اذهبي الى المحتوى
رافعة الراية

تأملات في سورة الفاتحة ، الجزء الثاني

المشاركات التي تم ترشيحها

 

Wdx91519.gif السلام عليكم ورحمة اللله وبركاته

 

{ الحمد لله رب العالمين }

تُسمى آية الحمد ، وتُسمى عبادةُ الخلقْ لأن الله يتعبد خلْقهُ بالحمد ..

فالطيرُ في جو السماء تُسبحُ بحمده.. والإنسان في الأرض يسبح بحمده... و الأجنةُ في الأرحام تُسبحُ بحمده..قال تعالى: { وإن من شيء إلا يُسبحُ بحمده }..

 

( ال ) الموجودة في الحمد لله تُسم

ى (أل ) الاستغراق ، بمعنى الحمدُ كلهُ ثابتٌ لله ، فالله جل جلاله يحمدُ بجميع أنواع المحامد ، ولا أحد يستحق الحمد إلا هو وحده ، فهو المحمود من كل الوجوه في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، وهو المحمود على كل حال..

ومعنى الحمدُ الثناءُ على الجميل من نعمةٍ أو غيرها مع المحبةِِ والإجلال، والحمدُ أن تذكر محاسنَ الغير سواء كان ذلك الثناء على صفةٍ من صفاتهِ الذاتية كالعلم ، والصبرُ ، والرحمة ، والشجاعة .. أم على عطائهِ وتفضلهِ على الآخرين..

وقيل أن الحمد هو الشكر ..

وقيل : المدح والثناء ..

وقيلَ أنه الشكر والمدح و الثناء..

والصحيحُ أن الحمد أعمَّ من ذلك كله ، فالحمدُ مصدر ، والمصدرُ لا يرتبط بزمان ولا بمكان ، فهو يستغرقُ الزمان كله ، والمكان كله ، ويفيد العموم..

قال تعالى :{ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمدُ في السماوات والأرض وعشياً وحين تُظهرون }...

 

{ الحمد لله } : مطلقةٌ غير مقيّدة بزمن معين ولا بفاعلٍ معين ، فالحمدُ لله فيها مستمرٌ غير منقطع..

والفرقُ بين الحمدِ والشكر

* أن الحمد لا يكون إلاَّ باللسان لذلك ... * الشكر يقع من اللسان والقلب ومن الجوارح

 

قال الله عزوجل:{ وقلِ الحمدُ لله } ، * بينما الشكر لا تثني إلاَّ مقابل معـروف أو

{وقالوا الحمد لله }،{وقيل الحمد لله رب العالمين } جميل ، أي لا يكون إلاَّ على النعمة.

 

* الحمد يكون على كل حال ، فيكون على ... * أما الشكرُ فهو مختصٌ بالإنعام الواصل إليك.

السراء ويكون على الضراء.

ويقع ابتداءً للثناء – الثناء على المحمود وما فيه 
من صفات محبةً وتعظيماً.

* والحمدُ يعمُّ إذا ما وصلَ الإنعامُ إليك، أو

إلى غيرك ..

لذلك يقول أهل العِلم:

إن بين الحمد وبين الشكر عموم وخصوص .. من حيثِ المصدر فالحمدُ أخصُ من الشكر ؛ لأنه لا يكون إلا باللسان ، وأما من حيث ما يقع عليه : فالشكر أخص لأنه لا يكون إلاَّ على النعمة.

 

في تدبرنا للحمد حريٌ بنا أن نعرف على ماذا يُحمد ربنا ؟

الله عزوجل يقول: { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريكٌ في المُلك ولم يكن له وليٌ من الذل وكبِّرهُ تكبيراً }.

فأولُ ما يحمد عليه الحق تبارك وتعالى يُحمد على توحيده وأنه إله واحدٌ جلّ جلاله لا نِدّ له ولا نظير ولا شبيه ولا صاحبة ولا ولد ، يخلقُ ويرزق , ويُعطي ويمنع , يخفضُ ويرفع ....

المُلك ملكَه والخلقْ خلقه.. والأمر أمرهُ والتدبيرُ تدبيره وكلُنا عبيدٌ له ...

يفعلُ ما يشاء , يحكمُ بما يريد , لا ينازعه أحد في سلطانه ...

