اذهبي الى المحتوى
رافعة الراية

تأملات في سورة الفاتحة ، الجزء الثاني

المشاركات التي تم ترشيحها

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

كيف حالكن أخواتي الغاليات نكمل اليوم ما بدأناه من تأملات حول سورة الفاتة * وقفات تربوية * للأستاذة نجلاء السبيل

 

 

وقفنا في المرة السابقة عند قوله تعالى : { مالك يوم الدين } نتابع معا اليوم { إياك نعبد واياك نستعين } وقبل أن أبدأ أردت أن أطلعكم عن المكان الذي تلقي فيه الاستاذه هذه التأملات لعلكم تأتون هناك وتعم الفائدة

 

 

فما شاء الله تبارك الله كما رأيتم لها أسلوبا في توصيل المعلومة :angry: وفتحا في في كلامها ، نسأل الله لها التوفيق والسداد بارك الله فيها وفيكم أخواتي وجعلنا مباركين حيث ما كنا

 

 

أخواتي العزيزات سوف تقام دورة علمية بعنوان ** خطوات نحو تدبر أمثل وفهم لمقاصد السور ** للأستاذة نجلاء السبيل .

 

ابتداء من الأسبوع القادم 5/15 لمدة أسبوعين يومي الأحد والثلاثاء من بعد صلاة المغرب مباشرة . وهذا رقم تلفون الدار 0504642903 وفقنا االله واياكن لما يحبه ويرضاه .

أراكم هناك :laugh:

 

 

 

................................................................................

.........................

 

 

 

 

 

: {إياك نعبدُ وإياك نستعين}

 

هذه الآية العظيمة هي الآية الوسطى في الفاتحة ... وهي التي بين العـبد وربه كما جـاء في الحديث القدسي :[ قُسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين.... فإذا قال { إياك نعبدُ وإياك نستعين } قال الله

 

 

عزوجل: هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل...]

 

 

 

سمّاها بعض العلماء " سر القرآن "، فإليها يرجعُ فعل الإنسان وهو التعبد ..

 

 

 

صنَّف فيها العلماء الكتب والمؤلفات ، ألَّف شيخ الإسلام الهروي "منازل السائرين في ذكرَ منازل إياك نعبد وإياك نستعين"..

 

 

 

ثم شرحها ابن القيم في كتابه " مدارج السالكين "..

 

 

 

هاتين الآيتين جمعتا دوائر الدين كلها : " دائرة العقيدة ، ودائرة العبادة ، ودائرة الأخلاق "..

 

 

 

لذلك فالدين كله مرجعه إلى هاتين الآيتين ، ومدار التوحيد والعبودية قائمٌ عليها ..

 

 

 

 

 

 

 

 

:icon17: { إياك نعبد }:

 

 

 

معنى العبادة لغة : مشتقة من التعبد ، والتعبد هو التذلل..

 

يُقال: طريقٌ معبد أي مُذلل..

 

 

 

والعبدُ ما سمِّي عبداً إلا لذلته وطاعته لسيده .. والذلة والطاعة إذا أُضيفت إليهما المحبة كانت تلك هي العبادة..

 

 

 

 

وعبادة الرحمن غاية حبه مع ذل عابـــــــــده هما قطبان

 

وعليهما فَلكُ العبادةُ دائرٌ مادار حتى قامت القطبان

 

 

 

 

وعلى ذلك تكون الطاعة المُطلقة في إتباع الأوامر ، والطاعة المُطلقة في اجتناب النواهي ، والمحبة المطلقة للآمر الناهي مع الذِلة له إذا اجتمعت في شخص أصبحَ عابداً ..

 

 

 

 

:icon17: فائدة..الفرق بين عبَّادٌ وعبيد:

 

 

المتأمل لكتاب الله يجد أن لله جل جلاله "عِبادٌ وله عبيد "..

 

 

 

عبيد هو اسمٌ لكل خلْق الله ، فهم عبيدٌ مقهورون له ، لا يستطيعون الخروج عن مشيئته وإرادته، وغالب ما وردت في القرآن وصفاً للكفار والعُصاة .

