اذهبي الى المحتوى
زهرة نسرين

الطريق الى الولد الصالح

المشاركات التي تم ترشيحها

3de27904417ebf46865af74157921f1e.gif

 

مجموعة مقالات تتحدث عن الطريق للذرية الصالحة

ربنا يجعل ذرياتنا صالحة الى يوم الدين

 

 

كتبه/ عصام حسنين

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

 

ففي قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) (الطور:21)، حثٌّ عظيم على الأخذ بالأسباب لإيجاد الولد الصالح؛ لأن الله -تعالى- أخبر أن الأولاد الصالحين المتابعين على الإيمان يكونون مع والديهم في منزلة واحدة في جنات النعيم، فضلاً منه -تعالى- ورحمة!

 

ومعلوم مدى الشفقة والرحمة التي جعلها الله -تعالى- في قلوب الوالدين تجاه أولادهم، ولا يتحمل الوالد على ولده أذى شوكة فما فوقها؛ فما بالك بسخط الله وغضبه وناره -عياذًا بالله تعالى-؟!

 

وتزداد الأهمية؛ إذا علمنا أمر الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6)، قال علي -رضي الله عنه-: "علموهم وأدبوهم".

وقال الحسن -رحمه الله-: "مروهم بطاعة الله وعلموهم الخير".

 

وكذلك جعل الله -تعالى- الولد الصالح قرةَ عين لأهله، وسببًا للحسنات، وذخرًا بعد الممات، قال الله -تعالى- في وصف عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان:74)، و"قرة العين" تقال في لغة العرب للشيء المحبوب الأثير عند الإنسان، وهو بالنسبة للمؤمن أن يرى أحدًا من أهله في طاعة الله -تعالى-، والديه.. ولدِه.. زوجتهِ.. أخيه.. أخته..

قال الحسن -رحمه الله-: "أن يُري اللهُ العبدَ من زوجته.. من أخيه.. من حميمه.. طاعة الله، ما شيء أحب إلى المرء المسلم من أن يرى ولدًا أو والدًا أو أخًا مطيعًا لله -عز وجل-.

 

والولد سببٌ للحسنات، فما من عمل صالح يعمله الصغير إلا وثوابه لوالديه، وكذلك ببلوغه حتى مماته؛ لأنه سببٌ فيه، ومشجعٌ له.

 

رفعت امرأة صبيًّا لها في الحج فقالت: "يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: (نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ) (رواه مسلم).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا؛ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ)وَضَمَّ أَصَابِعَه (رواه مسلم).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ؛ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ) (رواه مسلم).

وإن مات قبل البلوغ فهنيئًا لوالديه؛ فقد روى مسلم -رحمه الله- بسنده عن أبي حسان -رضي الله عنه- قال: قُلْتُ لأَبِى هُرَيْرَةَ إِنَّهُ قَدْ مَاتَ لِيََ ابْنَانِ فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحَدِيثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا، قَالَ: قَالَ نَعَمْ (صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ، يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ -أَوْ قَالَ: أَبَوَيْهِ- فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ -أَوْ قَالَ: بِيَدِهِ- كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا فَلاَ يَتَنَاهَى -أَوْ قَالَ: فَلاَ يَنْتَهِي- حَتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ).

والثواب ممتدٌ للوالدين بعد الممات؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ؛ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)(رواه مسلم).

وينتفع بدعاء ولده؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟! فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

والولد الصالح مِعوانٌ على أمر الدين والدنيا، ففي حديث الشاب الجلد الذي خرج يحتطب، وقال الصحابة: لو كان هذا في سبيل الله! فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).

وكم ولدٍ كان سببًا في هداية والديه وإقبالهم على الله -تعالى-!

كل هذا الفضل والثواب العظيم من الله -تعالى- دافعٌ عظيمٌ لكل والدين أن يتضرعا لله -تعالى-، وأن يأخذا بالأسباب في صلاح الولد.

نسأل الله -تعالى- أن يرزقنا وإياكم الولد الصالح، وأن يبارك ويُصلِحَ أولادنا وأولاد المسلمين. آمين.

أخي الكريم.. أختي الكريمة:

هذه خطوات على طريق الولد الصالح؛ نسأل الله -تعالى- أن يُوفقنا للعمل بها.

