اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

في رحاب التفسير..(متجددة)

المشاركات التي تم ترشيحها

﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾

للآية التالية عدة معانٍ :
 
أما الوقفة الدقيقة:
﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾
 
1 ـ الكاتب لا ينبغي أن يكتب أكثر مما أملي عليه ولا أقلَّ :
الكاتب لا ينبغي أن يكتب أكثر مما أملي عليه ولا أقلَّ، وهناك مَن يستغل أمية المُمْلي فيكتب زيادة أو أقل، والشاهد ينبغي ألا يشهد لا بزيادة ولا بنقصان، فإن كتب الكاتب أكثر أو أقلَّ، أو شهد الشاهد أكثر أو أقلَّ، فقد أضر بالحق، وضلل القاضي..
 
2 ـ لا ينبغي أن تضر الكاتب أو الشاهد في وقتٍ لا يناسبه :
المعنى الثاني من معاني:
﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾
أي أن هذا الشاهد ينبغي ألا تحرجه في وقتٍ هو عنده ثمين جداً، كإنسان في عنده عمل أساسي تقول له: الآن ينبغي أن تذهب معي إلى القاضي، ينبغي أن تكون واقعياً، فإذا كان هناك مجال لتأجيل الشهادة ليوم آخر لا تكن سبباً في إيذاء هذا الشاهد لأن الشاهد مكلف أن يشهد..
﴿ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ﴾
ما دام قد كلف أن يشهد فلا ينبغي أن تضره في وقتٍ لا يناسبه.
 
3 ـ لا ينبغي أن يكلف عملاً يخسر كسبه في اليوم دون أن تعوض عليه :
الشيء الثالث:
﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾
ينبغي لو أنه يعمل عملاً يدوياً، يوماً بيوم، ويأكل من عمل يده، فإذا أمرته أن يذهب معك إلى مكان بعيد، فقد يقتضي ضياع يوم بأكمله، فلا بد أن تعوض عليه مقدار كسبه في هذا اليوم، فالشاهد والكاتب لا ينبغي أن يشهد أكثر ولا أقلَّ مما هو عليه، ولا ينبغي أن يُحْرَج في وقتٍ لا يناسبه، ولا ينبغي أن يكلف عملاً يخسر كسبه في اليوم دون أن تعوض عليه..
﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾
العمل الصالح يجب أن تشجع صاحبه وتكافئه عليه حتى يترسَّخ الخير في المجتمع:
دائماً في نقطة: الذي يمنع الماعون، الذي يقدم خدمة دون أن يرى نتيجةً لها يزهد في خدمة الحق، هذا الذي ذكره الله عز وجل في القرآن الكريم حول الذين يراؤون ويمنعون الماعون، كل إنسان يعمل عمل طيب، وقد يكون إيمانه ضعيف، ولا يرى نتيجةً لهذا العمل الطيب، يزهد في المعروف.

موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
ينبغي للكاتب ألا يكتب زيادة عما أُملي عليه، إن فعل أضر بالحق، وينبغي للشاهد ألا يشهد زيادة عما رأى وإلا أضر بالحق، وينبغي لطالب الشهادة وطالب الكتابة ألا يغبن هذا الشاهد وهذا الكاتب، أن يعطيه حقه.
 
﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾
 
يجب له التعويض، وألا تحرجه في وقت هو في أَمَسِّ الحاجة إليه، كما أن
الكاتب والشهيد ينبغي ألا يغيرا معالم الحق
 
 
لذلك مرة ذكرت لكم عقب الحرب العالمية الثانية، أحد زعماء بريطانيا سأل وزراءَه عن أحوالهم، فكانت أجوبتهم عجيبة!!
وزير الصناعة قال له: المعامل كلها مهدمة محروقة، وزير الزراعة: الحقول محروقة، وزير المالية: الخزائن فارغة، سأل وزير العدل قال: كيف العدل
عندك يا فلان؟ قال: بخير، قال: كلنا إذاً بخير.
 
فيجب أن نفهم أن القاضي قد يكون واحداً منكم، كلمة قاضي توهِم أن إنساناً يعمل في القضاء، أنت كتاجر قاض، قد تشهد شهادة صحيحة بمشكلة تجارية، تدلي برأيك الصحيح، قد تستشار بموضوع، في مجال الأسر، وفي مجال التجارة، في مجال الصناعة، وكم من حق هضم لأن الناس امتنعوا عن أداء الشهادة، هذا السلوك سلوك إبليس، نحن ليس لنا علاقة أَسْلَم، فكل إنسان ينسحب من أداء شهادة أو من تحكيم فيه إحقاق للحق هذا إنسان خرج عن منهج الله عز وجل.
 