 

 

 

بينما كلمة "عباد" يشير الله عزوجل بها إلى الصالحون من الخلْق ، المسلمون العابدون لله الذين أتواْ لله طائعين باختيارهم حُباً وذلاً ورغبةً.. قال تعالى: { وعبادُ

 

 

الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً }..

 

 

 

وقال:{ وإن سألكَ عبادي عنِّي فإني قريبٌ أُجيب دعوة الداعِ إذا دعان }..

 

 

فالإتيان اختياراً وطاعةً يُثبت المحبوبية ، لذلك كانت هذه العبودية هي أرقى مراتب القُرب من الله تعالى ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

 

 

" من أرادَ السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية "..

 

 

 

من أجل هذا اختار الرسول أن يكون عبداً رسولاً ، لا ملَكاً رسولاً.. فالدخول في عباد الله الصالحين مطلبٌ عظيم ، ومُرتقىً صعب يطلبهُ الأنبياء والمرسلين والصالحين من الخلْق..

 

 

 

فهذا سليمان يقول في دعائه: { ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي انعمت عليَّ وعلى والديَّ وان أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين }..

 

 

 

وهذا رسولنا يُعلِّم صحابته أن يقولوا في صلاتهم :[ السـلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين ] ، ثم يقول : فإن قلتموها أصابت كُل عبدٍ صالحٍ في السماء والأرض..

 

 

 

فالعبدُ الصالح غايةٌ جليلةٌ ومطلبٌ كبير ، وفوزٌ عظيم نسأل الله أن يرزقنا هذا الفضل..

 

 

 

 

 

 

 

 

:icon17: من لطائف القرآن :

 

 

" سُميِّت الألف الممدودة في كلمة { عباد } بألف العِزَّة ، لأنها توحي بالعزة والمنعة ، والأنفة والرِفعة ، وكأنها مرفوعة الرأس منصوبة القامة باستمرار ، وهكذا

 

المؤمنون يعيشون حياتهم في الدنيا بعزة

 

 

ورفعة ، واستعلاء يحاربون الظلم ، وينفرون من الذل ، قاماتهم عزيزةٌ منتصبة ، لا يحنونها إلاَّ لله .. ورؤوسهم مرتفعةٌ عزيزةٌ لا يخفضونها إلاَّ لله..

 

 

 

 

بينما سُميِّت الياء في كلمة { عبيد } بياء الذِّلة فهي تُوحي بالذِّلَّة الملازمة للكفار ، والعُصاة .. فالياء جاءت وسط الكلمة منبطحةً ملقاةً بِذلّةٍ ،وهكذا الكفار أذلاء

 

في حياتهم ، وفي أشخاصهم ، وفي مواقفهم ".

 

 

 

 

 

 

 

 

 

:unsure: {إياك نعبدُ وإياك نستعين}:

 

 

 

- قدّم المعمول على عامله ، وفي اللغة الأصل أن نُقدِّم العامـل على المعمول أي نُقدِّم الرفـع على النصب ..

 

 

 

"نعبدُ نحن إياك " نعبد : فعل مضارع ، نحن: فاعل ، إياك : مفعول حقه التأخير في اللغة العربية ..

 

 

 

إلاَّ أنه قدَّم فقال: { إياك نعبدُ } ، فقدَّم المفعول على نعبد الذي هو العامل ، وهذا التقديم يفيد " الحصر ".

 

 

فلو قال نعبد إياك لجاز دخول واو العطف ، وهذا هو الإشراك مع الله في عبادته غيره فنقول نعبد إياك وغيرك..

 

 

 

- أما حين يُقدّم المعمول فنقول إياك نعبد فلا نستطيع أن نعطف عليه..

 

 

 

 

وبالتالي حصرنا العبادة كلها لله , ودلّ هذا على وجوب الإخلاصْ لله وأن العبادة لا تقبلُ إلا بالإخلاص..