أولاً: اختيار الزوج:

لقد حثّ الدين على حسن اختيار الزوجين؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تَخَيَّرُوا لِنُطْفِكُمْ فانْكِحُوا الأَكْفاءَ، وأنْكِحُوا إلَيْهِمْ)(رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ؛ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا؛ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

وفي آية جامعة ذكر فيها -تعالى- الصفات المطلوبة والمرغوبة لكل زوج في إقامة بيت هادئ آمن مستقر، يقول -تعالى-: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا)(التحريم:5)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) (متفق عليه)، وعند أحمد وابن حبان: (فَعليك بذَاتِ الدِّينِ وَالْخُلُقِ تَرِبَتْ يَمِينُكَ) (حسنه الألباني).

لقد جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- صفتين في الرجل والمرأة، هما أصل لكل صفة وخير وراءهما، فالدين علاقة مع الله -تعالى- تحمل على تقوى الله في المعاملة مع الخلق، وخاصة الصاحب بالجنب -الزوجة-، والتزام حسن الخلق متابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شمائله وأخلاقه وآدابه، ومعلوم أن الإنسان يميل إلى شكله، وكل أليف إلى إلفه.

سأل رجلٌ الحسن -رحمه الله-: "ممن أزوج ابنتي؟ قال: زوجها ممن يتقي الله؛ فإنه إن أحبها؛ أكرمها، وإن أبغضها؛ لم يظلمها".

هذا التقي الذي يتقي الله -تعالى- في زوجته، ويتابع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حسن معاشرته أزواجه -رضي الله عنهن- حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) (رواه البخاري ومسلم).

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي)(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

فيا لها من نعمة أن تعيش المرأة في كنف رجل صالح يتقي الله -تعالى-، ويُراقبه في السر والعلن، يؤدي ما عليه من واجب، وما له من حق -إن حدث فيه تقصير- يصبر على ذلك، ويطلبه برفق ولين!

لا يأمر زوجته بمعصية ولا يصدها عن طاعة، وإن طلبت خيرًا؛ شجعها ورغبها، وإن فكرت فيما يخالف الشرع؛ حذرَّها ورهَّبها، ومن كان بهذه الصفات الكريمة والخلال الحميدة، فإنه يتحمل مسئولية بيته ومسئولية الدين.

ويا له من ظلم بيِّن وقطع للرحم، وفتنة ووبال أن تقع المرأة في براثن ظالم متهتك، لا يتقي الله فيها، يأمرها بمعصية الله، ويصدها عن طاعة الله!

لهذا؛ أمر الإسلام بحسن اختيار الزوجين؛ لأنه سبب لصلاح الأفراد والمجتمعات.

والله المستعان.

 

طريق السلف

 

ويتبع -إن شاء الله-

تم تعديل بواسطة نسرين ام زهرة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أسأل الله أن يرزقنا أجمعين الزوج الصالح والذرية الصالحة ويرحمنا ويغفر لنا

آمين

بارك الله فيكِ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أسأل الله أن يرزقنا أجمعين الزوج الصالح والذرية الصالحة ويرحمنا ويغفر لنا

آمين

بارك الله فيكِ

اللهم امين

و فيك بارك الله ملاذ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الطريق إلى الولد الصالح - فترة الوضع

 

 

كتبه/ عصام حسنين

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإذا وضعت المرأة فلتحمد الله، ولتكثر من ذكره وشكره على السلامة، وعلى الرزق بالمولود، وليعلم الزوجان في هذا المقام ما يلي:

 

1- أن المولود محض هبة الله -تعالى-، فليحمدوا الله على هبته، قال الله -عز وجل-: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ . أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)(الشورى:49-50).

e79027f76b9afefea69f5a32de226c4a.gif

2- أن يُظهر الفرحة والسرور بهبة الله -تعالى- خاصة البنت خلافًا لمعتقد الجاهلية: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ . يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (النحل:58-59).

e79027f76b9afefea69f5a32de226c4a.gif

3- يستحب التأذين والإقامة عند الولادة؛ لحديث أبي رافع -رضي الله عنه- قال: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ -حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ- بِالصَّلاَةِ" (رواه أبو داود).

