اذهبي الى المحتوى
زبيـــــدة

حكم مس المصحف للجنب والحائض والنفساء

المشاركات التي تم ترشيحها

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حكم مس المصحف للجنب والحائض والنفساء

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

الصواب في هذه المسألة كأختها وسابقتها - وهو حكم القراءة - ، وهو: الجواز، وسنذكر - إن شاء الله- ما يؤيد ذلك بعد أن نذكر الردَّ على أدلَّة واستدلال مَن منع.

 

أما دليلهم الأول وهو قوله تعالى { لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } [الواقعة/79] فالاستدلال به ضعيفٌ ، والمراد بـ { الْمُطَهَّرُونَ } في الآية "الملائكة" ولا علاقة للآية بمسألة مسِّ المصحف على طهارة، وذلك لوجوهٍ عديدةٍ -ذكرها ابن القيم رحمه الله-:

1. منها: أنه وصفه بأنه { مَكْنُونٍ } ، والمكنون: المستور عن العيون، وهذا إنما هو في الصحف التي بأيدي الملائكة.

2. ومنها: أنه قال { لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } وهم الملائكة ، ولو أراد المؤمنين المتوضئين لقال "لا يمسه إلا المتطهرون" كما قال تعالى { إِنَّ الله يحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة/222] ، فالملائكة مطهَّرون، والمتوضئون متطهرون.

3. ومنها: أنَّ هذا إخبارٌ ، ولو كان نَهياً لقال "لا يمْسَسْهُ " بالجزم ، والأصل في الخبر: أن يكون خبراً صورةً ومعنًى.

4. ومنها: أنَّ هذا ردٌّ على من قال: "إن الشيطان جاء بهذا القرآن" فأخبر تعالى أنَّه { فِي كِتَابٍ مَكْنُون } لا تناله الشياطين ولا وصولَ لها إليه.

5. ومنها: أنَّ هذا نظير الآية التي في سورة "عبس" { فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ . فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ . مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ . بِأَيْدِي سَفَرَةٍ . كِرَامٍ بَرَرَة } .

قال مالكٌ في " موطئه " : أحسن ما سمعتُ في تفسير قوله { لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } أنها مثل هذه الآية في سورة "عبس".

6. ومنها: أنَّ الآيةَ مكيَّةٌ في سورة مكيَّةٍ تتضمن تقرير التوحيد والنبوة والمعاد وإثبات الصانع، والرد على الكفار، وهذا المعنى ألْيَقُ بالمقصود مِن فرعٍ عمليٍّ وهو "حكم مس المحدِث المصحف".

7. ومنها: أنَّه لو أُريدَ به الكتاب الذي بأيدي الناس: لم يكن في الإقسام على ذلك بهذا القسم العظيم كثيرُ فائدةٍ ، ومن المعلوم أنَّ كلَّ كلامٍ فهو قابلٌ لأنْ يكون في كتابٍ حقاً أو باطلاً بخلاف ما إذا وقع القسَم على أنَّه في كتابٍ مصونٍ مستورٍ عن العيون عند الله لا يصل إليه شيطان ولا ينال منه ولا يمسه إلا الأرواح الطاهرة الزكية ، فهذا المعنى ألْيَقُ وأجلُّ وأخْلَقُ بالآية بلا شك. أ.ه‍‏‍ "التفسير القيم" (ص482).

ونقل ابن المنذر في "الأوسط" (2/103) أن معنى{ الْمُطَهَّرُونَ } : الملائكة، عن أنس وابن جبير ومجاهد والضحاك وأبي العالية.

 

أ. ومما يَستدلُّ به المانعون أيضا: قصة إسلام "عمر" وفيها "أن أخته قالت له قبل أن يسلم: إنك رجسٌ ولا يمسه - (أي: القرآن) - إلا المطهرون... " ، رواها أحمد في "فضائل الصحابة" (1/285) وابن سعد في "الطبقات" (3/202).

قال الحافظ ابن حجر: في إسناده مقال. أ.ه‍‏‍ "التلخيص الحبير" (1/132).

قلت: في إسناد "أحمد": إسحاق بن إبراهيم الحنيني ، وهو متفقٌ على ضعفه كما في "تهذيب التهذيب" (1/222)، وأسامة بن زيد بن أسلم وهو ضعيفٌ أيضاً مشهورٌ بذلك.

وفي إسناد "ابن سعد": القاسم بن عثمان البصري ، قال الذهبي في "الميزان": حدَّث عن إسحاق الأزرق بمتنٍ محفوظٍ، وبقصةِ إسلامِ عمر، وهي منكرةٌ جداً. أ.ه‍‏‍ (4/295).

