اذهبي الى المحتوى
أمة الله 26

خاتم الأنبياء والمرسلين رحمة من رب العالمين

المشاركات التي تم ترشيحها

إعداد/ د. عبد الله شاكر الجنيدي

نائب الرئيس العام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على

خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، وبعد :

فقد تحدثت

في اللقاء السابق عن شهادة عبد اللَّه بن سلام وهو حبر من أحبار اليهود للنبي

صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة، وأواصل الحديث في هذا اللقاء عن بعض

شهادات غيره بالنبوة والرسالة لسيد الورى صلى الله عليه وسلم، فأقول :

لقد شهد

كثير من علماء النصارى للنبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة، ومن هؤلاء

النجاشي ملك الحبشة، وقد آمن بالله ودخل في الإسلام، وقد نعاه جبريل عليه

السلام يوم وفاته للنبي صلى الله عليه وسلم، وصلى عليه هو وأصحابه صلاة الغائب،

كما شهد هرقل عظيم الروم للنبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة، وقد قال

لأبي سفيان - رضي اللَّه عنه - بعد أن سأله أسئلة متعددة عن النبي صلى الله

عليه وسلم، جاء فيها : «سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث

في نسب قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان

أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتي بقول قيل قبله، وسألتك هل كان من آبائه

من ملك؟ فذكرت أن لا، قلت : فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه،

وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه

لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على اللَّه، وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم

ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟

فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد سَخْطة لدينه

بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك

هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك بم يأمركم؟ فذكرت أنه

يأمركم أن تعبدوا اللَّه ولا تشركوا به شيئًا وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم

بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقًّا فسيملك موضع قدميَّ هاتين، وقد

كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أَخْلُصُ إليه

لتجشَّمْتُ لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدمه»(1).

وهذه شهادة عظيمة وكلمات

دقيقة في صدق بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم، خرجت من هذا الرجل المشرك المعتقد

بأن اللَّه ثالث ثلاثة، وإنني أدعو عموم النصارى في العالم اليوم لقراءتها

وتدبرها، واعتقاد ما جاء فيها، ثم الإيمان والتصديق بالهادي البشير صلى الله

عليه وسلم.

وقد وبخ اللَّه العرب الكافرين لعدم إيمانهم بالنبي صلى الله عليه

وسلم مع وجود آية عظيمة تدل على صدق نبوته، وثبوت رسالته، وهي معرفة علماء بني

إسرائيل وشهادتهم له بأنه نبي من عند اللَّه كما قال تعالى : أولم يكن

لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل[الشعراء : 197].

 

قال الإمام ابن كثير - رحمه اللَّه -: «أي : أوليس يكفيهم من الشاهد الصادق

على ذلك : أن العلماء من بني إسرائيل يجدون ذكر هذا القرآن في كتبهم التي

يدرسونها؟ والمراد العدول منهم، الذين يعترفون بما في أيديهم من صفة محمد صلى

الله عليه وسلم ومبعثه وأمته، كما أخبر بذلك من آمن منهم كعبد اللَّه بن سلام،

وسلمان الفارسي، عمن أدركه منهم ومن شاكلهم، وقال اللَّه تعالى : الذين

يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا

عندهم في التوراة والإنجيل <<(2).

وفوق هذه الشهادات كلها

لنبينا صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة شهادة رب العالمين وملائكة الله

المقربين، قال تعالى : رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون

للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا

حكيما (165) لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله

بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا[النساء

: 165، 166]، ومعنى شهادة اللَّه بما أنزل إليه : إثباته لصحته، بإظهار

المعجزات، كما تثبت الدعاوى بالبينات، إذ الحكيم لا يؤيد الكاذب بالمعجزة،

ومعنى أنزله بعلمه. أي : وهو عالم به، رقيب عليه، وكفى بالله شهيدًا على صحة

ثبوته، وإن لم يشهد غيره له، وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال

الإمام ابن جرير رحمه اللَّه في تفسيره : «... لكن اللَّه يشهد بتنزيله إليك ما

أنزله من كتابه ووحيه أنزل ذلك إليك بعلم منه بأنك خيرته من خلقه، فإنه إذا شهد

لك بالصدق ربك لم يضرك تكذيب من كذبك وخلاف من خالفك، وكفى بالله شهيدًا، يقول

: وحسبك بالله شاهدًا على صدقك دون ما سواه من خلقه، فإنه إذا شهد لك بالصدق

ربك لم يضرك تكذيب من كذبك»(3)، وشهادة اللَّه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم

بالنبوة والرسالة تنقسم إلى قسمين : شهادة إخبار، وشهادة معجزات، فشهادة

الإخبار هي : ما أخبر به تعالى في كتابه عن وحيه لرسوله واصطفائه له، ووجوب

طاعته ونصرته، وذلك في آيات كثيرة من كتابه كقوله : إنا أوحينا

إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده <<،

ويلاحظ في هذه الآية أن الله قدم النبي صلى الله عليه وسلم في الذكر فقال :