غني سبحانه عن كل خلقة لا يحتاج إلي أحد منهم وكل خلقهِ مُحتاجون له . هذا الاستحضار لمعنى التوحيد يجعلنا .... حين ننطق ((بالحمد)) فنحن نعلنُ فيه أننا نحمدك يارب من تمام إحساسنا بمنّتك علينا أننا عبادٌ لك ولسنا عبادً للبشر ....

Ugs90811.gifنحمدك بأنك ما ملكت قلوبنا ولا رقابنا لأحد .

 

Ugs90811.gifنحمدك بأنك ما جعلت بيننا وبين رزقنا أحد .

 

Ugs90811.gifنحمدك بأنك ما جعلتنا نتذلل ونخضع في طلب رضا كل أحد .

فالعبد إن فهم المقصود من إيجاده عرف أن الغاية من خلقه أن يكون عبداً لله من أعلى رأسه إلي أخمص قدميه.. وأنه ٌوجِدَ من أجل أن يُرضي عنه رباً واحداً فقط...

 

فلواحدٍ كُنْ واحداً في واحدٍ أعني سبيل الحق والإيمان

 

لسان حاله يقول: " اللهم أني أسالك رضاك فإنه لا يضر مع رضاك سخط أحد "

يقول تعالى { ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاًً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون}.

ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لشركاء متنازعين فهو حيران في إرضائهم , وعبداً خالصاً لملك واحد يعرف مراده ويعرف ما يرضيه هل يستويان مثلا ؟؟ .. لا يستويان .

هذا التعدد في طلب الرضا يشتت القلب ويزاحمه ولن يبقى هذا القلب قلباً محفوظاً خالصاً لرب واحدٍ ، وإلهٍ واحد....

و ليس التعدد في طلب الرضا فقط هو الذي يشتت القلب ويزاحمه بل أنه إذا تعددت المحابّ أيضاً زاحمت محبة الله في القلب .. وإن تعدد المخاوف زاحمت خوف الله في القلب .

وبالمثال يتضح المقال..

65L90811.gif أولاً:

قال تعالى:{ قل إن كان أباؤكم وأبناؤكم وإخوانُكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحب إليكم من الله ورسولهِ وجهادٍ في سبيلهِ فتربصوا حتى يأتيَ الله بأمره } . ذكرت هذه الآية ثمان مواطن يتعلق بها قلب الإنسان هي في الأصل محبةٌ طبيعيه جائزة , جُبِل عليها ولا يؤاخذ عليها لكن يؤاخذ بالغلو فيها... فبمقدار غلو الإنسان في محبوبات الدنيا بقدر ما ينقص من حب الله في قلبه ..

 

 

 

ما معنى الغلو فيها ؟

إي الحب الجمّ لها , الحب الذي يؤثر على القلبِ بمعنى أنهُ تعلَّق بها وأفرط في حبها , فأصبح غالب زمنه لهذا المحبوب , وجهده مصروف لمرضاته .. " فمن تعلق بشيٍ سواء كان زوجاً أو ولداً أو تجاره أو مالاً ونحوه وكُل له " ..

والعبد إذا وُكل إلي غير الله أحاطت به الخسارة من كل جوانبه ..

 

قال ابن القيم رحمه الله:

" من أحب شيئاً غير الله عُذٍب به ...." .

لذلك فكل ما ارتفع الإنسان بمتعلقات الدنيا كلما اكتوى بنارها .. وأتاهُ الخذلان من جهتها..

 

والناس في تسليم قلوبهم يشرقون ويغربون فمنهم من يسلّمه حباً , ومنهم من يسلّمه خوفاً , ومنهم من يسلّمه ذلاً .

وكل هذه عبوديات قلبيه.. الحب والخوف والذل لا تُصرف إلا لله فإذا صُرفت لغير الله نقص التوحيد ونقصت العبودية وتشتت القلب .. والموحد لا يشتت قلبه بل يبذل جهوده ليبقي قلبه محفوظاً لرب واحد حباً ورجاءً وخوفاً وتعظيماً وتوكلاً وتفويضاً وبقدر ما يحقق من التوحيد بقدر ما يجني من ثماره .

