5- إذا سها أكثَرَ مِن سهوٍ في الصَّلاة، فالذي رجَّحه ابن قدامة في "المغني" أنَّه يكفيه سجدتان فقط للسَّهو، سواءٌ كان السَّهو من نوعٍ واحدٍ أو مِن نوعين مختلفيْنِ.


    6- ليس على المأمومِ سجودُ سهوٍ (إذا سَها خلف إمامِه)، إلا أنْ يسهُوَ إمامُه فيتابِعَه ويسجدَ معه.


    • فإذا كان المأمومُ مسبوقًا، وسها الإمامُ (سواءٌ كان سهوُ الإمامِ فيما لَم يُدْرِكْه فيه المأمومُ، أو فيما أدركه فيه) فإنه يسجد معه أيضًا (وسواءٌ كان سجودُ الإمامِ قبلَ السَّلام أو بعده)، فإذا سها المسبوقُ فيما انفرد به بعد إمامِه: سَجَدَ للسَّهو، وأما إذا قام المسبوقُ لإتمام ما فاته فوجدَ إمامه قد سجد للسَّهو: فحُكمُه حكمُ القائمِ عن التشهُّدِ الأوَّل: (إن سجد إمامُهُ قبل انتصابِه قائمًا لزِمَه الرُّجوع، وإن انتصبَ قائمًا: لَم يرجعْ، ويسجدُ بعد إتمام صلاتِه).


    7- إذا سَلَّم المأمومُ ظنَّاً منه أنَّ الإمامَ قد سلَّمَ، ثم تبيَّنَ له أنه لَمْ يسلِّمْ، فإنه يعود ليقتدي بالإمام، ثم يسلَّم معه، وليس عليه سجودُ سهو.


    8- قال النوويُّ رحمه الله: "ولو تيقَّنَ - يعني المأمومَ - في التشهُّدِ أنه ترَك الرُّكوعَ أو الفاتحةَ مِن ركعةٍ ناسيًا، فإذا سلَّمَ الإمامُ: لزِمَه أن يأتي بركعةٍ أخرى، ولا يسجد للسَّهو؛ لأنه سها في حال القُدوةِ"[23].


    9- إذا ترك سجدةً ونسِيَ موضعَها لزِمَه ركعةٌ كاملةٌ؛ لأنَّه يُحتمَلُ أن تكونَ هذه السجدة مِن غيرِ الأخيرةِ فيلزمُه ركعةٌ.


    10- وأما إذا نسِيَ السَّجدة الثَّانية في الرَّكعة الأخيرة ثم سلَّمَ، فقد ذهب الشَّافعية إلى أنه يتداركَها، يعني يسجدها ثم يتشهَّدَ ويسجدَ للسَّهو، وأما ما ذهب إليه أحمدُ واللَّيثُ بن سعد فهو أنه يأتي بركعةٍ كاملةٍ، والله أعلم.


    11- لو قام الإمامُ إلى ركعةٍ خامسةٍ فإن المأموم لا يتابعُه؛ لأنَّ المأمومَ أتَمَّ صلاتَه يقينًا.


    فإذا كان المأمومُ مسبوقًا بركعةٍ أو شاكًّا في فعلِ ركنٍ فقام الإمامُ لخامسةٍ، فهل يجوز للمأمومِ أن يتابعَه على أنَّ هذه هي الرَّكعة الباقية له؟


    قال النَّووي رحمه الله: "لم يَجُزْ للمسبوق متابعتُه فيها؛ لأنَّا نعلمُ أنها - أي هذه الركعة الخامسة - غيرُ محسوبةٍ للإمام، وأنَّه غالطٌ فيها"[24].



    "التلخيص على مسؤولية الكاتب"


    [*] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري).

    [1] البخاري (1067)، (1070)، ومسلم (576)، وأبو داود (1406)، والنسائي (2/110).

    [2] البخاري (766)، (1074)، (1078)، ومسلم (578)، وأبو داود (1408)، والنسائي (2/161).

    [3] انظر نيل الأوطار: 3/121).

    [4] مسلم (81)، وابن ماجه (1052).

    [5] انظر فتح الباري (2/556).

    [6] رواه أبو داود (1414)، والترمذي (580)، والنسائي (2/222)، وصححه الألباني.

    [7] نيل الأوطار (3/127).

    [8] رواه البخاري تعليقًا (2/553)، وقد ورد في بعض نُسَخِ البخاريِّ أنه كان يسجد على وضوء، وقد رجَّح الحافظ روايةَ: "على غير وضوء".

    [9] انظر "مجموع الفتاوى" (23/165 - 172).

    [10] انظر البخاري (785)، ومسلم (392)، ورواه الترمذي (253)، والنسائي (2/205)، وأحمد (1/386) من حديث ابن مسعود.

    [11] حسن لغيره: رواه أبو داود (2774)، وابن ماجه (1394)، وانظر "إرواء الغليل" للألباني (474).

    [12] البخاري (4418)، ومسلم (2769)، وأبو داود (2773)، والترمذي (3102).

    [13] قال الشيخ عادل العزازي: (وقد اختلف العلماء في تحديدِ طُول الفصلِ وقِصَره، والأرجحُ أن يكون مرجعُه للعُرْف).

    [14] البخاري (714)، (1228)، ومسلم (573)، وأبو داود (1016)، والترمذي (399)، والنسائي (3/22).

    [15] انظر في ذلك "المغني" (2/15)، والمجموع للنَّووي (4/116).

    [16] انظر المجموع (4/123).

    [17] المجموع (4/130).

    [18] انظر المجموع للنووي (4/126).

    [19] يراجع في ذلك المجموع للنووي (4/130).

    [20] انظر (البخاري (830)، (1230)، ومسلم (570)، وأبو داود (1034).

    [21] انظر المجموع للنووي (4/131)، لمراجعة المسائل (ب، ج، د)، وغيرها من المسائل في هذا الباب.

    [22] المغني (2/27). (**) قال الشيخ عادل العزازي: (هذه الملاحظات اجتهاديَّةٌ اعتمدت عليها من كتابي "المغني" لابن قدامة، و"المجموع" للنوويِّ.).

    [23] المجموع (4/143).

    [24] المجموع (4/145).



    رامي حنفي محمود

    شبكة الألوكة
     

  15. ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾
    مَن كان على البلاء صابرًا، وللنعم شاكرًا انتفع بالآيات، واعتبر بأيَّام الله
    وما جرى فيها من العِظات.
     
    يقول يحيى بن معاذ رحمه الله: إن لله عليك نعمتين :
    السراء للتذكير، والضراء للتطهير.
    فكن في السراء عبداً شكوراً،
    وفي الضراء حراً صبوراً.
     
    {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}
    أسرع الدعاء إجابةً: دعاء غائب لغائب .[ ابن تيمية ]
     
    (إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون)...
    معانيها تثبِّت المؤمنين وتخفف مصابهم
     
    ﴿فَطَوَّعَت لَهُ نَفسُهُ قَتلَ أَخيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصبَحَ مِنَ الخاسِرينَ﴾
    كم للنفس من أثر في ارتكاب المحرمات، أو الإحجام عنها ؟!
    فقد كان بداية هذا الذنب العظيم حديث نفس، ثم أصبح واقعاً.
    حدّث نفسك بالطاعات، فإن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
    [ متدبر ]
     
    {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)
    الإيمان بالغيب؛ حظ القلب .
    وإقام الصلاة؛ حظ البدن .
    ومما رزقناهم ينفقون؛ حظ المال .
    [ القرطبي ]
     
    أكثر مايعينك على آداء حقوق الخلق تذكر الوقوف بين يدي الله يوم القيامة ..
    ( الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون - وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون - "" ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون "" )
     
    ﴿مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد﴾
    اجعل هذه الآية منك على بال.
    ولا تغب عنك في جميع الأحوال.
    إن نسيت فإن معك من لا ينسى.
    وإن غفلت فإن معك من لا يغفل.
    وإن شككت بكل أحد فإن معك من لا يُتّهم.
    احفظ جوارحك فإنها مرصودة، وأيامك معدودة، والدنيا فانية، والساعة آتية﴿والآخرة خير وأبقى﴾
     
    قال ابن القيم رحمه الله : أهل القرآن هم العالمون به، العاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه..وأما من حفظه ولم يفهمه، ولم يعمل بما فيه؛ فليس من أهله
     
    ﴿وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق﴾ قال ابن القيم" والمقصود:أن سماع المقربين هو سماع القرآن بالاعتبارات الثلاثة: إدراك وفهما، وتدبرا وإجابة. وكل سماع في القرآن مدح الله أصحابه وأثنى عليهم، وأمر به أولياءه، فهو هذا السماع" مدارج السالكين

    تاملات قرآنية .....(متجددة) - صفحه 6 - ساحة القرآن الكريم العامة ...

     

  16. (باب فضل البكاء من خشية الله تعالى وشوقا إليه)

     

     

    قال الله تعالى: {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا} [الإسراء (109) ] .
    ----------------
    أي: يزيدهم سماع القرآن إيمانا وخضوعا لله عز وجل
     
     
     
    قال تعالى: {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا} [مريم (58) ] .
    ----------------
    وفي الحديث: «حرمت النار على ثلاثة أعين: عين بكت من خشية الله، وعين سهرت في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله» .
     
     
     
    قال تعالى: {أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون} [النجم (59، 60) ] .
    ----------------
    يخبر تعالى عن المشركين أنهم ينكرون القرآن، ويستهزؤون به، ولا يبكون، بخلاف المؤمنين، فإنهم إذا سمعوا القرآن زادهم إيمانا واقشعرت جلودهم، ولانت قلوبهم، وبكوا لما فيه من الوعد والوعيد.
     
     
     
    عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اقرأ علي القرآن» قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أنزل؟! قال: «إني أحب أن أسمعه من غيري» . فقرأت عليه سورة النساء، حتى جئت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء (41) ] قال: «حسبك الآن» . فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. متفق عليه.
    ----------------
    قال البخاري: باب البكاء عند القرآن، وأورد الحديث. قال النووي: البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين، وشعار الصالحين. قال الحافظ: بكى - صلى الله عليه وسلم - رحمة لأمته، لأنه علم أنه لا بد أن يشهد عليهم بعملهم، وعملهم قد لا يكون مستقيما فقد يفضي إلى تعذيبهم، والله أعلم. وفي الحديث: استحباب عرض القرآن على الغير، وجواز الأمر بقطع القرآن للمصلحة.
     
     
     
    عن أنس - رضي الله عنه - قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: «لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» قال: فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم، ولهم خنين. متفق عليه.
    ----------------
    وسبق بيانه في باب الخوف. في هذا الحديث: بيان أن من كان بالله أعرف كان منه أخوف قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر (28) ] .
     
     
     
    عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) .
    ----------------
    في هذا الحديث: فضل البكاء من خشية الله تعالى، لأن الخشية تحمله على امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، فلا يدخلها بوعده الصادق إلا تحلة القسم.
     
     
     
    عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» . متفق عليه. ***
     
     
     
    عن عبد الله بن الشخير - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء. حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي في الشمائل بإسناد صحيح.
    ----------------
    في هذا الحديث: دليل على كمال خوفه - صلى الله عليه وسلم -، وخشيته لربه، وذلك ناشئ عن عظيم الرهبة والإجلال لله سبحانه وتعالى.
     
     
     
    عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بن كعب - رضي الله عنه - «إن الله - عز وجل - أمرني أن أقرأ عليك: {لم يكن الذين كفروا ... } قال: وسماني لك؟ قال: «نعم» فبكى أبي. متفق عليه.
    ----------------
    وفي رواية: فجعل أبي يبكي. بكاء أبي رضي الله عنه فرحا، وخشوعا، وخوفا من التقصير، واستحقارا لنفسه، قيل: الحكمة في تخصيصها بالذكر لأن فيها {يتلو صحفا مطهرة} ، وفي تخصيص أبي التنويه به في أنه أقرأ الصحابة. وقال ابن كثير: قرأها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قراءة إبلاغ، وتثبيت، وإنذار، لا قراءة تعلم واستذكار، كما قرأ على عمر بن الخطاب سورة الفتح يوم الحديبية.
     
     
     
    عن أنس - رضي الله عنه قال: قال أبو بكر لعمر، رضي الله عنهما، بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها نزورها، كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -! قالت: إني لا أبكي أني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكني أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء؛ فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم
    ----------------
    وقد سبق في باب زيارة أهل الخير. أم أيمن مولاة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي أم أسامة بن زيد. وفي الحديث: جواز البكاء حزنا على فراق الصالحين، وفقد العلم.
     
     
     
    عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لما اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه، قيل له في الصلاة، فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» . فقالت عائشة رضي الله عنها: إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ القرآن غلبه البكاء، فقال: «مروه فليصل» . وفي رواية عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قلت: إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء. متفق عليه.
    ----------------
    فيه: دليل على استحباب البكاء عند قراءة القرآن، قال الله تعالى: ... {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون} [الأنفال (2) ] .
     
     
     
    عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أتي بطعام وكان صائما، فقال: قتل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وهو خير مني، فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة إن غطي بها رأسه بدت رجلاه؛ وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط - أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا - قد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام. رواه البخاري.
    ----------------
    هذا البكاء من مزيد خوفه من الله تعالى، وشدة خشيته، وعدم نظره إلى عمله.
     
     
     
    عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس شيء أحب إلى الله تعالى من قطرتين وأثرين: قطرة دموع من خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله. وأما الأثران: فأثر في ... سبيل الله تعالى، وأثر في فريضة من فرائض الله تعالى» . رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن) .
    ----------------
    في هذا الحديث: فضل البكاء من خشية الله، والجهاد في سبيل الله، وكثرة الخطا إلى المساجد.
     
     
     
    عن أبي نجيح العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة» . رواه أبو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح» .
    ----------------
    «النواجذ» بالذال المعجمة: الأنياب، وقيل: الأضراس.

