اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

المشاركات التي تم ترشيحها

(فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا هُمۡ فِي شِقَاقٖۖ فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ١٣٧ ) [البقرة: 137]



السؤال الأول:

قوله تعالى في الآية: (فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْ ) [البقرة:137] لم اختص تعالى أداة الشرط (إن) وليس (إذا)؟


الجواب:

(إنْ) حرف شرط جازم، ولكنه يفيد الشك خلافاً لـ(إذا)، وقد جاء الشرط هنا في الآية بـ (إن) إيذاناً بأنّ إيمانهم غير مرجو وميؤوس منه.



السؤال الثاني:

ما إعراب الضمائر في قوله تعالى (فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ) [البقرة:137] ؟



الجواب:

فسيكفيكهم الله: الكاف مفعول أول؛ لأنّ (كفى) تأخذ مفعولين، (هم) مفعول ثانٍ، (الله) لفظ الجلالة فاعل، أي: فسيكفيك الله إياهم .

وفي قوله تعالى: ( فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ)وَعْدٌ منه سبحانه لعباده المؤمنين الصادقين بحفظهم من كيد أعدائهم ومكرهم .



السؤال الثالث:

لماذا قدّم الله السمع على العلم في الآية ؟


الجواب:

حيث وقع في القرآن تقدم السمع على العلم ؛ وذلك لأنّ السمع يتعلق بما يقرب كالأصوات وهمس الحركات، فإنّ من سمع حسك وخَفِيَّ صوتك أقرَبُ إليك في العادة ممن يقال لك عنه : إنه يعلم، وإنْ كان علم الله متعلقاً بما ظهر وبطن وواقعاً على ما قرب وبعُد، فكان ذكر السمع أوقع في باب التخويف من ذكر العليم؛ فهو أولى بالتقديم .ويمكن أنْ يقال : إن السمع من وسائل العلم فهو يسبقه .



السؤال الرابع:

ما معنى (الشقاق) في الآية؟


الجواب:

(الشقاق) مأخوذ من الشق، كأنه صار في غير شقٍ صاحبه بسبب العداوة، وقد شقّ عصا المسلمين إذا فرّق جماعتهم وفارقها، ونظيره (المحادّة) وهي أن يكون هذا في حد وذاك في حد آخر، و(التعادي) مثله، لأن يكون هذا في عدوة وذاك في عدوة أخرى، و(المجانبة) أن يكون هذا في جانب وذاك في جانب آخر .

و(الشِقّ) بالكسر نصف الشيء وهو الناحية من الجبل، و(الشقيقة) وجعٌ يأخذ بنصف الرأس والوجه، والشِقّ أيضاً من المشقة ومنه قوله تعالى : (إلا بشق الأنفس)، والشقيق الأخ ،

و(الشِقاق) الخلاف والعداوة . و(الشَقّ) بفتح الشين واحد (الشُقوق) .والله أعلم.


 

image.png



(صِبۡغَةَ ٱللَّهِ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبۡغَةٗۖ وَنَحۡنُ لَهُۥ عَٰبِدُونَ) [البقرة: 138]



السؤال الأول:

ما دلالة (صِبۡغَةَ) في الآية ؟


الجواب:

الصبغة هي إدخال لون على شيء بحيث يغيره بلون آخر، والصبغ ينفذ في المصبوغ خاصة إذا كان المصبوغ له شعيرات ومسام كالقطن أو الصوف، أمّا الألياف الصناعية فلا يمكن أنْ تصبغ.

وأمّا الطلاء فهو طبقة خارجية تستطيع أنْ تزيلها مثل طلاء الأظافر للسيدات. قال ﷺ : «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»

فكأنّ الإيمان صبغة موجودة بالفطرة، إنها صبغة الله فإنْ كان أبواه مسلمين ظل على الفطرة، وإنْ كان أبواه من اليهود أو النصارى فإنهما يهوِّدانه أو ينصرانه، أي: يأخذانه ويضعانه في ماء ويقولون صبغناه بماء المعمودية.

ويريد الله أنْ يبين أنّ ما يفعلونه من تعميد للطفل لا يعطي صبغة؛ لأنّ الإيمان والدين لا يأتيان من خارج الإنسان وإنما يأتيان من داخله، وبالتالي فإنّ إيمان غير المسلمين هو طلاء خارجي وليس صبغة، وهذا الطلاء من عندهم هم، أمّا ديننا فهو صبغة الله تعالى.

وهل هناك صبغة أحسن من صبغة الله؟ طبعاً: لا؛ لذلك فنحن له عابدون مطيعون لأوامره ومجتنبون لنهيه، هذه هي صبغة الله، إنها الصبغة التي تتخلل الشيء وتصبح هي وهو شيئاً واحداً لا يفترقان.

وقيل : سُمي الدين صبغة لأنّ هيئته تظهر بالمشاهدة من أثر الطهارة والوضوء ، قال تعالى : (سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ) [الفتح:29] .

وفي قوله تعالى : (صِبۡغَةَ ٱللَّهِ) استعارة تصريحية شبّه الدين الإسلامي بالصبغة وحذف المشبه وأبقى المشبه به ، وسمّى الله الدين صبغة حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين كما يظهر أثر الصبغ في الثوب.



السؤال الثاني:

ما إعراب (صِبۡغَةَ) ؟


الجواب:

في نصب ( صبغة ) وجوه منها :

- بدل من ( ملة) .

- مفعول به بتقدير: ( الزموا صبغة الله ).

- تمييز.



السؤال الثالث:

ما الفرق في الدلالة بين قوله تعالى في هذه الآية: (صِبۡغَةَ ٱللَّه) وبين قوله تعالى : (فِطۡرَتَ ٱللَّهِ) [الروم:30] ؟



الجواب:

الفطرة جبلّة النفس وخصائص النفس, وهي ما فطرت عليه النفس, قال تعالى:

(فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ) [الروم:30].

وخصائص النفس تتوافق توافقاً تاماً مع منهج الله وأحكام الدين , فإذا أقمت وجهك للدين، أي خضعت لكل أوامره، واجتنبت كل نواهيه , فهذه الأوامر، وهذه النواهي هي نفسها الفطرة التي جبلت عليها, بينما الفطرة كمال في الإنسان.

قال ﷺ : «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»

فكأنّ الإيمان صبغة موجودة بالفطرة، إنها صبغة الله فإنْ كان أبواه مسلمين ظل على الفطرة، وإنْ كان أبواه من اليهود أو النصارى فإنهما يهوِّدانه أو ينصرانه، أي: يأخذانه ويضعانه في ماء ويقولون صبغناه بماء المعمودية.

وملخص الفرق في الدلالة بين الفطرة والصبغة :

1ـ الفطرة أن تحب الخير ، لكنّ الصبغة أن تكون خيراً .

2 ـ الفطرة أن تحب الرحمة ، لكنّ الصبغة أن تكون رحيماً .

3ـ الفطرة أن تحب العدل، لكنّ الصبغة أن تكون عادلاً .

فالصبغة أكبر ثمرة من ثمرات الإيمان .

والله أعلم .

 

image.png


(قُلۡ أَتُحَآجُّونَنَا فِي ٱللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡ وَلَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُخۡلِصُونَ) [البقرة: 139]



السؤال الأول:

ما دلالة الاستفهام في هذه الآية ؟



الجواب:

في قوله تعالى: (أَتُحَآجُّونَنَا) [البقرة:139] استفهام ولكنه خرج عن دلالته الأصلية وهو الاستفهام عن شيء مجهول إلى التعجب والتوبيخ.



السؤال الثاني:

قوله تعالى في الآية: (وَلَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ) [البقرة:139] فلِمَ قال تعالى: (لنا أعمالنا) ولم يقل: (أعمالنا لنا) لا سيما أنَّ (لنا) متعلق بخبر محذوف للمبتدأ (أعمالنا)؟


الجواب:

قدّم تعالى الجار والمجرور: (لنا) على قوله: (أعمالنا) للاختصاص، أي: لنا أعمالنا الخاصة بنا ولا قِبَل للآخرين بها، فلا تحاجّونا في أنكم أفضل منا.والمراد من هذا القول النصيحة لهم وإرشادهم للأصلح .



السؤال الثالث:

ما دلالة هذه الآية ؟


الجواب:

المراد بالمحاجّة في هذه الآية هي المجادلة فيما تضمنته بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من نسخ شريعتهم، وفضله وفضل أمته ، وهذا راجع إلى حسدهم، ولا يوجد مجادلة في ذات الله تعالى .

وتكون المجادلة عادة بين خصمين في الأمور الخلافية، وكلٌ منهما يريد نصر حجته وإبطال حجة الطرف الآخر، والمطلوب أن تكون هذه المحاجة بالتي هي أحسن حتى يتضح الحق ويتبين الباطل وتصفو النفوس . والله أعلم .

 

image.png

 

(أَمۡ تَقُولُونَ إِنَّ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ قُلۡ ءَأَنتُمۡ أَعۡلَمُ أَمِ ٱللَّهُۗ وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَٰدَةً عِندَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ١٤٠) [البقرة: 140]



السؤال الأول:

لماذا لا يذكر سيدنا إسماعيل مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في القرآن ؟


الجواب:

انظر الجواب في آية البقرة[125].



السؤال الثاني:

ما أهم الدلالات في هذه الآية ؟


الجواب:

1ـ ( أمْ) عاطفة متصلة معادلة للهمزة ، أو منقطعة بمعنى ( بل ) .

2ـ هذه الآية دعوى أخرى ومحاجّة في رسل الله ، حيث يزعم اليهود أنهم أَوْلى برسل الله المذكورين في الآية من المسلمين ، فردّ الله عليهم بسؤالهم : هل أنتم أصدق أم الله ؟ وهذا لا يحتاج إلى جواب ، فهو في غاية الوضوح والبيان ، ولا أحد أظلم ممن جمع بين كتمان الحق وعدم النطق به، وأظهر الباطل ودعا إليه .

لذلك جدالكم ـ أيها اليهود ـ في نسبة إبراهيم وذريته إلى اليهودية أو النصرانية ليس له مجال ، فلستم بأولى بهؤلاء الرسل الكرام من المسلمين ، وأَولى الناس بهم هم الذين سلكوا طريقهم ولم يحرفوا دينهم ، فإبراهيم لم يكن مشركاً ، ولذلك فإنّ أولى الناس بإبراهيم هو النبي محمد عليه السلام ومن آمن معه .

3ـ كتمانكم للحق وإظهار ضده ظلمٌ عظيم ، وأمركم لا يخفى على رب العالمين .

4 ـ قوله تعالى : (وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ) كلام جامع لكل وعيد .

والله أعلم .


image.png


(تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡ‍َٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ١٤١ ) [البقرة: 141]



السؤال الأول:

لماذا كررت(تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ) في الآيتين 134 و 141 في نفس السـورة ؟



الجواب:

انظر الجواب في الآية [134].



السؤال الثاني:

ما دلالة هذه الآية ؟


الجواب:

المعنى العام لهذه الآية : هذه أمةٌ من أسلافكم قد مضت ، فلا تتعلقوا بالمخلوقين ، ولا تغتروا بالانتساب إليهم ، فالعبرة بالإيمان والتقوى ، ومن كفر برسول فقد كفر بسائر الرسل .

وكُررتْ الآية لأنّ الاختلاف موطنُ المحاجّة ، وإذا كان الأمر كذلك فاسلكوا طريق الإيمان بالله وحده وبخاتم الرسل محمد عليه السلام ، واتركوا الاتكال على آبائكم وأجدادكم ، فالإنسان ينتفع بعمله وليس بالانتساب إلى أصله وحسبه ونسبه . والله أعلم .


مثنى محمد هيبان
رابطة العلماء السوريين

 
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ) [البقرة: 142]



السؤال الأول:
 

ما فائدة وصفهم بأنهم(مِنَ ٱلنَّاسِ) طالما كان ذلك معلوماً؟



الجواب:
 

السفهاء جمع سفيه، وهو صفة مشبّهة تدل على أنّ السفه غدا سجيّة من سجايا الموصوف، وهذه الصفة لا تُطلق إلا على الإنسان، فلِمَ قال تعالى: (سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ) [البقرة:142] ولم يكتف بـ (سيقول السفهاء)؟ وما فائدة وصفهم بأنهم من الناس طالما كان ذلك معلوماً ؟

إنّ فائدة وصف السفهاء بأنهم من الناس - مع كون ذلك معلوماً - هو التنبيه على بلوغهم الحد الأقصى من السفاهة بحيث لا يوجد في الناس سفهاء غير هؤلاء، وإذا قُسِّم الناس أقساماً يكون هؤلاء قسم السفهاء، وفي هذا إيماء إلى أنه لا سفيه غيرهم للمبالغة في وسمهم بهذه السمة.

ومنذ القدم والناس مراتب.. أصحاب عقول راجحة، ومتوسطي التفكير، وسفهاء، وأشدهم أذى السفهاء: ألسن حادة وعقول خالية.



السؤال الثاني:
 

ما دلالات هذه الآية؟


الجواب:
 

1ـ قوله تعالى : (سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ) اللفظ للمستقبل ، وهو إخبار من الرسول عليه السلام عن ربه فيكون إعجازاً لأنه غيب ، ويكون الجواب حاضراً حين يسمع النبي عليه السلام قول السفهاء فيرد عليهم مباشرة ، ولم يقل : (سيقولون) إظهاراً للوصف الذي استخفهم ، لأنّ السفيه يعمل بغير دليل . و ( السفه ) ضد الحلم وأصله الخفة والطيش.

وقد أعلم الله سبحانه رسوله الكريم عليه السلام بالأمر مسبقاً في سياق تعداد نعمه عليه بما سيحدث من سفهاء الناس وجهّالهم وضعفاء العقول ممن سيعترض على ذلك من لا يعرف مصلحة نفسه ممن اتصف بالسفه والجهل والعناد وقلة العقل .

(ٱلسُّفَهَآءُ) : لفظ عموم دخل عليه الألف واللام ، ويدخل فيه كل من اتصف بالسفه من اليهود ومشركي العرب والمنافقين .

3 ـ ( القِبلة ) هي الجهة التي يستقبلها الإنسان ، وهي من المقابلة ، وإنما سُميت القِبلةُ قِبلةً لأنّ المصلي يقابلها وتقابله .

4ـ قوله تعالى : (مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ) هو استفهام على جهة الاستهزاء والتعجب ، ويقصدون بذلك تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة .

5 ـ قوله تعالى : (قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ) هو الجواب الأول عن تلك الشبهة ، وتقريره أنّ الجهات كلها لله مُلكاً ومِلكاً ، فلا يستحق منها لذاته لأنْ يكون قبلة ، بل إنما تصير قبلة لأنّ الله جعلها قبلة ، وإذا كان الأمر كذلك فلا اعتراض عليه بالتحويل من جهة إلى أخرى ، ولا يجب تعليل أحكام الله تعالى البتة ، وفي هذا إشعار بأنّ الشأن في هذا كله لله في امتثال أوامره فحيثما وجّهَنا توجّهنا .والمؤمن يتلقى أحكام الله بالقبول والتسليم والانقياد .قال تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ ) [الأحزاب:36] .

6 ـ قوله تعالى : (يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ١٤٢) الله سبحانه يدلّ على ما هو أصلح للعبادة والصراط المستقيم مما يؤدي بصاحبه إلى الجنة .

7 ـ الآية رقم ( 142 ) ذكرت المخالفة الواحدة والثلاثين (31 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة ، وهي تحمل مضمون : التشكيك في الإسلام بسبب تحويل القبلة.والله أعلم .

 

فواصل روعة للمواضيع


(وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيۡهَآ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٤٣ ) [البقرة: 143]



السؤال الأول:
 

لِمَ جاء اسم الإشارة فى صدر الآية فى قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ) [البقرة:143] ؟



الجواب:
 

صدّرت الآية باسم الإشارة (وَكَذَٰلِكَ) لأنه يدل على البُعد للتنويه إلى تعظيم المقصودين وهم المسلمون، ومن هذا الباب قول أبي تمام:

كذا فليَجِلَّ الخطبُ وليفدحِ الأمرُ فليس لِعَينٍ لم يَفِض ماؤُها عُذرُ



السؤال الثاني:
 

قوله تعالى (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا) [البقرة:143] ما المقصود بالأمة الوسط؟


الجواب:
 

(وسطاً) معناها: خياراً أو عدولاً، والوسط بين الإفراط والتفريط يكون خياراً وعدولاً، وعندما تقول: هو من أوسطهم، أي: من خيارهم، وهذا ما ذكره أبو سفيان عندما سُئِلَ عن الرسول ﷺ قال: هو من أوسطنا، أي: من خيارنا وأحسننا. وقوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا) [البقرة:143] أي: خياراً وعدولاً وبين الإفراط والتفريط، وهذا المقصود من معنى الوسطية.

ولذا تأمل سر ورود قوله : (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا) في سياق آيات القبلة للإشعار بأنّ الله تعالى اختار هذه الأمة لتكون خير أمة واختار لها خير قبلة.

وللعلم فإنّ كلمة (وسطاً ) في (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا) لم تتبع الموصوف من حيث التذكير والتأنيث، لأنّ كلمة (وسط) في الأصل هي اسم جامد يعني ليس مشتقاً ، وصف به فيبقى على حاله ولا يطابق ، كما لو وصفنا بالمصدر، نقول : رجل صوم وامرأة صوم ، فلا يقال (أمة وسطة )، وليس هو في الأصل وصف مشتق حتى يُذَكّر مثل : طويل وطويلة .



السؤال الثالث:
 

ذكر العائد في آية الزمر( 18) ، فقال: (هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ) [الزُّمَر:18] ولم يذكره في آية البقرة: (إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ) [البقرة:143]، ولم يذكره أيضاً في آية الأنعام( 90 )، فما دلالة ذلك ؟


الجواب:
 

آيتا ( البقرة 143ـ الزمر 18)

1ـ هذا نوع من الحذف، ومن المعلوم أنّ الذِكر يفيد التوكيد، ولذلك يعتبر قوله تعالى (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ) [الزُّمَر:18] آكد من قوله تعالى: (ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ) [البقرة:143]؛ لأنه صرّح بذكر الضمير.

2ـ السياق في آية البقرة هو في تحويل القبلة، بينما السياق في آية الزمر يقتضي التوكيد أكثر؛ لأنها فيمن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وهؤلاء على درجة كبيرة من الهدى، فإنهم لا يكتفون باتباع الحسن وإنما يتبعون الأحسن .

3ـ جاء معها بالفاء (فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓ) [الزُّمَر:18] ولم يأت بــ (ثم)، والفاء تدل على الترتيب والتعقيب، فإنهم بمجرد سماع القول يتبعون الأحسن .

4ـ في آية الزمرالفعل (فَيَتَّبِعُونَ) مضارع (اتبع) بتضعيف التاء،ولم يقل  يَتْبعون ) بالتخفيف، وهذه مرتبة عظيمة أعلى من مجرد اتباع القبلة؛ لأنّ اتباع القبلة إنما هو من استماع القول في واحد من الأمور المطلوبة .

لذلك فإنّ هداية المذكورين في الزمر أعلى وآكد؛ لأنها تشمل ما ذكره في آية البقرة وغيره مما يريده الله تعالى، ولذا كان التوكيد في الزمر هو المناسب .

آية الأنعام (90 ) :

1ـ وأمّا آية الأنعام (90 ) فهي في جمع ٍ من رسل الله وأنبيائه، وفيهم أولو العزم، ولا شك أنّ هؤلاء أعلى من المذكورين في آية الزمر.

ولكن إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يذكر الضمير مع فعل الهداية مع أنهم أولى بالتوكيد من غيرهم ؟

الجواب: أنّ الله تعالى ذكر كل أحوال الهداية مع هؤلاء الذين ذكرهم في سياق آية الأنعام، واستعمل كل أنواع التعدية لفعل الهداية، وبيان ذلك:

آ ـ عدّى الفعل إلى المفعول به مباشرة بأسمائهم الظاهرة، فقال: (وَنُوحًا هَدَيۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِۦ دَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ) [الأنعام:84] وعطف هؤلاء الرسل والأنبياء على نوح الذي هو مفعول (هدينا).

ب ـ ثم عدّى الفعل إلى ضميرهم أيضاً، فقال: (وَٱجۡتَبَيۡنَٰهُمۡ وَهَدَيۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ٨٧) [الأنعام:87] فقال: (وَهَدَيۡنَٰهُمۡ) [الأنعام:87] وزاد على ذلك الاجتباء .

ج ـ ولم يكتف بذاك، بل قال أيضاً: (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ ) [الأنعام:90] وحذف مفعول (هدى) الضمير العائد على الرسل فجعل الكلام عن صورة المطلق فأطلق المعنى، وهذا التعبير يحتمل معنيين:

ـ الأول : (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ ) [الزُّمَر:18] وهو الأظهر.

ـ الثاني : (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ) [الأنعام:90] بهم.

ولا شك أنّ هذا المعنى الثاني أوسع من ذكر الضمير وأمدح لهم، وبذلك يكون ماذكره في آية الأنعام أكثر مما ذكره في آيتي الزمر والبقرة؛ لأنه ذكر فيها الهداية العامة المطلقة وذكر أنه هداهم إلى صراط مستقيم.

2ـ كما أنه تعالى أسند فعل الهداية مع رسل الله مرة بواسطة ضمير التعظيم، فقال: (وَنُوحًا هَدَيۡنَا) [الأنعام:84] وقال: (وَهَدَيۡنَٰهُمۡ) [الأنعام:87] ومرة أسنده إلى اسمه الجليل وهو اسمه العَلَم فقال: (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ) [الأنعام:90] .

3ـ هذا علاوة على ما ذكره من التعظيم لأنبيائه ما لم يذكره مع الآخرين، نحو قوله تعالى :

(وَكُلّٗا فَضَّلۡنَا عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٨٦) [الأنعام:86] .

(وَٱجۡتَبَيۡنَٰهُمۡ وَهَدَيۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ٨٧) [الأنعام:87] فزاد الاجتباء على الهداية.

(أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَۚ) [الأنعام:89].

وقوله: (فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ ) [الأنعام:90] .

4ـ قد تقول: وَلِمَ لَمْ يحذف الضمير في آية الزمر فيقول مثلاً : (أولئك الذين هدى الله) ليشمل الذين هداهم الله وهدى بهم فيكون أمدح لهؤلاء كما فعل في آية الأنعام ؟

والجواب أنّ ذكر الضمير ههنا من رحمة الله تعالى بنا، ولو حذفه لكانت البشرى لا تنال إلا من هداه الله وهدى به، فيكون ممن جمع بين الأمرين ، ولا تَنال من هداه الله ولم يَهد به، لذلك كان ذكر الضمير أنّ البشرى تنال من هداه الله، وأنّ ذلك كافٍ لأن تناله بشرى ربنا، وهذا من رحمته سبحانه بعباده، والله أعلم.



السؤال الرابع:
 

ما المقصود بالإيمان فى الآية (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٤٣) [البقرة:143] ؟



الجواب:
 

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما وُجّه النبي ﷺ إلى الكعبة،قالوا:يا رسول الله كيف لإخواننا الذين ماتوا وهم يصلّون لبيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ) [البقرة:143] . فالإيمان في الآية أُريد به الصلاة، والله سبحانه عدل عن ذكر الصلاة ولم يقل الصلاة وآثر أن يطلق الإيمان على الصلاة؛ للتنويه بعظم الصلاة وعظم قيمتها، فهي من أعظم أركان الإيمان.

ولذا قوله تعالى :( وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ) يعني : صلاتكم ، وعبّر عن الصلاة بالإيمان لأن تاركها لا ينطبق عليه وصف الإيمان؟.



السؤال الخامس:
 

ما دلالة التوكيد بـ (إنّ) واللام في هذه الآية:( إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٤٣) [البقرة:143] فى سورة البقرة وعدم التوكيد فى سورة النور (إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ١٩ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ٢٠ ) [النور:19-20] ؟



الجواب:
 

التوكيد بحسب ما يحتاجه المقام، مثلاً عندما يذكر الله تعالى النعم التي أنزلها علينا يؤكد ، وإذا لم يحتج إلى توكيد لا يؤكد، ولو احتاج لتوكيد واحد يؤكد بواحد.

قال تعالى: (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٤٣) [البقرة:143] أكّد باللام وإنّ.

وقوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ١٩ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ٢٠) [النور:19-20] ما أكّد باللام .

في الآية الأولى كانوا في طاعة: (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ) [البقرة:143] ويقولون هذه الآية نزلت لمّا تحولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة تساءل الصحابة عن الذين ماتوا هل ضاعت صلاتهم؟ وهل ضاعت صلاتنا السابقة؟ سألوا عن طاعة كانوا يعملون بها فأكدّ الله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٤٣) [البقرة:143] أمّا في الآية الثانية فهم في معصية: (يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ) [النور: 19] فلا يحتاج إلى توكيد.

وفي تعداد النعم قال في آية الحج: (أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ ٦٥ ) [الحج:65] فأكد مع تعداد النعم .

ولذلك عندما يكونون في طاعة يؤكد ، وعندما يكونون في معصية لا يؤكد.



السؤال السادس:
 

ما أهم دلالات هذه الآية ؟


الجواب:
 

1ـ قوله تعالى : (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ) الكاف للتشبيه ، والمعنى :أي ومثل ذلك الجعل العجيب الذي لا يقدر عليه أحد سواه جعلناكم أمة وسطاً .

2ـ قوله تعالى : (لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ) فيه إكرام لأمة محمد عليه السلام وتمييز لها عن سائر الأمم فتقبل شهادتهم على سائر الأمم ، ولا يقبل شهادة الأمم عليهم ، إظهاراً لعدالتهم وكشفاً عن فضيلتهم .

3ـ قوله تعالى : (إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ) اللام للتعليل ، والعلم هو ما يتعلق به تحقق الجزاء والثواب والعقاب ، وإلا فعلم الله أزلي.

4ـ قوله تعالى : (وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ) الواو حالية ، (إنْ) مخففة من الثقيلة وتلزمها اللام ( لَكَبِيرَةً) والغرض منها توكيد المعنى في الجملة ، وتشير الآية إلى المؤمنين المهتدين الذين انتفعوا بهدى الله ، فذكرهم الله على طريق المدح فخصّهم بذلك .

5 ـ قوله تعالى : (إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٤٣) الرأفة مبالغة في رحمة خاصة وهي دفع المكروه وإزالة الضرر ، وأمّا الرحمة فإنها اسم جامع يدخل فيه ذلك المعنى ، ويدخل فيه الإفضال والإنعام، فذكر الرأفة أولا بمعنى أنه لا يضيع ثواب إيمانكم ، ثم ذكر الرحمة لتكون أعم وأشمل .

6 ـ قوله تعالى : (أُمَّةٗ وَسَطٗا) فيه ( كناية ) عن غاية العدالة ، كأنه الميزان الذي لا يميل مع أحد، وفيه ( تورية ) فالمعنى القريب الظاهر للوسط هو التوسط مع ما يعضده من توسط قبلة المسلمين ، ومعناه البعيد هو الخيار .

وللعلم فإنّ آية البقرة رقم ( 143 ) التي نحن بصددها هي الآية الوسط في سورة البقرة المؤلفة من ( 286 ) آية ، فهي تمثل الوسط العددي والكتابي(أُمَّةٗ وَسَطٗا) .

7ـ قدّم ( شهداء ) على صلته وهي ( على الناس ) ، وأخّر ( شهيداً ) على صلته وهي

( عليكم ) لأنّ المنة عليهم في الجانبين ، ففي الأول بثبوت كونهم شهداء ، وفي الثاني بثبوت كونهم مشهوداً لهم بالتزكية، والمقدّم دائماً هو الأهم .

8ـ آية البقرة (143 ) في أمة محمد عليه السلام ، فقدّم كلمة ( الناس ) في الآية  بينما أخرّها في آية الحج في قوله تعالى : (لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيۡكُمۡ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِۚ ) [الحج: 78] لتقدم ذكر الرسل ، فقد ذكر إبراهيم عليه السلام أولاً ، ثم ذكر الرسول محمد عليه السلام ، وكان قد سبق ذلك أيضاً ذكر الرسل في قوله تعالى : (ٱللَّهُ يَصۡطَفِي مِنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلٗا وَمِنَ ٱلنَّاسِۚ ) [الحج: 75] . والله أعلم.

 

 

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ١٤٤ ) [البقرة: 144]

 



السؤال الأول:

 

 

ما دلالة استخدام ( قد ) في هذه الآية علماً أنها تفيد التقليل؟

 


الجواب:

 

 

( قد ) إذا دخلت على الماضي تفيد التحقيق، وإذا دخلت على المضارع فلها أكثر من معنى، منها التقليل: (قد يصدق الكذوب)، لكنْ قد تأتي للتكثير والتحقيق مع دخولها على المضارع، غير أن المشهور عند الطلبة أنها إذا دخلت على المضارع تكون للتقليل، وهذا جانب من جوانب معانيها، لكنْ (قد) تكون للتقليل وقد تكون للتحقيق: (قَدۡ يَعۡلَمُ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ) [النور:64] أو للتكثير، ويضربون مثلاً بقوله تعالى: (قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ) [البقرة:144] أي: كثيراً ما تنظر إلى السماء. لذلك ( قد ) في الآية للتكثير بقرينة ذكر التقلب .

 

 

2ـ إذن (قد) إذا دخلت على الماضي تفيد التحقيق، وإذا دخلت على المضارع يكون من معانيها التقليل أو التحقيق أو التكثير.

 

 

3 ـ قوله تعالى : (قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ ) قال : (وَجۡهِكَ) ولم يقل : (بصرك ) لزيادة اهتمامه ؛ ولأنّ تقليب الوجه مستلزم لتقليب البصر .


 

 

السؤال الثاني:

 

 

قوله تعالى في هذه الآية: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَىٰهَاۚ ) عبّر تعالى عن رغبة النبي ومحبته للكعبة بكلمة (تَرۡضَىٰهَاۚ ) دون كلمة (تحبها) أو (تهواها)، فلماذا؟


 

 

الجواب:

 

 

للدلالة على أنّ ميله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكعبة ميل لقصد الخير، بناء على أنّ الكعبة أجدر بيوت الله التي تدل على التوحيد، ولمّا كان الرضى مشعراً بالمحبة الناتجة عن التعقل اختار كلمة (تَرۡضَىٰهَاۚ ) دون (تحبها) أو (تهواها)، فالنبي ﷺ يربو أنْ يتعلق ميله بما ليس فيه مصلحة راجحة للدين والأمة.


 

 

السؤال الثالث:

 

 

أكّد القرآن الكريم قضية تحويل القبلة ثلاث مرات في ثلاث آيات متقاربة في الآيات [144، 149، 150]، فما دلالة ذلك ؟


 

 

الجواب:

 

 

أكّد القرآن الكريم قضية تحويل القبلة ثلاث مرات متقاربة؛ لأنّ تحويل القبلة أحدث هزة عنيفة في نفوس المؤمنين، والله سبحانه يريد أنْ يُذهب هذا الأثر ويؤكد تحويل القبلة تأكيداً إيمانياً؛ لذلك جاء القرآن بثلاث آيات التي هي أقل الجمع لتأكيد الأمر.

 

 

1ـ الآية [144] وجاءت للمُتَّجِه إلى الكعبة وهو في داخل المسجد، وفيها إعلام بنسخ استقبال بيت المقدس للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولأمته.

 

وهذه الآية جاءت استجابة لتقليب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وجهه في السماء كأنه يدعوه بلسان الحال، فجاءت هنا في بيان الاستجابة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بلسان الحال لا بلسان المقال.

 

 

2ـ الآية 149، جاءت للمُتَّجِه وهو خارج المسجد، وكذلك لبيان السبب وهو اتباع الحق، ولذلك قال: (وَإِنَّهُۥ لَلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَۗ) .

 

 

3ـ الآية 150، وجاءت للمتجِه من الجهات جميعاً، لا أنّ ذلك مخصوص بجهة المدينة المنورة فقط.
 

 

وهذه الآية هي رد على المنافقين واليهود والنصارى الذين حاولوا التشكيك في الإسلام، كما جاءت للتهوين من ثرثرة غير المسلمين والرد على احتجاجهم، فيقول لهم القرآن: إنّ تحويل القبلة ليس حجة للتشكيك؛ لأنّ الاتجاه إلى المسجد الحرام هو طاعة لأمر الله .

 

لذلك يقول القرآن: (وَإِنَّهُۥ لَلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَۗ) [البقرة:149] أي: أنّ ما فعلتموه أيها المؤمنون من تحويل القبلة هو حقٌ جاءكم من الله تبارك وتعالى، فاطمئنوا أنكم على الحق واعلموا أنّ الله سبحانه محيط بكم في كل ما تعملون.


 

 

السؤال الرابع:

 

 

من أي الأدوات كلمة (حيثما) في قوله تعالى: (وَحَيۡثُ مَا) [البقرة:144] ؟

 

 

الجواب:

 

 

(حيثما) من أدوات الشرط، وهي تدل على المكان وتلزمها ( ما ) إذا استعملت للشرط ، كما في هذه الآية البقرة (144).

 

والفرق بين (حيث ) و( من حيث ) في تعبير القرآن أنّ: (حيث) : ظرف مكان مفعول به ملازم للظرفية وهو تعبير عام في القرآن ، أمّا إذا جاءت ( من حيث ) فالتعبير فيه دلالة التحديد للمكان؛ لأنّ ( من ) تفيد ابتداء الغاية كقوله : (مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ٢٥) [الزمر:25] أي من مكان لم يتوقعوه ، أمّا ( حيث ) فالتعبير فيه إطلاق كقوله : (يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ) [يوسف:56] أي حيث أراد.


 

 

السؤال الخامس:

 

 

ما أهم دلالات هذه الآية ؟

 

 

الجواب:

 

 

1ـ ( الشطر ) اسم مشترك يقع على معنيين : النصف نحو: ( شاطرتك مالي ) ، و تلقاءه وقصده ونحوه.

 

قال الشاعر :

 

ألا منْ مبلغٍ عمراً رسولاً=وما تغني الرسالةُ شطرَ عمرو

 

 

2ـ معنى :(شطر المسجد) : جهة المسجد ـ منتصف المسجد ـ تلقاء المسجد ـ نحو المسجد .

 

3ـ قوله تعالى : (وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۗ) يشمل :

 

أحباراليهود وعلماء النصارى لعموم اللفظ ، والكتاب هو التوراة والإنجيل .

 

 

4 ـ قوله تعالى : ( أنه الحق ) : قيل إنّ قسماً من علماء اليهود كانوا يعرفون في كتب أنبيائهم خبر الرسول وخبر القبلة وأنه يصلي إلى القبلتين .

 

وهناك قسم منهم يعلمون أنّ الكعبة هي البيت العتيق الذي جعله الله قبلة لإبراهيم وإسماعيل .

 

وقسم آخر منهم يعلمون صدق نبوة النبي محمد عليه السلام ، ومتى علموا نبوته علموا أنّ كل ما أتى به فهو حق من الله ،ومن ذلك تحويل القبلة .

 

 

4 ـ قرأ ابن عمر وحمزة والكسائي ( تعملون ) بالتاء على الخطاب للمسلمين فهو وعد لهم والباقون بالياء (يَعۡمَلُونَ) على أنه راجع إلى اليهود فهو وعيد وتهديد لهم .

 

للعلم فإنّ أول صلاة صلاها النبي عليه السلام باتجاه الكعبة صلاة الظهر في مسجد بني سلمة

 

( فسمي مسجد القبلتين ) ، وكانت أول صلاة كاملة صُليت إلى الكعبة بعد التحويل كانت صلاة العصرفي المسجد النبوي كما جاء في حديث البرآء عند البخاري وغيره ،وأمّا في مسجد قُباء فقد وصل الخبرُ في صلاة الفجر التالي كما جاء في الصحيحين . والله أعلم .

 

 

رابطة العلماء السوريين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَلَئِنۡ أَتَيۡتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٖ مَّا تَبِعُواْ قِبۡلَتَكَۚ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ وَمَا بَعۡضُهُم بِتَابِعٖ قِبۡلَةَ بَعۡضٖۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ إِنَّكَ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ) [البقرة: 145]

 

السؤال الأول:

 

ما دلالة قوله تعالى في الآية: (وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ) [البقرة:145] ؟



الجواب:

 

اتباع القبلة مظهرٌ إيماني في الدين، وقوله تعالى (وَلَئِنۡ) فهذا قسم، فكأنّ الحق تبارك وتعالى أقسم أنه لو أتى رسول الله ﷺ أهلَ الكتابِ بكل آية ما آمنوا بدينه ولا اتبعوا قبلته.

ولو كانوا يبحثون حقاً عن الدليل لوجدوه في كتبهم بأنه النبي الخاتم، فكأنّ الدليل عندهم ولكنهم يأخذون الأمر سفهاً وعناداً ومكابرة.

وقوله: (وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ) تفيد بأنّ المسلمين لن يعودوا مرة أخرى إلى الاتجاه نحو بيت المقدس ولن يحولهم الله إلى جهة ثالثة، ولكن يعلمنا الله سبحانه أنّ اليهود والنصارى سيكونون في جانب ونحن سنكون في جانب آخر، وأنه ليس هناك التقاء بيننا وبينهم؛ فالخلاف في القبلة سوف يستمر إلى يوم القيامة.

وقول الحق: (وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ إِنَّكَ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ١٤٥) [البقرة:145] المقصود به أمة الرسول ﷺ ولو كان الخطاب في شخصه ﷺ والسياق هو في التحذير من مهادنة أهل الكتاب، وإذا كان الله تبارك وتعالى لن يقبل هذا من رسوله وحبيبه فكيف يقبله من أي فرد من أمة محمد ﷺ؟!!

إنّ الخطاب هنا يمس قمة من قمم الإيمان التي تفسد العقيدة كلها، والله يريدنا أن نعرف أنه لا يتسامح فيها ولا يقبلها حتى ولو حدثت من رسوله - ولو أنها لن تحدث - ولكن لنعرف أنها مرفوضة تماماً من الله على أي مستوى من مستويات الإيمان، حتى في مستوى القمة، فأمة محمد تبتعد عن مثل هذا الفعل تماماً. وللعلم فإنّ تبديل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة هو أول نسخ في القرآن الكريم.



السؤال الثاني:

 

إنْ قيل: كيف قال الله: (وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ ) [البقرة:145] ولهم قبلتان: واحدة للنصارى والثانية لليهود ؟



الجواب:

 

لما كانت القبلتان باطلتين مخالفتين لقبلة الحق كانت بحكم الاتحاد في البطلان قبلة واحدة .



السؤال الثالث:

 

قوله تعالى في هذه الآية: (مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ) [البقرة:145] وقال في الآية(120) :

( بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ) [البقرة:120] ما السبب البلاغي في المغايرة بين التعبيرين (من بعد ما – بعد الذي )؟



الجواب:

 

انظر الجواب في آية البقرة [120].



السؤال الرابع:

 

ما الدروس المستفادة من هذه الآية ؟



الجواب:

 

1ـ هذه الآية تبين قطعَ الأطماع في اتّباع أهل الكتاب لخاتم النبيين عليه السلام .
 

2 ـ قوله تعالى : (وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ) جملة اسمية مؤكدة بحرف الجر في سياق النفي ، لاستحالة أن يتابع المؤمن حقًا أعداء الله ولا يأخذ بآرائهم وأفكارهم.
 

3 ـ إنما قال: (أَهۡوَآءَهُم) بلفظ الجمع؛ تنبيهًا على أنّ لكل واحد منهم هوى غير هوى الآخر، ثم هوى كل واحد منهم لا يتناهى.
 

4ـ قوله تعالى : (مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ) ليس المقصود نفس العلم ، وإنما الدلائل والمعجزات ، من باب إطلاق اسم الأثر على المؤثر، بغرض المبالغة والتعظيم للعلم . ودلتْ الآية على أنّ توجه الوعيد على العلماء أشد من توجهه على غيرهم ، بدليل قوله تعالى : (إِنَّكَ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ) والمُراد أنك لو فعلت ذلك لكنت في منزلة القوم في كفرهم وظلمهم لأنفسهم، والغرض من ذلك التهديد والزجر.( تفسير الرازي ) . والله أعلم .

 

image.png


(ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ١٤٦ ) [البقرة: 146]



السؤال الأول :

 

في هذه الآية عبّر الله تعالى بلفظ المعرفة، وقال: (يَعۡرِفُونَهُۥ) [البقرة:146] ولم يقل: (يعلمونه) لماذا؟



الجواب:

 

ذلك أنّ المعرفة غالباً ما تتعلق بالذوات والأمور المحسوسة، فأنت تقول عن شيء معين: إنك تعرفه، حينما يكون علمك به أصبح كالمشاهد له، وكذلك كانت معرفة أهل الكتاب بصفات النبي ﷺ فهي لم تكن مجرد علم مستند إلى غيب، بل إنهم يعرفونه ويعرفون صفاته كأنهم يشاهدونه أمامهم قبل بعثته؛ لذلك عبّر بالمعرفة ولم يعبّر بالعلم.

وكذلك قال: (يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ) ولم يقل : (أنفسهم)؛ لأنّ الإنسان لا يعرف نفسه إلا بعد انقضاء برهة من دهره، ويعرف ولده من حين وجوده، ثم في ذكر الابن ما ليس في ذكر النفس؛ فإن ابن الإنسان عصارة ذاته ونسخة صورته.



السؤال الثاني:

 

قوله تعالى: (ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ) وقال في مواطن أخرى :( أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ)فما دلالة ذلك؟


الجواب:

 

هناك خط واضح في القرآن الكريم يتمثل في أنه إذا كان المقام مقام مدح وثناء أظهر الله تعالى ذاته ونسب إتيان الكتاب إلى نفسه، فيقول: (ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ) [البقرة:146] ، وإذا كان المقام مقام ذم وتقريع، قال: (أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ) .



السؤال الثالث:

 

ما أهم دلالات هذه الآية ؟


الجواب:

 

1ـ هذه الآية بمثابة إعلام للمؤمنين بأنّ علماء أهل الكتاب يعرفون محمداً وما جاء به من الحق وقبلته ودعوته معرفة لا يشكون فيها كما لا يشكون في أبنائهم .

وقد ورد أنّ عمر رضي الله عنه سأل عبد الله بن سلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنا أعلم به مني بابني ، فقال ولِمَ؟ قال : لأني لست أشك في محمد أنه نبي ، وأمّا ولدي فلعلّ والدته خانت ، فقبّل عمر رأسه .
 

2ـ إنْ قيل : لم خصّ الأبناء الذكور ؟ فالجواب : لأنّ الذكور أعرف وأشهر وهم بصحبة الآباء ألزم وبقلوبهم ألصق .
 

3ـ الآية رقم ( 146 ) ذكرت المخالفة الثانية والثلاثين (32 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة ، وهي تحمل مضمون : كفرهم بالنبي محمد عليه السلام مع شدة معرفتهم له. وللفائدة نورد فيما يلي جدولاً يبين تلخيصاً لمخالفات اليهود التي ذكرها الله تعالى في النصف الأول من سورة البقرة وهي (32 ) مخالفة :


image.png


 

( ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ١٤٧) [البقرة:147]



السؤال الأول:

 

قال تعالى في هذه الآية من سورة البقرة [147] وفي آية الأنعام [114] وآية يونس [95]: (فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ١٤٧) بينما قال في آية آل عمران [60] :( فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ٦٠) [آل عمران:60] فما دلالة ذلك؟



الجواب:

 

القاعدة اللغوية:

يستعمل القرآن الكريم نون التوكيد بهدف التوكيد فيضعها في المكان الذي يحتاج إلى توكيد أكثر .

وهنا أكد الفعل (تكونن) في آية البقرة والأنعام ويونس دون آية آل عمران؛ وذلك لأنّ المقام يقتضي التوكيد في كل موطن أكّد؛ وبيان ذلك :


أولاً ـ الآيات :
 


آيات البقرة: 142ـ147:
 

(۞سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ١٤٢ وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيۡهَآ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٤٣ قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ١٤٤ وَلَئِنۡ أَتَيۡتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٖ مَّا تَبِعُواْ قِبۡلَتَكَۚ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ وَمَا بَعۡضُهُم بِتَابِعٖ قِبۡلَةَ بَعۡضٖۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ إِنَّكَ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ١٤٥ ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ١٤٦ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ١٤٧ )


آيات الأنعام 111ـ 116:
 

(وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ كُلَّ شَيۡءٖ قُبُلٗا مَّا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَجۡهَلُونَ١١١ وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا يَفۡتَرُونَ١١٢ وَلِتَصۡغَىٰٓ إِلَيۡهِ أَفۡ‍ِٔدَةُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ وَلِيَرۡضَوۡهُ وَلِيَقۡتَرِفُواْ مَا هُم مُّقۡتَرِفُونَ١١٣ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡتَغِي حَكَمٗا وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مُفَصَّلٗاۚ وَٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡلَمُونَ أَنَّهُۥ مُنَزَّلٞ مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ١١٤ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقٗا وَعَدۡلٗاۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ١١٥ وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ١١٦ )


آيات يونس 94 ، 95:
 

﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ فَسۡ‍َٔلِ ٱلَّذِينَ يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ لَقَدۡ جَآءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ٩٤ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ٩٥)


آيات آل عمران 59ـ60:
 

(إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ٥٩ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ٦٠)



ثانياً ـ البيان :
 

1ـ آية البقرة في تبديل القبلة وما صاحب ذلك من إرجاف وأقاويل وإعلان حرب نفسية على المسلمين حتى ارتد بعض ضعاف الإيمان، انظر الآيات: 143-144، ثم ذكر أنّ أهل الكتاب لن يتوجهوا إلى قبلة المسلمين مهما جئتهم بالبينات والحجج الواضحة، ثم قرّر أنّ هذا هو الحق الذي لا مرية فيه، فاحتاج كل ذلك إلى التوكيد، فقال: (ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ١٤٧) [البقرة:147] .
 

ـ وتقدمها كذلك في آية البقرة: 144 (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَىٰهَاۚ ) فناسب (فَلَا تَكُونَنَّ) فأوجب الازدواج إدخال النون في الكلمة فيصير التقدير :فلنولينك قبلة ترضاها فلا تكونن من الممترين ، والخطاب في الآيتين للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره.
 

2ـ سياق آية الأنعام في تكذيب الرسول وعدم الإيمان به، انظر الآيات 111 و 116 ، فاحتاج المقام إلى توكيد أنه على الحق وأنه عليه ألا يكون من الممترين فقال: (فَلَا تَكُونَنَّ) .
 

3ـ آية يونس : لمّا قال: (فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ) احتاج إزالة الشك إلى التوكيد، ثم انظر إلى المؤكدات في السياق:
 

آ ـ التوكيد باللام وقد : (لَقَدۡ جَآءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ) .
 

ب ـ التوكيد بالنون :(فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ٩٤) وقوله: (وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ) .
 

