اذهبي الى المحتوى
في جنة الله أحيا

إسلاميو مصر وتحديات اللحظة الراهنة

المشاركات التي تم ترشيحها

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

 

إسلاميو مصر وتحديات اللحظة الراهنة

 

بقلم/ سمير العركي

 

إذا كان الشعب المصري قد تنسم عبير الحرية عقب ثورته المباركة في 25 يناير.. واستطاع أن يحطم جدار الخوف الذي حجب عنه لسنوات طويلة شمس الكرامة.. فإن الحركة الإسلامية المصرية هي الأكثر استفادة من ثورة الشعب المصري.

 

حيث إنها الضحية الأكبر لنظام مبارك القمعي المستبد على مدار ثلاثين سنة متتالية تنقلت من سجن إلى سجن.. ومن قتل في سويداء القلب إلى التعليق على أعواد المشانق.

 

وبالرغم من كل ذلك فعندما انكشف الغطاء الحكومي عن الجميع "السلبي والإيجابي" وجدنا أنفسنا أمام مفارقة عجيبة غريبة.

 

فالتيار الإسلامي رغم كل ما سبق ذكره من انتهاكات كان هو الأكثر جهوزية واستعداداً لأي انتخابات سواء على المستوى الرئاسي أم البرلماني.. وبات الحديث يدور في دائرة النسبة التي سيحققها التيار الإسلامي.

 

ناهيك عن حالة الفزع التي انتابت التيارات العلمانية كلما اقتربت الاستحقاقات الانتخابية.. والتي يحاولون جهدهم تعطيلها.. والالتفاف على مكتسبات الثورة المصرية.. ضمن مجموعة من التحديات التي باتت تفرض نفسها على الحركة الإسلامية.. والتي ستوجب عليها أن تتوقف أمامها بالفحص والتأمل واستنبات أفضل السبل لمواجهتها.

 

أولا ً: محاولة استنساخ النظام البائد

 

فنظام مبارك لم يكن ليستطيع أن يفتك بالحركة الإسلامية كما فتك بها.. لولا المساندة التي حظي بها من التيار العلماني.. وخاصة من بقايا الماركسيين والعلمانيين المرتبطين بدوائر الاستخبارات الأمريكية وأجهزة الأمن المصرية.. فقد وفروا لمبارك الغطاء الفكري للفتك بالحركة الإسلامية.. ولعل أسوأ ما سربوه إلى الحياة الثقافية والسياسية المصرية مبدأ "الإقصاء".

 

فقد استطاع فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق أن يجمع متطرفي اليسار المصري فيما أسماه هو "الحظيرة".. وكان الطريق إلى حظيرته مفروشاً بمنح التفرغ وتولى رئاسة المطبوعات التي تصدرها وزارة الثقافة وجوائز الدولة .. إلخ .

 

ولقد تمكن مريدو حظيرة فاروق حسنى من تسميم الحياة الثقافية المصرية بانتهاج مبدأ "التكفير الثقافي" للإسلاميين.. وترك المعالجة الأمنية لمبارك وأجهزته القمعية والتي حققوا فيها نجاحاً منقطع النظير.. رغم الحالة المزرية التي ترك عليها مبارك الدولة المصرية.

 

وبالرغم من انهيار نظام مبارك فإن أذنابه خريجي "حظيرة فاروق حسنى" مازالوا يمرحون ويسرحون بذات العقلية الإقصائية التي تدعو إلى إقصاء التيار الإسلامي.. والحد من نفوذه وتأميم الحياة السياسية.. وتعطيل العملية الديمقراطية لعلمهم بهشاشة موقفهم وضعفه في الشارع المصري.

 

والغريب أن ينضم إلى هذه الحملة وجوه ليبرالية.. لم تجد غضاضة في الدعوة إلى تأصيل الديكتاتورية وفتح الباب واسعاً أمام الانقلابات العسكرية.