  17. السؤال رقم (13) :
    قال تعالى في سورة الأنعام: { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ...(59)}
    ما هي السورة التي ذكرت هذه المفاتح ؟..
    وكم عدد هذه المفاتح ؟

    الجــواب :
    قوله تعالى في آخر سورة لقمان :
    { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)}
    وعدد هذه المفاتح خمسة .. والمتأمل للقرآن يجد أن بين سورتي الأنعام ولقمان ترابطًا وثيقًا ..
    وتأملوا قول الشيخ مساعد الطيار: من لطائف التفسير النبوي أنه فسر آيتين من سورة الأنعام بآيتين من سورة لقمان :
    ففسر آية الأنعام: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)} ، بآية لقمان: { ...إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)}.
    وفسر آية الأنعام: { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ } ، بآية لقمان: { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ولم أجد له صلى الله عليه وسلم غيرها !!





    السؤال رقم (14) :
    استخرجوا الآيات الدالة على ما يلي :
    - آية تدل على أن جهنم (أعتقنا الله منها) ترى الناس يوم القيامة ..
    - آية ورد فيها ثلاثة من الصحابة جمعتهم التوبة

    الجواب:
    ـ الآية التي تدل على أن جنهم ترى وتبصر الناس يوم القيامة هي قوله تعالى في سورة الفرقان:
    { إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)}
    أي إذا رأتهم من مكان بعيد .. قيل: مسيرة ظ¥ظ*ظ* عام .. سمعوا لها صوتًا ً شديدا وقويًا من شدة غليانها وزفيرها تغيظًا منهم !! أجارنا الله منها .

    ـ ثلاثة من الصحابة جمعتهم التوبة هم :
    كعب بن مالك .. ومرارة بن الربيع .. وهلال بن أمية ..
    ومن أراد حفظهم فليجمع أحرف أول أسمائهم في كلمة (مكه) ..

    وورد ذكرهم في سورة التوبة قوله تعالى: { وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)}


    ...................


    السؤال رقم (15) :
    في سورة يونس قال الله تعالى : { وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا ...(89)}.
    لماذا قال : { قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا } فنسب الإجابة إلى اثنين بينما كان الداعي موسى عليه السلام؟..

    الجواب :
    قيل: لأن الداعي كان موسى عليه السلام وهارون عليه السلام كان مؤمِِّناً على دعائه، ..
    فلذلك نسبت الإجابة إليهما؛ لأن المؤمن داع ٍ وكذلك قال أهل التأويل.
    ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان عن ابن جريج عن رجل عن عكرمة في قوله: { قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا }، قال: كان موسى يدعو وهارون يؤمن ، فذلك قوله: { قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا }.






    السؤال رقم (16) :
    عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنَّ اللهَ يُمْهِلُ الظَّالمَ حَّتَى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ
    ما الآية التي استدل بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟.

    الجــواب :
    عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنَّ اللهَ يُمْهِلُ الظَّالمَ حَّتَى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ثم قرأ: { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)}(هود) والحديث متفق عليه ..
    يملي له: يعني يمهل له حتى يتمادى في ظلمه والعياذ بالله ، فلا تعجّل له العقوبة !!..
    وهذا من البلاء نسأل الله أن يعيذنا وإياكم .
    فمن الاستدراج أن يُملي للإنسان في ظلمه ، فلا يعاقب له سريعًا حتى تتكدس عليه المظالم، فإذا أخذه الله لم يفلته، أخذه أخذ عزيز مقتدر ..
    فعلى الإنسان الظالم أن لا يغتر بنفسه ولا بإملاء الله له، فإن ذلك مصيبة فوق مصيبته ، لأن الإنسان إذا عوقب بالظلم عاجلاً فربما يتذكر ويتعظ ويدع الظلم، لكن إذا أملي له واكتسب آثامًا أو ازداد ظلمًا، ازدادت عقوبته والعياذ بالله فيؤخذ ُ على غرة، حتى إذا أخذه الله لم يفلته، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الاعتبار بآياته وأن يعيذنا وإياكم من ظلم أنفسنا ومن ظلم غيرنا إنه جواد كريم .. (العلامة العثيمين رحمه الله)






    السؤال رقم (17) :
    في سورة يوسف، قالت امرأة العزيز مهددة يوسف عليه السلام : { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32)}، لماذا جاءت بكلمة { لَيُسْجَنَنَّ } بنون التوكيد الثقيلة وكلمة { وَلَيَكُونًا } بنون التوكيد الخفيفة فلم تقل: ليكونن من الصاغرين؟..

    الجواب :
    قوله تعالى عن امرأة العزيز: { لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ } لطيفة ذكرها بعض المفسرين، وهي أن امرأة العزيز قالت في موضوع السجن: { لَيُسْجَنَنَّ } ، لكن في الثانية قالت: { وَلَيَكُونًا }، ما قالت ليكونن. لماذا؟ ما الفرق؟

    قال العلماء: إن السجن كان القرار بيدها أو بيد زوجها، تستطيع أن تأخذه كما حدث، وضعوه في السجن.

    أما الصغار فهو قضية معنوية لا تستطيع هي أن تجعله صاغرا أو غيرها، ولذلك جاءت على استحياء،{ وَلَيَكُونًا } مخففة، وتحقق السجن؛ لأنها تملك القرار، وزوجها يملك القرار، لكن هل تحقق الصغار؟ كلا وحاشا .






    السؤال رقم (18) :
    في الجزء (13) اتخذ أحد الأنبياء الأسباب الواقية من العين؛ لكون العين حق .. مع قوة توكله على ربه عز وجل .. اذكروا اسم السورة ورقم الآية؟..

    الجواب:
    قوله تعالى في سورة يوسف: { وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)} ، خشي يعقوب عليه السلام على أبنائه من العين لكثرة عددهم .. والاحتياط مطلوب، والأخذ بالأسباب لازم، لكنه لا يغني عن العبد من الله من شيء ..

    ويجب الاعتدال في مسألة (العين) فلا يُبالغ فيها حتى يُعاد أي ضرر يحدث إليها، كما يفعل بعض الناس، ولا تُنكر .
    فالعين حق وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم قوله:
    العين ُ حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استُغسلتم فاغسلوا ..

    ومع ذلك فقد جعل الله عز وجل أسبابًا تمنع منها، كأوراد الصباح والمساء، وجعل أسبابًا شرعية أخرى للشفاء منها إذا أصابت.




    .......................



    السؤال رقم (19) :
    في الجزء الثالث عشر آية تدل على أن المصيبة الجديدة تَذ ِّكر صاحبها ُ بمصائبه السابقة وتجدد أحزانها في نفسه .. ما هذه الآيــة ؟..

    الجــواب :
    هي قوله تعالى في سورة يوسف: { وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)}.. فإن مصاب يعقوب عليه السلام بفقد ابنه بنيامين ذكره مصيبته بفقد ابنه يوسف عليه السلام وجدد حزنه عليه .. وهذه السورة العظيمة هي سلوى وعزاء لكل محزون ٌ ومبتلى .. كما قال عطاء: (لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها ) .. فهي أحسن القصص في بابها .. وهي سورة تبشر بقرب الفرج والنصر لمن تمسك بالصبر وكان من المحسنين






    السؤال رقم (20) :
    في الجزء الثالث عشر آية تدل على أن اليأس من رحمة الله وفرجه قرين الكفر .. فما هذه الآية ؟..

    الإجابة:
    { يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)} (سورة يوسف).








    السؤال رقم (21) :
    وردت كلمة { أُفٍّ } في القرآن في ثلاثة مواضع ..
    - ورد النهي عنها في موضع ..
    - وقيلت في العقوق في موضع ..
    - وقيلت في الدعوة إلى عبادة الله في موضع ..
    فأين هذه المواضع في كتاب الله مع ذكر السور ؟..

    الجواب :
    وردت كلمة { أُفٍّ } في موضع النهي في سورة الإسراء .. نهى عن قولها للوالدين: - { ... فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23)} (الإسراء).

    - وفي موضع العقوق في سورة الأحقاف ذم ... : { وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17)} (الأحقاف)

    - وفي موضع الدعوة إلى عبادة الله في سورة الأنبياء حيث مدح الله تعالى خليله إبراهيم عليه السلام في قوله داعيًا إلى عبادة الله وحده: { أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)}(الأنبياء) .

    يتبع

  18. {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ} [الأنفال : 23]

    يعلم الله محتوى القلوب فمن وجد في قلبه خيرا يسمعه مواعظ القرآن وعبره ويفهمه آياته وحججه فيصلح حاله ..
    ولكن ماذا لو لم يجد في قلبه خيرا ؟!!
    إنه يحجبه ....
    اللهم سلم

    كلما رأى الإنسان نفسه معرضا عن تدبر القرآن أو معرضا عن بعض معاني القرآن ثم تذكر(لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم) يجف ريقه من الهلع لامحالة ..فقد قال له الله أن لاخير فيك ...
    أعظم عقوبة ألا تنتفع بموعظة من الله فتعرض عنها ..فيحجبك عن الهداية ..
    كلما زاد الخير فينا زاد توفيقنا للعمل الصالح ، فلنستحضر النية الصالحة التي تقودنا إلى الحق ..لنثبتها في قلوبنا ونسقيها من اليقين لتمتلىء قلوبنا خيرا يجده الله فيفتح لنا أبواب طاعته ويوفقنا لعبادته على النحو الذي يرضيه عنا ..
    التوفيق للعبادة وحبها يا أعزاء من فضل الله وحده ولا يوفق لها إلا من علم الله فيه خيرا ...

    .....................

     

    تفسير الشعراوي للآية 23 من سورة الأنفال
    {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ(23)}
     
    فهو سبحانه وتعالى قد علم أنه ليس فيهم خير، فلم يسمعهم سماع الاستجابة.
    والمولى سبحانه وتعالى منزه من أن يبتدئهم بعدم إسماعهم؛ لأنهم لم يوجد فيهم خير، والخير هنا مقصود به الإيمان الأول بالرسول، وهم لم يؤمنوا. فلم يستمعوا لنداء الهداية منه صلى الله عليه وسلم كمبلغ عن الله تعالىK إذن فعدم وجود الخير بدأ من ناحيتهم، وسبحانه وتعالى القائل: {والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين} [البقرة: 264].
    وهم- إذن- سبقوا بالكفر فلم يهدهم الله. {والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} [البقرة: 258].
    وهم سبقوا بالظلم فلم يهدهم الله.
    وسبحانه وتعالى القائل: {والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين} [المائدة: 108].
    وهم سبقوا بالفسق فلم يهدهم الله.
     
    والله منزه عن الافتئات على بعض عباده، فلم يسمعهم سماع الاستجابة لنداء رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ}.
     
    وعلم الله تعالى أزلي، لكنه لا يحاكم عباده بما علم عنهم أزلاً. بل ينزل لهم حق الاختيار في التجربة الحياتية العملية. وأضرب هذا المثل- ولله المثل الأعلى- تجد أباً يعاني من مأساة فشل ابنه في الدراسة أو في الاعتماد على نفسه في الحياة، ويحيا الولد لاهياً غير مقدر لتبعات الحياة، فيقول أصدقاء الوالد له: لماذا لا تقيم لابنك مشروعاً يشغله بدلاً من اللهو، فيرد الأب: إنني أعرف هذا الولد، سيأخذ المشروع ليبيعه ويصرف ثمنه على اللهو. والأب يقول ذلك بتجربته مع الابن. لكنْ ألا يُحتمل أن يكون هذا الابن قد ملَّ الانحراف واللهو وأراد أن يتوب، أو على الأقل ليثبت للناس أن رأى والده فيه غير صحيح؟ لذلك نجد الأب يفتح لابنه مشروعاً، لكن الولد يغلبه طبعه السيىء فيبيع المشروع ليصرف نقوده في الفساد.
     
    هل حدث ذلك من نقص في تجربة الوالد؟ لا، بل عرف الأب عدم الجد عن ابنه، وسهولة انقياده لهواه. فما بالنا بالحق الأعلى العليم أزلاً بكل ما خفي وما ظهر من عباده؟.
     
    ولكنّه سبحانه وتعالى شاء ألا يحاسب عباده بما علمه أزلاً، بل يحاسبهم سبحانه وتعالى بما يحدث منهم واقعاً، فهو القائل: {وَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين} [العنكبوت: 11].
     
    فسبحانه وتعالى العالم أزلاً، لكنه شاء أن يعلم أيضاً علم الإقرار من العبد نفسه؛ لأن الله لو حكم على العباد بما علم أزلاً، لقال العبد: كنت سأفعل ما يطلبه المنهج يا رب. لذلك يترك الحق الاختيار للبشر ليعلموا على ضوء اختياراتهم ويكون العمل إقراراً بما حدث منهم.
     
    {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ} [الأنفال: 23].
     
    وحتى لو أسمعهم الله عز وجل لتولوا هم عن السماع وأعرضوا عنه؛ لأنه سبحانه وتعالى يعلم أنهم اختاروا أن يكونوا شرّاً من الدواب عنده، وهو الصم الذين لا يسمعون دعوة هداية، وبُكْم لا ينطقون كلمة توحيد، ولا يعقلون فائدة المنهج الذي وضعه الله تعالى لصلاح دنياهم وأخراهم.
     
    ويقول الحق تبارك وتعالى بعد ذلك: {ياأيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ...}.

    ......................

    وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
    1-  ( ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ) نيتك الصالحة تقودك إلى الحق أكثر من عملك أوجد نية الخير في قلبك ، يوجد الله لك الخير في عملك !! / عايض المطيري
    2-  "ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم" كل طاعة تعملها دليل على وجود الخير فيك / عبد الله بلقاسم
    3-  ﴿ ولَو عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ..  نصيبنا من الوحي يعظم بقدر الخير الذي فينا ./ أفياء الوحي
              4- ﴿ولَو عَلِمَ اللَّهُ فِيهِم خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُم﴾ التوفيق للعبادة وحبها من فضل الله وحده وﻻيوفق لهاإﻻمن علم الله أن فيه خيرا/ روائع القرآن

    46406782_305931600009668_7753504382712283136_o.jpg?_nc_cat=107&_nc_sid=8bfeb9&_nc_ohc=8o8MsJKiO_kAX8lluuS&_nc_ht=scontent.fcai2-1.fna&oh=d3bd254c2ed084021f5c8c91fdb61800&oe=5F0BE3DE


         


  19. السؤال رقم (1) :
    آية في سورة الفاتحة قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية تدفع الرياء والكبرياء .. فما هذه الآية ؟

    الجواب:
    ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾
    إياك نعبد: تدفع الرياء ..وإياك نستعين: تدفع الكبرياء ..