 

 

 

 

 

 

: {إياك نعبدُ وإياك نستعين}:

 

أسلوبها تغيَّر عن الآيات التي قبلها ، تحوَّل الكلام من الغيْية إلى أسلوب الخطاب ، أو المواجهة ، وهذا يُسمى التفاتاً في علم البلاغة .. يفيد أن العبد لما حَمَد وأثنى ومجّد فكأنه اقترب وحَضَر بين يدي

 

 

 

الله فتحوَّل من الغيْبة إلى الخطاب ، وهذا مما يُوصلُ العبدُ إلى مرتبة الإحسان فيستشعر حضور قلبه بين يدي ربه وهو قائمٌ في صلاته..

 

 

 

 

: {إياك نعبدُ وإياك نستعين}:

 

- جاءت الآية بأسلوب الجمع .. وكأن المتكلمين جماعة .. وذلك لأن الإنسان عبارةٌ عن مجموعةُ أشياء كل شيء منها يعبدُ الله على حده..

 

 

 

العينان لها عبادة ، الأذان لها عبادة ، اللسان والشفتان لهما عبادة ، الرجلان لهما عبادة ...إلخ.

 

 

فكأن المصلي يقول لله تعالى وهو واقفٌ بين يديه { إياك نعبد }.. أعبدك يارب بكل جوارحي بكل أجزائي ، بكل عواطفي ، وبكل ما عندي وبكل ما أملك .. وما أملكُ من شيء إنما هو لك وحدك..وهذا هو

 

الاستسلام لله عز وجل..

 

 

 

 

 

:: {إياك نعبدُ وإياك نستعين}:

 

عطَفَ إياك نستعين على إياك نعبد .. فنستفيدُ من هذا العطف أن من حقق العبادة لله حقق الله له العون ، فكأنه إياك نعبدُ "سبب" وإياك نستعين " نتيجة "..

 

 

 

فإذا حصلتْ إياك نعبد تلقائياً ستحصل إياك نستعين..

 

 

 

 

و هذا الربط بين العبادةِ وبين العون..

 

فالعبادةُ حقٌ لله .. والعونُ حقٌ للعبد..

 

 

فمن قدَّم حق الله بالعبادة .. أعطاهُ الله حقهُ بالمعونة .. فإن وفّيت حق الله فلا تسأل عن عطاء الله ومعونته..قال تعالى:{ إن هذا لرزقنا ماله من نفاد }..

 

وعلى قدْر العبادة يأتي العون من الله ..

 

 

فكلما زادَ العبد في عبادته واستعانته بربه ، كلما أعانهُ الله ..

 

وأظهرُ دليل على ذلك ما جاء في الحديث القدسي : [ ما تقرَّب إليَّ عبدي بأحبَّ مما افترضته عليه ، ومازال عبدي يتقرَّب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببتُه كُنت سمعه الذي يسمعُ به ، وبصره الذي يُبصِر

 

 

 

به، ويده التي يبطشُ بها ، وقدمه التي يمشي بها ]..

 

 

 

 

 

 

 

 

:icon16: فالناسُ في عبادة الله أقسام :

 

 

 

: القسم الأول ..السابقون المقربون:

 

 

وهم السابقون إلى طاعة ربهم ، المسارعون إليها الذين تقربوا له بعد الفرائض بالاجتهاد في النوافل والطاعات ، والانكفاف عن دقائق المكروهات..

 

 

وهؤلاء هم أولياء الله الذين يتولى الله أمرهم بالكامل ، وتتولى الملائكة إعانتهم ولا تسأل عن الخير الذي أُعِّدّ لهم في الدنيا والآخرة لأن ولاية الله جل وعلا سدٌ منيعٌ وعطيةٌ عظيمة ، لا يبلُغها أيُّ أحد ..

 

 

 

فإذا تولاَّك الله لن يُصيبك شيءٌ يضُركَ في دنياك ولا آخرتك إلاّ شيءٌ من وراءه منفعةٌُ لك من حيث لا تدري..