﴿ وَإِنْ تَفْعَلُوا ﴾
أي إن أضررتم بالشاهد والكاتب، إن كلفتموه ما لا يطيق، إن عطلتموه عن عمله، إن أحرجتموه بوقت لا يناسبه، أو إن هذا الكاتب إن أزاد أو أنقص في شهادته أو كتابته، قال:
﴿ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ﴾
هذا من الفسق.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
للآية التالية رأيان :
 
1 ـ الإنسان حينما يتقي الله ويستقيم على أمره يكون قريباً من الله :
قال تعالى:
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
 
الإنسان حينما يتقي الله، أي حينما يستقيم على أمر الله يكون قريباً من الله، والله عز وجل نور السماوات والأرض، فإذا كنت قريباً منه نوَّر قلبك بالحقيقة، أي إنسان له اتصال بالله قلبه منوَّر، يرى الحق حقاً والباطل باطلاً، يرى الحقيقة الصارخة، لا يأخذ بالأشياء المزوَّرة، فمن صفات المؤمن أنه يرى ما لا يراه الآخرون، يشعر بما لا يشعرون، في عنده حاسة سادسة نامية جداً، وهذه يمكن أن تفسر بأن قلبه متصل بالله، ولأن الله نور السماوات والأرض فقلبه منوَّر بنور الله، عنده رؤية صحيحة، وعنده حكمة، وعنده موقف مقبول، وموقف نظيف.
 
2 ـ الله تعالى يعلِّمنا بأفعاله وبخَلْقه وبكتابه وكل ما في الكون يدل عليه :
ثمة رأي ثانٍ لهذه الآية:
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾
 
أي أطيعوا الله، قفوا عند أمره ونهيه، التزموا كتابه وسنة نبيه، لأنه يعلمكم دائماً، علمكم بخلقه، كل ما في الكون يدل عليه، علَّمكم بأفعاله، كل أفعاله تدل عليه، فمنذ أيام ـ هكذا سمعت ـ هناك إنسان من أهل العلم صالح، في أثناء قيادة مركبته تأذى، مس مركبة أخرى، صاحب المركبة الثانية كان سفيهاً، وأقذع له بالكلام، وقسا عليه قسوة غير معقولة، هو يكتب ورقة ويسجِّل: أنْ أنا عنواني كذا، وأنا تسببت في إيذاء هذه المركبة، فصاحب المركبة سفيه جداً، وتكلم كلاماً قاسياً وبذيئاً جداً في حق هذا الإنسان الطيب، بعد أيام انتقم الله منه انتقاماً شديداً، فالله يعلِّم بأفعاله، يعلِّم بخَلْقه، يعلِّم بكتابه..
 
يعلِّمك بخلقه، كل شيء في الكون يدل عليه، مثلاً: الفتاة زوَّدها الله بغشاءٍ، فما دامت طاهرة عفيفةً نقيةً هذا الغشاء يبقى إلى يوم الزواج، ليس له أية وظيفة فيزيولوجية إطلاقاً، فوظيفته اجتماعية، أن هذه الفتاة لم يقربها إنسان من قَبل، هذا من فعل الله عز وجل، يعلِّمكم الله عز وجل، يعلِّمنا في خلقه، يعلِّمنا في أفعاله، يعلِّمنا بكلامه، قد يريك مناماً مخيفاً، وأنت على وشك أن تفعل معصيةً كبيرة، ويعلِّمك إذاً، يحذرك من هذا المنام، قد تلتقي بإنسان يعطيك موعظةً بليغةً، وكأنه يعرف مشكلتك، هذا من تعليم الله لك، فالأنواع التي يعلِّم بها الله عباده لا تعد ولا تحصى.
 
تقنين الله عز وجل تقنين تأديبٍ لا تقنين عجز :
قال تعالى:
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾
بالمعنى الذي أرادوه وهو: أن يتقاعسوا عن طلب العلم، وألا يعبؤوا بهذا العلم الدقيق، وأن يعتمدوا على الإلهام، هذا المعنى ما أراده الله عز وجل، ولكن أنت حينما تتقي الله عز وجل تكون قريباً منه، فإذا كنت قريباً منه نور قلبك بالحقيقة، لأن الله هو نور السماوات والأرض، هذا معنى.
المعنى الثاني: أنت لمَ لا تطيع الله عز وجل فهو يعلمك دائماً، في تعليم من الله لا ينتهي، مثلاً: باخرة ادعى صانعوها أنها لا تغرق، أو أن القدر لا يستطيع إغراقها، فإغراق الباخرة درسٌ من السماء للأرض. مركبة فضائية سموها (المتحدية)، يتحدَّون من؟ فبعد سبعين ثانية من إطلاقها أصبحت كتلة من اللهب، هذا درس من الله عز وجل، زلزال، مركز الزلزال يجب ألا يبقى شيء على شيء، إلا جامعٌ له مئذنةٌ عملاقة مع معهد شرعي، وما حول المئذنة، والمسجد، والمعهد الشرعي لا تجد حجراً فوق حجر، دمار كامل، أليس هذا تعليماً من الله عز وجل، الله عز وجل يعلم البشر دائماً، يعلمهم عن طريق الزلازل والبراكين، وعن طريق القحط والجفاف، فالناس في ضجة كبيرة جداً من شُح الأمطار، يجب أن نؤمن إيماناً يقيناً أن الله إذا قنن فتقنينه تقنين تأديبٍ لا تقنين عجز:
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾
[ سورة الحجر: 21]
 
الله عز وجل يكرم المؤمن بفراسة صادقة وهذه لا تغني عن طلب العلم :
المؤمن الله عز وجل يكرمه بإشراق، بنور في قلبه، برؤيا صافية، بفراسة صادقة هذه لا تغني عن طلب العلم.
 