    السؤال رقم (2):
    ما أول دعاء في القرآن ؟.. وما أول نداء في القرآن ؟

    الجواب :
    أول دعاء في القرآن هو قوله تعالى في سورة الفاتحة : ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6)﴾ وهو أوجب دعاء ، حيث جعل الله تعالى الدعاء به واجبًا ومكررا في اليوم والليلة. ففي الفرض فقط نكرره ١٧ مرة وندعو به في مقام عظيم من أعظم مقامات العبد بين يدي ربه؛ إذ يدعو المصلي بهذا الدعاء العظيم وهو قائم يصلي لله سبحانه وتعالى..

    أول نداء في القرآن الكريم هو في سورة البقرة :
    ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾
    يدعوهم ربهم لعبادته وحده لا شريك له ..فالدعوة إلى التوحيد أولاً وقبل كل شيء

    ..........................

    السؤال رقم (3)
    يقول الله تعالى في سورة البقرة:
    { فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم (37)}
    ما هذه الكلمات التي تلقاها آدم من ربه؟ وفي أي سورة وردت؟

    الجواب :
    الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه هي المذكورة في سورة الأعراف في قوله تعالى:
    { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)}

    وقيل: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. وقيل غير ذلك، ولكن أكثر أهل العلم على أنها الآية المذكورة .

    قال القرطبي في تفسيره: سئل بعض أهل العلم ما يقول المذنب إذا أراد التوبة ؟ فقال: يقول ما قاله أبواه: { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا ....} الآية
     


    السؤال رقم (4)
    قال تعالى في سورة البقرة:
    { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)}
    ما فائدة تشبيه قسوة القلب بالحجارة دون غيرها..؟

    الجواب :
    يقول الشيخ السعدي في تفسيره: شبه قسوة القلب بالحجارة مع أن في الموجودات ما هو أشد صلابة منها؛ وذلك لأن الحديد والرصاص إذا أذيب في النار ذاب بخلاف الحجارة !




    السؤال رقم (5) :
    سمى الله تعالى عبادة ً عظيمة في سورة البقرة (إيمانًا) .. ما هذه العبادة ، مع ّ ذكر الآية ؟.. ولماذا سماها الله سبحانه وتعالى بهذا الاسم ؟..

    الجواب :
    هي الصلاة في قوله تعالى: { ... وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143)} (البقرة) فسمى الله الصالة إيمانًا .. لأن الصلاة من أعظم خصال الإيمان وذهب لهذا كثير من العلماء ..
    ولأن ضياع الصلاة يستلزم ضياع الإيمان ..
    فتسمية الصلاة إيمانا من أجل أنها كانت مقارنة للإيمان، ولذلك حصل الانتفاع بها والجزاء عليها، فسميت الصلاة باسم الأصل الذي لا يثبت لها الحكم بأنها طاعة إلا به وهو الإيمان، إذ لو تجردت من الإيمان لم تكن طاعة ولا حصل عليها مثوبة ..
    يقول الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله: فالآية فيها رد على المرجئة، وذلك أن الله تعالى سمى الصلاة إيمانا، والصلاة عمل، فدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان .

     


    السؤال رقم (6):
    في سورة البقرة آية سمى الله فيها الشراب طعامًا ، ما هذه الآية ؟..

    الجواب :
    قوله تعالى: { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ {...(249) (سورة البقرة)
    الماء شراب، وليس طعامًا. وحيث ورد التعبير بـ (يطعمه) عن شرب ماء النهر ..
    استدل بعض الفقهاء بهذا التعبير على أن الطعام يشمل السوائل، وليس مختصًا بالمأكول فقط ... كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زمزم: » إنها مباركة، إنها طعام طعم « فماء زمزم شراب وطعام مبارك طيب ..


    ..........................

    السؤال رقم (7) :
    أكملوا ما يلي :
    قوله تعالى في سورة البقرة: { يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ...(257)}
    - المقصود بالنور الذي كان فيه الكفار هو نور ..............
    - إذ إن كل مولود ..........................................
    وجمع كلمة الظلمات لأنها ..................
    وأفرد كلمة النور لأنه ........................

    الجواب:
    { يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ } النور هو نور (الفطرة) .. إذ كل مولود يولد على الفطرة (أي على ملة الإسلام) ..
    وجمع كلمة الظلمات لأنها (طرق كثيرة) .. أي باعتبار أنواعها لأنها إما ظلمة جهل؛ وإما ظلمة كفر؛ وإما ظلمة فسق .. وأفرد كلمة النور لأن (طريق الحق واحد) كما قال تعالى: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ...(153)}(الأنعام).

    السؤال رقم (8) :
    وردت كلمة ( الصلاة ) في القرآن بمعان عدة :
    - بمعنى شعيرة الصلاة ..
    - بمعنى الثناء ..
    - بمعنى الدعاء ..
    اذكروا دليلاً على كل معنى من معانيها ؟..

    الجواب :
    لفظ ( الصلاة ) ورد في القرآن الكريم على عدة معان، منها :
    - الصلاة بمعنى (الصلاة المفروضة)،
    ومنه قوله تعالى: { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ .. (43)}(البقرة)
    وأغلب ما ورد لفظ ( الصلاة ) في القرآن الكريم على هذا المعنى، مقرونًا بلفظ (الزكاة) .

    - الصلاة بمعنى (الثناء على العبد)،
    ومنه قوله تعالى: { هو الذي يصلي عليكم ...(43)}(الأحزاب)،وقوله أيضًا: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ... (56)}(الأحزاب) فالصلاة من الله ثناؤه على العبد عند الملائكة، حكاه البخاري عن أبي العالية.
    وتفسير الآية بحسب هذا المعنى هو ما ذهب إليه ابن كثير.

    وقال كثير من المفسرين: الصلاة من الله: الرحمة. ورد بقوله تعالى: { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ...(157)} (البقرة) ، قال ابن كثير: وقد يقال: لا منافاة بين القولين .

    - الصلاة بمعنى (الدعاء والاستغفار) .
    ومنه قوله تعالى: { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ...(103)}(التوبة) أي: ادع لهم واستغفر لهم، كما روي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُتي بصدقة قوم صّلى عليهم. فأتاه أبي بصدقته فقال: ( اللهم صل على آل أبي أوفى ) ، رواه مسلم. وقوله تعالى: { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } .
    قال القرطبي: وصلاة الملائكة: دعاؤهم للمؤمنين، واستغفارهم لهم.


    ..........................

    السؤال رقم (9) :
    ما السور التي ورد فيها ذكر ما يلي :
    - غزوة بدر
    - غزوة أحد
    - غزوة تبوك
    - قصة الإفك ؟..

    الإجـابة :
    ـ ورد ذكر غزوة بدر في سورة آل عمران في آية واحدة { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)} .. ولكن أحداث الغزوة وردت في سورة الأنفال وتسمى غزوة بدر يوم الفرقان .

    ـ وورد ذكر غزوة أحد وأحداثها في سورة آل عمران بدون تصريح لاسم الغزوة .

    ـ وورد ذكر غزوة تبوك في سورة التوبة التي تسمى الفاضحة والكاشفة لكونها فضحت وكشفت أمر المنافقين ومخططاتهم .. وكانت هذه الغزوة في شدة الحر حتى سماها الله تعالى في سورة التوبة ساعة العسرة ..
    تأمل تدبري في هذه الآية للشيخ سلمان العودة في قوله تعالى: { الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ..(117)} :
    ما أجمل التعبير القرآني !!.. جعل العسر ساعة عابرة سريعة الانقضاء محصورة لا تفترش الحياة كلها !..

    ـ ووردت حادثة الإفك في سورة النور : { إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ...(11) } وقد وقع ذكرها في القرآن بأسلوب مميز وفريد ..
    يقول الزمخشري :لم يقع في القرآن من التغليظ في معصية ما وقع في قصة الإفك بأوجز عبارة وأشبعها؛ لاشتماله على الوعيد الشديد، والعتاب البليغ، والزجر العنيف، واستعظام القول في ذلك واستشناعه بطرق مختلفة، وأساليب متقنة، كل واحد منها كاف في بابه، بل ما وقع منها من وعيد عبدة الأوثان إلا بما هو دون ذلك؛ وما ذلك إلا لإظهار علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وتطهير من هو منه بسبيل .

    السؤال رقم (10) :
    سمى الله تعالى في كتابه خمسة أنبياء قبل أن يكونوا .. فمن هم ؟.. مع ذكر الآية ؟..

    الجواب:
    خمسة أنبياء سماهم الله تعالى قبل أن يولدوا وهم:
    1ـ محمد صلى الله عليه وسلم وذُكِرَ باسمه أحمد : { وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ...(6)}(الصف).

    2 ـ يحيى بن زكريا: { يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (7)}(مريم).

    3 ـ عيسى ابن مريم : { إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)}(آل عمران) .

    4 ،5 ـ إسحاق وابنه يعقوب بشرت الملائكة إبراهيم وزوجته بهما: { وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (71)}(هود) .


    ..........................

    السؤال رقم (11) :
    استخرجوا ما يلي :
    - أجمع آية في الأخلاق ..
    - آية تسمى آية المحنة والامتحان ..

    الجواب :
    * أجمع آية في الأخلاق هي: قوله تعالى: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} (الأعراف) هذه الآية أجمع آية لمكارم الأخلاق وأصول الفضائل .

    * آية تسمى آية المحنة والامتحان هي : قول الله تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31)} (آل عمران) فلما ادعى قوم أنهم يحبون الله ،قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المدعين لمحبتي: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ } فمحبة الله تعالى تكون باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم .

     
     
     

    السؤال رقم (12) :
    قرأ الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النساء فلما أتى عند إحدى آياتها قال له صلى الله عليه وسلم ( حسبك الآن ) وذرفت عيناه بسببها!!..
    فما هذه الآية التي أبكته صلوات الله وسلامه عليه؟..

    الجواب :
    في صحيح البخاري : أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
    قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ علي
    فقلت: يا رسول الله، آقرأ عليك، وعليك أنزل؟
    قال: نعم إني أحب أن أسمعه من غيري
    فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا (41)} ، فقال: حسبك الآن
    فإذا عيناه تذرفان!!..
    قال ابن بطال رحمه الله : وإنما بكى صلى الله عليه وسلم عند هذا؛ لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة، وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بتصديقه والإيمان به، وسؤاله الشفاعة لهم؛ ليريحهم من طول الموقف وأهواله، وهذا أمر يحق له طول البكاء والحزن
    فإذا كان هذا الشاهد تفيض عيناه لهول هذه الآية وعظم تلك الحالة، فماذا يصنع المشهود عليه؟!!..

     

    يتبع
     
     
    منتديات اهل السنة فى العراق
     


  20. القاعدة العاشرة : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ }


     

    إنها قاعدة جليلة قرآنية محكمة مؤكَّدة، تشع منها القدرة الإلهية؛ لتساند جند الإيمان في كل زمان ومكان، "ومعلوم أن نصر الله إنما هو باتباع ما شرعه: بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه ونصرة رسله وأتباعهم، ونصرة دينه وجهاد أعدائه، وقهرهم حتى تكون كلمته جل وعلا هي العليا، وكلمة أعدائه هي السفلى")(أضواءالبيان: (5/ 265))

    إن هذه القاعدة العظيمة هي سنة من سنن الله تعالى الماضية مضي الليل والنهار، الراسخة رسوخ الجبال.

    "وقوله سبحانه :{ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ } عطف على جملة { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ }، أي أمر الله المسلمين بالدفاع عن دينهم، وضمن لهم النصر في ذلك الدفاع؛ لأنهم بدفاعهم ينصرون دين الله، فكأنهم نصروا الله؛ ولذلك أكد الجملة بلام القسم ونون التوكيد (التحريروالتنوير: (1/ 202)

    وهذه القاعدة جاءت ضمن آيتني كريمتين، أبرزتا أسباب النصر، يقول تعالى:
    { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) [الحج]َ
    ففي هاتين الآيتين الكريمتين وعد الله ُ بالنصر من ينصره وعدا مؤكدا بمؤكدات َمعنوية ولفظية:
    أما المؤكدات اللفظية : فهي القسم َّ المقدُر ، لأن التقدير: ( والله لينصرن اللهُ من ينصره ) وكذلك اللام والنون في { وَلَيَنصُرَنَّ } كلاهما يفيد َ التوكيد
    وأما التوكيد ُّ المعنوي: ففي قوله { إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } فهو سبحانه قوي َّلا يضعف وعزيز لا يذل ، وكل قوة وعزة ستضاده ستكون ذُلاً ً وضعفا

    وفي قوله سبحانه: { وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } تثبيت للمؤمن عندما يستبعد النصر في نظره لبعد أسبابه عنده ، فإن عواقب الأمور لله وحَدُه َ ، يغيرِّ َ سبحانه ما شاء حسب ما تقتضيه حكمته (مجالس شهر رمضان (95) للعثيمين)
    وهذه الجملة التي تضمنتها هذه القاعدة جاءت عطفا على جملة: { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ } بالجهاد وإقامة الحدود { لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا } (( وفي الآية قراءتان: بتخفيف الدال (هُدِمَتْ) وبالتشديد على التكثير، فالتخفيف يكون للتقليل والتكثير والتشديد يختص بالتكثير، ينظر: تفسير البغوي (5 /389 )) .
    فإن قيل: لم قدمت مساجد أهل الذمة ومصلياتهم على مساجد المسلمين؟ قيل: لأنها أقدم بناء. وقيل: لقربها من الهدم وقرب المساجد من الذكر، كما أخر السابق في قوله عز وجل: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) } [فاطر] ((ينظر: تفسير القرطبي (12 / 72))
    وهذه هي معابد أهل الملل الكبرى ثم قال سبحانه بعد ذلك -مؤكدا هذه القاعدة والسنة الإلهية المطردة - : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ }

    والسؤال: كيف يكون نصر الله؟
    وهل الله محتاج إلى نصره وهو الغني القوي العزيز؟
    والجواب على ذلك: أن نصره يكون بنصرة دينه، ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم في حياته، ونصرة سنته بعد مماته ، وتتمة الآية التي بعدها تكشف حقيقة النصر الذي يحبه الله ُ، ويريده، بل هو النصر الكفيل باستمرار التمكين في الأرض، قال تعالى: { الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) [الحج]
    لذا، ما نُصِرَ دين الله بأعظم من إظهار هذه الشعائر العظيمة:

    ُالصلاة: التي هي صلة بين العباد وربهم، وبها يستمدون قوتهم الحسية والمعنوية، وراحتهم النفسية. ِ
    وإيتاء الزكاة: فأدوا حق المال، وانتصروا على شح النفس، وتطهروا من الحرص، وغلبوا وسوسة الشيطان، وسدوا خلة الجماعة، وكفلوا الضعاف فيها والمحاويج، وحققوا لها صفة الجسم الحي ( في ظلال القرآن 4/2427)
    والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وفيه إصلاح لغيرهم، فالناس ما بين جاهل ٍ ، أو غافل، فهؤلاء يؤمرون بالخير ويذكرون به، أو عاص ومعاند فهؤلاء يُنهون عن المنكر.
    فمتى ما علم الله من أي أمة من الأمم أو دولة من الدول أنها ستقيم هذه الأصول الأربعة من أصول التمكين؛ أمدها الله بتوفيقه، وعونه وإن تكالبت عليها الأمم، وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، ومن سار سيرتهم أصدق الشواهد وأنصعها.
    أما إذا علم الله من أحوالهم أنهم إذا عادوا إلى الأرض ومكنوا فيها ما أقاموا صلاة ً ، ولا آتوا زكاة ً ، ولا رجحوا معروفا، ولا قبحوا منكرا، فإن الله تعالى يكلهم إلى أنفسهم، ويسلط عليهم عدوهم، أو يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض، وفي التاريخ عبرة!