 

هذا وللقصة طرقٌ ورواياتٌ أخرى كلُّها معلولةٌ، انظرها مع تخريجها في كتاب "الخلافيات" للبيهقي (1/517) تحقيق أخينا مشهور حسن.

 

ب. واستدلوا أيضا بكتاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم في اليمن "أن لا يمس القرآن إلا طاهر" ، رواه مالك (1/91) والنسائي (8/57) وغيرهما.

 

والحديث : ضعفه الحافظ ابن حجر والنووي ، انظر "التلخيص الحبير" (ص48) ، "المجموع" (2/78) ، ومال شيخنا الألباني إلى كونه صحيحاً لغيره "الإرواء" (1/158). وانظر تخريجاً موسعاً في "نصب الراية" (1/196)، وتحقيق "الخلافيات" (1/497-510).

وعلى كلِّ حالٍ: فلو فرضنا صحةَ الحديثِ أو حُسنه، فإنَّ الاستدلال به يبقى قاصراً؛ ذلك أن كلمة "طاهر" تطلق على معانٍ عدةٍ:

1. منها: طاهر القلب من الشرك ، يؤيده قوله تعالى { إِنَّما الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } [التوبة/28] وقوله تعالى - على قول قوي - { وَثِيَابَكَ فَطَهِّر ْ } [المدثر/4].

2. ومنها: طاهر البدن من النجاسة والأذى ، يؤيده قوله تعالى { إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [ البقرة/ 222] .

قال ابن كثير: أي المتنـزِّهين عن الأقذار والأذى. أ.ه‍‏‍ "التفسير" (1/340).

3. ومنها: الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر ، يؤيِّده قوله "أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ" رواه البخاري (1/409) ومسلم (3/170) ، وقوله تعالى { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُو } [المائدة / 6].

" والدليل إذا تطرق إليه الاحتمالُ بَطَلَ به الاستدلال " ، على أنَّ الأقرب في هذا الحديث أن "طاهر" هي على المعنى الأول ، بدلالة الحديث نفسه فإن فيه أنَّ النَّبيَّ " بعثه إلى أهل اليمن، ولم يكونوا مسلمين في ذلك الوقت، فكونه لغير المسلمين يكون قرينةً على أنَّ المراد ب‍ـ"الطاهر" هو: المؤمن. انظر : "الشرح الممتع" (1/266)(1).

د. ومما استدل به المخالفون أيضاً: حديث حكيم بن حزام – الذي ذكره المصنف- وفيه "لا تَّمَسَّ القُرْآنَ إِلاَّ وَأَنْتَ طَاهِرٌ" رواه الحاكم (3/485) ، والدارقطني (1/122) والطبراني (3/205).

= قال الهيثمي رحمه الله: وفيه سويد أبو حاتم ، ضعفه النسائي وابن معين في رواية، ووثقه في رواية ، وقال أبو زرعة: ليس بالقويِّ، حديثُه حديثُ أهلِ الصدق. أ.ه‍‏‍ "مجمع الزوائد" (1/277).

= وقال الحافظ ابن حجر: وفي إسناده سويد أبو حاتم، وهو ضعيفٌ، وذكر الطبراني في الأوسط أنه تفرد به. أ.ه‍‏‍ "التلخيص الحبير" (1/131).

= وقال ابن حزم: وأما مسُّ المصحف فإنَّ الآثار التي احتج بها من لم يُجِز للجنب مسه: فإنه لا يصحُّ منها شيءٌ، لأنَّها إما مرسلةٌ وإما صحيفةٌ لا تُسند، وإما عن مجهولٍ وإما عن ضعيفٍ، وقد تقصيناها في غير هذا المكان. أ.ه‍‏‍ "المحلى" (1/97).

هـ. وأما ما ذكره المصنف عن أبي وائل وأبي رزين من حمل المصحف بعلاقة، وقوله " إنهما من كبار التابعين " ، فإنه لا نصَّ معهما في ذلك ، وقد بعث النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كتاباً إلى "هرقل " وفيه قوله تعالى { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَينَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا الله… مُسْلِمُونَ } [ آل عمران/64] ، وأما فعلهم هذا فقد ردَّ عليه ابن حزم فقال: تفاريق لا دليل على صحتها لا مِن قرآنٍ ولا من سنَّةٍ – لا صحيحةٍ ولا سقيمةٍ – ولا مِن إجماعٍ ولا مِن قول صاحب ، ولئن كان "الخُرج" حاجزاً بين الحامل وبين القرآن : فإنَّ اللوحَ وظاهرَ الورقةِ حاجزٌ أيضاً بين الماسِّ وبين القرآن! ولا فرق. أ.ه‍‏‍ "المحلى" (1/97).