ج ـ التوكيد بـ(إنّ) في قوله تعالى: (إنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ٩٦ ) [يونس:96] فاقتضى ذلك التوكيد، إذ السياق كله مؤكد.
 

4ـ أمّا في آية آل عمران فليس الأمر كذلك، فقد قال: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ٥٩ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ٦٠) [آل عمران:59-60] فلم يحتج الموطن إلى توكيد .



السؤال الثاني:

 

ما دلالة هذه الآية؟


الجواب:

 

وجّه الله سبحانه الخطاب لرسوله عليه السلام، والمُراد منه الثقلين الإنس والجن، في كل زمان ومكان، مؤكداً أنّ محمداً هو رسول الله صدقاً وعدلاً، فلا يحصل لكم أيها المؤمنون أي ريبة، ولا تختلفوا كما اختلفت اليهود والنصارى في أمر القبلة، حيث اليهود يستقبلوا بيت المقدس، والنصارى تستقبل مطلع الشمس، وأنت يا محمد تتوجه إلى الكعبة، فلا ترجو موافقتهم لك، والزم قبلتك التي أُمرت بها فإنها الحق .والله أعلم .

 

مثنى محمد هيبان
رابطة العلماء السوريين


 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

{ وَلِكُلّٖ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَاۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ أَيۡنَ مَا تَكُونُواْ يَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ١٤٨} [البقرة: 148]

 

ما أهم دلالات هذه الآية ؟

 

الجواب :

 

1ـ يَصْرِف الله سبحانه أنظار المسلمين عن الانشغال في أمر فتن ودسائس أهل الكتاب ،والمبادرة في استباق الخيرات والإكثار من الخيرات والطاعات .

 

2ـ لكل أهل ملة قبلة يتوجهون إليها في عباداتهم، وقبلة الإسلام هي الكعبة ، فبادروا بالتوجه إليها .

 

3 ـ قرأ ابن عامر ( هو مولَّاها ) بفتح اللام المشددة وبعدها ألف ،على أنه اسم مفعول ،وقرأ الباقون كحفص ( هو مولِّيها ) على أنه فاعل .

 

4 ـ الفاء في الفعل {فَٱسۡتَبِقُواْ} فاء الفصيحة ، أي إذا أردتم معرفة الأصوب فاستبقوا .و( الخيرات ) منصوب بنزع الخافض لأنّ الفعل (استبق) لازم.

 

5 ـ قوله تعالى : { أَيۡنَ مَا تَكُونُواْ يَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًاۚ} فيفصل بين الحق والباطل، ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى . وفي هذا وعد لأهل الطاعة ووعيد لأهل المعصية.

 

6ـ قوله تعالى : { وَلِكُلّٖ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَاۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ} إشارة إلى تنوُّع الناس في أعمالهم وعباداتهم، ما بين صلوات وتعليم ودعوة وإغاثة، وكل ميسر لما خلق له، لكنّ المهم أن يكون المرء سابقًا في المجال الذي يذهب إليه مع مراعاة أنه محاسب، وهنا يُرَبِّينا القرآن لنكون الأوائل دائمًـا ، والسباق إلى الخير قائم منذ قيام الساعة، والناس فيه سابق ومسبوق ، فاحذر أن تختطفك الدنيا فيلتفت قلبك فيتعثر خطوك.

 

والله أعلم .

 

السؤال الثاني :

 

وردت لفظة ( أينما ) في القرآن الكريم متصلة { أَيْنَمَا} ومنفصلة {أَيۡنَ مَا} ،فما تعليل ذلك ؟

 

الجواب :

 

1ـ وردت لفظة ( أينما ) متصلة : أَيْنَمَا في أربعة مواضع وهي : [البقرة 115ـ النساء 78 ـ النحل 76 ـ الأحزاب 61 ] ، ووردت منفصلة {أَيْنَ مَا } في ثمانية مواضع وهي :

 

[ البقرة 148 ـ آل عمران 112 ـ الأعراف 37 ـ مريم 31 ـ الشعراء 92 ـ غافر 73 ـ الحديد 4 ـ المجادلة 7 ].

 

2 ـ لفظة ( أينما ) تكون موصولة إذا كانت ( ما ) غير مختلفة الأقسام في الفعل الذي بعدها , نحو : { أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ} { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا} {أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا} { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} فهذه كلها لم تخرج عن ( أين ) الملكي , وهو متصلٌ حساً , ولم يختلف فيه الفعل الذي مع (ما ) , بينما تفصل ( أين ) عن ( ما) حيث تكون ( ما ) مختلفة الأقسام والأماكن في الوصف الذي بعدها وذلك للتفصيل , كما في الآيات الثمانية المبينة أرقامها أعلاه . والله أعلم.


,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 

 

(وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ وَإِنَّهُۥ لَلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ١٤٩) [البقرة: 149]

 

السؤال الأول:

 

ما دلالة تكرار لفظة في سورة البقرة (فَوَلِّ وَجۡهَكَ) في الآيات،149،144، 150؟

 

الجواب:

 

جاء قول الله تعالى: (فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ)ثلاث مرات في السورة.

 

وذكر القرطبي رحمه الله تعليلين لهذا التكرار، وحسّن أحدهما , فما هذان التعليلان؟ وما التعليل الذي حسّنـه؟ ولماذا حسّنـه؟

 

١-قيل: هذا تأكيد للأمر باستقبال الكعبة واهتمام بها؛ ليرى الناس الاهتمام به فيخف عليهم وتسكن نفوسهم إليه.

 

٢-وقيل: أراد بالأول: ولّ وجهك شطره: أي عاين الكعبة إذا صليت تلقاءها؛ ﴿ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ ﴾ معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة وغيرها ﴿ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ ﴾ , ثم قال: ﴿ وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ ﴾ يعني وجوب الاستقبال في الأسفار، فكان هذا أمراً بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواضع من نواحي الأرض.

 

قال القرطبي رحمه الله تعالى: هذا القول أحسن من الأول؛ لأنّ فيه حمل كل آية على فائدة. وقيل: كرر لدفع طرق الاحتمال؛ فقوله تعالى أولاً بالتوجه قِبَل البيت: ﴿ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ ﴾ فيه احتمال أنّ يكون الأمر خاصاً به صلى الله عليه وسلم أو عاماً له ولأمته. وأَمْرُه بعدُ في الآية نفسها:

 

﴿ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ ﴾ أمرٌ يدفع احتمال خصوصه صلى الله عليه وسلم دون أمته، وحصل مع ﴿ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ ﴾ أنّ ذلك لا يختص بمكان دون مكان.

 

ثم أخبر ثانياً: أنّ حكم التوجه إلى القبلة هو حكم عام، يعم حالتي الإقامة والسفر.

 

وقوله عزّ وجلّ مثلها ثالثاً: جاء ليحصل منه التوكيد على الأرض كلها.

 

ذكره ابن الزبير الغرناطي في (ملاك التأويل).

 

لمزيد من المعلومات انظر الجواب في آية البقرة 144.

 

السؤال الثاني:

 

الآية (وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ) [البقرة:149] عطف هذه الآية حكماً على حكم قبله، حيث بدأت الآيتان بقوله تعالى: (وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ) [البقرة:149] أو ليست الآية الثانية تغني عن الآية الأولى؟

 

الجواب:

 

في هذا تنبيه إلى كل مؤمن أنّ استقبال الكعبة في الصلاة لا تهاون فيه ولو في حالة العذر كالسفر؛ لأنّ السفر مظنّة المشقة للاهتداء لجهة الكعبة، فربما توهّم شخص ما أنّ الاستقبال يسقط عنه.

 

السؤال الثالث:

 

ما دلالات هذه الآية؟

 

الجواب:

 

1ـ قوله تعالى: (وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ) أي في أسفارك وغيرها، وهذا الخطاب للرسول عليه السلام، وهو أيضاً للعموم، فالمطلوب التوجه نحو الكعبة. وهذه الآية تخلو من ذكر أهل الكتاب، ومن موقفهم من التوجه للكعبة.

 

2 ـ قوله تعالى: (وَإِنَّهُۥ لَلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَۗ) أي أنّ هذا التوجه المأمور به هو الحق الثابت، وأكّده بإنّ واللام، لئلا يقع لأحد فيه أدنى شبهة.

 

3 ـ قوله تعالى: (وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ) فيه تحذير خفي من الانحراف عن هذا الحق، فالله لا يخفى عليه شيء.

 

4 ـ جاء في تفسير السعدي: (وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ) في أسفارك وغيرها، وهذا للعموم، (فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ)أي: جهته.

 

ثم خاطب الأمة عموما ًفقال: (وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ)وقال: (وَإِنَّهُۥ لَلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَۗ) أكده بـ "إن "واللام، لئلا يقع لأحد فيه أدنى شبهة، ولئلا يظن أنه على سبيل التشهي لا الامتثال.

 

(وَمِنۡ حَيۡثُ): الواو استئنافية، والجار والمجرور ظاهرهما أنهما متعلقان بوّل، ولكن فيه إعمال ما بعد الفاء فيما قبلها وهو ممتنع، غير أنّ المعنى متوقف على هذا الظاهر، فالأَوْلى تعليقهما بفعل محذوف يفسره فوّل، أي: ولِّ وجهك من حيث خرجت.

 

6 ـ (فَوَلِّ): الفاء رابطة لما في (حيث) من رائحة الشرط، وولِّ فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، والجملة لا محل لها لأنها مفسرة.

 

والله أعلم.

 

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 

 

( وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيۡكُمۡ حُجَّةٌ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِي وَلِأُتِمَّ نِعۡمَتِي عَلَيۡكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ١٥٠ ) [البقرة: 150]

 

السؤال الأول:

 

قوله تعالى (وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيۡكُمۡ حُجَّةٌ) [البقرة:150] لِمَ قال:( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ) [البقرة:150] ولم يقل: لئلا يكون للمشركين؟

 

الجواب:

 

ذكر تعالى (الناس) معرّفة بـ(أل)؛ وذلك حتى تستغرق هذه الكلمة الناس جميعاً مهما اختلفت مِلَلُهم، ولم يقتصر على ذكر المشركين الذين اعترضوا في ذلك الوقت على تحوُّلِ القِبلةِ وشكَّكوا في النبيِّ ﷺ بسبب ذلك، وكأنّ هذه الكلمةَ (لِلنَّاسِ) قد دلّت على أنّ استقبال القبلة سيدحَضُ أيُّ دعوة يزعمها إنسان في عصر من العصور بأنّ هذا الدين مُقتبسٌ من أيِّ دين قد سبقه، فالتوجه إلى الكعبة المشرفة مُبطِلٌ لمزاعم الناس المشكِّكين كُلِّهم في كُلِّ زمانٍ وكُلِّ مكانٍ.

 

السؤال الثاني:

 

ذكر تعالى الياء في قوله: (وَٱخۡشَوۡنِي) في آيةِ البقرةِ [150] وحذَفَها فقال: (وَٱخۡشَوۡنِ) في آيتي المائدة [3]،[44]؟

 

الجواب:

 

1ـ هذا التعبير له نظائرُ في القرآنِ: (َٱتَّبِعۡنِيٓ) [مريم:43]، (ٱتَّبَعَنِۗ) [آل عمران:20]، (فَكِيدُونِي) [هود:55]، (كِيدُونِ) [الأعراف: 195]، (أَخَّرۡتَنِيٓ) [المنافقون: 10]، (أَخَّرۡتَنِ) [الإسراء:62].

 

أمّا (وَٱخۡشَوۡنِي) أو (وَٱخۡشَوۡنِ) فوردت الأولى في آية سورة البقرة 150، والثانية وردت في آيتي المائدة [3]، [44].

 

وعندما تحذِّرُ أحدهم التحذيرَ يكون التحذير بحسب الفِعلةِ؛ فقد تكون فِعلةً شديدةً، فمثلاً لو اغتاب أحدهم آخر تقول له: اتَّقِ ربَّك، وإنْ كان يريد أن يقتل شخصاً تقول له: اتَّقِ اللهَ.

 

فالتحذير يختلفُ بحسبِ الفعل، إذا كان الفعلُ كبيراً كان التحذير أشدَّ، وعندما يُظهِر الياء يكون التحذير أشدَّ في جميع القرآنِ و يكون الأمرُ أكبرَ.

 

2ـ عندنا في آية البقرة (وَٱخۡشَوۡنِي) [البقرة:150] الياء موجودة إذن التحذير أكبرُ، ولننظر السياق في الآية: (وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيۡكُمۡ حُجَّةٌ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِي وَلِأُتِمَّ نِعۡمَتِي عَلَيۡكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ١٥٠ ) [البقرة:150] هذه في تبديل القِبلة فجاءت (اخشوني) بالياء؛ لأنه صار هناك كلام كثير ولغط وإرجاف بين اليهود والمنافقين حتى ارتدّ بعض المسلمين، وهذا حصل عند تبديل القِبلة (وَمَاجَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيۡهَآ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٤٣ ) [البقرة:143] وهو أمر كبير لذا قال: (وَٱخۡشَوۡنِي) [البقرة:150].

 

3ـ الآية الأخرى في سورة المائدة: (حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُواْ بِٱلۡأَزۡلَٰمِۚ ذَٰلِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ) [المائدة:3] هذا يأس وذاك إرجاف، هذا الموقف ليس مثل ذاك، هؤلاء يائسون ؛ من أجل هذا صار التحذير أقل.

 

4ـ وفي الآية الثانية: (إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيۡهِ شُهَدَآءَۚ فَلَا تَخۡشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗاۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ٤٤) [المائدة:44] ليس فيها محاربة ولا مقابلة فقال: (وَٱخۡشَوۡنِ) [المائدة:44] بدون ياء.

 

5ـ إذن المواطن التي فيها شِدَّةٌ وتحذيرٌ شديدٌ أظهرَ الياء، والحذفُ في قواعدِ النحوِ يجوز، والعربُ تخفِّفُ من الياء، لكنّ الله سبحانه وتعالى قرنها بأشياءَ فنية.

 

السؤال الثالث:

 

قوله تعالى في الآية: (إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ) [البقرة:150] كيف يكونُ للظالمين من اليهود أو غيرهم حُجَّةٌ على المؤمنين؟

 

الجواب:

 

المعنى هو: إلا أنْ يقولوا ظلماً وباطلاً، فسمَّى الله باطلَهم حُجَّةً لمشابَهَتِه الحجة في الصورة، كما قال تعالى في سورة الشورى: (حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ ) [الشورى:16] أي: باطلة، وقال: (فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ) [غافر:83].

 

وقيل: إنّ المراد به قول المشركين: قد عاد محمد إلى قبلتنا، لعلمه أنّ ديننا حق وسوف يعود إلى ديننا.

 

السؤال الرابع:

 

ما إعراب (لِئَلَّا) في الآية؟

 

الجواب:

 

أصل الكلمة (لأن لا )،اللام حرف جر، وقيل للتعليل، و(أنْ) حرف مصدري ونصب، و(لا) حرف نفي.

 

لمزيد من التفصيل انظر التفصيل في آية الحديد 29.

 

السؤال الخامس:

 

ما أهم دلالات هذه الآية؟

 

الجواب:

 

هذا هو الأمر الثالث بوجوب التوجه إلى الكعبة في الصلاة:

 

1ـ قوله تعالى: (وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ) تأكيد ثانٍ، وكرّر الكلام لتأكيد أمر تحويل القبلة من بيت المقدس نحو الكعبة المشرفة.

 

2ـ قوله تعالى: (وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ) تأكيد ثالث لئلا تبقى للمعاندين حجة في نظرهم ينفذون منها، أو ثغرة يتسربون إلى الإرجاف عن طريقها.

 

3 ـ الفاء في (فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ) تسمّى فاء الفصيحة.

 

4 ـ قوله تعالى: (إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ) هم المشركون ومن كتموا ما عرفوا من الحق من اليهود والنصارى، وصدّوا الناس عن دين الحق.

 

5 ـ اقترن هذا الأمر بثلاث نقاط رئيسية:

 

آ ـ قطعُ دابر الفتنة بإزالة حجة المخالفين.

 

ب ـ من تمام النعمة الاستقلال عن اليهود في القبلة.

 

ج ـ من تمام النعمة الإرشاد إلى الصواب الذي ضلّ عنه غيرُنا.

 

6 ـ الفرق بين الآيات الثلاث السابقة:

 

آ ـ الأمر الأول: بالتوجه إلى الكعبة في الصلاة، استجابة لرغبة النبي عليه السلام،وفيه ذكر لأهل الكتاب.

 

ب ـ الأمر الثاني: فيه بيان أنّ ذلك هو الحق الثابت من عند الله،ولا عبرة بتشكيك المضلين.

 

ج ـ الأمر الثالث: فيه قطع لحجة المعترضين من اليهود والمنافقين والمشركين على تحويل القبلة.

 

وقد وُجه الأمر بالتوجّه إلى الكعبة إلى الرسول خاصة، ثم إلى الأمة عامة، وفي هذا قطع لأطماع أهل الكتاب من اتباع الرسول قبلتهم. والله أعلم.

مثنى محمد الهيبان
رابطة العلماء السوريين

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك


{كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ١٥١ فَٱذۡكُرُونِيٓ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِي وَلَا تَكۡفُرُونِ} [البقرة: 151-152]



السؤال الأول:
 

ما معاني الكلمات التالية؟


الجواب:
 

(يُزَكِّيكُمْ): يطهِّركم، وأصل الزَّكاة: النَّماء والزِّيادة مع التَّطهيرِ.

(الْحِكْمَةَ): إصابة الحقِّ بالعلم والعقل، وأصل (حَكَم): المنع من الظُّلم. والإحكام هو الفصل والتمييز والفرق والتحديد الذي به يتحقَّق الشيء ويحصُل إتقانه؛ ولهذا دخل فيه معنى المنْع كما دخَل في الحدِّ، فالمنع جزءُ معناه لا جميع معناه. والحِكمة اسمٌ للعَقل، وإنَّما سُمِّي حِكمة؛ لأنَّه يمنع صاحبه من الجَهل، وقيل: المقصود بها هنا: السُّنة.

(الشُّكر): {وَٱشۡكُرُواْ لِي}: ظهورُ أثَر نِعمة الله على لسانِ عبده: ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه: شهودًا ومحبَّةً، وعلى جوارحِه: انقيادًا وطاعةً، وأصلُه: الثناءُ على صانعِ المعروف، وهو ضدُّ الكُفر.

(الكُفْر): {وَلَا تَكۡفُرُونِ}:السِّتر والتَّغطية، وهو ضدُّ الشُّكر، وكُفر النِّعمة: ستْرُها ونسيانُها بترك أداء شُكرها.



السؤال الثاني:
 

ما أهم دلالات هاتين الآيتين؟


الجواب:
 

الآية 151:

في هذه الآية ذكر الله سبحانه امتنانه على هذه الأمة برسالة النبي عليه السلام، ووصفه بعدة أوصاف:

1 ـ قوله تعالى: { كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ} لفظ (رَسُولاً)فيه تنكيرُ (الرسول) للتعظيم؛ ولتجري عليه الصِّفات التي كلُّ واحدةٍ منها نِعمةٌ خاصَّة.

{ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا} القرآن والسنة لبيان الحق من الباطل، والهدى من الضلال، وإذا كانت هذه وظيفة الرسول الأولى {يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا}، فما وظيفتنا ودورنا ومسؤوليتنا مع كتاب الله؟

3 ـ قوله تعالى: {يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ}تكرر في القرآن عدة مرات ليؤكد معالم التربية القرآنية تلاوة وتزكية وعلماً وليس حفظا مجرداً.

4 ـ {وَيُزَكِّيكُمۡ} أي: يطهركم من الشرك والذنوب، ويربيكم على الأخلاق الحميدة.

{وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ} التعليم غير التلاوة، فالرسول يعلمكم ألفاظ القرآن تلاوة وتدبراً، وعلماً وعملاً.

{وَٱلۡحِكۡمَةَ} وهي السُنّة الموضحة للقرآن ومعرفة أسرار الشريعة.

7 ـ {وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ١٥١} عن طريق الوحي من أخبار الأمم السابقة والحوادث المستقبلة، وبالعلم يتمكن العبد من عبادة الله عبادة تزكي نفسه.

8 ـ قوله تعالى: {يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ} فيه تكرار الفعل (يُعلّم)؛ ليدلَّ على أنه جِنسٌ آخَر.

9 ـ في قوله تعالى عن لسان إبراهيم عليه السلام:{رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} [البقرة:129] طلب إبراهيم عليه السلام توافر أربعة أشياء على هذا الترتيب:

آ ـ يتلو عليهم آياته.

ب ـ ويعلمهم الكتاب.

ج ـ والحكمة.

د ـ ويزكيهم.

فكانت إجابة دعائه في هذه الآية (151) بتقديم التزكية، لأهمية التزكية، ولأنّ التخلية تكون قبل التحلية، فقدّم ذلك على تعليم الكتاب والحكمة.

وبمعنى آخر: قدّم في آية البقرة (151) {وَيُزَكِّيكُمۡ} على {وَيُعَلِّمُكُمُ}ﱠ خلاف ما ورد في آية البقرة السابقة رقم (129) في حِكاية قول سيدنا إبراهيم عليه السَّلام: {وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ} [البقرة: 129]؛ لأنَّ المقام هنا في الآية (151) للامتنان على المسلمين؛ فقُدِّم فيها ما يُفيد معنى المنفعة الحاصلة من تلاوة الآيات عليهم، وهي منفعة تزكية نفوسهم؛ اهتمامًا بها، وبعثًا لها بالحِرص على تحصيل وسائلها، وتعجيلًا للبشارة بها، وأمّا في دعوة إبراهيم فقد رُتِّبت الجُمَلُ على حسب ترتيب حصولِ ما تضمَّنتْه في السياق، إضافة إلى ما في ذلك التخالف من التفنُّن البلاغي. والله أعلم.

الآية 152:

1ـ في هذه الآية وما بعدها وجّه الله سبحانه وتعالى عباده أربع توجيهات لتربية النفوس المؤمنة لمواجهة الأحداث الجسام:

التوجيه الأول: المداومة على ذكر الله تعالى وذكره (آية البقرة 152).

التوجيه الثاني: الاستعانة على المتاعب بالصبر والصلاة (آية البقرة 153).

التوجيه الثالث: تربية النفوس على حب الشهادة في سبيل الله (آية البقرة 154).

التوجيه الرابع: مواجهة الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والأرزاق بالصبر والرضا والتفويض (آية البقرة 155).

2 ـ التوجيه الأول يهدف إلى الاعتراف بنعم الله عن طريق ذكره بالطاعة والعبادة، وشكره بالقول والعمل، والتحذير من كفر الله وجحد نعمه.

3ـ وسائل الذكر:

ـ ذكر اللسان: بالتسبيح والتحميد والثناء والتمجيد.

ـ ذكر الجوارح: بالاستغراق بالطاعات والعبادات.

ـ ذكر القلب: بالتفكر في وحدانية الله وعظمته.

وللذكر مزايا منها:

الذاكر يكون في معية ربه ـ الذاكرون هم الموحدون السابقون للخيرات ـ الذاكر يبقى لسانه رطباً بذكر الله ـ الذاكر يكون في ساحة الرحمة والغفران ـ الذاكرون الله لا يشقى جليسهم ـ ثواب الله عظيم للذاكرين والذاكرات.

4 ـ الفاء في قوله تعالى: {فَٱذۡكُرُونِيٓ} فاء الفصيحة.

5 ـ وجوبُ الشُّكر لله؛ لقوله تعالى: {وَٱشۡكُرُواْ لِي}ﱠ ؛ و(الشُّكر) يكون بالقلب، وباللِّسان، وبالجوارح؛ ولا يكون إلَّا في مقابلة نِعمة.

6 ـ قوله تعالى: {وَلَا تَكۡفُرُونِ}ﱠ [البقرة: 152] فيه إيجازٌ بالحذْف؛ لأنَّه من كُفر النِّعمة، أي: ولا تكفروا نعمتي، ولو كان من الكفر الذي هو ضدُّ الإيمان، لكان: ولا تكفروا، أو ولا تكفروا بي، والنون نون الوِقاية، حُذفت ياء المتكلم بعدَها تخفيفًا؛ لتناسُب الفواصل.

والله أعلم.

 

فواصل لتزيين المواضيع


(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ) [البقرة: 153]

 


السؤال الأول:
 

 

ما سبب اختلاف الفاصلة في الآيتين [153،45] في سورة البقرة؟

 


الجواب:
 

 

آ ـ في الآية الأولى ـ البقرة 45 ـ تقدم ذكر الصلاة والمطالبة بها، حيث قال: (وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ) [البقرة:43] إذن: (وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ) [البقرة:45].

 

ب ـ في الآية الثانية ـ البقرة 153 ـ ختمها بالصبر؛ لأنّ السياق في الصبر، فبعد أنْ قال: (إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ) [البقرة:153] قال: (وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقۡتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتُۢۚ بَلۡ أَحۡيَآءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ١٥٤ وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ١٥٥ ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ١٥٦) [البقرة:154-155-156] فالسياق مع الصبر، فختمها: (إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ) [البقرة:153]، أمّا في الآية الأولى فالسياق في الصلاة فقال: (إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ) [البقرة:45].

 


السؤال الثاني:
 

 

ما دلالة ورود الأمر بالصلاة بين آيات خطاب بني إسرائيل أو آيات الجهاد أو آيات الطلاق؟

 


الجواب:
 

 

انظر السؤال الثالث في آية البقرة [45]

 


السؤال الثالث:

 

 

ما دلالات هذه الآية؟

 


الجواب:
 

 

1 ـ لما فرغ تعالى من بيان الأمر بالشكر، شرع في بيان الصبر، والإرشاد إلى الاستعانة بالصبر والصلاة؛ فإنّ العبد إمّا أن يكون في نعمة فيشكر عليها، أو في نقمة فيصبر عليها.

 

2ـ الصلاة نور وعون، وأضعف الناس صبراً عن الشهوات واصطباراً على المكروهات هم أكثر الناس تفريطاً وتضييعاً للصلوات، وسيبقى المرء في دائرة الأحزان ما دامت الصلاة ليست في دائرة اهتمامه، فالصلاة دائماً مقرونة بالفلاح (حيّ على الفلاح) فكيف يفلح من لا يصلي!!!.

 

3ـ في هذه الآية إثباتُ معيّة الله الخاصة بالمؤمنين، وأمّا المعيّة العامة المقتضية للعلم والإحاطة فهي لجميع الخلق.

 

4 ـ قوله تعالى: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ هذه معيةٌ خاصة، تقتضي محبته ومعونته، ونصره وقربه، وهذه منقبة عظيمة للصابرين، فلو لم يكن للصابرين فضيلة إلا أنهم فازوا بهذه المعية من الله؛ لكفى بها فضلاً وشرفاً.

 

وهذا هو التوجيه الثاني للأمة بالاستعانة بالصبر والصلاة على الأمور الدنيوية والدينية، وفي ذلك إعدادٌ للمسلم لتحمل الشدائد فيما يستقبل من أمره، وخصّ الصبر والصلاة بالذكر، لأنّ العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر الله عليها، وإمّا أن يكون في ضرّاء فيصبر عليها.

 

5 ـ الصبر هو حبس النفس على احتمال المكاره، وتوطينها على تحمل مشاق أداء الطاعات وتجنب المحظورات.

 

والصبر أنواع: صبرٌ على أداء الطاعات ـ وصبرٌ على ترك المحرمات ـ وصبرٌ على أقدار الله تعالى.

 

6 ـ كرامات الصابرين: ‏المحبة: ﴿ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾ ‏النصر: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ ‏غرفات الجنة: ﴿يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ ﴾ ‏الأجر الجزيل: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ﴾ ‏البشارة: ﴿وبشر الصابرين﴾ ‏الصلاة، والرحمة، والهداية: ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ﴾.

 

7ـ الله تعالى يوفّي الصابرين أجرهم بدون حساب، والله مع الصابرين بعونه وحفظه ورعايته، وهذه معيّة خاصة بالمؤمنين.والله أعلم.
 

فواصل لتزيين المواضيع

{وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقۡتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتُۢۚ بَلۡ أَحۡيَآءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ١٥٤}[البقرة: 154]

 



السؤال الأول:
 

 

ما دلالة جملة {وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ} في الآية؟

 


الجواب:
 

 

لم يقل: (لا تعلمون) لأنّ المؤمنين إذا أخبرهم الله تعالى بأنهم أحياء، علموا أنهم أحياء، فلا يجوز أن ينفي عنهم العلم،ولكن يجوز أن يقال: {وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ} لأنه ليس كل ما علموه يشعرون به، كما أنه ليس كل ما علموه يحسونه بحواسهم، فلما كانوا لا يعلمون بحواسهم حياة الشهداء، وأنهم علموه بإخبار الله لهم، لذا قال تعالى: {وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ} دون (لا يعلمون). والله أعلم.

 


السؤال الثاني:
 

 

ما دلالة هذه الآية؟

 


الجواب:
 

 

1ـ من أعظم أنواع الصبر: الصبر على الجهاد في سبيل الله، لنشر الدعوة الإسلامية، وإزالة المعوقات أمامها.

 

2 ـ الآية تبين أنّ الشهداء في سبيل الله ليسوا أمواتاً بل هم أحياء، فلهم حياة خاصة بهم في قبورهم لا يعلم كيفيتها إلا الله تعالى، ولكنكم لا تشعرون بها، وفي هذا دليل على نعيم القبر.

 

3ـ شهداء المعركة لا يُغسّلون كالموتى، ويكفّنون في ثيابهم التي استشهدوا فيها، فهم أحياء، يحشرون على هيئتهم، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، وهم يُرزقون كما نُرزق، ويفرحون كما نفرح.

 

4 ـ الشهيد يتمنى أن يعود إلى الدنيا فيُقتل عشرات المرات، لما يرى من الكرامة عند الله. وأرواح الشهداء وهم في الحياة البرزخية، في حواصل طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش. ويكفي في جلالة شأن الشهيد أنّ الله حظر أن يطلق عليه اسم الميت، ولم يحظر إطلاقه على غيره {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات}.

 

5 ـ هذه الآية هي التوجيه الثالث للمؤمنين، حيث تحثّهم على حب الشهادة في سبيل الله.

 

6ـ في قوله تعالى: {بَلۡ أَحۡيَآءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ} إيجاز، فقد حذف المبتدأ لأهمية ذكر الخبر (أحياء)، لأنهم ما كانوا يتصورون أنهم أحياء، فجاءت الجملة اسمية بتقدير: (هم أحياء) لتدل على الثبات والاستمرار.

 

كما أنّ هناك طباق بين: أحياء وأموات، وهو طباق رشيق لا تكلّف فيه.

 

والله أعلم.


مثنى محمد هيبان

رابطة العلماء السوريين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ) [البقرة: 155]

 

السؤال الأول:

قوله تعالى: (وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ) [البقرة:155] هل لهذا الترتيب وجه بلاغيٌّ؟ علماً بأنّ هذا الترتيب ورد بصورة أخرى في آية النحل [ 112] وآية قريش [1] ؟

 

الجواب:

ورد اجتماع الجوع والخوف معاً في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم وبصور مختلفة:

1ـ في آية البقرة [155] قدّم الخوف؛ لأنَّ الآيةَ تتكلَّمُ عن قتلٍ وقتالٍ، وفي المعركة لا يفكر الإنسان بالجوع، وإنما يفكِّرُ في ذهابِ النفس فقدّم الخوف.

والباقي: (وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ) [البقرة:155] مناسِبٌ فقدَّمَ الأموال وقال: نقص من الأموال، أي: نقصٌ يذهب به منها شيء، وليس في الأموالِ؛ لأنها تعني نقص في داخلها.

2ـ في آية النحل [112] قال تعالى: (وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ مُّطۡمَئِنَّةٗ يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدٗا مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ) [النحل:112] فالكلام في سياق الأطعمة ، انظر آيات النحل (115،114) وعن الرزق، والرزق يناسبه الجوع فقدّم الجوع، وتقديم الجوع هنا مراعاة للإذاقة في الآية .

3ـ في سورة قريش، الكلام عن التجارة والأموال، وأصل تجارتهم كانت طعاماً، فقدّم الجوع على الأمن.

وهذا التقديم مناسب لتقديم الشتاء على الصيف في السورة، فالشتاء الطعام فيه أولى ، وفي الصيف التجارة والسفر فيه أولى، والسفر فيه مخاطر فناسبه الخوف.

4ـ إنّ آية البقرة في سياق ابتلاء المؤمنين وليست هي من باب العقوبات، بخلاف آية النحل فإنها في عقوبات الكافرين.

ومعلوم أنّ الجوع أشدُّ من الخوف في العقوبات فقدّم ما هو أشد. والله أعلم.

 

السؤال الثاني:

ما دلالة كلمة (بِشَيۡءٖ) في الآية ؟

 

الجواب:

1ـ لاحظ كيف جاء الله تعالى بكلمة(بِشَيۡءٖ) فقال: (بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ) [البقرة:155] ولم يقل : (لنبلونكم بالخوف والجوع) وفي ذلك لفتتان جميلتان:

آ ـ الأولى أنه ذكر كلمة (شيء) قبل (الخوف) فيه تخفيفٌ من وقع هذا الخبر المؤلم للنفس، فلا أحد يرغب أنْ يكون خائفاً أو جائعاً، فخفّف الله تبارك وتعالى عنا هذا الخبر بأنّ الابتلاء يكون بشيء من الخوف والجوع، وليس بالخوف كله أو بالجوع كله.

ب ـ والثانية إشارةٌ إلى الفرق بين الابتلاء الواقع على هذه الأمة المرحومة وما وقع من ابتلاء على الأمم السابقة، فقد سلّط الله تعالى الخوف والجوع على أمم قبلنا، كما أخبرنا في قوله تعالى : (وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ مُّطۡمَئِنَّةٗ يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدٗا مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ) [النحل:112] ولذا جاء هنا بكلمة (بِشَيۡءٖ) [البقرة:155] وجاء هنالك بما يدل على الملابسة والتمكن، وهو أنه استعار لها اللباس اللازم مما يدل على تمكن هذا الابتلاء فيها وعِظَم وقعه عليها، وقد خُفِّف عنا والحمد لله.

ج ـ قوله تعالى: (وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ) [البقرة:155] (بشيء من).. وليس بكله.. لأنّ الهدف الإصلاح وليس الإهلاك ، وقس ذلك على التربية.

2ـ انظر في لطائف القرآن كيف أسند البلوى لله سبحانه وتعالى فقال: (وَلَنَبۡلُوَنَّكُم) [البقرة:155] وأسند البشارة بالخير الآتي من قِبَل الله تعالى إلى الرسول ﷺ فقال: (وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ) [البقرة:155] تكريماً لشأنه وزيادةً في تعلّق المؤمنين به ﷺ بحيثُ تحصل خيراتهم بواسطته دون أنْ يصيبهم أي مكروه بسببه ﷺ

 

السؤال الثالث:

ما دلالة هذه الآية ؟

 

الجواب:

1ـ هذه الآية الكريمة بيّنت التوجيه الرابع في تربية النفوس وإعدادها لمواجهة أحداث الحياة التي لا بدّ منها .

2ـ اللام في (وَلَنَبۡلُوَنَّكُم) موطئة للقسم، فالله لا بدّ أن يبتلي عباده لتمحيصهم أو رفع درجاتهم .

3ـ الابتلاء قد يكون تارة بالسرّاء وتارة بالضّراء، وتارة بالفقر وتارة بالغنى، وتارة بالمرض وتارة بالصحة، وتارة بالنصر وتارة بالهزيمة، وهكذا .... والناس عند وقوع الابتلاء فريقان : جازع وصابر، فالجازع تقع به المصيبة ويفوته الأجر بخلاف الصابر لوجه الله ورضاه .

والله أعلم بهؤلاء الصابرين في الشدة والرخاء، وسَيوفّيهم أجورهم كاملة .

والله اعلم .

 

image.png

 

( ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ١٥٦ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ١٥٧ﱠ[البقرة: 156-157]

 

السؤال الأول:

ما أصل كلمة مصيبة؟ وكيف تكون المصيبة خيراً كما في الآية: (مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ) [النساء:79] ؟

 

الجواب:

1ـ المصيبة مشتقة من جذر (ص و ب) ومنه صارت أصابَ (أَفعَلَ) يُصيبُ، والنازلة مصيبة،

و لها معانٍ متعددة كلها تدور حول معنى الإنزالِ، ومنه الصَّيِّب الذي هو المطر وفيه معنى النزول.

والشيءُ الذي ينزل على الإنسان قد يكون خيراً أو شرّاً، مثل المطر قد يكون نافعاً أوضاراً، لكنّ كلمة مصيبة صار لها خصوصية، والعربي صار لا يستعملها إلا في السوء.

وكلمة مُصيبة (مُفعِلة) من أصاب مثل كلمة (نازلة) يعني القضية التي نزلت عليها، والمصيبة صارت مخصصة لما يسيء الإنسان، أي ما يصيبه من مصيبة في ظاهر الأمر ويراه سوءاً له، وفي الحديث «عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمره كله له خير» وفي حديث البخاري «من يُرد الله به خيراً يُصِب منه» أي: يمتحنه فيصبّره فيصبر فترتفع درجته، ففي كل الأحوال يكون له خيراً فإذا أصابته مصيبة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أي: نحن لله سبحانه وتعالى.

والمصيبة هنا بمعنى ما تراه ضرراً، والقرآن الكريم جاء على أساليب العرب، أو إذا عكسنا الأمر فإنّ أساليب العرب ارتقت شيئاً فشيئاً إلى أنْ جاءت إلى لغة القرآن الكريم.

 

السؤال الثاني:

هل هناك لمسة بيانية في طريقة استعمال القرآن نفس الفعل مع الحسنة والسيئة  مع أنّ كلمة مصيبة قد حدد الدلالة الخاصة بها مع الشيء السيء؟

 

الجواب:

القرآن على لغة العرب، والعرب كانوا يستعملون المصيبة، وأصل الاستعمال في المصيبة هي الرمية الصائبة للسهم، والرجل إذا اجتهد فأصاب فهو مصيبٌ ، والمرأة يقال: أصابت، إذن الإصابةُ يمكن أن تُستعمَلَ للحسنةِ (ما أصابك) أي: ما نالك ونزل بك، هذا في لغة العرب أمّا (المصيبة ) فهي مخصصة.

 

السؤال الثالث:

كيف نُسبت الحسنةُ إلى اللهِ والمصيبةُ إلى نفسك في الآية؟

 

الجواب:

1ـ مردّ الأمور جميعاً هي إلى الله سبحانه وتعالى، والإنسان يقدم أسباب الوصول إلى الحسنة ويقدم أسباب الوصول إلى السيئة، ولا يكون وصوله إلى الحسنة أو السيئة إلا بأمر الله سبحانه وتعالى.

2ـ قال تعالى: (وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ١٠) [البلد:10] والله لا يُسأل عما يفعل في مُلكِه، والكون كله ملك الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك (لَا يُسۡ‍َٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسۡ‍َٔلُونَ٢٣) [الأنبياء:23] فهو قادرٌ على أنْ يهدي الجميع، وقادرٌ على أن يضل الجميع.

3ـ حينما يجعلك تختار طريقك هو شاء لك أنْ تختار أو أنت صارت لك مشيئة من ذاتك؟ الله يشاء (وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ) [الإنسان:30] وشاء الله عز وجل لهذا الإنسان أنْ ينظر في الطريقين وفق ما يبيّنه الله سبحانه وتعالى من لطفه وكرمه وإلا فالمفروض أنّ العقل يوصله، ومع ذلك أرسل الرسل ومعهم الكتب وبيّن طريق الهداية وطريق الضلال، وبالتالي فالطريق الذي يسلكه الإنسان هو في الأصل في خانة مشيئة الله سبحانه وتعالى التي اختارت له هذا الطريق.

4ـ قوله تعالى: (مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ ) [النساء:79] لأنك أنت سعيت وقدّمت لكن ما كان لك أن تصل للحسنة حتى يرضاها الله تعالى، فذكر تعالى الأصل لأنه مرتبط بالحسنة. أنت سعيت نحو الحسنة وشاء الله سبحانه وتعالى أنْ تفعلها، قدّمت وشاء لك ففعلت، والحسنة تُنسب إلى الله تعالى، والسيئة أيضاً سعيت وشاء الله تعالى لك أنْ تصل إليها، ولو أراد الله ما وصلت لكنْ الأمر يبقى منحصراً بك؛ لأنك سعيت.

5ـ قوله تعالى: (وَأَنَّا لَا نَدۡرِيٓ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ أَرَادَ بِهِمۡ رَبُّهُمۡ رَشَدٗا١٠) [الجن:10] الخير معقود لله تعالى دائماً على أننا نؤمن بالقدر خيره وشره من الله سبحانه وتعالى، فنسبت الحسنة إلى الله تعالى وحصرت السيئة بنفسك، مع أنّ نفسك سعت في الحسنة وسعت في السيئة، وفي الحالين كانت بالمشيئة، وهذا تعليم للمسلم كيف يتأدب مع الله سبحانه وتعالى، وأنْ ينسب الخير لله وأنْ ينسب السوء لنفسه، ولذلك نجد علماءنا يقولون عندما يكتبون: هذا ما وصل إليه اجتهادي فإنْ كان خيراً فمن الله تعالى وإنْ كان شراً فمن نفسي ومن الشيطان، وهذا من الأدب مع الله سبحانه وتعالى.

 

السؤال الرابع:

ما العظة في قوله تعالى في الآية: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ١٥٦) [البقرة:156] ؟ وما الفرق بين الأفعال ( آب ـ رجع ـ عاد )؟

 

الجواب:

1ـ ليس في القرآن ولا في نصوص اللغة العربية الفصيحة جملة أندى وأسمح وأطيب من هذه الجملة، يقولها المؤمن لنفسه ويقولها المؤمن لغيره إذا ألمت به مصيبة الموت، فتقع في قلب المرء المؤمن بلسماً شافياً وعزاء جميلاً وبرداً وسلاماً.

وقوله تعالى: (إِنَّا لِلَّهِ) [البقرة:156] إقرار منا له بالملك، وقوله:( وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ) [البقرة:156] إقرار على أنفسنا بالهلاك، ويدل كلا القولين على الرضا بقضاء الله تعالى.

واعلم أنّ الرجوع إليه ليس عبارةً عن انتقالٍ إلى مكانٍ أو جهةٍ فإنّ ذلك على الله محالٌ، بل المراد أنه يصير إلى حيث لا يملك الحكم فيه سواه، وذلك هو الدار الآخرة.

أمّا النتيجةُ إذا قام العبد بذلك فهي قوله تعالى: (أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ١٥٧) [البقرة:157] والصلاة هنا من الله بمعنى الثناء والمدح، وأمّا رحمة الله فهي نعمه التي أنزلها عاجلاً أم آجلاً، وأمّا الهداية فهي هداية الله إلى كل خير وإلى الجنة والفوز بالثواب.

2ـ ورد في القرآن ثلاثة أفعال ربما ظن الناس أنها بمعنى واحد وهي ـ آب ـ رجع ـ عاد :

الفعل (آب): وقد استعمل في القرآن بمعنى مصدره (إياب) وبصيغ المبالغة (أوّاب)، أمّا قلبُ الفعلِ، أي( باء)، فقد استخدم في القرآن في خمسة مواضع في مجال الشر والسوء، كما في الآيات: [البقرة 61، آل عمران 162].

الفعل ( عاد 😞

إذا كان الفعل مسنداً للإنسان نفسه، فإنه يستخدم كثيراً في النواحي السلوكية والفكرية، أي: العودة في المواقف وفي التصرفات كما في الآيات: البقرة [275]، النور [17].

الفعل (رجع):

فهو بمعنى الرجوع الشخصي، أي: رجوع الناس إلى المكان الذي كانوا فيه من قبل، وقد ورد الفعل (رجع)، ومشتقاته مثل: (رجعتم) (ارجعوا) (راجعون) (الرجعى) (يرجعون) في القرآن الكريم في 104 موضعاً، وفي معظمها كان الرجوع فيها إلى الله.

وهذه حقيقة قرآنية ينبغي التنبه لها؛ ذلك أنّ المرء يعيش حياته هذه وسيعقبها الموت فالبعث فالنشر فالقيامة فالحساب فالجزاء، قال تعالى: (قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ١١) [غافر:11].

فالمرء كان عند الله عز وجل عندما خلقه الخلق الأول وأشهده على نفسه (وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ أَن تَقُولُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَٰذَا غَٰفِلِينَ١٧٢) [الأعراف:172].

وميثاق عالم الذَّرِّ أخذه الحق سبحانه والبشر جميعاً في ظهر آدم عليه السلام وأشهدهم على أنفسهم قبل أنْ تأتيهم شهوات النفس المعارضة لمنهج الله تعالى.

وهذا العهد فطري في النفس الإنسانية، وما جاءت الأديان إلا لتنفض عن هذه الفطرة غبار الغفلة وغبار الشهوات، فأتت الرسل للتذكير بهذا العهد الفطري القديم.

ثم يشاء الله تعالى أنْ يُخلق كلَّ امرىءٍ مرة أخرى، ثم يحيا حياته ثم يرجع إلى ربه يخرج من هموم الدنيا إلى رحمة ربه ورضوانه.

فما أسعده غداً إنْ كان من المؤمنين! وما أطيبه صبراً وعزاء أنْ نهتف بقلب مؤمن (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ١٥٦) [البقرة:156] !.

 

السؤال الخامس:

ما اهم دلالات هاتين الآيتين ؟

 

الجواب:

الآية 156 :

1ـ في الآية 156 وصف الله الصابرين بأنهم : (ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ) فهم يقرون بأنهم مملوكون لله يتصرف بهم كيف يشاء، ولا يعترضون على ما أصابهم سواء في أموالهم وأنفسهم ،وراضون بقضاء الله، وهم يعتقدون أنّهم راجعون إلى ربهم في الاخرة، ومثابون على صبرهم وابتلائهم .

وقال الله : (مُّصِيبَةٞ) ولم يضفها إلى نفسه بل عمّم ليدخل تحتها كلّ مضرة ينالها من قبل الله تعالى، أو ينالها من قبل العباد .

2 ـ نحن منه في البداية وإليه في النهاية؛ ولهذا: لنكن (معه) فيما بين ذلك.

3ـ أشد الناس ابتلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل .

4ـ ورد في حديث مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها ) . صحيح مسلم .

5ـ المصائب تكفّر الذنوب والخطايا، والصابر المحتسب له بيت في الجنة يُسمى بيت الحمد، وأعظم الصبر يكون عند الصدمة الأولى.

الآية 157 :

1ـ قوله تعالى : (أُوْلَٰٓئِكَ) أي الموصوفون بالصبر في الآية السابقة .

2ـ قوله تعالى : (عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ ) أي لهم ثناء ومدح وتكريم بحالهم ،إضافة للرحمة من ربهم والتي سوف ينالون بها كمال الأجر .