فالحمد الله الذي منَّ علينا بنعمه التوحيد .

 

65L90811.gifثانياً:

يحمد الله أيضاً على كماله المطلق في ربوبيته وأسمائه وصفاته وأفعاله فا أسمائه كلها حسنى وصفاته كلها كمال وأفعاله كلها مقدسة منزهةٌ عن كلِ ظلمٍ أو نقصٍ أو عيب ....

فأنت إن تعلمت عن الله كماله المطلق علمت انه المستحق وحده جل جلاله لكل حمدٍ ومحبهٍ وثناء وأنه سبحانه الحميد من كل الوجوه " أسماءه حمد , صفاته حمد , أفعاله حمد , قضاءه حمد , وعدله حمد , فضله حمد ".. فسبحانه وبحمده لا نحصي ثناءً عليه .

وإن امتلأتَ بهذه المعرفة بقيت حامداً لله في حال السراء و الضراء وعلى كل حال .. فإن جاءتك النعمة حمدتَّ ربك أنه عاملك بفضله , وأن جاءتك العقوبة حمدت ربك أن عاملك بعدله .. ولو عاش العبد حامداً لربه في سرائه و ضرائه لرأى من صفات ربه وكمالها عجبا.

 

أنظر لأهل الجنة يحمدون ربهم لأنهم يعلمون أنه بفضله ورحمته أدخلهم الجنة ، وأهل النار يحمدون الله على كمال عدْله ، لأنهم يعلمون أنه لم يعذب أحداً منهم فوق ما يستحق..

 

 

 

65L90811.gifثالثاً:

ويحمد الله على أفعاله وحسن معاملته لعباده وتربيته لهم..فمالكُ الشخص وسيده ومربيه والقيّم المنعمُ عليه أحقُّ بالحمد وأولى به من غيره..

فمن رحمة الله بعباده أن يُربيهم ولا تعدل تربية الله تربية أحداً من البشر ، فهو ينقلهم بهذه التربية من النقص إلى الكمال فيصلح قلوبهم وأحوالهم ويسوقهم إلى ما فيه صلاح آخرتهم ، ورِفعة درجاتهم ومنازلهم .. " أما كيف يربيهم فهذا سنفصله في وقفتنا مع اسم الله الرب "..

 

65L90811.gifرابعاً:

ويحمد الله على نعمه الظاهرة و الباطنة التي لا حصر لها ولا عدّ لها تكادُ تكون بعدد أنفاسنا بل هي أكثر فما بنا من نعمة صغيرة كانت أو كبيرة ، قديمة أو حديثة ، دينية أو دنيوية فمن الله وحده..

 

فالخير خيرهُ والفضلُ فضله والإحسان إحسانه... والعقلُ يظل عاجزاً عن أن يدرك رحمته أو يحصي نعمهُ أو يُحيط بفضله...

إن تدبرنا لهذه النقاط الأربع يُفهّمنا أن "الحمد لله" ليست كلمة تُردد على اللسان وإنما هي في مجموعها كلمةٌ تحمل العبودية والحب والثناء والشكر والعرفان ، ومن استحضرَ معانيها خرج الحمد من قلبه قبل لسانه.. فأصبحَ صاحب قلب شاكر، ولسانٍ شاكر ، وجوارحٍ شاكرة ، وهذا بحد ذاتهِ نوعُ اصطفاء .. إذْ أن الشاكرين قلّة..

والحمد لله أن علمنا كيف نحمده ليظل العبد دائماً حامداً والرب جل جلاله دائماً محموداً.

*****

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك

وجعلها الله في ميزان حسناتك

اللهم اجعلنا من أهل القرآن وخاصته

والحمد لله رب العالمين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

آسفة أخواتي على التأخير تأخرت عليكن في كتابة باقي الآية :icon15:

كنا قد فسرنا ( الحمد لله ) ونكمل وقفاتنا مع قوله تعالى : ( رب العلمين )

{رب العالمين }

 

الرب

 

الربُ تطلق في اللغة على خمسة معاني:

[ المالك ] ومنه قول عبد المطلب لأبرهة :" أنا رب الإبل وللبيت ربٌ يحميه "..

