اذهبي الى المحتوى
عَائِشَة

التصرفات السياسية للصحابة

المشاركات التي تم ترشيحها

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

 

 

التصرفات السياسية للصحابة

 

155494620.jpgبقلم د/ فتحي أبو الورد

 

إن الأحداث تثبت أن الصحابة كانوا يقدرون أهمية القيادة السياسية.. ولذلك قدموا مسألة اختيار رئيس الدولة على إتمام دفن الرسول (صلى الله عليه وسلم).

 

قال الزهرى:

 

" قال عمرو بن حريث لسعيد بن زيد أشهدت وفاة رسول الله؟

 

قال: نعم

 

قال: فمتى بويع أبو بكر؟

 

قال: يوم مات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة" [1].

 

ودلالة هذا النص ــ كما يذكر الدكتور العوا ــ واضحة على مدى إحساس المسلمين بدولتهم التي أنشأها رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. وشعورهم بأن هذا الكيان الجديد كيان الدولة أو الجماعة يختلف عن كيانهم قبل الإسلام.. بحيث لا يحتمل أن يبقى ولو ــ بعض يوم ــ دون أن يكون له رئيس يقوم على شؤونه العامة التي كان يمارسها الرسول (صلى الله عليه وسلم).

 

فقد أدرك المسلمون فور وفاة الرسول أن الوحدة السياسية والدينية التي أتمها عليه السلام فشملت معظم أنحاء الجزيرة العربية توشك أن تنهار إذا لم يقض المسلمون أمرهم في مسألة رئيس الدولة.. وأدركوا أن هذا الأمر لا يحتمل التأجيل حتى إلى أن يفرغوا من أمر دفن الرسول (صلى الله عليه وسلم).. فكان هذا الوعي السياسي سببًا في تجنب فتنة لو وقعت لم يكن ليعلم آثارها على الإسلام ودولته إلا الله[2].

 

وحسبنا تدليلا ً آخر على هذا الحس السياسي لدى صحابة النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) أن نذكر رجلا ً طعن.. فكان أهم ما يوصي به المسلمين وهو على فراش الموت أمر الخلافة .. واختيار حاكم لهم بأقصى سرعة.. ذلكم هو عمر بن الخطاب.

 

فحين طعن حصر أمر الخلافة في ستة من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهم علي وعثمان وطلحة وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبى وقاص..وقال:

 

" فإذا مت فتشاوروا ثلاثة أيام.. وليصل بالناس صهيب ولا يأتين اليوم الرابع إلا وعليكم أمير" [3].

 

إن الوعي بضرورة نصب الإمام لهو أبرز دليل على التربية السياسية الناضجة التي رشحت على تصرفات الصحابة بعد وفاته (صلى الله عليه وسلم).

 

وإن المرء ليقف مليًا أمام هذا المشهد الذي يؤكد إلى أي مدى كان الصحابة سياسيين من طراز فريد.. فبعد وفاته (صلى الله عليه وسلم) كانت أكثر المسائل إلحاحًا بالنسبة للمجتمع الإسلامي هي تنظيم أمور الحكم واختيار خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم[4] .. حتى قبل مواراة جثمانه الطاهر الثرى.

 

ولم تكن الجوانب السياسية بمعزل عن الجوانب العبادية.. ولم يسمعوا بالفصل بينهما كما سمعنا بمن ابتدع ذلك اليوم.

 

لقد كانت السياسة الحكومية جزءً من الدين.. وكان من واجبات المسلم أن يعنى بعلاج الناحية الحكومية كما يعنى بعلاج الناحية الروحية [5].

 

لقد كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتكلمون في نظم الحكم ويجاهدون في مناصرة الحق.. ويحتملون عبء سياسة الأمة، ويظهرون على الصفة التي وصفوا بها "رهبان بالليل فرسان بالنهار".

 

حتى كانت أم المؤمنين عائشة الصديقة تخطب الناس في دقائق السياسة.. وتصور لهم مواقف الحكومات في بيان رائع وحجة قوية.

 

ومن هنا كانت الكتيبة التي شقت عصا الطاعة على الحجاج.. وحاربته وأنكرت عليه بقيادة ابن الأشعث تسمى كتيبة الفقهاء.. إذ كان فيها سعيد بن جبير وعامر الشعبي وأضرابهما من فقهاء التابعين وجلة علمائهم [6].

 

وقد أورد الإمام ابن القيم بعضًا من تصرفات الصحابة السياسية قال:

 

" وسلك أصحابه صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده ما هو معروف لمن طلبه فمن ذلك:

 

الحق أن هذه السياسة التي

 

اتبعها الصحابة وأمثالها

 

ليست شرائع كلية.. وليست

 

ملزمة للأمة في كل زمان

 

ومكان .. وإنما هي كما

 

قال ابن القيم نفسه: " سياسة

 

جزئية بحسب المصلحة،

 

تختلف باختلاف الأزمنة

 

حلق عمر رأس نصر بن حجاج ونفاه من المدينة لتشبيب النساء به.