وأخيراً: فلئن كنَّا قد رجَّحْنا جوازَ مسِّ المصحف للحائض والجنب والنفساء- ولنا سلفٌ في هذا - فإننا نقول: لا شك ولا ريب أنَّ الأفضل والأكمل أن يكون القارئُ لا طاهرَ البدن فقط، بل وطاهرَ الثياب والمكان أيضاً تعظيماً لشعائر الله تعالى، والله عز وجل يقول { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } [الحج/32] وأما الوجوبُ الشرعيُّ فلا.

 

هذا، وإنَّ من أفضل ما يعظم به كتاب الله - بعد قراءته وحفظه - هو العمل به، فيقف المسلم عند نواهيه ويعمل بأوامره، وهذا هو الذي ينبغي الاهتمام به، لا أن يُشتغل بالتشنيع على من يفتي بالجواز وقد يكونون أحفظَ وأعلمَ بكتاب الله تعالى من مخالفيهم، وأولئك أبعد ما يكونون عن الالتزام بأحكامه – إلا من رحم الله- ، والله الموفق لا ربَّ سواه.

 

كتبه

إحسان بن محمد بن عايش العتيبـي

أبو طارق

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

بارك الله فيك حبيبتي زبيدة.

هناك من العلماء من يروا خلاف هذا، فالأحوط عدم مس المصحف في هذه الأحوال.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكم الله خيرا أخوتي في الله

و بالفعل فإن هناك خلافا بين العلماء في هذا

و لكن يجب علينا معرفة أسباب الخلاف فإن كان كل الأراء مستنده الا أدله صحيحه فحينئذ نأخذ بالأحوط أما إن كان هناك رأي مستند على أدلة صحيحه و رأي آخر يخالفه و لكنه مستند على أدله ضعيفه فنأخذ بالرأي المستند على الأدله الصحيحه,

و هذا ما أجمع عله الأئمه الأربعه فقد قالوا "ما وافق قولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم فأخذوا به و ما خالفه فأضربوا به عرض الحائط"

و هذا الأمر يشابه كثيرا الخلاف الموجود في حكم النقاب فمن فرض النقاب يأخذ بالأدله الصحيحه و من يقول بحكم كشف الوجه و الكفين يستند على أدله ضعيفه منها حديث السيده أسماء ، و بالطبع كلنا يعلم أن هذا الحديث منقطع أي لا يؤخذ به في علم مصطلح الحديث.

و للأسف فإن كل الأدلة التي منعت الحائض من دخول المسجد أو قراءة القرآن أو مسها المصحف هي أدلة ضعيفه

فلماذا نضيق على أنفسنا و قد وسع الشرع علينا

أعذروني على الاطاله و لكنني عانيت من هاتين القضيتين في مشواري الدعوي و لله الحمد و المنة لقد قمت بعمل بحث لكل منهما مستند على أدله قويه و على أقوال أهل العلم

و إن أردتن و سمحتن لي بأن أضعهما في المنتدى فأنا تحت أمركم و على الرحب

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و إياك اختي

شكرا على ردك الطيب

عندي ملاحظة عزيزتي

العلماء الذين قالوا بان النقاب ليس بفرض لم يستدلوا باحاديث ضعيفة

فمن بينهم محدث العصر الذي قام بتخريج الاحاديث الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الالباني رحمه الله.

تم تعديل بواسطة زبيـــــدة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أخيتي الحبيبة زبيدة

بالرغم من أن الإمام الألباني رحمه الله محدث العصر، إلا أن ليس جميع ما يضعفه أو يصححه مُجمع على ضعفه أو خلافه.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

نعم أختي في الله زبيدة كما ذكرت أختنا المشرفة

فإن حديث الوجه و الكفين لم يقويه سوى الشيخ الألباني رحمه الله

مثل تحليل الأغاني و الموسيقى لم يحللها سوى الامام بن حزم

و هما عالمان جليلان ترابهما على رؤسنا و لهما منا كل الحب و الاحترام و الاعتراف بالجميل

و لكنهم ليسوا حجه على الاسلام

فكما قال علمائنا " كل يؤخذ منه و يرد عليه إلا النبي صلى الله عليه و سلم"

و جزاكم الله خيرا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×