وإنما قال: (صَلَوَٰتٞ) على الجمع؛ تنبيهًا على كثرتها منه، وأنها حاصلة في الدنيا توفيقًا وإرشادًا، وفي الآخرة ثوابًا ومغفرة.

3 ـ قوله تعالى : (وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ١٥٧) أي هؤلاء الذين عرفوا الحق، وعلموا أنهم راجعون إلى الله ، وبالمقابل فإنّ من لم يصبر ولم يرض بقضاء الله يحصل له الضلال والخسران .

4ـ قوله تعالى : (ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ) جعل هذه الكلمات ملجأً لذوي المصائب، وعصمة للممتحنين؛ لما جمعت من المعاني المباركة، وذلك بتوحيد الله، والإقرار له بالعبودية، والبعث من القبور، واليقين بأنّ رجوع الأمر كله إليه كما هو له، و لم يعط هذه الكلمات نبي قبل نبينا، ولو عرفها يعقوب؛ لما قال: ( يَٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ) .والله أعلم .

 


مثنى محمد هيبان
رابطة العلماء السوريين

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 158]



السؤال الأول:

 

ما مضمون الآية باختصار ؟

 

الجواب:

 

الصفا والمروة من شعائر الله، وليس معنى الآية أنها شعيرة يمكن أن يفعلوها ويمكن ألا يفعلوها، بل المعنى أنهم كانوا يريدون أنْ يتركوها؛ لأنهم كانوا يحسُّون أنها من أعمال الجاهلية.

وللعلم فإنّ القرآن ذكر ابتداء من هذه الآية ( 158 ) ست قواعد مما كان عليه أهل الجاهلية، فذكر هنا القاعدة الأولى وهي : مشروعية السعي بين الصفا والمروة بعد أن كان عليهما صنمان . وأمّا القواعد الأخرى فسنذكرها في الآيات القادمة من سورة البقرة بمشيئة الله تعالى .



السؤال الثاني:

 

ما الفرق بين التعبيرين في القرآن الكريم (وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ) و(لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ) ؟


الجواب:

 

(وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ) جملة اسمية، (لَا) النافية للجنس وجناح اسمها، وخبرها جار ومجرور (عَلَيۡكُمۡ).

بينما (لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ) جملة فعلية، والقاعدة العامة أنّ الجملة الاسمية أقوى من الفعلية؛ لأنها دالة على الثبوت؛ لأنّ الاسم يدل على الثبوت، والفعل يدل على الحدوث والتجدد، والوصف بالاسم أقوى وأدوم من الوصف بالفعل.

و ( لا ) أقوى في النفي من ( ليس ) والنفي درجات، واللغة العربية سهلة ولكنها واسعة تعبر عن أمور كثيرة لا يمكن للغات أخرى أن تعبر عنها، وأدوات النفي لها دلالاتها.

 

2ـ الاستعمال القرآني للتعبيرين :

 

آ التعبير (فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ) [البقرة:158].

تستعمل فيما يتعلق بالعبادات بما فيها الصلاة والعمرة والحج والجهاد وتنظيم الأسرة وشؤونها والحقوق والواجبات الزوجية والأمور المهمة:

 

شواهد قرآنية :

 

ـ (إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ ) [البقرة:158] هذه عبادة.

(فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِ) [البقرة:229] .

ـ (فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ ) [البقرة:230] .

ـ (فَإِنۡ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٖ مِّنۡهُمَا وَتَشَاوُرٖ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَاۗ وَإِنۡ أَرَدتُّمۡ أَن تَسۡتَرۡضِعُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا سَلَّمۡتُم مَّآ ءَاتَيۡتُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ) [البقرة:233] .

ـ (فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ) [البقرة:234] .

ـ (وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ) [البقرة:235].

ـ (لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ) [البقرة:236].

ـ ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوف) [البقرة:240].

وهذه الآيات كلها في الحقوق وفي شؤون الأسرة.

ب التعبير (لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ) [البقرة:198].

وتستعمل فيما دون ذلك من أمور المعيشة اليومية، كالبيع والشراء والتجارة وغيرها مما هو دون العبادات في الأهمية.


شواهد قرآنية :

 

ـ (لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡ) [البقرة:198] هذه في التجارة وليست في العبادة.

ـ (فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَلَّا تَكۡتُبُوهَا) [البقرة:282] في كتابة الدَّين في التجارة.

ـ ( لَّيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَدۡخُلُواْ بُيُوتًا غَيۡرَ مَسۡكُونَةٖ فِيهَا مَتَٰعٞ لَّكُمۡۚ) [النور:29] .

ـ ( لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ) [النور:61] في الأكل.

ـ (وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِ) [الأحزاب:5] في نسب الأولاد لآبائهم.

ج وقد ورد في القرآن الكريم آيتان متتابعتان كل منهما تحتوي على إحدى الجملتين وهما في سورة النساء: 101- 102.

الآية: 101، فيها: (وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ ) [النساء:101]، وسياق الآية في الضرب في الأرض للتجارة.

الآية: 102، فيها: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذٗى مِّن مَّطَرٍ) [النساء:102]، وسياق الآية في الصلاة خلال الحرب .

ولا شك أنّ الصلاة أكثر أهمية من التجارة.

د كان عروة بن الزبير قد فهم من قوله تعالى: (َلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ) [البقرة:158] أنّ السعي ليس بركن، فردت عليه عائشة رضي الله عنها ذلك وقالت: لو كان الأمر كما قلت لقال: فلا جناح عليه (ألاّ يطوف بهما).

وثبت أنّ طائفة من الناس كانت تطوف بين الصفا والمروة قبل الإسلام للأصنام، فلما جاء الإسلام كرهوا الفعل الذي كانوا يشركون به، فرفع الله ذلك الجناح من قلوبهم وأمرهم بالطواف.



السؤال الثالث:

 

ما الأصل اللغوي لـ: (الصفا) (المروة) (شعائر الله) التي وردت في هذه الآية ؟


الجواب:

 

الصفا: من صفا يصفو، وهو الحجر الذي لا يخالطه غيره من شوائب، وهو الحجر الضخم الصلب الأملس. والصفا منتهى جبل أبي قبيس .

المروة: هي الحجارة البيضاء شديدة الصلابة الملساء. والمروة منتهى جبل قُعيْقَعان .

شعائر الله: النسك أو العبادات، والمراد أنّ السعي بين الصفا والمروة من دين الله تعالى، أمّا الصفا والمروة فهما علمان لجبلين مخصوصين، ولا يصح وصفُهما بأنهما دينٌ ونسكٌ، وإنما المراد السعي بينهما.



السؤال الرابع:

 

لم عبّر السياق بكلمة (يَطَّوَّفَ) [البقرة:158] بالتشديد ولم يقل: يطوف؟


الجواب:

 

1ـ قوله: (يَطَّوَّفَ) [البقرة:158] أصله: يتطوف، فأدغمت التاء في الطاء.

2ـ في ذلك دليل على مزيد اعتناء بهذه الشعيرة من شعائر الحج والعمرة، وقوله تعالى : (فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ) دلّ تقييد نفي الجناح فيمن تطوف بهما في الحج والعمرة، أنه لا يتطوع بالسعي مفرداً إلا مع انضمامه لحج أو عمرة ،بخلاف الطواف في البيت .

أي أنّ (السعي) عبادة لا تتكرر، فلا يأتي المسلم زيادة على السبعة، ولا يأتي المسلم بسبعة مستقلة نفلاً، بخلاف الطواف، فإنه يُتعبد به، وإنْ لم يكن المسلمُ حاجّاً أو معتمراً .



السؤال الخامس:

 

ما الفرق بين الفاء والواو العاطفتين في بعض آيات القرآن في سورة البقرة نحو الآيتين (158و 184) والآيتين (262 و 274)؟


الجواب:

 

الفاء كما هو معلوم للتعقيب مع السبب، والتعقيب بمعنى أن يأتي بعدها مباشرة، في عقب الشيء.. والفاء تفيد التعقيب وتأتي للسبب أي سببية نحو: درس فنجح، أو هذه أحد الأسباب، درس فنجح.

أمّا الواو فهي لمطلق الجمع ولا تدل على ترتيب أو تعقيب، والواو ليس فيها سبب.

الآيتان [ 158، 184]: قال تعالى:

ـ (إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) [البقرة:158].

ـ (أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) [البقرة:184] والسؤال لماذا قال في الأولى (وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا) وفي الثانية (فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥ)؟

والجواب: أنّ الأولى في الحج والعمرة فقال: ( وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا) أي: من جاء بعبادة أخرى كطواف آخر، أو بحج آخر، أو بعمرة أخرى، بعبادة أخرى مستحدثة وليس نفس العبادة، فناسب الواو .

أمّا الآية الثانية فهي في الصيام فقال: (فَمَن تَطَوَّعَ) [البقرة:184] كيف يتطوع؟ أي: يزيد في الفدية في نفس المسألة وفي نفس الطاعة، فهي ليست طاعة مستحدثة؛ لأنّ هذه فدية، وكيف يتطوع أكثر؟ مكان مسكين مسكينان، فجاء بالفاء.

الأولى عبادة أخرى مستحدثة، أمّا هذه فنفس العبادة، لذا جاءت واحدة بالواو والثانية بالفاء.

الآيتان [ 262-274]: قال تعالى :

ـ (ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:262].

ـ (ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:274].

والسؤال : لماذا جاء بالفاء في الثانية (فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ) [البقرة:274] دون الأولى (لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ) [البقرة:262] ؟

والجواب: أنّ الفاء واقعة في جواب اسم الموصول، وهنا الاسم الموصول مشبّه بالشرط، واسم الموصول أحياناً يشبّه بالشرط بضوابط فتقترن الفاء في جوابه كما تقترن بجواب الشرط، وكل واحدة لها معنى.

ومثال ذلك عندما تقول: الذي يدخل الدار له مكافأة، والذي يدخل الدار فله مكافأة.

الأولى فيها احتمالان :

آـ إمّا أنه له مكافأة بسبب دخوله الدار، كأن الدار مقفلة وهو يفتحها، أي: أنّ المكافأة مترتبة على دخول الدار.

ب وإمّا أن يكون للشخص الذي يدخل الدار له مكافأة بسبب آخر، إذن فيها احتمالان عندما لا تذكر الفاء.

وإذا ذكرت الفاء فلا بدّ أنّ المكافأة مترتبة على الدخول قطعاً وليس لأي سبب آخر، وهذا تشبيه بالشرط، أي: أنّ المكافأة شرط الدخول في الدار.

لذلك نقول: أنه في جواب اسم الموصول يوجد احتمالان لتشبيه جواب الموصول بالشرط :

آـ إمّا أن يكون السبب بمعنى أداة الشرط.

ب وإمّا لزيادة التوكيد.



السؤال السادس:

 

قوله تعالى:(فَلَا جُنَاحَ) [البقرة:158] كلمة ( جناح ) من بعض كلمات منظومة رفع الحرج أو رفع المسؤولية، فما هذه المنظومة في القرآن ؟


الجواب:

 

هذه بعض كلمات منظومة رفع الحرج أو رفع المسؤولية، وهي تعالج الشعور بالحرج أو الخوف أو التردد.

لا تثريب :

هي نفي القلق الناتج عن الشعور أنّ المسؤولية وقعت على شكل غير مرضٍ، فلا تثريب: أي لا تعيير ولا تعييب ، قال تعالى : (لَا تَثۡرِيبَ ) [يوسف:92].

لا ضير:

عندما يُنتقص حقك فتقول: لا ضير، أي تنفي أن يكون حظك قد انتقص، كقوله تعالى : (قَالُواْ لَا ضَيۡرَۖ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ) [الشعراء:50]،والتي معناها أننا سنموت ونُبعث وكل ما ستفعله سيكون في صالح أعمالنا.

ليس عليك هداهم : كان الرسول ﷺ يشعر باليأس من نتائج محاولاته المتكررة ليُسلِمَ أقارِبُه، فقال له الله: إياك وهذا الشعور؛ لأنهم لا يستحقون ذلك . انظر الآيات : (لَّيۡسَ عَلَيۡكَ هُدَىٰهُمۡ) [البقرة:272] وآية الأنعام[35] .

لا تكن في ضيق : نهى الله رسوله ﷺ عن الشعور بالضيق مهما كان صغيراً، والضيق هو غاية الحزن الذي يسيطر على الإنسان حتى يتعبه ويصبح أسيراً له. ( وَلَا تَكُن فِي ضَيۡقٖ ) [النمل:70].

اللوم : اللوم هو العذل الذي يعقب كل فعل ناقص أو خاطىء. (بِمَلُومٖ) [الذاريات:54].

لا جرم : أي: هذا حق وليس ظلماً. (لَا جَرَمَ) [هود:22] .

الحرج : الحرج هو آخر الضيق، وهو المكان الضيق جداً بحيث لا يستطيع شيء أن ينفذ من خلاله، فالحرج لغة هو: ملتقى الشيئين المجتمعين المنطبقين، واستعملت هذه الكلمة في الضيق الناتج عن القلق عن فعل الإنسان في مرحلة الوجدان أو النزوع، وليس في مرحلة الإدراك (مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجۡعَلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ حَرَجٖ) [المائدة:6] و[الحج:78].

والله أعلم .

مثنى محمد هيبان

رابطة العلماء السوريين
 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
 


(خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ) [البقرة: 162]

 


السؤال الأول:

 

لدينا في القرآن تعبيران (خَٰلِدِينَ فِيهَا) كما في هذه الآية و(خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ) [النساء:57] هل (خَٰلِدِينَ فِيهَا) فيها أمل بالغفران، أو الانتقال من مرحلة إلى أخرى؟

 


الجواب:

 

1ـ هناك قاعدة في القرآن الكريم سواء في أهل الجنة أو في أهل النار، إذا كان المقام مقام تفصيل الجزاء أو في مقام الإحسان في الثواب أو الشدة في العقاب يذكر (أبداً)، وإذا كان في مقام الإيجاز لا يذكرها.

 

2ـ هناك آيات كثيرة فيها (خالدين) وحدها، وليس في العقيدة أنهم يغفر لهم، نحو قوله تعالى:

 

ـ (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٌ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ لَعۡنَةُ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ١٦١خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ) [البقرة: 161، 162] ومسألة وجود أو عدم وجود (أبداً) ليس لها علاقة بالخلود الدائم.

 

3ـ (أبداً) ظرف زمان خاص بالمستقبل فقط وليس له دلالة زمنية معينة، ونحن نستعمل (قطّ) للماضي و(أبداً) للمستقبل، وخطأ أن نقول: ما رأيته أبداً، وهذا خطأ لغوي شائع، نقول: لا أكلمه أبداً، وما رأيته قطّ. لأنّ (أبداً) للمستقبل الذي ليس له نهاية.

 

4ـ هناك أمران:

 

آـ إذا كان هناك تفصيل في الجزاء يقول: (أَبَدٗاۖ) وتفصيل الجزاء هو سواء في العقاب أو الثواب.

 

و(خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ) [النساء:57] أطول من (خَٰلِدِينَ فِيهَآ) فيذكرها مع التفصيل.

 

ب ـ أو كون العمل المذكور يستوجب الشدة فيستخدم (أبداً).

 

(أبداً) لا تحمل معنى التأبيد الدائم أو عدم الخروج؛ لأنّ الخلود وحده يحمل هذا المعنى. والقرآن يستعمل خالدين لأهل الجنة وأهل النار، والخلود لغوياً يعني البقاء أو الزمن الطويل على ما يقول بعضهم.

 

6ـ وقد وردت (خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ) في أهل الجنة 8 مرات في القرآن الكريم، ووردت في أهل النار 3 مرات، وهذا من رحمته سبحانه وتعالى؛ لأنّ رحمته سبقت غضبه، والخلود عند العرب تعني المكث الطويل وليس بالضرورة المكث الأبدي.

 


السؤال الثاني:

 

ما الفرق بين استخدام كلمة (يُنصَرُونَ) [البقرة:86] وكلمة (يُنظَرُونَ) في آية البقرة [162] وآية آل عمران[ 88 ]؟

 


الجواب:

 

لو نظرنا في سياق الآيات في سورة البقرة التي سبقت آية 86 لوجدنا الآيات: (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ٨٤ ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ٨٥) [البقرة: 84 ـ85] فالآيات تتكلم عن القتال والحرب، والمحارب يريد النصر، لذا ناسب أن تختم الآية 86 بكلمة (يُنصَرُونَ).

 

أمّا في الآية الثانية في سورة البقرة وآية سورة آل عمران ففي الآيتين وردت قبلهما ذكر اللعنة، واللعنة معناها الطرد من رحمة الله والإبعاد، والمطرود كيف تنظر إليه؟ فناسب كلمة (يُنظَرُون).

 


السؤال الثالث:

 

ما دلالة هذه الآية؟

 


الجواب:

 

هذه الآية ذكرت ثلاث صفات للعذاب واللعنة المشار إليها في الآية السابقة وهذه الصفات هي:

 

ـ (خَٰلِدِينَ فِيهَا) هم خالدون في اللعنة والعذاب في جهنم.

 

ـ (لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ) عذابهم دائم شديد مستمر.

 

ـ (وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ) والإنظارُ هو التأجيل والتأخير، لأنّ وقت الإمهال كان في الدنيا وقد انتهى، ولم يبق لهم عذر فيعتذرون.

 

نعوذ بالله من ذلك. والله أعلم.


image.png


{وَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ١٦٣}[البقرة: 163]

 


السؤال الأول:

ما دلالات هذه الآية؟


الجواب:

1 ـ هذه الآية تمثل قاعدة عظيمة في الإسلام وهي قاعدة التوحيد، وفيها تقرير للوحدانية بنفي غيره وإثبات ذاته سبحانه، فلا إله سواه، ولا يستحق العبادة إلا هو.

وهذه القاعدة الجليلة هي القاعدة الثالثة من قواعد الإيمان والتي بدأت في آية البقرة (158)، ثم في الآية (159)،ثم في هذه الآية (163).

2ـ لمّا ذكر الله الإلهية الأحدية، وهي تفيد القهر والعلوّ، أعقبهما بذكر المبالغة في الرحمة ترويحاً للقلوب عن هيبة الإلهية وعزّة الفردانية، وإشعاراً بأنّ رحمته سبقت غضبه، وأنه ما خلق الخلق إلا للرحمة والإحسان.

3ـ أعقب في الآية التي بعدها ببيان التوصل إلى الإيمان بالله الواحد الأحد بقراءة الكتاب المنظور وهو الكون الذي نراه، فوجّه إلى ثمانية أدلة من دلائل التوحيد نشاهدها في الكون الذي حولنا.

4ـ ورد: إنّ اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى موجود في هذه الآية وفي آية الكرسي وأول سورة آل عمران.

5 ـ الوحدة هي الانفراد، والواحد الذي لا يتبّعض ولا ينقسم، والواحد لا نظير له، وليس كمثله شيء، واحد في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته لا شريك له.

6 ـ إنْ قيل: ما فائدة تقديم الرحمن على الرحيم؟ فالجواب: لما كانت رحمته في الدنيا عامة للمؤمنين والكافرين: قدّم (الرحمن) أولاً، وأمّا في الآخرة فهي دائمة لأهل الجنة لا تنقطع لذا قيل: (الرحيم) ثانياً، ولذلك يقال: رحمن الدنيا، ورحيم الآخرة.

7 ـ (ٱلرَّحۡمَٰنُ) على وزن فعلان، والرحيم على وزن فعيل، ومن المقرر في علم التصريف في اللغة العربية أنّ صفة (فعلان) تمثل الحدوث والتجدد والامتلاء والاتصاف بالوصف إلى حده الأقصى، فيقال: غضبان، بمعنى امتلأ غضباً كما في قوله تعالى: (فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ) [طه:86] لكنّ الغضب زال (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلۡغَضَبُ) [الأعراف:154] ومثل ذلك عطشان، ريان، جوعان، فيكون عطشانَ فيشرب فيذهب العطش.

أمّا صيغة (فعيل) فهي تدل على الثبوت سواء كان خِلقة، مثل طويل، جميل، قبيح، فلا يقال: خطيب، لمن ألقى خطبة واحدة، وإنما تقال لمن يمارس الخطابة، وكذلك الفقيه.

هذا الإحساس اللغوي بصفات فعلان وفعيل لا يزال في لغتنا الدارجة إلى الآن فنقول لمن بدا عليه الطول (طولان) فيرد: هو طويل (صفة ثابتة)، فلان ضعفان (حدث فيه شيء جديد لم يكن) فيرد: هو ضعيف (هذه صفته الثابتة فهو أصلاً ضعيف).

ولذا جاء سبحانه وتعالى بصفتين تدلان على التجدد والثبوت معاً، فلو قال: (ٱلرَّحۡمَٰنُ) فقط لتوهم السامع أنّ هذه الصفة طارئة قد تزول كما يزول الجوع من الجوعان والغضب من الغضبان وغيره، ولو قال: (ٱلرَّحِيمُ) وحدها لفهم منها أنّ صفة رحيم مع أنها ثابتة لكنها ليست بالضرورة على الدوام ظاهرة إنما قد تنفك، مثلاً عندما يقال: فلان كريم، فهذا لا يعني أنه لا ينفك عن الكرم لحظة واحدة، إنما الصفة الغالبة عليه هي الكرم.

وجاء سبحانه بالصفتين مجتمعتين ليدل على أنّ صفاته الثابتة والمتجددة هي الرحمة، ويدل على أنّ رحمته لا تنقطع، وهذا يأتي من باب الاحتياط للمعنى، وجاء بالصفتين الثابتة والمتجددة لا ينفك عن إحداهما فهذه الصفات مستمرة ثابتة لا تنفك البتة وغير منقطعة. والله أعلم.


 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ١٦٤ ﴾ [البقرة: 164]


السؤال الأول:

مادلالة قوله تعالى في الآية ﴿وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ﴾ [البقرة:164]؟

الجواب:

تأمل كيف قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ﴾ [البقرة:164] فاستخدم كلمة (تصريف) للدلالة على أحوال الرياح، ولم يستخدم كلمة أخرى كالهبوب مثلاً؛ ذلك لأنّ هذه الكلمة لا يمكن أنْ يؤدي معناها أي كلمة أخرى، فقد جمعت أحوال الرياح التي يحتاج إليها الإنسان. والرياح في كل حالة من أحوالها هي آية من آيات وجود الخالق وعظيم قدرته سبحانه، فهبوب الريح مثلاً يحتاج إليه أهل موضعٍ لتخفيف الحرّ عنهم، وقد يحتاج أهل موضعٍ آخر إلى اختلاف هبوبها لتجيء رياح رطبة بعد رياح يابسة، أو تهب من جهة الساحل مسيّرةً السفن إلى البحر، أو تهب إلى جهة الساحل ليرجع أهل السفن من أسفارهم أو صيدهم، فكل تلك الأحوال التي أنعم الله تعالى بها على الناس وغيرها اجتمعت في قوله تعالى: ﴿وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ﴾ [البقرة:164].


السؤال الثاني:

ما الفرق بين كلمتي ( ريح ) و (رياح ) في القرآن الكريم؟

الجواب:

1ـ كلمة (ريح) في القرآن الكريم تستعمل للشّر، كما في قوله تعالى في سورة فصّلت: ﴿فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ﴾ [فُصِّلَت:16] وفي سورة القمر: ﴿إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ﴾ [القمر:19].

2ـ أمّا كلمة (الرياح) فهي تستعمل في القرآن الكريم للخير كالرياح المبشّرات، كما في قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ [البقرة:164] وفي سورة الأعراف: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦ﴾ [الأعراف:57] وسورة الحجر: ﴿وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥبخازنين﴾ [الحِجر:22].

وفي سورة سبأ ﴿وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ﴾ [سبأ:12] استعملت كلمة (ريح) مع سليمان، لكنها لم تُخصص لشيء فجاءت عامة قد تكون للخير أو للشر؛ لأنّ الله سخّرها لسليمان يتصرف بها كيف يشاء.

السؤال الثالث:

هل من تفاصيل أكثر عن الريح والرياح في القرآن الكريم؟ وعن أسلوب كتابتها في المصحف؟


الجواب:

أولاً:

كلمة (ريح) اسم جنس إفرادي، قد تُجمع على رياح وأرياح وأرواح، مثل ماء يُجمع على مياه وأمواه.

ـ وجاءت في 29 موضعاً، منها 10 مواضع للرياح حسب ما يلي:
موضع واحدfrown.gif رياح) بالألف، أي: رياح. في قوله تعالى:﴿ وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ [الروم: ٤٦].

وقد جاءت كلمة﴿ٱلرِّيَاحَ﴾ كاملة الحروف بدون أي نقص لتناسب ما وصفه الله لنا من كثرة فوائد الرياح؛ فهي مبشرات، وهي رحمة، وهي تسير الفلك، وهي فضل من الله؛ حتى نشكر الله على ذلك.

9 مواضع: (ريح) مع ألف صغيرة ﴿ ٱلرِّيَٰحَ﴾، وتقرأ (رياح) كما يمكن قراءتها (ريح).

14 موضعاً: (ريح ) بدون ألف صغيرة، وتقرأ (ريح) فقط.

5 مواضع: (ريح) في معانٍ إضافية للريح.

ثانياً:

كلمة (ريح) في القرآن الكريم تستعمل للشر كما في آيات: آل عمران [117 ] فصلت [16] القمر [19] الحج [31 ] الإسراء [69].

أمّا كلمة (رياح) فهي تستعمل في القرآن للخير كالرياح المبشرات، كما في الآيات: البقرة [164] الأعراف [57] الحجر [22] الجاثية[ 5]النمل[ 63 ] وهذه جاءت على صيغة ﴿ريح﴾ أي مع الألف الصغيرة وفي هذه الحالة يمكن قراءتها( ريح أو رياح).

أمّا الآية الوحيدة التي جاء رسمها بالألف (رياح) الروم[46] ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ فقد جمع الرياح لتعدد الرحمات.

وفي آية واحدة جاءت كلمة: (بريح طيبة) في قوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَيۡنَ بِهِم بِرِيحٖ طَيِّبَةٖ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتۡهَا رِيحٌ عَاصِفٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ أُحِيطَ بِهِمۡ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنۡ أَنجَيۡتَنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ﴾ [يونس:22].

فقد جاءت كلمة ريح مع كلمة (طيبة) ـ بخلاف ما ذُكر أعلاه ـ لتتناسب مع سياق الآية فيما بعد ﴿جَآءَتۡهَا رِيحٌ عَاصِفٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانٖ﴾ [يونس:22] لأنّ خاتمتها غير حميدة؛ ولأنه أعقبها بالشر.
أمّا آية سورة سبأ فاستعملت كلمة (ريح ) مع سليمان عليه السلام، لكنها لم تخصص لشيء فجاءت عامة، فقد تكون للخير وقد تكون للشر؛ لأنّ الله سبحانه سخرها لسليمان يتصرف بها كيف يشاء.


ثالثاً:

آ ـ كلمة (ريح) جاءت في 14 موضعاً بدون ألف صغيرة، وهذه المواضع هي:

آل عمران [117 ] يونس [22 ] مرتان: القمر[ 19] الإسراء [69 ] إبراهيم [ 18] فصلت [16 ] الحج [31] الروم [51] الأحزاب [9] الشورى [33] الأحقاف [ 24] الذاريات [41] الحاقة [6].

ب ـ وجاءت مع ألف صغيرة ﴿ٱلرِّيَٰحَ﴾ في تسعة مواضع، وهي:
ـ البقرة [164] الأعراف [57] الحجر[22] الكهف [45] الفرقان [48] النمل [63] الروم[ 48 ] فاطر [ 9] الجاثية [5].
ج ـ جاءت بدون ألف صغيرة في خمسة مواضع بمعانٍ إضافية للريح، وهي:

يوسف [94] ﴿رِيحَ يُوسُفَۖ﴾.

الأنبياء [81] ﴿وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ﴾.

سبأ [12] ﴿وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ ﴾.

الأنفال [46] ﴿وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ﴾.
ص }36 { ﴿ فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّيحَ﴾.
وعندما يكون هناك ألف صغيرة على كلمة ﴿ٱلرِّيَٰحَ﴾ يمكن قراءتها (ريح) أو( رياح)،
لكن مع وجود الألف (رياح) لا يمكن قراءتها (ريح) بل (رياح).

السؤال الرابع:

ماتفسير هذه الآية الكريمة؟ وما دلالة وصف السحاب في الآية؟

الجواب:

في سورة البقرة وفي سياق تعداد نِعم الله سبحانه وتعالى، هناك نوع من التناسق في هذه الآيات، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ [البقرة:164].
1ـ تذكر الآية جملة أمور مؤكدة بـ﴿إِنَّ﴾ [البقرة:164] ثم بعد ذلك تذكر الخبر ﴿لَأٓيَٰتٖ﴾ [البقرة:164].

2ـ عندنا إيمان أنّ الله تعالى خلق السموات والأرض لأجل الإنسان.
﴿وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ﴾ [البقرة:164] ليل ونهار يختلف، ليس نهاراً سرمداً ولا ليلاً سرمداً، بل تعاقب بين الليل والنهار وتنويع؛ لأنّ الماء إذا سكن في مكانه يفسد.
﴿وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ﴾: من رحمة الله سبحانه وتعالى أنْ جعل الإنسان يصنع أجساماً يسكن فيها وتطفو على الماء، وهذا ليس أمراً سهلاً لكننا ألِفناه، والوصول إليه هداية من الله تعالى، فهي إذن من نعم الله تعالى على الإنسان.

﴿وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ﴾: كل ما يتناوله الإنسان والنبات والحيوان مما مصدره السحاب، فهذا الماء في الأرض ماء يرتفع إلى السماء فيطهر فينزل طاهراً، حتى الجبال التي فيها ثلج هي في أصلها من هذا السحاب المرتفع وليس ثلجاً ابتداءً لكنه من هذا الذي يتبخر، والسماء هو العلوّ وكل ما علاك فهو سماء.
﴿فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا﴾: والأرض من غير ماء ميتة.
﴿وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ﴾: المقصود هذه الدواب التي على الأرض بسبب الماء أيضاً.

﴿وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ﴾: السفن تتحرك بالرياح، والسحاب يتحرك بالرياح، ولذلك أكّده ﴿وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ﴾ [البقرة:164] يعني هو مهيأ ومُعدّ لكم، وإنما الله تعالى سخّره بين السماء والأرض، كل هذا ﴿لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ [البقرة:164].

9ـ وكلمة (سحاب) هي اسم جنس جمعي، لفظ مفرد ولكنْ معناه معنى جمع وليس له واحد من لفظه، والسحابة هي القطعة من السحاب لكن ليست كل واحدة من السحاب هي قطعة، والقطعة مجزّأة تماماً مثل كلمة ماء؛ لأنّ الماء اسم جنس جمعي ليس له واحد من لفظه.
واسم جنس يعني لحالة معينة خاصة به: السحاب للسحاب، والماء للماء لهذا الجنس، مثل كلمة رجل جنس لهذا المخلوق.

والسحاب يُذكّر ويؤنّث، فالعرب تقول: هذا السحاب، وتقول: هذه السحاب، ظهر السحاب وظهرت السحاب، لكنّ الإحالة عليه بالضمير بالمفرد المذكّر؛ يعني تقول: السحاب رأيته ولا تقول: السحاب رأيتها، فإذا جمعتَه على سُحُب تؤنّث، تقول: السحب رأيتها، ولا تقول: رأيته للجمع، كما تقول: الشجر سقيته، هذا أيضاً اسم جمع إفرادي: الأشجار سقيتها.

10ـ هناك (ماء) في العربية وهناك ( ماءة )، ويفرّق بينها وبين واحده بالتاء، كلمة ( ماءة ) يعني: الواحد من الماء، عادة يطلقونها على الماء المتبقي مثل الغدران، ولا سيما إذا خصت إحدى القبائل نفسها بها، فيقولون: هذه ماءة لبني فلان.

السؤال الخامس:

ما الفرق بين ﴿بَعۡدَ مَوۡتِهَا﴾ و﴿مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا﴾ في القران الكريم في الآيات [البقرة 164، و العنكبوت 63،و الروم 50 ]؟

الجواب:

استعراض الآيات:

آية العنكبوت: ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ﴾ [العنكبوت:63].

آية الروم: ﴿فَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ ءَاثَٰرِ رَحۡمَتِ ٱللَّهِ كَيۡفَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [الروم:50].

البيان:
1ـ التعبير ﴿بَعۡدَ مَوۡتِهَا﴾ يفيد البعدية القريبة والبعيدة.

2ـ والتعبير ﴿مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا﴾ فهي للبعدية القريبة فقط دون البعيدة و(من) للابتداء.

3ـ ورد التعبير ﴿بَعۡدَ مَوۡتِهَا﴾ في القرآن الكريم كله من دون (من) في تسعة مواطن، وهي: البقرة [164] البقرة[259] النحل[65] الروم [19] الروم [24] الروم[50] فاطر [9] الجاثية [5] الحديد [17].

بينما ذكر التعبير: ﴿مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا﴾ في موطن واحد، وهو آية العنكبوت [63].

4ـ والسبب أنّ آية العنكبوت تدور حول المشركين الذين يشركون بالله ويعبدون معه آلهة أخرى، وهي تعجب من عقولهم وإظهار لمقدار باطلهم وتفكيرهم، في حين لو سألتهم: ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ﴾ [العنكبوت:61].

لذلك أدخل (من) في هذا الموطن للدلالة على مقدار قدرة الله وعظمتها وذلك أنّ قوله: (أحيا الأرض بعد موتها) يحتمل الزمن بعد الموت بمدة قريبة أو بعيدة.

ولكنّ قوله: ﴿فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ مَوۡتِهَا﴾ [العنكبوت:63] معناه الإحياء بعد الموت بلا مهلة ولا فاصل، أي: أنّ الله قادر على أنْ يحي الميت فوراً بلا مهلة، وهذا أدل على قدرة الله، وإنْ كان كلاهما من قدرة الله وحده، وقد جاء بـ (من) في هذا المقام للدلالة على أنهم يشاهدون ذلك ويقرون أنّ الله يحي الأرض من الموت بلا مهلة.

السؤال السادس:

ما دلالة رسم ﴿وَٱخۡتِلَٰفِ﴾ بدون ألف وسطية في قوله تعالى: ﴿وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ﴾؟

الجواب:

وردت ﴿وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ﴾ خمس مرات في القرآن الكريم كله، وذلك في الآيات:[ البقرة 164 ـ آل عمران 190 ـ يونس 6 ـ المؤمنون 80 ـ الجاثية 5 ] وكلها بدون ألف وسطية في كلمة﴿وَٱخۡتِلَٰفِ﴾،ويوحي ذلك إلى الارتباط بين الليل والنهار معاً في نفس الوقت، وتداخلهما، وإيلاج الليل في النهار وايلاج النهار في الليل، ويفسر تلك الظواهر الكونية من حيث القرب والارتباط والاستمرار والتداخل. والله أعلم.

السؤال السابع:

ما دلالات هذه الآية؟

الجواب:

1 ـ هذه الآية ذكرت ثمانية أدلة من دلائل التوحيد نشاهدها في الكون الذي حولنا.وهي: السماوات ـ الأرض ـ اختلاف الليل والنهار ـ الفلك التي تجري في البحر لمنفعة العباد ـ نعمة الماء النازل من السماء ـ كلّ ما دبّ على وجه الأرض هو من خلق الله ـ تصريف الرياح ـ تصريف السحاب.
2ـ هذه الآية حثّ صريح على وجوب التأمل والتفكر والتدبر، وقد أكدّ الله ذلك بقوله: ﴿لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ بتأكيد اللام التي تسمى المزحلقة نحوياً.

3ـ الآية فيها إشارة إلى علم الفلك، والطبيعة، والجغرافيا، وعلم الفضاء، وعلم الأرض، وعلم النبات والحيوان، وعلم البحار والمعادن، وغير ذلك ليلفتنا ربنا إلى قدرته ووحدانيته وبديع صنعه.

4 ـ هذه الآية دعوة للتأمل والنظر في هذا الكون، وإعمال العقل في آثار صنع الله تعالى، للاستدلال على وحدانيته ووجوب التوجه إليه وحده في العبادة.

5 ـ للعلم فقد جاءت مثل هذه الدلائل أيضاً في سورة إبراهيم في الآيتين: ( 32 ـ 33 ).
6 ـ هل كلمة ( الفُلك ) مذكر أو مؤنث وكيف نجمعها؟ والجواب: لفظ ( الفُلك ) تطلق على المفرد والمثنى والجمع والمؤنث على حد سواء. نقول: هذا فُلك، وهذه فُلك، وهذان فُلك، وهاتان فُلك، فإذا أريد به واحدًا ذكَّر، كقوله تعالى: ﴿فِي ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ٤١﴾ [ يس:41 ]، وإذا أريد به الجمع أنّثَ، كقوله تعالى: ﴿وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ﴾ [ البقرة:164 ] فأنّثَ ويحتمل الإفراد والجمع، وقوله تعالى: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَيۡنَ بِهِم﴾ [ يونس:22 ] فأنّثَ وجمع. والله أعلم.
 

مثنى محمد الهيبان


رابطة العلماء السوريين

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ﴾ [البقرة: 165]
 
السؤال الأول:
قوله تعالى: ﴿وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا﴾ [البقرة:165] أين جواب الشرط فى الآية؟

 
الجواب:
تأمل في قوله تعالى ﴿وَلَوۡ يَرَى﴾ فإنك لا تجد جواب (لو)، فالأصل في هذه الأداة (لو) أنْ تأخذ فعل شرط وجوابه، فتقول مثلاً: لو رزقني الله مالاً لتصدقت بنصفه، فلِمَ حذف جواب (لو) في الآية؟
لقد تم حذف جواب (لو) في الآية؛ لأنّ حذفه يوقع أثراً في نفس من وُجِّه إليهم الكلام أكثر مما لو ذكر جواب (لو)، كأنْ يقال: "لرأوا أمراً عظيماً" أو غيره، فقد ترك القرآن الكريم للخيال أنْ يذهب كل مذهب في تصور شدة الموقف وفظاعته، وأنت عندما تهدد إنساناً بقولك: "لئن لم تفعل" ثم تسكت، يُحدِث كلامك أثراً في نفس السامع أكثر مما يُحدِث قولك: "لئن لم تفعل لأضربنّك".

السؤال الثاني:
ما دلالات هذه الآية؟

 
الجواب:
1 ـ بعد أن بيّن اللهُ دلائل وحدانيته بالبراهين الساطعة في الآية السابقة، ذكر أنّ بعض الناس مع هذا البيان منْ يتخذ من المخلوقين معبودات كالأصنام والأوثان من دون الله، يحبونهم كحب الله في الطاعة والتعظيم والانقياد أو يسوّونهم مع الله، أو يحبونهم كحب المؤمنين لله.
2ـ وما أكثر الأصنام والأوثان التي يحبها الناس قديماً وحديثاً، ومن ذلك عبدة الشيطان في مجتمعاتنا، وكذلك كل ما يُعبد من دون الله، سواء كان ذلك الحب متمثلاً في محبة أهل القبور والأضرحة ممن يطلبون منهم حاجاتهم، أوفي محبة المال والزوجة والولد والمنصب والجاه حباً يخرجهم عن الحدود الشرعية المقبولة، أو في إطاعة الطواغيت المستبدين الظالمين، كما قال تعالى: ﴿أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ﴾ [الجاثية:23].
3ـ جاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: (أن تجعل لله ندّا وهو خلقك ).صحيح البخاري.
4 ـ ( الندّ 😞 المثل، ويُراد به هنا الأصنام أو كل ما سولت لهم أنفسهم عبادته وطاعته.
5ـ المؤمن يقول الله عنه: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ﴾ أي أشدُ من حب المشركين لآلهتهم، وحبُ المؤمن لربه حبٌ صادق نابع عن عقيدة وإيمان وإخلاص، وهو حبٌ لله ذي الجلال والكمال، ولا يعدلون به شيئاً في أي حالة من الحالات ضرّاء أو سرّاء أو في بر أو بحر، بخلاف المشركين فإنهم يعدلون في الشدائد إليه سبحانه، وإذا رأوا في الرخاء حجراً أحسن تركوا الأول وعبدوه، فحب المشركين هوائي، وحب المؤمنين عقلي، بالقلب والقالب، والنفس والوجدان، مع إيثار حب الله ورسوله على محبة كل شيء في الدنيا.
وحب المؤمن لله يتمثل فيما يصدر عنه من التعظيم لله والمدح والثناء والعبادة خالصة من الشرك، وهذا الحب يقترن به الرجاء والثواب والرغبة فيما عند الله من المنزلة والثواب.
6 ـ قوله تعالى: ﴿وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا﴾ فيه وعيد لأولئك الذين ظلموا أنفسهم بالظلم بالشرك واتخاذ الندّ، عندما يرون عذاب جهنم، عندها يتيقنون أنّ القدرة بيد الله وحده، فهو المنفرد بالقدرة والقوة، وليس بيد الأنداد الضعفاء العجزة،﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ﴾ لمن اتخذوا من دون الله آلهة يعبدونها ويتقربون إليها،ويكون ذلك يوم القيامة.
7 ـ قوله تعالى: ﴿إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ﴾ العذاب من فعل (عذّب)، الذال مشدّدة وهذا يعني أنهم فيه لفترة طويلة لأنّ أكثر وروده في القرآن في الآخرة ؛ لأنها طويلة، لذلك قال: ﴿شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ﴾، بينما (العقاب) من عقب الشيء وتعقبه، فيدل على سرعة وقوعه وأكثر وروده في القرآن في الدنيا لسرعتها، وهذه الآية في الآخرة وهم يرون العذاب مباشرة فقال: ﴿شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ﴾.
8 ـ هذه الآية تمثل القاعدة الرابعة من قواعد الإيمان وهي: محبة العبد لربه تفوق كلّ محبة، وقد سبق بيان القواعد الأخرى في آيات البقرة: [ 158 ـ159 ـ 163 ].
والله أعلم.

image.png

﴿ﭐ إِذۡ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ وَتَقَطَّعَتۡ بِهِمُ ٱلۡأَسۡبَابُ﴾ [البقرة: 166]

السؤال الأول:
ما دلالات هذه الآية؟

الجواب:
1 ـ هذه الآية إخبار من الله عن المستقبل، حيث يتخاصم أو يتلاوم الكفار في النار يوم القيامة، و كلٌ منهم يُلقي اللوم على الآخر، حيث يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضاً، لأنّ الصلة بينهم كانت لغير الله، فانتهت العلاقات، وسقطت الكراسي، وهوت الرئاسات، ولم يعد للكبار شيئاً يملكونه للصغار، وقد أضلوهم في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يتبرؤون منهم.
2 ـ قوله تعالى: ﴿وَتَقَطَّعَتۡ بِهِمُ ٱلۡأَسۡبَابُ﴾ فيه مجاز مرسل علاقته السببية، فإنّ السبب في الأصل الحبل الذي يرتقى به إلى ما هو عالٍ، ثم أطلق على كل ما يتوصل به إلى شيء، مادة كان أو معنى.
3 ـ هذه الآية تمثل القاعدة الخامسة من قواعد الإيمان وهي: مسؤولية كل إنسان عن نفسه، وقد سبق بيان القواعد الأخرى في آيات البقرة: [ 158 ـ159 ـ 163 ـ 165].
4 ـ قوله تعالى: ﴿إِذۡ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ﴾ يمثل مشهداً مخيفاً يوم القيامة، وهو براءة الأتباع من المتبوعين والعكس، وليكن معلوماً بأنّ موازين الأمور في الآخرة هي المقياس الحقيقي لمعرفة حقائق الأمور في الدنيا. والله أعلم.

image.png

﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةٗ فَنَتَبَرَّأَ مِنۡهُمۡ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّاۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡ حَسَرَٰتٍ عَلَيۡهِمۡۖ وَمَا هُم بِخَٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ﴾ [البقرة: 167]

السؤال الأول:
ما الفرق بين الحسرة والندامة؟

الجواب:
1ـ الحسرة هي أشد الندم حتى ينقطع الإنسان من أنْ يفعل شيئاً، والحسير هو المنقطع في القرآن الكريم، ويقولون هو من تبلغ به درجة لا ينتفع به حتى ينقطع.
2ـ في الندم قد يندم الإنسان على أمر وإنْ كان فواته ليس بذلك، لكنّ الحسرة هي أشد الندم والتلهف على ما فات حتى قالوا:ينقطع تماماً، يقولون:هو كالحسير من الدواب الذي لا منفعة معه.
و الندم له درجات أيضاً ولكنّ الحسرة أشد الندم، وهي من الندم لكنّ أقوى من الندم ؛ إذ تكون عندما يبلغ الندم مبلغاً، نحو قوله تعالى:
ـ ﴿ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡ حَسَرَٰتٍ عَلَيۡهِمۡۖ﴾ [البقرة:167] أي: منقطعة ولا فائدة من الرجوع مرة ثانية.
ـ ﴿يَٰحَسۡرَةً عَلَى ٱلۡعِبَادِۚ ﴾ [يس:30] أي: هذه أكبر الحسرات وليس هناك أكبر منها.
3 ـ قوله سبحانه: ﴿ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡ حَسَرَٰتٍ عَلَيۡهِمۡۖ﴾ [البقرة:167] يفيد أنّ كل وقت ضاع في المباح يتحسّر صاحبُه عليه غداً.. ولو كان من أهل الجنة، فكيف لو ضاع في الحرام، وكان صاحبُه من أهل النار؟!

السؤال الثاني:
ما دلالات هذه الآية؟

الجواب:
1 ـ يوم القيامة يقول التابعون: لو أنّ لنا عودة إلى الدنيا مرة ثانية لانتقمنا منهم، وأعلنا براءتنا منهم كما أعلنوا براءتهم منا، وكما أراهم الله شدة عذاب الآخرة يريهم عاقبة ما كانوا يفعلونه في الدنيا من الشرك والكفر والمعاصي ندامةً وحسرةً على ما فرّطوا في جنب الله،فهم يتمنون أن يُردوا إلى الدنيا فيتركوا الشرك والمعاصي، ويقبلوا على الله، وأنّى لهم ذلك، فقد فات وقت التوبة وانتهى عمر الدنيا، وهم كاذبون في دعواهم، ولو رُدوا لعادوا لما نهوا عنه.
2ـ رأس المتبوعين على الشر ـ إبليس ـ يقول لأتباعه يوم القيامة لمّا قضي الأمر: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِيۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُمۖ﴾ [إبراهيم:22].
3 ـ في الآية ما يسمى: فن الحذف، فقد حذف جواب (لو) الشرطية وهو مقدّر في الآية وتقديره: لكان منهم ما لا يدخل تحت الوصف. و( لو) للتمني.والله أعلم.


image.png


﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ﴾ [البقرة: 168]

السؤال الأول:
ما أهم النظرات البلاغية في الآية؟

الجواب:
1ـ الحلال هو المباح وهو نقيض الحرام، والحرام قد يكون حراماً لخبثه كالخمر، وقد يكون حراماً لا لخبثه كمُلك الغير إذا لم يأذن في أكله، والحلال هو الخالي من القيدين.
2ـ الطيبُ في اللغة قد يكون بمعنى الطاهر، والحلال قد يوصف بالطيب؛ لأنّ الحرام يوصف بأنه خبيث، والطيبُ في الأصل هو ما يُستَلَذُّ به ويستطاب.
3ـ قوله تعالى: ﴿حَلَٰلٗا طَيِّبٗا﴾ [البقرة:168] نُصِبَ على الحال مما في الأرض أو مفعول به.
4ـ قوله ﴿خُطُوَٰتِ﴾ [البقرة:168] بضم الخاء والطاء، أو بسكون الطاء ـ والخُطوة من الأسماء لا من الصفات فيُجمع بتحريك العين، وأمّا من خفف العين فأبقاه على الأصل وطلب الخفة فلا بأس.