 

ففي حديث مع جريدة "الأهرام" 17/4/2011 دعا د/ البرادعي إلى ضرورة تضمين الدستور الجديد نصاً يعطى للجيش الحق في التدخل لحماية ما يسمى بـ "الدولة المدنية" وقال:

 

"أرى ضرورة وضع نص في الدستور يقضي بأن يحمي الجيش الدولة المدنية والدستور.. فالعقود المقبلة يجب أن يكون للجيش دور حيوي في حماية الديمقراطية الوليدة".

 

هذه الدعوة من البرادعي تفتح الباب واسعاً للانقلابات العسكرية والإطاحة بالديمقراطية تحت حماية الدستور والحجة الجاهزة حماية الدولة المدنية.

 

فالدولة المدنية تعبير واسع فضفاض لم تستقر الجماعة الوطنية المصرية على تعريف له حتى الآن.. فهو يعبر لدى النخب العلمانية عن الدولة العلمانية.. فهل يسعى د/ البرادعي إلى فرض النموذج العلماني بقوة السلاح؟!!

 

أليست هذه بعينها هي ذات الممارسات التي تمكن مبارك من خلالها فرض النموذج العلماني على الشعب المصري وحرمانه من تقرير مصيره واختيار نظام الحكم الذي يريده؟!!

 

ما يقوله البرادعي هي محاولة لاستنساخ نظام يلغى إرادة الجماهير.. ويصادرها لصالح أقلية تريد فرض رأيها بقوة السلاح.. وتكرار القهر.. ولا معنى بعد ذلك أن يقول البرادعي في الحوار ذاته أنه مع عدم إقصاء أي فصيل بما فيهم الإسلاميون.

 

ففي كل نظام ديمقراطي تسعى القوى المختلفة إلى حيازة ثقة الشعب والوصول عبر الصناديق إلى سدة الحكم في الإطار العام للدولة ومن خلال المنهاجية التي تحدد شكل الدولة وطبيعتها.. والدولة المصرية نص دستورها في مادته الثانية على أن "الإسلام دين الدولة الرسمي.. واللغة العربية لغتها الرسمية.. ومبادئ الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع" هذه الأطر العامة التي تحدد ملامح الدولة المصرية تكاد تكون موضع اتفاق بين الشعب المصري.. والذي يعتبر أن المساس بها مساس بهويته ووجوده.

 

ومن هنا فقد كان مستغرباً سعى بعض النخب العلمانية إلى تشكيل ما يعرف بـ "اللجنة الشعبية لتشكيل الدستور" لوضع دستور جديد في التفاف واضح على إرادة الشعب المصري الذي صوت بنسبة 77% على الموافقة على التعديلات الدستورية.. والتي منها انبثاق مجلس لوضع دستور جديد فور انتخاب مجلس الشعب القادم.

 

ولكن يبدو أن النخب العلمانية أرادت استباق الأحداث لعلمها جيداً بأن المجلس القادم سيشهد وجوداً مكثفاً من الإسلاميين.. والذين سيكون لهم دور في تشكيل المجلس التأسيسي للدستور الجديد.

 

أليس ما تفعله النخب العلمانية بهذه الخطوة الاستباقية يعد استهانة بإرادة الناخبين والتفافا ً عليها.. كما كان يفعل نظام مبارك سواء بسواء؟!!!

 

إن محاولة استنساخ روح مبارك القمعية امتدت آثارها على صعيد الحوار والنقاش.. فالبعض "ممن خدموا في بلاط مبارك" آلمه حالة الهدوء النسبي بين النخب العلمانية والإسلاميين.. فصار يحرض بوجه سافر على إعادة الحرب جذعة كما كانت.

