اذهبي الى المحتوى
atta

في ذكر الموت

المشاركات التي تم ترشيحها

الفصل الثامن

في ذكر الموت وقصر الأمل

إن مما يبطر النفس ويدفعها إلى الصراعات المشؤومة والشهوات المذمومة طول أملها، ونسيانها للموت، ولذلك كان مما تعالج به النفس تذكر الموت الذي هو أثر القهر الإِلهي، وقصر الأمل الذي هو أثر عن تذكر الموت، وبقدر ما يقصر الأمل ويتذكر الإِنسان الموت يكون عكوفه على القيام بحقوق الله أكثر، ويكون الإِخلاص في عمله أتم، ولا يظنن ظان أن قصر الأمل يحول دون إعمار الدنيا، فالأمر ليس كذلك بل عمارة الدنيا مع قصر الأمل تكون أقرب إلى العبادة، إن لم تكن عبادة خالصة، ففارق بين مَنْ يعمل بالسياسة قياماً بحق الله، وبين من يعمل فيها من أجل شهوة نفسه.

إن قصر الأمل وتذكر الموت ينقلان الإِنسان من الطور الثاني إلى الطور الأول، ومن ههنا وغيره يأخذ تذكر الموت وقصر الأمل أهميتها كوسيلتين من وسائل تزكية النفس، وهاك بعض كلام الغزالي في هذا وذاك.

قال الإمام الغزالي رحمه الله:

 

ذكر الموت

أما بعد، فجدير بمن الموت مصرعه، والتراب مضجعه، والدود أنيسه، ومنكر ونكير جليسه، والقبر مقره وبطن الأرض مستقره، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده، أن لا يكون له فكر إلا في الموت ولا ذكر إلا له، ولا استعداد إلا لأجله، ولا تدبير إلا فيه، ولا تطلع إلا إليه، ولا تعريج إلا عليه، ولا اهتمام إلا به، ولا حول إلا له، ولا انتظار وتربص إلا له، وحقيق بأن يعد نفسه من الموتى ويراها في أصحاب القبور، فإن كل ما هو آت قريب والبعيد ما ليس بآت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكَيِّسُ من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت" [أخرجه الترمذي وحسنه] ولن يتيسر الاستعداد للشيء إلا عند تجدد ذكره على القلب، ولا يتجدد ذكره إلا عند التذاكر بالإِصغاء إلى المذكرات له والنظر في المنبهات عليه، ليكون ذلك مُستحثاً على الاستعداد فقد قرب لما بعد الموت الرحيل فما بقي من العمر إلا القليل والخلق عنه غافلون {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1].

 

في ذكر الموت والترغيب في الإِكثار من ذكره

اعلم أن المنهمك في الدنيا المكِّبَ على غرورها المحبَّ لشهواتها يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت فلا يذكره وإذا ذكِّر به كرهه ونفر منه، أولئك هم الذين قال الله فيهم: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة: 8] ثم الناس: إما منهمكٌ، وإما تائب مبتدئ، أو عارف منته. أما المنهمك: فلا يذكر الموت، وإنْ ذكره فيذكره للتأسف على دنياه ويشتغل بمذمته، وهذا يزيده ذكر الموت من الله بُعداً. وأما التائب: فإنه يكثر من ذكر الموت لينبعث به من قلبه الخوف والخشية فيفي بتمام التوبة وربما يكره الموت خيفة من أن يختطفه قبل تمام التوبة وقبل إصلاح الزاد، وهو معذور في كراهة الموت ولا يدخل هذا تحت قوله صلى الله عليه وسلم: "من كره لقاء الله كره الله لقاءه". [متفق عليه] فإن هذا ليس يكره الموت ولقاء الله وإنما يخاف فوت لقاء الله لقصوره وتقصيره، وهو كالذي يتأخر عن لقاء الحبيب مشتغلاً بالاستعداد للقائه على وجهٍ يرضاه فلا يعد كارهاً للقائه. وعلامة هذا أن يكون دائم الاستعداد له لا شغل له سواه وإلا التحق بالمنهمك في الدنيا، وأما العارف: فإنه يذكر الموت دائماً لأنه موعدُ لقائه لحبيبه، والمحب لا ينسى قط موعد لقاء الحبيب، وهذا في غالب الأمر يستبطئ مجيء الموت ويحب مجيئه ليتخلص من دار العاصين وينتقل إلى جوار رب العالمين.

 

قصر الأمل

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر: "إذا أصبحت فلا تحدِّث نفسك بالمساء وإذا أمسيتَ فلا تحدث نفسك بالصباح، وخُذْ من حياتك لموتك، ومن صحتك لسقمك، فإنك يا عبد الله لا تدري ما اسمك غداً". [أخرجه ابن حبان ورواه البخاري من قول ابن عمر في آخر حديث "كن في الدنيا كأنك غريب".

وروي أنه صلى الله عليه وسلم أخذ ثلاثة أعواد فغرز عوداً بين يديه، والآخر إلى جنبه، وأما الثالث فأبعده، فقال: (هل تدرون ما هذا؟)، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (هذا الإِنسان وهذا الأَجل وذاك الأمل يتعاطاه ابن آدم ويختلجه الأجل دون الأمل) وقال عليه الصلاة والسلام: (مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منيةً إنْ أخطأته المنايا وقع في الهرم) قال ابن مسعود: هذا المرء وهذه الحتوف حوله شوارع إليه، والهرم وراء الحتوف، والأمل وراء الهرم، فهو يؤمل وهذه الحتوف شوارع إليه فأيها أمر به أخذه فإن أخطأته الحتوف قتله الهرم وهو ينتظر الأجل.