السؤال الثاني:
ما الأمور التي ذكرها الله في القرآن حول عداوة الشيطان المبينة الظاهرة؟

الجواب:
1ـ قوله تعالى: ﴿إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ﴾ [البقرة:168] بيّن العلة في هذا التحذير ؛ وهي كونه عدواً مبيناً.
2ـ يلاحظ أن الشيطان التزم أموراً سبعة في العداوة، وهي:
آـ أربعة منها في قوله تعالى: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ﴾ [النساء:119].
ب ـ وثلاثة في قوله تعالى: ﴿لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ١٦ ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ﴾ [الأعراف:16-17].
فلمّا التزم الشيطان هذه الأمور كان عدواً متظاهراً بالعداوة.

السؤال الثالث:
ما دلالات هذه الآية؟

الجواب:
1 ـ لمّا بيّن تعالى في الآيات السابقة التوحيد ودلائله، وما للموحدين من الثواب، وأتبعه بذكر الشرك ومن يتخذ من دون الله أنداداً ويتبع رؤساء الكفر، أتبع ذلك بذكر إنعامه على الفريقين وإحسانه إليهم، وأنّ معصية من عصاه وكفر من كفر به لم تؤثر في قطع إحسانه ونعمه عنهم، فقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾.
2 ـ قوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ﴾ تدل أنّ الشيطان يدعو إلى الصغائر والكبائر والكفر والجهل بالله، ويتم ذلك عن طرق مختلفة منها: الوسوسة والخواطر والتصورات، وتزيين التدرج في خطوات المعاصي، وتزيين المصالح الدنيوية على حساب المصالح الأخروية.
3 ـ قوله تعالى: ﴿حَلَٰلٗا طَيِّبٗا﴾ يمثل القاعدة السادسة من قواعد الإيمان وهي: التحليل والتحريم حق الله وحده


مثنى محمد الهيبان


رابطة العلماء السوريين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ﴾ [البقرة: 168]


السؤال الأول:

ما أهم النظرات البلاغية في الآية؟


الجواب:

1ـ الحلال هو المباح وهو نقيض الحرام، والحرام قد يكون حراماً لخبثه كالخمر، وقد يكون حراماً لا لخبثه كمُلك الغير إذا لم يأذن في أكله، والحلال هو الخالي من القيدين.

2ـ الطيبُ في اللغة قد يكون بمعنى الطاهر، والحلال قد يوصف بالطيب؛ لأنّ الحرام يوصف بأنه خبيث، والطيبُ في الأصل هو ما يُستَلَذُّ به ويستطاب.

3ـ قوله تعالى: ﴿حَلَٰلٗا طَيِّبٗا﴾ [البقرة:168] نُصِبَ على الحال مما في الأرض أو مفعول به.

4ـ قوله ﴿خُطُوَٰتِ﴾ [البقرة:168] بضم الخاء والطاء، أو بسكون الطاء ـ والخُطوة من الأسماء لا من الصفات فيُجمع بتحريك العين، وأمّا من خفف العين فأبقاه على الأصل وطلب الخفة فلا بأس.



السؤال الثاني:

ما الأمور التي ذكرها الله في القرآن حول عداوة الشيطان المبينة الظاهرة؟


الجواب:

1ـ قوله تعالى: ﴿إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ﴾ [البقرة:168] بيّن العلة في هذا التحذير ؛ وهي كونه عدواً مبيناً.

2ـ يلاحظ أن الشيطان التزم أموراً سبعة في العداوة، وهي:

آـ أربعة منها في قوله تعالى: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمۡ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ﴾ [النساء:119].

ب ـ وثلاثة في قوله تعالى: ﴿لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ١٦ ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ﴾ [الأعراف:16-17].

فلمّا التزم الشيطان هذه الأمور كان عدواً متظاهراً بالعداوة.



السؤال الثالث:

ما دلالات هذه الآية؟


الجواب:

1 ـ لمّا بيّن تعالى في الآيات السابقة التوحيد ودلائله، وما للموحدين من الثواب، وأتبعه بذكر الشرك ومن يتخذ من دون الله أنداداً ويتبع رؤساء الكفر، أتبع ذلك بذكر إنعامه على الفريقين وإحسانه إليهم، وأنّ معصية من عصاه وكفر من كفر به لم تؤثر في قطع إحسانه ونعمه عنهم، فقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾.

2 ـ قوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ﴾ تدل أنّ الشيطان يدعو إلى الصغائر والكبائر والكفر والجهل بالله، ويتم ذلك عن طرق مختلفة منها: الوسوسة والخواطر والتصورات، وتزيين التدرج في خطوات المعاصي، وتزيين المصالح الدنيوية على حساب المصالح الأخروية.

3 ـ قوله تعالى: ﴿حَلَٰلٗا طَيِّبٗا﴾ يمثل القاعدة السادسة من قواعد الإيمان وهي: التحليل والتحريم حق الله وحده، وللفائدة نعيد بيان هذه القواعد كتلخيص لها:

 

image.png
 


﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡ‍ٔٗا وَلَايَهۡتَدُونَ﴾ [البقرة: 170]


السؤال الأول:

ما الفرق بين كلمتي ﴿أَلۡفَيۡنَا﴾ في آية البقرة [170] ﴿بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ ﴾ و﴿وَجَدۡنَا﴾ في آية المائدة [104] ﴿حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ ﴾ وآية لقمان [21] ﴿مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ ﴾؟


الجواب:

1ـ الفعل (ألفى) في اللغة يستعمل في الأمور المادية فقط، وقسمٌ من النحاة يقولون: إنه لا يأتي في أفعال القلوب، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمۡ أَلۡفَوۡاْ ءَابَآءَهُمۡ ضَآلِّينَ﴾ [الصافات:69] وقوله: ﴿وَأَلۡفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلۡبَابِۚ﴾ [يوسف:25].

2ـ أمّا كلمة ﴿وَجَدۡنَا﴾ فهي تأتي مع أفعال القلوب، كما في قوله تعالى ﴿لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا﴾ [النساء:64] وقد تأتي أحياناً في الأشياء الحسّية.

3ـ وعندما يذكر القرآن كلمة ﴿أَلۡفَيۡنَا﴾ يريد أنْ يذمّهم أكثر وينفي عنهم العقل، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡ‍ٔٗا وَلَايَهۡتَدُونَ﴾ [البقرة:170].

ولو لاحظنا آية سورة المائدة [103] ﴿مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِيرَةٖ وَلَا سَآئِبَةٖ وَلَا وَصِيلَةٖ وَلَا حَامٖ وَلَٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ﴾ فالذي يُشرّع ليس عنده علم ولكن عنده عقل.

4ـ وعندما يذكر كلمة (وجدنا ) ينفي عنهم العلم ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ﴾ [المائدة:104] وكذلك في سورة لقمان ﴿أَلَمۡ تَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَيۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةٗ وَبَاطِنَةٗۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ٢٠ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ يَدۡعُوهُمۡ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ﴾ [لقمان: 20، 21].

5ـ وقد تنفي العلم عن أحدهم ولكنه يبقى عاقلاً، لكن إذا نفى عنهم العقل أصبحوا كالبهائم، فكلمة (ألفينا ) تأتي إذن في باب الذمّ.



السؤال الثاني:

ما الفرق بين ﴿لَا يَعۡقِلُونَ﴾ في آية البقرة[170] وبين ﴿لَا يَعۡلَمُونَ ﴾ في آية المائدة [104]؟


الجواب:

﴿يَعۡقِلُونَ﴾ تعني ما ينشأ عن الفكر والتدبر، وليس كل الناس يستطيعون هذا ؛ ولذلك يأخذون القضايا مسلماً بها من غيرهم الذي عقل.

والذي يعلم أقل منزلة من الذي يعقل؛ لأنّ الذي عقل هو إنسان قد استنبط، وأمّا الذي علم فقد أخذ علمه من غيره لكنه لم يتعقله، لذلك نفيُ العلم عن شخص أبلغُ من نفي التعقل؛ لأنّ معنى (لا يعلم) أي: ليس لديه شيء من علم غيره أو علمه هو، أي: لا يعلم ولا يعقل كالحيوانات تماماً، بينما عندما يقول الحق: ﴿لَا يَعۡقِلُونَ﴾ فمعنى ذلك أنه من المحتمل أن يعلموا.



السؤال الثالث:

هل يختلف نوع المخاطب في آية البقرة [170] وآية المائدة [104] حتى اختلف الأسلوب في الآيتين؟


الجواب:

آية البقرة 170.

تتحدث عن قوم بسطاء غُفْلٍ يمكن أنْ يتغيروا وأنْ يتعلموا وأنْ يهتدوا إذا وجدوا الرعاية والعناية، أي: أنّ الآية تتحدث عن الناس في أول الدعوة والذين اتبعوا ما صادفوا آباءهم عليه دون أن يكون لهم رأي أو تصميم سابق أو عقيدة سابقة، بل إنّ آباءهم أيضاً لا يعقلون.

وهذه الآية من سورة البقرة التي هي متقدمة في النزول على سورة المائدة، وهي آخر سور القرآن نزولاً.

آية المائدة 104.

تتحدث عن رؤوس الكفر وهم قساة الناس، وهؤلاء قولهم عن إصرار وعقيدة، وأنهم يعتقدون أنّ آباءهم قد اختاروا هذا الطريق عن علم ومعرفة.



 الملاحظات:

1ـ في آية البقرة أنت أمام قوم في أول الطريق لم يعتقدوا رأياً بعد، فيُقال لهم: اتبعوا ما أنزل الله، بينما في آية المائدة فهم في موقع اختاروه ورضوا به وتمسكوا فيقال لهم: دعوا ما أنتم عليه وتعالوا إلى ما أنزل الله.

2ـ في الرد في آية البقرة نجد كلمة ﴿أَلۡفَيۡنَا﴾ أي: أننا وجدنا رأياً سابقاً وليس لنا رأي محدد فاتبعنا ما وجدنا عليه آباءنا.

أمّا في آية المائدة فكلمة ﴿حَسۡبُنَا﴾ تعني: يكفينا، وهذا يدل على أنهم يعرفون ما هم فيه وما يدعون إليه وهم مقتنعون به؛ من أجل هذا قالوا: ﴿حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا﴾ [المائدة:104] أي: أنّ الأمر قائم ومستتب من قبل ولم يكن مفاجأة لهم.

3ـ في آية البقرة استخدم ﴿لَا يَعۡقِلُونَ﴾ وفي آية المائدة استخدم ﴿لَا يَعۡلَمُونَ﴾ والذي لا يعقل يتعلم، أمّا الذي يعلم فقد عَلِمَ ودرس وفهم وتعلم وتمسك بما تعلمه.

4ـ قوله تعالى: ﴿أَوَلَوۡ﴾ في الآيتين هي واو العطف دخلت عليها همزة الاستفهام فنقلتها إلى معنى التوبيخ والتقريع، وإنما جُعلت همزة الاستفهام للتوبيخ؛ لأنها تقتضي الإقرار بشيء يكون الإقرار به فضيحة.

والله أعلم.



السؤال الرابع:

ما دلالة الفرق في رسم كلمتي ﴿ءَابَآؤُهُمۡ﴾ ﴿وَالِدٖ﴾ بالألف الصريحة، ورسم كلمتي﴿ أُمَّهَٰتُكُمۡ ﴾ ﴿وَٰلِدَةُۢ ﴾ بدون ألف وسطية؟


الجواب:

1ـ كلمة ﴿ ءَابَآؤُهُمۡ ﴾ ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم حوالي(64) مرة، وكلها بالألف الصريحة.

2ـ كلمة ﴿ أُمَّهَٰتُكُمۡ ﴾ ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم حوالي(11) مرة، وكلها بدون الألف الصريحة.

ويوحي عدم وجود ألف صريحة في كلمة ﴿ أُمَّهَٰتُكُمۡ ﴾ بالرغم من وجودها في كلمة﴿ ءَابَآؤُهُمۡ ﴾ بأنّ الأمهات أكثر التصاقاً بأولادهن، وخاصة في مرحلة الحمل والرضاعة ؛ وهو التصاق مادي وروحي.

3ـ كلمة ﴿ وَالِدٖ ﴾ ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم (3) مرات، وكلها بالألف الصريحة، وذلك في الآيات:[ لقمان 33(مرتان) ـ البلد3 ].

4ـ كلمة ﴿ وَٰلِدَةُۢ ﴾ ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم (3) مرات، وكلها بالألف غير الصريحة، وذلك في الآيات:[ البقرة 233ـ المائدة 110 ـ مريم 32 ].

ويوحي عدم وجود ألف صريحة في كلمة ﴿ وَٰلِدَةُۢ ﴾ بالرغم من وجودها في كلمة ﴿ وَالِدٖ﴾ بأنّ الأمهات أكثر التصاقاً بأولادهن. والله أعلم.

 

image.png


﴿وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنۡعِقُ بِمَا لَا يَسۡمَعُ إِلَّا دُعَآءٗ وَنِدَآءٗۚ صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ﴾ [البقرة: 171]



السؤال الأول:

ماذا تمثل هذه الآية من صور بيانية؟


الجواب:

1 ـ انظر في بديع التطبيق القرآني وعظيم بلاغة القرآن، وكيف أنّ آياته تصلح ألفاظها لمعانٍ كثيرة، فهذه الآية تحمل صورتين في وصف حال المشركين:

آـ صورة المشركين والنبي ﷺ يدعوهم للإيمان بالله تعالى، فحالتهم كحالة الأغنام التي لا تفقه دليلاً من صوت من يناديها ولا تدرك من كلامه معنى، إلا أنها تسمع أصواتاً لا مدلول لها عندها، فالكلام عندها أصوات مجرّدة عن المعاني.

ب ـ والصورة الثانية صورة المشركين وهم يدعون آلهتهم كمن يدعو أغناماً لا تفقه شيئاً ولا تُجيب داعياً.

2 ـ الآية تمثل صورة بلاغية مؤثرة للكافر وهو في كفره وغيه لا يستمع إلى صوت الحق أبداً وما يُقال. لا يتأملُ فيما يُقال له ولا ما يُتلى عليه، ولا ينتبه إليه ولا للأمر كأنه لا يعنيه أصلاً، فهو كالبهيمة ينعق عليها فهي تسمع جرس النغمة لكن لا تفقه.



السؤال الثاني:

ما دلالة الاختلاف في الترتيب بين آيتي البقرة [18] و [171] ﴿صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ﴾ و آية الإسراء [97] ﴿عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ﴾؟


الجواب:

انظر الجواب في آية البقرة 18.


image.png


﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ﴾ [البقرة: 172]



السؤال الأول:

لِمَ قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ﴾ ولم يقل: (واشكروني) أو (واشكروا لي) باستخدام الضمير؟


الجواب:

ذكر اسم الله تعالى ظاهراً يوحي أنّ في الاسم الظاهر إشعاراً بالألوهية التي قد لا يؤديها الضمير، فكأنما يومئ أنّ الإله الحق هو المستحق للعبادة دون غيره من أوثان ومعبودات باطلة؛ لأنه هو الذي يخلق ويُنعِم فهو وحده سبحانه الذي يستحق الشكر على نعمائه.



السؤال الثاني:

في الآية قدّم المفعول به ﴿إِيَّاهُ﴾ على فعل العبادة ﴿تَعۡبُدُونَ﴾ فما دلالة ذلك؟


الجواب:

السبب أنّ العبادة مختصة بالله تعالى فلا يُعبد أحد غيره ولا يُستعان بغيره، كقوله تعالى في سورة الفاتحة: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ وقوله في آية الزمر 66 ﴿بَلِ ٱللَّهَ فَٱعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ﴾.



السؤال الثالث:

قال الله في هذه الآية: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ﴾ وقال في آية النحل: 114 ﴿وَٱشۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ﴾ فما دلالة الفرق بين التعبيرين؟


الجواب:

1ـ سياق آية البقرة هو الكلام عن الله تعالى، انظر الآيات: (165ـ 171) فناسب الأمر بشكر الله.

2ـ وأمّا سياق آية النحل فهو في الكلام عن النعم، انظر الآية 112، حيث ذكر فيها القرية التي كفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف، فناسب الأمر بشكر النعمة لئلا يصيبهم ما أصاب مَنْ قبلهم.

3ـ إضافة إلى أنه وردت كلمة (النعمة) في سورة البقرة ست مرات، بينما وردت في سورة النحل تسع مرات، فناسب كل تعبير مكانه.



السؤال الرابع:

ما دلالة هذه الآية؟


الجواب:

1ـ قوله تعالى: ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ﴾ أي كلوا من لذائذ ما أحللناه لكم، والأمر هنا للإباحة.

2ـ قوله تعالى: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ﴾ هذا للأمر وليس للإباحة، والشكر يكون باللسان أو القلب أو الجوارح أو بالجميع.

3 ـ تأملوا كيف أنّ الله لم يطالب الله العباد بترك المتلذَذات، وإنما طالبهم بالشكر عليها إذا تناولوها.

4ـ قوله تعالى: ﴿إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ﴾ معناه:

ـ إنْ كنتم عارفين بالله ونعمه.

ـ إنْ كنتم تريدون أن تعبدوا الله فاشكروه لأنّ الشكر رأس العبادات.

5 ـ في حديث أنس رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمده عليها ) رواه مسلم.

6ـ لمّا ذكر الله في هذه الآية أنه أباح الطيبات، أتبعه بتحريم الخبائث في الآية التالية.

والله أعلم.

مثنى محمد الهيبان


رابطة العلماء السوريين


 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٧٣﴾ [البقرة: 173]

السؤال الأول:

قوله تعالى في آية البقرة [173]: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ﴾ وقوله تعالى في آية المائدة[3]: ﴿حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ﴾ [المائدة:3] ما دلالة التقديم والتأخير لـ (به) بين الآيتين؟

الجواب:

1ـ لو لاحظنا السياق في المائدة نجد أنّ الكلام عن التحليل والتحريم ومن بيده ذلك، ورفض أي جهة تحلل وتحرم غير الله، انظر آيات المائدة:

ـ قال تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ أُحِلَّتۡ لَكُم بَهِيمَةُ ٱلۡأَنۡعَٰمِ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ غَيۡرَ مُحِلِّي ٱلصَّيۡدِ وَأَنتُمۡ حُرُمٌۗ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة:1] والمعنى أنه ليس لكم أن تُحِلّوا، والذي يُحِلّ هو الله تعالى فقط.

ـ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡيَ وَلَا ٱلۡقَلَٰٓئِدَ﴾ [المائدة:2] أي: الذي يُحِلّ هو ربنا سبحانه وتعالى.

ـ ﴿يَسۡ‍َٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾ [المائدة:4] إذن هو سبحانه يجعل التحليل والتحريم بيده حصراً.

فالسياق أنه ليس هنالك أي جهة تقوم بذلك غير الله تعالى، ولذلك قدّم ﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ﴾ [المائدة:3].

ولفظة ﴿أُهِلَّ﴾ يعني رُفِع الصوت بذبحه، أُهِلّ يعني أنْ تقول عند الذبح: باسم الله والله أكبر، هذا لفلان.

2ـ إذن في آية المائدة قدّم ﴿لِغَيۡرِ ٱللَّهِ﴾ ؛ لأنّ ربنا هو الجهة الأولى والأخيرة التي بيدها التحليل والتحريم، وليس لأحد آخر هذا الحق.

3ـ أمّا في آية البقرة فالمقام هو فيما رزق الله تعالى عباده من الطيبات، وليس فيها تحليل وتحريم، قال تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا ﴾ [البقرة:168] ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ١٧٢ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٧٣﴾ [البقرة:172-173].

فقوله تعالى ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ﴾ [البقرة:172] هذا طعام، ﴿كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا﴾ [البقرة:168] هذا طعام، ﴿وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ﴾ [البقرة:173] هذه الذبيحة، ﴿وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ﴾ [البقرة:173] يعني ما رُفِع الصوت بذبحه فقدّم ﴿بِهِ﴾ [البقرة:173] لأنّ هذا طعام متناسب مع الطعام ومتناسب مع طيبات ما رزقهم.

4ـ إذن في سياق التحريم قال: ﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ﴾ [المائدة:3] فقدّم ﴿لِغَيۡرِ ٱللَّهِ﴾ [المائدة:3] لأنها الجهة الوحيدة التي تُحلل وتُحرم، والكلام في التحليل والتحريم، وهو سبحانه الذي يحلل ويحرم.

ولمّا كان السياق في الأطعمة قدّم الطعام ومنها الذبيحة، فقال: ﴿وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ ﴾ [البقرة:173] يعني الذبيحة.

5ـ ومسألة الذبح في الآيتين متعلقة بالله تعالى أو بغير الله سبحانه وتعالى، لكنّ التقديم والتأخير متعلق في سياق التحليل والتحريم أو في سياق الطعام.

6 ـ بيّنت الآية أربعة أصناف من المحرمات من المآكل وهي:

آ ـ الميتة.

ب ـ الدم المسفوح.

ج ـ الخنزير.

د ـ ما ذُبح على اسم غير الله كالأنصاب والأزلام.

ويمكن الاطلاع على التفاصيل من كتب الفقه.

السؤال الثاني:

فاصلة هذه الآية في البقرة 173، وفي المائدة 3، وفي النحل 115، هي ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ﴾ بينما فاصلة آية الأنعام 145 هي ﴿فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾فما السبب؟

الجواب:

1ـ إن آيات البقرة والمائدة والنحل هي خطاب من الله للناس، فناسب ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ﴾

بينما آية الأنعام 145وهي قوله تعالى: ﴿قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٖ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ أَوۡ فِسۡقًا أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ بدأت بلفظة (قل) وهي خطاب للرسول ﷺ فناسب ختمها بقوله: ﴿فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ١٤٥﴾.

2ـ ومن أسباب هذا الاختيار - والله أعلم - أنّ لفظ (الله) تردد في البقرة أكثر مما تردد في الأنعام، وأنّ لفظ (الرب) تردد في الأنعام أكثر مماتردد في البقرة ـ وإليك البيان:

  اللفظ                      عدد التكرار في البقرة                     عدد التكرار في الأنعام

الله                             282 مرة                                 87 مرة

رب                            47 مرة                                   53 مرة

فناسب أنْ يضع كلمة (الله) في البقرة، وكلمة (رب) في الأنعام.

3ـ إضافة إلى ذلك، فإنّ آية البقرة في سياق العبادة، ولفظ (الله) أولى في هذا السياق؛ لأنه من الألوهية، والألوهية هي العبادة، قال تعالى: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ١٧٢﴾ [البقرة:172] ولمّا قال في سورة النحل: ﴿ وَٱشۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ١١٤﴾ [النحل:114] قال بعدها: ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ١١٥﴾ [النحل:115].

وأمّا سياق آية الأنعام ففي الأطعمة، ولفظ (الرب) ألصق بهذا السياق؛ لأنّ الرب من التربية والتنشئة.

السؤال الثالث:

ما علاقة أول الآية بخاتمتها ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٧٣﴾؟ والمغفرة والرحمة تقتضيان ذنوباً، وما سبَق في الآية هو تشريع بإباحة الميتة عند الضرورة فلا ذنب.

الجواب:

إذا كان الله يغفر مع الذنب، أفلا يغفر مع الضرورة التي شرع لها الحكم؟!!!.

الله سبحانه وتعالى غفورٌ في الأصل أفلا يغفر لمن أعطاه رخصة؟ إذن هو غفورٌ رحيمٌ ولن يكتب على المضطر ذنباً من جراء اضطراره، ورحمة الله هي التي تغفر للعاصي، هو سبحانه الذي كتب المغفرة لمن اضطر وكسر قاعدة التحريم عند الاضطرار.

وللعلم فإنّ المغفرة والرحمة في القرآن الكريم إذا اقترنتا، تكون المغفرة لما مضى من الذنوب، والرحمة للسلامة من الذنوب فهي للمستقبل. والله أعلم.

السؤال الرابع:

لماذا قدّم المغفرة على الرحمة في آية البقرة 173، وآية النساء 100، وقدمت الرحمة على المغفرة في آية سبأ 2؟

الجواب:

تقدمت المغفرة على الرحمة في آيات كثيرة في القرآن الكريم، وسبب ذلك - والله أعلم- أنّ المغفرة سلامة والرحمة غنيمة، والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة.

في آية سبأ 2، وهي قوله تعالى: ﴿يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۚ وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلۡغَفُورُ٢﴾ فقد تأخرت المغفرة عن الرحمة؛ وذلك أنّ جميع الخلائق من الإنس والجن والحيوان وغيرهم محتاجون إلى رحمته، فهي برحمته تعيش وتحيا وبرحمته تتراحم، وأمّا المغفرة فتخص المكلفين؛ فالرحمة أعم.

السؤال الخامس:

في الآيات التالية [البقرة 173ـ البقرة 182ـ البقرة 191ـ آل عمران 89ـ المائدة 3] قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ﴾ مؤكَّدة بإنّ، بينما قال في آية النحل 18 ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ١٨﴾ فأكدها بإنّ واللام، فلماذا؟

الجواب:

القاعدة اللغويـــة:

يستعمل القرآن الكريم تخفيف التوكيد أو زيادته حسب مقتضى الحال، فيقول: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٧٣﴾ [البقرة:173] مع التخفيف و﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ١٨﴾ [النحل:18] مع زيادة التوكيد بزيادة اللام.

البيــــان:

في آيات البقرة وآل عمران والمائدة والأنعام، قال: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٧٣﴾ فأكّدها كلها بإنّ وحدها، في حين قال في سورة النحل: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ١٨﴾ فأكّدها بإنّ واللام.

وسبب ذلك أنّ سياق آيات النحل هو في تعداد نعم الله على الإنسان ورحمته به ولطفه بخلقه، فقد ذكر خلق الأنعام وما فيها من منافع للإنسان، وذكر منافع الزروع وذكر نعمته عليه في البر والبحر وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى من النعم، فناسب ذلك تأكيد المغفرة، وليس السياق في الآيات الأخرى كذلك. والله أعلم.

مثنى محمد الهيبان


رابطة العلماء السوريين

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ﭐ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ١٧٤ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡعَذَابَ بِٱلۡمَغۡفِرَةِۚ فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ١٧٥ ﴾ [البقرة: 174-175]

 

السؤال الأول:

قوله تعالى: ﴿ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡعَذَابَ بِٱلۡمَغۡفِرَةِۚ﴾ ما الذي أخذوه؟ وما الذي تركوه؟

الجواب:

القاعدة تقول: إنّ الباء مع الذاهب، كأنْ تقول: اشتريت الكتاب بألف، فالذاهب هو المال والمشترى هو الكتاب.

وفي الآية اشتروا الضلالة وخسروا الهدى، واشتروا العذاب وخسروا المغفرة، نسأل الله العافية.

 

السؤال الثاني:

ما نوع الاستفهام في الآية: ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ١٧٥﴾؟

الجواب:

1ـ قوله تعالى: ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ١٧٥﴾ هو استفهام للتعجب بقصد التوبيخ، والمعنى: ما الذي أصبرهم على النار حتى تركوا الحق واتبعوا الباطل.

2ـ للتعجب صيغتان: ما أفعَلَه، وأَفعِل به.

 

شواهد قرآنية:

﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ١٧٥﴾ [البقرة:175].

﴿أَسۡمِعۡ بِهِمۡ وَأَبۡصِرۡ﴾ [مريم:38].

 

السؤال الثالث:

ما إعراب ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ﴾ وإعراب ﴿أَسۡمِعۡ بِهِمۡ﴾؟

الجواب:

1ـ إعراب ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ﴾:

ما: اسم نكرة للتعجب بمعنى: شيء عظيم، في محل رفع مبتدأ.

أصبرَ: فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: هم، والهاء مفعول به، والجملة: خبر (ما).

2ـ إعراب ﴿أَسۡمِعۡ بِهِمۡ﴾:

أسمِع: فعل ماض جامد، جاء على صورة الأمر، مبنيٌّ على الفتح المقدر.

بهم: الباء حرف جر زائد، والهاء ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.

 

السؤال الرابع:

ما أهم دلالات هاتين الآيتين؟

الجواب:

1ـ مضمون الآية (174) أنّ هناك وعيد شديد لمن كتم ما أنزل الله على رسله، لا سيّما خاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام، ابتغاء عرض دنيوي.

2ـ الآية وردت في رؤساء اليهود كانوا يأخذون من اتباعهم الهدايا على سبيل الرشوة، فلمّا بُعث النبي عليه السلام خافوا انقطاع تلك المنافع، فكتموا أمر وصف محمد عليه السلام في التوراة والإنجيل، وكتموا أمر شرائعه، عن طريق التحريف والتأويلات الباطلة.

3 ـ سماه: ﴿ثَمَنٗا قَلِيلًا﴾ إمّا أنه في نفسه قليل، أو هو فعلاً قليل مهما كثر مقابل ما سيصيبهم من الضرر العظيم والعذاب.

4ـ قوله تعالى: ﴿فِي بُطُونِهِمۡ﴾ أي ملء بطونهم، وهم وإنْ كان أكلهم لها في الدنيا كان طيباً في الحال، لكنّ عاقبته في النار في المآل.

5 ـ توعّدهم الله تعالى بثلاثة أشياء:

آ ـ غضب الله عليهم فلا يكلمهم يوم القيامة.

ب ـ عدم تزكية نفوسهم وعدم طهارتهم من دنس ذنوبهم.

ج ـ العذاب الأخروي الأليم.

6ـ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالآية وإنْ نزلت في اليهود لكنها عامة في حق كل من كتم شيئاً من أمر الدين يجب إظهاره.

7 ـ الآية (175) يعجب الله من إقدامهم على هذا المصير المؤلم، فما أجرأهم على النار!!!وما أشد احتمالهم لها!!! وهذا التعجب هو من باب الاستهانة والاستخفاف بهم. والله أعلم.

 

 

﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَفِي شِقَاقِۢ بَعِيدٖ﴾[البقرة: 176]

 

السؤال الأول:

ما دلالة الوصف بالبعيد في هذه الآية؟

الجواب:

تأمل كيف وصف الله تعالى الشقاق بأنه بعيد ولم يصفه بـــ (كبير أو عظيم)، أو ما شابه ذلك من أوصاف، وفي ذلك مجاز عقلي يعطينا عمقاً آخر وتصوراً لبُعد صاحبه عن الوفاق، وبياناً للهوّة الواسعة التي يسقط فيها أولئك المختلفون في الكتاب، فالشقاق في القيم المنهجية السماوية هو هوّة كبيرة، وإذا ما وقع فيه البشر فلن يستطيعوا أن يُصلحوا فيما بينهم، ومن هنا كانت شقة الخلاف واسعة لا يقدر على حلها إلا الله سبحانه وتعالى، وهذا ما عبّرت عنه الآية بوصف الشقاق بأنه بعيد.

 

السؤال الثاني:

ما دلالة هذه الآية؟

الجواب:

1ـ إنّ كتاباً مثل القرآن الكريم أنزله الله بالحق لهو جديرٌ أن يلجأ العبد إلى ربه لجوء المضطر أن يهديه إلى أن يفني عمره في تدبره والعمل به.

2 ـ هذه الآية تشير إلى العذاب الذي استحقوه بسبب أنّ الله نزّل كتبه على رسله مشتملة على الحق المبين فكفروا به، وإنّ الذين اختلفوا في الكتاب في الإيمان ببعضه والكفر ببعضه، واختلفوا أيضاً في كيفية تحريف كتابهم ليخفوا ما في مصلحتهم أن يخفوه لفي شقاق ومنازعة، وكلٌ يكذّب صاحبه.

3 ـ وقد وصف الله تعالى الشقاق بأنه بعيد ولم يصفه بكبير أو عظيم، ليصوّر لنا أنّ الشقاق في القيم المنهجية السماوية هو هوّة كبيرة، وإذا ما سقط فيه أولئك المختلفون في الكتاب فلن يستطيعوا أن يُصلحوا فيما بينهم لأنّ شقة الخلاف واسعة لا يقدر على حلها إلا الله سبحانه وتعالى. والله أعلم.

 

مثنى محمد هيبان
رابطة العلماء السوريين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿۞لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ١٧٧﴾ [البقرة: 177]

 

السؤال الأول:

قوله تعالى في آية البقرة: ﴿ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ ﴾ [البقرة:177] بالنصب، وقوله تعالى في آية البقرة: ﴿ وَلَيۡسَ ٱلۡبِرُّ ﴾ [البقرة:189] بالرفع، فما دلالة الرفع ودلالة النصب؟ وما الفرق بينهما نحوياً؟

 

الجواب:

1ـ التعبير أصلاً مختلف ﴿ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ ﴾ [البقرة:177]: البِرَّ: خبر (ليس) منصوب مقدَّم؛ لأنَّ خبر (ليس) يجوزُ تقديمه، و﴿ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ ﴾ [البقرة:177] مصدر مُؤَوَّلٌ بمعنى التوليةِ في محل رفع اسم (ليس)، وخارج القرآن معناها:(ليست توليتُكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب البِرَّ).

2ـ الثانية: ﴿ وَلَيۡسَ ٱلۡبِرُّ بِأَن تَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ ﴾ [البقرة:189] لا يصح لغةً في الآية الثانية أنْ يقول:(ليسَ البِرَّ بأنْ).

هذه الباءُ تدخل على الخبرِ مثل (خبرِ ليس، وما، لا، وكان المنفية) ولا تدخل على الاسم، كما في الآيات: ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّامٖ لِّلۡعَبِيدِ١٨٢﴾ [آل عمران:182] ﴿ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَحۡكَمِ ٱلۡحَٰكِمِينَ٨﴾ [التين:8] و﴿ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ٨﴾ [البقرة:8] والباء لا تدخل على الاسم أصلاً.

3ـ الآية الأولى يمكن أنْ يقال فيها: ليس البرُّ أو ليس البرَّ؛ لأنه يمكن أنْ يكون هناك تقديم وتأخيرٌ، لكنّ الآية الثانية لا يمكِنُ؛ لأنَّه ما دام عندنا (الباءُ)، والباءُ تدخلُ على الخبرِ حتماً مزيدةً للتأكيد ولا تزادُ في الاسمِ، فإذن لا يمكِنُ أنْ ننصبَ (البِرَّ) بسببِ دخولِ الباءِ؛ فاقتضى أنْ تكون الباءُ داخلةً على خبرِ (ليس)، ولا يمكِنُ غيرُ ذلك.

4ـ بشكلٍ عامٍّ يصح أنْ نجعلَ الخبرَ مبتدأً، إذا كنا نجهَلُ الاسمَ ونعرِفُ الوصفَ فنُلحِقُ الاسمَ بالوصفِ ونقولُ: (المجتهد زيدٌ).

 

السؤال الثاني:

ما الفرق البلاغي بين الصيغتين في الآيتين 177 و 189 ﴿ أَن تُوَلُّواْ ﴾ [البقرة:177] و ﴿ بِأَن تَأۡتُواْ ﴾ [البقرة:189]؟

 

الجواب:

1ـ استعملت العربُ الباءَ لتأكيدِ النفيِ، كما استعملت اللامَ في تأكيدِ الإثباتِ نحو: (ما زيد بمنطلق) و (لست بذاهبٍ)، حيث نفي الانطلاق والذهاب، وتستعمل (الباء) عادة لتوكيد النفي، وخاصة عندما يكون النفي له قيمته.

2ـ جاء في سبب نزول الآية 189: أنّ أهل الجاهلية إذا أحرم أحدُهم نَقَبَ خلف بيته أو خيمته نقباً يدخل منه ويخرج، أو يتخذ سلماً يصعد منه سطح داره ثم ينحدر، فقيل لهم: ليس البر بتحرُّجِكُم عن دخول الباب، ولكنّ البر من اتقى، أي أعلمهم أنّ تشديدهم في أمر الإحرام ليس بِبِرٍّ ولكن البِرَّ من اتقى مخالفة أوامر الله، وأمرهم بترك سنة الجاهلية، فقال: ﴿ وَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِنۡ أَبۡوَٰبِهَاۚ﴾ [البقرة:189].

لذلك جاءت الباء في قوله: ﴿ بِأَن تَأۡتُواْ ﴾ [البقرة:189] لتأكيد النفي في هذه المسألة، حيث كانت هذه المسألة تشدداً منهم ولم يرد الله أنْ يُشرِّعَ ذلك فأكَّد النفي بالباءِ، لأنَّ ترك المألوفاتِ أشقُّ شيءٍ على النفس.

وجاءت هذه المسألة في سياقِ الآياتِ التي تتكلَّمُ عن الحج ومناسكه بعد هذه الآية، بينما لم يأتِ مثلُ ذلك في الآية 177، فلم يتطلب الأمر التأكيد بالباء، والله أعلم.

3ـ وكأنّ معنى الآية 189، أي: لا تجعلوا المسائل شكلية؛ لأنّ الله يريد أصل البر وهو الشيء الحسن النافع.

 

السؤال الثالث:

لِمَ قال سبحانه: ﴿ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ﴾ [البقرة:177] ولم يقل: وهو يحبه، في قوله تعالى: ﴿ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ ﴾ [البقرة:177]؟

 

الجواب:

تأمل كيف قال سبحانه: ﴿ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ﴾ ولم يقل: وهو يحبه؛ لأنّ (على) أفادت التمكن من حب المال وشدة التعلق به، فنبّه بها على أبعد أحوال التعلق بالمال، فإذا كنت في حالة شدة حبك للمال تنفقه في سبيل الله وأنت مرتاح النفس، فكيف بك في أحوالك الأخرى؟

 

السؤال الرابع:

ما دلالة نصب ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ في هذه الآية في قوله تعالى: ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ ﴾؟

 

الجواب:

هذا يُسمّى القطع، والقطع يكون في الصفات أو العطف.

وإذا كان من باب الصفات فالقطع يكون للأمر المهم، ويكون القطع في الصفات مع المرفوع للمنصوب ومع المنصوب للمرفوع ومع المجرور للمرفوع، والآية موضع السؤال هي من القطع من العطف لأهمية المقطوع.

والمقطوع يكون مفعولاً به بمعنى أخُصُّ أو أمدَحُ ويسمى مقطوعاً على المدحِ أو الذَّمِّ، وفي الآية ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ مقطوعةٌ وهي تعني: أخُصُّ أو أمدَحُ الصابرين، وكأننا نسلِّطُ الضَّوءَ على المقطوعِ، فالكلمةُ التي نريد أنْ نركِّزَ عليها أو نسلِّطُ عليها الضوءَ نقطَعُها.

لذلك (الصابرين): منصوبة ركّز عليها وقطع، ولم يقل: (الصابرون) بحيث تكون معطوفة على (الموفون) بل عطف على خبر (لكنَّ)؛ لأنّ الصابرين يكونون في الحرب والسلم وفي البأساء وهي عموم الشدة، والإصابة في الأموال والضرّاء في البدن والدين كله صبر، فقطع الصابرين لأهميتها.

والصبر هنا له منزلة عالية في البأساء والضراء، فنصبها إشارة إلى تخصص الصابرين وتمييزهم بين المذكورين، وتقديرا لفعل محذوف (أخصُّ الصابرين).

 

السؤال الخامس:

ما الفرق بين البأساء والضراء في الآية: ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ ﴾؟

 

الجواب:

1ـ البأساء: هي البؤس والفقر والشدة والحرب والمشقة.

2ـ الضراء: هي المرض والأوجاع في الأبدان وما يصيب الأموال أيضاً، والإصابة في الأبدان من مرض وأوجاع، والإصابة في الأموال هي من الضراء.

وهما اسمان على وزن فعلاء، ولا أفعل لهما لأنهما ليسا بِنَعتَينِ.

 

السؤال السادس:

ما تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ﴾ في الآية؟ و لمَ لمْ يقل: لكن البر أنْ تؤمنوا، باعتبار أنّ البر هو الإيمان وليناسب الجزء الأول من الآية الذي أتى بالخبر مصدراً؟

 

الجواب:

جاء في آية البقرة 177 بالمصدر المؤول (أنْ تولوا = التولية) فافترض بعضهم أنّ يستعمل المصدر في الجزء الثاني من الآية أيضاً ليتناسب مع المصدر في بدايتها، فيقول: ولكن البر أنْ تؤمنوا، وكذلك في الآية الثانية.

وفي لغة العرب يمكن أنْ يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه، كما في قوله تعالى: ﴿ وَسۡ‍َٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ ﴾ [يوسف:82]، ففيها مضاف محذوف تقديره: (واسأل أهل القرية) فحذف كلمةَ (أهل) وجعل كلمة (قرية) مكانها، وأخذت موقعها الإعرابيَّ.

فعندما يقول القرآن: ﴿ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ ﴾ [البقرة:189] كأن هذا المتقي صار هو البِرُّ بعينه. فالبِرُّ الحقيقيُّ هو هذا الذي وصفناه بهذه الكلمة، البرُّ هو هذا الذي اتقى أو هذا الذي توفرت فيه هذه الصفات.

 

السؤال السابع:

ما هدف هذه الآية؟

 

الجواب:

آـ أصل الكلام في الآيتين (177 و 189) هو عن القبلة التي هي أولى بالاتجاه نحوها؟ وفي أيِّ اتجاه يكون البِرُّ؟

والقرآن يريد أنْ يبين لمن يسمعه سواء أكان من المسلمين أم من غيرهم ما البِرُّ الحقيقي؛ فقال: ﴿ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ ﴾ [البقرة:177].

ب ـ نلحظ أنه استعمل الفعل المضارع ﴿ تُوَلُّواْ ﴾ بمعنى التحول والتحرك، أي: تولية الوجه، ووصف البر بأنه من تتمثل فيه هذه الصفات، وهي من الآيات الجامعة التي تبين لنا أنّ البر يكون ممثلاً كاملاً في هذا الانسان المتصف بهذه الصفات.

ج ـ وتمضي الآية تعدد صفاته:

- الإيمان بالله بكل ما يقتضيه من تطبيق ومن اعتقاد.

- ثم انتقل إلى الغيبيات من الإيمان باليوم الآخر والملائكة.

- والكتاب: ونلحظ استعمال الجنس (الكتاب) أي: جنس الكتاب.

- والنبيين: استعمل (النبيين) دون المرسلين؛ لأنّ عدد الأنبياء أكثر من عدد الرسل، فكل رسول نبي، وليس كلّ نبيٍّ رسولاً.

_ ثم انتقل إلى المعاملات: ﴿ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ﴾.

_ ثم بين نوع الإيتاء، فهو ليس من الفرض والزكاة.

_ وبيّن الفئات التي يصلها العطاء وتستحقه، فبدأ بذوي القربى من باب حرصه على الأرحام، وثنّى باليتامى، ثم بالمساكين الذين يحتاج المرء إلى البحث عنهم ليعرفهم، وهذا من التوجيهات الاجتماعية القرآنية في الرعاية المالية، ثم ذكر (ابن السبيل) ليطمئن المسلم على نفسه أنّى كان، فإذا انقطع به المال في سفر فإنّ له حقا في هذا المال، وذكر السائلين «من سأل بالله فأعطوه» فلا يبحث المرء أمحتاج هذا السائل أم لا؟ ما دام يسأل فعليَّ أنْ أعطي إنْ كنت قادراً. والسائلون ليسوا هم المساكين، ثم ختم بالرقاب.

وهذه الكلمة يثيرها بعض من لم يطلعوا على حقيقة الإسلام شبهةً ضده فيقولون: إنّ الإسلام يقر الرق ويدعو إلى العبودية، والحقيقة هي أنّ الإسلام أبقى منفذاً واحداً للرق وهو (رقيق الحرب) ثم فتح أبواباً لإخراج العبد من حالة عبوديته بالصدقات والكفارات والترغيب في العتق، وباباً آخر وهو (المكاتبة) فيحق لكل فرد من الرقيق أنْ يذهب إلى القاضي ويطلب مكاتبة سيده، فيرغمه القاضي على المكاتبة إلى أنْ يتخلص العبد من الرق، وهو من مصارف الإنفاق الطوعي ﴿ وَفِي ٱلرِّقَابِ ﴾.

ـ ﴿ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ انتقل بعد ذلك إلى تهذيب النفس وصلتها بالله.

ـ ﴿ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ ﴾ وهذا تأكيد على أنّ الإنفاق المالي المتقدم ليس من الفرض والزكاة، فالزكاة مال تجمعه الدولة وتتولى إنفاقه في مصارفه، أمّا المذكور سابقاً فإنفاق شخصيٌّ يختلف عن هذا، وفي أيامنا تركت دول كثيرة جمع الزكاة إلى الناس أنفسهم وهذا امتحان لهم.

د ـ الحق تبارك وتعالى اعتبر في تحقيق ماهية البر خمسة أمور؛ وهي: الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والرسل، وقد خصّ الإيمان بهذه الأمور الخمسة؛ لأنه دخل تحتها كل ما يلزم أن نصَّدق به.والله أعلم.

 

السؤال الثامن:

لِمَ قدَّمَ الملائكةَ والكتبَ في الذكر على الرسل؟

 

الجواب:

بالطبع لا علم لنا بوجود الملائكة وصدق الكتب إلاّ من خلال صدق الرسل، فكانت الرسل كالأصل في معرفة الملائكة والكتب، كما أنّ هذا الترتيب هو ترتيب الوجود الخارجي لا ترتيب الاعتبار الذهني، فقد وجدت الملائكة، أولاً ثم حصل بواسطتهم تبليغ الكتب إلى الرسل عليهم السلام.

 

السؤال التاسع:

لم قدّم الإيمان على أفعال الجوارح مثل إيتاء المال والصلاة والزكاة؟

الجواب:

للتنبيه على أنّ أعمال القلوب أشرف عند الله من أعمال الجوارح.

 

السؤال العاشر:

ماذا تفيد (الواوات) من معنى في الآية؟

 

الجواب:

هذه الواوات في الآية للجمع، لذلك من شرائط تمام البر أنْ تجتمع هذه الأوصاف معاً.

