اذهبي الى المحتوى
ندى البحرين

حيــــــــــــــاة البــــــرزخ...؟؟؟؟

المشاركات التي تم ترشيحها

فإن الدّور التي تَمُرُّ بالإنسان ، ويمرُّ بها ثلاث لا رابعة لها :

دار الدنيا ، ودار البرزخ ، والدار الآخِرة .

ولكل دارٍ خصائصها وأحكامُها التي تُميّزها عن غيرها .

فالدنيا ظلٌّ زائل ، وهي دار الفناء ، ومتاع الغرور .

كما في قوله تبارك وتعالى وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)

وقال صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم - :« الدنيا متاع ، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة » .

والدار الآخرة هي الحياة الحقيقية . قال تبارك وتعالى وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)

وبَيْنَ الدّارين دارُ البرزخ ، وهي مرحلة متوسطة بين الدنيا والآخرة ، وهي تأخذ من أحكام هذه ومن أحكام هذه .

ذلك لأن الإنسان مركّب من الروح والجسد ، فأحكام الدنيا على الأبدان والأرواح تبعاً لها ، وأحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبعاً لها ، وفي الآخرة يكون النعيم أو العذاب على الأرواح والأبدان جميعاً .

ولعلي أتحدّث قبل الدخول في الموضوع حول مسألة مهمة ، كانت من المُسلَّمات عند سلف الأمّة ، ألا وهي ثبوت عذاب القبر ونعيمه، وهذه المسألة مما أنكرته المُعتّزِلة ، وأنكرها بعض العصرانين ممن يتصدّرون للفُتيا عبر القنوات ، أو قل ممن تُصدِّرهم الفضائيات ، وتُبرِزُهم على حساب العلماء الصادقين المخلصين .

وقد بلغني أن أحدهم قال في إحدى القنوات : إنه لا يوجد آية ولا حديث تدلّ على إثبات عذاب القبر .

وقد أُكـره أحد العلماء في الصلاة على أحد شيوخ المعتزلة فقال في صلاة الجنازة : اللهم إنه يُنكر عذا القبر فأذقه إياه !

أقول مُستعيناً بالله :

لا بُد أن يُعلم أن إثبات عذابَ القبر ونعيمَه من عقيدة أهل السنة والجماعة ، قال الإمام الطحاوي – رحمه الله – : ونؤمن بملك الموت ، الموكّل بقبض الأرواح وبعذاب القبر لمن كان له أهلا وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه على ما جاءت به الاخبار عن رسول الله وعن الصحابة رضوان الله عليهم ، والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران .

وهو داخل في الركن الخامس من أركان الإيمان ، وهو الإيمان باليوم الآخِر . فالقبر أول منازل الآخرة .

ولا يستقيم إيمان عبد حتى يأتي بالستة الأركان وهي :

الإيمان بالله وملائكته وكُتُبه ورسُله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات

يكون في نعيم أو عذاب ، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعّمة أو معذبة ، وأنها تتصل بالبدن أحيانا ، ويحصل له معها النعيم أو العذاب ، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد وقاموا من قبورهم لرب العالمين .

وأما ثبوت عذاب القبر في القرآن الكريم :

فمن الأدلة عليه :

1 - قوله سبحانه وتعالى عن آل فرعون النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)

قال قتادة في قوله تعالى : (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) قال : صباحَ ومساءَ الدنيا ، يُقال لهم : يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخا ونقمة وصغاراً لهم .

وقال ابن زيد : هم فيها اليوم يُغدى بهم ويُراح إلى أن تقوم الساعة .

قال ابن كثير : وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور .

 

2 - قوله جلّ ذِكرُه : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)

قال مجاهد في تفسير هذه الآية : هو عذاب القبر .

وورد خلاف ذلك عن جماعة من السلف .

ولا إشكال في ذلك فهو محتَمَل ، كما أنه لا إشكال في ختم الآية بقوله : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) لما يعلمون من عذاب القبر ، وتُدركه سائر المخلوقات .

على ما سيأتي بيانه .

وقال  : (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الطور]

قال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية : وهذا يُحْتَمَل أن يُراد به عذابهم بالقتل وغيره في الدنيا ، وأن يراد به عذابهم في البرزخ ، وهو أظهر لأن كثيرا منهم مات ولم يُعَذَّب في الدنيا ، أو المراد أعم من ذلك . اهـ .

