✿ܔ المحاضرة السابعة : التَّدرج في طلب العلم✿ܔ

[سُندس واستبرق 4686]

 

 

 

نبتدئ بالحديث عن قواعد الطَّلب، قواعد الطَّلب المراد بها: مجموعة من المسائل الّتي يراعيها طالب العلم الشّرعيّ في سيْرِه في هذا العلم.

والعلماء يعرِّفون القاعدة بأنَّها أمرٌ كليٌّ ترجع إليه المسائل في أبوابٍ مختلفةٍ. فمثلاً في القواعد الفقهيَّة القاعدة الأولى "الأمور بمقاصدها" فهذه القاعدة هي أمرٌ كليٌّ ترجع إليه المسائل في أبواب الفقه المختلفة. وهذا غير الضّابط، الضّابط هو ما به نعرف ما تحكم به المسائل من بابٍ واحدٍ فحديث النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: "أيما إيهابٍ دُبغ فقد طهر" هذا ضابط في باب الآنية تحديدًا وفي الجلود تحديدًا، فهو في باب محدد. إذن هذا هو الفرق بين القاعدة والضَّابط، القاعدة في أمور مختلفة وفي أبواب كثيرة بينما الضّابط يكون فقط في مسألة أو بابٍ واحدٍ.

الفائدة الأولى: أنَّها ترسم للطّالب المنهج الصّحيح في الطّلب الله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189]، فكلّ شيءٍ له باب إذا استطاع الإنسان أن يلج إلى هذا الأمر من بابه؛ فإنَّه سيوفق بإذن الله -سبحانه وتعالى- ليجني ثمرته.

 

الفائدة الثّانية: أنها تختصر المسافة للطّالب، وبدلًا من أن يبدأ الطالب يتنقل من كتابٍ لكتابٍ ومن مَتنٍ إلى مَتنٍ ومن علمٍ إلى علمٍ ولا يربط الأمور بعضها ببعض هذه القواعد تيسر لك الأمر بإذن الله وبدلًا من أن تتنقل حتى في النَّهاية تعرف الوجهة الصَّحيحة فإنَّك من البداية تسير على بيِّنةٍ وبرهانٍ وتحقق قول الله -عزّ وجلّ- يا أيُّها النّاس {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189]، والوقت الّذي تقضيه في التَّنقل تقضيه في ضبط العلم واتقانه وبذلك تعود على الطّالب بفوائدَ كثيرةٍ وغزيرةٍ.

 

 

الفائدة الثالثة: أنَّ هذه القواعد هي الطَّريق الأمثل للبناء وللتأسيس العلميّ الّذي نتمناه لكلّ طالب علم، هناك فرق بأن يكون الإنسان عنده ثقافة وإلمام بالعلوم الشّرعيَّة، وبين أن يكون لديه تأصيل وتحقيق وتدقيق في المسائل.

 

 

القاعدة الأولى: لتَّحلِّي بالآداب والأخلاق الكريمة والقيم السّامية وأهمها الأربعة الّتي تحدثنا عنها: الإخلاص لله -عزّ وجلّ- والعمل بالعلم والدّعوة إلى الله والصّبر على الأذى الّذي يناله الإنسان خلال الدّعوة وصبر طالب العلم على الطّلب وجده واجتهاده ومثابرته فيه، وقد تقدم معنا العديد من الآداب الّتي يراعيها طالب العلم وهي جزءٌ لا يتجزأ من العملية التَّعليميَّة في نيل العلم الشّرعيّ فإنّ العلم أوله ثمرة الأدب والأخلاق الّتي يتحلّى بها طالب العلم.

 

 

القاعدة الثّانية: العلوم الّتي يتعلمها طالب العلم على قسمين: علوم تسمى بعلوم الوسائل، والقسم الثّاني علوم الغاية.

علوم الوسائل:وتسمى أحيانًا علوم الآلة أو العلوم الصّناعيَّة، هي العلوم الّتي يتوصل من خلالها إلى فهم مراد الله ومراد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وإقامة اللسان وبناء الأقوال والأفعال والتّصورات بناءً سليمًا. هذه تسمى بعلوم الوسائل أو علوم الآلة أو العلوم الصّناعيّة هي علوم يتوصل من خلال معرفتها إلى فهم مراد الله ومراد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وإقامة اللسان قيامًا صحيحًا وبناء الأقوال والأفعال والتّصورات بناءً سليمًا.