 

فعبد القادر شهيب في مقال له بجريدة الأخبار 20/4/2011 يقول:

 

"لذلك يتعين أن يستيقظ كل الراغبين في إقامة دولة مدنية ديمقراطية حقيقية وينتبهوا إلى هذا الخطر.. يتعين أن يتخلصوا أولا من هذه الرومانسية الحالمة التي يتعاملون بها مع التيارات والجماعات الدينية بدعوى عدم تكرار تعامل النظام السابق معهم كفزاعة سياسية "

 

هذه الروح الاستئصالية ملحوظة وبقوة.. وتمثل تحدياً أمام الحركة الإسلامية.. حتى لا تظل على هامش المشهد الذي امتلأ في "متنه" بذات الوجوه اليسارية القديمة التي خدمت بإخلاص في بلاط مبارك.. وعادوا من جديد ليشغلوا مناصب الثقافة والإعلام.. وكأن الشعب المصري ثار من أجل تمكينهم لا من أجل نيل حريته وكرامته!!!

 

ثانيا ًً: إعادة ترتيب الأولويات

 

فالحركة الإسلامية يجب عليها أن تتخلص من تبعات عصر "مبارك" الفكرية والثقافية.. والتي فرضت عليها مجموعة من القضايا لا تستطيع أن تتعدى عتبتها.

 

ولكن الوضع الآن تغير وعلى الحركة الإسلامية أن تعيد النظر في ترتيب أولوياتها على النحو التالي:

 

1- البحث عن إطار جديد يجمع الحركة الإسلامية على اختلاف فصائلها.. خاصة وهى تتحرك على أرضية مشتركة.. ومن منطلقات موحدة.

 

ولا أقول هنا إطار دمجي كما يحب كثيرون ويتمنون.. ولكن على الأقل إطار تنسيقي جبهوي في مواجهة القضايا المصيرية التي تواجه الأمة.. وعلى رأسها قضية "هوية الدولة المصرية في المرحلة المقبلة.. ووضع الحركة الإسلامية فيما بعد الثورة".. لذا فالحركة مطالبة اليوم بتعظيم مواطن الاتفاق لا البحث عن مواضع التمايز والاختلاف .

 

2- إعادة النظر في طبيعة علاقة الحركة الإسلامية بالأزهر الشريف تصحيحاً لأوضاع فرضت على الطرفين من قبل أنظمة شمولية قمعية كان يهمها بقاء الوضع متوتراً بين الطرفين.

 

فإذا ما استثينا د/ على جمعة بهجومه غير المبرر على "السلفيين" في كل مناسبة.. فإن الأزهر الشريف يقف على رأسه عالم زاهد وهو د/ أحمد الطيب.. والذي شهدت له الأيام السابقة مساجلات هامة حول هوية الدولة ودفاعه عن المرجعية الإسلامية للدولة المدنية.

 

كما أن الأزهر الشريف بصدد عقد مؤتمر له الشهر المقبل بعنوان "مستقبل مصر إلى أين".. وسوف يدعو إليه كل التيارات والفصائل الإسلامية.. وهى فرصة طيبة لتدشين حوار جاد بين الطرفين بما يدفع في النهاية لصالح الإسلام وقضاياه المصيرية .

 

3- فتح حوار جاد مع أقباط مصر الذين عانوا طيلة العقود الماضية من حالة اختطاف قسري من قبل النظام السابق.. والقيادات الكنسية التي استطاعت ترويج خطاب كنسي متطرف عزل الأقباط خلف أسوار الكنائس.. وبث فيهم روح الانعزالية والتعصب.

 

أضف إليهما متاجرة التيار العلماني بقضايا الأقباط وهمومهم.. وهو الأمر الذي يستلزم مزيداً من الحوار مع القيادات القبطية الزمنية والدينية المعتدلة إنقاذاً لأقباط مصر من حالة التباس مقصودة وسوء فهم.. وحالة تعصب حجزت مكاناً لها بين الغالبية من أقباط مصر.

 

4- العمل على بناء أدوات إعلامية قوية "مقروءة ومرئية" تعمل وفق القواعد المهنية الاحترافية.. كي تتمكن من مجابهة الآلة الإعلامية العلمانية التي مازالت تعمل وفق منهجية عهد مبارك وشرائطه.

 

وهذه الأدوات المطلوبة من الصعب أن يضطلع بها فصيل إسلامي.. ومن الصعوبة بمكان الاعتماد على وسائل الإعلام الموجودة حالياً لتوصيل صوت الحركة الإسلامية للعموم الشعب المصري.