 

3 - قوله تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)

قال أبو سعيد: يُضيّق عليه في قبره حتى تختلف أضلاعه فيه .

 

4 – قوله تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) [الأنعام]

قال الإمام البخاري : باب ما جاء في عذاب القبر ، وقوله تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ) قال : هو الهوان ، وقوله جل ذكره : (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) [التوبة] . ثم ساق بإسناده عن النبي  أنه قال : عذاب القبر حقّ .

 

5 – قوله تعالى : (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)

قال الحسن البصري رحمه الله في تفسير هذه الآية – أعني قولَه تعالى : سنعذبهم مرتين – قال :عذاب الدنيا وعذاب القبر

 

6 - قوله سبحانه : (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[المؤمنون] قال مجاهد : ما بين الموت إلى البعث .

 

7 – قوله تعالى : (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الانفطار]

قال ابن القيم :

هذا في دورهم الثلاث ليس مختصا بالدار الآخرة وإن كان تمامه وكماله وظهوره إنما هو في الدار الآخرة وفي البرزخ دون ذلك كما قال تعالى : (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ) .

فالأبرار في نعيم في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة ، والفجار والكفار في جحيم في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة .

فهذه الآيات وغيرها مما استدلّ به أهل السنة على ثبوت عذاب القبر . اهـ .

 

وأما الأحاديث فقد قال ابن كثير : وأحاديث عذاب القبر كثيرة جدا . اهـ

ومن ذلك أن النبي  كان يتعوّذ بالله من عذاب القبر في كلّ صباح ومساء

قال عبد الرحمن بن أبي بكرة لأبيه : يا أبت إني أسمعك تدعو كل غداة اللهم عافني في بدني . اللهم عافني في سمعي اللهم عافني في بصرى لا إله إلا أنت تعيدها ثلاثا حين تصبح وثلاثا حين تمسى ، وتقول : اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت تعيدها حين تصبح ثلاثا وثلاثا حين تمسى قال : نعم يا بنى إني سمعت النبي  يدعو بهن ، فأحب أن أستن بسنته . رواه الإمام أحمد وأبو داود .

وكان النبيُّ  يتعوّذ بالله من عذاب القبر دُبُرَ كلِّ صلاة .

وقد كان سعد بن أبي وقاص يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول : إن رسول الله  كان يتعوذ منهن دبر الصلاة : اللهم إني أعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر ، وأعوذ بك من فتنة الدنيا ، وأعوذ بك من عذاب القبر . رواه البخاري .

قالت عائشة قالت : دخل عليّ رسول الله  ، وعندي امرأة من اليهود ، وهي تقول : هل شعرت أنكم تُفتنون في القبور ، قالت : فارتاع رسول الله  ، وقال : إنما تفتن يهود ، قالت عائشة : فلبثنا ليالي ثم قال رسول الله  : هل شعرت أنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور . قالت عائشة : فسمعت رسول الله  بعد يستعيذ من عذاب القبر . متفق عليه .

وفي رواية : قالت : وما صلى صلاة بعد ذلك إلا سمعته يتعوذ من عذاب القبر .

وعنها – رضي الله عنها – قالت : قال رسول الله  : إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع ، يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال .متفق عليه .

وعن ابن عباس قال : إن رسول الله  كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول : قولوا اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات . رواه مسلم .

وقال عوف بن مالك : صَلَّى رسول الله  على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول : اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر أو من عذاب النار . قال : حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت . رواه مسلم .

وعن زيد بن ثابت قال : بينما النبي  لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حَادَتْ به فكادت تلقيه ، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة ، فقال من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ فقال : رجل أنا . قال : فمتى مات هؤلاء ؟ قال : ماتوا في الإشراك فقال : إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه ، ثم أقبل علينا بوجهه فقال : تعوذوا بالله من عذاب النار ، قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار ، فقال : تعوّذوا بالله من عذاب القبر . قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر . رواه مسلم .