ولذلك قال بعضهم هذه الصفة خاصة للأنبياء عليهم السلام؛ لأنّ غيرهم لا تجتمع فيه هذه الصفات كلها. وقال آخرون: هذه عامة في جميع المؤمنين.

 

السؤال الحادي عشر:

ما دلالة انتقال الحديث من الإفراد إلى الجمع في الآية؟

 

الجواب:

نلحظ انتقال الحديث إلى الجمع، فالكلام المتقدم فردي، وقد تقدمت (مَن) وهي تحتمل الجمع والإفراد، فبدأ بالإفراد (الإيمان ـ الإنفاق الفردي من رعاية ذوي القربى واليتامى والإنفاق على المساكين، والصلاة والزكاة).

ثم انتقل إلى العمل الجماعي لأنّ (مَن) تجمع الاثنين: الإفراد والجمع، وفي العمل الجماعي ذكر:

1ـ الوفاء بالعهد، ويجوز أنْ نقول: (نحترم من يفي بعهده ـ ومن يوفون بعهدهم)؛ لأنها تصدق على الواحد والكثرة.

وقد جعل الوفاء بالعهد عاماً ليشمل وفاء المجتمع بالعهد، والفرد جزء من المجتمع، فأي فرد من المسلمين يمكن أنْ يعاهد عن بقية المسلمين، وهم جميعا ملزمون بالوفاء بعهده (يسعى بذمتهم أدناهم).

والوفاء بالعهد ليس سهلاً على المرء في مواطن كثيرة، إذ يصعب على النفس، وقد تشعر أن فيه هضماً لحقها، ونتذكر جميعا كيف كان المسلمون يأتون من مكة إلى الرسول ﷺ فيردهم وفاء لعهده مع المشركين في صلح الحديبية.

2ـ قوله تعالى: ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ﴾ جاء باسم الإشارة ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ﴾ للبعيد ليقول: إنّ على المسلم أنْ يسعى ليكون مثلهم ويصل إليهم وإلى هذه الصفات.

﴿ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ﴾ والسؤال هنا لم جاء بالضمير ﴿ هُمُ ﴾ ؟

والجواب أنّ ﴿ هُمُ ﴾ [البقرة:177] ضمير فصل يؤتى به ليميز بين الخبر والصفة، وفيه أيضاً معنى التوكيد، ونفي الوصفية التي قد تفهم إنْ حُذف الضمير، فأثبت لهم الخبرية توكيداً وتخصيصاً.

3ـ جاء بعد كل الصفات المتقدمة بوصف المتقين، لأنّ ما ذكره الله عزوجل في هذه الآية من العقائد والأعمال الحسنة،هي برهان الإيمان ونوره، والمتصفون بها هم ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ﴾. والله أعلم.

 

السؤال الثاني عشر:

ما دلالة هذه الآية بشكل عام؟

 

الجواب:

1 ـ هذه الآية لخّصت الدينَ كله، فالحق سبحانه قال في بدايتها:

﴿ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ ﴾:

ثم جاء التفصيل على النحو التالي:

أولاً: من آمن:

1ـ بالله.

2ـ واليوم الآخر.

3ـ والملائكة.

4ـ والكتاب.

5 ـ والنبين.

ثانياً: وآتى المال على حبه:

1ـ ذوي القربى.

2ـ واليتامى.

3ـ والمساكين.

4ـ وابن السبيل.

5ـ والسائلين.

6ـ وفي الرقاب.

ثالثاً: وكذلك:

1ـ وأقام الصلاة.

2 ـ وآتى الزكاة.

3ـ والموفون بعهدهم إذا عاهدوا.

4 ـ والصابرين:

آ ـ في البأساء.

ب ـ والضرّاء.

ج ـ وحين البأس.

ثم تختم الآية بقوله تعالى:

﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ﴾.

2ـ كانت اليهود تتوجه للمغرب كقِبلة لهم، والنصارى تتوجه للمشرق كقبلة لهم،ويعتبرون ذلك هو البِر، فأنزل الله هذه الآية، فبيّن أنّ البرّ ليس هو أمر القبلة حتى يحدث فيه الخلاف والشقاق، لأنّ التوجه للقبلة هو من الوسائل وليس من المقاصد، وإنما البرّ المطلوب هو الخصال العشر التي تضمنتها الآية، خمس منها في أصول الإيمان والعقيدة وهي:

ـ الإيمان بالله تعالى.

ـ الإيمان باليوم الآخر.

ـ الإيمان بالملائكة.

ـ الإيمان بجميع كتب الله المنزّلة.

ـ الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله.

وهذا في قوله تعالى: ﴿ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ ﴾.

وأمّا الإيمان بالقضاء والقدر فقد جاء في آية القمر: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ٤٩﴾ [القمر:49].

وأمّا الخمس الأخرى فتتعلق بالأعمال الصالحة في التعامل مع الناس وهي:

ـ بذل المال قليلاً أو كثيراً لـ: ﴿ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ ﴾.

ـ أقام الصلاة.

ـ آتى الزكاة.

ـ الوفاء بالعهد والمواثيق.

ـ الصبر في البأساء والضراء وحين البأس.

3 ـ النتيجة: ﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ١٧٧ ﴾.

والله أعلم.

 

 

مثنى محمد هيبان
رابطة العلماء السوريين

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ٱلۡحُرُّ بِٱلۡحُرِّ وَٱلۡعَبۡدُ بِٱلۡعَبۡدِ وَٱلۡأُنثَىٰ بِٱلۡأُنثَىٰۚ فَمَنۡ عُفِيَ لَهُۥ مِنۡ أَخِيهِ شَيۡءٞ فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيۡهِ بِإِحۡسَٰنٖۗ ذَٰلِكَ تَخۡفِيفٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةٞۗ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٞ١٧٨﴾ [البقرة: 178]

 

تقديم خاص للآية:

بعد بيان الله لخصال البرّ لأهل التقوى والإيمان في الآية السابقة (البقرة 177)، تذكرُ سورةُ البقرة ابتداء من هذه الآية (178) أربعين حكماً تشريعياً، لتحقيق منهج الله في المجتمع المسلم، وهذه الأحكام هي:

وهذه الآية (178) تذكر الحُكم الأول وهو: القِصاص وأحكامه، وبُدىء بهذا الحكم لأنه الأعظم في اختلال الأمن، وأهمية شيوع الأمن في المجتمع، وقد ناطَ الإسلامُ مسألة القصاص بالحاكم، ولم يتركها للناس، حتى لا يعتدي أحدٌ على أحد ظلماً وعدواناً بسبب القصاص.

 

السؤال الأول:

ما تفسير الآية 178 في سورة البقرة؟ وما الوجه البلاغي في هذا التقسيم؟

الجواب:

هل إذا قتلَ حرٌّ عبداً لا يؤخذ به؟ وإنما يقول: أعطونا ثمنه؟

نقول: في كثير من الآيات ينبغي الرجوع إلى سبب النزول.

يوجد عندنا قاعدة عامة ﴿ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ ﴾ [البقرة:179] هذه القاعدة العامة.

كان هناك ثأرٌ بين حَيَّينِ من أحياء العرب أسلموا قبل أنْ تُفضَّ المشكلة وأحدهما كان قوياً متجبراً، فقبل أنْ يدخلوا في الإسلام كانوا يقولون - تجبراً منهم-: العبد منّا بالحرّ منهم، والمرأة منّا بالرجل منهم، حتى نصطلح وإلا فالحرب مستمرة، فلمّا دخلوا في الإسلام بقوا على حالهم وعلى قولهم، فنزلت الآية تفيد أن في القصاص حياةً، لكنّ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.

وانظروا كم من أحراركم قُتِلَ وأحرارهم قُتِلَ! هذا بهذا والفارق تدفع عنهم الدِّية، وكذلك الأمر للعبيد وللنساء حتى تحل المشكلة، لكن تبقى القاعدة عامة ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ ﴾ القصاص عامة.

 

السؤال الثاني:

ما الحكمة من بناء الفعل ﴿ كُتِبَ ﴾ هنا للمجهول في هذه الآية؟

الجواب:

الأمور المستكرهة يبنيها ربُّنا للمجهول ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ ﴾ [البقرة:183] ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ﴾ [البقرة:178] ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ ﴾ [البقرة:216].

لذلك نرى أنه في الأشياء الصعبة المستكرهة والمشقة يُبنى الفعل للمجهول مع أنه كله بقدر الله عز وجل، لكنْ لا ينسبه لنفسه، وهذا خط عام في القرآن.

 

السؤال الثالث:

ما دلالة قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ﴾؟

الجواب:

قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ﴾ أي: فُرض بسبب قتل القتلى؛ لأنّ الحرف (في) قد يستعمل للسببية؛ كقوله ﷺ «في النفس المؤمنة مائة من الإبل» والقصاص ليس بفرض، بل الوليُّ مخيرٌ فيه، بل مندوب إلى تركه.

والمراد هنا أنه فُرِضَ على القاتل التمكين، لا أنه فرض على الولي الاستيفاء.

 

السؤال الرابع:

ما دلالة قوله تعالى: ﴿ فَمَنۡ عُفِيَ لَهُۥ مِنۡ أَخِيهِ شَيۡءٞ ﴾؟ ولِمَ عُدّيَ الفعلُ باللام؟ وما دلالة لفظة (شيء) منكرة؟

الجواب:

آـ المعنى: فمن له من أخيه شيء من العفو.

ب ـ إنْ قيل: إنَّ (عُفِيَ) يتعدَّى بـ (عن) وليس بـ(اللام) فما وجه (فمن عفي له)؟

والجواب: أنه يتعدى بـ (عن) إلى الجاني وإلى الذنب، فيقال: عفوت عن فلان أو عن ذنبه، كما قال تعالى: ﴿ عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ ﴾[التوبة: 43]، فإذا تعدى إلى الذنب، قيل: عفوت عن فلان عما جنى، كما تقول: عفوت له عن ذنبه، فكأنّ معنى الآية (فمن عفي له من جنايته)، فاستغنى عن ذكر الجناية.

ج ـ لِم قيل (شيء) من العفو؟

والجواب: أنه إذا كان الحق يتألف من القود والمال، كان له أنْ يعفو عن القود دون المال، وله أنْ يعفو عن الكل فناسب ذكر (شيء) أي: جزء من العفو.

 

السؤال الخامس:

بأي معنى أثبت الله وصف الأخوة؟

الجواب:

هو أحد الاحتمالات التالية:

ـ الآية نازلة قبل أنْ يقتل أحدٌ أحداً والمؤمنون إخوة قبل الإقدام على القتل.

ـ الفاسق يتوب ويكون ولي المقتول أخاً له.

ـ في النسب: ﴿ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودٗاۚ﴾ [الأعراف:65].

ـ ليعطف أحدهما على الآخر.

ـ الله أثبت الأخوة على الإطلاق بين المؤمنين بدون تقييد بزمان أو مكان.

 

السؤال السادس:

ما دلالة قوله تعالى: ﴿ فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيۡهِ بِإِحۡسَٰنٖۗ﴾ وما إعراب ﴿ فَٱتِّبَاعُۢ﴾؟

الجواب:

آـ قوله ﴿ فَٱتِّبَاعُۢ﴾ خبر لمبتدأ محذوف تقديره: فحكمه اتباع، أو مبتدأ خبره محذوف تقديره: فعليه اتباع المعروف.

ب ـ على العافي الاتباع بالمعروف بألا يشدد بالمطالبة، فإنْ كان معسراً فالنظرة إلى ميسرة، وعلى المعفوِّ عنه أداءٌ بإحسان.

 

السؤال السابع:

ما دلالة قوله تعالى: ﴿ ذَٰلِكَ تَخۡفِيفٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةٞۗ﴾؟

الجواب:

1ـ قوله تعالى: ﴿ ذَٰلِكَ تَخۡفِيفٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةٞۗ﴾ أي: هذا الحكم تخفيف في حقكم؛ لأنّ العفو وأخذ الدية محرمان على أهل التوراة، والقصاص مكتوب عليهم البتة، والقصاص والدية محرمان على أهل الإنجيل والعفو مكتوب عليهم، وهذه الأمة مخيرة بين القصاص والدية والعفو توسعة عليهم وتيسيراً.

2ـ قوله تعالى: ﴿ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ﴾ المراد: أنْ لا يقتل بعد العفو والدية، أو يقتل غير قاتله أو أكثر من قاتله، أو طلب أكثر مما وجب له من الدية، ويجب أنْ يحمل على الجميع لعموم اللفظ.

 

السؤال الثامن:

ما فائدة تقديم الجار والمجرور في قوله تعالى: ﴿ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٞ﴾؟

الجواب:

قوله تعالى: ﴿ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٞ﴾ خصّصه بتقديم الجار والمجرور، ونوع خاص من العذاب الأليم، قال النبي ﷺ «لا أعافي أحداً قَتَلَ بعد أخذ الدية» والله أعلم.

 

مثنى محمد هيبان
رابطة العلماء السوريين

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ٱلۡحُرُّ بِٱلۡحُرِّ وَٱلۡعَبۡدُ بِٱلۡعَبۡدِ وَٱلۡأُنثَىٰ بِٱلۡأُنثَىٰۚ فَمَنۡ عُفِيَ لَهُۥ مِنۡ أَخِيهِ شَيۡءٞ فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيۡهِ بِإِحۡسَٰنٖۗ ذَٰلِكَ تَخۡفِيفٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةٞۗ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٞ١٧٨﴾ [البقرة: 178]



تقديم خاص للآية:

بعد بيان الله لخصال البرّ لأهل التقوى والإيمان في الآية السابقة (البقرة 177)، تذكرُ سورةُ البقرة ابتداء من هذه الآية (178) أربعين حكماً تشريعياً، لتحقيق منهج الله في المجتمع المسلم، وهذه الأحكام هي:

%D8%AC%D8%AF%D9%88%D9%84%20%D8%A7%D9%84%
وهذه الآية (178) تذكر الحُكم الأول وهو: القِصاص وأحكامه، وبُدىء بهذا الحكم لأنه الأعظم في اختلال الأمن، وأهمية شيوع الأمن في المجتمع، وقد ناطَ الإسلامُ مسألة القصاص بالحاكم، ولم يتركها للناس، حتى لا يعتدي أحدٌ على أحد ظلماً وعدواناً بسبب القصاص.


السؤال الأول:

ما تفسير الآية 178 في سورة البقرة؟ وما الوجه البلاغي في هذا التقسيم؟
الجواب:
هل إذا قتلَ حرٌّ عبداً لا يؤخذ به؟ وإنما يقول: أعطونا ثمنه؟
نقول: في كثير من الآيات ينبغي الرجوع إلى سبب النزول.
يوجد عندنا قاعدة عامة ﴿ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ ﴾ [البقرة:179] هذه القاعدة العامة.
كان هناك ثأرٌ بين حَيَّينِ من أحياء العرب أسلموا قبل أنْ تُفضَّ المشكلة وأحدهما كان قوياً متجبراً، فقبل أنْ يدخلوا في الإسلام كانوا يقولون - تجبراً منهم-: العبد منّا بالحرّ منهم، والمرأة منّا بالرجل منهم، حتى نصطلح وإلا فالحرب مستمرة، فلمّا دخلوا في الإسلام بقوا على حالهم وعلى قولهم، فنزلت الآية تفيد أن في القصاص حياةً، لكنّ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.
وانظروا كم من أحراركم قُتِلَ وأحرارهم قُتِلَ! هذا بهذا والفارق تدفع عنهم الدِّية، وكذلك الأمر للعبيد وللنساء حتى تحل المشكلة، لكن تبقى القاعدة عامة ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ ﴾ القصاص عامة.


السؤال الثاني:

ما الحكمة من بناء الفعل ﴿ كُتِبَ ﴾ هنا للمجهول في هذه الآية؟
الجواب:
الأمور المستكرهة يبنيها ربُّنا للمجهول ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ ﴾ [البقرة:183] ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ﴾ [البقرة:178] ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ ﴾ [البقرة:216].
لذلك نرى أنه في الأشياء الصعبة المستكرهة والمشقة يُبنى الفعل للمجهول مع أنه كله بقدر الله عز وجل، لكنْ لا ينسبه لنفسه، وهذا خط عام في القرآن.


السؤال الثالث:

ما دلالة قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ﴾؟
الجواب:
قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ﴾ أي: فُرض بسبب قتل القتلى؛ لأنّ الحرف (في) قد يستعمل للسببية؛ كقوله ﷺ «في النفس المؤمنة مائة من الإبل» والقصاص ليس بفرض، بل الوليُّ مخيرٌ فيه، بل مندوب إلى تركه.
والمراد هنا أنه فُرِضَ على القاتل التمكين، لا أنه فرض على الولي الاستيفاء.


السؤال الرابع:

ما دلالة قوله تعالى: ﴿ فَمَنۡ عُفِيَ لَهُۥ مِنۡ أَخِيهِ شَيۡءٞ ﴾؟ ولِمَ عُدّيَ الفعلُ باللام؟ وما دلالة لفظة (شيء) منكرة؟

الجواب:
آـ المعنى: فمن له من أخيه شيء من العفو.
ب ـ إنْ قيل: إنَّ (عُفِيَ) يتعدَّى بـ (عن) وليس بـ(اللام) فما وجه (فمن عفي له)؟
والجواب: أنه يتعدى بـ (عن) إلى الجاني وإلى الذنب، فيقال: عفوت عن فلان أو عن ذنبه، كما قال تعالى: ﴿ عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ ﴾[التوبة: 43]، فإذا تعدى إلى الذنب، قيل: عفوت عن فلان عما جنى، كما تقول: عفوت له عن ذنبه، فكأنّ معنى الآية (فمن عفي له من جنايته)، فاستغنى عن ذكر الجناية.
ج ـ لِم قيل (شيء) من العفو؟
والجواب: أنه إذا كان الحق يتألف من القود والمال، كان له أنْ يعفو عن القود دون المال، وله أنْ يعفو عن الكل فناسب ذكر (شيء) أي: جزء من العفو.


السؤال الخامس:

بأي معنى أثبت الله وصف الأخوة؟
الجواب:
هو أحد الاحتمالات التالية:
ـ الآية نازلة قبل أنْ يقتل أحدٌ أحداً والمؤمنون إخوة قبل الإقدام على القتل.
ـ الفاسق يتوب ويكون ولي المقتول أخاً له.
ـ في النسب: ﴿ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودٗاۚ﴾ [الأعراف:65].
ـ ليعطف أحدهما على الآخر.
ـ الله أثبت الأخوة على الإطلاق بين المؤمنين بدون تقييد بزمان أو مكان.


السؤال السادس:

ما دلالة قوله تعالى: ﴿ فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيۡهِ بِإِحۡسَٰنٖۗ﴾ وما إعراب ﴿ فَٱتِّبَاعُۢ﴾؟
الجواب:
آـ قوله ﴿ فَٱتِّبَاعُۢ﴾ خبر لمبتدأ محذوف تقديره: فحكمه اتباع، أو مبتدأ خبره محذوف تقديره: فعليه اتباع المعروف.
ب ـ على العافي الاتباع بالمعروف بألا يشدد بالمطالبة، فإنْ كان معسراً فالنظرة إلى ميسرة، وعلى المعفوِّ عنه أداءٌ بإحسان.


السؤال السابع:

ما دلالة قوله تعالى: ﴿ ذَٰلِكَ تَخۡفِيفٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةٞۗ﴾؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى: ﴿ ذَٰلِكَ تَخۡفِيفٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةٞۗ﴾ أي: هذا الحكم تخفيف في حقكم؛ لأنّ العفو وأخذ الدية محرمان على أهل التوراة، والقصاص مكتوب عليهم البتة، والقصاص والدية محرمان على أهل الإنجيل والعفو مكتوب عليهم، وهذه الأمة مخيرة بين القصاص والدية والعفو توسعة عليهم وتيسيراً.
2ـ قوله تعالى: ﴿ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ﴾ المراد: أنْ لا يقتل بعد العفو والدية، أو يقتل غير قاتله أو أكثر من قاتله، أو طلب أكثر مما وجب له من الدية، ويجب أنْ يحمل على الجميع لعموم اللفظ.


السؤال الثامن:

ما فائدة تقديم الجار والمجرور في قوله تعالى: ﴿ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٞ﴾؟
الجواب:

قوله تعالى: ﴿ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٞ﴾ خصّصه بتقديم الجار والمجرور، ونوع خاص من العذاب الأليم، قال النبي ﷺ «لا أعافي أحداً قَتَلَ بعد أخذ الدية» والله أعلم.
 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٧٩﴾ [البقرة: 179]

السؤال الأول:

ما القيمة الفنية لقوله تعالى: ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ﴾؟

الجواب:

آـ هذه الآية فيها مقالات طويلة، ولقد كتب مصطفى صادق الرافعي مقالة بعنوان «كلمة مؤمنة في الرد على كلمة كافرة» حيث إنّ بعضهم قال: إنّ العرب تقول: (القتل أنفى للقتل)، فكتب في الفرق العظيم بين قولهم (القتل أنفى من القتل) التي فيها دماء، وقوله تعالى: ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ﴾ [البقرة:179] التي فيها حياة، والسيوطي ذكر عشرين فرقاً في كتابه «المزهر في اللغة» والرافعي زاد عليه.

ب ـ الآية بتمامها: ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٧٩﴾ [البقرة:179]. وكلمة القِصاص مأخوذة من فعل: قصّ يقصّ، وفي الأصل القصّ هو القطع، أو القصّ هو تتبّع الأثر تحديداً، والأثر قد يكون خطاً ومنه قصّ الثوب؛ لأنّ الثياب لم تكن تُقصّ إلا بعد أنْ يوضع عليها خط أين يقصّ، والذي يقص بالمقص هو يتتبع أثراً، والقِصاص من قصّ يقص قِصاصاً ومقاصّة.

ج ـ القِصاص لكم فيه حياة، أي: حياة للمجتمع، وكلمة ﴿حَيَوٰةٞ﴾ جاءت نكِرة فأخّرها على سُنّة العرب في كلامها، والإسلام يريد مجتمعاً هانئاً آمناً فذكر القِصاصَ.

د ـ أما مقولة (القتل أنفى للقتل) فهذه مقولة عربية يوازنوها أحياناً بـ ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ﴾ [البقرة:179]، ولكن عندما ندقق في الآية نجد سُمُوَّ التعبير ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰة﴾ [البقرة:179].

أما (القتل أنفى للقتل) فيقول بعضهم: إنها كلمة جاهلية، وحتى لو كانت جاهلية فإنها تحمل رائحة الدم، وليس فيها رائحة بناء المجتمع.

وأمّا كلمة ﴿ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ﴾ فهي كلمة موجزة، والقصاص فيه حياة للمجتمع، القصاص لم يحدد القتل وإنما هو عدالة، وعندما تقول (قصاص)، أي: أنت تتتبّع الذي فعله المخالِف فتقصّ فعله حتى تعاقبه بمثل فعله، واختصرت بكلمة (قصاص) مهما كان الشخص الذي قتل حاكماً أو سيداً في قومه فيقتل وحده، وبعد ذلك رُخِّص للمسلمين بقبول المقابل أو العدل، والدية هي مقابل القتل.

مقولة (القتل أنفى للقتل) مقولة تتكلم فقط عن القتل، بينما القصاص شامل ذكر كل هذه الأشياء، فضلاً عن أنّ كلمة (القتل أنفى للقتل) كما يقول علماؤنا: خطأ؛ لأنه ليس دائماً القتل ينفي القتل، ففي بعض الأحيان القتل يجلب قتلاً (قتل الظلم، قتل التعدّي) كما يقولون: (ومن يظلم الناس يُظلَم) وليس هكذا مفهوم الإسلام.

هـ ـ ثم كلمة ﴿حَيَوٰةٞ﴾ نكرة، والنكرة لها في كل موضع معنى، وفي هذه الآية معناها حياة نبيلة، عظيمة، قيّمة، وعندما نسمع السياق نجده يعطي معنى الحياة السعيدة الهانئة، حياة صِفُوها بما شئتم من أوصاف الخير.

ولاحظ كيف بيّنت هذه الآية على وجازتها حكمة القصاص بأسلوبٍ لا يُمارى وعبارة لا تُحاكى، وكيف نُكِّرت كلمة ﴿حَيَوٰةٞ﴾ فلم يقل (الحياة) إشعاراً أنّ في هذا القصاص نوعاً من الحياة لا يبلغه وصف.

ولكن كيف يكون القصاص حياة وهو قتلٌ للقاتل؟

الجواب: أنه إذا عَلِم القاتل أنه سيُقتل فلا شك أنه سيمتنع عن القتل، وهذا يصون النفس من القتل ويحمي القاتل، فكان القصاص حياة للنفسَينِ وهذا يؤدي إلى إحياء البشرية بأسرها.

قال قتادة: جعل الله في القصاص حياةً، فإذا ذكره الظالمُ المعتدي كفَّ عن القتل.والله أعلم.

 

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 

﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ١٨٠﴾ [البقرة: 180]

السؤال الأول:

ما الفرق بين استعمالي الفعل (حضر) و(جاء) مع الموت؟

الجواب:

انظر الجواب في آية البقرة: 133.

السؤال الثاني:

ما دلالة استعمال (إذا) في الآية؟ وما الفرق في الاستعمال بين (إذا) و (إن)؟

الجواب:

(إذا) تستعمل فيما هو كثير وفيما هو آكد وفيما هو واجب، و(إنْ) لما هو أقلّ في عموم الشرط، وقد يكون مستحيلاً وقد يكون قليلاً، وتفصيل ذلك:

1ـ (إنْ): تستعمل في القرآن الكريم في المعاني المحتملة الوقوع أو المشكوك في حصولها أو المستحيلة أو المفترضة:

شواهد للمعاني المشكوك في حصولها:

﴿ وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِيۚ ﴾ [الأعراف:143].

شواهد للمعاني المحتملة:

﴿ فَإِن قَٰتَلُوكُمۡ فَٱقۡتُلُوهُمۡۗ ﴾ [البقرة:191].

﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ ﴾ [البقرة:230].

﴿ وَإِن كُنتُمۡ جُنُبٗا فَٱطَّهَّرُواْۚ ﴾ [المائدة:6].

شواهد للمعاني المستحيلة:

﴿ قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَٰبِدِينَ٨١﴾ [الزخرف:81].

﴿ يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ ﴾ [الرحمن:33].

شواهد للمعاني المفترضة:

﴿ قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلَّيۡلَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ ﴾ [القصص:71].

2ـ (إذا): تستعمل للمقطوع بحدوثه والكثير الوقوع كما في الآيات:

﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ﴾ [البقرة:180].

﴿ وَٱبۡتَلُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُواْ ٱلنِّكَاحَ ﴾ [النساء:6].

﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ ﴾ [الجمعة:10].

﴿ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ ﴾ [النساء:86].

﴿ وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ ﴾ [الأعراف:204].

شواهد إضافية: [ آل عمران25 ـ المائدة 2 ـ الأعراف 34 ـ التوبة 5 ـ النور59 ـ البقرة 282 ـ يونس12].

3ـ شواهد مشتركة تتضمن(إذا وإنْ) معاً:

﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ ﴾ [البقرة:180].

﴿ فَإِنۡ أُحۡصِرۡتُمۡ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۖ وَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۥۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦٓ أَذٗى مِّن رَّأۡسِهِۦ فَفِدۡيَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖۚ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلۡعُمۡرَةِ إِلَى ٱلۡحَجِّ ﴾ [البقرة:196].

﴿ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ فَرِجَالًا أَوۡ رُكۡبَانٗاۖ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم ﴾ [البقرة:239]

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيۡنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى فَٱكۡتُبُوهُۚ وَلۡيَكۡتُب بَّيۡنَكُمۡ كَاتِبُۢ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَلَا يَأۡبَ كَاتِبٌ أَن يَكۡتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُۚ فَلۡيَكۡتُبۡ وَلۡيُمۡلِلِ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ وَلَا يَبۡخَسۡ مِنۡهُ شَيۡ‍ٔٗاۚ فَإِن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ سَفِيهًا أَوۡ ضَعِيفًا ﴾ [البقرة:282]

﴿ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَٰحِشَةٖ فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ﴾ [النساء:25].

﴿ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ [التوبة:5].

شواهد إضافية: [ المائدة6ـ الأعراف131ـ الروم 36ـ البقرة 239ـ النساء 101ـ البقرة 229ـ230ـ 231ـ الرعد5 ].

4ـ ملاحظات عامة:

أـ (إذا) و(إنْ) من أدوات الشرط.

ب ـ وردت (إذا) في القرآن الكريم في أكثر من (362) مرة، لم ترد في موضع واحد غير محتمل الوقوع، بل هي كلها إمّا مقطوع بوقوعها أو كثير الوقوع، بخلاف (إنْ).

ولمّا كانت (إذا) تفيد الجزم بالوقوع، غلب معها الفعل الماضي، لكونه أدل على الوقوع، باعتبار لفظه، بخلاف (إنْ) التي تستعمل في المعاني المحتملة، والمشكوك فيها، فإنه غلب معها الفعل المضارع.

وقد وردت (إذا) في القرآن الكريم ـ شرطية وظرفية ـ في أكثر من (362) مرة، منها (18) فقط ورد معها الفعل المضارع، بينما ورد الفعل الماضي مع البقية.

ج ـ إذا كان فعل الشرط ماضياً فإنه يفيد افتراض حصول الحدث مرة أو وقوعه جملة، في حين أنّ الفعل المضارع قد يفيد تكرار الحدث، أو يفيد تطاول الحدث.

د ـ وقد وردت (إنْ) في القرآن الكريم في حوالي (554) مرة. والله أعلم.

السؤال الثالث:

ما إعراب كلمة ﴿ ٱلۡوَصِيَّةُ ﴾ [البقرة:180] في هذه الآية؟

الجواب:

الوصيةُ: نائب فاعل مرفوع.

السؤال الرابع:

كيف عطف الأقربين على الوالدين، وهما أقرب المقربين والعطف يقتضي المغايرة؟

الجواب:

الوالدان ليسا من الأقربين؛ لأنّ القريب من يدلي إلى غيره بواسطة كالأخ والعم ونحوهما، والوالدان ليسا كذلك، وحتى لو كانا منهم لكان تخصيصهما بالذكر لشرفهما، كقوله تعالى: ﴿ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِيلَ وَمِيكَىٰلَ ﴾ [البقرة:98].

السؤال الخامس:

ما دلالة هذه الآية؟

الجواب:

1ـ هذه الآية فيها وصيّة مجملة مردّها إلى العُرف، بالنسبة للوالدين والأقارب الوارثين، وكان ذلك قبل تحديد أنصبة المواريث في سورة النساء، ولكن هل نسخت هذه الآية؟ والجواب:

آ ـ عند جمهور أهل العلم نسخت هذه الوصية للوالدين والأقربين بآية الميراث في سورة النساء: ﴿ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ ﴾ [النساء:11].

ب ـ وقيل: إنها غير منسوخة، وإنها نزلت في حق من ليس بوارث من الوالدين والأقربين بسبب الكفر أو الحَجْر أو نحوه، فشُرعت الوصية لهم قضاء لحق الأبوة والقرابة، فهي مستحبة في حق من لا يرث.

أي أنها خاصة بغير الورثة، لأنّ الوصية لا تجوز لوارث إلا إذا أجازتها الورثة لسبب خاص كأن يكون معاقاً أو نحوه.

2ـ هذا هو الحكم التشريعي الثاني: الوصية عند الموت.

والله أعلم.

 

مثنى محمد هيبان
رابطة العلماء السوريين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُۥ فَإِنَّمَآ إِثۡمُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ١٨١ فَمَنۡ خَافَ مِن مُّوصٖ جَنَفًا أَوۡ إِثۡمٗا فَأَصۡلَحَ بَيۡنَهُمۡ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ١٨٢﴾ [البقرة: 181-182]

 

السؤال الأول:

خُتمت الآية 182 بقوله تعالى: ﴿غَفُورٞ رَّحِيمٞ١٨٢﴾ وخُتمت آية البقرة 181 بقوله تعالى: ﴿سَمِيعٌ عَلِيمٞ١٨١﴾ فما دلالة ذلك؟

 

الجواب:

ختم الآية: 181 بالسمع والعلم لمـّا قال قبلها: ﴿فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُۥ﴾ [البقرة:181] ليكون مطابقاً.

وختم الآية 182 بالمغفرة والرحمة لمـّا قال قبلها: ﴿فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ﴾ ليطابق المعنى.

 

السؤال الثاني:

ما دلالة هاتين الآيتين؟

 

الجواب:

الآية (181):

1ـ الآية جرت مجرى الوعيد في تغيير الوصية، ولا ذنب على الموصِي ولا الموصَى له، وإنما الإثم على من بدّل.

2ـ إقامة الظاهر مقام المضمر لزيادة الاهتمام بشأنه، ولو جرى على نسق الكلام السابق لقال: فإنما إثمه عليه وعلى من يبدله.

الآية (182):

1ـ بيّن في هذه الآية أنّ المراد بالآية السابقة هو التبديل من الحق إلى الباطل، أمّا إذا غيّره عن باطل إلى حق فقد أحسن.

2ـ (الجَنَف): الميل في الأمور، والعدول عن الاستواء، والانحراف عن الحق. يقال: جَنف يجنِفُ بكسر النون في الماضي، وفتحها في المستقبل.

3ـ الفرق بين الجنف والإثم أنّ الجنف هو الخطأ من حيث لا يعلم، والإثم هو العمد.

4ـ المجاز المرسل في (خاف) فقد جاءت بمعنى الظن أو التوقع، والعلاقة في هذا المجاز السببية، لأنه تعبير عن السبب بالمسبب.

5ـ جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ الرجلَ ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حاف في وصيته، فيختم له بشر عمله).

6ـ لذلك من أوصى بشيء فيه ظلم، فعلى وليّ أمر الميت وأولي الأمر بالمعروف أن يردوه إلى الصواب. والله أعلم.

 

السؤال الثالث:

قوله تعالى في الآية: ﴿جَنَفًا﴾ أي: مَيلاً، فما كلمات منظومة الجنح في القرآن الكريم؟

 

الجواب:

هذه هي مجموعة (جَنَحَ) وتشمل كل أنواع المَيل، وكلها صغائر تدل على أنّ الفعل المحرم لم يُرتكب:

1- جنح:

هي بداية الميل في الغالب وليس ميلاً كاملاً.

﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ ﴾ [الأنفال: ٦١].

2- زاغ:

هو الميل من الصواب إلى الخطأ، والزيغ هو النقص في الصواب.

﴿ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ٥ ﴾ [الصف: 5].

3- جنف:

خاص بالحكم عندما يكون قاضياً فيميل عن الحق قليلاً، مثل أنْ يميل قلب الأب إلى الذكور وليس هو الحكم بالظلم.

﴿ فَمَنۡ خَافَ مِن مُّوصٖ جَنَفًا أَوۡ إِثۡمٗا فَأَصۡلَحَ بَيۡنَهُمۡ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ ﴾ [البقرة: 182].

4- حنف:

ميل من الباطل إلى الحق ومن الخطأ إلى الصواب ﴿ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا ﴾ [آل عمران:67] وحنفاء، أي: ليس لديهم أي ميل للشرك، وهو عكس الزيغ.

5- راغ:

هو ميل لكنْ لاحتيال ﴿فَرَاغَ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ﴾ [الذاريات:26] من باب اللياقة وإكرام الضيف بأنْ يميل المضيف إلى أهله بطريقة خفية حتى يهيأ الطعام لضيفه.

6- عدل:

عَدَلَ بمعنى مال مع اعترافه بأنّ ميلَه ليس صحيحاً ﴿بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ٦٠﴾ [النمل:60].

7- زلّ:

ميل مرغم عليه ولا يقصده، كما يقال في زلة اللسان أو زلة القدم ﴿فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ﴾ [البقرة:36] ﴿فَإِن زَلَلۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡكُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ٢٠٩﴾ [البقرة:209].

8- ألحد:

هو الميل إلى كتمان الحق وهو أخطر أنواع الميل، والملحد هو الذي مال إلى كتمان التوحيد.

﴿وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ١٨٠﴾ [الأعراف: 180].

والله أعلم.

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
الحكم التشريعي الثالث في سورة البقرة: الصيام وأحكامه



﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٨٣﴾ [البقرة: 183]
السؤال الأول:
ما موقع آيات الصيام كما جاءت في سياقها في القرآن الكريم؟
الجواب:
آيات الصوم وقعت بين آيات الشدة وذكر الصبر وما يقتضي الصبر قبلها، قال تعالى: ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ١٧٧﴾ [البقرة:177] والصوم نصف الصبر كما في الحديث، والصبر نصف الإيمان، وتقدّمها أيضاً ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ﴾ [البقرة:178] وهذه شدة، وتحتاج إلى صبر، وقبلها: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة:180] هذه شدة، وتحتاج إلى الصبر.
وبعدها آيات القتال:
﴿ وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ ﴾ [البقرة:190].
﴿ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ ﴾ [البقرة:191].
﴿ وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِۖ ﴾ [البقرة:193].
الصوم من المشاق، والقتال من المشاق، والقتال يقتضي الصبر، والصوم نصف الصبر.
وبعدها ذكر آيات الحج؛ لأنّ الحج يقع بعد الصيام، وبعد شهر رمضان تبدأ أشهر الحج، فذكر ﴿ ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ١٩٧﴾ [البقرة:197].
ثم ذكر المريض في الحج، كما ذكر المريض في الصوم، وذكر الفدية في الحج، ومن الفدية الصيام ﴿ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ﴾ [البقرة:196] إذن موقع آيات الصيام تقع بين آيات الصبر وما يقتضي الصبر وعموم المشقة.
السؤال الثاني:
كيف كان الصوم في البدء قبل مشروعية شهر رمضان؟
الجواب:
قال الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى رحمة واسعة: إنّ مشروعية الصوم بدأت بالأيام المعدودة وهي: ثلاثة أيام من كل شهر، وهو اليوم العاشر والعشرون والثلاثون، وكان الإنسان مخيراً في تلك الأيام المعدودة، إنْ كان مطيقاً للصوم أنْ يصوم أو أنْ يفتدي.
أمّا حين شرّع الله الصوم في رمضان، فقد أصبح الصوم فريضة تعبدية وركناً من أركان الإسلام، وبعد ذلك جاءنا الاستثناء للمريض والمسافر.
وكلمة (رمضان) تدل على الحرارة والقيظ، وكان الناس حينما أرادوا أن يضعوا أسماء للشهور جاءت التسمية لرمضان وقتَ كان حاراً، فسمَّوه رمضان، كما سموا ربيعاً الأول وربيعاً الآخر عندما كان الزمان متفقاً مع وجود الربيع، وعندما سمَّوا جمادى الأولى وجمادى الآخرة، عندما كان الماء يجمد في تلك الأيام.
ورمضان مصدر (رَمَضَ) إذا احترق، من الرمضاء، ثم زيدت الألف والنون، وصار علماً، ومُنع من الصرف للعلمية.
السؤال الثالث:
قوله تعالى في الآية: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ﴾ والفعل (كُتب) مبني للمجهول وجاء مع ﴿عَلَيۡكُمُ ﴾ تحديداً، مع أنه ورد في القرآن ﴿ كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٞ صَٰلِحٌۚ ﴾ [التوبة:120] فما دلالة ذلك؟
الجواب:
نلاحظ في قول ربنا تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ﴾ [البقرة:183] أنه ناداهم بنفسه ولم يقل: (قل يا أيها الذين آمنوا) فيكلف الرسولَ بخطابهم، وإنما ناداهم مباشرة؛ لأهمية ما ناداهم إليه؛ لأنّ الصيام عبادة عظيمة قديمة كتبها تعالى على من سبقنا فنادانا مباشرة، ولم ينادنا بشكل غير مباشر عن طريق نبيه عليه السلام.
(عليكم ـ لكم)
آ ـ استعمال ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ﴾ فيه شدة ومشقة وما يستكره من الأمور عموماً، ولذلك عندما يقول: ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ) يكون أمراً فيه شدة ومشقة وإلزام، ويكون في أمور مستثقلة.
ومن معاني (كُتب): ألزم ووجبَ وفرضَ، نحو قوله تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ﴾ [البقرة:178]،وقوله: ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ ﴾ [البقرة:216]، وفيه شدة.
ب ـ أما (كَتبَ له) فهو في الخير بشكل عام، نحو قوله تعالى: ﴿ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ﴾ [البقرة:187]، بينما (كُتِب عليكم) فيه شدة ومشقة وإلزام، والصوم مشقة يترك الطعام والشراب والمفطرات من الفجر إلى الليل ففيه مشقة؛ لذا لم يقل (لكم).
صيغة المجهول (ما لم يُسمّ فاعله) وصيغة المعلوم:
آ ـ هناك قاعدة في القرآن الكريم،وهي أنّ الله سبحانه وتعالى يظهر نفسه في الأمور التي فيها خير، أمّا في الأمور المستكرهة وفي مقام الذم فأحياناً يُبنى للمجهول، نحو قوله تعالى: ﴿ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ﴾ [الحُجُرات:7] بينما قال: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ ﴾ [آل عمران:14] بصيغة الفعل المبني للمجهول للأمور التي فيها شر، ومثلها أيضاً: (آتيناهم الكتاب وأوتوا الكتاب) ففي مقام الذم يقول: (أوتوا الكتاب) مطلقاً، وفي مقام الخير يقول:(آتيناهم الكتاب).
فلمّا كان هناك مشقة في الصوم على عباده قال: ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ﴾، ولم يقل: كتبنا، وأمّا في الأمور التي فيها خير ظاهر فيظهر نفسه، نحو قوله تعالى:
ـ ﴿ كَتَبَ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَۚ﴾ [الأنعام:12].
ـ ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ﴾ [الأنعام:54].
ـ ﴿ وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِ‍َٔايَٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ١٥٦﴾ [الأعراف:156] هذا خير.
أمّا قوله تعالى:
ـ ﴿ وَكَتَبۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ وَٱلۡعَيۡنَ بِٱلۡعَيۡنِ ﴾ [المائدة:45] هذه فيها إلزام لهم، كتب على بني إسرائيل الأمور التي شددها عليهم، وشدد عليهم لأنهم شددوا على أنفسهم.
ب ـ وحرف الجر يغير الدلالة وأحياناً يصير نقيضها، مثل: رغب فيه: يعني أحبّه، ورغب عنه: يعني كرهه. وضع الشيء عليه: يعني حمّله، ووضع الشيء عنه: أي أنزله.
السؤال الرابع:
ما دلالة استخدام (الصيام) لا (الصوم)؟
الجواب:
هذا من خصائص التعبير القرآني؛ إذ لم يستعمل (الصوم) في العبادة وإنما استعمله في (الصمت) فقط، قال تعالى: ﴿ إِنِّي نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَٰنِ صَوۡمٗا ﴾ [مريم:26].
والصوم هو الإمساك، والفعل: (صام) يصوم صوماً وصياماً وكلاهما مصدر، وربنا استعمل (الصوم) للصمت، والكلمتان متقاربتان في اللفظ والوزن (الصوم والصمت)، واستعمل كلمة (الصيام) للعبادة لسببين:
آـ مدة الامتناع والإمساك عن الطعام والشراب طويلة فناسب كلمة (صيام) لأنها أطول من (صوم).
ب ـ والمتعلقات بالصيام أكثر: طعام وشراب ومفطرات، فهو أطول، فقال: صيام، ولم يستعمل الصوم في العبادة.
وهذا من خواص الاستعمال القرآني، يفرد بعض الكلمات أحياناً بدلالة معينة؛ كما ذكرنا في الرياح والريح، وفي الغيث والمطر،وفي وصّى وأوصى، ومن جملتها: الصوم والصيام.
وللعلم فإنه في الحديث الشريف القدسي وغيره من الأحاديث النبوية يستعمل الصوم والصيام للعبادة نحو: «الصوم لي وأنا أجزي به»، « الصوم نصف الصبر» لكنْ من خواص الاستعمال القرآني أنه يستعمل الصيام للعبادة.
السؤال الخامس:
ختمت الآية بقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٨٣ ﴾ فما اللمسة البيانية فيها؟
الجواب:
آـ قال تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٨٣ وهذا يدل على علوِّ هذه العبادة وعظمتها، وربنا سبحانه وتعالى كتب هذه العبادة على الأمم التي سبقتنا ومعناها أنّ الصوم عبادة عظيمة ونحن لا نعلم كيفيتها، لكنْ كان الصيام موجوداً.
ب ـ ثم تدل الآية على الترغيب في هذه العبادة لأهميتها، فبدأ بها تعالى في الأمم السابقة؛ لأنّ الأمور إذا عمّت هانت، فالصيام ليس بِدعاً لكم وإنما هو موجود في السابق، فإذن هذا الأمر يدل على أهمية تلك العبادة، ويدل على تهوينها، حيث إنها ليست لكم وحدكم وإنما هي مسألة قديمة، فهي كما كتبت عليكم كتبت على الذين من قبلكم.
ج ـ كلمة ﴿ تَتَّقُونَ ﴾ أطلقها ولم يقل: (تتقون كذا)، على نحو ما قال (اتقوا النار) أو (اتقوا ربكم) فيحتمل أشياء مرادة.