علوم الوسائل يجمعها أربع: العلم الأول علم أصول التّفسير ويدخل فيه علم التّجويد، العلم الثّاني علم مصطلح الحديث، والعلم الثّالث علم أصول الفقه، والعلم الرابع علم اللغة العربية بأقسامها الثّلاثة الغريب والنَّحو والبلاغة.

 

القسم الثّاني: علوم الغايةوهي العلوم الّتي يتوصل بها إلى فهم كلام الله وكلام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ومعرفة الأحكام الشَّرعيَّة، إذن علوم الغاية هي الّتي من أجلها نتعلم علم الوسائل لنصل إلى هذه الغاية. وهي أن نفهم كلام الله وكلام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ونعرف كذلك الأحكام الشّرعيَّة، هذه العلوم هي الّتي من أجلها يتعلم الطّالب ومن أجلها يلتحق بركاب العلم والعلماء ويجمعها كذلك أربع علوم: العلم الأول علم العقيدة والتّوحيد، والثّاني علم التّفسير، والثّالث علم الحديث، والرّابع علم الفقه فهي كذلك أربعة علوم. فلدينا أربع علوم تسمى علوم آلة أو وسائل وهي علم أصول الفقه مصطلح الحديث وأصول التّفسير واللغة العربية وكذلك لدينا أربع علوم تسمى بعلوم الغاية وهي علم العقيدة وعلم التّفسير وعلم الحديث وعلم الفقه.

 

[سُندس واستبرق 4686]

✿ܔ✿ܔ

 

 

القاعدة الثّالتة:

العلوم أيضًا من جهة محتواها ومن حيث مضمونها تنقسم إلى قسمين. علوم تسمى بعلم العُقد وعلوم أخرى تسمى بالمُلَح وقد قسمها إلى هذا التَّقسيم الإمام الشّاطبيّ -رحمه الله تعالى- فقال العلم ينقسم إلى قسمين عُقدٌ ومُلَحٌ.

العقد هي العلوم الأصلية التي يتعلمها الطّالب، ويدخل فيها علم الوسائل الأربع الّتي تحدثنا عنها وكذلك علوم الغاية. فكل ما ذكرناه في القاعدة الثّانية ينتظم تحت حديثنا عن العقد.

✿ܔ✿ܔ

 

 

القاعدة الرابعة: ما هي الطّريقة المثلى للتّأصيل و التّأسيس لكل فن تطلبه؟

نحن تحدثنا عن ثمانية أنواع من العلوم. أربعة منها من علوم الوسائل، وأربعة من علوم الغاية. ما هي الطّريقة المثلى من أجل ان أتأسس تأسيسًا صحيحًا وأتأصل تأصيلًا صحيحًا لهذه العلوم

✿ܔ✿ܔ

 

 

الطّريقة الأولى للتّأصيل والتّأسيس، أن طالب العلم يقسم هذه العلوم الثّمانية على ثمان سنوات، يعني من أراد أن يسير على ثمان سنوات بطريقةٍ صحيحةٍ: يبتدئ بالعقيدة ثمّ باللغة العربية، ثم بعد ذلك بأصول الفقه، ثمّ بالفقه، ثم بمصطلح الحديث ثم بالحديث، سابعًا أصول التفسير، ثم يختم في السّنة الثامنة بتفسير القرآن العظيم.

سيجد طالب العلم نفسه بعد ثمان سنوات قد تأصل وأسس نفسه وبنى علمه بناءً علميًّا صحيحا. ليس معناه أنه بعد ثمان سنوات سيكون عالمًا من العلماء الرّبانيِّين. العلم طويل، الإمام أحمد يقول: "العلم من المهد إلى اللحد"، "ومع المحبرة إلى المقبرة" لكن طالب العلم سيجد نفسه خلال هذه الثَّمان السّنوات قد حصل علوم كثيرة. وسيأتي معنا كيف يبتدئ في كلّ علم من هذه العلوم الثّمانية.