وعن ابن عباس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذّن في أذن الحسن بن علي حين وُلد، وأقام في أذنه اليسرى. (سنده ضعيف "الإرواء": 4/401).

والحكمة في ذلك ما قاله ابن القيم -رحمه الله-: "أن يكون أول ما يقرع سمعَه أول ما يدخل به في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يُلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه، وتأثره به، وإن لم يشعر.

 

ومع ما في ذلك من فائدة أخرى، وهي: هروب الشيطان من كلمات الأذان، وهو كان يرصده حين يولد، فيسمع شيطانه ما يُضعفه، ويغيظه أول أوقات تعلقه به.

وفيه معنى آخر، وهو: أن تكون دعوته إلى الله، وإلى دينه -الإسلام-، وإلى عبادته، سابقة على دعوة الشيطان، كما كانت فطرة الله التي فطر الناس عليها سابقة على تغيير الشيطان لها، ونقله منها. إلى غير ذلك من الحكم...".اهـ. "تحفة الودود صـ32".

e79027f76b9afefea69f5a32de226c4a.gif

3- يستحب تحنيكه عقب ولادته -وهو: وضع التمرة، ودلك حنك المولود بها-، ويستحب أن يقوم بها أحد من أهل الصلاح والعلم، أو أمه؛ لما ورد عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: "وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ" (متفق عليه).

والتمر له فوائد كثيرة، فهو يُذاب في الريق فيتحول إلى السكر الثنائي "السكروز" إلى سكر أحادي يستفيد منها المولود.

وهذا إعجاز جاءت به سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يعرفه الطب الحديث، وهو إيمان إلى إيمان، والحمد لله رب العالمين على نعمة الإسلام.

e79027f76b9afefea69f5a32de226c4a.gif

4- يستحب حلق رأسه يوم سابعه، والتصدق بوزن شعره فضة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة -رضي الله عنها-، لما ولد الحسن: (احْلِقِي رَأْسَهُ ثُمَّ َتَصَدَّقِي بِوَزْنِ شَعْرِهِ مِنْ فِضَّةٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني).

وهذا الاستحباب في حق الغلام، ويكره في حق الجارية على الراجح؛ لأن الأحاديث وردت في حق الغلام: (مَعَ الْغُلامِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى) (رواه البخاري).

ولم يأت في حق الجارية إلا حديث مرسل يدخله الاحتمال، هو ما رواه مالك والبيهقي وغيرهما عن محمد بن عليّ ابن الحسين قال: "وزنت فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة". والله -تعالى- أعلم.

e79027f76b9afefea69f5a32de226c4a.gif

5- لا بأس أن يسمَّى يوم مولده أو في يوم سابعه؛ لحديث سمرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (كُلُّ غُلامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُسَمَّى فِيهِ وَيُحْلَقُ) (رواه الخمسة، وصححه الترمذي والألباني).

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلاَمٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِى إِبْرَاهِيمَ) (رواه مسلم).

ولا نزاع بين أهل العلم أن التسمية حق للأب لا للأم، قال الله -تعالى-: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) (الأحزاب:5)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ولد الليلة مولود فسميته باسم أبي إبراهيم)رواه مسلم. اهـ. "تحفة المودود صـ124".

 

ويستحب للوالد أن ينتقي له من الأسماء أحسنها وأجملها؛ تنفيذًا لما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) (رواه مسلم).

 

وقال ابن حزم -رحمه الله-: "اتفقوا على استحسان الأسماء المضافة إلى الله، كـ "عبد الله، وعبد الرحمن" وما أشبه ذلك، واختلفوا في أحب الأسماء إلى الله، فقال الجمهور: أحبها إليه: "عبد الله، وعبد الرحمن"، وقال سعيد بن المسيب: "أحب الأسماء إليه أسماء الأنبياء، والحديث الصحيح يدل على أن أحب الأسماء إليه: "عبد الله، وعبد الرحمن". اهـ. "فتح الودود صـ104".

وعليه أن يجنبه الأسماء القبيحة التي تمس كرامته، أو تدعو إلى الاستهزاء به والسخرية، وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- أن يغير الاسم القبيح كما قالت عائشة -رضي الله عنها-.