    وإنك لتعجب - بعد هذا الإيضاح الرباني لأصول النصر والتمكين- من أناس ينتسبون إلى الإسلام، كيف تنكبوا عنه؟ أم كيف استبدلوا به مذاهب لا دينية أصلاً؟ ّ ولا ينسى الناس قول أحد القياديين في منظمة التحرير الفلسطينية -لما أرادوا إعلان الدولة الفلسطينية -: نريدها دولة علمانية!
    إن انتصار اليهود على هؤلاء أقرب؛ فهم أهل كتاب ودين وإن كانوا قتلة مجرمين. إن من يقرأ القرآن الكريم بأدنى تأمل، سيجد الحديث فيه ظاهرا وبينا عن أسباب ْ النصر وأسباب الهزيمة في مواطن متفرقة، وهي تحكي مواقف وقعت لأشرف جيش عرفته الدنيا، قائده محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجنوده الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
    لقد تساءل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أُحد عن سبب الهزيمة؟
    فجاء الجواب من السماء :
    { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)} [آل عمران]

    وفي حنين، وقع إعجاب من بعض مُسلمة الفتح بكثرتهم، فكاد الجيش أن ينهزم، فجاء التعقيب الذي تضمن تذكيرا بمنن الله عليهم في مواطن كثيرة:
    { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25) } [التوبة]
    ( وفي حديث القرآن عن غزوة بدر -في سورة الأنفال - تصريح بأهم أسباب النصر وأخطر أسباب الهزيمة:
    { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) [الأنفال]
    ونجد تصريحا بسبب آخر من أسباب النصر ألا وهو الإيمان، إذ يقول الله تعالى :
    { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)} [الروم]

    والسؤال: أين النصر اليوم عن المسلمين؟
    المسلمون في بلدان كثيرة مضطهدون ً مهزومون، يعيشون ضعفا ً ويذوقون عجزا!
    أين النسخ المكررة من يوم الفرقان في بدر الكبرى؟ ويوم الأحزاب؟ واليرموك؟ َ ونهاوند؟ أو يوم كُسرِ التتار حين غزوا بلاد الإسلام في أوائل القرن الثامن؟!

    إنني حرصت أن أنقل إجابات أربعة من علماء الإسلام في القديم والحديث، ٍ ومن نواح متفرقة، من المغرب والمشرق؛ لنرى كيف ينظر هؤلاء العلماء إلى الداء والدواء:
    يقول القرطبي (ت: 671هـ) مجيبا على هذا السؤال القديم في ضوء هذه القاعدة { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ }
    هكذا يجب علينا نحن أن نفعل (أي أن ننصر دين الله) لكن الأعمال القبيحة والنيات الفاسدة منعت من ذلك حتى ينكسر العدد الكبير منا قدام اليسير من العدو كما شاهدناه غير مرة! وذلك بما كسبت أيدينا
    وفي البخاري: قال أبو الدرداء: إنما تقاتلون بأعمالكم وفيه مسند (أي في صحيح البخاري حديث مسند) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    ( هل تُرْزَقون وتُنْصَرون إلا بضُعَفائِكم ) ( صحيح البخاري ح 2896)
    وفي رواية النسائي: إنَّما نصرَ اللَّهُ هذِه الأمَّةَ بضَعَفَتِهم بدعواتِهم وصلاتِهم وإخلاصِهم
    ، وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند أحمد والنسائي بلفظ: إنما تُنصرونَ وتُرزقونَ بضعفائِكم
    ، قال ابن بطال : تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء، وأكثر خشوعا في العبادة؛ لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا . فتح الباري لإبن حجر 6/89))

    فالأعمال فاسدة والضعفاء مهملون والصبر قليل والاعتماد ضعيف والتقوى زائلة، قال الله تعالى:
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)} [آل عمران] وقال سبحانه:
    { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23)} المائدة ] وقال عز وجل :
    { إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (128)} [النحل] وقال تعالى:
    { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)} [الحج] وقال عز من قائل:
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (45)} [الأنفال]

    فهذه أسباب النصر وشروطه، وهي معدومة عندنا غير موجودة فينا! فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أصابنا وحل بنا! بل لم يبق من الإسلام إلا ذكره، ولا من الدين إلا رسمه! لظهور الفساد ولكثرة الطغيان وقلة الرشاد، حتى استولى العدو شرقا وغربا برا وبحرا، وعمت الفتن وعظمت المحن! ولا عاصم إلا من رحم (تفسير القرطبي3 /255))

    ويقول الإمام ابن تيمية (ت: 728 هـ) مشخصا الداء ومبينًا الدواء:
    إذا كان في المسلمين ضعف، وكان العدو مستظهرا عليهم؛ كان ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم - إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطنًا وظاهرا- وإما بعدوانهم بتعدي الحدود باطنًا وظاهرا، قال الله تعالى:
    { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)} [آل عمران] ، وقال تعالى:
    { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)} [آل عمران] وقد قال تعالى:
    { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} [الحج] (مجموعة الرسائل والمسائل لإبن تيمية - رشيد رضا -: (1 /58))

    وللعلامة الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله ( ت: 1354هـ ) جواب عن هذا ٍالسؤال يحسن إيراده ، وهو العالم الذي عاش فترة ضعف وهوان شديدين مرت بهما أمة الإسلام:
    و لكننا نرى كثيرا من الذين يدعون الإيمان في هذه القرون الأخيرة غير منصورين، فلا بد أن يكونوا في دعوى الإيمان غير صادقين، أو يكونوا ظالمين غير مظلومين، ولأهوائهم لا لله ناصرين، ولسننه في أسباب النصر غير متبعين، وإن الله لا يخلف وعده ولا يبطل سننه، وإنما ينصر المؤمن الصادق وهو من يقصد نصر الله وإعلاء كلمته، ويتحرى الحق والعدل في حربه لا الظالم الباغي على ذي الحق والعدل من خلقه، يدل على ذلك أول ما نزل في شرع القتال قوله تعالى - من سورة الحج-:
    { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ... (39)} إلى قوله: { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ.. (40)}
    فأما الرسل الذين نصرهم الله ومن معهم فقد كانوا كلهم مظلومين، وبالحق والعدل معتصمين، ولله ناصرين. وقد اشترط الله مثل ذلك في نصر سائر المؤمنين، فقال في -سورة القتال-:
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)} [ محمد ]
    والإيمان سبب حقيقي من أسباب النصر المعنوية، يكون مرجحا بين من تساوت أسباهبم الأخرى، فليس النصر به من خوارق العادات ( تفسير المنار )7 /317.))

    وأما العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله (ت: 1376هـ) فيضمن بيانه عن الداء والدواء حديثاً مهما عن الفأل، فيقول:
    إيمان ضعيف، وقلوب متفرقة، وحكومات متشتتة، وعداوات وبغضاء باعدت بين المسلمين، وأعداء ظاهرون وباطنون، يعملون سرا وعلنًا للقضاء على الدين، َ وإلحاد وماديات، جرفت بتيارها الخبيث، وأمواجها المتلاطمة الشيوخ والشبان، ودعايات إلى فساد الأخلاق، والقضاء على بقية الرمق!!
    ثم إقبال الناس على زخارف الدنيا، وبحيث كانت هي مبلغ علمهم، وأكبر همهم، ولها يرضون ويغضبون، ودعاية خبيثة للتزهيد في الآخرة، والإقبال بالكلية على تعمير الدنيا وتدمير الدين، واحتقار واستهزاء بالدين وما ينسب إليه، وفخر وفخفخة، واستكبار بالمدنيات المبنية على الإلحاد التي آثارها وشرها وشررها قد شاهده العباد...
    ولكن مع ذلك: فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله، ولا ييأس من روح الله، ولا يكون نظره مقصورا على الأسباب الظاهرة، بل يكون ملتفتا في قلبه كل وقت إلى مسبب الأسباب، الكريم الوهاب، ويكون الفرج بين عينيه، ووعده الذي لا يخلفه، بأنه سيجعل الله بعد عسر يسرا، وأن الفرج مع الكرب، وأن تفريج الكربات مع شدة الكربات وحلول المفظعات (بهجة قلوب الأبرار ص230)

    ُنسأل الله تعالى أن يعز دينه وأن يجعلنا من أنصاره، وأن يُظهر أولياءه، ويذل أعداءه..

  21. مُلَخَّص المَنْهِيَّات في الصلاة[1]


    (1) النَهْي عن الاختصار في الصلاة (يعني أن يضع يديه على جَنْبِه وهو يصلي):

    فقد نهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُصلِّي الرجل مختَصِرًا[2]، والمقصود: النَهْي عن وضع اليد على الخاصرة (والخاصرة هي جَنْب الإنسان فوق عظمة الورك)، وقد تقدَّم أن السُّنة وضْعُ اليدَيْن على الصَّدر.


    والحكمة من النَهْي عن الاختصار:

    1 - أنَّ فيه تشبُّهًا باليهود: فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تَكْره أن يَجْعل المصلِّي يدَه في خاصرته، وتقول: إنَّ اليهود تفعله[3].


    2 - أنه راحَةُ أهل النار؛ فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((الاخْتِصار في الصلاة راحة أهلِ النَّار))[4].


    ♦ وأمَّا حُكْم الاختِصار في الصَّلاة، فقد ذهبَ ابنُ عبَّاس وابن عمر وعائشةُ ومالِكٌ والشَّافعي وأهل الكوفة إلى أنَّه مكروه، وذهب أهل الظَّاهر إلى حُرْمَتِه، ورجَّحَ الشوكاني ذلك.



    (2) النَهْي عن العَقْص في الصَّلاة (يعني أن يربط الرجل شعره بخيط أو غير ذلك وهو يصلي)، وكذلك النَهْي عن تشمير الثوب في الصلاة:

    فقد نَهى النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُصلِّي الرجل ورأسه مَعْقوص - (يعني نهى أن يكون شعره ذو ضفائر أو أن يربطه بخيط في الصلاة)"[5] ، وقد أمرَ النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يسجد على سبعةِ آراب - (يعني سبعة أعضاء) - ، ونَهى أن يَكِفَّ شعره وثوبَه - (يعني نهى أن يضم شعره ويربطه بشيء، أو أن يشمر ثوبه أو كمه أو نحو ذلك في الصلاة)[6].


    ♦ والحِكْمة من ذلك أنَّ الشعر يَسْجد معه إذا سجَد؛ فعن عبد الله بن مَسْعودٍ رضي الله عنه أنَّه دخلَ المسجد، فرَأى فيه رجلاً يُصلِّي عاقصًا شعره - (يعني شعره ذو ضفائر) - ، فلمَّا انصرفَ قال عبدالله بن مَسْعودٍ للرجل: إذا صلَّيت فلا تعقصَنَّ شعرك - (يعني لا تضفره) - ؛ فإنَّ شعرك يَسْجد معك، ولك بكلِّ شعرةٍ أَجْر، فقال الرَّجلُ: إنِّي أخافُ أن يتترب، قال: تَتْريبُه خيرٌ لك[7]، وثبت نحوه أيضًا عن ابن عمر.


    ♦ ومن الحِكْمة كذلك أنْ لا يكون شبيهًا بالمكتوف الَّذي ربطَت يده خلْفه؛ فإنَّه إذا سجدَ لا تسجد يَداه معه، فعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنه رأى عبدالله بن الحارث يصلِّي ورأسه معقوص إلى ورائه، فجعل يحلُّه - (يعني أخذ يفك له ضفائره وهو يصلي) - وأقرَّ له الآخر - (يعني لم يمنعه) - ، ثُم أقبل على ابن عبَّاس - (بعد أن انتهى من صلاته) - ، فقال له: ما لكَ ورأسي؟ فقال ابن عباس: إنِّي سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إنَّما مثَلُ هذا كمثل الَّذي يُصلِّي وهو مكتوف))[8].


    قال النوويُّ: "وقد اتَّفقَ العُلماء على النَهْي عن الصَّلاةِ وثوبُه مشمر، أو كمُّه أو نحوه، أو رأسه معقوصٌ، أو مردود شعره تحت عمامته، أو نحو ذلك، فكلُّ هذا مكروهٌ باتِّفاق العلماء" [9]، واعلم أنَّ النَهْي مختصٌّ بالرِّجال دون النِّساء.