 

 

قال تعالى :{ ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهمُ البُشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكمات الله ذلك هو الفوز العظيم }.

 

 

 

 

هذا الصنفُ من الناس هم أكثرُ من يُعينهم الله ، ومعونة الله لهم ظاهرٌ من الحديث القدسي :[ كُنت سمعه الذي يسمعُ به] .. من

 

 

 

هُنا تبدأ المعونة : يُعان على السمع فلا يسمعُ محرماً ، يُعان على البصر فلا

 

 

 

يُبصرُ محرماً، يُعان على الفِهم والعلم ويُعطى الفراسة والبصيرة والحكمة والتسديد.. يُعطى البركة فيما يكتُبهُ وفيماً يعمله ، وما يمشي إليه..

 

 

 

 

 

والمقصود أن الإنسان إذا تولاّه الله فأعظم ما يُرزق التوفيق عموماً في السمع والبصر ، والأخذ والعطاء ، والغدو والرواح.. فيجعلُ الله له نوراً ويجعل له بيّنة وفُرقاناً يميِّز به الأشياء لأنه قريبٌ من الله ..

 

 

 

 

- محفوفٌ بكمال الولاية وكمال النُصرة ، والتأييد والعون والمحبة والمعيِّة ، وهم ما تحصّلوا على هذه الدرجة العالية والمنزلة الرفيعة إلاَّ بمسابقتهم واجتهادهم في عبادتهم لربهم فتقربوا إليه بما يُقربهم

 

منه..

 

 

 

 

 

 

 

: القسم الثاني ..المقتصدين " أصحاب اليمين ":

 

 

 

يدخلون في كمال الولاية ، ولكن الولاية منازل ودرجات عدَّة متفاوتة..

 

 

وهم المقتصدين الذين تقربوا إلى الله بالفرائض ولم يزيدوا عليها ، ولم يُنقِصوا منها ، فهؤلاء أيضاً يُعانون .. يُعينهم الله ولكن ليس كعوْن السابقين المقربين إذ أنهم اقتصدوا على الفرائض ولم يجتهدوا

 

 

 

في النوافل والطاعات..

 

 

 

 

 

 

: القسم الثالث ..الظالمُ لنفسه:

 

 

 

 

وهم الذين ظلموا أنفسهم فوقعوا فيما حرَّم الله ، وتركوا بعضاً مما أوجبَ الله ، ولم يخرجوا من الإسلام ..

 

 

فهؤلاء لا يُطلق على أحدهم أنه وليٌ من أولياء الله .. ولكن يُقال : له حظٌ من الولايةِ بقدر إيمانه .. وفاتهُ منها على قدْر فجوره ، فهو يدخلُ في أصل الولاية لا كمالها..

 

 

 

 

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أختي أم منونة آسفة :unsure: نسيت أن أضعه في صفحة تأملات حول سورة الفاتحة والتي هي بدورها تتضمن باقي الأجزاء

فوضعت هذا الجزء مستقل ثم افتكرت ووضعته ضمن باقي الأجزاء فأرجوا منك حذف الموضوع :sad: آسفة مرة أخرى .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

 

تابــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

 

 

ونُعطي مثالاً آخر على هذا الربط بين العون وبين العبادة ..

 

الذكرُ عبادةٌ عظيمةٌ جليلة من أهم العبادات التي يتقرَّبُ بها الإنسان لربه ..

 

 

 

من فوائد الذكر وثِماره كما يقول ابن القيم رحمه الله :

 

" أن الذاكر يُعطى قوةً حتى إنه ليفعلُ مع الذكر ما لا يُطيقُ فعلهُ بدونه "..

 

ولكن السؤال الآن متى يُعطي الذِكر ثمرته ومقصوده ؟

 

 

 

 

 

يقول أهل العلم :

 

" إن الذكر يؤتي ثماره ويحصلُ مقصوده بكثرتِه لا بأدنى شيءٍ منه ، فاكتفاءُ العبدُ بالحد الأدنى منه يفوِّت عليه خيراً كثيراً ".