 

وأن يجنبه الأسماء التي لها اشتقاق من كلمات فيها تشاؤم، حتى يسلم الولد من مصيبة ذلك، فعن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده أنه جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ:(مَا اسْمُكَ؟!)، قَالَ: حَزْنٌ، قَالَ: (أَنْتَ سَهْلٌ)، قَالَ:(لاَ أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي) قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتِ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ. (رواه البخاري).

 

وأن يجنبه الأسماء المختصة بالله -تعالى-، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى: مَلِكَ الأَمْلاَكِ، لاَ مَلِكَ إِلاَّ اللَّهُ) (رواه مسلم).

 

وكالأحد، والصمد، والخالق، والرزاق، وغيره، ولا تجوز تسمية الملوك بالقاهر والظاهر، والجبار والمتكبر، ونحو ذلك، وكذلك السيد، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (السَّيِّدُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

ولا ينافي ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ) (متفق عليه)، فهو إخبار منه -صلى الله عليه وسلم- عما أعطاه الله من سيادة النوع الإنساني، وفضَّله، وشرَّفه عليهم.

 

وأما الأسماء التي تطلق عليه -تعالى- وعلى غيره، كالسميع والبصير والرءوف والرحيم، فيجوز أن يُخبر بمعانيها عن المخلوق، ولا يجوز أن يتسمى بها على الإطلاق بحيث يُطلق عليه كما يطلق على الرب -تعالى-. اهـ بتصرف "تحفة الودود صـ116".

 

وتحرم التسمية بـ"سيد الناس"، و"سيد الكل"، كما يحرم "سيد ولد آدم"، فإن هذا ليس لأحد إلا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحده، فهو سيد ولد آدم، فلا يحل لأحد أن يطلق على غيره ذلك. "تحفة الودود صـ106".

وعليه أن يجنبه الأسماء المعبَّدة لغير الله -تعالى-، كـ"عبد النبي"، و"عبد الحسين"، و"عبد عليّ"، ونحو ذلك.

وأن يجنبه الأسماء التي فيها يُمن أو تفاؤل؛ حتى لا يحصل كدر عند مناداتهم وهم غائبون بلفظ "لا"، فعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَحَبُّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ. لاَ يَضُرُّكَ بَأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ. وَلاَ تُسَمِّيَنَّ غُلاَمَكَ يَسَارًا، وَلاَ رَبَاحًا، وَلاَ نَجِيحًا، وَلاَ أَفْلَحَ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ فَلاَ يَكُونُ فَيَقُولُ: لاَ) إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ فَلاَ تَزِيدُنَّ عَلَيَّ. (رواه مسلم).

قال ابن القيم -رحمه الله-:"وهذه الجملة الأخيرة ليس من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما هي من كلام الراوي، وفي معنى هذا: مبارك، ومفلح، وخير، وسرور، ونعمة، وما أشبه ذلك؛ فإن المعنى الذي كره له النبي -صلى الله عليه وسلم- التسمية بتلك الأربعة موجود فيها، فإنه يقال: أعندك خير؟ أعندك سرور؟ فيقول: لا، فتشمئز القلوب من ذلك، وتتطير به، وتدخل في باب المنطق المكروه، وفيه معنى آخر يقتضي النهي، وهو: تزكية النفس بأنه مبارك، ومفلح، وقد لا يكون كذلك، كما رواه أبو داود في "سننه" أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهي أن تسمى بَرَّة، وقال: (لاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمُ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ). اهـ. "تحفة الودود صـ108".

 

وعليه أن يجنبه أسماء الشياطين والفراعنة والجبابرة، والأسماء المكروهة التي تكرهها النفس، ولا تلائمها، كحرب، ومرة، وكلب، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يشتد عليه الاسم القبيح، ويكرهه جدًّا في الأشخاص، والأماكن، والقبائل، والجبال، حتى إنه مرَّ بين جبلين في مَسير له، فقال: ما اسمها؟ فقيل له: فاضح ومُخز، فعدل عنهما، ولم يمر بينهما، وكان -صلى الله عليه وسلم- شديد الاعتناء بذلك.

 

ومن تأمل السنة؛ وجد معاني في الأسماء مرتبطًا بها، فتأمل قوله -عليه الصلاة والسلام-: (أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَغِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)(رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقوله -صلى الله عليه وسلم- لما جاء سهيل بن عمرو يوم الصلح: (سهل أمركم). انظر "تحفة الودود صـ110 وما بعدها".