أمّا إطلاق ﴿ تَتَّقُونَ ﴾ فتعني:
1ـ أنكم تتقون المحرمات وتحذرون من المعاصي؛ لأنّ الصوم يكسر الشهوة ويهذبها ويحُدّها كما في الحديث الشريف «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج».
2ـ وتتقون المفطرات والإخلال بأدائها، أي: تحفظون الصيام وتتقون الإخلال بأشياء تؤدي إلى ذهاب الصوم.
3ـ لعلكم تتقون، تحتمل تَصِلُون إلى منزلة التقوى وتكونون من المتقين، فإذن فيها احتمالات عديدة، وهي كلها مُرادةٌ.
4ـ وضمن آيات هذا السياق للصيام تكرر ذكر التقوى والمتقين، قال تعالى:
ـ ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ١٧٧﴾ [البقرة:177].
ـ ﴿ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٧٩﴾ [البقرة:179].
ـ ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ١٨٠﴾ [البقرة:180].
ـ ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٨٣ ﴾ [البقرة:183].
ـ ﴿ أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ١٨٧﴾ [البقرة:187].
ـ ﴿ ٱلشَّهۡرُ ٱلۡحَرَامُ بِٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡحُرُمَٰتُ قِصَاصٞۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ١٩٤﴾ [البقرة:194].
5ـ لذلك نرى أن التقوى تكررت في السياق وهي مناسبة لأول السورة، قال تعالى: ﴿ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ٢﴾ [البقرة:2].
وفي عموم سورة البقرة كان إطلاق التقوى، وسورة البقرة ترددت فيها التقوى ومشتقاتها 36 مرة. والتقوى فِعلُها: (وَقَى) وقى نفسه، أي: حفظ نفسه وحذّرها، أي: احفظوا أنفسكم من الأشياء التي ينبغي أنْ تبتعدوا عنها.
وقسم يقول: إنّ التقوى هي ألا يراك الله حيث نهاك ولا يفتقدك حيث أمرك، ويعني الابتعاد عن المحرمات والانهماك في الطاعات، هذه هي التقوى. وقد جاءت التقوى في سورة البقرة على الإطلاق، ومنها قوله: ﴿ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ١٨٣ ﴾ يعني: تتقون أيَّ شيء عموماً. والله أعلم.



image.png



﴿أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ١٨٤﴾ [البقرة: 184]
السؤال الأول:
قوله تعالى ﴿ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ﴾ لماذا (معدودات) وليس (معدودة)؟
الجواب:
في الجواب أمران:
آـ الجمع في غير العاقل: (معدودات) تدل على القلة و(معدودة) تدل على الكثرة، هذا هو القياس في اللغة، وكذلك في جمع غير العاقل الغالبُ أنْ يعود عليه الضمير في جمع الكثرة بالإفراد، وفي جمع القلة بالجمع، فتقول: (الأشجار سقطتْ) إذا كان عددها كبيراً فوق العشرة، وتقول: (الأشجار سقطنَ) إذا كان عدد الأشجار قليلاً دون العشرة، وكذلك تقول: (الجذوع انكسرتْ) لجمع الكثرة، وتقول: (الجذوع انكسرنَ) لجمع القلة.
وفي قوله تعالى: ﴿عَلَىٰ سُرُرٖ مَّوۡضُونَةٖ١٥﴾ [الواقعة: 15] وقوله تعالى: ﴿فِيهَا سُرُرٞ مَّرۡفُوعَةٞ١٣ وَأَكۡوَابٞ مَّوۡضُوعَةٞ١٤ وَنَمَارِقُ مَصۡفُوفَةٞ١٥ وَزَرَابِيُّ مَبۡثُوثَةٌ١٦﴾ [الغاشية: 13-16]، هذه الصفات تدل على الكثرة، ولو قال مثلاً: (مرفوعات ـ موضونات ـ مصفوفات ـ مبثوثات) لدلت على القلة عددياً أي دون العشرة.
وإذا رجعنا إلى كتب التاريخ عند العرب نجد أنها تؤرخ بالليالي (لثلاث خلون، لأربع خلون) ويأتي بها بالجمع، أمّا (لإحدى عشرة ليلة خلت) يأتي بها بالمفرد؛ لأنها تدل على الكثرة، حتى في العدد نقول: ثلاثة رجال، عشرة رجال، أحد عشر رجلاً، مائة رجل، مليون رجل.
ب ـ جمع القلة يكون من واحد إلى عشرة، وأمّا في الآية فقالوا: ﴿ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ﴾ تقليلاً لهن تهويناً للصائم، وقسم يقول: إنها في أول فرض العبادة كانت ثلاثة أيام في كل شهر ولم يبدأ بالشهر كاملاً، ثم نُسِخ وجاء شهر رمضان فبدأت معدودات، ثم قال: شهر رمضان بعد هذه الأيام.
و(المعدودات) تدل على القلة (حتى العشرة) و(معدودة) أكثر من عشرة، وقوله تعالى: ﴿ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ﴾ ما اليوم؟ المشهور أن الأيام بمقابل الليالي، قال تعالى: ﴿ سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ٧﴾ [الحاقة:7]. وفي آية البقرة 184نصبت (أياماً) على الظرف أو بإضمار؛ أي صوموا أياماً.
السؤال الثاني:
قوله تعالى: ﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ ﴾ لماذا ﴿ عَلَىٰ سَفَرٖ ﴾؟
الجواب:
يقال: لأنه أباح للمتهييء للسفر أنْ يفطر إذا اشتغل بالسفر قبل الفجر، وقوله تعالى: ﴿ عَلَىٰ سَفَرٖ ﴾ أي: لم يسافربعد وإنما هو متهييءٌ للسفر، مثل قوله تعالى: ﴿ وَإِن كُنتُمۡ عَلَىٰ سَفَرٖ وَلَمۡ تَجِدُواْ كَاتِبٗا فَرِهَٰنٞ مَّقۡبُوضَةٞۖ ﴾ [البقرة:283] أي: تتهيئون، فقوله تعالى: ﴿ عَلَىٰ سَفَرٖ) لا يعني أنه سافر بالفعل، وكثير من الفقهاء قالوا: ﴿ عَلَىٰ سَفَرٖ ﴾ أي: أباح للمتهييِّء للسفر الفطر وإنْ لم يكن مسافراً، وقالوا: لو كان قال: (للمسافر) عندها لا يحق الإفطار لمن تهيأ للسفر؛ لذا قال: ﴿ عَلَىٰ سَفَرٖ ﴾ ومعناه أنه أباح للمتهييِّء للسفر أنْ يفطر.
السؤال الثالث:
ما معنى كلمة ﴿ يُطِيقُونَهُۥ ﴾ في الآية؟
الجواب:
كلمة ﴿ يُطِيقُونَهُۥ ﴾ فيها كلام متعددٌ:
آـ قسم قال: المقصود به هو في بدء فرض الإسلام للصيام، أي عند بداية الفريضة؛ لأنهم لم يكونوا متعودين على الصوم، فمن شاء صام ومن شاء فدى في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ولمّا نزلت هذه الآية كأنهم فهموا أنهم مخيّرون بين الصوم والإفطار.
ب ـ وقسم قال: هذه الآية نسخت؛ لأنهم كانوا فعلاً في أول الإسلام مخيرين، فمن شاء يفطر ويفدي ومن شاء يصوم.
ج ـ وقسم قال: أطاق، أي: تكلَّفه بمشقة وصعوبة، وتكون الهمزة للسلب، يعني: سلبت طاقته وجهده، والفعل الثلاثي (طاق) أي: تحمل، والفعل (أطاق) فيه همزة السلب، أي: سلب طاقته.
د ـ الفدية مرهونة بعدم الصيام، وعدمُ الصيام هو لأحد أمرين:
1ـ قالوا أنه في أول الإسلام كان المسلمون مخيرين في الإفطار ودفع الفدية أو الصوم، والصوم خير.
2ـ وإنْ كان غير ذلك، فالهمزة للسلب تبقى على دلالتها وليست منسوخة، وهي للذي لا يستطيع أنْ يصوم؛ لأنّ الصوم يسلب طاقته بحيث لا يتمكن من الصوم، فربّ العالمين رخصّ بالفدية للشيخ الكبير الهِرم، والمريض الذي لا يرجى شفاؤه.
وعندها تبقى الآية على دلالتها مستمرة ليس فيها نسخ إذا جعلت للسلب، ويبقى الحكم عاماً سارياً إلى يوم القيامة.
ولا شك أنّ الصيام أفضل لقوله تعالى ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ ﴾.
السؤال الرابع:
ما الفرق بين (أطاق وقدر واستطاع)؟
الجواب:
1ـ الفعل (قدر) تعني أنّ الإنسان يقوم بالعمل دون أي جهد وأنّ العمل عليه سهل، ولذلك وصف الله تعالى ذاته العلية بأنه قدير؛ لأنه سبحانه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون.
شواهد قرآنية:
آيات: [البقرة 148ـ الأنعام 37 ـ النحل 77 ـ الإسراء 99].
2- الفعل (استطاع) مشتق من الاستطاعة وهي أنْ تقوم بالعمل الذي يساوي قوتك وجهدك دون أنْ تدخر منه شيئاً أو تتكلف أي جهد إضافي.
شواهد قرآنية:
﴿ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ ﴾ [آل عمران: 97]
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ ﴾ [الأنفال: 60].
3 ـ الفعل (أطاق) من الطاقة وهي القيام بالأمر ببذل أقصى الجهد والمشقة والتعب الشديد، أي: يقوم بالعمل ببذل مزيد من الجهد والعنت والشقاء.
شواهد قرآنية:
﴿ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ ﴾ [البقرة:184].
﴿ وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ ﴾ [البقرة:286].
السؤال الخامس:
ما الفرق بين الفاء والواو في آيات البقرة: ﴿ فَمَن تَطَوَّعَ ﴾ [البقرة:184] ﴿ وَمَن تَطَوَّعَ ﴾ [البقرة:158]؟
الجواب:
1ـ الفاء للتعقيب وتأتي للسبب كقولك: درس فنجح، وأمّا الواو فهي لمطلق الجمع ولا تدل على ترتيب أو تعقيب.
2ـ جاء في الآية 158 ﴿ وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا ﴾ بالواو، وجاء في الآية 184﴿ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا ﴾ بالفاء.
والسبب أنّ الأولى في الحج والعمرة ﴿ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ١٥٨﴾ أي: جاء بعبادة أخرى كطواف آخر أو حج آخر، فهي طاعة مستحدثة إضافية فناسبها الواو.
وأما الآية الثانية 184 فهي في الصوم فكيف يتطوع؟ أي: يزيد في الفدية في نفس المسألة وفي نفس الطاعة، فهي ليست طاعة مستحدثة، فناسبها الفاء.
السؤال السادس:
قوله تعالى: ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ ﴾ ما اللمسات البيانية في هذه الآية؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى: ﴿ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ﴾ بأنْ زاد على القدر المذكور، أو فعل أكثر من المطلوب؛ بحيث يُطعم مسكينَين أو أكثرَ، أو يجمع بين الصيام والفدية أوبين الإطعام والصيام.
2ـ قوله تعالى: ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ ﴾ يعني أيها الأصحاء أنْ تصوموا خير لكم، ملتفتاً من ضمير الغائب في ﴿ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ ﴾ إلى المخاطب ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ ﴾.
3ـ كان يمكن أنْ يقال في غير القرآن: (وأن يصوموا)، لكنه تحوّل من الغيبة إلى الخطاب لئلا يخص المرضى والمسافرين؛ لأنه لو قال: (لو يصوموا خيراً لهم) لكان هذا يخص المرضى والمسافرين ويتداخل مع قوله: ﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ ﴾ لكنّ قوله تعالى: ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ ﴾ أعم، وكل من هو مرخص له بالإفطار إنْ صام فهو خير له، وليس لهؤلاء فقط، وإنما أيضاً إذا صح الكلام أنهم في أول الصيام كانوا مخيرين بين الفدية والصيام قبل أنْ يفرض شهر رمضان، فإنهم يدخلون تحت هذا الحكم ؛ أي أن الجميع يدخل تحت قوله تعالى: ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ ﴾.
ولو قال: (وأن يصوموا) لكان يخص المرضى والمسافرين فقط، بينما لما قال: ﴿ وَأَن تَصُومُواْ ﴾ شمل الجميع المرخّص لهم وغيرهم وليس خاصاً بالمرضى والمسافرين، لذلك كان هذا الالتفات للجمع وهذا اسمه التفات في الخطاب.
السؤال السابع:
ما دلالة استخدام أداة الشرط (إنْ) هنا ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِنْ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ١٨٤﴾؟
الجواب:
تأمل كيف جاء أسلوب الشرط مستخدماً (إنْ) التي تفيد التشكيك والتقليل، ولم يستخدم (إذا) التي تفيد الجزم والتحقيق، وفي ذلك إشارة إلى أنّ علمك أيها المؤمن بفوائد الصيام في الدنيا والآخرة عِلمٌ غير محقق؛ لأنّ فوائده خفية وأسراره قد لا تتوصل إلى معرفتها، ولذلك فإنّ الله يرغّبك في هذه العبادة حتى لو لم تدرِكْ فوائدها إدراكاً كاملاً.
السؤال الثامن:
قوله تعالى في الآية: ﴿ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ ﴾ [البقرة:184] وكلمة (طعام) بدل من (فدية) فهل البَدَلُ يفيد التوكيد؟
الجواب:
للبدل عدة أغراض؛ منها أنْ يكون للإيضاح والتبيين، كما في قوله تعالى: ﴿ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ١٨٤﴾ [البقرة:184] فطعام مسكين إيضاح للفدية.
السؤال التاسع:
ما مراحل الصيام التي مرّ بها في الإسلام؟
الجواب:
هناك ثلاث مراحل مرّ بها الصيام في الإسلام وهي:
1ـ لمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، جعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، ويصوم عاشوراء، ثم إنّ الله فرض عليه صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة، فكان من شاء صام، ومن شاء أفطر فأطعم مسكيناً، فأجزأ ذلك عنه. وهذا هو قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ ﴾ [البقرة:184].
2 ـ ثم أنزل الله تعالى الآية الأخرى: ﴿ شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ ﴾ [البقرة:185] فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح، ورّخص فيه للمريض والمسافر، وثبّت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع.
3ـ كانت فترة الإفطار من المغرب حتى العشاء، فحدث حرجٌ ومشقة للمسلمين من العطش والجوع وعدم اتيان النساء، فخفّف الله عنهم، بأن أحلّ لهم الرفث إلى نسائهم والأكل والشرب حتى مطلع الفجر، وهذا قوله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ ﴾ [البقرة:187].والله أعلم.


مثنى محمد الهيبان
رابطة العلماء السوريين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ١٨٨ [البقرة: 188]

 

السؤال الأول:

ما دلالة هذه الآية؟ وما ارتباطها بما قبلها من آيات الصوم؟

الجواب:

كأنّ هذه الآية متممة ومكملة لآيات الصوم، وكأنّ الله سبحانه أوجب علينا صوماً من نوع آخر، وهو التحريم الدائم لأكل أموال الناس بأي لون من ألوان الباطل التي لا حصر لها وخاصة في عصرنا هذا.

 ولما انقضت آيات الصيام أعقبها الله بالنهي عن أكل أموال الناس بالباطل؛ لأنه محرم في كل زمان ومكان، بخلاف الطعام والشراب فكأنه يقال للصائم: يا من أطعت ربك وتركت الطعام والشراب الذي حرم عليك في النهار فقط، فامتثل أمر ربك في اجتناب أكل الأموال بالباطل، فإنه محرم بكل حال، ولا يباح في وقت من الأوقات.

قوله تعالى: ﴿وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ الإدلاء مأخوذ من إدلاء الدلو وهو إرسالك إياها في البئر باتجاه الأسفل للاستسقاء،أي ليصل إلى مطلبه من الماء، وفي هذا كناية عن الرشوة وشهادة الزور بأن تدفع إلى القُضاة أو ولاة الأمور أو الموظفين لتأكلوا أموال الآخرين ظلماً وعدواناً ﴿لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ بطريق السقوط إلى الأسفل ﴿وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ أنكم على باطل وأنكم تأكلون حراماً، فإذا صام المسلم عن الحلال في رمضان، فأولى به أن يصوم عن الحرام طيلة عمره. وللعلم الواو واو الحال (وأنتم) فهي تصف حالتكم آنذاك.

قال النبي عليه السلام: (لا يحل لامرىء أن يأخذ مال أخيه بغير حقه، وذلك لما حرّم الله مال المسلم على المسلم). أخرجه البزار وابن حبان.

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.

 

السؤال الثاني:

ما دلالة قوله تعالى في الآية ﴿وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ في الآية؟

الجواب:

قوله سبحانه: ﴿وَتُدۡلُواْ [البقرة:188] مأخوذة من أدلى، ونحن ندلي الدلو إلى الأسفل، وأدلى: معناها: أنزل الدلو؛ ولذلك جاء في قصة الشيطان مع آدم عليه السلام ﴿ فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٖۚ [الأعراف: ٢٢].

فقوله تعالى: ﴿وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ [البقرة:188] أي: ترشوا الحكام ﴿ لِتَأۡكُلُواْ فَرِيقٗا مِّنۡ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ [البقرة:188] ومن العجيب أنّ الرشوة مأخوذة من الرَّشاء وهو الحبل الذي يُعلق فيه الدلو، لذلك فأدلى ودلَّى في الرشوة.

وكلمة ﴿وَتُدۡلُواْ [البقرة:188] تبين أنّ اليد التي تأخذ الرشوة هي اليد السفلى، فجاءت لتعبر عن دناءة المرتشي وسفله ولو كان في الذروة من حيث المنصب وموقع المسؤولية.

أمّا لماذا يدلون بها إلى الحكام؟ إنهم يفعلون ذلك حتى يعطيهم الحكام المبررات التشريعية لأكل أموال الناس بالباطل، وذلك عندما نكون محكومين بقوانين البشر.

لكن عندما نكون محكومين بقوانين الله، فالحاكم لا يبيح مثل هذا الفعل. والله أعلم.

 

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

﴿يَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَهِلَّةِۖ قُلۡ هِيَ مَوَٰقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلۡحَجِّۗ وَلَيۡسَ ٱلۡبِرُّ بِأَن تَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِنۡ أَبۡوَٰبِهَاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ١٨٩﴾ [البقرة: 189 ]

 

السؤال الأول:

قوله تعالى: ﴿وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ [البقرة:189] البِرُّ مصدر، ومن اتقى: شخص، كيف البر هو الذي اتقى؟

الجواب:

البارّ هو الذي يتقي وليس البِرّ، والبارّ من اتقى وليس البر، البِرّ عمل وهو فعل الخير، ولو تحول البر إلى شخص لكان شخصاً متقياً.

 

السؤال الثاني:

قوله تعالى في آية البقرة 177: ﴿ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ بالنصب، وقوله تعالى في آية البقرة 189 ﴿وَلَيۡسَ ٱلۡبِرُّ [البقرة:189] بالرفع، فما دلالة الرفع ودلالة النصب؟ وما الفرق؟

الجواب:

انظر الجواب في آية البقرة رقم 177.

 

السؤال الثالث:

ما دلالة الآيات التي بدئت بقوله تعالى ﴿يَسۡ‍َٔلُونَكَ؟

الجواب:

 أولاً ـ لم يكن عدد الأسئلة التي سألها الصحابة رضوان الله عليهم كبيراً، فعددها لم يتعد بضعة عشر سؤالاً، وبشكل أدق فقد كان عدد الأسئلة ستة عشر سؤالاً، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم نهاهم عن السؤال، فقال: «ذروني ما تركتكم، إنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» رواه أبو هريرة.

 ثانياًـ حينما دخل المسلمون الدين الجديد - الإسلام - عشقوا معه التكليف والأحكام وأرادوا أنْ يبنوا حياتهم على هذا النظام الإسلامي الجديد الطاهر، حتى إن الشيء الذي لم يغيره الإسلام أرادوا أنْ يعرفوه ويطبقوه على أنه حكم الإسلام لا على حكم العادة، فعندما تقرأ ﴿يَسۡ‍َٔلُونَكَ في القرآن فاعلم أنها من هذا النوع.

 

وردت كلمة ﴿ وَيَسۡ‍َٔلُونَكَ مع الواو 6 مرات، وبدون الواو، أي: ﴿يَسۡ‍َٔلُونَكَ9 مرات، وذلك حسبما يأتي السؤال منفرداً أو في بداية كلام جديد، فيأتي الجواب بدون حرف الواو ﴿يَسۡ‍َٔلُونَكَأو ربما تأتي عدة أسئلة معاً، فيأتي في الجواب بدون حرف العطف للسؤال الأول، ثم مع حرف العطف لبقية الأسئلة.﴿وَيَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا٨٥﴾ [الإسراء: 85]

أو يأتي للسؤال ضمن المتعاطفات، فيأتي حرف العطف كما في قوله تعالى: ﴿ وَيَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ [الإسراء:85] فقد سبقها وتبعها مجموعة من المتعاطفات، أو يكون الوضع أنّ السياق يحسن فيه العطف.

جاءت الأجوبة على ثلاثة أنواع: فالأغلب فيها أنّ الله لما حكى السؤال قال لنبيه: (قل) إلا سؤالاً واحداً جاء معه الجواب بـ (فقل) في قوله تعالى في آية طه 105: ﴿ وَيَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسۡفٗا١٠٥ [طه:105] فجاء بالفاء مع الفعل (قل) لماذا؟

لأنّ السؤال في كل الآيات سؤال عن شيء وقع بالفعل، وسئل الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل نزول الآيات فكان الجواب: (قل) أمّا السؤال عن الجبال فلأنه حدثٌ لم يقع بعد، فكأنّ الله سبحانه يُخبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سيُسأل هذا السؤال، أي: كأنّ حرف الفاء دل على شرط مقدر، بمعنى: إنْ سألوك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً.

أمّا الصورة الثالثة: فهي في آية البقرة 186، فجاء الفعل بصيغة الماضي، ولم يكن الجواب بـ (قل) سواء مع الفاء أو بدونها، للأسباب التالية:

آ ـ لأنّ قوله (قل) تطيل القرب.

ب ـ يريد الله أنْ يجعل القرب منه لعباده مباشرة من دون واسطة، وإنْ كان الذي سيبلغ الجواب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحذف كلمة (قل) ليبين لهم القرب ويبين للعبد أنه لا واسطة بينه وبين الله في مقام الدعاء، والقرب في هذه الآية ليس قرباً للمكان، وإنما قرب علم واطلاع من الله تعالى للعبد.

ج ـ قوله: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي [البقرة:186] يدل على أنّ العبد لله، وقوله: ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌۖ [البقرة:186] يدل على أنّ الرب للعبد.

د ـ لم يقل: العبد مني قريب، بل قال: أنا منه قريب، وفي ذلك سرٌّ نفيسٌ، فإنّ العبد ممكن الوجود فهو من حيثُ هو، هو في مركز العدم وحضيض الفناء فلا يمكنه القرب من الرب، أمّا الحق سبحانه فهو القادر على أن يقرب بفضله وبرحمته من العبد، فالقرب من الحق إلى العبد لا من العبد إلى الحق، ولهذا قال: ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌۖ .

هـ ـ حذف الياء من (الداع) و (دعان) حتى لا يشعر العبد بطول الزمن بين الدعاء والإجابة.

و ـ هناك إشكال: نرى الداعي يبالغ في الدعاء والتضرع فلا يجاب، فلماذا؟

أولاً ـ الآية وإنْ كانت مطلقة إلا أنها قد وردت آيات أخرى مقيدة، نحو قوله تعالى ﴿ بَلۡ إِيَّاهُ تَدۡعُونَ فَيَكۡشِفُ مَا تَدۡعُونَ إِلَيۡهِ إِن شَآءَ [الأنعام: 41] فترك المشيئة له سبحانه من وجوه.

ثانياً ـ الداعي لا بدّ له من شروط الدعاء المعروفة، مثل: التوبة، والإقلاع عن المعاصي، وكسب الحلال والبعد عن الحرام، وطيب المأكل والمشرب والإخلاص، والتذلل لله.

جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله: «ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يقول: يا رب يا رب، ومطعمه حرام وملبسه حرام وغُذِيَ بالحرام فأنّى يستجاب له؟».

ثالثاً ـ الداعي لا بدّ أنْ يجد من دعائه عوضاً، إمّا إسعافاً بطلبه إذا وافق القضاء، فإنْ لم يتم ذلك فسكينة في نفسه وانشراح في صدره وصبر يسهل معه احتمال البلاء الحاضر.

رابعاً ـ قال الله: ﴿ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ [غافر:60] ولم يقل: في الحال، فإذا استجاب له بعد حين ولو في الآخرة كان الوعد صادقاً.

يقول الله في الحديث القدسي: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الربُّ: وعزتي لأنصرنَّك ولو بعد حين».

خامساً ـ قوله تعالى: ﴿ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي [البقرة:186] لم يقل للعبد: أجب دعائي حتى أجيب دعاءك، وهذا تنبيه على أنّ إجابة الله عبده فضل منه ابتداءً فالله يجيب الدعاء وهو في غنى عن العبد، بينما العبد محتاج إلى الله.

وفي الآية قدّم الاستجابة على الإيمان؛ لأنّ الاستجابة عبارة عن الانقياد والاستسلام، والإيمان عبارة عن صفة القلب، وهذا يدل على أنّ العبد لا يصل إلى نور الإيمان إلا بتقدم الطاعات والعبادات.

في ﴿ يَسۡ‍َٔلُونَكَ في سورة الأنفال لم يأت الجواب مباشرة، ولكنْ جاء بعد أربعين آية، فقد جاء في الآية:41 ﴿ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ٤١ [الأنفال:41].

والسبب في ذلك يعود لما يلي:

آ ـ سمى الله الغنائم بالأنفال ومعنى النفل الزيادة على الفرض ـ مثل صلاة نفل أو صوم نفل ـ فالأنفال هي الغنائم التي تحمل معنى الزيادة عن الغرض الأصلي للجهاد وهو إعلاء كلمة الله.

فتأخير الإجابة هو توجيه من الله تعالى للمسلمين بأنّ هدفهم ليس هو الغنائم وإنما هو إعلاء كلمة الله في الأرض، لكنْ إذا حصل بعد ذلك الهدف أمر آخر كالغنائم فتوزع كما جاء في الآية 41.

ب ـ كرّر الله كلمة (الأنفال) في السؤال مرتين بينهما كلمة (قل) والعهد في القرآن في بقية الأسئلة أنه لا يكرر الكلمة المسؤول عنها بل يعيد القول عليها بالضمير المناسب (قل هي) (قل هو) (قل فيهما) (قل ينسفها).

والسبب أنه لو قال القرآن مثلا: (قل هي لله ورسوله) لكانت الإجابة تخص تلك الأنفال بعينها، أي: أنفال غزوة بدر، ولكان لنا أنْ نسأل: ما حكم أنفال أحد أو حنين أو حطين؟

فكرر كلمة الأنفال بدل الضمير ليدل على الحكم الدائم لجميع الأنفال.

ج ـ عندما يعود الضمير على الكلمة المسؤول عنها يدل ذلك على أنّ هذه الأشياء ثابتة لا تتغير على مر الأيام، فالأهلة هي الأهلة، والمحيض هو المحيض، والجبال هي الجبال، والخمر والميسر لا يتغيران من حيث ضررُهما وخطرُهما، بينما كانت الأنفال تخص غزوة بدر، فكرر كلمة الأنفال ليعم الحكم، والله أعلم.

 

السؤال الرابع:

أيُّ رابط بين أحكام الأهلة وبين حكم إتيان البيوت؟

الجواب:

الجواب من عدة وجوه:

1ـ كأنه قيل لهم عند سؤالهم عن الحكمة في تمام الأهلة ونقصانها: معلوم أنّ كل ما يفعله الله فيه حكمة ظاهرة، ومصلحة لعباده، فَدَعوا السؤال عنه، وانظروا في واحدة تفعلونها أنتم، مما ليس في البرِّ في شيء وأنتم تحسبونها برَّاً.

2ـ أنه من باب الاستطراد، لمّا ذكر أنّ الأهلة مواقيت الحج، وكان هذا من أفعالهم في الحج، ففي الحديث: أنّ ناساً من الأنصار كانوا إذا أحرموا لم يدخل أحدٌ منهم حائطاً، ولا داراً، ولا فسطاطاً من باب، فإنْ كان من أهل المدر نقب نقباً في ظهر بيته، منه يدخلُ ويخرجُ، أو يتخذ سلماً يصعد به، وإنْ كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء،فقيل لهم: ليس البرَّ بتحرجكم من دخول الباب، لكنّ البرَّ من اتقى ما حرّم الله، وكان الأحرى سؤالكم عن هذا، وترككم السؤال عن الأهلة.

3ـ أنه من قبيل التمثيل لما هم عليه، من تعكيسهم في سؤالهم، وأنّ مثلهم كمثل من يترك باباً ويدخل من ظهر البيت، فكأنه قيل لهم: ليس البرَّ ما أنتم عليه من تعكيس الأسئلة، ولكن البرَّ من اتقى الله. والله أعلم.

 

السؤال الخامس:

كم مرة وردت كلمة (الأبواب) في القرآن بصيغة الجمع؟

الجواب:

 وردت كلمة (الأبواب) في القرآن بصيغة الجمع في (15) موضعاً في (15) آية وهي:

﴿وَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِنۡ أَبۡوَٰبِهَاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ١٨٩ [البقرة:189].

﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ [الأنعام:44].

﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا وَٱسۡتَكۡبَرُواْ عَنۡهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمۡ أَبۡوَٰبُ ٱلسَّمَآءِ [الأعراف:40].

﴿وَرَٰوَدَتۡهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَٰبَ وَقَالَتۡ هَيۡتَ لَكَۚ [يوسف:23].

﴿ وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ [يوسف:67].

﴿ لَهَا سَبۡعَةُ أَبۡوَٰبٖ لِّكُلِّ بَابٖ مِّنۡهُمۡ جُزۡءٞ مَّقۡسُومٌ٤٤ [الحجر:44].

﴿فَٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَلَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ٢٩ [النحل:29].

﴿جَنَّٰتِ عَدۡنٖ مُّفَتَّحَةٗ لَّهُمُ ٱلۡأَبۡوَٰبُ٥٠ [ص:50].

﴿وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا٧١ [الزمر:71].

10 ـ ﴿قِيلَ ٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ٧٢ [الزمر:72].

11ـ ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ٧٣ [الزمر:73].

12ـ ﴿ٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ٧٦ [غافر:76].

13 ـ ﴿وَلِبُيُوتِهِمۡ أَبۡوَٰبٗا وَسُرُرًا عَلَيۡهَا يَتَّكِ‍ُٔونَ٣٤ [الزخرف:34].

14 ـ ﴿فَفَتَحۡنَآ أَبۡوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ١١ [القمر:11].

15 ـ ﴿وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ أَبۡوَٰبٗا١٩ [النبأ:19].

نلاحظ أنّ آية النحل 29 وهي الآية السابعة في الترتيب القرآني قد جاءت في وصف أبواب جهنم وعددهم سبعة، وأنّ آية ص 50 وهي الآية الثامنة في الترتيب قد جاءت في وصف أبواب الجنة وعددهم ثمانية. فسبحان الله تعالى.

 

السؤال السادس:

ما دلالة هذه الآية؟

الجواب:

 1ـ حيث أنّ شهر رمضان له توقيت معين من كل عام، ناسب ذلك ذكر بقية المواقيت لإقامة النظام الإسلامي على أكمل وجه، وذِكْرُ الحج في الآية يشير إلى أنّ نزول هذه الآية كان متأخراً عن آيات الصيام، أي بعد فتح مكة وتشريع الحج.

2ـ (مواقيت) جمع ميقات، وأصله (مِوْقات) قلبت الواو ياء لكسر ما قبلها وهي معالم يوقّت الناس بها شؤون معيشتهم.

3ـ يلاحظ أنّ الله لم يجبهم عن ماهية الهلال أو عن وظيفته في المجموعة الشمسية، وإنما بيّن في الآية الحكمة والعلّة في خلْق الأهلة، وخصّ الحج بالذكر لإبطال النسيء الذي كانوا يفعلونه من تأخير الأشهر الحرم عن موعدها، وهذا يُسمى في البلاغة فن الاستطراد وهو فن دقيق متشعب، يجنح إليه المتكلم في غرض من أغراض القول يُخيل إليك أنه مستمر فيه، ثم يخرج إلى غيره لمناسبة بينهما، ثم يرجع إلى الأول. والله أعلم.

 

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

الحكم التشريعي السابع: مراحل تشريع القتال

﴿وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُم وَلَا تَعتَدُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلمُعتَدِينَ١٩٠ [البقرة: 190]

 

السؤال الأول:

ما أهم الدروس في هذه الآية؟

الجواب:

خصّ الله سبحانه وتعالى الأمة الإسلامية بخصوصية فريدة، وهذه الخصوصية هي أنّ الله قد أمّن الأمة الإسلامية على أنْ يكون في يدها الميزان، وليس هذا الميزان ميزان تسلط وإنما هو ميزانٌ يحمي كرامة الإنسان بأنْ يصون له حرية اختياره بالعقل الذي خلقه الله فلا إكراه في الإيمان بالله.

وقد شرع الله القتال لأمة محمد لا ليفرض به ديناً ولكن ليحمي اختيارك في الدين الذي ترتضيه، وهو يمنع سدود الطغيان التي تحول دونك ودون أنْ تكون حراً مختاراً في أن تقبل التكاليف.

3 ـ الذين يقولون إنّ الإسلام انتشر بالسيف حججهم واهية.

4 ـ الذين يقولون إنّ الإسلام عندما يفرض الجزية فكأنه جاء لجباية الأموال!! نقول لهم: جزيةً على من؟ جزيةً على غير المؤمن، وما دام قد فُرضت عليه جزية فمعنى ذلك أنه أباح له أنْ يكون غير مؤمن، ولو كان الإسلام يُكره الناس على اعتناقه لما كان هناك من تؤخذ منه جزية.

إذن فالإسلام لم يُكره الإنسان وإنما حماه من القوة التي تسيطر عليه حتى لا يُكرهه أحدٌ على ترك دينه، وهو حرٌّ بعد ذلك في أنْ يسلم أو لا يسلم، وكأنّ الذين ينتقدون الإسلام يدافعون عنه، فسهامهم قد ارتدت إليهم.

كان السبب في حروب الإسلام لمواجهة الذين يفرضون العقائد الباطلة على غيرهم، وجاء الإسلام ليقول لهؤلاء: ارفعوا أيديكم عن الناس واجعلوهم أحراراً في أنْ يختاروا الدين المناسب.

ولماذا تركهم الإسلام أحراراً؟ لأنه واثق أنّ الإنسان مادام على حريته فلا يمكن أنْ يجد إلا الحق واضحاً في الإسلام.

كثير من الناس لا يفطنون إلى علة الآية ﴿ لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ [البقرة:256] وهي واضحة في الآية نفسها ﴿ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ [البقرة:256].

لذلك نحن فقط نمنع الذين يفرضون على الناس عقائدهم الباطلة، فأنت تستطيع أنْ تُكره القالب ولكن لا تستطيع أنْ تُكره القلب، والله لا يريد منا أنْ نكون قوالب مُكرهة ولكن يريد منا قلوباً مطيعة.

 7 ـ الحكمة من تأخير الإذن بالقتال في الإسلام أنّ الله أراد أنْ يمحّص ويختبر، وألا يدخل هذا الدين إلا من يتحمل متاعبه ومسؤولياته ومشاقه.

ومن رحمة الله سبحانه أنه لم يشرّع القتال منذ البداية، وإلا لكنا فقدنا كثيراً من قادة الإسلام العظام الذين حملوا لواء الدعوة الإسلامية مثل خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وعمرو بن العاص، وغيرهم كثير.

8 ـ لقد كان من الممكن أنْ ينصر الله دينه من أول وهلة دون تدخلٍ من المسلمين، وكان معنى هذا أنّ الناس سيتساوون في الإيمان أولهم وآخرهم، ولكن شاءت إرادته تعالى أنْ يجعل لهذا الدين رجالاً يفدونه بأرواحهم وأموالهم لينالوا الشهادة ويرتفعوا إلى مصاف النبيين.

ولذلك جاء الأمر بالقتال متأخراً وبالتدريج.

9 ـ دائماً يؤكد الحق في آيات القتال أنْ يكون ﴿ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لأنه يريد أن يضع حداً لجبروت البشر، فلا قتال من أجل الحياة أو المال أو السوق الاقتصادي، وإنما لإعلاء كلمة الله ونصرة دين الله، وهذا هو غرض القتال في الإسلام.

10 ـ مرّ القتال في الإسلام بثلاث مراحل:

آ ـ مجرد الإذن بالدفاع عن النفس، وهو ما جاء في آية الحج: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ٣٩ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ [الحج:39-40] حيث كان قبلها مأموراً بالصبر والتسامح.

ب ـ الأمر بالقتال ضمن شروط ثلاث:

ـ في سبيل الله فقط لنصرة دين الله وإزالة العقبات أمام نشر الدعوة: ﴿ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ .

ـ قاتلوا الذين يقاتلونكم فقط: ﴿ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ .

ـ أن لا يبدؤوا غير المسلمين بالقتال، ويردوا العدوان: ﴿ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ، بحيث يكون رد العدوان ليس حمية، وإنما لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه.

ج ـ قتال المشركين كافة إذا قاتلوا كافة، فهي مشروطة بها. قال تعالى: ﴿ وَقَٰتِلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ كَآفَّةٗ كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ كَآفَّةٗۚ [التوبة:36]. والله أعلم.

السؤال الثاني:

ما الفرق بين القتال والجهاد في الاستعمال القرآني؟

الجواب:

القتال، هو أخص من الجهاد، ولا يستعمل إلا في إعلاء كلمة الله، ومع الذين يقاتلوننا، ونجده مشروطًا بعدم الاعتداء والتجاوز، قال تعالى:

﴿ وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ [البقرة: 190].

﴿ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ [التوبة: 111].

 ﴿ وَمَن يُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقۡتَلۡ أَوۡ يَغۡلِبۡ [النساء: 74].

وسمَّى الدعوة إلى الله جهاداً؛ لما فيها من تحمُّل الجهد والمشقة. قال تعالى:

﴿ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ [المائدة: 54].

﴿ فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا٥٢ [الفرقان: 52].

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ [التحريم: 9].

2 ـ الجهاد أعم من القتال، فالجهاد يكون باللسان، ويكون بالسنان - وهو القتال -، ويكون بالمال، وتحت كل مرتبة مراتب متعددة.

آ ـ فالجهاد باللسان منه جهاد الكافرين، ومنه جهاد المنافقين، ومنه جهاد أهل البدع، ومنه جهاد أهل الضلال والشهوات.

وأمّا القتال فلا يكون إلا بالسنان، فمنه قتال الكفار، ومنه قتال البغاة، ومنه قتال الخوارج، وأعظم أنواع القتال قتال الذين كفروا؛ فإنّ الله جل وعلا أمر بقتالهم، قال تعالى:

﴿ قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعۡطُواْ ٱلۡجِزۡيَةَ عَن يَدٖ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ٢٩ [التوبة: 29].

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ٱلۡكُفَّارِ وَلۡيَجِدُواْ فِيكُمۡ غِلۡظَةٗۚ [التوبة: 123]. أي: شدة.

ب ـ وجهاد الكفار بالسنان نوعان: جهاد طلب، وجهاد دفع.

-           النوع الأول: جهاد الطلب: وهو أن نغزو الكفار في ديارهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.

قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) رواه البخاري ومسلم.

ـ النوع الثاني: وهو جهاد الدفع: فإذا داهم العدو بلداً إسلامياً، أو قاتل العدو إحدى البلاد الإسلامية، فالجهاد حينئذ واجب، فإنْ قامت الكفاية بأهل تلك البلاد، فَبِها ونِعْمَت، فالبقية يساندونهم بالمال والدعاء، وإنْ لم تقم الكفاية بأهل تلك البلاد، وجب على من قرب منهم أن يقوم معهم، كلٌّ على قدر طاقته، فهذا بماله، وهذا بلسانه، وهذا بنفسه وسلاحه. والله أعلم.

 

,,,,,,,,,,,,,,,,,,


﴿وَٱقتُلُوهُم حَيثُ ثَقِفتُمُوهُم وَأَخرِجُوهُم مِّن حَيثُ أَخرَجُوكُم وَٱلفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلقَتلِ وَلَا تُقَٰتِلُوهُم عِندَ ٱلمَسجِدِ ٱلحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُم فِيهِ فَإِن قَٰتَلُوكُم فَٱقُتلُوهُم كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلكَٰفِرِينَ [البقرة: 191]

السؤال الأول:

ما الفرق بين كلمة ﴿ثَقِفتُمُوهُم﴾ وكلمة ﴿وَجَدتُّمُوهُم﴾ في القرآن؟

الجواب:

ثَقِفَ: ظَفَرَ به وأخذه، ولا تستعمل ﴿ثَقِفتُمُوهُم﴾ إلا في القتال والخصومة، ومعناها أشمل من الإيجاد، وعندما لا يكون السياق في مقام الحرب يستعمل ﴿وَجَدتُّمُوهُم﴾ [النساء:89] .

السؤال الثاني:

ما الفرق بين قوله تعالى: ﴿وَٱلفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلقَتلِ﴾ [البقرة:191] وقوله: ﴿ وَٱلفِتنَةُ أَكبَرُ مِنَ ٱلقَتلِ ﴾ [البقرة:217]

الجواب:

 1ـ كلنا نعرف أنّ القتل من الجرائم العظيمة والأحاديث في ذلك كثيرة ومخيفة، وأول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة الدماء، وتصور لو أنّ رجلاً كما وقع في التاريخ المعاصر قتل مدينة كاملة فيها ملايين كما هو في هيروشيما وناجازاكي، كيف يمكن أنْ تتخيل عقابه يوم القيامة؟ لابُدَّ أنْ يكون عقابه كبيراً من حيث الكمّ، وشديداً من حيث الكيف.

2ـ أنت قد تعذب واحداً بالضرب مليون سنة فهذا كبير، ولكنه ليس شديداً، وقد تعذبه مليون سنة بالخوازيق والنار والأفاعي والعقارب وأنواع الحريق، وفي هذا شدة.

و القتل سواء كان لفردٍ واحد ﴿ مَن قَتَلَ نَفسَا بِغَيرِ نَفسٍ أَو فَسَادٖ فِي ٱلأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعا ﴾ [المائدة:32] بحيث لو اجتمعت مدينة كاملة على قتل رجل واحد لكان ينبغي أنْ يقتل رجال هذه المدينة بالكامل؛ لأنهم اشتركوا في قتله، ولأكبّهم الله في النار من أجل قتل شخص واحد، ومع ذلك فهذا القتل يهون إلى جانب الفتنة.

3ـ لكي نكون واضحين في المعنى: عندنا بلاء وعندنا فتنة، وهذان الأسلوبان من أساليب تمحيص الإيمان، قال تعالى: ﴿ وَلَنَبلُوَنَّكُم حَتَّىٰ نَعلَمَ ٱلمُجَٰهِدِينَ مِنكُم وَٱلصَّٰبِرِينَ وَنَبلُوَاْ أَخبَارَكُم ﴾ [محمد:31] وقوله: ﴿ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُترَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُم لَا يُفتَنُونَ ﴾ [العنكبوت:2] .

إذن امتحان الإيمان:

آـ إمّا ببلاء تكرهه نفسك مثل الفقر والمرض والسجن وما شاكل ذلك، ومنا من يصبر صبراً مطلقاً، ومنا من يصبر صبراً نسبياً، ومنا من لا يصبر بل يجزع.

ب ـ وإمّا بفتنة تحبها نفسك كما في النِّعَمِ؛ كالغنى والحُكمِ والعلمِ والأولاد، ومثال ذلك:

- كنت فقيراً فصرت غنياً جداً، هل ستستعمل هذه النعمة في شكر الله في الصالحات فتعين الناس؟ أم سوف يدعوك هذا إلى التكبر والطغيان والجبروت؟

 - أو في الحُكم صرت ملكاً أو أميراً أو شيخاً أو رئيس جمهورية أو ما شاكل ذلك بعد أنْ كنت مغموراً، هل هذه النعمة التي أنعم الله بها عليك ستستعملها في طاعته بالعدل والرحمة والشفقة وإحقاق الحق، أو بالقتل والظلم والتعذيب في السجون وما إلى ذلك؟

- وكذلك فتنة العلم والأولاد، كما في قوله تعالى: ﴿ أَن كَانَ ذَا مَالٖ وَبَنِينَ * إِذَا تُتلَىٰ عَلَيهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [القلم:14-15] .   

4ـ هكذا الفرق بين الفتنة والبلاء، أنّ البلاء فيما تكرهه نفسك، والفتنة فيما تحبه نفسك، وفي كلتا الحالتين أنت ممتحن، بل إنّ النعم أحياناً أقسى من النقمة أحياناً، فأنت تصبر على البلاء إذا سجنت وعذبت وضربت وافتقرت، ولكن إذا أصابتك النعمة قد لا تصبر فتطغى، وهذا هو الفرق بين الفتنة والبلاء.

5ـ لكن كيف تكون الفتنة أكبر من القتل؟ والجواب أنّ الفتنة أكبر من القتل بكثير؛ لأنها قد تمتد قروناً من العداوة والبغضاء ، مثل الأوس والخزرج دامت الحرب بينهما 120 عاماً، فلما جاء الإسلام وحّد بينهم ﴿ وَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِهِم لَو أَنفَقتَ مَا فِي ٱلأَرضِ جَمِيعا مَّآ أَلَّفتَ بَينَ قُلُوبِهِم وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَينَهُم إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيم ﴾ [الأنفال:63] لذلك قد تدوم الفتنة قروناً طويلة، فالقتل يزول والفتنة لا تزول.

6ـ وأمّا سبب الفرق بين الآيتين [191 و217] وكلاهما في سورة البقرة؛ أنّ الكلام في الآية الثانية على كبيرات الأمور؛ فقد مرّ قبلها ﴿ قُل قِتَال فِيهِ كَبِير ﴾ [البقرة:217] وقوله: ﴿ وَإِخرَاجُ أَهلِهِۦ مِنهُ أَكبَرُ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ [البقرة:217] فناسب ذلك ذكر ﴿ أَكبَرُ ﴾ [البقرة:217].

وليس السياق كذلك في الآية الأولى رقم (191) وإنما هي في سياق الشدة على الكافرين، فقد قال فيها: ﴿ وَٱقتُلُوهُم حَيثُ ثَقِفتُمُوهُم وَأَخرِجُوهُم مِّن حَيثُ أَخرَجُوكُم وَٱلفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلقَتلِ ﴾ [البقرة:191] وهذه شدة ظاهرة ، فناسب ذكر ﴿ أَشَدُّ ﴾ [البقرة:191] فيها.

السؤال الثالث:

قوله تعالى: ﴿ فَإِن قَٰتَلُوكُم فَٱقتُلُوهُم ﴾  [البقرة:191] جاء فعل الشرط فعلاً ماضياً، وأحياناً يأتي فعل الشرط فعلاً مضارعاً، فما طريقة الاستعمال القرآني لفعل الشرط ؟

الجواب:

معنى الشرط أنْ يقع الشيء لوقوع غيره، أي: أنْ يتوقف الثاني على الأول، نحو: إنْ تجتهد تنجح، ونحو الشواهد القرآنية التالية:

﴿ فَإِن قَٰتَلُوكُم فَٱقتُلُوهُم ﴾  [البقرة:191].

﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيسَرَة ﴾ [البقرة:280] .

هذا هو الأصل، وقد يخرج الشرط عن ذلك فلا يكون الثاني مسبباً عن الأول ولا متوقفاً عليه،  نحو قوله تعالى:

 ﴿ إِن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أَو تَتُكهُ يَلهَث ﴾ [الأعراف:176] هو يلهث على كل حال.

 ﴿ فَإِن تَوَلَّواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلكَٰفِرِينَ ﴾ [آل عمران:32] الله لا يحب الكافرين دائماً تولوا أم لا.

ـ ﴿ إِن تَحرِص عَلَىٰ هُدَىٰهُم فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهدِي مَن يُضِلُّ ﴾ [النحل:37] .

ـ ﴿ وَمَا تَفعَلُواْ مِن خَيرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِۦ عَلِيما ﴾ [النساء:127].