 

إذا عُلِمَ هذا فإن ما يتعلّق بالقبر من عرض وفتنة وسؤال وعذاب ونعيم ، هو من علم الغيب الذي لا نعلم كيفيّته ، ويجب علينا الإيمان به والتسليم فيه لله ولرسول الله  ، فنؤمن به من غير سؤال عن كيفيّته ، وكيف يقع ؟ لأن عقولَنا قاصرة عن إدراك ذاتها فكيف تُدرك ما حُجِبَ عنها ؟

قال ابن القيم : أحاديث عذاب القبر ومساءلة منكر ونكير كثيرة متواترة عن النبي  .

 

وقال ابن أبي العز : وقد تواترت الأخبار عن رسول الله  في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا وسؤال الملكين ، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به ، ولا نتكلم في كيفيته إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته لكونه لا عهـد له به في هـذه الدار ، والشرع لا يأتي بما تحيلة العقول ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول . اهـ .

 

وعذاب القبر ليس مما يستحيل عقلاً ، ومن ذلك :

1 – أن النائم قد يرى في منامه أنه يُنعّم ، وإلى جواره آخر يرى أنه يعذّب ولا يشعر أحدهما بما يجري لصاحبه ، كما أنه لا يُدرك ذلك سوى صاحب المنام .

قال ابن القيم : أن ما أخبر به الرسول  من عذاب القبر ونعيمه وضيقه وسعته وضمه وكونه حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة مطابق للعقل وأنه حق لا مرية فيه ، وأن من أشكل عليه ذلك فمن سوء فهمه وقِلّـة علمه أُتيَ ، كما قيل :

وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم

2 – أن العذاب يُمكن أن يقع على الأجساد حتى ولو أرِمَتْ وتبعثرت وتناثرت ويدلّ على ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة  أن النبي  قال : أسرف رجل على نفسه فلما حضره الموت أوصى بنيه ، فقال : إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم أذروني في الريح في البحر ، فوالله لئن قَدَرَ عليّ ربي ليعذبني عذابا ما عذبه به أحدا ، قال : ففعلوا ذلك به ، فأمر الله البر فجمع ما فيه ، وأمر البحر فجمع ما فيه ، فإذا هو قائم ، فقال له : ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : خشيتك يا رب أو قال مخافتك فغفر له بذلك .

فالذي جمَعَ أجزاء جسمه المتحللة في الهواء والماء قادر على أن يوقع العذاب على كلّ ذرّة من جسمه في أي مكان كان .

وقد تكلّم العلماء على هذه المسألة وضربوا لها الأمثلة بالذي يموت غرقا في الماء

أو حرقا بالنار ، بل حتى المصلوب ، إن كان ممن استحق عذاب القبر ، وأراد الله عذابه فإنه سبحانه لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .

وأما الروح فلا إشكال في وقع العذاب عليها ؛ لأنها باقية .

3 – أن عذاب القبر مما تُدركه المخلوقات غير الإنس والجن ، لقوله  - عن الكافر أو المنافق : ثم يُضرب بمطرقة من حديد بين أُذنيه ، فيصيحُ صيحةً يسمعها من يليه إلا الثقلين . رواه البخاري وقد تقدم .

وقال  : إنهم يُعذّبون عذاباً تسمعه البهائم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولهذا السبب يذهب الناس بدوابهم اذا مغلت الى قبور اليهود والنصارى والمنافقين كالاسماعيلية والنصيرية وسائر القرامطة من بنى عبيد وغيرهم الذين بأرض مصر والشام وغيرهما ، فإن أهل الخيل يقصدون قبورهم لذلك كما يقصدون قبور اليهود والنصارى ، والجهال تظن انهم من ذرية فاطمة وأنهم من أولياء الله ، وإنما هو من هذا القبيل ، فقد قيل : إن الخيل اذا سمعت عذاب القبر حصلت لها من الحرارة ما يذهب بالمغل .

وقد حدّثني بعض المسلمين الذين يُقيمون في بلاد الكفار ، أن الكفار الذين يدفنون موتاهم بالتوابيت مدة معلومة ثم يجمعون عظامهم بعد ذلك في مكان واحد وتستخدم التوابيت في دفن أكثر من شخص ، أنهم يجدون آثار أظفار وخدوش على جدران التوابيت ، وهم يعتقدون أن سبب ذلك أن من الأموات من دُفِنَ حيّاً .

4 - أن سماع عذاب القبر ليس مستحيلاً ، لقوله  : فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه . رواه مسلم ، وقد تقدّم .