 

ويجوز تسميته بأسماء الأنبياء والملائكة، قال النووي -رحمه الله-: "مذهبنا -الشافعية- ومذهب الجمهور جوازُ التسمي بأسماء الأنبياء والملائكة -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، ودليلنا: تسمية النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنه إبراهيم، وتسمى خلائق من أصحابه بأسماء الأنبياء في حياته وبعده". "المجموع 8/253".

ويجوز تكنيته ـوالكنية التي تبدأ بأب أو أم-، قال النووي -رحمه الله-: "ويجوز تكنية الصغير" "السابق 8/256"؛ لحديث: (يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟) (متفق عليه).

 

ويجوز التكني بكنيته -صلى الله عليه وسلم- والتسمي باسمه، فأما التسمية فإجماع، قاله ابن القيم، وأما الكنية، فقوَّى النووي -رحمه الله- في "المجموع" مذهبَ مالك -رحمه الله- في التكني بأبي القاسم لمن اسمه محمد وغيره، وجعل النهي خاصًّا بحياة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لما هو مشهور في "الصحيح" من سبب النهي في تكني اليهود بأبي القاسم، ومناداتهم: "يا أبا القاسم" للإيذاء، وهذا المعنى قد زال، والله أعلم". اهـ. مختصرًا.

واتفقوا على استحباب اللقب الذي يحبه صاحبه، واتفقوا على تحريم تلقيب الإنسان بما يكره، سواء صفة له كالأعمش والأعمى، أو صفة لأبيه أو لأمه، وغيره ذلك مما يكرهه؛ لقوله -عز وجل-: (وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ) (الحجرات:11)، إلا للتعريف لمن لا يعرفه إلا بذلك. انظر "المجموع 8/256".

 

وتكره التسمية بكل اسم أو مصدر أو صفة مشبهة مضاف إلى لفظ: "الدين" أو"الإسلام"، مثل: "نور الدين"، و"نور الإسلام"، وذلك؛ لعظيم منزلة هذين اللفظين "الدين، والإسلام"، وهي أسماء محدثة، وكانت في أول حدوثها ألقابًا ثم استعملت أسماءً، وكان النووي -رحمه الله- يكره تلقيبه بـ"محيي الدين"، وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كان يكره تلقيبه بـ"تقي الدين"، ويقول: لكن أهلي لقبوني بذلك فاشتهر... اهـ. من رسالة "تسمية المولود".

 

ولا يجوز طاعة الشيطان في وسوسته بتسمية الولد بالاسم القبيح؛ ليعيش، فإن الله -تعالى- هو المحيي والمميت، ولا دخل للتسمية في ذلك.

e79027f76b9afefea69f5a32de226c4a.gif

6- ويُسن أن يعق عنه يوم سابعه؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ غُلاَمٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

وعن عائشة -رضي الله عنها-: قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) (رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني).

واستحب الإمام أحمد -رحمه الله- لمن لم يجد أن يقترض، وقال: "أرجو أن يغنيه الله، يحيي سنة".

وأجمع العلماء على أنه لا يجوز في العقيقة إلا ما يجوز في الأضحية.

ومن حِكم العقيقة أنها: "قربان يُقرب به عن المولود في أول أوقات خروجه إلى الدنيا، والمولود ينتفع بذلك غاية الانتفاع، كما ينتفع بالدعاء به، وإحضاره مواضع المناسك والإحرام عنه، وغير ذلك.

وأنها تفك رهان المولود، فإنه مرتهن بعقيقته، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "مرتهن عن الشفاعة لوالدين"، وقوّى ابن القيم -رحمه الله-، أن الولد محبوس عن أمر كان بصدد نيله وحصوله، والعقيقة سبب لتخليص من حبسه الشيطان وأسره، والله أعلم بمراده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

وأنها فدية يفدي بها المولود كما فدى الله -تعالى- إسماعيل الذبيح بالكبش، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَنْسُكْ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ)(رواه أحمد، وصححه الألباني).