    ♦ ولكنْ يُلاحَظ أنه إذا دخل رجلٌ المسجد، وكانَ مُسْبِلاً إزاره (يعني كان الثوب الذي يغطي الجزء الأسفل من جسده طويلاً يزيدُ على الكعب)، ثم أراد أن يشمر هذا الإزار حتى لا يصلي وهو مُسبل، فإنه يجوز له ذلك مِن باب أقلّ الضررين، لأنه قد تعارض هنا أمْرٌ حرام (وهو الإسبال)، مع أمْرٌ مكروه (وهو تشمير الثوب)، فيُقدَّم فِعل المكروه.



    (3) النَهْي عن البَصق تجاه القِبْلة، أو عن يمينه وهو يصلي:

    وقد تقدَّم بيانُ ذلك في باب المُباحات في الصَّلاة.


    (4) النَهْي عن تشبيك الأصابع:

    فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا توضَّأ أحَدُكم ثم خرجَ عامدًا إلى الصَّلاة، فلا يشبكنَّ بين يديه؛ فإنَّه في صلاة))[10] ، ففي الحديث كراهيةُ التَّشبيك من وقتِ خروجه إلى المسجد للصَّلاة، ويكون ذلك أشدَّ كراهةً في الصَّلاة من باب أولى.


    ملحوظة: وردَ في بعض الأحاديث أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم شَبك بين أصابعه في المسجد؛ كحديث: ((المُؤْمن للمؤمن كالبُنْيان يشدُّ بعضه بعضًا))، وشبك بين أصابعِه[11].


    ولا تَعارُضَ بين هذه الأحاديث وبين نَهْيِه صلَّى الله عليه وسلَّم عن تَشْبيك الأصابع في المسجد؛ لأنَّه يُمْكن الجمع بينهما أنَّ تشبيك الأصابع إذا كان لِتَعليم أو ضَرْب مثَلا، أو تشبيه، أو نحوه، فذلك جائز، والنَهْي: إذا كان بلا فائدة، أو كان التَّشبيك على سبيل العبَث، فإنَّه لا يجوز.



    (5) النَهْي عن مسح الحصى وهو في الصلاة:

    فقد قال النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الرَّجل يسوِّي التراب حيث يسجد: ((إن كنتَ فاعلاً، فواحدة))[12] ، (يعني إن كنتَ سَتُسَوِّي التراب حين تسجد فافعل ذلك مرة واحدة فقط في صلاتك كلها).


    ففي هذا الحديث دليلٌ على كراهية مَسْح الحصى وهو في الصَّلاة، فإن احتاج إلى ذلك فمَرَّة واحدة فقط؛ حتَّى لا يخرج ذلك إلى العبَث والانشغال عن حقيقة الصَّلاة، والظَّاهر أنَّ هذا النَهْي وهو في الصَّلاة، أمَّا لو سوَّى ذلك قبل دخولِه الصَّلاة، فلا بأس بذلك، والله أعلم.



    (6، 7) النَهْي عن تغطية الفم في الصلاة، وكذلك النَهْي عن السَدْل في الصلاة:

    فقد نَهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن السَّدْل في الصلاة، ونَهى أن يُغطِّي الرَّجل فاه[13]، والمقصود بالسدل: إخفاء اليدين داخل الثوب أثناء الصلاة، وأمَّا عن تغطية الفَم، فالمقصود به التلَثُّم بعمامته أو نحوها.


    قال الخطَّابِي رحمه الله: "مِن عادة العرب التلَثُّم بالعمائم على الأفواه، فنُهوا عن ذلك، إلاَّ أن يَعْرِض للمصلِّي التَّثاؤبُ، فيغطي فاه عند ذلك؛ للحديث الذي جاء فيه"[14]، قال الشيخ عادل العزّازي: يُشير إلى حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إذا تثَاءب أحَدُكم، فلْيَضع يدَه على فيه؛ فإنَّ الشيطان يدخل))[15].



    (8) كراهة نظر المصلي إلى ما يشغله عن الصلاة:

    فعن عائشة رضي الله عنها قالت: صلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في خميصةٍ لها أعلام - (يعني صلى في كِساءٌ مُربَّع من صوفٍ فيه خُطوطٌ أو نُقوش) - ، فقال: ((شغلَتْني أعلامُ هذه، اذهبوا بها إلى أبي جَهْم، وأتوني بأنبجانيَّتِه))[16] ، و"الأنبجانيَّة" كِساءٌ لا علَمَ له (يعني ليس فيه خُطوطٌ أو نُقوش).


    (9) النَهْي عن رَفْع البصر إلى السماء:

    فعن أنسِ بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما بالُ أقوامٍ يَرْفعون أبصارهم إلى السَّماء في صلاتهم؟)) - فاشتدَّ قولُه في ذلك حتى قال - : ((ليَنْتهُنَّ عن ذلك أو لَتُخَطَّفنَّ أبصارُهم))[17].


    قال ابن بطَّال: "أجمعوا على كراهة رَفْع البصَر في الصَّلاة"، هذا وقد ذهَب الشيخ ابن عثيمين إلى حُرْمة ذلك.



    (10) كراهة الاعتماد على اليدين:

    فقد نَهى النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يَجْلس الرَّجلُ في الصَّلاة وهو معتمِد على يده[18] .


    فهذا الحديث نهى عن الاعتِماد على اليد أثناء جلوسه في الصَّلاة ، لكنَّه إن احتاج إلى الاعتماد على عصا ونحوه؛ لِعُذر، فإنَّ ذلك جائز؛ فعن أمِّ قيس بنت محصن رضي الله عنها "أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لَمَّا أسَنَّ وحمَلَ اللَّحم - (يعني كَثُرَ لحم جسده) - ، اتَّخذَ عمودًا في مُصلاَّه يَعْتمد عليه"[19] .


    قال الشوكانِيُّ: "....وحديث أم قيْس - وهو الحديث السابق - يدلُّ على جواز الاعتماد على العمود والعصا ونحوهما، لكن مقيَّدًا بالعذر المذكور، وهو الكِبَر وكَثْرة اللَّحم، ويلحق به الضَّعف والمرض ونحوهما، فيكون النَهْي محمولاً على عدم العُذْر"[20].



    "التلخيص على مسؤولية الكاتب"


    [1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيح أو تعليق أو إضافة أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري).

    [2] البخاري (1220)، ومسلم (545)، وأبو داود (947)، والترمذي (383)، والنسائي (2/ 127).

    [3] البخاري (3458).

    [4] ابن خزيمة (909)، وابن حبان (2286)، وفي إسناده مقال.

    [5] حسن صحيح: رواه أبو داود (646)، والترمذي (384)، وابن ماجه (1042) - واللفظ له - وصحَّحه الترمذي.

    [6] البخاري (809، 810، 815)، ومسلم (490)، وأبو داود (889)، والترمذي (273)، والنسائي (2/ 216).

    [7] صحيح: رواه عبدالرزاق (2/ 185)، والطبراني في "الكبير" (9/ 267)، وابن أبي شيبة (2/ 194).

    [8] مسلم (492)، وأبو داود (647)، والنسائي (2/ 215 - 216).

    [9] "المجموع" للنووي (4/ 98).

    [10] حسن لغيره: أبو داود (562)، والترمذي (386)، وأحمد (4/ 241).

    [11] البخاري (481)، ومسلم (2585)، وليس عنده قوله: "وشبك بين أصابعه".

    [12] البخاري (1207)، ومسلم (546)، وأبو داود (946)، والترمذي (380)، والنسائي (3/ 7)، وابن ماجه (1026).

    [13] حسن لغيره: رواه أبو داود (643)، والترمذي (378)، وابن خزيمة (772)، والحاكم (1/ 253)، وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي، وقد رجح الشيخ أحمد شاكر تصحيحه أو تحسينه على الأقل، واللَّه أعلم، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (6883).

    [14] "معالم السُّنن" (1/ 433 - من هامش أبي داود).

    [15] مسلم (2995)، وأبو داود (5026).

    [16] البخاري (373)، (5817)، ومسلم (556)، وأبو داود (914)، والنسائي (2/ 72)، وابن ماجه (3550).

    [17] البخاري (750)، وأبو داود (913)، والنسائي (3/ 7)، وابن ماجه (1044).

    [18] صحيح: أبو داود (992)، وأحمد (2/ 147).

    [19] صحيح: أبو داود (948)، والحاكم (1/ 397)، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألبانِيُّ (انظر الصحيحة 319).

    [20] نيل الأوطار (2/ 384).


    رامي حنفي محمود

    شبكة الالوكة


     

     

  22. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } :
    لماذا ناداهم ولم ينادِ غيرهم؟ حين يكون في الأمر شرع ونظام للمسلمين ينادّون وحدهم لانهم المكلفون بالتنفيذ ، وقد ورد النداء { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } في القرآن تسعاً وثمانين مرة ، وحين يكون الدعاء للدعوة والإيمان بالله نسمع : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ }.

    إطاعة الله والرسول فرض :
    وهذا ما رأيناه في جوابه للرسول صلى الله عليه وسلم حين أرسله إلى اليمن حاكماً :
    ( بم تحكم يا معاذ؟ )
    فقدم القرآن ثم سنة النبي ثم يقول برأيه الذي لا يخالف الشرع والسنة .
    ولا يرأي لاحدٍ خلاف السنّة ولا يُقال بين يديه صلى الله عليه وسلم قبل كلامه.

    الإدلاء بالرأي بعد الإذن :
    / نحن أتباعه ونصدر عن سنته وشرعه/ فلا يتكلم أحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم إلا بإذن رسول الله ، ومن بعده لا رأي إلا بما يوافق سنته.
    التقوى من سمات المسلم، وقد كرر ذكر التقوى في هذه السورة دلالة على التحلي بها.

    مراقبة الله تعالى :
    فهو سبحانه يرانا، ومن الإحسان أن نعبد الله كأننا نراه فإن لم نكن نراه فإنه سبحانه يرانا.

    عدم رفع الصوت أمام النبي وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم:
    عمر يكاد يضرب غريبين علا صوتهما في المسجد.

    احترام العلماء والكبار ، وخاصة الآباء والأمهات ومن فوقهم.
    من فعل ذلك نال الأجر الكبير.

    علا صوت الصديق والفاروق في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم حين جاء بنو تميم فاقترح الصديق أن يكون القعقاع بن معبد أميرهم وقال الفاروق بل الأقرع بن حابس ، فنزل قوله سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} فكان الصديق لا يتحدث إلا كأخي السرار وكان الفاروق يهمس حتى يستبين الرسول كلامه مرات ومرات.
    والأنصاري ثابت بن قيس (صوته جهوري) : هو من أهل الجنة قتل يوم اليمامة ،ترك مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خوف أن يحبط عمله ، فلما افتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف السبب أدناه وقال له:
    ( تعيش حميدا وتموت شهيداً ).

    قد يحبط العمل دون الإحساس به :
    { .. أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} فعلى المرء أن يكون حذراً في انتظار العالم للاستفادة منه والصبر عليه أجر كبير، وهذا ما رأيناه في قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5)}

    البحث عن الحقيقة ووضوحها :
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)}
    – هذا مانراه في عودة الوليد بن عقبة الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق يجبي زكواتهم وصدقاتهم فعاد خائفاً منهم يقول غير الحق فقدم ضرار بن الحارث والد أم المؤمنين جويرية وزعيم بني المصطلق يحمل الزكاة ، ويوضح خطأ الوليد ، فمن حكم دون دليل قد يندم إذ يقع في الخطأ، ويقدم صورة غير حقيقية لما يجري.

    طاعة المسؤول المسلم واجبة فما يصدر منه بعد الاستشارة إلى الحكم الأقرب للصواب :
    { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ (71)} [المؤمنون]
    وعلى المرءوس أن يطيع الحاكم المسلم فتقوم الحياة بالقسط والراحة والأمان.
    عن أبي رفاعة الزرقي عن أبيه قال لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    ( استووا حتى أثني على ربي عز وجل )
    فصاروا خلفه صفوفا فقال صلى الله عليه وسلم :
    ( اللهم لك الحمد كله
    اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضتَ ولا هادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت ولا مقرب لما باعدت ولا مباعد لما قربت
    اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك
    اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول
    اللهم إني أسألك النعيم يوم العيلة ،والأمن يوم الخوف ا
    للهم إنى عائذ بك من شر ما أعطيتنا ومن شر ما منعتنا ،
    اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ،
    اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين
    اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك
    اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتابَ، إله الحق
    ) رواه النسائي.

    كل الخير من الله ، وهو سبحانه يعلم الهداة من الضالين :
    { فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)}.
    ومن اطاع ربه نال الخير في الدارين.

    قد تتخاصم فئتان من المسلمين فيجب الإصلاح بينهما، فإن فجرت إحداهما فإنه ينبغي قتالها لتعود إلى الحق وتخضع له، ولا بدّ من العدل والعمل به فالله يحب العدل وأهله." قال صلى الله عليه وسلم :
    ( إنَّ المقسطينَ في الدُّنيا علَى منابرَ من لؤلؤٍ بين يدَيْ الرَّحمنِ بما أقسَطوا في الدُّنيا ) ولا ينبغي للحاكم أن يحابي في الحق أحداً .

    ( لا تحاسَدوا ، ولا تَناجَشوا (الزيادة في ثمن السلعة لا يُريد شراءها)، ولا تباغَضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبِعْ بعضُكُم علَى بيعِ بعضٍ ، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا المسلمُ أخو المسلمِ ، لا يظلِمُهُ ولا يخذلُهُ ، ولا يحقِرُهُ التَّقوَى ههُنا ويشيرُ إلى صدرِهِ ثلاثَ مرَّاتٍ بحسبِ امرئٍ منَ الشَّرِّ أن يحقِرَ أخاهُ المُسلمَ ، كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ ، دمُهُ ، ومالُهُ ، وَعِرْضُهُ وفي روايةٍ :
    قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : فذَكَرَ نحوَ حديثِ داودَ ، وزادَ ، ونقصَ وممَّا زادَ فيهِ :
    إنَّ اللَّهَ لا ينظرُ إلى أجسادِكُم ، ولا إلى صورِكُم ، ولَكِن ينظرُ إلى قلوبِكُم وأشارَ بأصابعِهِ إلى صدرِهِ.)إنها تعاليم الحق التي تبني مجتمعاً مسلماً منظماً متآلفاً.