المعنى الأول: اتقوا الله، إن اتقيتم الله عز وجل كنتم قريبين منه، هو نور السماوات والأرض، يلقي في قلوبكم النور، إذا اتقيت الله عز وجل قذف في قلبك النور.
والمعنى الثاني: لم لا تتقون الله، وهو يعلمكم دائماً؛ بخلقه، وبأفعاله، وبكلامه وبأنبيائه، وبرسله، طرق التعليم التي نتعلمها من ربنا لا تنتهي، أحياناً الله عز وجل يرسل مصيبة من جنس الذنب تماماً، فهذا تعليم،
 
إنسان بخل أن يدفع زكاة ماله، زكاة ماله فرضاً إحدى عشر ألفاً وخمسمئة وثلاثين، وقع له حادث، فصلح السيارة، تجليس، ودهان، وقطع، بلغ ما دفعه إحدى عشر ألفاً وخمسمئة وثمانين بالضبط، هذا تعليم؛ أن هذا المبلغ الذي أحجمت عن دفعه، وهو فرضٌ عليك، دفعته غرامةً.
 
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ* وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾
 
طبعاً الرهن يمكن أن يكون في السفر وفي الحضر، ربما لا يتيسَّر لك الكتابة، ممكن أن تأخذ رهناً، إلا أن العلماء قالوا: الرهن ينبغي ألا يُنتفع به، قد تنتفع به لصالح الشيء، فقد تستخدم بساطاً لو خزَّنته لأصابه التآكل، قد تستخدمه لصالح الشيء، والدابة تركبها بعلفها، وتأخذ حليب الشاة لإطعامها، أما الأصل ألا تنتفع من الشيء المرهون، فإذا انتفعت بهذا الشيء المرهون كان هذا الانتفاع نوعاً من الربا..
﴿ فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾
أما ما يفعله الناس، يستخدمون الرهن وينتفعون به، هذا شيءٌ مخالفٌ لمنهج الله عز وجل.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوتُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة : 284]

أكبر مرضٍ يصيب الناس هو مرض الشرك وهو ضعف التوحيد :
من أين يأتي النفاق؟ من ضعف التوحيد، أن تشتكي لإنسان، وأن تنهار أمامه، وأن تبذل ماء وجهك أمامه، فهذا من ضعف التوحيد، لأنك إن آمنت بالله عزَّ وجل، الذي أعطاه يعطيك، والذي أكرمه يكرمك، والذي رفعه يرفعك، لذلك قال العلماء: " ما تعلَّمت العبيد أفضل من التوحيد ".
﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾
كل هذا الكون مِلْكٌ لله خلقاً، وتصرفاً، ومصيراً:
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾
[ سورة الغاشية: 25-26]
هذا هو الدين، إن آمنت أنه لا يقع شيء، ولا يتحرَّك شيء، ولا يقف شيء إلا بإذن الله عزَّ وجل، هذا الإيمان ينعكس على سلوكك استقامةً على أمر الله، وجُرْأَةً في الحق، وينعكس عليك عزةً وكرامةً ووضوحاً، فأكبر مرضٍ يصيب الناس هو مرض الشرك، وهو ضعف التوحيد، أي أنه يرى أن هناك أقوياء لا بد أن تنصاع لأمرهم وإلا دمَّروك، لا بد أن ترضيهم ولو على حساب دينك، هذا هو مرض المسلمين، ضعف توحيدهم أوقعهم في المعاصي والذنوب، وأوقعهم في الشرك والشُبُهة.
 
﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾
لماذا خَلَقَنا؟ خلقنا ليسعدنا في جنةٍ عرضها السماوات والأرض، خلقنا لمهمةٍ، خلقنا لتأدية رسالة:
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
[ سورة هود: 119 ]
ضعف التوحيد وضعف الإيمان يملأ القلب شهوةً مُحَرَّمةً :
لذلك هو في الدنيا يربيِّنا، فإذا استقمنا على أمره أكرمنا، وإذا انحرفنا عن الصراط المستقيم أدَّبنا، فالإنسان حينما يبتعد عن الله يؤثر شهوته على طاعة ربه، وحينما يؤثر شهوته لا بد من أن يعتدي، لأنك لو تحرَّكت وفق منهج الله لا يمكن أن تعتدي على أحد، أما إذا اندفعت بدافع الشهوة من دون منهج الله عزَّ وجل فلا بد أن تعتدي على أموال الآخرين، وعلى نسائهم، وعلى أعراضهم، فلذلك ضعف التوحيد وضعف الإيمان يملأ القلب شهوةً مُحَرَّمةً، هذه إذا خرجت وانقلبت إلى واقع انتشر مرض لا بد من معالجة الإنسان منه.
 