وإن أنت تأملت كتاب الله فلقد ارتبط ذكر الله في القرآن بالكَثْرة ..

 

يقول الله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً }.. ويقول: { وإذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً ...} .. ويقول عز من قائل :{ والذاكرين الله كثيراً والذاكرات }..

 

فالإعانةُ مُقيَّدةٌ بالكثرة ..

 

 

 

 

فكثرة الذكر :

لها سرٌ عجيبٌ في الفتحِ وفي التوفيق للطاعات ..

 

 

لها سرٌ عظيم في البركة التي تنزل على العبد يُبارك له في يومه ، وليلته ، وفي نفسِه حتى إنه ليُحفظ من نفسه التي بين جنبيه من وساوسها وخطراتها ونزغاتها..

 

 

يُكفى الفتور والضعف ، العجز ، ويُعطى قوةً ونشاطاً في بدنه وقلبه ..

 

 

وهذه الثمار كلها مقيدةٌ بكثرة الذِكر ، لا بالحد الأدنى منه .. فالمعونة تأتي على قدْر العبادة ..

 

 

 

 

 

 

{إياك نعبدُ وإياك نستعين}:

تُعلِّمُنا كيف نحقق عبودية التوكل ، وكيف يزيد إيماننا ..

 

فمدار التوحيد والعبودية قائمٌ على هاتين الآيتين ، فالدين نصفين .. نصف ٌعبادةٌ وهي العلةُ من الخلْق .. والنصف الثاني الاستعانة بالله والتوكل عليه..

 

 

فالتوكلُ هو محض العبودية وهو خالصُ التوحيد ، ونهاية تحقيقه .. منزلته من الدين كمنزلة الجسد من الرأس، فكما أن الرأس لا يقوم إلاَّ على البدن ؛ فكذلك الإيمان وأعماله

 

لا يقوم إلاَّ على ساق التوكل..

 

 

هو مركِبُ السائر الذي لا يتأتْى له السيرُ إلاَّ به ، ومتى نزل عنه انقطع لوقته..

 

منزلتهُ من أوسع المنازل ، وأجمعها لأنه مرتبطٌ بحوائج الخلْق ، وحوائج الخلق كثيرةٌ لا تنتهي .. لذا كانت حاجةُ الإنسان للتوكل لا تُحدّ لا بطولٍ ولا بعرضٍ ولا بارتفاع ، بل العبد محتاجٌ إليه بعدد أنفاسه إذْ لا

 

 

مُعين له على مصالح دينه ودنياه إلاَّ ربه .. فمن أعانهُ الله فهو المُعان..

 

 

 

 

محل التوكل وتعريفه:

 

التوكلُ محلهُ وقرارهُ ونهايتهُ القلب..

 

- فهو اعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة مع الثقة بالله ، وفعل الأسباب المأذون فيها..

 

 

- نعم المؤمن مأمورٌ أن يأخذ بالأسباب المشروعة ، فالله عزوجل جعل من سننِه في هذا الكون أنه قائمٌ على الأسباب والأخذ بها ، وقد جعل الله لكل شيءٍ سبباً..

 

 

ولكن هذه الأسباب هي بذاتها نقطة البلاء التي يختبر الله بها عباده ؛ فيرى مدى تعلّق قلوبهم بها ، وهل هم يعتقدون أنها هي النافعة.. الضارة .. المؤثرة التي تتحقق بها مراداتهم وغاياتهم ! أم أنّ الله هو

 

 

المُـعطي والمُسـبب لهـا؟

 

 

لذلك الأخذ بالأسباب قد يكون سبباً في زيادة الإيمان وتحقيق التوحيد ، وقد يكون سبباً في ضعف الإيمان ونقصه ، بل قد يصل بالعبد إلى دائرة الشرك والعياذ بالله ..

 

 

وعلى هذا ....

 

إن أردْتَ أن تتعلّم أبجديات التوكل و أن تضعَ قدمك في بداية دائرته :

 

فاقطعْ صلتك بالأسباب ..