ـ ﴿ فَإِن يَصبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثوى لَّهُم وَإِن يَستَعتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلمُعتَبِينَ ﴾ [فُصِّلَت:24] .

فليس الشرط من باب السبب والمسبب دوماً، وإنما الأصل فيه أنْ يكون كذلك.

 فعل الشرط:

1ـ يقع فعل الشرط ماضياً ومضارعاً، نحو: ﴿ إِن يَشَأ يُذهِبكُم ﴾ [إبراهيم:19] وقولهـم: ﴿ وَإِن عُدتُّم عُدنَا ﴾ [الإسراء:8].   

2ـ والماضي يفيد الاستقبال في الشرط كثيراً، نحو قوله تعالى: ﴿ فَإِن قَٰتَلُوكُم فَٱقتُلُوهُم ﴾      [البقرة:191] .

3ـ والفعل الماضي قد يفيد الاستقبال في غير الشرط كذلك، نحو قوله: ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلَأرضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخرَىٰ فَإِذَا هُم قِيَام يَنظُرُونَ ﴾ [الزُّمَر:68]، وقوله: ﴿ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُم إِلَى ٱلجَنَّةِ زُمَرًا ﴾ [الزُّمَر:73]

4ـ وقد يؤتى بالفعل المضارع مراداً به الماضي، نحو قوله تعالى: ﴿ وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابا فَسُقنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ ﴾ [فاطر:9] و﴿ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ عَلَىٰ مُلكِ سُلَيمَٰنَ ﴾ [البقرة:102] أي: ما تلت.

5ـ ومن المعلوم أنّ الفعل المضارع المسبوق بـ [لم] يفيد المضي.

وقد ذهب النحاة إلى أنّ القصد من مجيء الشرط ماضياً وإنْ كان معناه الاستقبال هو إنزال غير المتيقن منزلة المتيقن وغير الواقع منزلة الواقع، وهذا ما فسروا به التعبير عن الأحداث المستقبلة بأفعال ماضية في غير الشرط أيضاً، نحو قوله تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ﴾ [الكهف:99] و﴿ وَحَشَرنَٰهُم فَلَم نُغَادِر مِنهُم أَحَد ﴾ [الكهف:47] فهو تفسير عام للتعبير عن الأحداث المستقبلة بأفعال ماضية .

استعمال القرآن لفعل الشرط:

1ـ إنّ التعبير بفعل الشرط بالفعل الماضي قد يفيد افتراض حصول الحدث مرة واحدة، في حين أنّ الفعل المضارع قد يفيد تكرر الحدث وتجدده، نحو قوله تعالى:

شواهد قرآنية:

ملحوظة 😞 المذكور أدناه هو فعل الشرط فقط؛ لذا يرجى مراجعة الآيات في القرآن الكريم ):

 ﴿ تُبدُواْ ﴾ ﴿ تُخفُوهَا ﴾ ﴿ وَتُؤتُوهَا ﴾ [البقرة:271] جاء بصيغة المضارع؛ لأنّ هذه الأحداث تتكرر وتجدد.

 ﴿ طَلَّقَهَا ﴾ [البقرة:230] ﴿ طَلَّقتُمُ ﴾ [البقرة:236] ﴿ طَلَّقتُمُوهُنَّ ﴾ [البقرة:237] بالماضي؛ لأنّ الطلاق لا يتكرر تكرر الصدقات.

﴿ أَنفَقتُم ﴾ [البقرة:270] إخبار بأنّ ما فعلته أو ما حصل منك قد علمه الله.

 ﴿ تُنفِقُواْ ﴾ [البقرة:273] الإنفاق عملية متكررة.   

﴿ يَشكُر ﴾ [لقمان:12]؛ لأنّ الشكر يتجدد ويتكرر وينبغي أنْ يتكرر فالشكر عمل يومي.

﴿ كَفَرَ ﴾ [لقمان:12] الكفر يحدث مرة واحدة ولا يلزم أنْ يتكرر؛ لأنّ الكفر اعتقاد.

﴿ يَقتُل ﴾ [النساء:93] وهو الإصرار والاستمرار في قتل المؤمن.

﴿ قَتَلَ ﴾ [النساء:92] قتل خطأ قليل لا يتكرر.

 ﴿ أَسلَمَ ﴾ [البقرة:112] معناه الدخول في الإسلام بدليل الآية 111 التي قبلها ﴿ وَقَالُواْ لَن يَدخُلَ ٱلجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَو نَصَٰرَىٰ تِلكَ أَمَانِيُّهُم ﴾  [البقرة:111] فرد الله عليهم : ﴿ بَلَىٰ مَن أَسلَمَ وَجهَهُۥ لِلَّهِ ﴾ [البقرة:112] .

﴿ أَسلَمَ ﴾ [الجن:14] .

﴿ يُسلِم ﴾ [لقمان:22] معناه الخضوع والانقياد لله وهو عمل يومي يفيد الاستمرار والتجدد.

﴿ أَرَادَ ﴾ [الإسراء:19] لأنّ إرادة الآخرة أمرٌ واحدٌ والآخرة واحدة

﴿ يُرِد﴾ [آل عمران:145] إرادة الثواب تتكرر، وتتجدد في الدنيا فلكل عمل ثواب له.

﴿ تَابُواْ ﴾ [التوبة:11] المقصود بالتوبة هي التوبة العامة ومعناها هنا الدخول في الإسلام

﴿ تَابَا ﴾ [النساء:16] معنى التوبة الانخلاع عن الفاحشة والزنى

﴿ تَتُوبَآ ﴾ [التحريم:4] الكلام موجه إلى زوجي النبي، والتوبة هنا التوبة الجزئية أمثال اللمم والصغائر.

﴿ وَإِن تَعُودُواْ نَعُد ﴾ [الأنفال:19] نزلت في كفار قريش وهو تهديد للمشركين وإشعار للمؤمنين بأنّ المشركين سيكررون العودة إلى القتال، وهو ما حصل، وأخبرهم أنّ الله سيعود إلى نصر المؤمنين إنْ عاد المشركون إلى قتال المسلمين.  

﴿ عُدتُّم ﴾ [الإسراء:8] في بني إسرائيل، وقد ذكر أنهم يفسدون في الأرض مرتين فأخبر بأنّ لهم عودة بعد تلك المرة

﴿ فَإِن لَّم تَفعَلُواْ ﴾ [البقرة:24] [البقرة:279] المضارع مع (لم) يفيد المضي؛ وذلك لأنه خروج عن الربا، والخروج عن الربا يكون دفعة واحدة.

﴿ إِلَّا تَنفِرُواْ ﴾ [التوبة:39] وذلك في الجهاد وهو ماضٍ إلى يوم القيامة يتكرر حصوله

﴿ وَإِن لَّم يَنتَهُواْ ﴾ [المائدة:73] لأنّ الانتهاء هنا دفعة واحدة.  

﴿ إِلَّا تَفعَلُوهُ ﴾ [الأنفال:73] التناصر مستمر متجدد، فكان بصيغة المضارع

﴿ فَإِنِ ٱنتَهَواْ ﴾ [الأنفال:39] ﴿ فَإِنِ ٱنتَهَواْ ﴾ [البقرة:192] [البقرة:193] بالماضي؛ لأنّ القصد هنا الانتهاء الكامل عن الحرب والدخول في الإسلام، بدليل قوله: ﴿ وَقَٰتِلُوهُم حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتنَة وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِ ﴾ [البقرة:193]

﴿ وَإِن تَنتَهُواْ ﴾ [الأنفال:19] ﴿ تَستَفتِحُواْ ﴾ [الأنفال:19]؛ لأنّ الانتهاء هنا ليس انتهاء عاماً، بل قد تتكرر الحروب بينهما كما حصل فعلاً.   

﴿ إِن سَأَلتُكَ ﴾ [الكهف:76]؛ لأنه سيحصل الفراق بعد سؤال واحد

﴿ إِن يَسألكُمُوهَا ﴾  [محمد:37] هذا في سؤال الأموال وهو يتجدد ويتكرر.   

2ـ وقد يؤتى بالفعل الماضي مع الشرط للدلالة على وقوع الحدث جملةً واحدةً وإنْ كان مستقبلاً، ويؤتى بالمضارع لما كان يتقضى ويتصرم شيئاً فشيئاً.

شواهد القرآنية

﴿ فَإِن أُحصِرتُم ﴾ [البقرة:196] أي: إذا حصل هذا، فعبّر بالماضي .

﴿ وَإِن تُخَالِطُوهُم ﴾ [البقرة:220] والمخالطة مستمرة، وليست كالإحصار، فعبر عنها بالمضارع.

 ﴿ إِن نَّسِينَآ ﴾ [البقرة:286] أي: إذا حصل منا نسيان أو خطأ.

﴿ فَإِن خِفتُم ﴾ [البقرة:239] ﴿ فَإِذَآ أَمِنتُم ﴾ [البقرة:239] أي: إذا وقع الخوف أو إذا حصل الأمن.

 ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ ﴾ [الأنفال:58] ففيه معنى الاستمرار والتحسب.  

﴿ إِذَا طَلَعَت ﴾ [الكهف:17] ﴿ وَإِذَا غَرَبَت ﴾ [الكهف:17] الطلوع والغروب يقعان جملة واحدة فعبر عنهما بالماضي.    

﴿ إِذَا يَسرِ ﴾ [الفجر:4] الليل يفيد الاستمرار والتطاول.

﴿ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ﴾ [الأنبياء:45] أي: وإنْ تطاول عليهم الإنذار وتكرر واستمر.  

﴿ إِذَا وَلَّواْ مُدبِرِينَ ﴾ [النمل:80] أي: إذا أدبروا عنك.  

﴿ وَإِن تَعُدُّواْ ﴾ [النحل:18] لأنّ هذا العمل لا يفرغ منه؛ ولأنّ نعم الله كثيرة.   

﴿ إِذَا فَعَلُواْ ﴾ [آل عمران:135] أي: إذا صدر هذا الأمر ولا يحسن (إذا يفعلون فاحشة)؛ لأنّ فيه معنى الاستمرار وعدم الانتهاء من الفاحشة، فيكون المعنى: أنهم يذكرون الله حين يفعلون ذلك.

3ـ يكثر التعبير بالفعل الماضي عن الحكم الثابت القائم على المشاهدة والتجربة، وهو ما يكون في الحِكَم نحو: من صبر ظفر، ومن حذر سلم.

بخلاف ما لم يكن كذلك نحو: (من يعمل يأكل )، فهذه القاعدة تضعها للمستقبل، فلا يحسن فيها (من عمل أكل).

وقد يأتي الشرط للمضي وإن كان فعله ماضياً، وذلك اذا كان بلفظ [كان] وبعدها فعل ماض، انظر الآيات: [ المائدة 116 ـ يوسف 27 ـ الأنعام 55 ـ يونس 71 ـ الأعراف 87 ـ هود 35 ـ الأحقاف 8 ـ يس 19ـ آل عمرن 152 ـ التوبة 92 ـ الكهف 71 ـ الكهف 86 ـ النمل 18ـ الجمعة 11].

وقد يدل الشرط على الحال. انظر الآيات:[ البقرة 23 ـ يونس 104 ـ الحج 5 ـ العلق 11،9 ـ البقرة 93، 111 ،172 ـ آل عمران 118].

السؤال الرابع:

ما دلالة هذه الآية؟

الجواب:

 1ـ هذا أمر بقتال المشركين حيث وجدتموهم ، وأن تخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه ، وهي مكة ، لأنّ فتنة الناس بالكفر والشرك والصد عن الإسلام أشد من مفسدة القتل ،وأشد من قتلكم إياهم ، ولا تبدؤوا بقتالهم عند المسجد الحرام تعظيماً لحرمته حتى يبدؤوكم بالقتال فيه ، فإنْ قاتلوكم في المسجد الحرام فاقتلوهم فيه، ومثل ذلك الجزاء الرادع يكون جزاء الكافرين .

2ـ قوله تعالى : ﴿ وَٱلفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلقَتلِ ﴾   جرى مجرى المثل ، لأنّ الإخراج من الوطن هو فتنة كبرى وهو بمثابة إخراج الروح من الجسد .

 

والله أعلم

 

المؤلف: مثنى محمد هبيان

رابطة العلماء السوريين

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك


﴿وَٱقتُلُوهُم حَيثُ ثَقِفتُمُوهُم وَأَخرِجُوهُم مِّن حَيثُ أَخرَجُوكُم وَٱلفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلقَتلِ وَلَا تُقَٰتِلُوهُم عِندَ ٱلمَسجِدِ ٱلحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُم فِيهِ فَإِن قَٰتَلُوكُم فَٱقُتلُوهُم كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلكَٰفِرِينَ [البقرة: 191]
السؤال الأول:
ما الفرق بين كلمة ﴿ثَقِفتُمُوهُم﴾ وكلمة ﴿وَجَدتُّمُوهُم﴾ في القرآن؟
الجواب:
ثَقِفَ: ظَفَرَ به وأخذه، ولا تستعمل ﴿ثَقِفتُمُوهُم﴾ إلا في القتال والخصومة، ومعناها أشمل من الإيجاد، وعندما لا يكون السياق في مقام الحرب يستعمل ﴿وَجَدتُّمُوهُم﴾ [النساء:89] .
السؤال الثاني:
ما الفرق بين قوله تعالى: ﴿وَٱلفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلقَتلِ﴾ [البقرة:191] وقوله: ﴿ وَٱلفِتنَةُ أَكبَرُ مِنَ ٱلقَتلِ ﴾ [البقرة:217]
الجواب:
1ـ كلنا نعرف أنّ القتل من الجرائم العظيمة والأحاديث في ذلك كثيرة ومخيفة، وأول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة الدماء، وتصور لو أنّ رجلاً كما وقع في التاريخ المعاصر قتل مدينة كاملة فيها ملايين كما هو في هيروشيما وناجازاكي، كيف يمكن أنْ تتخيل عقابه يوم القيامة؟ لابُدَّ أنْ يكون عقابه كبيراً من حيث الكمّ، وشديداً من حيث الكيف.
2ـ أنت قد تعذب واحداً بالضرب مليون سنة فهذا كبير، ولكنه ليس شديداً، وقد تعذبه مليون سنة بالخوازيق والنار والأفاعي والعقارب وأنواع الحريق، وفي هذا شدة.
و القتل سواء كان لفردٍ واحد ﴿ مَن قَتَلَ نَفسَا بِغَيرِ نَفسٍ أَو فَسَادٖ فِي ٱلأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعا ﴾ [المائدة:32] بحيث لو اجتمعت مدينة كاملة على قتل رجل واحد لكان ينبغي أنْ يقتل رجال هذه المدينة بالكامل؛ لأنهم اشتركوا في قتله، ولأكبّهم الله في النار من أجل قتل شخص واحد، ومع ذلك فهذا القتل يهون إلى جانب الفتنة.
3ـ لكي نكون واضحين في المعنى: عندنا بلاء وعندنا فتنة، وهذان الأسلوبان من أساليب تمحيص الإيمان، قال تعالى: ﴿ وَلَنَبلُوَنَّكُم حَتَّىٰ نَعلَمَ ٱلمُجَٰهِدِينَ مِنكُم وَٱلصَّٰبِرِينَ وَنَبلُوَاْ أَخبَارَكُم ﴾ [محمد:31] وقوله: ﴿ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُترَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُم لَا يُفتَنُونَ ﴾ [العنكبوت:2] .
إذن امتحان الإيمان:
آـ إمّا ببلاء تكرهه نفسك مثل الفقر والمرض والسجن وما شاكل ذلك، ومنا من يصبر صبراً مطلقاً، ومنا من يصبر صبراً نسبياً، ومنا من لا يصبر بل يجزع.
ب ـ وإمّا بفتنة تحبها نفسك كما في النِّعَمِ؛ كالغنى والحُكمِ والعلمِ والأولاد، ومثال ذلك:
- كنت فقيراً فصرت غنياً جداً، هل ستستعمل هذه النعمة في شكر الله في الصالحات فتعين الناس؟ أم سوف يدعوك هذا إلى التكبر والطغيان والجبروت؟
- أو في الحُكم صرت ملكاً أو أميراً أو شيخاً أو رئيس جمهورية أو ما شاكل ذلك بعد أنْ كنت مغموراً، هل هذه النعمة التي أنعم الله بها عليك ستستعملها في طاعته بالعدل والرحمة والشفقة وإحقاق الحق، أو بالقتل والظلم والتعذيب في السجون وما إلى ذلك؟
- وكذلك فتنة العلم والأولاد، كما في قوله تعالى: ﴿ أَن كَانَ ذَا مَالٖ وَبَنِينَ * إِذَا تُتلَىٰ عَلَيهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [القلم:14-15] .
4ـ هكذا الفرق بين الفتنة والبلاء، أنّ البلاء فيما تكرهه نفسك، والفتنة فيما تحبه نفسك، وفي كلتا الحالتين أنت ممتحن، بل إنّ النعم أحياناً أقسى من النقمة أحياناً، فأنت تصبر على البلاء إذا سجنت وعذبت وضربت وافتقرت، ولكن إذا أصابتك النعمة قد لا تصبر فتطغى، وهذا هو الفرق بين الفتنة والبلاء.
5ـ لكن كيف تكون الفتنة أكبر من القتل؟ والجواب أنّ الفتنة أكبر من القتل بكثير؛ لأنها قد تمتد قروناً من العداوة والبغضاء ، مثل الأوس والخزرج دامت الحرب بينهما 120 عاماً، فلما جاء الإسلام وحّد بينهم ﴿ وَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِهِم لَو أَنفَقتَ مَا فِي ٱلأَرضِ جَمِيعا مَّآ أَلَّفتَ بَينَ قُلُوبِهِم وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَينَهُم إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيم ﴾ [الأنفال:63] لذلك قد تدوم الفتنة قروناً طويلة، فالقتل يزول والفتنة لا تزول.
6ـ وأمّا سبب الفرق بين الآيتين [191 و217] وكلاهما في سورة البقرة؛ أنّ الكلام في الآية الثانية على كبيرات الأمور؛ فقد مرّ قبلها ﴿ قُل قِتَال فِيهِ كَبِير ﴾ [البقرة:217] وقوله: ﴿ وَإِخرَاجُ أَهلِهِۦ مِنهُ أَكبَرُ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ [البقرة:217] فناسب ذلك ذكر ﴿ أَكبَرُ ﴾ [البقرة:217].
وليس السياق كذلك في الآية الأولى رقم (191) وإنما هي في سياق الشدة على الكافرين، فقد قال فيها: ﴿ وَٱقتُلُوهُم حَيثُ ثَقِفتُمُوهُم وَأَخرِجُوهُم مِّن حَيثُ أَخرَجُوكُم وَٱلفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلقَتلِ ﴾ [البقرة:191] وهذه شدة ظاهرة ، فناسب ذكر ﴿ أَشَدُّ ﴾ [البقرة:191] فيها.
السؤال الثالث:
قوله تعالى: ﴿ فَإِن قَٰتَلُوكُم فَٱقتُلُوهُم ﴾ [البقرة:191] جاء فعل الشرط فعلاً ماضياً، وأحياناً يأتي فعل الشرط فعلاً مضارعاً، فما طريقة الاستعمال القرآني لفعل الشرط ؟
الجواب:
معنى الشرط أنْ يقع الشيء لوقوع غيره، أي: أنْ يتوقف الثاني على الأول، نحو: إنْ تجتهد تنجح، ونحو الشواهد القرآنية التالية:
﴿ فَإِن قَٰتَلُوكُم فَٱقتُلُوهُم ﴾ [البقرة:191].
﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيسَرَة ﴾ [البقرة:280] .
هذا هو الأصل، وقد يخرج الشرط عن ذلك فلا يكون الثاني مسبباً عن الأول ولا متوقفاً عليه، نحو قوله تعالى:
﴿ إِن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أَو تَتُكهُ يَلهَث ﴾ [الأعراف:176] هو يلهث على كل حال.
﴿ فَإِن تَوَلَّواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلكَٰفِرِينَ ﴾ [آل عمران:32] الله لا يحب الكافرين دائماً تولوا أم لا.
ـ ﴿ إِن تَحرِص عَلَىٰ هُدَىٰهُم فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهدِي مَن يُضِلُّ ﴾ [النحل:37] .
ـ ﴿ وَمَا تَفعَلُواْ مِن خَيرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِۦ عَلِيما ﴾ [النساء:127].
ـ ﴿ فَإِن يَصبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثوى لَّهُم وَإِن يَستَعتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلمُعتَبِينَ ﴾ [فُصِّلَت:24] .
فليس الشرط من باب السبب والمسبب دوماً، وإنما الأصل فيه أنْ يكون كذلك.
فعل الشرط:
1ـ يقع فعل الشرط ماضياً ومضارعاً، نحو: ﴿ إِن يَشَأ يُذهِبكُم ﴾ [إبراهيم:19] وقولهـم: ﴿ وَإِن عُدتُّم عُدنَا ﴾ [الإسراء:8].
2ـ والماضي يفيد الاستقبال في الشرط كثيراً، نحو قوله تعالى: ﴿ فَإِن قَٰتَلُوكُم فَٱقتُلُوهُم ﴾ [البقرة:191] .
3ـ والفعل الماضي قد يفيد الاستقبال في غير الشرط كذلك، نحو قوله: ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلَأرضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخرَىٰ فَإِذَا هُم قِيَام يَنظُرُونَ ﴾ [الزُّمَر:68]، وقوله: ﴿ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُم إِلَى ٱلجَنَّةِ زُمَرًا ﴾ [الزُّمَر:73] .
4ـ وقد يؤتى بالفعل المضارع مراداً به الماضي، نحو قوله تعالى: ﴿ وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابا فَسُقنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ ﴾ [فاطر:9] و﴿ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ عَلَىٰ مُلكِ سُلَيمَٰنَ ﴾ [البقرة:102] أي: ما تلت.
5ـ ومن المعلوم أنّ الفعل المضارع المسبوق بـ [لم] يفيد المضي.
وقد ذهب النحاة إلى أنّ القصد من مجيء الشرط ماضياً وإنْ كان معناه الاستقبال هو إنزال غير المتيقن منزلة المتيقن وغير الواقع منزلة الواقع، وهذا ما فسروا به التعبير عن الأحداث المستقبلة بأفعال ماضية في غير الشرط أيضاً، نحو قوله تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ﴾ [الكهف:99] و﴿ وَحَشَرنَٰهُم فَلَم نُغَادِر مِنهُم أَحَد ﴾ [الكهف:47] فهو تفسير عام للتعبير عن الأحداث المستقبلة بأفعال ماضية .
استعمال القرآن لفعل الشرط:
1ـ إنّ التعبير بفعل الشرط بالفعل الماضي قد يفيد افتراض حصول الحدث مرة واحدة، في حين أنّ الفعل المضارع قد يفيد تكرر الحدث وتجدده، نحو قوله تعالى:
شواهد قرآنية:
ملحوظة frown.gif المذكور أدناه هو فعل الشرط فقط؛ لذا يرجى مراجعة الآيات في القرآن الكريم ):
﴿ تُبدُواْ ﴾ ﴿ تُخفُوهَا ﴾ ﴿ وَتُؤتُوهَا ﴾ [البقرة:271] جاء بصيغة المضارع؛ لأنّ هذه الأحداث تتكرر وتجدد.
﴿ طَلَّقَهَا ﴾ [البقرة:230] ﴿ طَلَّقتُمُ ﴾ [البقرة:236] ﴿ طَلَّقتُمُوهُنَّ ﴾ [البقرة:237] بالماضي؛ لأنّ الطلاق لا يتكرر تكرر الصدقات.
﴿ أَنفَقتُم ﴾ [البقرة:270] إخبار بأنّ ما فعلته أو ما حصل منك قد علمه الله.
﴿ تُنفِقُواْ ﴾ [البقرة:273] الإنفاق عملية متكررة.

﴿ يَشكُر ﴾ [لقمان:12]؛ لأنّ الشكر يتجدد ويتكرر وينبغي أنْ يتكرر فالشكر عمل يومي.
﴿ كَفَرَ ﴾ [لقمان:12] الكفر يحدث مرة واحدة ولا يلزم أنْ يتكرر؛ لأنّ الكفر اعتقاد.
﴿ يَقتُل ﴾ [النساء:93] وهو الإصرار والاستمرار في قتل المؤمن.
﴿ قَتَلَ ﴾ [النساء:92] قتل خطأ قليل لا يتكرر.
﴿ أَسلَمَ ﴾ [البقرة:112] معناه الدخول في الإسلام بدليل الآية 111 التي قبلها ﴿ وَقَالُواْ لَن يَدخُلَ ٱلجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَو نَصَٰرَىٰ تِلكَ أَمَانِيُّهُم ﴾ [البقرة:111] فرد الله عليهم : ﴿ بَلَىٰ مَن أَسلَمَ وَجهَهُۥ لِلَّهِ ﴾ [البقرة:112] .
﴿ أَسلَمَ ﴾ [الجن:14] .
﴿ يُسلِم ﴾ [لقمان:22] معناه الخضوع والانقياد لله وهو عمل يومي يفيد الاستمرار والتجدد.
﴿ أَرَادَ ﴾ [الإسراء:19] لأنّ إرادة الآخرة أمرٌ واحدٌ والآخرة واحدة.
﴿ يُرِد﴾ [آل عمران:145] إرادة الثواب تتكرر، وتتجدد في الدنيا فلكل عمل ثواب له.
﴿ تَابُواْ ﴾ [التوبة:11] المقصود بالتوبة هي التوبة العامة ومعناها هنا الدخول في الإسلام.
﴿ تَابَا ﴾ [النساء:16] معنى التوبة الانخلاع عن الفاحشة والزنى.
﴿ تَتُوبَآ ﴾ [التحريم:4] الكلام موجه إلى زوجي النبي، والتوبة هنا التوبة الجزئية أمثال اللمم والصغائر.
﴿ وَإِن تَعُودُواْ نَعُد﴾ [الأنفال:19] نزلت في كفار قريش وهو تهديد للمشركين وإشعار للمؤمنين بأنّ المشركين سيكررون العودة إلى القتال، وهو ما حصل، وأخبرهم أنّ الله سيعود إلى نصر المؤمنين إنْ عاد المشركون إلى قتال المسلمين.
﴿ عُدتُّم ﴾ [الإسراء:8] في بني إسرائيل، وقد ذكر أنهم يفسدون في الأرض مرتين فأخبر بأنّ لهم عودة بعد تلك المرة.
﴿ فَإِن لَّم تَفعَلُواْ ﴾ [البقرة:24] [البقرة:279] المضارع مع (لم) يفيد المضي؛ وذلك لأنه خروج عن الربا، والخروج عن الربا يكون دفعة واحدة.
﴿ إِلَّا تَنفِرُواْ ﴾ [التوبة:39] وذلك في الجهاد وهو ماضٍ إلى يوم القيامة يتكرر حصوله.
﴿ وَإِن لَّم يَنتَهُواْ ﴾ [المائدة:73] لأنّ الانتهاء هنا دفعة واحدة.
﴿ إِلَّا تَفعَلُوهُ ﴾ [الأنفال:73] التناصر مستمر متجدد، فكان بصيغة المضارع.
﴿ فَإِنِ ٱنتَهَواْ ﴾ [الأنفال:39] ﴿ فَإِنِ ٱنتَهَواْ ﴾ [البقرة:192] [البقرة:193] بالماضي؛ لأنّ القصد هنا الانتهاء الكامل عن الحرب والدخول في الإسلام، بدليل قوله: ﴿ وَقَٰتِلُوهُم حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتنَة وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة:193]
﴿ وَإِن تَنتَهُواْ ﴾ [الأنفال:19] ﴿ تَستَفتِحُواْ ﴾ [الأنفال:19]؛ لأنّ الانتهاء هنا ليس انتهاء عاماً، بل قد تتكرر الحروب بينهما كما حصل فعلاً.
﴿ إِن سَأَلتُكَ ﴾ [الكهف:76]؛ لأنه سيحصل الفراق بعد سؤال واحد.
﴿ إِن يَسألكُمُوهَا ﴾ [محمد:37] هذا في سؤال الأموال وهو يتجدد ويتكرر.
2ـ وقد يؤتى بالفعل الماضي مع الشرط للدلالة على وقوع الحدث جملةً واحدةً وإنْ كان مستقبلاً، ويؤتى بالمضارع لما كان يتقضى ويتصرم شيئاً فشيئاً.
شواهد القرآنية:
﴿ فَإِن أُحصِرتُم ﴾ [البقرة:196] أي: إذا حصل هذا، فعبّر بالماضي .
﴿ وَإِن تُخَالِطُوهُم ﴾ [البقرة:220] والمخالطة مستمرة، وليست كالإحصار، فعبر عنها بالمضارع.
﴿ إِن نَّسِينَآ ﴾ [البقرة:286] أي: إذا حصل منا نسيان أو خطأ.
﴿ فَإِن خِفتُم ﴾ [البقرة:239] ﴿ فَإِذَآ أَمِنتُم ﴾ [البقرة:239] أي: إذا وقع الخوف أو إذا حصل الأمن.
﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ ﴾ [الأنفال:58] ففيه معنى الاستمرار والتحسب.
﴿ إِذَا طَلَعَت ﴾ [الكهف:17] ﴿ وَإِذَا غَرَبَت ﴾ [الكهف:17] الطلوع والغروب يقعان جملة واحدة فعبر عنهما بالماضي.
﴿ إِذَا يَسرِ ﴾ [الفجر:4] الليل يفيد الاستمرار والتطاول.
﴿ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ﴾ [الأنبياء:45] أي: وإنْ تطاول عليهم الإنذار وتكرر واستمر.
﴿ إِذَا وَلَّواْ مُدبِرِينَ ﴾ [النمل:80] أي: إذا أدبروا عنك.
﴿ وَإِن تَعُدُّواْ ﴾ [النحل:18] لأنّ هذا العمل لا يفرغ منه؛ ولأنّ نعم الله كثيرة.
﴿ إِذَا فَعَلُواْ ﴾ [آل عمران:135] أي: إذا صدر هذا الأمر ولا يحسن (إذا يفعلون فاحشة)؛ لأنّ فيه معنى الاستمرار وعدم الانتهاء من الفاحشة، فيكون المعنى: أنهم يذكرون الله حين يفعلون ذلك.
3ـ يكثر التعبير بالفعل الماضي عن الحكم الثابت القائم على المشاهدة والتجربة، وهو ما يكون في الحِكَم نحو: من صبر ظفر، ومن حذر سلم.
بخلاف ما لم يكن كذلك نحو: (من يعمل يأكل )، فهذه القاعدة تضعها للمستقبل، فلا يحسن فيها (من عمل أكل).
وقد يأتي الشرط للمضي وإن كان فعله ماضياً، وذلك اذا كان بلفظ [كان] وبعدها فعل ماض، انظر الآيات: [ المائدة 116 ـ يوسف 27 ـ الأنعام 55 ـ يونس 71 ـ الأعراف 87 ـ هود 35 ـ الأحقاف 8 ـ يس 19ـ آل عمرن 152 ـ التوبة 92 ـ الكهف 71 ـ الكهف 86 ـ النمل 18ـ الجمعة 11].
وقد يدل الشرط على الحال. انظر الآيات:[ البقرة 23 ـ يونس 104 ـ الحج 5 ـ العلق 11،9 ـ البقرة 93، 111 ،172 ـ آل عمران 118].
السؤال الرابع:
ما دلالة هذه الآية؟
الجواب:
1ـ هذا أمر بقتال المشركين حيث وجدتموهم ، وأن تخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه ، وهي مكة ، لأنّ فتنة الناس بالكفر والشرك والصد عن الإسلام أشد من مفسدة القتل ،وأشد من قتلكم إياهم ، ولا تبدؤوا بقتالهم عند المسجد الحرام تعظيماً لحرمته حتى يبدؤوكم بالقتال فيه ، فإنْ قاتلوكم في المسجد الحرام فاقتلوهم فيه، ومثل ذلك الجزاء الرادع يكون جزاء الكافرين .

2ـ قوله تعالى : ﴿ وَٱلفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلقَتلِ ﴾ جرى مجرى المثل ، لأنّ الإخراج من الوطن هو فتنة كبرى وهو بمثابة إخراج الروح من الجسد .

.....................................

 

﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِۖ فَإِنِ ٱنتَهَواْ فَلَا عُدوَٰنَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [ البقرة:193 ]

السؤال الأول:

قال في آية البقرة 193: ﴿وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِۖ﴾ [البقرة:193] وقال في الأنفال آية 39 ﴿وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِ﴾ [الأنفال:39] بزيادة ﴿كُلُّهُۥ﴾ فما السبب؟

الجواب:

آية البقرة نزلت في السنة الأولى للهجرة في سرية عبد الله بن جحش الحضرمي، وصناديد قريش لا يزالون أحياء ولم يكن للمسلمين رجاء في إسلامهم.

وأمّا آية الأنفال فنزلت بعد وقعة بدر وقتل صناديد قريش، فكان المسلمون بعد ذلك أرجى لإسلام أهل مكة عامة وغيرهم، فأكّد الله سبحانه رجاءهم بقوله: ﴿وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِ﴾ [الأنفال:39] أي: لا يعبد سواه.

السؤال الثاني:

ما معنى كلمة ﴿فِتنَةٞ﴾ في الآية؟ وهل هي بمعنى النزاع والخصومة؟

الجواب:

كلمة ﴿فِتنَةٞ﴾ في الآية بمعنى الكفر أو الشرك، وليس بمعنى النزاع والخصومة.

السؤال الثالث:

هل هناك من كلمات في القرآن الكريم قد يفهمها البعض حسب ثقافته ولغته الدارجة، بينما معناها يختلف عن ذلك تماماً؟

الجواب:

هناك كلمات في القرآن الكريم قد يفهمها البعض حسب ثقافته ولغته الدارجة، بينما معناها يختلف عن ذلك تماماً؛ لذلك يجب الانتباه والحذر والرجوع إلى المصادر الصحيحة في اللغة والتفاسير لمعرفة المعنى الصحيح، ومن ذلك:

1ـ قوله تعالى: ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتنَةٞ﴾ [البقرة:193] الفتنة هي الكفر، وليس النزاع والخصومة.

2ـ قوله تعالى: ﴿قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ﴾ [البقرة:249] الظن هنا يعني اليقين، وليس الشك.

3ـ قوله تعالى: ﴿فَجَآءَهَا بَأسُنَا بَيَٰتًا أَوۡ هُمۡ قَآئِلُونَ﴾ [الأعراف:4] من القيلولة وليس من القول.

4ـ قوله تعالى: ﴿وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّٰصِحِينَ﴾ [الأعراف:21] من القسم بمعنى الحلف، وليس من القسمة.

5ـ قوله تعالى: ﴿كَأَن لَّمۡ يَغنَواْ فِيهَاۚ﴾ [الأعراف:92] أي لم يقيموا فيها، وليس من الغنى وكثرة المال.

6ـ قوله تعالى: ﴿وَيَستَحيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ﴾ [الأعراف:141] أي يتركوهن على قيد الحياة، وليس من الحياء.

7ـ قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ ٱلكَلبِ إِن تَحمِلۡ عَلَيهِ يَلهَثۡ﴾ [الأعراف:176] أي تطرده وتزجره، وليس من الحمل؛ لأنّ الكلاب لا يحمل عليها.

8ـ قوله تعالى: ﴿وَيَتلُوهُ شَاهِدٞ مِّنهُ﴾ [هود:17] أي يتبعه، وليس من التلاوة.

9ـ قوله تعالى: ﴿أَوِ ٱطرَحُوهُ أَرضا﴾ [يوسف:9] أي ألقوه في أرض بعيدة، وليس المعنى إيقاعه على الأرض.

10ـ قوله تعالى: ﴿أَيُمسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ﴾ [النحل:59] أي على هوان وذل، وليس على مهل.

11ـ قوله تعالى: ﴿فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا﴾ [الحج:36] المقصود الإبل؛ أي سقطت جنوبها بعد نحرها، والوجوب ليس بمعنى الإلزام.

12ـ قوله تعالى: ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمۡ تَخلُدُونَ﴾ [الشعراء:129] المقصود هو القصور والحصون، وليس المصانع المعروفة الآن.

 13ـ قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَءَاهَا تَهتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ﴾ [القصص:31] (الجان) هو نوع من الحيات سريع الحركة، وليس الجن.

14ـ قوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ وَصَّلنَا لَهُمُ ٱلقَولَ﴾ [القصص:51] أي بيّنا وفصّلنا لهم القرآن، وليس المراد إيصاله إليهم.

15ـ قوله تعالى: ﴿إِذَا قَومُكَ مِنهُ يَصِدُّونَ﴾ [الزخرف:57] بكسر الصاد؛ أي يضحكون، وليس من الصدود.

16ـ قوله تعالى: ﴿أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكرَانا وَإِنَٰثاۖ﴾ [الشورى:50] أي نوعين: ذكوراً وإناثاً، وليس معناه (يُنكحهم).

17ـ قوله تعالى: ﴿وَلَهُ ٱلجَوَارِ ٱلمُنشَ‍َٔاتُ فِي ٱلبَحرِ كَٱلأَعَٰمِ﴾ [الرحمن:24] الأعلام هي الجبال، وليس الرايات.

18ـ قوله تعالى: ﴿وَسَبِّحهُ لَيلا طَوِيلًا﴾ [الانسان:26] المقصود الصلاة، وليس ذكر اللسان.

19ـ قوله تعالى: ﴿لَوَّاحَةٞ لِّلبَشَرِ﴾ [المدثر:29] أي نار جهنم محرقة للجلد، وليس (تلوح للناس).

20ـ قوله تعالى: ﴿وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ﴾ [الانشقاق:2] أي انقادت وخضعت، وليس معناها السماح.

21ـ قوله تعالى: ﴿وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخرَ بِٱلوَادِ﴾ [الفجر:9] بمعنى (قطعوه) وليس (أحضروه).

22ـ قوله تعالى: ﴿فَقَدَرَ عَلَيهِ رِزقَهُۥ﴾ [الفجر: 16] أي ضيّق عليه، وليس من القدرة.

23ـ قوله تعالى: ﴿غَيرُ مَمنُونٖ﴾ [التين:6] أي غير مقطوع، وليس بغير منّة.

24ـ قوله تعالى: ﴿فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ﴾ [القارعة:9] أي رأسه هاوٍ في النار وليس المقصود أمه الحقيقية.

والله أعلم.
 
...............
 

﴿ٱلشَّهرُ ٱلحَرَامُ بِٱلشَّهرِ ٱلحَرَامِ وَٱلحُرُمَٰتُ قِصَاصٞۚ فَمَنِ ٱعتَدَىٰ عَلَيكُمۡ فَٱعتَدُواْ عَلَيهِ بِمِثلِ مَا ٱعتَدَىٰ عَلَيكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 194]

السؤال الأول:

ما المقصود بقوله تعالى: ﴿فَمَنِ ٱعتَدَىٰ عَلَيكُمۡ فَٱعتَدُواْ عَلَيهِ بِمِثلِ مَا ٱعتَدَىٰ عَلَيكُمۡۚ﴾  [البقرة:194] ؟

الجواب:

 هذا الأسلوب يسميه العرب وأهل البلاغة المشاكلة، بأنْ تستعمل اللفظة نفسها وإنْ كان المفهوم مختلفاً. فالمفهوم من الآية عقاب، لكنْ يأخذ اللفظة نفسها فيستعملها على سبيل المشاكلة وليس على سبيل نفس الدلالة التي دلّ عليها، وهذا هو معنى الآية فهو ليس عدواناً وإنما هو عقاب على عدوانهم؛ لأنه ردٌّ للعدوان.

 وكذلك في قوله تعالى: ﴿وَيَمكُرُونَ وَيَمكُرُ ٱللَّهُۖ﴾ [الأنفال:30] فهم يمكرون ويمكر الله، هم يدبرون السوء، والمشاكلة: ﴿وَيَمكُرُ ٱللَّهُۖ﴾ هو نوع من عقاب الله تعالى، يعاقبهم على مكرهم، فعقوبة الله تعالى لهم سميت مكراً من قبيل المشاكلة، وقوله تعالى: ﴿وَيَمكُرُ ٱللَّهُۖ﴾ [الأنفال:30] هذا المكر من الله ليس تدبيراً سيئاً في ذاته، وإنما هو سوء لهم أو سوء عليهم، والأصل في غير القرآن: ويدبر الله لهم العقاب.

قال الشاعر أبو الرقعمق:

قالوا: التَمِس شيئاً نُجِد لك طَبخَـــه

** قُلتُ: اطبخُوا لي جُبّةً وقميصاً

 

فالجبة والقميص لا يطبخان، وإنما يخاطان، والذي سوغ الطبخ في جانب الجبة والقميص وقوع الطبخ الحقيقي مصاحبًا له في البيت، وهي مصاحبة حقيقية في اللفظ.

السؤال الثاني:

لم سُمِّيَ جزاءُ العدوانِ عدواناً ؟

الجواب:

هذا من قبيل المشاكلة اللفظية، وهي الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى، ومثله قوله تعالى: ﴿وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثلُهَاۖ﴾  [الشورى:40] وكأنّ في ذلك إشارة لك أخي المؤمن إلى أنه الأَولى لك هو الصفح والعفو لا الانتقام ومجازاة المعتدي إذا كان المعتدي عليك مسلماً مثلك، فسمى حقك في الرد على عدوان غيرك عليك عدواناً؛ ترغيباً لك في العفو والصفح.

السؤال الثالث:

ما دلالة هذه الآية ؟

الجواب:

1ـ لمّا عزم المسلمون على عمرة القضاء سنة سبع من الهجرة ، وقع في نفوسهم ألا يفي المشركون بعهدهم فيتعرضوا لهم بالقتال عند دخولهم مكة وهم في شهر حرام ، فإن دافعوا عن أنفسهم يكونون قد انتهكوا حرمة الشهر الحرام فنزلت هذه الآية تقول لهم : وإنْ قاتلوكم في الأشهر الحرم فقتالكم لهم جزاء لقتالهم ، فالحرمات قصاص ، أي : يستحل قتالهم فيه كما استحلوه بقتالكم فيه .

وكان المشركون قد افتخروا بصد النبي عليه السلام عن البيت الحرام يوم الحديبية سنة ست من الهجرة ، فأدخله الله مكة في السنة التالية في نفس الشهر وهو ذو القعدة . (تفسير الطبري) .

2ـ قوله تعالى : ﴿ وَٱلحُرُمَٰتُ قِصَاصٞۚ﴾ (الحُرُمات) جمع حُرْمة ، والحُرمة ما مُنع من انتهاكه ، و(القصاص) المساواة والمثل ، وهومن باب عطف العام على الخاص والمراد بالحُرُمات : الشهر الحرام والبلد الحرام وحُرْمة الإحرام . والمراد: إنْ أقدموا على مقاتلتكم فقاتلوهم أنتم أيضاً ، فهم بدؤوا بالعدوان على الحُرمات على سبيل القصاص .

3ـ الفاء في قوله تعالى: ﴿ فَمَنِ ٱعتَدَىٰ عَلَيكُمۡ﴾ هي فاء الفصيحة .

4 ـ قوله تعالى: ﴿فَمَنِ ٱعتَدَىٰ عَلَيكُمۡ فَٱعتَدُواْ عَلَيهِ بِمِثلِ مَا ٱعتَدَىٰ عَلَيكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ﴾ لأنه عند استيفاء الحقوق ، تكون النفوس مشحونة ، فأمر الله بالتقوى صيانة عن الزلل.

5ـ هذه الآية وما قبلها كانت دعوة إلى الجهاد بالنفس ، والآية التالية (البقرة 195) هي دعوة إلى الجهاد بالمال . والله أعلم .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحكم التشريعي التاسع: الجهاد بالمال

﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلقُواْ بِأَيدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهلُكَةِ وَأَحسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلمُحسِنِينَ﴾  [البقرة: 195]

السؤال الأول:

ما معنى التهلكة في الآية؟

الجواب:

كلمة (تَهْلُكة) على وزن (تَفْعُلة) وهو من نوادر المصادر وليس فيما يجري على القياس.

والهلاك ضد الحياة، ولكل حياة قوانينها، سواء للحيوان والنبات وحتى الجماد، فكل شيء يحيا بقوانينه هو، وكل شيء مخلوق لمهمة يؤديها.

وقول الحق: ﴿وَلَا تُلقُواْ بِأَيدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهلُكَةِ وَأَحسِنُوٓاْۚ﴾ [البقرة:195] فيه عدة نقاط جديرة بالملاحظة:

1ـ المعنى: أنفقوا في الجهاد وأخرجوا المال لصناعة الأسلحة وتجهيز المباني والحصون والتدريبات فهذه هي أوجه إنفاق المال.

ومفهوم (التهلكة) في الآية: أنّ القعود عن الجهاد في سبيل الله هو إلقاء النفس في التهلكة، وأنّ من الجهاد إنفاق المال في سبيل الله، وأنّ من التهلكة جمع المال وتنميته والالتهاء به بدل الجهاد في سبيل الله بالنفس أو الإنفاق في سبيل الله.

2ـ كلمة (ألقى) تفيد أنّ هناك شيئاً عالياً وشيئاً أسفل منه، والمعنى: أنّ اليد المغلولة عن الإنفاق في سبيل الله هي التي تُلقي بصاحبها إلى التهلكة؛ لأنه سوف يضعف الجيش ويجترأ العدو على المؤمنين، لذلك فالاستعداد للحرب أنفى للحرب.

3ـ والمعنى أيضاً أنه: لا تُقبلوا على القتال إلا إنْ كان غالب الظن أنكم ستنتصرون، فالشجاعة قد تقتضي منك أنْ تحجم وتمتنع عن القتال في بعض الأحيان؛ لتنتصر من بعد ذلك ساعة تُكمل الإعداد له.

4ـ الفعل: ﴿ وَأَحسِنُوٓاْۚ ﴾ [البقرة:195] من الإحسان، فالله يطلب منا إتقان العمل في القتال وغيره وكلها تخدم قضية الإيمان، ولو علم الذين لا يحسنون أعمالهم بماذا يحرمون الوجود لتحسروا على أنفسهم، لذلك قول الحق سبحانه: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلمُحسِنِينَ﴾ [البقرة:195] فيه تشجيع لكل من يلي عملاً أنْ يحسنه ليكون محبوباً من الله.

5 ـ قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلمُحسِنِينَ﴾ [البقرة:195] يفيد أنه إذا منحك الله فرصة لتحسن إلى الآخرين، فاعلم بأنَّ هذا فضل وكـرم من رب العالمين.