من بعض تفسيرات هذه الآية: أن النفس إذا انطوت على مرض، المرض يعني شهوةً محرمة، لأن الله عزَّ وجل يقول:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
[ سورة القصص: 50 ]
المعنى المخالف أو المعنى العكسي أن الذي يتبع هوى نفسه وفق منهج الله عزَّ وجل لا شيء عليه، أعطى كل ذي حقٍ حقه، اشتهى المرأة فتزوَّج، اشتهى المال فكسب كسباً مشروعاً، إذاً الإنسان حينما يُعْرِض عن الله عزَّ وجل يتبع هواه، ومع إتباع الهوى ظلمٌ وعدوان، فلا بد أن يؤدِّبه الله، قال تعالى:
﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾
 
أخواننا الكرام... أمراض الجسم تنتهي عند الموت، ولو كانت عُضالة، لكن أمراض النفس تبدأ بعد الموت، فلذلك الإنسان أولى له ألف مرة أن يعالجه الله ليموت طاهراً نقياً من أن يَدَعَه الله وشأنه، حتى يستحق دخول النار، ورد في بعض الأحاديث أن الله عزَّ وجل يقـول:
((وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه إلا ابتليته بكل سيئةٍ كان عملها سُقماً في جسمه، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبةً في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه))
[ ورد في الأثر ]
الإنسان حينما ينحرف عن منهج الله تتولَّد عنده الشهوات المُحَرَّمة :
معنى ذلك أن الإنسان مخلوق للجنة، والجنة فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، معنى ذلك أن الحياة الكريمة التي خُلِقْتَ من أجلها ليست في هذه الدنيا، هذه " الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح، من عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا من عطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي".
إذاً نحن في مرحلةٍ إعدادية لحياةٍ أبدية، سمَّى الله الحياة هذه حياةً دنيا، وسمى الحياة التي أعدها لنا في الدار الآخرة حياةً عُليا، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثمن هذه الحياة العليا ـ الدار الآخرة، الجنة التي يبقى فيها الإنسان إلى أبد الآبدين ـ ثمنها أن تأتي إلى الدنيا، وأن تضبط شهواتك وفق منهج الله.
أيها الأخوة.. هذا الثمن بمقدور أي إنسان أن يدفعه، فما مِن شهوةٍ أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، ليس في الإسلام حرمان، فالإنسان خُلِقَ في الدنيا من أجل جنة عرضها السماوات والأرض، ثمن هذه الجنة أن يستقيم على أمر الله، أي أن يضبط أهواءه، ونزواته، وشهوته وفق منهج الله، فإذا حاد عن منهج الله قليلاً تولَّد في نفسه أمراض، أمراضٌ نفسيَّة تحتاج إلى معالجة؛ البخل مرض، العُجب مرض، الكِبر مرض، حُب الذات مرض، الاستعلاء مرض، الحقد مرض، الرغبة في العلو في الأرض مرض، حينما نبتعد عن الله قليلاً تتولد الأمراض النفسية، الإنسان شهوةٌ مندفعة، فالإنسان حينما ينحرف عن منهج الله تتولَّد هذه الشهوات المُحَرَّمة. الآن..
﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾
من أمراض..
﴿ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾
 
 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
هناك طريقان للشفاء طريقٌ سليم وطريقٌ مُتْعِب :
 
الإنسان يعاني مرضاً نفسيّاً، عنده حب للدنيا ولو على حساب دينه، عنده رغبةٌ أن يأخذ ما ليس له، عنده رغبةٌ أن يغتصب بيتاً ليس له، عنده رغبةٌ أن يعتدي على حقوق الآخرين، هذه كلها أمراض، فإن أظهرها الإنسان أو أخفاها فلا بد أن يحاسب عليها، لأن الله رب العالمين..
﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾
أمام طبيب قد تخفي أعراض مرض خطير، والطبيب لا يعلم، أما لو أن الأب هو الطبيب فيرى أن هناك علامات مرض، فلا يسمح لابنه أن يكذب عليه، لا بد أن يعالجه، لأن الأب الطبيب يتمتَّع برحمةٍ وعلمٍ في آن واحد، رحمة الأب وعلم الطبيب..
 
(وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾
أيها الأخوة... هناك طريقان للشفاء: طريقٌ سليم، وطريقٌ مُتْعِب، إنسان اشتهى شيئاً حراماً؛ فأقبل على الله، واتصل بالله، واستغفر الله، حتى غفر الله له هذه الشهوة المحرَّمة شفاه منها، طهَّر قلبه منها عن طريق الصلاة، الصلاة تطهر القلب من أدرانه.. الصلاة طَهور، والصلاة نور، والصلاة حَبور، والصلاة ذكر، والصلاة مناجاة، والصلاة علم وعقل.. فإن انتبه إلى نفسه، وشعر أن في نفسه مرضاً خطيراً لا بد من أن يشفى، فأقبل على الدين، اتصل بالله عزَّ وجل، دفع الصدقات، تلا كتاب الله، التحق بمسجد يظن أن هذا المسجد على حق، وأقبل على الله، فالله عزَّ وجل شفاه من دون مصيبة.
أو يكابر بالمحسوس، يبقى على خطئه، يبقى مصراً على ذنبه، ما الذي يحصل؟ يحتاج إلى تأديب الآن.
 