 

وضرب صبيغ بن عسل التميمي على رأسه عندما سأل عما لا يعنيه.

 

وصادر عماله فأخذ شطر أموالهم لما اكتسبوها بجاه العمل.. واختلط ما يختصمون به بذلك.. فجعل أموالهم بينهم وبين المسلمين شطرين.

 

وألزم الصحابة أن يقلوا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما اشتغلوا به عن القرآن سياسة منه.. إلى غير ذلك من السياسة التي ساس بها الأمة رضي الله عنهم.

 

ومن ذلك اختياره للناس الإفراد بالحج ليعتمروا في غير أشهر الحج.. فلا يزال البيت الحرام مقصودا ً.. فظن بعض الناس أنه نهى عن المتعة - أي حج التمتع -.. وأنه أوجب الإفراد.

 

وتنازع في ذلك ابن عباس وابن الزبير.. وأكثر الناس على ابن عباس في ذلك وهو يحتج عليهم بالأحاديث الصحيحة.. فلما أكثروا عليه في ذلك قال:

 

"يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء.. أقول لكم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وتقولون: قال أبو بكر وعمر.

 

وكذلك ابنه عبد الله كانوا إذا احتجوا عليه بأبيه يقول: " إن عمر لم يرد ما تقولون ".. فإذا أكثروا عليه قال: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبعوا أم عمر".

 

والمقصود أن هذا وأمثاله سياسة جزئية بحسب المصلحة.. تختلف باختلاف الأزمنة فظنها من ظنها شرائع عامة لازمة للأمة إلى يوم القيامة.. ولكلٍ عذر وأجر.. ومن اجتهد في طاعة الله ورسوله فهو دائر بين الأجر والأجرين.

 

ومن ذلك جمع عثمان ــ رضي الله عنه ــ الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة التي أطلق لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) القراءة بها[7].. لما كان ذلك مصلحة.

 

فلما خاف الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ على الأمة أن يختلفوا في القرآن ورأوا أن جمعهم على حرف واحد أسلم وأبعد من وقوع الاختلاف.. فعلوا ذلك ومنعوا من القراءة بغيره.

 

وهذا كما لو كان للناس عدة طرق إلى البيت.. وكان سلوكهم في تلك الطرق يوقعهم في التفرق والتشتت.. ويطمع فيهم العدو.

 

فرأى الإمام جمعهم على طريق واحد وترك بقية الطرق جاز ذلك.. ولم يكن فيه إبطال لكون تلك الطرق موصلة إلى المقصود.. وإن كان فيه نهي عن سلوكها لمصلحة الأمة. [8].

 

قتل الجماعة بالواحد

 

"خرج البخاري بسنده أن نافعًا حدث عن ابن عمر ــ رضي الله عنها ــ أن غلامًا قتل غِيلة.. فقال عمر: لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم.

 

وقال مغيرة بن حكيم عن أبيه: إن أربعة قتلوا صبيًا. فقال عمر مثله" [9].

 

وعند مالك عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قتل نفرًا خمسة أو سبعة برجل واحد.. قتلوه غيلة.

 

وقال عمر:" لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم جميعًا" [10].

 

قال الشاطبي:

 

" إنه يجوز قتل الجماعة بالواحد والمستند فيه المصلحة المرسلة.. إذ لا نص على عين المسألة.. ولكنه منقول عن عمر بن الخطاب.

 

ووجه المصلحة أن دم القتيل معصوم وقد قتل عمدًا فإهداره داع إلى خرم أصل القصاص.. واتخاذ الاستعانة والاشتراك ذريعة إلى السعي بالقتل إذا علم أنه لا قصاص فيه.. وليس أصله قتل المنفرد فإنه قاتل تحقيقًا.. والمشترك ليس بقاتل تحقيقًا ً" [11]

 

تضمين الصناع

 

أورد ابن أبي شيبة أن عليًا كان يضمن القصار والصواغ.. وقال لا يصلح الناس إلا ذلك[12].

 

وأن عليًا ضمن نجارًا.. وأن عمر بن الخطاب ضمن الصناع الذين انتصبوا للناس في أعمالهم ما أهلكوا في أيديهم[13].

 

السياسة التى ساسوا بها الأمة من تأويل القرآن والسنة

 

ويعقب الإمام ابن القيم على هذه التصرفات السياسية لصحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) فيقول:

 

" وهذه السياسة التي ساسوا بها الأمة وأضعافها هي تأويل القرآن والسنة" [14].

