اذهبي الى المحتوى
في جنة الله أحيا

الثّورة السوريّة والمستعجلون / د. عبد الكريم بكار

المشاركات التي تم ترشيحها

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

 

الثّورة السوريّة والمستعجلون / د. عبد الكريم بكار

 

المختصر/ الثورة السورية هي أم الثورات وأم المفاجآت؛ فقد لمس العالم على نحو واضح البطولة والبسالة التي أبداها المتظاهرون إذ يبذلون أرواحهم رخيصة من أجل كرامتهم وحريتهم، وهذا شيء نادر في العصر الحديث، كما لمس العالم كذلك ما أبداه النظام السوري من همجيّة ووحشية في تعامله مع الشعب الثائر، وأثبت للعالم صحة قول من يقول: إن التقدم الحضاري الذي أنجزته البشرية ليس سوى قشرة رقيقة، يقبع تحتها وحش كاسر، ينتظر الفرصة!

 

أود في البداية ألاّ يفهم أحد من كلامي أنني غير مهتم أو مقدّر للضحايا التي قدّمها الشعب الأبيّ، أو أشكال التعذيب التي يتعرض لها الشباب الحرّ، فأنا من أكثر من يتألم لأي روح تُزهق، بغير حق مهما كان انتماء صاحبها وتوجّهه.

 

إن الذي دفعني إلى كتابة هذا المقال ما أسمعه من بعض الشباب من دعوة إلى التسلح وإنهاء النظام عن طريق القوة المسلحة، مما أعتقد أنه خطأ ومغامرة خطيرة للغاية، وذلك للأسباب التالية :

 

1ـ كان البلد يعاني من نوع من التصحر السياسي بسبب القمع والظلم واستخدام القوة الغاشمة، عوضًا عن الحوار والتفاوض وإتاحة الفرصة لتلاقح الأفكار، وإن محافظة الثورة على سلميّتها يتيح الفرصة للناس كي يتثقفوا بثقافة التعدّدية، وكي ينمّوا وعيهم بالواقع العام لبلدهم وبآفاق النهوض به. وحين تتمّ عسكرة الثورة، يسود نوع من الخوف والتوجّس، وتسود العزلة، ويصبح التظاهر خطرًا مما يجعل تواصل الشباب مع بعضهم شبه معدوم .

 

2 - مهما كان عدد الشهداء مرتفعًا في حالة الحراك السلمي، فإنه يظل محدودًا إذا قورن بما يمكن أن يحدث في حالة استخدام السلاح، وعندنا شواهد لا تُحصى من التاريخ والواقع، فقد قدَّم السوريون من أجل طرد الفرنسيين نحوًا من خمسين ألف شهيد، وكان عددهم آنذاك في حدود مليونين ونصف، وفي ليبيا تم الإعلان قبل يومين عن أن عدد القتلى والمفقودين يقترب أيضًا من خمسين ألفًا، مع أن قوى عسكرية جبّارة وقفت إلى جانب الشعب الليبي.

 

3ـ الثوار الأحرار لا يريدون إسقاط النظام فحسب، وإنما يريدون إقامة نظام جديد يقوم على الحرية والكرامة والعدل والتنمية الجيدة، وهذا يعني أن إسقاط النظام يجب أن يتم بأقل قدر ممكن من تفكيك الدولة، وأقل قدر ممكن من الانقسام الشعبي، وهذا لا يتمّ أبدًا من خلال استخدام السلاح، وإنما من خلال الحراك السلمي فقط .

 

4ـ إن استخدام السلاح يعرِّض البلاد للدخول في نفق الحرب الأهلية؛ لأن استخدامه من أي فئة من فئات المجتمع ـ مهما كانت مظلومة ـ سيمنح مشروعية استخدامه لباقي الفئات، وهذا يعني تدمير الكثير من البنى والمكونات الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، وهو بالقطع ليس في مصلحة أحد، أما الحراك السلمي فإنه يشيع نوعًا من الطمأنينة الاجتماعية، ويدفع في اتجاه تحكيم المنطق والحق في حسم الصراع بين الشعب والسلطة.

 

5ـ إن الفئة التي تحمل السلاح تتحوّل مع الأيام إلى كيان له مصالحه وحساباته، وإذا حقّقت هذه الفئة النصر على النظام، فإننا قد نجد أنفسنا أمام مشكلة جديدة؛ إذ إن هناك إمكانية كبيرة لأن تتحول هذه الفئة إلى سلطة متحكِّمة يحتاج الشعب إلى التحرّر منها، ولدينا الكثير من الأمثلة التاريخية، وكم هلّلت الشعوب لانقلابات العسكر ظنًّا منها أنهم سيحرّرونها من الظلم، وإذا بهم يتحوّلون إلى أداة لقمع الناس ونهب خيرات البلد.

 

6ـ لا يصحّ للثوّار الأحرار أن ينسوا أن النظام ليس عبارة عن جدار نهدمه، ثم نبني جدارًا مكانه، إن الأمر أعقد من ذلك بكثير، وأنا أعتقد أن من العسير اليوم إسقاط أي نظام وإقامة نظام مكانه دون مساعدة الإقليم والمجتمع الدولي، ومن الواضح أن الثورة السورية بدأت في تحريك ضمير العالم، وهي تكسب كل يوم أرضًا جديدة على صعيد التأييد العالمي، والزمن يسير لصالحها قطعًا، وإن كل هذا يمكن أن ينتهي إذا شعر العالم أن الصراع في سورية ليس بين متظاهرين سلميّين ونظام يبطش بهم، وإنما بين فئات مسلحة وجيش حكومي. إن هذا سيجعل العالم ـ وكذلك الإقليم ـ يدير ظهره لنا، وينشغل بأمور أخرى، بل إن بعض الدول سوف تحوِّل المعارضة إلى (دكاكين سياسية) تدعمها، وتتخذ منها أوراقًا للضغط واللعب السياسي، والنتيجة هي ارتهان الوطن للخارج، على نحو ما حدث في لبنان والعراق وغيرهما.

 

قد ذهب الكثير، وبقي القليل، وإن النصر صبر ساعة؛ والله وليّ المتقين .

 

المصدر: الاسلام اليوم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
جزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك

بارك الله في عمرك أختي الغالية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكِ الله خيراً اختي ام محمد

بارك الله فيك يا حبيبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×