 
سنن الله في خلقه :
 
كلكم يعلم أيها الأخوة أن الله جل جلاله له في خلقه سُنَن:
 
1 ـ الهدى البياني :
الله عزَّ وجل يبدأ بالهُدى البياني، يبيِّن؛ من خلال القُرآن، من خلال سنة النبي العدنان، من خلال الدُعاة، من خلال الحوادث يبين، الهدى البياني، الدعوة البيانية، أنت معافى، صحيح، سليم، موفور الكرامة، يسمعك الله الحق، أرقى إنسان هو الذي يستجيب لله بدعوته البيانية.
 
2 ـ التأديب التربوي :
إن لم يستجب لا بد من مرحلةٍ صعبةٍ وهي التأديب التربوي؛ يؤدِّبه بنقصٍ في ماله، أو نقصٍ في صحته، أو نقصٍ في أهله، أو عدوٍ مخيف، أو شبح مصيبة، الله عزَّ وجل عنده مصائب لا تُعَدًّ ولا تحصى؛ تبدأ من الهم، وتنتهي بأصعب الأمر، فالمرحلة الثانية التأديب التربوي.
 
3 ـ الإكرام الاستدراجي :
المرحلة الثالثة إن لم يتب، الإكرام الاستدراجي كما هو الحال عند أهل الدنيا الذين شردوا عن الله عزَّ وجل، دنيا عريضة، أموالٌ وفيرة، شهواتٌ مستعرة، يفعلون كل شيء وهم أقوياء، متغطرسون، متسلِّطون، هذا اسمه الإكرام الاستدراجي، وبعدها القصم.
 
4 ـ القصم :
أنت بين الهدى البياني، والتأديب التربوي، والإكرام الاستدراجي، ثم القصم، هنيئاً لمن استجاب لله بدعوته البيانية، كلام ربنا واضح وضوح الشمس، كلام النبي عليه الصلاة والسلام واضح وضوح الشمس، هناك دعاةٌ إلى الله صادقون، أصغِ إلى قولهم، استمع إلى دعوتهم، استجب، طبِّق..
﴿ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾
لا تستجب..
﴿ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾
 
 
المصائب أربعة أنواع :
 
قال تعالى:
﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
 
يا رسول الله عظني ولا تطل. قال: قل آمنت بالله ثم استقم. فقال هذا الأعرابي: أريد أخف من ذلك. قال: إذاً فاستعد للبلاء.
إما أن تستقيم على أمر الله، إما أن تستجيب له فتسلم من مصائب الدنيا... طبعاً يبقى هناك مصائب رفع درجات، مصائب امتحان، أما مصائب العقاب نجوت منها، المصائب أربعة أنواع: مصيبة قصمٍ، أو مصيبة ردعٍ، وهاتان المصيبتان للكفار، مصيبة دفعٍ، ومصيبة رفعٍ، وهاتان المصيبتان للمؤمنين، ثم هناك مصائب الأنبياء وهي مصائب كشفٍ، أي ينطوي على كمال لا يظهر إلا بحالةٍ صعبة، فبين القصم والردع، وبين الدفع والرفع، وبين الكشف، هذه المصائب، فالإنسان إذا استجاب لله عزَّ وجل، وانتبه إلى أمراضه، واستغفر الله منها، وأقبل على الله، وطهر الله قلبه من هذه الأمراض، أي يجب أن نؤمن.
 
هناك مقولة عند العوام يقول لك: " فالج لا تعالج "، إذا لم يكن ثمة أمل الإنسان يتطور فلا جدوى من بعثة الأنبياء، هذا كلام غير صحيح، قد يكون الإنسان حاقداً، وقد يكون لئيماً، وقد يكون مستعلياً، ومتكبراً، ومحباً لذاته، فإذا اصطلح مع الله وأقبل عليه طهرت نفسه فصار كريماً، وصار متواضعاً، وصار حليماً، إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحب الله عبداً منحه خُلقاً حسناً، فالصلاة شفاء، الصلاة طهور، كما قال عليه الصلاة والسلام تطهر النفس من أدرانها، لا يمكن أن يكون المصلي حَقوداً، ولا أن يكون المصلي لئيماً، ولا بخيلاً، ولا شحيحاً، ولا جباناً، ولا منافقاً، الصلاة تطهِّر الإنسان، تسمو به، إذاً العبرة أن نسمو إلى الله، أن تصفو نفوسنا من كل درن.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)


لا يمكن للإنسان أن يحدد الوسعَ فالوسع يحدده الله عزَّ وجل :
 