 

[ الملك ] ومنه قوله تعالى:{ ارجع إلى ربك فسأله ما بالُ النسوة اللاتي قطَّعن أيديهن...}..

[ السيد المُطاع ] قال تعالى :{ فيسقي ربه خمراً }.. ولقول النبي :[ لا تقولوا للمنافق سيداً فإن السيد هو الله ] ..

 

[ الإله المعبود ] ومنه قوله تعالى :{ ءأربابٌ متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار }..

 

[ المُصلح للشيء ] ويُقال: ربَّ الشيء أي: أصلحهُ..ومنه قوله تعالى :{ ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تُعلِّمون الناس الكتاب وبما كنتم تدرسون }..

 

الربَّانيون : هم الذين يغذَون الناس بالحكمة ، ويربونهم عليها .. أي المصلحين للناس... فالربانية : هي الإصلاح..

 

وهذه المعاني الخمسة كلها يجوز إطلاقها لله عزوجل، فالله جل جلاله هو : الملك وهو المالك وهو السيد المطاع وهو الإله المعبود ، وهو المُصلح ْ للشيء بعد فسادهِ ، فهو الذي يُصلح أحوال العالم كلها بما يشاء وكيفما يشاء ..

 

* ورَد هذا الاسم في القرآن كثيراً .. وهو لفظٌ مشتقٌ من التربية ..

يقُال: ربّ فلان صِنعتهُ يرُبها رباً إذا أتمها وأصلحها..

والمعنى أن الله عزوجل مُدبّـرٌ لخلقهِ ، ومالكهم وسيدهم ومُربيهم ومُصلحهم ، ومنعمٌ عليهم ..

 

ka522882.gif

 

* فلو قيل كيف يُربي الله خلْقه ؟

 

تربية الله لخلقهِ نوعان

تربية عامة ...... تربية خاصة

 

Fvo22882.gif

 

التربية العامة:

كل الخلائق يدخلون في هذه التربية .. فهو الذي خلقهم وأمدَّهم ودبَّرهم بما فيه صلاح ذواتهم ، وأجسادهم، ومعاشهم ..

فالشمس تُشرق على الكافر والمؤمن ، والمطرُ ينزلُ على الذين يعبدون الله ويعبدون الأوثان ، والهواء يتنفسه من قال لا إله إلا الله ، ومَنْ لم يقُلها .. كل هذا العطاء هو " عطاء الربوبية "..

 

وأركان هذه الربوبية قائمة على :

[ الخلْق - والملك - التدبير - والعلم ]..

وهي مبنيةٌ على رحمته الواسعة الشاملة التي تعُم جميع خلقهِ ، وتسعُ جميع عباده.. ويدل عليها اسم [ الرحمن]

قال تعالى:{ورحمتي وسعت كل شيء } ، ومنه قوله تعالى:{ الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان ..}..

 

 

Fvo22882.gif

 

التربية الخاصة :

 

تُبنى هذه التربية على رحمته الخاصة الواصلة لمن اصطفاهم ، وخصَّهم من خلقهِ وهم المؤمنون ، فالرحيم على وزن فعيل ، وفعيل تُفيد الديمومة والاستمرار..

بمعنى أن رحمته بالمؤمنين هي رحمةٌ دائمةٌ مستمرةٌ لا تنقطع أبداً .. فالمؤمن مرحومٌ في حياته ، ومرحومٌ في قبره، ومرحومٌ عند حشره ، ورحمة الله ملازمةٌ له في كل أحواله..

 

 

Fvo22882.gif

 

* حقيقة هذه التربية الخاصة:

 

هي تربيةُ التوفيقُ لكل خير، والعصمةُ من كل شر..

أي أن الله جل وعلا يرحمُهم فيها برحمةٍ فيها لطف ، فيسوُق لهم الخير بصورةٍ قد لا يتصورون أنها خيرٌ لهم..

 

 

أول ما يجب أن تتيقن به هو أن تربية الله لعباده لا تعدلها تربيةُ أحدٍ من البشر كائناً من كان.

فالله يُربي عباده بما يُجري عليهم من الأقدار مهما كانت هذه الأقدار في نظرهم أنها مؤلمة وشاقة وقاسية، وفيها من الفقْد ما فيها.. وفيها من المنع مافيها إلاّ أنه يسوقُ لهم مصالحهم فيها من حيث لا يحتسبون ولا يشعرون ..