فجعلها على سبيل الأضحية التي جعلها الله نسكًا وفداءً لإسماعيل -عليه السلام-، وقربة إلى الله -تعالى-، وغير مستبعد في حكمة الله في شرعه وقدره أن يكون سببًا لحُسن إثبات الولد، ودوام سلامته، وطول حياته في حفظه من ضرر الشيطان حتى يكون كل عضو منها فداءً كل عضو منه.

فهي قربان، وشكران، وفداء، وصدقة وإطعام؛ شكرًا لله، وإظهارًا لنعمته التي هي غاية المقصود من النكاح. والله -تعالى- أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وآله وصحبه أجمعين.

e79027f76b9afefea69f5a32de226c4a.gif

يتبع

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الطريق إلى الولد الصالح 3- مدة الرضاع

 

 

كتبه/ عصام حسنين

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

 

فمن الخطوات المهمة على الطريق إلى الولد الصالح:

 

***الاهتمام بأمر رضاعه؛ لأنه الأساس لما وراءه من تنشئة وتربية، فهو ينشز العظم، وينبت اللحم، وبداية للتربية النفسية والاجتماعية.

 

ولكي تتم هذه المرحلة على أكمل وجه أداءً للمسئولية التي جعلها الله -تعالى- في عنق الوالدين كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) (متفق عليه)؛ نسوق هذه الإرشادات من نور وهداية قوله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة:233).

 

ذهب جمهور العلماء إلى أن رضاع الطفل لا يجب على أمه؛ إلا إذا تعينت مرضعًا بأن كان لا يقبل غير ثديها أو كان الوالد عاجزًا عن استئجار المرضعة، أو يقدر لكن لم يجدها.

 

واستدلوا على الاستحباب بقوله -تعالى-: (وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى)(الطلاق:6)، وبلغ من حد اهتمام الإسلام برضاع الطفل أن أخَّر إقامة الحد على الأم الزانية إلى حين انتهاء مدة رضاعه منها كما في قصة الغامدية.

وجعل وعيدًا شديدًا لمن تمتنع من رضاع ولدها، قال -صلى الله عليه وسلم-: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلاَنِ فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ... ) الحديث... وفيه: (ثُمَّ انْطَلَقَ بِي، فَإِذَا أَنَا بِنِسَاءٍ تَنْهَشُ ثُدِيَّهُنَّ الْحَيَّاتُ، قُلْتُ: مَا بَالُ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ يَمْنَعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ أَلْبَانَهُنَّ) (رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وصححه الألباني).

 

وبلغ من درجة اهتمام الإسلام بالطفل أنه في حالة الطلاق يكون في حضانة أمه؛ لأنه في حاجة مادية وعاطفية لا تكون إلا من أمه، قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني)؛ لأن الأم أشفق وأقدر على تربيته في هذا السن إلا أن تتزوج؛ لأنها حينئذ ستنشغل عنه بالزواج، ولا يتوفر للطفل جو المودة والمحبة والعطف الذي يحتاجه.

 

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "الأم أصلح من الأب؛ لأنها أرفق بالصغير وأعرف بتربيته وحمله، وتنويمه وأصبر عليه وأرحم به؛ فهي أقدر وأرحم وأصبر في هذا الوضع، فتعينت في حق الطفل غير المميز في الشرع" اهـ نقلاً عن "توضيح الأحكام 6/42".

 

وعليه؛ فلتتقِ الأم ربها -تعالى- ولا تترك طفلاً في سن الرضاع لراعية أطفال أو خادمة في بيت أو حضانة من أجل عمل أو غيره.

e79027f76b9afefea69f5a32de226c4a.gif

- كانت وصفة أحد الأطباء الأمريكيين لكل أم تأتي بطفلها المريض إليه: "العلاج هو العودة إلى الأم الحقيقية"!

 

- ليست وظيفة الأم في هذه المدة قاصرة على تغذيته باللبن أو تغيير ملابسه وتنظيفه، بل هي وظيفة لا يقوم بها أحد إلا الأم تتعبد بها لربها -تعالى- بالنية الصالحة ترضع ولدها من خلالها الرحمة والعطف كما روي عن عمرو بن عبد الله أنه قال لامرأته وهي ترضع ابنًا لها: "لا يكونن رضاعك لولدك كرضاع البهيمة ولدها، قد عطفت عليه من الرحمة بالرحم، ولكن أرضعيه تتوخين ابتغاء ثواب الله، وأن يحيا برضاعك خلق عسى أن يوحِّد الله ويعبده" اهـ بتصرف من "عودة الحجاب 2/515 وما بعدها".

e79027f76b9afefea69f5a32de226c4a.gif

- والأحسن ألا يرضعه إلا أمه؛ لأنه أنفع وأمرأ، وقد يكون واجبًا عليها كما تقدم.