الآية الأخيرة في سورة البقرة دقيقةٌ جداً، أول فقرة فيها يقول الله عزَّ وجل:
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ﴾
هذه الآية فوق المكان والزمان، يعني في أي مكانٍ وفي أي زمانٍ منهج الله القويم، الذي أنزله الله على نبيه الكريم، يمكن أن تطبِّقه مهما اختلفت الأحوال، وكل من يقول: لا أستطيع أن أستقيم على أمر الله فهو جاهل، لأن الله عزَّ وجل ما كان ليكلفنا ما لا نطيق، قال بعض العلماء:
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وسْعَهَا ﴾
أي أن منهج الله بـ: افعل ولا تفعل ضمن وسعِ الإنسان، ضمن إمكانيتك، أي أمرٍ أمرك به هو أمرٌ ضمن وسع الإنسان.

الحقيقة الأولى والخطيرة: لا يمكن أن يحدد الوسعَ الإنسان، الوسع يحدده الله عزَّ وجل، تقول: هذه الآية لا أطيقها، لا أستطيعها، أين أذهب ببصري؟ ماذا أفعل؟ لو كنت أكثر صدقاً وأكثر إخلاصاً لتغلبت على نفسك، لولا أن النبي عليه الصلاة والسلام بشر، تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر، لماذا هو سيد البشر؟ لأنه بشر، لأنه يحب كما نحب ويكره كما نكره، ويشتهي كما نشتهي، ويخاف كما نخاف، ما من إنسان إلا ويحب الراحة ويحب المُتَع الحسيَّة، ويكره التعب والأشياء المؤلمة، لكن المؤمن الصادق يؤثر طاعة الله عزَّ وجل، فالإنسان حينما يطيع الله ضحَّى ودفع الثمن وجاهد نفسه وهواه وانتصر على نفسه، فبنية الإنسان واحدة:
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
[ سورة الأعراف: 189 ]

فأول مقولة: لا يمكن أن تقول كلاماً بمعنى أنك لا تستطيع أن تطيع الله، والله عزَّ وجل يقول:
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ﴾
وهذه حُجة المقصِّرين: لا نقدر، نحن في آخر الزمان، ماذا أفعل في هذا المال؟ أين أضعه؟ لا بد أن أضعه في المصرف، أيعقل أن أدعه لهم من دون ربح؟! لا، خذ ربحاً، أودَعَه في مكان ربوي، وأكَلَ مالاً حراماً.

 

ما من شيءٍ كلَّفنا الله به إلا في وسعنا أن نفعله :

 
طبيعة الحياة فيها اختلاط، إذاً سهر سهراتٍ مختلطة، فأكبر حجة يعطيها الشيطان للإنسان المقصِر إنه زمن صعب، ماذا تفعل؟ لعل الله يغفر لك، عندك أولاد، كل هؤلاء الناس يكسبون مالاً حراماً، وأنت مثلهم، هذه بلوى عامة، هكذا، فأكبر حجة يدلي بها الشيطان لأوليائه: أن هذا المنهج فوق طاقتنا، هذا للصحابة، لحياةٍ بسيطة في الصحراء، وليس في مدينةٍ عصرية، أين أذهب؟ يعيبون عليَّ، أين أذهب بلساني؟ هذا الجهاز لا بد من اقتنائه وإلا نصبح خارج العصر، فهذه حجتهم، وكأنهم يردون على الله هذه الآية، كأن لسان حالهم يقول: يا رب هذا المنهج فوق طاقتنا، كلفتنا ما لا نطيق، مع أن الله عزَّ وجل يقول:
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ﴾

ما من شيءٍ كلَّفنا الله به إلا في وسعنا أن نفعله، أبداً، هذه حقيقة ثابتة، ولكن أخطر شيء أن تقدِّر أنت الوسع، الوسع لا تقدره أنت بل يقدره الخبير، الخبير قال لك: إن كنت مسافراً فأفطر، وإن كنت مريضاً فأفطر، وإن كنت متعباً فصلِ قاعداً، الخبير هكذا قال، الخبير سمح للمرأة في دورتها ألا تصلي، لأنه خبير، الخبير سمح للمرأة النفساء ألا تصوم، الخبير سمح لك في بعض الحالات أن تأكل ما حرمه الله عليك لأنه:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
[ سورة فاطر: 14]

فتحديد الوسع ليس من قِبَلك، وهذه نقطةٌ ثانية، هو يفكر لكن هذه فوق طاقتنا، لعل الله لا يحاسبني بها، من قال لك كذلك؟ أصبحت أجد أحكام الدين تحلل المسلمين منها، إما لأن هذه فوق طاقتهم، أو لأنهم في وضعٍ حرج، يذهبون إلى بيئات، يقول لك: من الصعب جداً أن أستقيم في بلاد الغرب، فمن قال لك: إن الإقامة في بلاد الغرب مسموحٌ بها، إقامة دائمة؟ من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله، بالطبع الإنسان حينما يكون في بيئة سيئة جداً، وكل ما حوله معاصٍ وآثام، لعله يتأثر بهذه المعاصي والآثام، ولعله يفعلها، وهو مرتاح بعد حين، فأين معصيته؟ إنه أقام مع المشركين فبرئت منه ذمة الله.