 

 

جَرِّد قلبك من الالتفات للسبب ..

 

 

 

بمعنى أنه كلما قام في قلبك إرادةُ أي عمل من جلب منفعةٍ أو دفع مضرةٍ فتعلَّق بالله أولاً ، وقبل كل شيء استعن بالله على تحصيل مقصودك وتحقيق مرادك ، لعلمِكَ اليقيني بأن الله هو الأولُ الذي ليس قبله

 

شيء..

 

 

 

فهو سبحانه وبحمده الذي ييُسر الأسباب ، ويُهيئها .. ويسوقها للعبد ، و ينفعُه بها .. والعبدُ لا حولَ له ولا قوة لا في تهيئة السبب وتيسيره ، ولا في الانتفاع منه إلاَّ أن يأذن الله له بذلك..

 

 

وعليه فلا يعجز قلبكَ عن التعلّق بالله ، والركون إليه في صغير الأمر وكبيره.. وجعل أول التفاتٍ في قلبك لله لا للأسباب..

 

 

 

قال ابن القيم رحمه الله:

 

" فإن العبدَ متى التفتَ إلى غير الله أخذَ ذلك الالتفات شعبة من شعب قلبه ، فنقصَ من توكله بقدْرِ ذهاب تلك الشُعبة "..

 

 

فإذا امتلأ القلبُ بصفات الرب وقدرتهِ وقيوميته ، وكفايته وعلمِه وإحاطتهِ ، وفَهِمَ تمامَ الفِهمِ أن الله سابق كل شيء ، وأن الله قبل كل شيء ، وأنه كان الله وما كانت الأسباب ..

 

 

واعتمد على أن ربه مُهيء الأسباب ومُيسرُها وهو الذي يباركُ فيها وينفعُ بها ..

بدأ بعد ذلك عملُ الجوارح بمباشرة السبب والأخذِ به مِن غير ثقةٍ به ، أو ركونٍ إليه .. بل الثِقة كل الثقة والاستعانة كل الاستعانة بمسبب السبب جل جلاله .. " فالقلوبُ تتوكل والجوارحُ تعمل "..

 

 

وحالك وأنت تأخُذ بالأسباب وكأنها كل شيء .. ثم تتوكل على ربك وتنقطع عن الأسباب وكأنها لا شيء وهذا هو المحك الصعب أن تأخذَ بها وأنتَ قاطعٌ الطمع فيها ..

 

 

وهذه هي ثمرة هذا العلم عن الرب وصفاته قوةٌ يقذفها الله في قلبك..

 

 

فإن انقطعت الأسباب أو فُقِدَتْ فهذا لا يعني انقطاع العطاء عنك..

 

وهنا يأتي إيمانك باسم الله الآخِر الذي ليس بعده شيء .. تذهبُ الأسباب ويبقى الله ..فإن كانت الأسباب لها آخِر ، فالله عزوجل هو الآخِر الذي تنقضي من دونه الأسباب ..

 

 

نعم قد تُفقدُ الأسباب ، وقد تنعدم .. وقد تنقطع .. ولكن يبقى لُطفُ الله بك .. يبقى عطاء الله لك..

 

 

لكن هذا العطاء عنده بمقدارٍ وبزمانٍ وبمكانٍ معين ، أنت لا تُحدد زمن العطاء ، ولا مكانه ، ولا متى ، ولا على يدْ منْ سيكون ؟؟

 

 

أنت فقط تقوي استعانتك بالله ، وصدْق توكلك عليه ، بأنه الآخر الذي ليس بعده شيء ..

 

 

وثقْ عندها " أن الكفاية تأتي على قدر اليقين .." .

 

 

 

فعلى قدْر ثقة العباد بربهم على قدْرِ ما يعطيهم الله ويحقق مراداتهم ..

 

 

فمن قال الله .. تولاَّه الله .. { ومن يتوكل على الله فهو حسبه }..

 

 

ومن قال الأسباب .. تخلَّى الله عنه ..