- وإذا أرضعته غيرها، فيُستحب أن يسترضع له المرضعة الحسنة الخَلق والخُلُق؛لأن الرضاع يغيِّر الطباع، ويؤثر في الخلق والذكاء، وقد أثبتت الدراسات الطبية أن لبن الأم يحتوي على بعض أنواع البروتينات التي تحمل الصفات الوراثية، ومنه تنتقل إلى الرضيع كثير من هذه الصفات، ومن ها هنا سبق وأن ذكرنا أهمية اختيار الزوجة الصالحة النجيبة، وكذا استرضاع المرضعة الصالحة.

 

- وكره العلماء استرضاع الفاجرة والكافرة سيئة الخلق؛ لئلا يسري إلى الولد؛لأن العادة جارية أن الرضيع يغلب عليه أخلاق المرضعة من خير أو شر.

- ورزق الوالدة والمرضعة على والد الطفل بما جرت به العادة من غير إسراف ولا إقتار؛ لقوله -تعالى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).

قال الغزالي -رحمه الله-: "ينبغي أن يراقب ولده في أول أمره، فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال، فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه، فإذا وقع عليه الصبي انعجنت طينته من الخبيث؛ فيميل بطبعه إلى ما يناسب الخبائث... " اهـ من "الإحياء 2/71"، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ إِنَّهُ لاَ يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلاَّ كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

e79027f76b9afefea69f5a32de226c4a.gif

- الأكمل والأحسن أن تكون الرضاعة لمدة عامين، كما قال الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ).

قال ابن كثير -رحمه الله-: "هذا إرشاد من الله -تعالى- للوالدات: أن يُرضعن أولادهن كمال الرضاعة، وهي سنتان، فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك، ولهذا قال -تعالى-: (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)... ولا يُرضع بعد الحولين؛ لأنه ربما أضر الولد إما في بدنه أو عقله، فعن علقمة أنه رأى امرأة ترضع بعد الحولين فقال: "لا ترضعيه" اهـ من "التفسير 1/284".

 

- وعلى الأم ألا تدفع ولدها لأبيه لتضره بتربيته وليس لها دفعه إذا ولدته حتى تسقيه اللبأ -وهو اللبن الذي لا يعيش بدون تناوله غالبًا- ثم بعد هذا لها دفعه عنها إذا شاءت، ولكن إن كانت مُضارة لأبيه فلا يحل لها ذلك، وكذلك ليس للوالد أن ينزع الولد من أمه إضرارًا بها، قاله مجاهد وغير واحد تفسيرًا لقوله -تعالى-: (لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ).

- ولا بأس بفطام الطفل قبل الحولين؛ لقوله -تعالى-: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا).

قال ابن كثير -رحمه الله-: "فإن اتفقا والدا الطفل على فطامه قبل الحولين، ورأيا في ذلك مصلحة له، وتشاورا في ذلك، وأجمعا عليه، فلا جناح عليهما في ذلك، فيؤْخَذُ منه: أن انفراد أحدهما بذلك دون الآخر لا يكفي، ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد بذلك من غير مشاورة الآخر، قاله الثوري وغيره.

وهذا احتياط للطفل، وإلزام للنظر في أمره، وهو من رحمة الله بعباده، حيث حجر على الوالدين في تربية طفلهما وأرشدهما إلى ما يصلحهما ويصلحه... وختم -تعالى- الآية مخوفًا عباده، وحاضًا لهم على مراقبته -تعالى- في جميع ما أمرهم به: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) اهـ بتصرف "1/284".

 

- وإذا نظرنا فيما جعله الله -تعالى- حقًا للطفل؛ وجدناه مصلحة كله -والحمد لله-، قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90).