    النهي عن السخرية :
    السخرية بالناس وهو احتقارهم والاستهزاء بهم كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
    " الكبر بطر الحق وغمص الناس - ويروى - وغمط الناس " والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم وهذا حرام فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله تعالى وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له ; ولهذا قال تعالى:
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء
    وقوله تبارك وتعالى { وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ } أي لا تلمزوا الناس والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون كما قال تعالى: { وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1)} [الهمزة] ، والهمز بالفعل واللمز بالقول كما قال عز وجل: { هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ (11)} [القلم] ، أي يحتقر الناس ويهمزهم طاغيا عليهم ويمشي بينهم بالنميمة وهي اللمز بالمقال ولهذا قال ههنا:
    { وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ }

    البعد عن اللمز من سمات المسلم :
    { وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ } أي لا يطعن بعضكم على بعض وقوله تعالى : { وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } أي لا تداعوا بالألقاب وهي التي يسوء الشخص سماعها
    قال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي قال حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال فينا نزلت في بني سلمة { وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فكان إذا دعا أحدا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا يا رسول الله إنه يغضب من هذا فنزلت {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ }
    وهناك تهديد ووعيد من الله تعالى : {بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} وينبغي للمرء أن ينادي أخاه بما يحب ويرضى، وهذا يقرب النفوس ويُذهب الأحقاد والضغائن.

    الظن وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله لأن بعض ذلك يكون إثما محضا فليُجتنبْ كثير منه احتياطا .
    قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه "ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا وأنت تجد لها في الخير محملا ،وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول :
    ( ما أطيبَكِ وأطيبَ ريحَكِ ما أعظمَكِ وأعظمَ حُرمتَكِ والذي نفسُ محمدٍ بيدِهِ لحرمةُ المؤمنِ أعظمُ عندَ اللَّهِ حرمةً منكِ مالُهُ ودمُهُ وأن يُظنَّ بهِ إلا خيرًا ) الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الكافي الشاف وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( إيَّاكم والظَّنَّ . فإنَّ الظَّنَّ أَكْذبُ الحديثِ ولا تحسَّسوا ، ولا تجسَّسوا ، ولا تَنافسوا ، ولا تحاسَدوا ، ولا تباغَضوا ، ولا تدابَروا ، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا )
    الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( ثلاثٌ لازماتٌ أمَّتي الطِّيَرةُ والحسدُ وسوءُ الظَّنِّ )
    فقال رجلٌ ما يُذهِبُهنَّ يا رسولَ اللهِ ممَّن هنَّ فيه قال :
    إذا حسَدْتَ فاستغفِرِ اللهَ وإذا ظنَنْتَ فلا تتحقَّقْ وإذا تطيَّرْتَ فامضِ" ويقول عليه الصلاة والسلام:
    ( إنَّك إنِ اتَّبَعْتَ عوراتِ النَّاسِ أفسَدْتَهم أو كِدْتَ أنْ تُفسِدَهم )
    الراوي : معاوية بن أبي سفيان | المحدث : ابن حبان "
    ما أروع هذه الكلمات المضيئة.

    { وَلَا تَجَسَّسُوا } على بعضكم بعضا، والتجسس غالبا يطلق في الشر ومنه الجاسوس وأما التحسس فيكون غالبا في الخير كما قال عز وجل إخبارا عن يعقوب أنه قال :
    { يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)} [يوسف] وقد يستعمل كل منهما في الشر كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
    ( ولا تحسَّسوا ، ولا تجسَّسوا ، ولا تَنافسوا ، ولا تحاسَدوا ، ولا تباغَضوا ، ولا تدابَروا ، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا ) وقال الأوزاعي التجسس البحث عن الشيء والتحسس الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون أو يتسمع على أبوابهم

    وفي السورة النهي عن التدابر : وهو الصرم .
    رواه ابن أبي حاتم عنه وقوله تعالى : { وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ) فيه نهي عن الغيبة. قيل يا رسول الله ما الغيبة ؟
    قال : صلى الله عليه وسلم : (ذكرك أخاك بما يكره )
    قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟
    قال صلى الله عليه وسلم: ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) والبهتان : الكذب الشديد.
    عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة
    فقال صلى الله عليه وسلم : ( لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته )
    فكم نقع هذه الأيام في بحار الغيبة ؟!
    قالت وحكيت له إنسانا ( قلّدتُه)فقال صلى الله عليه وسلم :
    ( ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا ) ، وكم نفعل هذا قصداً ومن غير قصد حتى صارت فينا والعياذ بالله عادة.
    والغيبة محرمة بالإجماع لا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته كما في الجرح والتعديل والنصيحة كقوله صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر :
    ( ائذنوا له بئس أخو العشيرة ) وكقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها وقد خطبها معاوية وأبو الجهم :
    " أما معاوية فصعلوك، وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه " وكذا ما جرى مجرى ذلك ، ثم بقيتها على التحريم الشديد وقد ورد فيها الزجر الأكيد ;
    ولهذا شبهها تبارك وتعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت كما قال عز وجل:
    { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } ، فكما تكرهون هذا طبعا فاكْرهوا ذاك شرعا فإن عقوبته أشد من هذا. وهذا من التنفير عنها والتحذير منها كما قال صلى الله عليه وسلم في العائد في هبته :
    ( كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه ) وقد قال :
    ( ليس لنا مثل السوء )

    قال صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع :
    ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    ( كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه حسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) ورواه الترمذي ،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين , ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته )
    قال النبي صلى الله عليه وسلم :
    ( من أكل برجُلٍ مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها في جهنم ومن كسا ثوبا برَجُلٍ مسلمٍ فإن الله يكسوه مثله في جهنم ومن قام برَجُلٍ مقام سمعة ورياء فإن الله تعالى يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة )
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم قلت من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم )

    حدَّث عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن ههنا امرأتين صامتا وإنهما كادتا تموتان من العطش أراه قال بالهاجرة فأعرض عنه أو سكت عنه فقال يا نبي الله إنهما والله قد ماتتا أو كادتا تموتان
    فقال " ادعهما " فجاءتا قال فجيء بقدح أو عس فقال لإحداهما " قيئي " فقاءت من قيح ودم وصديد حتى قاءت نصف القدح ثم قال للأخرى" قيئي " فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما ودما عبيطا وغيره حتى ملأت القدح ثم قال :
    ( إن هاتين صامتا عما أحل الله تعالى لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس ) وهكذا رواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون وابن أبي عدي كلاهما عن سليمان بن صوعان التيمي به مثله أو نحوه ثم رواه أيضا من حديث مسدد عن يحيى القطان عن عثمان بن غياث حدثني رجل أظنه في حلقة أبي عثمان عن سعد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم أمروا بصيام فجاء رجل في نصف النهار فقال يا رسول الله فلانة وفلانة قد بلغتا الجهد فأعرض عنه مرتين أو ثلاثا ثم قال " ادعهما " فجاء بعس أو قدح فقال لإحداهما : قيئي فقاءت لحما ودما عبيطا وقيحا وقال للأخرى مثل ذلك ثم قال :
    ( إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما أتت إحداهما للأخرى فلم تزالا تأكلان لحوم الناس حتى امتلأت أجوافهما قيحا ) قال البيهقي كذا قال

    وعن سعد كنا مع النبي الله فارتفعت ريح جيفة منتنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    أتدرون ما هذه الريح ؟ هذه ريح الذين يغتابون الناس ؟ "
    " طريق أخرى " قال عبد بن حميد في مسنده حدثنا إبراهيم بن الأشعث حدثنا الفضيل بن عياض عن سليمان عن أبي سفيان وهو طلحة بن نافع عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فهاجت ريح منتنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
    ( إن نفرا من المنافقين اغتابوا أناسا من المسلمين فلذلك بعثت هذه الريح ) وربما قال :
    ( فلذلك هاجت هذه الريح )

    قال الجمهور من العلماء طريق المغتاب للناس في توبته أن يقلع عن ذلك ويعزم على أن لا يعود وهل يشترط الندم على ما فات ؟ فيه نزاع وأن يتحلل من الذي اغتابه , وقال آخرون : لا يشترط أن يتحلله فإنه إذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما إذا لم يعلم بما كان منه فطريقه إذا أن يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها وأن يرد عنه الغيبة بحسبه وطاقته لتكون تلك بتلك

    عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
    ( من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله تعالى إليه ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مؤمنا بشيء يريد سبه حبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( ما من امرىء يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله تعالى في مواطن يحب فيها نصرته وما من امرىء ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله عز وجل في مواطن يحب فيها نصرته ) . وهذا ما ينبغي فعله ليرتدع الفاسق أن يذكر أخاه بسوء.

    وقد خلقنا الله تعالى من ذكر وأنثى :
    من رجل وامرأة فكلكم لآدم وآدم من تراب قعلام التكبر؟. وعلام التعاظم على الآخرين؟!

    الادّعاء والامتنان مذمومان:
    { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ..} فعلّمهم التواضع والوقوف على الحق، يكون الإسلام أولاً ، فإن التزم المسلم أمر الله وعمل بما يُرضيه صار مؤمناً ، وإن اجتهد في الخير والتزمه صار محسناً . إنه التدرُّج في الارتقاء ولعلنا نذكر الحديث الثاني في الأربعين النووية الذي رواه الفاروق رضي الله عنه حين جاء جبريل يعلم الصحابة دينهم، فسأل عن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان.

    لا ينقص الله من ثوابنا شيئاً ، قال تعالى:
    { وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا }، أي لا ينقصكم من أجوركم شيئا ولعلنا نذكر قوله تعالى يؤكد هذا في سورة الطور حين قال عز مِن قائل:
    { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)}.

    من هم المؤمنون الصادقون؟
    { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} الإيمان الصادق والثبات عليه ثم الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس .إذ ذاك يستحق المرء صفة ( الصادق).

    ما ينبغي لأحد أن يتعالم بشيء لا يحسنه ولا يعلمه
    إنما يحيل العلم لصاحبه والأمر لذويه ، والله تعالى الذي نزّل الكتاب هو العالم بالأمور يعلم نبيه وهو صلى الله عليه وسلم يعلمنا ، والدين دين الله وهو صاحب الأمر والنهي { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)} ، وقال عز وجل : { ... لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61)} [يونس] ، { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }.

    { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17)}
    منَّ الأعراب بإسلامهم ومتابعتهم ونصرتهم على الرسول صلى الله عليه وسلم ،فردَّ الله تعالى عليهم: { قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم } فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم ،ولله المنة عليكم فيه { بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } في دعواكم ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم حنين :
    ( يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ وكنتم عالة فأغناكم الله بي ؟ )
    " كلما قال شيئا قالوا : الله ورسولُه أمنُّ. فالمنُّ لله ولرسوله.

    جاءت بنو أسد إلى رسول الله الله فقالوا يا رسول الله أسلمنا وقاتلتك العرب ولم نقاتلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( إن فقههم قليل وإن الشيطان ينطق على ألسنتهم ) ونزلت هذه الآية : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17)}.


    موقع الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب


     


  23. القاعدة التاسعة : { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى }
     
    هذه قاعدة من القواعد القرآنية العظيمة، التي هي أثر من آثار كمال علم الله وحكمته وقدرته في خلقه عز وجل، تلكم هي ما دل عليها قوله تعالى: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى }[آل عمران: 36].

    وهذه الآية جاءت في سياق قصة امرأة عمران، والدة مريم -عليهما السلام -يقول تعالى: { إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم (36)}[آل عمران].

    وخلاصة القصة:أن امرأة عمران قد نذرت أن يكون مولودها القادم خادما لبيت المقدس، فلما وضعت مولودها، قالت معتذرة: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى }؛لأن قدرة الذكر على خدمة بيت المقدس، والقيام بأعباء ذلك أكثر من الأنثى التي جبلها الله تعالى على الضعف البدني، وما يلحقها من العوارض الطبيعية التي تزيدها ضعفاً: كالحيض والنفاس ومن اللطائف في تركيب هذه القاعدة: أن الله تعالى قال: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى } مع أنه لو قيل: "وليست الأنثى كالذكر" لحصل المقصود،ولكن لما كان الذكر هو المقصود قُدّم في الذكر هنا،ولأنه هو المرجو المأمول؛فهو أسبق إلى لفظ المتكلم. ينظر: التحرير و التنوير: (3/87)..

    ولقد بين القرآن هذا التفاوت بين الجنسين في مواضع كثيرة، منها:
    قوله تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ } وهم الرجال { عَلَى بَعْضٍ } وهن النساء، ومنها:
    قوله تعالى: { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ }(البقرة: 228)، وذلك لأن الذكورة كمال خلقي، وقوة طبيعية، وشرف وجمال، والأنوثة نقص خَلْقي، وضعف طبيعي، كما هو محسوس مشاهد لجميع العقلاء، لا يكاد ينكره إلا مكابر في المحسوس، وقد أشار جل وعلا إلى ذلك بقوله:
    { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)}[الزخرف]؛ فالأنثى تنشأ في الحلية، أي: الزينة -من أنواع الحلي والحلل -لتجبر بذلك نقصها الخَلْقي (أضواء البيان (3/498) ط.الراجحي).

    بل يقال: إن بعض ما جبل الله عليه الأنثى هو نوع من الكمال في حقها، وإن كان نقصاً في حق الرجال، "ألا ترى أن الضعف الخَلْقي والعجز عن الإبانة في الخصام عيب ناقص في الرجال، مع أنه يعد من جملة محاسن النساء التي تجذب إليها القلوب"(أضواء البيان: (3/501)).

    هذا هو حكم الله القدري:أن الذكر ليس كالأنثى،
    وهذا حكم الأعلم بالحِكَمِ والمصالح سبحانه وتعالى، هذا كلام الذي خلق الخلق، وعَلِمَ ما بينهم من التفاوت والاختلاف:
    { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)}[الملك]، وقد تفرع على ذلك:اختلاف بين الذكر والأنثى في جملة من الأحكام الشرعية -وإن كانا في الأصل سواء-.