 

الطّريقة الثّانية أن يحفظ مختصرًا لكل علمٍ يتعلمه. فيحفظ مختصر في العقيدة، ويحفظ مختصر في الفقه ويحفظ مختصرًا في اللغة العربية، ويحفظ مختصرًا في كلّ فنٍ من الفنون الثَّمانية الّتي تحدثنا عنها، يقول الشّيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "حين كنا في زمن الطّلب كان يأتونا أناس يقولون لنا لا تحفظوا يكفيكم أن تفهموا العلم" فيقول: "الحمد لله أننا لم نأخذ برأيهم؛ لأنَّنا حينما كبرنا في السِّن لم ينفعنا إلا تلك المتون الصّغيرة الّتي حفظناها، فأصبحنا نعيد إليها جميع المسائل الّتي ترد إلينا".

المتون المختصرة: معنى المختصر هو ما قل لفظه وكثر معناه. تجد اللفظ قليل لكنَّه يتفرع عنه مسائل كثيرة كما ترون ذلك واضحا بيِّنًّا في كتاب "زاد المستقنِع" و"عمدة الفقه" وغيرها من الكتب في شتى العلوم. إذن يحرص طالب العلم على أن يحفظ مختصرًا في كلّ فنٍ من الفنون.

 

الطّريقة الثَّالثة أن يضبط هذا المختصر قبل أن يحفظه على أحد العلماء. يذهب إلى عالم فيقرأ عليه المختصر حتى يكون حفظه مبنيًّا على قراءة صحيحة سليمة.

 

أيضًا الطّريقة الرّابعة عدم الإشتغال بالمطولات قبل ضبط المختصرات فإذا جعلت في هذا العام مثلا علم العقيدة فلا أشتغل مثلا بكتاب "معارج القبول" للشّيخ الحكمي وأنا لم أقرأ ولم أحفظ بعد كتاب الإمام محمد بن عبد الوهاب الثلاثة أصول وكتاب التّوحيد والقواعد الأربع وكشف الشُّبهات وغيرها من المسائل إذن قبل أن تقفز إلى المطولات يجب أن تنتهي من المختصرات.

 

الطّريقة الخامسة عدم الانتقال من مختصر إلى مختصر بدون موجب. فالفقه مثلًا لديك كتاب "زاد المستقنع" ولديك كتاب "عمدة الفقه" فإذا ابتدأت بكتاب "عمدة الفقه" فلا تنتقل إلى "الزَّاد" وأنت في كتاب الصَّلاة تقول والله "عمدة الفقه" مسائله قصيرة و"الزَّاد" أكثر وأكبر نقول لا إذا ابتدأت بشيء فأتمّه فلا تنتقل من مختصر لمختصر بلا موجب يستوجب عليك ذلك.

 

الطّريقة السّادسة أن تحرص أتناء الطّلب على اقتناص الفوائد والضّوابط والقواعد والأصول. فإنّها تجمع لك العلوم الكثيرة في معانٍ قليلةٍ، وأنت تقرأ، فيقول لك في كتاب "زاد المستقنِع" ويقول والضّابط في هذه المسألة كذا وكذا تعلَّق بهذا الضّابط واحفظه ودونه لديك.

التّدوين يكون على قسمين: إما أن يكون عندك مذكرة تدون فيها هذه القواعد والفوائد والأصول، كما فعل ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "الفوائد" وفي كتابه "بدائع الفوائد"، وكثير من العلماء الّذين كانوا يكتبون هذه القواعد فأصبحت بعد ذلك، كتبًا يتداولها طلبة العلم والعلماء.

الطّريقة الثّانية أن تكتب في بطن الكتاب، بحيث أي مسألة تمر عليها مثلًا في "فتح الباري" تكتب قال الإمام رحمه الله: "ذكر اسم المسجد باسم صاحبه قد يعد من الرّياء إذا لم يخلص الإنسان العمل فيه لله -عزّ وجلّ-". فهذا ذكره في "فتح الباري" فتكتب هذا الأمر في الصّفحة حتّى يسهل عليك في ما بعد الرّجوع إليه. لكن لا شكّ أن جمعها في مذكرة مقسمة لِ:فوائد العقيدة، فوائد النّحو، فوائد اللغة، فوائد الحديث، فوائد المصطلح. بحيث تجد لديك بعد فترة ثروة علمية ترجع إليها بكل سهول،ة وتعود إليها في كلّ وقتٍ.