 

أي أن صورة الرحمة في هذه التربية الخاصة " رحمةٌ فيها لُطف ".. فيسوُق لهم الخير وهم لا يتصورون أنه خير..

الإشكال أن معنى الرحمة طُبِعَ في أذهاننا بأنه العطاء ؛ وتتابع النِعَمْ .. بينما رحمة الله تتنوع على عبده فقد يرحمهُ فيُعطيه .. وقد يرحمهُ فيبتليه .. قال تعالى :{ وبلوْناهم بالحسناتِ والسيئاتِ لعلهم يرجعون }.

 

فالله حكيمٌ عليم ، لا يفعلُ شيئاً عبثاً ولا يُقدِّرُ شيئاًَ سُدى...

 

كمْ مُنِعَ الإنسانُ من لذاتٍ وأمنيات يشتهيها ماعلِمَ أن الله بمنعه إياها يرفع درجاته..

كم حُرِمَ مما أحب وما علِمَ أن الله حرمه من أجل أن يُصلح قلبه..

كم ابتُلي بمكروهٍ في حاله أو بدنه أو ولده أو زوجهِ وكان هذا الابتلاء سبباً في استقامته ، ورجوعه لربه..وسبباً في صلاح حالهِ.. وتنمية حسناته .. وتكفير سيئاته.. وهذا هو لُطفهُ..

;-) فما من قَدرٍ نزَلَ على العبد إلاَّ وفيه لُطف الله ، فَقَدرُ الله لا ينفكُ عن لطفه ، عَلمَهُ من علِمهُ ، وجَهِلَهُ من جهِلَه..فربنا يقول في محكم كتابه :{ الله لطيفٌ بعباده }..

;-) ثم وأنت في طريقِ فَهْمِك لتربية الله ثمَّتَ حقيقةٌ يجب أن لا تغيب عن ذهنك أبداً .. وهي أن العبد لابُد أن يُبتـلى ؛ فالابـتلاء من سُنن الله في الكـون ..{ آلم أحسب الناسُ أن يُتركوا أن يقولوا آمنَّا وهم لا يُفتنون }..

 

:closedeyes: وليست العبرةُ بالابتلاء العابر البسيط الذي سرعان ما يزول .. وإنما العبرةُ بتكرار الاختبار ، وبتكرار الابتلاء وتقلّبه فيه حتى يظهر معدنه.. فكما أن الذهبُ يُجرّبُ بالنار .. فالعبدُ الصالح يُجرَّبُ بالبلاء..

 

:closedeyes: والله عزوجل إذا أرادَ بعبده خيراً ومُضيّ في الطريق ؛ قلَّبه في أمور الدنيا وفي الابتلاءات حتى يشتد عوده ..

 

:cool: وأنت تتربّى بتربية الله لك لا بُد أن تفقْه أمراً مهماً .. بأنه سبحانه إذا سدَّ عليكَ بحكمتهِ طريقاً فتحَ لكَ برحمتهِ طريقاً آخر هو أنفعُ لك..

يقول ابن القيم رحمه الله :

 

"تأمل حال الجنين في بطن أمه يأتيه غذاؤه من طريقٍ واحد ، وهو السُرَّة ولمّا خرجَ من بطن أمه انقطعت تلك الطريق ، ولكن فتحَ الله له طريقين اثنين وأجرى له بهما رزقاً أطيب وألذّ من الأول .. لبناً سائغاً خالصاً..

وإذا تمت مُدة الرضاع انقطع هذان الطريقان بالفطام ، ففتح الله له أربعة طُرق طعامان وشرابان ..

وإذا مات انقطعت هذه الأربع فإن كان سعيداً فُتِحت له ثمانية وطرق هي أبواب الثمانية يدخل من أيها شاء".

فتأملْ..