    وهذا الاختلاف في الأحكام الشرعية بين الذكر والأنثى راجع إلى مراعاة طبيعة المرأة من حيث خلقتها، وتركيبها العقلي، والنفسي، وغير ذلك من صور الاختلاف التي لا ينكرها العقلاء والمنصفون من أي دين، وليعلم المؤمن ههنا قاعدة تنفعه في هذا الموضع وفي مواضع كثيرة، وهي: أن الشرع لا يمكن أن يفرق بين متماثلين، ولا يجمع بين متناقضين، وشأن المؤمن الحق أن لا يعارض الشرع بعقله القاصر، بل شأنه أن يتلمس الحكم من وراء ذلك التفريق، أو هذا الجمع.
    ومن توهم أنهما سواء فقد أبطل دلالة القرآن والسنة على ذلك:

    أما القرآن فإن القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها دليل واضح على هذا.

    وأما السنة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال (البخاري ح(5885) من حديث ابن عباس رضي الله عنه)، فلو كانا متساويين لكان اللعنُ باطلاً.

    ولنتأمل شيئاً من حِكَمِ الله تعالى في التفريق بين الذكر والأنثى في بعض الأحكام الشرعية، ومن ذلك:

    1 -التفريق في الميراث:
    اقتضت سنة الله أن يكون الرجل هو الذي يكدح ويتعب في تحصيل الرزق، وهو الذي يطلب منه دفع الميراث، والمشاركة في دفع الدية -عند قيام المقتضي لذلك -فالذكر مترقب دوماً للنقص من ماله، بعكس الأنثى فهي دوماً تترقب الزيادة في مالها: حينما يدفع لها المهر، وحينما ينفق عليها من قبل وليها.

    يقول العلامة الشنقيطي: "وإيثارُ مترقب النقص دائماً على مترقب الزيادة دائماً -لجبر بعض نقصه المترقب -حكمتُه ظاهرة واضحة، لا ينكرها إلا من أعمى الله بصيرته بالكفر والمعاصي"(أضواءالبيان: (3/500)).

    2 -التفريق في الشهادة:

    وهذا نصت عليه آية الدين:
    { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى...(282)}[البقرة]، كما دلت عليه السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم،وبين أن سبب هذا هو نقصٌ في عقلها.

    وهذا التفريق -لمن تأمله -عين العدل، يقول الشيخ السيد رشيد رضا- مبيناً هذا المعنى-: "إن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات، فلذلك تكون ذاكرتها فيها ضعيفة، ولا تكون كذلك في الأمور المنزلية -التي هي شغلها -فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل، يعني أن طبع البشر ذكراناً وإناثاً أن يقوى تذكرهم للأمور التي تهمهم ويكثر اشتغالهم بها، ولا ينافي ذلك اشتغال بعض النساء الأجانب في هذا العصر الأعمال المالية فإنه قليل لا يعول عليه، والأحكام العامة إنما تناط بالأكثر في الأشياء وبالأصل فيها"(تفسيرالمنار: (3/104).انتهى.

    ولا يظنن أحدٌ أن في ذلك انتقاصاً لقدرها، بل هو تنزيهٌ لها عن ترك مهمتها الأساسية في التربية والقرار في البيت، إلى مهمة أقل شأناً وسمواً، وهي ممارسة التجارة والمعاملات المالية!

    وقد أشار فريق من الباحثين إلى أن المرأة الحامل ينكمش عندها حجم الدماغ، ولا يعود لحجمه الطبيعي إلا بعد أشهر من وضعها.

    وليُ علم أن هذا الحكم -أعني كون شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل -ليس مطرداً في جميع الأبواب، بل إنها مثل الرجل في بعض الأحكام، كشهادتها في دخول شهر رمضان، وفي باب الرضاع، والحيض، والولادة، واللعان وغير ذلك من الأحكام.

    ونحن بحمد الله مؤمنون بحكم الله وقدره، ولا تزيدنا البحوث الحديثة إلا يقيناً، ونقطع بأن أي بحث يخالف صريح القرآن فنتيجته غلط، وإنما أتي صاحبها من سوء فهمه.

    وليس هذا التفريق بين الذكر والأنثى كله في صالح الرجل، بل جاءت أحكام تفرق بينهما تفريقاً لصالح المرأة -إن صحّت العبارة -، ومن ذلك: أن الجهاد لا يجب على النساء لطبيعة أجسادهن، فسبحان العليم الحكيم الخبير.

    إذا تبين هذا؛ فعلى المؤمن أن يحذر من كلمة راجت على كثير من الكتاب والمثقفين، وهي كلمة "المساواة" في مقام الحديث عن موضوع المرأة، وهي كلمةٌ لم ترد في القرآن بهذا المعنى الذي يورده أولئك الكتاب، كقوله تعالى:
    { لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ...(10)}[الحديد]، وكقوله تعالى:
    { لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ...(95)}[النساء]، وكقوله تعالى:
    { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ...(16)}[الرعد] ،
    والصواب أن يعبر عن ذلك بالعدل؛ لأن الله تعالى يقول:
    { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ...(90)}[النحل]، ولم يقل: يأمر بالمساواة! لأن في كلمة المساواة إجمالاً ولبساً بخلاف العدل، فإنها كلمة واضحة بينه صريحة في أن المراد أن يعطى كل ذي حق حقه.

    إن دلالة العدل تقتضي أن يتولى الرجل ما يناسبه من أعمال، وأن تتولى المرأة ما يناسبها من أعمال، بينما كلمة مساواة: تعني أن يعمل كلٌ من الجنسين في أعمال الآخر!

    ومدلول كلمة العدل: أن تعمل المرأة عدداً من الساعات يناسب بدنها وتكوينها الجسمي والنفسي، بينما مقتضى المساواة: أن تعمل المرأة نفس ساعات الرجل، مهما اختلفت طبيعتهما!

    وهذا كلّه عين المضادة للفطرة التي فطر الله عليها كلاً من الرجل والمرأة!

    ولهذا لما أصرت بعض المجتمعات الغربية على هذه المصادمة للفطرة، وبدأت تساوي المرأة بالرجل في كل شيء ذاقت ويلاتها ونتائجها المرة، حتى صرخ العقلاء منهم -رجالاً ونساء -وكتبَوا الكتب والرسائل التي تحذر مجتمعاتهم من الاستمرار وراء هذه المصادمة، ومن ذلك:

    1 -ما قالته دافيسون - زعيمة حركة كل نساء العالم -: "هناك بعض النساء حطمن حياتهن الزوجية عن طريق إصرارهن على المساواة بالرجل، إن الرجل هو السيد المطاع، ويجب على المرأة أن تعيش في بيت الزوجية، وأن تنسى كل أفكارها حول المساواة"(العدوان على المرأة (ص102) فؤاد بن عبد الكريم).

    2 -وهذه هيلين أندلين - وهي خبيرة في شؤون الأسرة الأمريكية - تقول: "إن فكرة المساواة- التماثل- بين الرجل والمرأة غير عملية أو منطقية، وإنها ألحقت أضراراً جسمية بالمرأة والأسرة والمجتمع"ا.هـ.(قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية. فؤاد بن عبدالكريم: (ص278).

    3 -أما رئيسة الجمعية النسائية الفرنسية - رينيه ماري - فتقول: "إن المطالبة بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة تصل بهما إلى مرحلة الضياع، حيث لا يحصل أحد من الطرفين على حقوقه"ا.هـ (السابق (ص269)، ولو رجعنا إلى لغة الأرقام التي أجريت في بلاد الغرب لطال بنا المقام.

    4- وهذه كلمات قالتها امرأة من أشهر دعاة الحرية والمساواة بين الرجل والمرأة في منطقة الخليج (الكاتبة ليلى العثمان):
    "سأعترف اليوم بأنني أقف في كثير من الأشياء ضد ما يسمى بـ(حرية المرأة)، تلك الحرية التي تكون على حساب أنوثتها، على حساب كرامتها، وعلى حساب بيتها وأولادها، سأقول: إنني لن أحمّل نفسي– كما تفعل كثيرات – مشقة رفع شعار المساواة بينها وبين الرجل، نعم أنا امرأة!
    ثم تقول: هل يعني هذا أن أنظر إلى البيت -الذي هو جنة المرأة -على أنه السجن المؤبد، وأن الأولاد ما هم إلا حبل من مسد يشد على عنقي؟
    وأن الزوج ما هو إلا السجان القاهر الذي يكبّل قدمي خشية أن تسبقه خطوتي؟
    لا، أنا أنثى وأعتز بأنوثتي، وأنا امرأة أعتز بما وهبني الله، وأنا ربة بيت، ولا بأس بعد ذلك أن أكون عاملة أخدم خارج البيت نطاق الأسرة، ولكن-ويا رب أشهد-!: بيتي أولاً، ثم بيتي، ثم بيتي، ثم العالم الآخر"(رسائل إلى حواء (3/85)) ،انتهى.

    وبعد هذا كله: فماذا يقال عمن سوّى بين الذكر والأنثى، والذي خلقهما يقول: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى

    إنك لا تتعجب أن يقع الرد لهذا الحكم القدري من كفار أو ملاحدة، وإنما تستغرب أن يقع هذا من بعض المنتسبين لهذا الدين، والذين يصرحون في مقالاتهم وكتاباتهم بأن هذا الحكم كان في فترة نزول الوحي يوم كانت المرأة جاهلة لم تتعلم! أما اليوم فقد تعلمت المرأة، وحصلت على أعلى الشهادات!
    وهذا الكلام خطير جداً،وقد يكون رِدّةً عن الدين؛ لأنه ردٌّ على الله تعالى، فإنه هو الذي قدَّر هذا الحكم، وهو الذي يعلم ما ستؤول إليه المرأة إلى يوم القيامة.

    ثم إن التاريخ والواقع يُكذِب هذه المقولة من جهتين:
    الأولى:
    أن تكوين المرأة النفسي والبدني (الفسيولوجي) لم يتغير منذ خلق الله تعالى،فأمُنا حواء من ضلع أبينا آدم، وإلى أن يرث الله ومن عليها! ولم يربط الله تعالى ذلك بعلمٍ تتعلمه، أو بشهادة تحصل عليها.

    والجهة الثانية لبيان خطأ هذه المقولة:
    أن هذا الحكم يدخل فيه أمهات المؤمنين -رضوان الله عليهن -، وهن -بلا ريب -أعلم نساء هذه الأمة، وأتقاهن، ومن هي التي تبلغ عشر علمهن؟!
    ومع ذلك لم تتعرض واحدة منهن على هذه الأحكام الشرعية التي سمعنها مباشرة من زوجهن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم،بل قابلن ذلك بالانقياد والتسليم، والرضى والقبول، وجرى على هذا الهدي من سار على نهجهن من نساء المؤمنين إلى يومنا هذا.

    ولعلي أختم هذه القاعدة بهذه القصة الطريفة-التي سمعتها من أحد الباحثين، وهو يتكلم عن زيف الدعوى التي تطالب بفتح الباب للنساء؛ لكي يمارسن الرياضة كما يمارسها الرجال -يقول هذا الباحث وفقه الله:
    إن أحد العدَّائين الغربيين المشهورين تعرّف إلى امرأة تمارس نفس رياض العدو، فرغب أن يتزوجها، وتمّ له ما أراد، لكن لم يمض سوى شهرين على زواجهما حتى انتهى الزواج إلى طلاق! فسئل هذا العدّاء: لماذا طلقتها بهذه السرعة؟! فقال: لقد تزوجت رجلاً ولم أتزوج امرأة!! في إشارة منه إلى القسوة في التمارين -التي تتطلبها رياضة العدو -أفقدتها أنوثتها، فأصبحت في جسم يضاهي أجسام الرجال، وصدق الله العظيم، العليم الخبير: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى
    فهل من مُدَّكر؟
     

  24. القاعدة الثامنة : { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }
     
    أما بعد:
     
    فالمسطور يبدئ ويعيد، في ثوب جديد، ويسفر بادي الحُسن وحروفه زكية، وسيماه: (قواعد قرآنية)، نقف فيه مع قاعدة من القواعد القرآنية العظيمة، التي تؤسس مبدأً شريف القدر، سامي الذرى، إنه مبدأ العدل، وهذه قاعدة طالما استشهد بها العلماء والحكماء والأدباء، لعظيم أثرها في باب العدل والإنصاف، تلكم هي ما دل عليها قوله تعالى: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [الزمر: 7].
     
    والمعنى: أن المكلفين إنما يجازون بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وأنه لا يحمل أحدٌ خطيئةَ أحد ولا جريرتَه، ما لم يكن له يدٌ فيها، وهذا من كمال عدل الله تبارك وتعالى وحكمته، ولعل الحكمة من التعبير عن الإثم بالوزر، لأن الوزر هو الحمل ـ وهو ما يحمله المرء على ظهره ـ فعبر عن الإثم بالوزر لأنه يُتَخّيَلُ ثقيلاً على نفس المؤمن [التحرير والتنوير لابن عاشور:5/293].
     
    هذه القاعدة القرآنية تكرر تقريرها في كتاب الله تعالى خمس مرات، وهذا ـ بلا شك ـ له دلالته ومغزاه.
     
    وإن هذا المعنى الذي دلت عليه القاعدة ليس من خصائص هذه الأمة المحمدية، بل هو عام في جميع الشرائع، تأمل قوله تعالى:
     
    { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)} [النجم].
     
    وهذا المعنى الذي قررته القاعدة لا يعارض ما دلّ عليه قوله تعالى:
     
    { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [العنكبوت:13]، وقوله سبحانه:
     
    { وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ } [النحل:25]، لأن هذه النصوص تدل على أن الإنسان يتحمل إثم ما ارتكب من ذنوب، وإثم الذين أضلهم بقوله وفعله، كما أن الدعاة إلى الهدى يثيبهم الله على عملهم وعمل من اهتدى بهديهم، واستفاد من علمهم.
     
    ولهذا لما اجتهد جماعة من صناديد الكفر في إبقاء بعض الناس على ما هم عليه من الكفر، أو حث من كان مؤمناً لينتقل من الإيمان إلى الكفر، أغروهم بخلاف هذه القاعدة تماماً، فقالوا ـ كما حكى الله عنهم ـ:
     
    { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)} [العنكبوت].
     