 

- وهذا الذي أنزله الله -تعالى- على رسوله -صلى الله عليه وسلم- منذ أربعة عشر قرنًا نادت به المنظمات الدولية والهيئات الصحية العالمية حديثًا حيث أوصت بأنه يجب على كل أم أن تقوم بإرضاع طفلها؛ لأن لبن الأم أفضل!

- وهذا من آيات الله -تعالى- التي يُظهر حكمتها لعباده حتى يتبين لهم أنه الحق، قال -تعالى-: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)(فصلت:53).

e79027f76b9afefea69f5a32de226c4a.gif

ولكي تتم عملية الرضاعة على أحسن وجه، وتؤتي أحسن ثمارها؛ فعلى الأم:

- أن تُرضع ولدها في وضع مناسب، وأن ترضعه في مكانه حتى لا يتعود على الحمل والالتصاق بالأم، وهذا يضيع كثيرًا من حقوق الزوجين وباقي الأولاد، كما أنه يُعوِّد الولد الاتكالية والخوف من الآخرين.

- وعليها أن تتوخى رضاعه، ولا تنتظر به حتى يبكي؛ لئلا يتخذ البكاء وسيلة لإشباع رغباته، ومن ثمَّ يتعلم العناد، ويتطور معه الأمر حتى ينشأ ضعيفًا اتكاليًّا معتمدًا على غيره في قضاء حاجاته.

- ويعرف جوع الرضيع بتحريك رأسه يمينًا وشمالاً أو فتح فمه أو إخراج لسانه، أو وضع أصبعه في فمه أو قيامه ببعض الأصوات الهادئة.

- وعليها أن تبتعد عن الأسباب التي تؤثر على لبنها بالسلب: كالتوترات النفسية والعصبية، وعدم أخذ قدر كافٍ من الراحة، وعدم التغذية المناسبة وقلة شرب السوائل والإكثار من شرب الشاي والقهوة.

- وأن يكون نوم طفلها بجوارها؛ فقد أثبتت الأبحاث أن الطفل يشارك أمه الشعور والأحاسيس منذ ولادته ويمكنه أن يميز صوتها، ويشعر به ويميل إليها.

- وعليها أن تداعبه منذ يومه الأول؛ ليشعر بالدفء والأمان.

- وعليها بذكر الله -تعالى- وتلاوة القرآن وإسماعه ذلك، وتعويذه بالرقى والمعوذات من القرآن والسنة.

- وبعد ستة أشهر من الولادة تطعمه طعامًا إضافيًّا من ماء وعصائر تدريجيًّا مع الاستمرار في الرضاعة حتى سنتين ما دام الطفل والأم في صحة جيدة.

- وإن أراد الوالدان فطام الطفل قبل سنتين فيكون عن تشاور كما أمر الله -تعالى- إذا وجدا المصلحة في ذلك.

- وأن يكون الفطام تدريجيًّا، ولا يفرق بين الولد وأمه، ويكون رويدًا رويدًا، وبرفق بعيدًا عن وسائل العنف حتى تأمن الآثار السلبية على نفسية الطفل.

- وعلى الأم الاهتمام بصلاتها، ومراعاة حق زوجها، ولتحذر أن يشعر زوجها شعورًا سيئًا أن الولد أخذها منه، أو أن فترة قبل الإنجاب أفضل من بعد ذلك، ولتعلم أن معظم مشاكل البيوت نتيجة هذا الإهمال من الزوجة الأم لزوجها! وعلاج ذلك سهل -إن شاء الله- بقليل من التنظيم وإعطاء كل ذي حق حقه.

- ولتعلم أن بول الصبي الذي لم يأكل إن أصاب ثيابها فإنها تنضحه بالماء -تغمره- وإن أكل فيجب أن يُغسل "مع عَصر".

وأما البنت فيغسل بكل حال سواء أكلت أم لم تأكل.

وبعد؛ فليحمد الله -تعالى- كل منا على ما حباه الله -تعالى- من نعم من جعل الرحمة في قلب والديه، يعطفان عليه ويسهران على شأنه، ولولا ذلك؛ لمات، وأنه -تعالى- أوجب له حق الرضاع الذي لا رزق نافع له سواه.

فالحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، حمدًا يوافي نعمه ويدافع نقمه، ويكافئ مزيده.

 

يتبع إن شاء الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×