 

وصحح الشيخ القرضاوي العبارة الأخيرة فقال: "هي من تأويل القرآن والسنة".

 

وهذا أدق وأصح.. لأن ما فعلوه من تأويل القرآن والسنة لا تأويل كل القرآن والسنة [15].

 

لا فرق بين حكم شرعي وآخر سياسي مادام المرتكز الشريعة

 

وقد عرض الشيخ عبد الوهاب خلاف لكثير من اجتهادات الصحابة رضي الله عنهم والطرق التي سلكوها في أول أمرهم في التشريع والقضاء والتنفيذ.. والتي كانت السبيل القويم في تدبير شؤون الدولة.. وكانت لا تضيق بحادث أو حاجة.. ولا تقصر عن تحقيق مصلحة.. ثم قال:

 

" وما عرف إذ ذاك حكم شرعي وآخر سياسي.. وإنما كانت الأحكام كلها شرعية مصدرها ما شرعه الله في كتابه"

 

وعلى لسان رسوله (صلى الله عليه وسلم):

 

"وما اهتدى إليه أولو الرأي باجتهادهم الذي تحرَّوا به المصلحة.. وبذلوا أقصى الجهد لتحقيقها.. والله ما شرع الشرائع إلا لمصلحة عباده " [16].

 

هل تصرفات الصحابة السياسية شرائع كلية ملزمة؟!

 

ولسائل أن يسأل عن هذه السياسة التي اتبعها الصحابة وساسوا بها الأمة:

 

هل هي من الشرائع الكلية ــ التي لا تتغير بتغير الأزمنة؟

 

أم من السياسات الجزئية التابعة للمصالح فتتقيد بها زمانًا ومكانًا؟

 

والحق أن هذه وأمثالها ليست شرائع كلية.. وليست ملزمة للأمة في كل زمان ومكان .. وإنما هي كما قال ابن القيم نفسه: " سياسة جزئية بحسب المصلحة، تختلف باختلاف الأزمنة" [17].

 

إن الوعي بضرورة نصب

 

الإمام لهو أبرز دليل على

 

التربية السياسية الناضجة

 

التي رشحت على تصرفات

 

الصحابة بعد وفاته (صلى

 

الله عليه وسلم).

 

هذه الحقيقة الكبرى التي نبه إليها ابن القيم.. وهي حقيقة الجزئية والوقتية في هذه السياسات كانت " أمرا ضروريًا لأهل الفقه حتى لا تلتبس عليهم المسالك وتتشابه المناهج فيسووا بين المختلفين.. أو يفرقوا بين المتماثلين" [18].

 

ولا عجب ولا غرابة إذا تغير وجه المصلحة.. وتغيرت الأزمنة أن يرى الفقهاء غير ما ذهب إليه الصحابة ــ رضوان الله عليهم ــ في هذه السياسات الجزئية الزمنية.

 

[1] تهذيب تاريخ الطبري ــ وضعه صالح خريسات صـ 210.

 

[2] في النظام السياسي للدولة الإسلامية صـ 81، 82

 

[3] تهذيب تاريخ الطبري ص 294

 

[4] النظريات السياسية الإسلامية في العصر الحديث د منظور الدين أحمد ص 160

 

[5] رسالة مؤتمر طلبة الإخوان من مجموعة رسائل حسن البنا صـ 237.

 

[6] رسالة مؤتمر طلبة الأخوان من مجموعة رسائل حسن البنا صـ 237.

 

[7] رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن ــباب نزول القرآن على سبعة أحرف ــ ورواه مسلم في كتاب المسافرين ــ باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف.

 

[8] راجع في ذلك كله الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص 20ــ23

 

[9] صحيح البخاري كتاب الدياب رباب إذا أصاب قوم رجل هل يعاقب أو يغتضى منهم كلهم.

 

[10] الموطأ كتاب العقود ــ باب ما جاء في الغيلة والسحر.

 

[11] الاعتصام، صـ 372.

 

[12] مصنف أبن أبي شية جـ5، صـ 122

 

[13] مصنف أبن أبي شية جـ5، صـ 122

 

[14] الطرق الحكمية ص 23

 

[15] السياسة الشرعية ص 37

 

[16] السياسة الشرعية للشيخ عبد الوهاب خلاف صـ 14 ـ17.

 

[17] الطرق الحكمية ص 23

 

[18] السياسة الشرعية د. يوسف القرضاوي ص 42

 

د/ فتحي أبو الورد

 

مدير مكتب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين – القاهرة

 

الجمعة الموافق

 

10-10-1432هـ

 

9-9-2011

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×