 

ka522882.gif

 

كيف يفهم العبدُ تربيةَ اللهِ له بالعقوبة التي تنزل عليه بعد الذنب ؟؟

وكيف يفهم لُُطف الله في هذه التربية ؟؟

 

أولاً :

يعلم يقيناً أن ربه لم يظلمه ، بل هو سبحانه جل جلاله حَكَمٌ ذو عدل.. قدوسٌ منزهٌ عن العيوب والنقائص والظلم.. وإنما عامله بعدله ، وهو مُستحِقٌ لِماَ نزلَ به..{ وما أصابكم من مُصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير }..

 

ثانياً:

وأنَّ حكمتُه ظاهرةٌ في عدله ، فالله عزوجل حكيمٌ يُعاقب عبادهُ بما ينفعهم وبما يطهرهم ، ويما يُصلح أحوالهم فينظر للعقوبةِ أنها رحمةٌ ما أرادَ الله بها إلاَّ إصلاحه..

ثالثاً:

يقبل تربية الله له ، ولا ينظر للقَدَر من زاوية واحدة فقط.. وهي زاوية العقوبة والألم ، وإنما ينظر للقَدَر بتعدد الحِكَم ، حتى يرى لطف الله ورحمته به..

فهي وإن كانت عقوبة إلاّ أن الله أعطاه معها الكثير من الفضائل ، فهي تطهيرٌ وتمحيص ، وتكفير.. ورِفعةٌ حتى ينتقل للآخرة وما عليه من ذنب..

يقول :[ ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة ]..

ويحمدُ الله أن عجَّلها له في الدنيا ولم يؤخرها له .. فعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، بل لا مقارنة بينهما..

قال :[ إذا أرادَ الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أرادَ بعبده الشر أمسَكَ عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة ]..

وكُل ما قبلتَ تربية الله لك أراكَ الله آثار رحمته ، آثار لطفه بك..

رابعاً:

إذا اختارَ العبدُ أن ينظُرَ للقدر على أنه نقمة ، فسيكون عليه نقمة !! لأن الله يُعامل عبده بما يظنهُ عبدهُ بهِ وهو قد أساء الظن بربه ..[ أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ] أي قادرٌ على أن أعملَ به ما ظنَّ أنني عاملٌ به..

 

"عادَ الرسول أعرابياً كان يتلوَّى من شدة الحُمى فقال له النبي مواسياً مشجعاً له على احتمال المكروه الذي نزلَ به ، [طهور] ، ولكن الأعرابي ردَّ قائلاً :" بل هي حُمّى تفور ، على شيخٍ كبير لتورده القبور ".. فقال النبي : فهي إذنْ.." أي كما تظن..

اللهم رضِّنا بقضاءك ، وبارك لنا في قدرك حتى لا نحب تعجيلَ ما أخرتْ ، ولا تأخيرَ ما عجَلتْ..

اللهم ما أعطيتنا مما نحب فاجعله قوةً لنا فيما تُحب .. وما زويتَ عنّا مما نُحب فاجعلُه فراغاً لنا فيما تُحبْ..

 

 

ka522882.gif

 

العالمين :

جمع عالم .. وهو عند أهل العربية : اسم ٌللخلق من مبدئهم إلى منتهاهم..

الخلق كله , السموات , والأرضون وما فيهنّ وما بينهنّ .

فالرب : هو المربي لجميع العالمين .. ويدل هذا على انفراده بالخلق والتدبير ُ والنِعم مع كمال غناه وتمام فقر العالمين إليه بكل وجه واعتبار .

 

وحقيقة هذا الفقر كما يقول ابن القيم رحمه الله:

" أن لا تكون لنفِسك ولا يكون لها منك شيءٌ بحيث تكون كُلكَ لله " .

وأكثر من فَهِمَ هذا المعنى هم أنبياء الله عليهم السلام .. لذلك أنت تلحظ ُ أن غالب دعائهم الذي ورد في القران إنما جاء بلفظ ( الرب ) , فهُم من شِدة تواضعهِم لله وخشيتهم له وعدم عدّهم شيئا ً من أعمالهم واستشعارهم بسبق ُ فضل الله عليهم ,فأنهم يسألون الله ويدعونه بربوبيتهِ .

" أي بأفعاله " وهم بذلك يطلبون حفظ الله ورعايته و عنايته و عصمته و توفيقه فكل مطالبهم داخلة ٌ فيه .

****

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيك تفسير شيق بالفعل ..

جزاك الله خير

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×