فما ترك رسولُ الله  سؤالَ اللهِ أن يُسمع هذه الأمة من عذاب القبر إلا خشية ألا يتدافنوا . ولما كانت الحكمة مُنتفية في حق البهائم أُسمعت عذاب القبر

وأما أحوال الناس في البرزخ فَعَلَى أنواع :

النوع الأول : وهم أعلى الناس منزلة في قبورهم ، وهم الأنبياء ، قال  :إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء .

النوع الثاني : الشهداء ، فإن النبي  لما سُئل : ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة . أي لما كان يُقاتِل . رواه النسائي وهو حديث صحيح .

ولما حَفَر جابر بن عبد الله قبر أبيه ، وكان من قُتِل يوم أحد . قال : فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كَيَومِ وَضَعْتُه غير هُـنـيّةٍ في أُذنه . رواه البخاري .

وهؤلاء – أي الشهداء – يُنعّمون في قبورهم ويأمنون من فتنة القبر وسؤال المَلَكين .

ويلحق بهذا النوع من يأمن فتنة القبر وعذاب القبر ، وهو من مات مرابطا أو من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة ، لقوله  : من مات مرابطا في سبيل الله أُجري عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل ، وأجري عليه رزقه ، وأمن من الفتان ، وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع . رواه ابن ماجه وغيره وهو حديث صحيح .

وقال عليه الصلاة والسلام : من مات مرابطاً في سبيل الله أمّنَه الله من فتنة القبر .

وكذلك من يموت ليلة الجمعة أو يوم الجمعة ، فإنه يأمن فتنة القبر ، فمن مات كذلك فإن هذا من المُبشِّرات له ، لقوله  : ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر . رواه الإمام أحمد والترمذي وهو حديث صحيح .

النوع الثالث : مَنْ يُنعّم في قبره ، وإن كان يتعرّض للسؤال والامتحان ، وهو المؤمن الذي يفتح له باب من الجنة وباب من النار ، فيقال هذا كان منزلك لو عصيت الله أبدلك الله به هذا ، فإذا رأى ما في الجنة قال : ربِّ عَجِّل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي ، فيقال له : اسكن . رواه الإمام أحمد عن البراء بن عازب .

ويُقال له : نَم نومة العروس .

النوع الرابع : من يُعذّب مدة ثم ينقطع عنه العذاب ، وهو عذاب بعض العُصاةِ الذين خفّت جرائمُهم ، فيُعذّب بحسب جُرمه ثم يُخفف عنه العذاب .

وهذا قد عدّه بعض العلماء من المكفِّرات العشر التي تُكفّر بها السيئات - راجع شرح الطحاوية – واصل الكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

النوع الخامس : من عذابه دائم غير منقطع ، كما هو الحال في الكفار ، وكما تقدّم في حقّ آل فرعون ، فإنهم يُعرضون على النار صباح مساء .

وفي حديث البراء – وهو حديث طويل ، رواه الإمام أحمد وغيره – قال  - في شأن الكافر أو المنافق - : ثم يفتح له باب من النار ، ويمهد له فراش من النار .

وفيه : وإن الكافر - فذكر موته – ثم قال : وتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه ، فيقولان : من ربك ؟ فيقول هاه هاه هاه لا أدري ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول هاه هاه لا أدري ، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بُعِثَ فيكم ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ، فينادي مناد من السماء أن كذب ، فافرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار ، قال : فيأتيه من حرها وسمومها ، قال : ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه - زاد في حديث جرير - قال : ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبةٌ من حديد لو ضُرب بها جبل لصار ترابا ، قال فيضربه بها ضربه يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين فيصير ترابا ، قال : ثم تعاد فيه الروح . رواه أحمد وأبو داود واللفظ له .

قال ابن القيم عن حديث البراء : هذا حديث ثابت مشهور مستفيض صححه جماعة من الحفاظ ، ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث طعن فيه ، بل رووه في كتبهم وتلقوه بالقبول وجعلوه أصلا من أصول الدين في عذاب القبر ونعيمه، ومساءلة منكر ونكير وقبض الأرواح وصعودها إلى بين يدي الله ثم رجوعها إلى القبر .

 

والميّت يُعرض عليه مقعَده ومنزله في كل يوم مرتين :

مصداق ذلك في كتاب الله في الآية المذكورة في عذاب آل فرعون .