الله جلَّ جلاله لا يحاسب إلا على الفعل أما الخواطر فلا يحاسب عليها :
 
لو عدت إلى منهج الله تجده منهجاً متكاملاً، الشيء الخطر على إيمانك حرَّمه الله عليك، والشيء الذي يضعف إيمانك جعله الله مكروهاً، والشيء الذي يضعف اتصالك بالله جعله الله مكروهاً كراهة تنزيه، والشيء الذي لا يؤثر في إيمانك لا إيجاباً ولا سلباً جعله مُباحاً، والشيء الذي يقوي إيمانك جعله الله سنةً، ومندوباً، والشيء الذي لا يقوم إيمانك إلا به جعله فرضاً، معنى فرض كأن تقول: شرب الماء فرض، لأن حياة الإنسان لا تقوم إلا به، وتناول الطعام فرض، واستنشاق الهواء فرض، لكن ليس من الفرض أن تأكل كل ألوان الفواكه، إذا أكلت فلا مانع، ولكن هذه من تحسينات الحياة، ففي الإسلام فرض، واجب، سنة، شيء مستحسن، مُباح، مكروه تنزيهاً، مكروه تحريماً، حرام، أما الشيء الذي يدمِّر إيمانك ويوقعك في الهلاك في الدنيا والآخرة فهو حرام، هذا هو الشرع، في أحكام، في محرَّمات، في محللات.

أول حقيقة أيها الأخوة: أن منهج الله من وسع الإنسان أن يفعله، والوسع يحدده خالقنا وربنا، هذا واحدة، لذلك ما كلَّفك الله عزَّ وجل بما لا تطيق، وما حاسبك على خواطرك التي تأتيك، الخواطر غير محاسب عنها، ولكن يُنْصَح المؤمن ألا يسترسل في خواطر سيئة خشية أن تنقلب إلى فعل سيِّئ، أما مبدئياً مهما حدثت نفسك بشيءٍ داخلي لا تحاسب عليه، لأن الله جلَّ جلاله لا يحاسب إلا على الفعل، هذه واحدة، هذا من معنى قوله تعالى:
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ﴾

ما كلَّفك ما لا تطيق، جاءك خاطر سيئ لا تحاسب عليه، مهما حدَّثتك نفسك بشيءٍ لا يرضي الله لا تحاسب عليه، ولكن ينصح المؤمن ألا يسترسل في خواطره السيِّئة لئلا تنقلب إلى عملٍ، هذه واحدة. لن يُحاسَب إنسانٌ مكان إنسان:
﴿ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾
[ سورة الأنعام: 164 ]
قد يولد الابن من أبٍ شارب خمرٍ أو مقامر، لا يحاسب الابن عن خطأ أبيه أبداً:
﴿ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾
[ سورة الأنعام: 164 ]
هذه حقيقة، لا تحاسب عن شيءٍ ما فعلته، فمن بديهيات منهج الله عزَّ وجل أن الله لا يحاسبك عن شيءٍ لا تستطيعه، ولا عن شيءٍ ما فعلته، وأن الله جلَّ جلاله لا يأخذك بجريرة إنسانٍ آخر، كل نفسٍ تحاسب على حدة، هذا من قوله تعالى:
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ )

 

 

الفعل (اكتسب) في الآية السابقة له ثلاثة معانٍ :

 
هناك قاعدةٌ في اللغة: أن الزيادة في المبنى دليل الزيادة في المعنى، ففعل (كسب) ثلاثي، أما (اكتسب) خماسي، هناك ثلاثة معانٍ:

 
1 ـ الله تعالى يحاسب على الفعل بعد أن تفعله وتصرَّ عليه ولا تتوب منه :
المعنى الأول: هو أن الله عزَّ وجل يحاسب على الفعل بعد أن تفعله، وبعد أن تصرَّ عليه، وبعد ألاّ تتوب منه، ولا تندم عليه، فعل الفعل، ثم لم يندم، ولم يتب، بل افتخر به، عندئذٍ يسجَّل عليه، أما فعل الخير فلمجرد أن تفعله يسجل، كما أن الفعل الثلاثي بسيط، والخماسي مُعَقَّد كذلك الفعل الخير يسجَّل فوراً، أما الفعل السيئ فلا يسجل إلا بعد الفعل، وبعد عدم الندم، وبعد عدم التوبة، وبعد الإصرار عليه عندئذٍ يسجَّل هذا المعنى الأول من:
﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾

 
2 ـ فعل الخير سهل وله سمعةٌ طيبة بينما فعل الشر فعلٌ مستهجن :
هناك معنى آخر؛ هو أن فعل الخير سهل جداً، لا أحد ينتقدك، ولا أحد يحقد عليك، ولا أحد يقيم عليك الدعوى، عمل طيِّب، صليت، ابتسمت في وجه المؤمنين، أنفقت من مالك عليهم، أكرمتهم، أحسنت إلى فقير، أحسنت إلى ضعيف، عُدَّت مريضاً، كل أعمال البر سهلةٌ جداً ولا أحد يحاسبك عليها، لكن إذا أكلت مالاً حراماً، فهناك مَن يسألك، وهناك مَن يحاسبك، وأنت إن كنت صافياً حُجبت عن الله عزَّ وجل، عندما تأكل المال الحرام، عندما تخرج عن منهج الله تحجب عن الله، ففعل الخير سهل، وله سمعةٌ طيبة، وله رائحةٌ عطرة، وله أريجٌ طيب، بينما فعل الشر فعلٌ مستهجن، وقبيح، وتُلام عليه، وتنكره أنت، وينكره غيرك، هذا المعنى الثاني.

 
3 ـ الفعل من الله والإنسان له الكسب فقط :
المعنى الثالث هو أن الإنسان له الكسب فقط، بينما الفعل من الله عزَّ وجل، أنت حينما تريد أن تفعل خيراً يقوِّيك يقويك الله عزَّ وجل، لذلك كلنا فقراء إلى الله، كلنا ضعاف، ولكن نتمايز عند الله بأعمالنا التي مَكَّننا الله منها بحسب صدقنا مع الله، فأنت إنسان عاديٌّ، ولكن لو صدقت مع الله في خدمة الخلق لأعطاك إمكانيات عالية جداً لا تحلم بها من قبل، فأنت لك الكسب، سماه العلماء: الانبعاث، أنت أردت أن تصلي، فأعانك الله على الصلاة، أردت أن تربي أولادك، فأعانك الله على تربيتهم، أردت أن تدعو إلى الله، فأعانك الله على الدعوة إلى الله، الفعل من الله ومنك الكسب فقط، لك ما كسبت.
إنسان أراد أن يسرق هنا اكتسب السرقة، أي أنه أراد فقط، الآن يسيَّر إلى إنسان تُعَدُّ السرقة بحقه حكمةً، أنت تختار أن تسرق، وليس مسموحاً لك أن تختار مِمَّن تسرق، ممَّن؟ الله عزَّ وجل مُسَيِّر؛ يسوق هذا السارق إلى مَن يؤدِّبه الله بفقد ماله، إذاً لك الكسب فقط، وعلى الله الفعل، فالفعل فعل الله والكسب كسب الإنسان.

لذلك، إذا عُزِيَ الفعل إليك في الحقيقة يعزى سببه، وهو الكسب، وإذا عزي الفعل إلى الله في الحقيقة يعزى فعله، والكسب منك، تماماً كما لو قال إنسان: المعلم الفلاني رسَّب الطالب، عزونا فعل الترسيب إلى المعلِّم، لأنه هو الذي وقَّع، أما سبب الترسيب فهو كسل الطالب، إذا قلنا: فلان رسب، صحَّ كذلك، ذكرنا سبب الرسوب، السبب من الطالب، وتنفيذ الفعل من المعلم، فالإنسان له الكسب فقط، وعلى الله الباقي، هذا الكلام دقيق جداً، معنى ذلك أن كل واحد منا بإمكانه إذا صدق مع الله أن يفعل فعلاً عظيماً، قد يكون فوق طاقته، وفوق إمكاناته الفكرية والعقلية لأنه طلب طلباً كبيراً، وكسبه كبير، لذلك مَن هو البخيل والجبان؟ هو الذي بخل على نفسه بعملٍ صالح، لأن الله يخلق العمل الصالح.
واللهِ أنا أعتقد أنه ما من إنسان أراد إنفاق المال إلا رزقه الله مالاً، ما من إنسان أراد أن يعفَّ نفسه عن الحرام إلا أعفَّه الله عن الحرام، الفعل فعل الله ولك الكسب فقط.


الخير كسبه سهل أما الشر فكسبه يحتاج إلى مراحل :

 
إذاً:
﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ ﴾
لا تملك إلا الكسب، أما الفعل فلا تملكه أنت..
﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ ﴾
الخير كسبه سهل، والشر كسبه يحتاج إلى مراحل، ففعل شر، لعله يندم ما ندم، لعله يتوب ما تاب، لعله يستر نفسه فلم يستر نفسه، عندئذٍ يسجَّل، فعل الشر هناك من يحتقره إن فعلته، هناك من يؤاخذك، هناك قوانين تحاسبك، لو واحد سرق مثلاً، هناك قوانين أرضية تحاسبه، أما فعل الخير..
﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾


يقول الله عزَّ وجل:
﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾
عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ))
[ابن ماجه عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ]
﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا ﴾
إن نسينا أن نطيعك يا رب، أو فعلنا سوءً عن غير قصدٍ منا..
﴿ إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾
اجتهدنا فأخطأنا..
﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً ﴾
أي حملاً لا نطيقه..
﴿ كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ﴾

 


موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×