    وإنك أخي المتوسم إذا تأملت في كلام العلماء في كتب التفسير والحديث والعقائد، والفقه، وغيرها رأيت عجباً من كثرة الاستدلال بهذه القاعدة في مواطن كثيرة، فكم من رأي نقضه فقيه بهذه الآية، بل كم مسألة عقدية صار الصواب فيها مع المستدل بهذه الآية، والمقام ليس مقام عرض لهذه المسائل، بل المقصود التنبيه على عظيم موقعها.
     
    وإذا أردنا أن نبحث عن أمثلة تطبيقية لهذه القاعدة في كتاب الله، فإن من أشهر الأمثلة وأظهرها تطبيق نبي الله يوسف صلى الله عليه وسلم لها، وذلك أنه حينما احتال على أخذ أخيه بنيامين، بوضع السقاية في رحل أخيه ـ في القصة المعروفة ـ جاء إخوته يقولون كما قال عز وجل:
     
    { يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) } [يوسف]،
     
    فأجابهم يوسف قائلاً: { مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)} [يوسف].
     
    قارن هذا ـ بارك الله فيك ـ بقول فرعون حينما قال له كَهَنته: إنه سيولد من بني إسرائيل غلامٌ ستكون نهاية ملكك على يده! لقد أصدر مرسومه الظالم الآثم بقتل جميع من يولد من بني إسرائيل ـ وهم آلاف وربما أضعاف ذلك بعشرات ـ من أجل طفلٍ واحد فقط!! ولكن الذي كان يقول للناس: أنا ربكم الأعلى لا يستغرب منه هذا الأمر الخُسْر!
     
    وفي الواقع ثمة أناس ساروا على هدي يوسف،،فتراهم لا يؤاخذون إلا من أخطأ أو تسبب في الخطأ، ولا يوسعون دائرة اللوم على من ليس له صلة بالخطأ، بحجة القرابة أو الصداقة أو الزمالة ما لم يتبين خلاف ذلك!
     
    وفي المقابل فمن الناس من يأخذ المحسنين أو البرءاء بذنب المسيئين.
     
    وإليك هذه الصورة التي قد تكرر كثيراً في واقع بيوتنا:
     
    يعود الرجل من عمله متعباً، فيدخل البيت فيجد ما لا يعجبه من بعض أطفاله: إما من إتلاف تحفة، أو تحطيم زجاجة، أو يرى ما لا يعجبه من قِبَلِ زوجته: كتأخرها في إعداد الطعام، أو زيادة ملوحة أو نقصها، أو غير ذلك من الأمور التي قد تستثير بعض الناس، فإذا افترضنا أن هذه المواقف مما تستثير الغضب، أو أن هناك خطأً يستحق التنبيه، أو التوبيخ، فما ذنب بقية الأولاد الذين لم يشاركوا في كسر تلك التحفة مثلاً؟!
     
    وما ذنب الأولاد أن يَصُبَّ عليهم جام غضبه إذا قصرت الزوجة في شيء من أمر الطعام؟!
     
    وما ذنب الزوجة ـ مثلاً ـ حينما يكون المخطئ هم الأولاد؟!
     
    ومثله يقال في علاقة المعلم والمعلمة مع طلابهم، أو المسؤول في عمله، بحيث لا ينقلوا مشاكلهم إلى أماكن عملهم، فيكون من تحت أيديهم من الطلاب والطالبات أو الموظفين ضحية لمشاكل ليس لهم فيها ناقة ولا جمل!!
     
    هنا يستحضر المؤمن أموراً، من أهمها تذكر هذه القاعدة القرآنية العظيمة: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } فإن هذا خيرٌ مآلاً وأحسن تأويلاً، وأقرب إلى العدل والقسط الذي قامت عليه السماوات والأرض.
     
    وثمة فهمٌ خاطئ لهذه القاعدة القرآنية، وهو أن بعض الناس يظن أن هذه القاعدة مخالفة لما يراه من العقوبات الإلهية التي تعم مجتمعاً من المجتمعات، أو بلداً من البلاد، حينما تفشو المنكرات والفواحش والمعاصي، وسَبَبُ خطأ هذا الفهم، أن المنكر إذا استعلن به الناس، ولم يوجد من ينكره، فإن هذا ذنب عظيمٌ اشترك فيه كلُّ من كان قادراً على الإنكار ولم ينكر، سواءٌ كان الإنكار باليد أو باللسان أو بالقلب وذلك أضعف الإيمان، ولا عذر لأحد بترك إنكار القلب، فإذا خلا المجتمع من هذه الأصناف الثلاثة ـ عياذاً بالله ـ مع قدرة أهلها عليها استحقوا العقوبة، وإن وجد فيهم بعض الصالحين.
     
    تأمل معي قول الله تعالى:
     
    { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)} [الأنفال]، يقول العلامة السعدي في تفسير هذه الآية: { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً }: "بل تصيب فاعل الظلم وغيره، وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغير، فإن عقوبته تعم الفاعل وغيره، وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر، وقمع أهل الشر والفساد، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن" [تفسير السعدي:318].
     
    ويوضح معنى هذه الآية الكريمة ما رواه الإمام أحمد: بسند حسن ـ كما يقول الحافظ ابن حجر [فتح الباري:13/4] ـ من حديث عدي بن عميرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عيه وسلم يقول: « إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ـ وهم قادرون على أن ينكروه ـ فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة » [المسند:29/258/7720].
     
    وروى الإمام أحمد: في مسنده [1/178] بسند جيد عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه خطب فقال: "يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير ما وضعها الله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } [المائدة:105] سمعت رسول الله صلى الله عيه وسلم يقول: « إن الناس إذا رأوا المنكر بينهم فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه »".
     
    وفي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها سألت رسول الله - صلى الله عيه وسلم - فقالت له: يا رسول الله، "أنهلك وفينا الصالحون؟"
     
    قال: « نعم إذا كثر الخبث ».
     
    والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وفيرة، يضيق المقام بذكرها وعرضها، والمقصود إزالة هذا الإشكال الذي قد يعرض لبعض القارئين في فهم هذه القاعدة القرآنية، والله سبحانه وتعالى أعلم.
     
    و قبيل أن أضع شباة القلم، أجره إلى قول المؤمل المحاربي:
     
    قَد بَيَّنَ الله في الكتاب * فلا وازِرَةٌ غَيرَ وِزرِها تزرُ

     


  25. اعلمْ - أيها المبتلَى بكورونا أو غيره من الأمراض-: أن المرَض (كورونا، وغيره) واقع بإذن الله تعالى الرحيم الرحمن العليم الحكيم جل جلاله، ووقوعه لحِكَم جليلة؛ قد تظهر لبعض الخلق وقد لا تظهر؛ فمَن ظهرَت له بعضها ازداد تسليمًا وانقيادًا وإذعانًا لحُكم الله تعالى الكوني والشرعي، ومن لم تظهر له فعليه أن يعلم ويتيقن أن الله تعالى لا يقدِّر ما قدره عبثًا، وإنما قدَّره لمصالح عظيمة وحِكَم جَليلة؛ فمن بعض الحِكَم في ذلك:

    1- شعور العبد بضعفه، وفقره، وحاجته إلى ربه، وانكساره، وذله له سبحانه؛ فإذا حصل ذل العبد لربِّه، دعا ذلك إلى دعاء ربه، والتضرع إليه، والتوبة إليه من الذنوب، وسؤاله تكفيرَ الخطايا، فيرق بالمرَض قلبُه، ويذهب عنه الكبرياءُ والعظمةُ والعدوان، فقد لا يحصل له مع الصحة بعض هذه المصالح!
    2- ابتلاء العباد أيهم يحسن ظنه بربه، ويصدق في توكله عليه، ويصبر، ويرضى بما قدره الله تعالى عليه، ويحتسب الأجر، وأيهم يجزع ويسخط.
    3- رحمة الله تعالى بعبادِه المؤمنين بتكفير الخطايا والسيئات، ورفع الدرجات.
    4- إذاقة الناس بعض ما عملوا؛ لعلهم يرجعون إلى الله تعالى.
    5- العلم بأنَّ تقدير أسباب الشفاء من الرقى والأطباء ونحو ذلك هو من أعظم مظاهر رحمة الله بعباده؛ فمن حكمة الله في تقدير هذه الأسباب للشفاء أن يري العباد لُطفه وبره بهم، وإحسانه إليهم، وأنه إذا قدر الداء قرَن به أسباب الدواء والتعافي منه، ولو شاء لحال بينهم وبين ذلك..


    وغير ذلك من الحِكم الكثيرة، التي يقصر المقام عن تعدادها.. وبالجملة فإنَّ انتفاع القلب والروح بالآلام والأمراض أمرٌ لا يحس به إلا من فيه حياة؛ فصحة القلوب والأرواح موقوفة على آلام الأبدان ومشاقها، وهذه الآلام والأمراض والمشاق من أعظم النعم إذ هي أسباب النعم! كما يقول طبيب القلوب ابن القيم رحمه الله في كتابه شفاء العليل، وقال: (وقد أحصيت فوائد الأمراض فزادت على مائة فائدة)!

    ثم اعلم أن الله الرحيم الرحمن سبحانَه هو وحده الذي يكشف الضر، ويدفع البلاء سبحانه، ويشفي من المرض بفضله سبحانه، وأنه ما أنزل داء إلا وأنزل له الدواء؛ عَلِمه من عَلِمه وجَهِله مَن جَهِله؛ فقد قال جل وعلا عن نبيه إبراهيم الخليل عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80].

    وقال سُبحانه لنبيه محمد صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17]!

    وقال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62]!

    فالشفاء إنما هو من عنده سبحانه؛ فخذ بكل الأسباب الشرعية كالرقى والأدعية، والكونية كالتداوي منه والذهاب للأطباء، وعلِّق قلبك بربك تبارك وتعالى؛ لأن الله تعالى شرَع لنا ذلك وأمرنا به، فلا تكن متواكلًا بترك الأخذ بالأسباب، ولا تكن مُعلِّقًا قلبك بالأسباب فقط معتمدًا عليها.

    فاجتهد في الدعاء، وعلِّق القلب بالله، وردِّد كثيرًا ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].

     
    *وعليك برُقية نفْسك بالأذكار، والدعوات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففيها نفع كثير، وكذا الرقية بالقرآن العظيم، وخصوصًا بفاتحة الكِتاب، وتكرار ذلك؛ ففي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضِيَ اللهُ عنه: أنه لما لُدغ سيِّد بعضِ الأحياء، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه؛ فهل عند أحدٍ منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعمْ والله إني لأرقي... فانطلق يتْفُل عليه، وهو يقرأ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، فكأنما نشِط من عقال، فانطلق يمشي وما به قَلَبَةٌ [أي: عِلَّة]... فلمَّا ذكروا للنبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك، فقال: (ما يدريك إنها رقية؟ ثم قال: قد أصبتم...)!

    قال ابن القيم رحمه الله تعليقًا على هذا الحديث: (فقد أثَّر هذا الدواء في هذا الداء وأزاله حتى كأن لم يكن، وهذا أسهل دواء وأيسره. ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيرًا عجيبًا في الشفاء. ولبثت في مكة تعتريني أدواء ولا أجد طبيبًا ولا دواء فكنت أعالج نفسي بالفاتحة فأرى لها تأثيرًا عجيبًا، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألمًا وكان كثيرًا منهم يبرأ سريعًا).

     

    وقال كذلك: (إذا ثبت أن لبعض الكلام خواص ومنافع؛ فما الظن بكلام رب العالمين، ثم بالفاتحة التي لم ينزل في القرآن ولا غيره من الكُتب مثلها؛ لتضمنها جميع معاني الكتاب...)!

    وفي الأخير: اعلمْ أنَّ من أهم أسباب الشفاء حسْنَ نفسيتك وقوة عزيمتك؛ فقوِّ تعلقك بالله تعالى، وبإذن الله تعالى تشفى وتعافى ويُكتب لك الأجر كاملًا!


    فهوِّن على نفسِك هوَّن الله عليك، وأتمَّ شفاءك، ولا تحزن، وأبشِر؛ فإنَّ مرَض المسلم كفَّارة له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها قالتْ: قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما من مصيبة تصيب المسلِمَ إلَّا كفَّر الله بها عنه، حتى الشوكة يُشاكها» رواه البخاري، في باب: ما جاء في كفارة المرض، ومسلم في باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض، أو حزن، أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها، ولفظ مسلم: «لا يُصيب المؤمنَ من مُصيبةٍ، حتى الشوكةِ، إلا قُصَّ بها من خطاياه، أو كُفِّر بها من خطاياه».


    وأخرج مسلم أيضًا عن أبي سعيد، وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «ما يُصيب المؤمنَ من وصَبٍ، ولا نصَب، ولا سَقَم، ولا حَزَن، حتى الهمِّ يُهمُّه، إلا كُفِّر به مِن سيِّئاته»!

    فالله يكفِّر عنك ذنوبك وخطاياك بهذا البلاء، ويرفعُك يُعلي درجتَك عنده؛ فاستبشر خيرًا..

    وقد ورد عن أحد السلف أنَّه مرِضَ في قدمه، فلم يتوجع ولم يتأوه، بل ابتسم واسترجَع؛ فقيل له: يُصيبك هذا ولا تتوجع؟! فقال: إنَّ حلاوة ثوابِه أنستني مرارة وجعه!

    ومع ذلك فلا يَنبغي للمؤمن أن يتمنَّى البلاء، ولا أن يسأل الله أن ينزل به المرضَ؛ فقد قال النبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: «سلوا الله العفو والعافية؛ فإنَّ أحدًا لم يُعطَ بعدَ اليقينِ خيرًا من العافية» رواه النسائي وابن ماجه.

    فاللهم ارزقنا العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، وعافِ مرضى المسلمين أجمعين، واكتب أجرهم، وكفِّر عنهم، وارفع درجتهم، وارزقْهُم الصبر والرضا، وأنزل عليهم برْدَ اليقين الذي يهوّن عليهم ما يلاقونه من آلام.


    أ. رضا جمال
    شبكة الالوكة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×