وعن ابن عمر أن رسول الله  قال : إن أحدكم إذا مات عُرِضَ عليه مقعده بالغداة والعشي ؛ إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يُقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة . متفق عليه

فيزداد العبد بشارة وسروراً وفرحاً إن كان من أهل الجنة ، ويزداد حسرة وألماً وندَماً إن كان من أهل النار .

 

السؤال في القبر :

أعني به سؤال الملكين للمقبور ، والأسئلة معروفة ، وقد ثبت في أسماء الملكين أنهما منكر ونكير ، وثبت في وصفهما أنهما أسودان أزرقان .

أما ما يُروى من أنهما يحفران الأرض بأنيابهما ويطآن في اشعارهما ، وأن أعينهما كالبرق الخاطف ، وأصواتهما كالرعد القاصف . فهذا حديث موضوع مكذوب

وأما ما يتعلّق بسؤال الملكين ، فهو ثابت في الصحيحين وغيرهما .

فَعَن أنس بن مالك قال نبي الله  : إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم قال : يأتيه ملكان فيُقعدانه ، فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ قال : فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، قال : فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة ، قال نبي الله  : فيراهما جميعا . رواه البخاري ومسلم .

زاد البخاري قال: وأما المنافق والكافر فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري كنت أقول ما يقول الناس ! فيُقال : لا دريت ولا تليت ، ثم يُضرب بمطرقة من حديد بين أُذنيه ، فيصيحُ صيحةً يسمعها من يليه إلا الثقلين .

وقد أوصى عمر بن العاص  فقال : فإذا أنا مِتّ فلا تصحبني نائحة ولا نار ، فإذا دفنتموني فَشُنَّوا عليّ التراب شَنا ، ثم أقيموا حول قبري قدر ما ُنْحَر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أُراجِع به رُسُلَ ربي. رواه مسلم .

والميّت يسمع بعد الدّفن :

فعن أنس بن مالك  قال : قال رسول الله  : إن الميت إذا وضع في قبره إنه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا

لكن كيفية السّماع لا نعلمها لأنها ليست من جنس سماع الدنيا ، وكذلك عودة روحه في جسده ليست من جنس تعلّق الروح بالبدن في الدنيا .

 

سؤال التّثبيت للميت :

هذه الأمة تُفتن في قبورها ، كما قال عليه الصلاة والسلام .

فقد روى البخاري ومسلم عن أسماء قالت : أتيت عائشة وهي تصلي ، فقلت : ما شأن الناس ؟ فأشارت إلى السماء ، فإذا الناس قيام ، فقالت : سبحان الله قلت : آية ؟ فأشارت برأسها أي نعم ، فقمت حتى تجلاني الغشي ، فجعلت أصب على رأسي الماء ، فحمد اللهَ عز وجل النبيُّ  وأثنى عليه ثم قال : ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي حتى الجنة والنار ، فأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريب من فتنة المسيح الدجال ، يُقال : ما علمك بهذا الرجل ؟ فأما المؤمن أو الموقن ، فيقول : هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا ، هو محمد ثلاثا ، فيُقال : نم صالحا قد علمنا إن كنت لموقنا به وأما المنافق أو المرتاب لا أدري أي ذلك قالت أسماء فيقول : لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته .

وروى البخاري ومسلم أيضا عن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي  قال : إذا أُقعد المؤمن في قبره أُتيَ ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله : (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ)

وفي رواية لهما : أن هذه الآية نزلت في عذاب القبر .

وكان النبيُّ  إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال : استغفروا لأخيكم وسَلُوا له التثبيت ، فإنه الآن يُسأل . رواه أبو داود وغيره ، وهو حديث صحيح .

للشيخ عبدالرحمن السحيم

منقول[/align:0486171fed]

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،

 

جزاكِ الله خيرًا أختي الحبيبة " ندى البحرين "

جعلها الله في ميزان حسناتك .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

نقلٌ طيّب وقيّم أختي الحبيبة

 

جزاكِ الله خير الجزاء وأسعدكِ في الدّارين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

مشرفتي الغالية :

لا اله ا لا الله ..

جزاك الله خير واوسع الله رزقك في الدارين ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بسم الله

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 

جزاكم الله خيرًا ندى الحبيبة و بارك فيك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×