قال عبد الله: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً مربعاً، وخط وسطه خطاً، وخط خطوطاً إلى جنب الخط، وخط خطاً خارجاً وقال: "أتدرون ما هذا؟" قلنا الله ورسوله أعلم، قال: "هذا الإِنسان - للخط الذي في الوسط - وهذا الأجل محيط به، وهذه الأعراض - للخطوط التي حوله - تنهشه إن أخطأه هذا نهشه هذا، وذاك الأمل" [أخرجه البخاري] - يعني الخط الخارجي.

وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يهرم ابن آدم ويبقى معه اثنان الحرص والأمل". [أخرجه مسلم].

 

بيان السبب في طول الأمل وعلاجه

اعلم أن طول الأمل له سببان، أحدهما: الجهل، والآخر: حب الدنيا.

أما حب الدنيا: فهو أنه إذا أَنِسَ بها وبشهواتها ولذاتها وعلائقها ثَقُلَ على قلبه مفارقتها، فامتنع قلبه من الفكر في الموت الذي هو سبب مفارقتها، وكل من كره شيئاً دفعه عن نفسه.

وأما الجهل: فهو أن الإِنسان قد يعوّل على شبابه فيستبعد قرب الموت مع الشباب، وليس يتفكر المسكين أن مشايخ بلده لو عُدُّوا لكانوا أقل من عُشْرِ رجال البلد، وإنما قلوا لأن الموت في الشباب أكثر فإلى أن يموت شيخ يموت ألف صبي وشاب. وقد يستبعد الموت لصحته ويستبعد الموت فجأة، ولا يدري أنّ ذلك غير بعيد، وإن كان ذلك بعيداً فالمرض فجأة غير بعيد، كل مرض فإنما يقع فجأة، وإذا مرض لم يكن الموت بعيداً.

وإذا عرفت أن سببه الجهل وحب الدنيا فعلاجه دفع سببه.

(أما الجهل) فيدفع بالفكر الصافي من القلب الحاضر وبسماع الحكمة البالغة من القلوب الطاهرة.

(وأما حب الدنيا) فالعلاج في إخراجه من القلب شديد، وهو الداء العضال الذي أعيا الأولين والآخرين علاجه، ولا علاج له إلا الإِيمان باليوم الآخر وبما فيه من عظيم العقاب وجزيل الثواب، ومهما حصل له اليقين بذلك ارتحل عن قلبه حب الدنيا، فإن حب الخطير هو الذي يمحو عن القلب حب الحقير، فإذا رأى حقارة الدنيا ونفاسة الآخرة استنكف أن يلتفت إلى الدنيا كلها وإن أعطي ملك الأرض من المشرق إلى المغرب، كيف وليس عنده من الدنيا إلا قدر يسير مكدّر منغّص، فكيف يفرح بها أو يترسّخ في قلب حبها مع الإِيمان بالآخرة؟ ولا علاج في تقرير الموت في القلب مثل النظر إلى من مات من الأقران والأشكال وأنهم كيف جاءهم الموت في وقت لم يحتسبوا. أما من كان مستعداً فقد فاز فوزاً عظيماً، وأما من كان مغروراً بطول الأمل فقد خسر خسراناً مبيناً

منقول من الموسوعة الاسلامية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكي الله خيرا اختي atta

 

فعلا يجب علينا تذكر الموت في كل وقت وحين

 

ونتذكر دائما انه قريب منا

 

وان الموت قادم لامحالة مهما طال العمر

 

لو كل انسان هايقدم على معصية وتذكر انه ممكن يموت وهو بيعمل المعصية دي لن يقرب هذه المعصية ابدا

 

لو كل انسان عايذ يقدم على فعل طاعة ونفسه والشيطان يكسله وتذكر انه ممكن يموت قبل فعل هذه الطاعة لقام فورا لطاعة الله وانشغل عمره في طاعة الله

 

ولكننا نسينا او تناسينا اننا سنموت يوما ما

 

على الاقل نجدد نياتنا في كل شئ بنعمله ونستحضر النية ان عملنا كله لله ونكون دائما على ذكر الله وفي طاعته

 

اللهم ارزقنا حسن الخاتمة

 

اللهم احيينا على طاعتك وأمتنا على طاعتك وانت راض عنا

 

آمين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله بك أختنا الفاضلة atta

 

موضوع يستحق التأمل

 

قال عبد الله: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً مربعاً، وخط وسطه خطاً، وخط خطوطاً إلى جنب الخط، وخط خطاً خارجاً وقال: "أتدرون ما هذا؟" قلنا الله ورسوله أعلم، قال: "هذا الإِنسان - للخط الذي في الوسط - وهذا الأجل محيط به، وهذه الأعراض - للخطوط التي حوله - تنهشه إن أخطأه هذا نهشه هذا، وذاك الأمل" [أخرجه البخاري] - يعني الخط الخارجي.

 

اللهم أحسن خاتمة كاتبة الموضوع وقارئاته ..

 

 

بارك الله بك حبيبتنا عباد الرحمن على رفع الموضوع القيم ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

...........

تم تعديل بواسطة * أحلى منتدى *

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×