أوحينا إليك، رغم أن إرساله متأخر عن غيره من الأنبياء والمرسلين، إلا

أنه مقدم عليهم في الفضل والذكر والرتبة صلى الله عليه وسلم، وهذا كقوله تعالى

: وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح

وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم[الأحزاب : 7]، وقال تعالى في

شهادته لنبيه صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة : يا أيها النبي

إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (45) وداعيا إلى

الله بإذنه وسراجا منيرا[الأحزاب: 45، 46]، وقد أخبر سبحانه

في كتابه أن عيسى ابن مريم - عليه السلام - قد بشر بنبينا صلى الله عليه وسلم،

قال تعالى : وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل

إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من

التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد

فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين (6) ومن

أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى

الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين[الصف: 6، 7].

وقد

ذكر العلماء قديمًا وحديثًا ما جاء في الإنجيل من البشارة بالنبي صلى الله عليه

وسلم، وإن كانوا هم يحرفونه ويكتمونه، وقد بشرت به صلى الله عليه وسلم جميع

الأنبياء، ومنهم موسى عليه السلام، ومما يشير إلى أن موسى مُبَشِّرٌ به قول

عيسى - عليه السلام - في هذه الآية : مصدقا لما بين يديه <<،

والذي بين يديه هي التوراة أنزلت على موسى(4)، وقد جاء صريحا التعريف به صلى

الله عليه وسلم، وبالذي معه في التوراة في قوله تعالى: محمد رسول

الله والذين معه أشداء على الكفارإلى قوله تعالى :

ذلك مثلهم في التوراة <<، كما جاء وصفهم في الإنجيل في نفس السياق

في قوله تعالى: ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه

فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه[الفتح: 29].

وقد ذكرت

جريدة «المؤيد» عدد (3284) صفحة (2) تحت عنوان : «لا يعدم الإسلام منصفًا قول

«مارسيه» وكان في مدرسة اللغات الشرقية قوله : إن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو

مؤسس الدين الإسلامي(5)، واسم محمد جاء من مادة «حمد»، ومن غريب الاتفاق أن

نصارى العرب كانوا يستعملون أسماء من نفس المادة يقرب في المعنى من «محمد»، وهو

«أحمد»، ومعنى أحمد صاحب الحمد، وهذا ما دعا علماء الدين الإسلامي أن يثبتوا

بأن كتب المسيحيين قد بشرت بمجيء النبي محمد صلى الله عليه وسلم(6)، وقد أشار

القرآن نفسه إلى هذا بقوله عن المسيح : ومبشرا برسول يأتي من

بعدي اسمه أحمد <<(7).

وأقول بعد هذا : «والفضل ما شهدت به

الأعداء».

فائدة :

قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في جلاء الأفهام :

«الفرق بين محمد وأحمد من وجهين: أحدهما : أن محمدا هو المحمود حمدا بعد حمد،

فهو دال على كثرة الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه، وأحمد أفعل

تفضيل من الحمد، يدل على أن الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره، فمحمد

زيادة حمد في الكمية، وأحمد زيادة في الكيفية، فيحمد أكثر حمد، وأفضل حمد حمده

البشر، والوجه الثاني: أن محمدا هو المحمود حمدا متكررا كما تقدم، وأحمد هو

الذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره، فدل أحد الاسمين - وهو محمد - على

كونه محمودا، ودل الاسم الثاني وهو أحمد على كونه أحمد الحامدين لربه، وهذا هو

القياس، إلى أن قال: وأيضا فإن الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصاله المحمودة

التي لأجلها استحق أن يسمى محمدا وأحمد، فهو الذي يحمده أهل الدنيا وأهل

الآخرة، ويحمده أهل السموات والأرض، فلكثرة خصاله التي تفوق عد العادين سمي

باسمين من أسماء الحمد، يقتضيان التفضيل والزيادة في القدر والصفة».

وللحديث

صلة - إن شاء الله - والسلام عليكم ورحمة الله

(1) أخرجه البخاري في صحيحه

كتاب بدء الوحي باب جـ1 /31، 32، ومسلم في صحيحه كتاب الجهاد والسير باب 26 جـ3

/ 1393 - 1397 .

(2) تفسير ابن كثير (ج4/173) . (3) تفسير ابن جرير

(جـ6/22) . (4) راجع تتمة أضواء البيان (جـ8/180).

(5) هكذا قال ،

والصواب أن يقال : بعث بالدين الإسلامي ؛ لأن الله أوحى به إليه ، وحتى لا

يتوهم متوهم أنه جاء به من عند نفسه .

(6) الكاتب وهو نصراني لم يذكر الصلاة

والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وأثبتها لوجوبها على المسلم عند ذكر اسمه

صلى الله عليه وسلم .

(7) انظر محاسن التأويل للقاسمي (ج16/5788

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×