 

رابعـــا ً:استيعاب حركـة التـاريخ

 

فالتاريخ – كما يقول ابن خلدون - هو "نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق".

 

والحركة الإسلامية أشد ما تحتاج اليوم إلى هذا النظر والتحقيق.. وإلمام بوقائع الأحداث عميق.. لابد من سبر ماضيها بموازين ربانية.. وأصول شرعية حتى تستخرج قوانين تضبط مسيرتها وتعينها على التخطيط لمستقبلها.. فكما قيل:

 

"إن التاريخ هو سياسة الماضي".

 

وكما يقول د./ حامد ربيع ـ رحمه الله ـ

 

"التاريخ فلسفة.. والفلسفة تاريخ.. التاريخ هو توغل في حقيقة الوجود الإنساني على المستوى الجماعي والفردي.. وعلينا في فهم التاريخ أن نسعى لاكتشاف ذلك الإنسان واحتضانه في ديناميات تفاعله اليومي.. العالم العربي لا يزال يبحث عن المؤرخ الفيلسوف القادر على أن يغوص في أعماق تلك الخبرة فينقل إلينا معانيها بلغة المجتمع الذي نعيشه".

 

وهى اليوم مطالبة بدراسة واعية ثاقبة لأحداث مسيرتها لمعرفة مواطن الخلل وأسبابها.. لمحاولة تفاديها وعدم تكرارها.

 

وهذه الدراسة النقدية لن يكتب لها النجاح إلا إذا تخلت عن المنهج التبريري في عرض الأخطاء التاريخية.. وهو منهج مضر لا يعود بالنفع المرجو.

 

ولا يساهم في بناء وعى حقيقي فليس من المنطقي كما يقول د/ سلمان بن فهد العودة:

 

"أن ننقل الصورة التاريخية كما هي ليعرفها من لم يكن يعرفها.. التاريخ يعطينا الفكرة ويدع لنا رسم إطارها ، والتاريخية المطلقة شكلت عقبة في تطور فكر الأمم".

 

فقبل حوالي ستين عاماً استطاعت الحركة الإسلامية "حركة الإخوان المسلمين" أن تقوم بثورة في يوليو 1952 أطاحت بالملك فاروق.. ومكنت للضباط الأحرار الذين لم يكونوا سوى تنظيم تابع لحركة الإخوان المسلمين.

 

حتى إن القيام بالثورة آنذاك تأخر لحين الحصول على موافقة المرشد العام حينها المستشار/ حسن الهضيبي رحمه الله.. والذي كان يقضى عطلته الصيفية في الإسكندرية.. وعندما نجحت الثورة تبادل الإخوان في مصر والعالم العربي التهاني ابتهاجاً بنجاح الإخوان في ثورتهم ووقوفهم على أعتاب الدولة الإسلامية المرتقبة "راجع: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ لمؤلفه / محمود عبد الحليم".

 

ورغم ذلك الزخم وتلك الفرحة إلا أنه وفى غضون عامين من قيام الثورة "خاصة بعد حادث المنشية في أكتوبر 1954".. ونتيجة لسلسلة من الأحداث خرج الإخوان من الثورة صفر اليدين وأصبحوا أكبر ضحية للثورة وصارت قصتهم مأساة تقشعر لها الأبدان.

 

فتلك التجربة وغيرها من التجارب اللاحقة التي خاضتها الحركة الإسلامية تحتاج إلى مزيد من البحث والتأمل والوقوف على أسباب الإخفاق.. فالتاريخ الذي لا يعيد نفسه قد تتشابه أحداثه.

 

إن الحركة الإسلامية اليوم عليها ألا تأخذها أضواء اللحظة الحالية المبهرة فتنسيها حجم التحديات التي تفرض نفسها عليها.. والتي تحاول جذبها إلى المربع ذاته الذي فرضه عليها مبارك ونظامه القمعي.. فانتبهوا أيها السادة.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×