 

 

 

 

{إياك نعبدُ وإياك نستعين}:

 

كانت هي دعاء النبي يوم بدر ، فقد ورَدَ انه كان يقول :[ اللهم يا حي يا قيوم ، يا حي يا قيوم ، يا حي يا قيوم ، إياك نعبد وإياك نستعين ]..

 

 

 

فكانت هذه هي استغاثته التي استغاثَ بها ربه في ذلك اليوم العظيم فجاءهُ المَددُ من السماء .. وعليه فالدعاء كله داخلٌ في قوله :{ إياك نعبد وإياك نستعين }..

 

 

 

 

 

 

{إياك نعبدُ وإياك نستعين}:

قوله إياك نستعين فيه إشارةٌ على أن الدعاء بعد العبادة مشروعٌ ومُستحب ، وهو سببٌ من أسباب إجابة الدعاء..

 

 

فكل من أرادَ أن يدعو الله ، وأن يستجيب الله دعائه فليُقدِّم بين يدي دعائهِ عبادة ، وأفضل هذه العبادات الجامعة : الصلاة ..

 

 

لذلك كان النبي إذا حَزِبَهُ أمرٌ بادرَ إلى الصلاة .." كصلاة الاستسقاء ، وصلاة الكسوف ، وصلاة الاستخارة .. ونحوها"..

 

 

 

 

{إياك نعبدُ وإياك نستعين}:

تعلِّمُنا الأخلاق .. والقرآن كلهُ كتاب أخلاق..

 

إياك نعبدُ: حصرت العبادة كلها لله عزوجل .. والعبادةُ اسمٌ جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال..

وعليه فإن الأخلاق من العبادة ، بل إن منزلتها من العبادة عظيمةٌ جداً..

 

قال :[ إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنُكُم ] . وسُئل رسول الله عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة فقال:[ تقوى الله وحُسن الخُلُق ].

 

وقال :[ إن المؤمن ليُدركُ بحُسن خُلقه درجة الصائم القائم ].

والله عزوجل امتدح نبيه :{ وإنك لعلى خُلقٍ عظيم } ، كما امتدحَ بقية أنبيائهِ وهذا ظاهرٌ لكل متأملٍ في كتاب الله ..

 

 

وكل هذا يدلُ على عظيم منزلة الأخلاق .. وارتباطها بالعبادة .. وأنك كلما كنت أحسن خُلقاً ، كلما كنتَ أقرب إلى الله ورسوله من غيرك..

 

 

 

 

{إياك نعبدُ وإياك نستعين}:

 

تُعلّمنا أنه:

من عَمِلَ ولم يُخلِص لا ينفعهُ عمله..

 

 

ومن عَلِمَ ولم يعمل لا ينفعهُ علمهُ..

 

 

ومن عَمِلَ وأخلصَ ولم يعلمْ لا ينفعهُ عملهُ..

 

فمن اجتمعَ فيه الثلاث: العِلمُ ، والعمل ، والإخلاص نفعهُ الله بعلمه ، وعمله وإخلاصه .. فالله عزوجل يقول :{ ليبلوكم أيكم أحسنُ عملاً }..

 

وأحسنُ العمل ما كان خالصاً متبعاً لسنة رسول الله .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ما شاء الله

موضوع اكثر من راااااااااااااائع

جعله الله فى ميزان حسناتك

 

فى انتظار البقية

 

ارجووووووووووو ان تكمليه

جزاك الله خيرا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

آخواتيييي اشتقت لكن كثيررا .. آسفة غبت عنكن فترة طويلة ولكن حصلت لي ظروفا وسافرت في الصيف وها أنا رجعت لكن وكلي شوق لنتابع تأملات حول سورة الفاتحة :icon17:

أم بودي جزاك الله خيرا وبارك فيك علي مرورك وكلماتك :wub:

 

تشجعت لإكمال الموضوع بكلماتك :wub: وإن شاء الله غدا أكمل تأملات حول سورة الفاتحة الجزء السادس :wub:

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×