 

الطّريقة السّابعة: الاهتمام، أن يكون عند طالب العلم اهتمام بالتحصيل واهتمام بأن يطور نفسه وأن يرتقي بهنه وعقله وعلمه حتى يصل إلى المطولات؛ لأنه من لم تكن له بداية محرقة لن تكون له نهاية مشرقة. بعض العلماء يقول: "مما كان يحفزني على طلب العلم أني أكون في مكتبتي فانظر إلى كتاب المُغني لابن قدامة -رحمه الله- فآخذ في طلب الفقه واستمريت في ذلك حتى استطعت أن أقرأ كتاب المغني لا يقل عن عشر مرات". فكان أمامه هدف يريد أن يصل إليه، فجدَّ وجالد وجاهد واجتهد وصابر، حتى نال ما يتمناه وظفر بأن يقرأ كتاب المغني وأن يستوعبه فليست القضية القراءة فقط بل أن يستوعب كذلك المعاني الموجودة في هذا الكتاب.

✿ܔ✿ܔ

 

 

القاعدة الخامسة:

الاهتمام بالأصول والضّوابط والقواعد. لكل علمٍ أصول ولكل علم وفن قواعد وضوابط تجمع مسائله، وتقرب فهمه، ويستطيع الطّالب من خلالها إذا أصبح مفتيًا أو عالمًا؛ أن يضبط الفروع بالأصول؛ وأن يعيد الفروع إلى أصول المسائل الّتي لديه؛ وأن يجمع مسائل وأحكام كثيرة في ضوابط وقواعد معينة. والعلماء كانوا في شدة العناية بهذه الأصول والقواعد والضّوابط، وطبعًا يجمعها لك؛ أن تتعلم أصول الفقه وتتعلم القواعد الفقهيَّة وتتعلم مصطلح الحديث. فهذه تجمع لك المسائل. العلماء يقولون: "من حرّم الأصول حرّم الوصول". الإنسان يتعلم ليكون من العلماء، فليصل إلى أن يكون من العلماء؛ لابد أن يأخذ بالأصول، "فمن حرم الأصول حرم الوصول ومن رام الوصول طلب الأصول".

 

✿ܔ✿ܔ

 

القاعدة السَّادسة:

وهي من أهم القواعد الّتي يجب على طالب العلم مراعاتها، وهي مسألة التَّدرج في طلب العلم الشّرعيّ.

العلم يا أخوة كالبناء إذا لم تضع له الأساس فإنَّ البناء لا يقام. والعلم لا ينال قفزة فلن تستطيع أن تفهم الكتب المتوسطة حتى تعي المختصرة، ولن تستطيع أن تفهم الأمهات (أمهات الكتب) والمطولات إلا إذا فهمت الكتب المتوسطة. فالعلم يُبنى ولا ينال قفزًا. يقول ابن عبد البرّ -رحمه تعالى-: "العلم درجات ومناقل ورتب" ثمَّ قال -رحمه تعالى-: "لا ينبغي تعديها، فمن رام أن يتعداها فقد رام أن يتعدى سبيل السَّلف، ومن تعدى سبيلهم عامدًا ضلّ، ومن تعدى سبيلهم جاهلا زلّ". أيضًا الإمام الماوردي -رحمه الله- يقول: "واعلم أن للعلم أوائل تؤدي إلى أواخرها، ومداخل تفضي إلى حقائقها فليبتدئ طالب العلم بأوائلها لينتهي إلى حقائقها".

 

✿ܔ✿ܔ

[سُندس واستبرق 4686]

✿ܔ✿ܔ

 

المحاضرة مختصرة لمن أرادت قرائتها مباشرة فلتتفضل هنا :

 

_______________.doc

 

ومن أحبت الاستفادة فلتستمع الى المحاضرة من هنا :

 

http://ar.islamway.net/lesson/62185

 

✿ܔ✿ܔ

[وأشرقت السماء 1565]

جزاكِ الله خيرا سندس الحبيبة وجعله بميزان حسناتك

[ام جومانا وجنى 515]

السلام عليكن ورحمة الله وبركاته

جزاكِ الله خيرا ونفع بكِ