 

6 ـ نلاحظ أنه لم تكن حظوظُ النفس غائبةً عن قلوب الصالحين، ولكنهم يصفحون ويغفرون ويُنظِرون ويتصدقون لعلّ الله أن يعاملهم بالمثل: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلمُحسِنِينَ﴾ [البقرة:195] ﴿وَليَعفُواْ وَليَصفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ﴾ [النور:22]. والله أعلم. 

 

 

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 

﴿وَأَتِمُّواْ ٱلحَجَّ وَٱلعُمرَةَ لِلَّهِۚ فَإِنۡ أُحصِرتُمۡ فَمَا ٱستَيسَرَ مِنَ ٱلهَديِۖ وَلَا تَحلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبلُغَ ٱلهَديُ مَحِلَّهُۥۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦٓ أَذى مِّن رَّأسِهِۦ فَفِديَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖۚ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلعُمرَةِ إِلَى ٱلحَجِّ فَمَا ٱستَيسَرَ مِنَ ٱلهَديِۚ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلحَجِّ وَسَبعَةٍ إِذَا رَجَعتُمۡۗ تِلكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمۡ يَكُنۡ أَهلُهُۥ حَاضِرِي ٱلمَسجِدِ ٱلحَرَامِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [البقرة: 196]

السؤال الأول:

قوله تعالى في الآية: ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [البقرة:196] لِمَ أظهر هنا لفظ الجلالة؟

الجواب:

في قوله: ﴿وَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [البقرة:196] أظهر لفظ الجلالة لتربية الهيبة في النفوس من عظمة الله تبارك وتعالى حتى تكون أكثر خشية، وهذا ما يفعله التعبير بالاسم الظاهر أكثر مما يفعله الضمير في هذا الموضع.

السؤال الثاني:

ما الوقفات والدروس في قوله تعالى في الآية: ﴿وَأَتِمُّواْ ٱلحَجَّ وَٱلعُمرَةَ لِلَّهِۚ﴾ [البقرة:196]؟

الجواب:

 1ـ جاءت هذه الآية في الكلام عن الحج في سياقها الطبيعي بعد أن ذكر الصيام ورمضان فكان طبيعياً أنْ يتكلم عن الحج.

2ـ قوله تعالى: ﴿فَفِديَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖۚ﴾ [البقرة:196] فيها ترتيب تصاعدي في النفع، فالصيام لا يتعدى النفع المباشر فيه إلى الغير، والصدقة عبادة يتعدى فيها النفع إلى الغير، ولكن بقدر وحدود؛ لأنها إطعام عدد محدود من الأفراد، وأمّا النسك فهو ذبيحة ينتفع بها عدد أكبر من الناس.

3ـ قوله تعالى: ﴿فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ﴾ [البقرة:196] لم يحدد ما الذي لم يوجد؛ ليشمل من لم يجد الهدي، ومن لم يجد ثمنه، فاستفدنا زيادة المعنى، مع اختصار اللفظ.

4ـ سميت أيام التشريق؛ لأنهم كانوا يشرقون اللحم للشمس ليجف ويقدد.

5ـ قال: ﴿تِلكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ﴾ [البقرة:196] حتى لا يلتبس الفهم بأنّ الواو بمعنى (أو) كما في قوله تعالى: ﴿فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ﴾ [النساء:3] وألا تحل التسع جملة، فنفى بقوله: ﴿تِلكَ عَشَرَةٞ﴾ ظن أحد العددين فقط: الثلاثة في الحج أو السبعة بعد الرجوع.

وأما قوله تعالى: ﴿كَامِلَةٞۗ﴾ [البقرة:196] فهي للتأكيد كما في قوله تعالى: ﴿حَولَينِ كَامِلَينِۖ﴾ [البقرة:233] والمعنى: أنها كاملة في الثواب مع وقوعها بدلاً عن الهدي، أو وقوعها موقع التتابع مع تفرقها، أو وقوعها موقع الصوم بمكة مع وقوع بعضها في غير مكة، والحاصل أنه كمالٌ وصفاً لا ذاتاً.

6 ـ قوله تعالى: ﴿فَمَا ٱستَيسَرَ﴾ ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا﴾ ﴿فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ﴾...مصطلحات تدل على التيسير وعدم المشقة، ومع ذلك نادى بالتقوى وحذّر من شدة عقابه فقال: ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [البقرة:196].

السؤال الثالث:

ما معنى الشرط في الآية ﴿فَإِنۡ أُحصِرتُمۡ﴾ [البقرة:196] ﴿فَإِذَآ أَمِنتُمۡ﴾ [البقرة:196] وماذا عن استعماله في القرآن؟

الجواب:

انظر الجواب في آية البقرة 191.

السؤال الرابع:

ما أهم دلالات هذه الآية؟

الجواب:

1ـ وجوب الحج والعمرة وفرضيّتهما.

2ـ وجوب إتمام أركانهما وواجباتهما وشروطهما ولو نفلاً.

3 ـ إتقانهما والإخلاص فيهما.

4 ـ قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّواْ ٱلحَجَّ وَٱلعُمرَةَ لِلَّهِۚ﴾ [البقرة:196] لم يقل في الصلاة وغيرها: (لله)؛ لأنّ الحج والعمرة مما يكثر الرياء فيهما جدًا، فلما كانا مظنة الرياء قيل فيهما: (لله) اعتناءً بالإخلاص.

5ـ عدم الخروج منهما بعد الإحرام حتى يكملهما، إلا بالحصر بمرض أو عدو أو حادث ونحو ذلك، فيذبح المحرم شاة ويحلق أو يقصّر، ويحل من إحرامه، فإنْ لم يجد الهدي صام عشرة أيام، ولا شيء عليه بعد ذلك.

6ـ التقيد بمحظورات الإحرام حتى يوم النحر، بعد رمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة والحلق أو التقصير.

7ـ من تمتع بالعمرة إلى الحج عليه هدي، وكذا القارن، وأمّا المفرد لا هدي عليه، ومن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وأهل المسجد الحرام ممن هم داخل حدود الحرم لا هدي عليهم، لأنهم لم يحصل لهم نُسكيْن في سفر واحد.

8ـ أعمال الحج والعمرة وفقههما يؤخذ من العلماء ومن كتب الفقه.

والله أعلم.

 

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿ٱلحَجُّ أَشهُر مَّعلُومَـٰتࣱۚ فَمَن فَرَضَ فِیهِنَّ ٱلحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِی ٱلحَجِّۗ وَمَا تَفعَلُوا۟ مِن خَیر یَعلَمهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُوا۟ فَإِنَّ خَیرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ یَـٰأُولِی ٱلأَلبَـٰبِ﴾ [البقرة: 197]

السؤال الأول:

ما الفرق بين الفسق والكفر والظلم؟

الجواب:

1ـ الفسق: هو الخروج عن الطاعة من: (فسقت الرطبة) إذا خرجت من قشرها، ويمتد هذا الفسق من أيسر الخروج حتى يصل إلى الكفر، وكله يسمى فسقاً، فالذي يخرج عن الطاعة وإنْ كان قليلاً يسمى فاسقاً والكافر يسمى فاسقاً أيضاً.

 شواهد قرآنية:

﴿إِلَّآ إِبلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمرِ رَبِّهِۦٓۗ﴾ [الكهف:50] الكلام عن إبليس.

 ﴿وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلفَٰسِقُونَ﴾ [النور:55] الكفر سماه فسوقاً، والنفاق سماه فسوقاً.

﴿أَفَمَن كَانَ مُؤمِنا كَمَن كَانَ فَاسِقاۚ لَّا يَستَوُۥنَ﴾ [السجدة:18].

﴿إِنَّ ٱلمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلفَٰسِقُونَ﴾ [التوبة:67].

والفسق هو الخروج عن الطاعة، والفاسق ليس بالضرورة كافراً؛ لكنْ قد يصل إلى الكفر، وقد لا يصل كما في آية البقرة هذه: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلحَجِّۗ﴾ [البقرة:197] فالفسوق ليس كفراً هنا، وكيف يكون كفراً في الحج؟

وكذا في قوله تعالى: ﴿وَإِن تَفعَلُواْ فَإِنَّهُۥ فُسُوقُۢ بِكُمۡۗ﴾ [البقرة:282] فهذا ليس كفراً. وليس كل فاسق كافراً، لكن كل كافر فاسق قطعاً، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلفَٰسِقُونَ﴾ [التوبة:67].

2ـ الظلم: هو مجاوزة الحد عموماً، وقد يصل إلى الكفر: ﴿وَٱلكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ﴾ [البقرة:254] وقد لا يصل.

3ـ أما الكفر: فهو الخروج عن المِلّة، والكفر أصله اللغوي السِّتُر، وتستعار الدلالة اللغوية للدلالة الشرعية.

السؤال الثاني:

لم عبّر ربنا سبحانه وتعالى بالنفي في قوله: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلحَجِّۗ﴾ [البقرة:197] ولم يعبّر بالنهي فلم يقل: ولا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا؟

الجواب:

ذلك لأنّ النفي أبلغ من النهي الصريح، فالنهي قد يعني أنه يمكن أن يحصل هذا الفعل لكنكم منهيوّن عنه، أمّا النفي فيعني أنّ هذا الفعل ينبغي أنْ لا يقع أصلاً، وأنْ لا يكون له وجود أبداً، فضلاً عن أنْ يفعله أحدٌ منكم أيها المسلمون، ومن ثمّ أدخل النفي على الاسم لينفي جنس الفعل وأصله.

السؤال الثالث:

أمر في الآية بالتقوى بشكل عام ثم أمر أولي الألباب خاصة بالتقوى، فماذا يسمى هذا في اللغة؟

الجواب:

قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفعَلُواْ مِنۡ خَيرٖ يَعلَمهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلأَلبَٰبِ﴾ [البقرة:197]

 تأمل أخي المؤمن كيف ذكر الأمر بالتقوى عاماً للناس كلهم، ثم أمر أولي الألباب خاصة بالتقوى، وهذا يسمى الإطناب، وفائدة الإطناب هنا أنْ الأمر بالتقوى ليس خاصاً بأولي الألباب وحدهم ولا يتوجه الكلام إليهم دون غيرهم؛ لأنّ كل إنسان مأمور بالتقوى، لكنْ ذكر هنا الخاص بعد العام للتنبيه على فضل الخاص وهم أولوا الألباب، وأرجحيته على العام وهم عوام الناس؛ لأنّ الناس يتفاضلون بالألباب وبها يتمايزون.

السؤال الرابع:

ورد في الآية لفظة ﴿فِيهِنَّ﴾ فلماذا لم يستعمل لفظة (فيها) مثلاً؟

الجواب:

 أشهر الحج ثلاثة، وهي جمع قلة، حيث جمع القلة من الثلاثة إلى العشرة، فإذا زاد العدد عن العشرة كان جمع كثرة.

وفي جمع غير العاقل، فالغالب أن يعود عليه الضمير في جمع الكثرة بالإفراد وفي جمع القلة بالجمع، فتقول: (الأشجار سقطتْ) الضمير العائد ـ هي ـ إذا كان عددها كبيراً فوق العشرة، وتقول: (الأشجار سقطنَ) الضمير العائد ـ هنّ ـ إذا كان عدد الأشجار قليلاً دون العشرة.

ولفظة (فيهنّ) تتكون من حرف الجر واتصل به ضمير جر (هاء الغائب)، وضمائر الجر المتصلة هي:

آ ـ ياء المتكلم، نحو: كتابي.

ب ـ كاف المخاطب، نحو: كتابكَ ـ كتابكِ ـ كتابكما ـ كتابكم ـ كتابكن.

ج ـ هاء الغائب، نحو: (كتابهُ ـ كتابها) للمفرد المذكر والمؤنث ـ (كتابهما) للمثنى ـ (كتابهم ـ كتابهنّ) للجمع المذكر والمؤنث.

ولذلك فإنّ لفظة (فيهن) تستعمل مع الجمع، بينما تستعمل لفظة (فيها) أو لفظة (فيه) مع الإفراد.

 وفي الآية جاء اللفظ ﴿فِيهِنَّ﴾ فأعاد الضمير على أشهر الحج بالجمع، لأنّهن ثلاثة أشهر (جمع قلة).

وبصورة أخرى نستطيع أن نقول:

1ـ ضمير الإناث يستعمل للإناث، ويستعمل لجمع غير العاقل، نقول: الجبال هُنّ شاهقات، وما نقول: هم، وفي قوله تعالى: ﴿ٱلحَجُّ أَشهُر مَّعلُومَـٰتࣱۚ فَمَن فَرَضَ فِیهِنَّ ٱلحَجَّجاء اللفظ (فيهن) للأشهر.

2 ـ جمع المؤنث السالم نحو: (ممسكات، كاشفات) أيضاً يستعمل الجمع منه للمؤنث الحقيقي، ويستعمل لجمع مذكر غير عاقل سواء كان وصفاً أو اسماً، نقول مثلاً: جبال شاهقات، أنهار جاريات، بل حتى أحياناً الاسم غير العاقل الذي ليس له جمع آخر يستعمل المؤنث مثل: اصطبل اصطبلات، حمّام حمّامات، بينما ضمير الواو في جمع المذكر السالم هذا لا يستعمل إلا للذكور العقلاء فقط.

لمزيد من التفصيل انظر آية التوبة 36.

 السؤال الخامس:

ما أهم دلالات هذه الآية؟

الجواب:

1ـ الفاء في قوله تعالى: ﴿فَمَن فَرَضَ﴾ فاء الفصيحة لأنها جاءت بمثابة تفصيل لمن استوضح عن المجمل.

2 ـ قوله تعالى: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلحَجِّۗ﴾ فيه ضرب من النهي عجيب، حيث تخصيص النهي عن ذلك في الحج يشعر أنّ هذه الأعمال وإنْ كانت قبيحة خارج الحج، ولكنّ قبحها في الحج أمرٌ فوق الاجتناب.

3ـ قوله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰۖ﴾ فيه تشبيه بليغ، فقد شبّه التقوى بالزاد.

4 ـ الإطناب في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأُوْلِي ٱلأَلبَٰبِ﴾ للتنبيه على فضل الخاص على العام، وإنما يتفاضل الناس بالألباب التي هي العقول.

وللعلم لم تأت كلمة (الألباب) في القرآن إلا بالجمع، ولم تأت منفردة ربما لعذوبة الجمع وسماجة المفرد فيها.

وختمت آية الحج بهذه الجملة ﴿وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلأَلبَٰبِ﴾ تأكيداً على تحقيق التقوى في أعمال الحج.

5 ـ سعة البيوت حسب الغنى ومساحة اﻷرض، وسعة القبور بصلاح العمل ورضا الرب:

 ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰۖ﴾.

6 ـ قال الطبري: كيف قيل: ﴿ٱلحَجُّ أَشهُرٞ مَّعلُومَٰتٞۚ﴾ وهو شهران وبعض الثالث؟ يجيب ابن جرير الطبري فيقول: «إنَّ العرب لا تمتنع خاصةً في الأوقات من استعمال مثل ذلك، فتقول: اليوم يومان منذ لم أره. وإنما تعني بذلك يومًا وبعض آخر، وكما قال جلّ ثناؤه: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَومَينِ﴾ [البقرة: 203] وإنما يتعجل في يوم ونصف».

 7ـ جاء في تفسير السعدي: التزود فيه الاستغناء عن المخلوقين، والكف عن أموالهم سؤالًا واستشرافًا، أمّا الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه في دنياه وأُخراه، فهو زاد التقوى الذي هو زادٌ إلى دار القرار، ومن ترك هذا الزاد فهو المنقطَع به الذي هو عرضة لكل شر، وممنوع من الوصول إلى دار المتقين. فهذا مدح للتقوى.

8 ـ وجاء في تفسير السعدي أيضاً: وقفت متأملًا لقوله تعالى: ﴿ٱلحَجُّ أَشهُرٞ مَّعلُومَٰتٞۚ﴾ فتساءلت: لماذا تميز وقت الحج بـ(أشهر) دون سائر الأركان؟ فكأنه لعدم وجوبه في العمر إلا مرة واحدة، ولبعد مسافة قاصده غالبًا ﴿يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: 27]؛ أطال أمده ليقضي المسلم نهمته من العبادة في الحرم، ويتهيأ قبل فترة المناسك وبعدها، إذ يقدم مبكرًا وينصرف متأخرًا إنْ رغب، توسعة ورحمة، وحثًا على المبادرة والتزود؛ لما لذلك من أثر إيجابي في حياته.

9 ـ جاء في تفسير الشعراوي: في آيات الصيام قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: 185] سمى الله شهر رمضان، ولكنه لم يسم أشهر الحج، وإنما قال: ﴿ٱلحَجُّ أَشهُرٞ مَّعلُومَٰتٞۚ﴾ والسبب أنّ الحج كانت تعرفه العرب، فلا حاجة لتسمية شهوره، أمّا الصيام فهي عبادة جديدة، لم تعرفها العرب من قبل، فسمي لأجل ذلك شهر رمضان.

والله أعلم.

 

;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;

 

﴿لَيسَ عَلَيكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبتَغُواْ فَضلا مِّن رَّبِّكُمۡۚ فَإِذَآ أَفَضتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلمَشعَرِ ٱلحَرَامِۖ وَٱذكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ﴾ [البقرة: 198]

السؤال الأول:

ما أهم وقفات هذه الآية؟

الجواب:

لا مانع أنْ يذهب الإنسان ليحج ويتاجر، وقديماً كانوا يقولون: حاج وداج، لمن يذهب إلى الأراضي المقدسة للتجارة.

والتجارة إذا أوقعت نقصاناً في الطاعة لم تكن مباحة، وإنْ لم توقع نقصاناً فهي من المباحات.

السؤال الثاني:

قوله تعالى: ﴿تَبتَغُواْ فَضلا مِّن رَّبِّكُمۡۚ﴾ [البقرة:198] ولم يقل: رزقاً، مثلاً، فما السبب؟

الجواب:

آ ـ قال الحق: ﴿تَبتَغُواْ فَضلا مِّن رَّبِّكُمۡۚ﴾ [البقرة:198] ولم يقل: رزقاً؟ لأنك في الأصل أنت تذهب إلى الحج ومعك زادك ونفقتك، أي: لا تذهب إلى الحج لتأكل من التجارة، فإنْ كسبت شيئاً إضافياً من التجارة فهو فضل، أي: أمر زائد عن الحاجة.

ب ـ الرزق والفضل من الله، وإياك أنْ تقول: قوة أسباب وذكاء، بل الرزق كله من الله.

السؤال الثالث:

ما دلالة قوله تعالى: ﴿فَإِذَآ أَفَضتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ﴾ [البقرة:198] في الآية؟

الجواب:

آـ قوله تعالى: ﴿فَإِذَآ أَفَضتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ﴾ [البقرة:198] تدل على أنّ الله قد حكم بأنّ عرفات سوف تمتلىء امتلاء، وكل من يخرج منها كأنه فائض عن العدد المحدد لها، فكأنه سيل متدفق. والإفاضة دفع بكثرة، من أفضت الماء إذا صببته بكثرة، وكل دفعة إفاضة. وهناك إفاضتان: إفاضة من عرفات، وإفاضة من مزدلفة.

ب ـ قيل: إنّ آدم هبط في مكان، وحواء هبطت في مكان، وظل كلاهما يبحث عن الآخر باشتياق شديد لأنهما زوجان وتلاقيا في عرفة، ومن هذا التفرق كان الشوق ثم اللقاء.

ج ـ قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ﴾ [البقرة:199] أفادت أنه لا بدّ من المبيت في مزدلفة. وقال آخرون: إنّ المقصود به من حيث أفاض إبراهيم عليه السلام.

السؤال الرابع:

لماذا كرّر طلب الذكر في الآية فقال: ﴿فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلمَشعَرِ ٱلحَرَامِۖ وَٱذكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ﴾ [البقرة:198]؟

الجواب:

كرّر طلب الذكر تنبيهاً على أنه أراد ذكراً مكرراً لا ذكراً واحداً، ولأنه زاد في الثاني قوله: ﴿كَمَا هَدَىٰكُمۡ﴾ [البقرة:198] يعني اذكروه بأحديّته كما ذكركم الله تعالى بهدايته.

أو أنه إشارة إلى أنه أراد بالذكر الأول الجمع بين الصلاتين بمزدلفة، وبالثاني الدعاء بعد الفجر فلا تكرار. أو الِإشارة بالأول إلى الذكر باللفظ، وبالثاني إلى الذكر بالقلب. والله أعلم.

السؤال الخامس:

ما الفرق بين التعبيرين في القرآن الكريم {لَّا جُنَاحَ عَلَیكُمۡ} و {لَیسَ عَلَیكُمۡ جُنَاحٌ

الجواب:

جملة (لا جناح عليكم) جملة اسمية تدل على الثبوت والدوام، وجملة (ليس عليكم جناح) جملة فعلية تدل على الحدث والتجدد والانقطاع، و الجملة الاسمية أقوى من الفعلية، لذا تأتي الأولى في سياق العبادات والحقوق والعلاقات الأسرية، وتأتي الثانية في سياق البيع والشراء والتجارة والآداب والأخلاق وفضائل الأعمال.

لمزيد من التفصيل انظر الجواب في آية البقرة 158.

 

;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;;

﴿فَإِذَا قَضَيتُم مَّنَٰسِكَكُمۡ فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكراۗ فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖ﴾ [البقرة: 200]

السؤال الأول:

ما دلالة قوله تعالى في الآية ﴿مِنۡ خَلَٰقٖ﴾ [البقرة:200]؟

الجواب:

 1ـ في الآية طُلب من الحاج أنْ يكون دائماً ذاكراً، وذكرُ الله يستتبع ذكر الآخرة وما فيها من نعيم وشقاء.

2 ـ قوله تعالى: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا﴾ ما قال آتنا ماذا؟ إمّا لتهوين شأنه، أو لأنه عظيم عندهم، وهم يريدون كل شيء في الدنيا، حتى ما وصفوا هذا المأتي به بأنه حسن، وهذه سِمة لا يحبها الله عز وجل لعباده فكيف أدّبهم؟

هم لا يفكرون بالآخرة، والله عز وجل لا يريد لعباده الصالحين أن يكونوا كهؤلاء، ويريد منهم أن يذكروه ويتذكروا الآخرة، لأن هذه الحياة مهما طالت هي كحلم رائي كما في الأثر: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا، والإنسان في لحظة موته كأنه استيقظ من منام وكان يرى حلماً كل هذه السنوات.

3ـ قوله تعالى: ﴿وَمَا لَهُۥ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖ﴾ [البقرة:200] الخلاق هو النصيب، لكن لم يقل نصيب؛ لأن الخَلَق والخَلَقَات نستعمله للشيء البالي.

وبالتالي يكون المعنى: أنه حتى هذا النصيب البالي التافه ليس لهم في الآخرة؛ لأنهم هم لا يفكرون أصلاً في الآخرة وإنما في الدنيا، ولذلك هم لم يصفوا بالحسن ما أرادوا بل قالوا: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا﴾ [البقرة:200] أي: يريدون أي شيء في الدنيا فقط.

4 ـ قوله تعالى: ﴿فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكراۗ﴾ يفيد أنّ للآباء أثر كبير على أبنائهم، فهم القدوة الذين يتلقون منهم القيم، وتربطهم بالأبناء عاطفة قوية، لذا لهم تأثير كبير في توجيه سلوك الأبناء وهذه مسؤولية يجب أن يعيها كل أب حتى يورث أبنائه الصلاح والتقوى.

5 ـ المتأمِّلُ في شعائر الحج يلحظُ تربيةً عجيبةً على كثرة الذكر، فنجد النصَّ عليه في القرآن في مواضع: عند المشعر الحرام، وفي أيام التشريـق، وعند الفراغ من المناسـك، وعند الذبــح، والذكـر على عمـوم نعمـة التوحيـد، والتوفيـق لهـذه المناسـك، فلنفتِّش عن أثر هذه العبادة في مناسكنا.

6 ـ في آيات الحجِّ عالج القرانُ خصائص الجاهلية وكيفية تنقية المجتمع المسلم منها بأسلوب يستثمر المناسبة ويستفيد منها، ومن ذلك التكبُّر على الناس والتميُّز عنهم، والفخر بالآباء والتعصب لهم، تدبر: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة:199]، و ﴿فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكراۗ﴾ [البقرة:200]، فما أحوج الدعاة والأمة جميعًا لمثل هذا الأسلوب، ولذلك النقاء.

والله أعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

﴿وَمِنهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [البقرة: 201]

السؤال الأول:

 قال تعالى: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ﴾ [البقرة:201] ما حسنة الدنيا؟ وما حسنة الآخرة؟ ولِمَ كانت هذه الآية من أحب الدعاء لقلب النبي ؟

الجواب:

لا شك هي من الآيات الجامعة، ونحن نقرؤها قبل السلام في الصلاة دائماً، وثبت أنّ النبي كان يقول بهذا الدعاء في الطواف بين الركن اليماني والحَجر الأسود.

وحسنة الدنيا هي: الصحة والأمن والكفاية والولد والزوجة الصالحة والنصرة على الأعداء وفهم كتاب الله، وما أشبه ذلك.

وأمّا حسنة الآخرة فهي: الفوز بالثواب والخلاص من العقاب والجنة ونيل رحمة الله سبحانه. والآية كلمة جامعة لجميع مطالب الدنيا والآخرة.

السؤال الثاني:

ما دلالة هذا التقسيم في الدعاء المذكور في الآية؟

الجواب:

بيّن الحق سبحانه وتعالى أنّ الذين يدعون الله فريقان:

1ـ من يكون دعاؤهم لطلب الدنيا فقط، وهم الكفار أو المؤمنون، لكنهم يسألون الله لدنياهم فقط.

2ـ والذين يجمعون في الدعاء بين طلب الدنيا وطلب الآخرة.

وقد كان في التقسيم نظرياً قسم ثالث وهو من يكون دعاؤه مقصوراً على طلب الآخرة، واختلف العلماء هل هو مشروع أم لا؟ والأكثرون على أنه غير مشروع؛ وذلك أنّ الإنسان خُلق محتاجاً ضعيفاً لا طاقة له بمتاعب الدنيا ولا بمشاق الآخرة، فالأولى أنْ يستعيذ بربه من كل شرور الدنيا والآخرة.

وجاء في الحديث عن أنس أنّ النبي دخل على رجل يعوده وقد أنهكه المرض، فقال: "ما كنت تدعو الله به قبل هذا؟" قال: كنت أقول: اللهم ما كنت تعاقبني به في الآخرة فعجل به في الدنيا، فقال النبي : "سبحان الله إنك لا تطيق ذلك، ألا قلت: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِقال: فدعا له رسول الله فشُفِيَ" (رواه أنس بن مالك في صحيح مسلم)

3 ـ قوله تعالى: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا﴾ استعمل الفعل (أتى) ولم يستعمل الفعل (أعطى) والفعلان أتى وأعطى لهما معنى متقارب معجمياً لكن ليس مترادفاً. وفعل أتى أصله (أتي) والفعل أعطى أصله (عطو) ونجد أنّ العين والطاء والواو أقوى من الهمزة والتاء والياء، وهذا معناه أنّ العطاء أو الإعطاء فيه نوع من القوة وليس فيه هذا اللين والرقة مثل الإتيان، لذلك كثيرون من أهل اللغة قالوا: إن الإعطاء فيه تمليك والإيتاء ليس شرطاً أن يكون فيه تمليك.

السؤال الثالث:

جاءت لفظة ﴿حَسَنَةٗ﴾ نكرة مرتين في الآية فما دلالة ذلك؟ وما دلالة الآية؟

الجواب:

1ـ كلمة ﴿حَسَنَةٗ﴾ جاءت نكرة في الموضعين، وهي في الحقيقة وصف لموصوف محذوف، وهذا الموصوف المحذوف هو على إطلاقه بما يفكر به الانسان، نحو: آتنا في الدنيا عطايا حسنة بتفاصيلها، وفي الآخرة عطايا حسنة أيضاً بتفاصيلها، فحذف الموصوف وأبقى الصفة، وجعلها بصيغة النكرة؛ حتى تشير إلى العموم والكثرة فتعني شيئاً عاماً، والله أعلم.

2ـ والهدف والمعنى والقصد من هذه الآية ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ﴾ [البقرة:201] أي: كونوا كهؤلاء، وهنا ذكر الوصف للموصوف المحذوف، يعني هم يريدون في الدنيا لكن بالوصف الحسن، ولم يقفوا عند هذا وإنما قالوا: ﴿وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ﴾ [البقرة:201] أيضاً بكل ما يتصور من العطايا الموصوفة بأنها حسنة في الآخرة، ثم زاد عليهم في دعائهم وهذا تدريب ودعاء أنْ ادعوا هكذا ﴿وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [البقرة:201]؛ لأنّ الإنسان لا ينبغي أنْ ينسى أنّ هناك ناراً.

 وعمر رضي الله عنه يقول لجلسائه: يا فلان عِظنا، قال: يا أمير المؤمنين تزفر النار زفرة يوم القيامة (هذا الزفير النفخ)، فلا يبقى ملك ولا شهيد ولا نبي ولا صالح إلا ويجثو على ركبتيه، ولو كان لك عمل سبعين نبياً ما ظننتَ أنك ناج منها. يعني هذه الزفرة مخيفة من بعد ذلك وحتى عندما ينجي الله الذين اتقوا يحسّون بهذه اللذة لذة النجاة من هذه النار.

3ـ ولمّا كان هؤلاء المؤمنون على منهج الرسل، فعبدوا الله أولاً كما أشار إليه السياق فانكسرت نفوسهم ثم ذكروه على تلك المراتب الثلاث، نارت قلوبهم بتجلي نور جلاله سبحانه فتأهلوا بذلك الدعاء فكان دعاؤهم كاملاً.

السؤال الرابع:

ما الدروس المستفادة من الآية؟

الجواب:

آـ لماذا لم ننس الدنيا هنا؟ لأنّ الدنيا مزرعة للآخرة، والحسنة هنا جاءت بصيغة النكرة مرتين وهي وصف لموصوف محذوف، أي: أنه أطلقها لتكون عامة وشاملة، فكأننا نقول: يا رب أعطنا كل ما يُحسّن الدنيا عندك لنا، أي: أعطنا في الدنيا عطايا حسنة وأعطنا في الآخرة عطايا حسنة أيضاً.

ب ـ وقوله تعالى: ﴿وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [البقرة:201] فيها نعمتان:

1ـ مجرد الزحزحة عن النار فيها نعيم، ويقول: الحمد لله أنْ أنجاني من النار.

2ـ فإذا ما دخل الجنة ورأى نعيمها يحمد الله مرة ثانية.

ج ـ قوله تعالى: ﴿وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ هو تأكيد لعدم دخول النار مطلقاً، لأنّ بعض الموحدين العاصين يدخلون النار ثم يدخلون الجنة،فكأنه طلب مؤكد يتوجه به المؤمن إلى الله تعالى أن لا يدخله النار ولو كان عاصياً.

السؤال الخامس:

ماذا يُسمى هذا الدعاء ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾؟

الجواب:

هذا الدعاء يسمى عند أهل العلم بـ(تاج الدعاء)، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يردده دائماً.

وذكر بعض العلماء أنّ التيجان سبعة وهي:

1ـ تاج الذكر: (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير).

2ـ تاج التسبيح: (سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته).

3ـ تاج الدعاء: (رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ).

4ـ تاج الاستغفار: (اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).

5ـ تاج التحصين: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم).

6ـ تاج تفريج الكروب: قوله تعالى: ﴿لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنبياء:87].

7ـ تاج راحة البال: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).

 والله أعلم.

 ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

﴿أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ﴾ [البقرة: 202]

 

السؤال الأول:

قوله تعالى: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ﴾ إلى من يرجع الضمير في لفظة (أولئك)؟

الجواب:

أنه إشارة إلى الفريق الثاني فقط الذين سألوا الدنيا والآخرة، وقيل: إنه راجع إلى الفريقين كل حسب نصيبه من العمل.

السؤال الثاني:

ما المراد من قوله تعالى: ﴿لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ﴾؟

الجواب:

 1ـ في (من) ثلاثة أقوال، أحدها: أنها للتبعيض، أي: نصيب من جنس ما كسبوا. والثاني: أنها للسببية، أي: من أجل ما كسبوا. والثالث: أنها للبيان.

2ـ الآية تدل على أنّ الجزاء من جنس العمل، ولكن بحسب الوعد لا بحسب الاستحقاق الذاتي.

السؤال الثالث:

ما الكسب؟

الجواب:

 1ـ الكسب يطلق على ما يناله المرء بعمله فيكون مكسبه ومكتسبه.

 2- الاكتساب فيه افتعال ولا يكون إلا في الشر، كأنّ الذي يفعل الشر يتكلف فيه.

3ـ وفي الآية ﴿كَسَبُواْۚ﴾ أي: من الأعمال الصالحة وأعمال الخير والعبادة بأنواعها، والآية تتحدث عن أولئك.

السؤال الرابع:

 ما دلالة قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلحِسَابِ﴾ في الآية؟

الجواب:

قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلحِسَابِ﴾ لأنّ الله يفعل بـ (كن) ولا يحتاج عمله إلى علاج، وبالتالي لا يحتاج إلى زمن، فهو إذن سريع الحساب؛ ولأنه لا يشغله شأن عن شأن؛ وهذا هو الفرق بين قدرة الواحد سبحانه وقدرة الحادث.

ولذلك سئل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف يحاسب الله الخلائق جميعاً في لحظة واحدة؟ فقال: كما يرزقهم في ساعة واحدة، فهو الذي يرزقهم وهو الذي يحاسبهم. والله أعلم.

 

 
 
..........................
 

﴿وَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعدُودَٰتٖۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَومَينِ فَلَآ إِثمَ عَلَيهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثمَ عَلَيهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيهِ تُحشَرُونَ﴾ [البقرة: 203]

السؤال الأول:

لم خصّ الله تعالى الذكر فى هذه الأيام ﴿وَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعدُودَٰتٖۚ﴾؟

الجواب:

لاحظ أنّ الله أمر عباده بالذِكر مع أنهم في الحج والموسم موسم عبادة، وخَصّ بالذكر الأيام المعدودات وهي أيام رمي الجِمار، وذلك لأنّ أهل الجاهلية كانوا يشغلون هذه الأيام بالتغامز ومغازلة النساء، فأراد الله تعالى صرفهم عن هذا الإثم إلى الخير دون ذِكر ما يفعلون.

السؤال الثاني:

ما أهم الدروس في هذه الآية؟

الجواب:

 1ـ قول الحق سبحانه: ﴿فِيٓ أَيَّامٖ مَّعدُودَٰتٖۚ﴾ وهي أيام التشريق الثلاثة، ثم قوله: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَومَينِ﴾ يدل على أنّ كلمة (أيام) تطلق على الجمع وهو الأكثر من يومين.

2 ـ (في أيام معدودات) و (في أيام معلومات😞 الأيام المعدودات هي أيام التشريق، و الأيام المعلومات هي أيام عشر ذي الحجة، وهي أفضل أيام السنة، وكلاهما أمر الله سبحانه بالذكر فيهما لفضلهما.

3ـ لكنّ الحق جعل للقيام بيومين حكم القيام بالثلاثة، فإنْ تعجلت في يومين فلا إثم عليك، ومن قضى ثلاثة أيام فلا إثم عليه، فكيف يكون ذلك؟

والجواب: لأنّ المسألة ليست زمناً ولكنها استحضار نية تعبدية، فقد تجلس ثلاثة أيام وأنت غير مستحضر النية التعبدية؛ لذلك قال الله تعالى في كتابه: ﴿لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ﴾ فإياك أنْ تقارن الأفعال بزمنها، وإنما بإخلاص النية والتقوى فيها.

4ـ جملة: ﴿إِلَيهِ تُحشَرُونَ﴾ جاءت لتناسب زحمة الحج، فإذا كنت قد ذهبت باختيارك إلى هذا الحشر البشري في الحج فاعرف أنّ الذي كلفك بهذا الذهاب الاختياري هو القادر على أنْ يأتي بك وقد سُلب منك الاختيار.

5ـ كان أهل الجاهلية فريقين، منهم من جعل المتعجل آثماً ومنهم من جعل المتأخر آثماً، فأخبر الله بنفي الإثم عنهما جميعاً، أو أنه لا إثم على المتأخر في تركه الأخذ بالرخصة، مع أنّ الله تعالى يحب أنْ تؤتى رخصه كما يحب أنْ تؤتى عزائمه، أو أنّ معناه انتفاء الإثم عنهما موقوف على التقوى لا على مجرد الرخصة أو العزيمة.

والله أعلم.
 
.....................
 

﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُۥ فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلخِصَامِ﴾ [البقرة: 204]

 

السؤال الأول:

كيف أضيفت كلمة ﴿أَلَدُّ﴾ إلى كلمة بمعناها وهي ﴿ٱلخِصَامِ﴾؟

الجواب:

الألدّ: صفة مشبهة، والّلدد: شدة الجدال، وتركت فلاناً يتلدد أي يلتفت يميناً وشمالاً من حيرته، فهي كلمة متحركة. و(الخصام) مصدر خاصم.

وقوله تعالى: ﴿وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلخِصَامِ﴾ إضافة كلمة ﴿أَلَدُّ﴾ إلى ﴿ٱلخِصَامِ﴾ مع أنّ معنى (ألدّ) هو شديد الخصومة، وهذا من باب مبالغة القرآن الكريم؛ ليصف لنا ربنا مدى الخصومة التي تسكن قلب المخاصِم، فهو ليس مخاصِماً وحسب ولكنه مخاصِم وخصامه غريب فظيع. ألا ترى كيف تقول لفلان وقد غضب: جُنّ فلان، ولكنه إذا كان كثير الغضب تقول: جُنّ جنونه، والمعنى في الآية: خصامه شديد الخِصام.

 

السؤال الثاني:

ما دلالة هذه الآية؟

الجواب:

1 ـ الآية دليل على أنّ الأقوال التي تصدر من شخص ليست دليلاً على صدق أو كذب الشخص حتى يوجد العمل المصدّق لها، ولذلك يجب عدم الاغترار بالمظاهر وتزكية النفوس، حتى يتم سبر أعمالهم.

2 ـ ﴿وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلبِهِۦ﴾ هـذا لسان المنافق... أما عمله: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾.

 والله أعلم
 
..............
 

﴿وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلفَسَادَ﴾ [البقرة: 205]

 

السؤال الأول:

لفظة (الحرث) من كلمات منظومة (الحديقة) في القرآن. فما كلمات تلك المنظومة؟

الجواب:

هذه هي كلمات منظومة (الحديقة) في القرآن، علما بأنه لم ترد كلمتا (بستان) و(حقل) في القرآن، لكنهما وردتا في الحديث.

1- الحديقة:

هي قطعة أرض مدورة فيها ماء وأشجار، وسُميت بهذا تشبيهاً بحدقة العين وفي حصول الماء فيها.

﴿فَأَنبَتنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهجَةٖ﴾ [النمل:60].

﴿حَدَآئِقَ وَأَعنَٰبا﴾ [النبأ:32].

﴿وَحَدَآئِقَ غُلبا﴾ [عبس:30].

2- البستان:

 إذا اتسعت الحديقة وأصبحت مستطيلة أو مربعة واسعة الأطراف تُسمى بستاناً، وإذا أُطلقت كلمة البستان فهو بستان نخل فقط، وإلا يجب تحديده فيقال: بستان رمان، أو بستان تفاح.

3-الجنة:

إذا زادت كثافة الأشجار بحيث لا يُرى من دخلها تُسمى جنة، ومنها كلمة الجن؛ لأنهم لا يُرون.

﴿كَمَثَلِ جَنَّةِۢ بِرَبوَةٍ﴾ [البقرة:265].

﴿أَن تَكُونَ لَهُۥ جَنَّةٞ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعنَابٖ تَجرِي مِن تَحتِهَا ٱلأَنهَٰرُ﴾ [البقرة:266].

﴿فَأَنشَأنَا لَكُم بِهِۦ جَنَّٰتٖ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعنَٰبٖ لَّكُمۡ فِيهَا فَوَٰكِهُ كَثِيرَةٞ﴾ [المؤمنون:19].

4- الحرث:

 هي الأرض الواسعة التي تُعد للبذر والزرع.

﴿وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَۚ﴾ [البقرة:205].

﴿كَمَثَلِ رِيحٖ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتۡ حَرثَ قَومٖ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَأَهلَكَتهُۚ﴾ [آل عمران:117].

﴿وَدَاوُۥدَ وَسُلَيمَٰنَ إِذۡ يَحكُمَانِ فِي ٱلحَرثِ﴾ [الأنبياء:78].

﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرثَ ٱلأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرثَ ٱلدُّنيَا نُؤتِهِۦ مِنهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ [الشورى:20].

5- الحقل:

إذا اجتمع في الحرث بستان وزرع وحيوان صار حقلاً.

6- الروضة:

هي منطقة زراعية كثيرة المياه دائمة الخضرة؛ وسُميت بذلك لأنها تبهج النفس.

﴿فَهُمۡ فِي رَوضَةٖ يُحبَرُونَ﴾ [الروم:15].

﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فِي رَوضَاتِ ٱلجَنَّاتِۖ﴾ [الشورى:22].

والله أعلم.

 

السؤال الثاني:

ما أهم دلالات الآية؟

الجواب:

1 ـ لا يعبث بالأمن أحدٌ عرف حق ربه، وحق مجتمعه، وحق نفسه، ولا يفعله إلا شخص لما تولى

﴿سَعَىٰ فِي ٱلأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلفَسَادَ﴾.

2 ـ الفساد له مظاهر شتى، أولها: الخروج على سنن الله الكونية والاجتماعية ومعالجة الشؤون الخاصة والعامة بالهوس والقصور، وقد يبدأ ذلك بأمور تافهة، كترك صنبور الماء مفتوحًا دون سبب، أو مكسورًا دون إصلاح، أو ترك خلل طارئ؛ ليصبح عاهة مستديمة!

والله أعلم.
..............
 

﴿وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلفَسَادَ﴾ [البقرة: 205]

 

السؤال الأول:

لفظة (الحرث) من كلمات منظومة (الحديقة) في القرآن. فما كلمات تلك المنظومة؟

الجواب:

هذه هي كلمات منظومة (الحديقة) في القرآن، علما بأنه لم ترد كلمتا (بستان) و(حقل) في القرآن، لكنهما وردتا في الحديث.

1- الحديقة:

هي قطعة أرض مدورة فيها ماء وأشجار، وسُميت بهذا تشبيهاً بحدقة العين وفي حصول الماء فيها.

﴿فَأَنبَتنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهجَةٖ﴾ [النمل:60].

﴿حَدَآئِقَ وَأَعنَٰبا﴾ [النبأ:32].

﴿وَحَدَآئِقَ غُلبا﴾ [عبس:30].

2- البستان:

 إذا اتسعت الحديقة وأصبحت مستطيلة أو مربعة واسعة الأطراف تُسمى بستاناً، وإذا أُطلقت كلمة البستان فهو بستان نخل فقط، وإلا يجب تحديده فيقال: بستان رمان، أو بستان تفاح.

3-الجنة:

إذا زادت كثافة الأشجار بحيث لا يُرى من دخلها تُسمى جنة، ومنها كلمة الجن؛ لأنهم لا يُرون.

﴿كَمَثَلِ جَنَّةِۢ بِرَبوَةٍ﴾ [البقرة:265].

﴿أَن تَكُونَ لَهُۥ جَنَّةٞ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعنَابٖ تَجرِي مِن تَحتِهَا ٱلأَنهَٰرُ﴾ [البقرة:266].

﴿فَأَنشَأنَا لَكُم بِهِۦ جَنَّٰتٖ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعنَٰبٖ لَّكُمۡ فِيهَا فَوَٰكِهُ كَثِيرَةٞ﴾ [المؤمنون:19].

4- الحرث:

 هي الأرض الواسعة التي تُعد للبذر والزرع.

﴿وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَۚ﴾ [البقرة:205].

﴿كَمَثَلِ رِيحٖ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتۡ حَرثَ قَومٖ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَأَهلَكَتهُۚ﴾ [آل عمران:117].

﴿وَدَاوُۥدَ وَسُلَيمَٰنَ إِذۡ يَحكُمَانِ فِي ٱلحَرثِ﴾ [الأنبياء:78].

﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرثَ ٱلأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرثَ ٱلدُّنيَا نُؤتِهِۦ مِنهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ [الشورى:20].

5- الحقل:

إذا اجتمع في الحرث بستان وزرع وحيوان صار حقلاً.

6- الروضة:

هي منطقة زراعية كثيرة المياه دائمة الخضرة؛ وسُميت بذلك لأنها تبهج النفس.

﴿فَهُمۡ فِي رَوضَةٖ يُحبَرُونَ﴾ [الروم:15].

﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فِي رَوضَاتِ ٱلجَنَّاتِۖ﴾ [الشورى:22].

والله أعلم.

 

السؤال الثاني:

ما أهم دلالات الآية؟

الجواب:

1 ـ لا يعبث بالأمن أحدٌ عرف حق ربه، وحق مجتمعه، وحق نفسه، ولا يفعله إلا شخص لما تولى

﴿سَعَىٰ فِي ٱلأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلفَسَادَ﴾.

2 ـ الفساد له مظاهر شتى، أولها: الخروج على سنن الله الكونية والاجتماعية ومعالجة الشؤون الخاصة والعامة بالهوس والقصور، وقد يبدأ ذلك بأمور تافهة، كترك صنبور الماء مفتوحًا دون سبب، أو مكسورًا دون إصلاح، أو ترك خلل طارئ؛ ليصبح عاهة مستديمة!

والله أعلم.
 
.............
 

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتهُ ٱلعِزَّةُ بِٱلإِثمِۚ فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئسَ ٱلمِهَادُ﴾ [البقرة: 206]

السؤال الأول:

ما دلالة ﴿ٱتَّقِ ٱللَّهَ﴾ في الآية ؟

الجواب:

معنى: ﴿ٱتَّقِ ٱللَّهَ﴾ أي: ليكن ظاهرُك موافقاً لباطنك، فلا يكفي أنْ تقولَ قولاً يُعجب الآخرين ، ولا يكفي أنْ تفعل فعلاً يُعجب الغير؛ لأنّ الله يحب أنْ يكون القولُ منسجماً مع الفعل، وأنْ يكون فعلُ الجوارح منسجماً مع نيات القلب.

السؤال الثاني:

كيف تكون جهنم دار مِهاد ونوم في قوله تعالى: ﴿فَحَسُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئسَ ٱلمِهَادُ﴾ ؟

الجواب:

1ـ وصف الله تبارك وتعالى الأرضَ بأنها مِهادٌ لنا في حياتنا؛ لأنها مهيأة للسعي والنوم.

 وأمّا في قوله تعالى: ﴿وَلَبِئسَ ٱلمِهَادُ﴾، فهذا أقصى أنواع التهكم بهؤلاء الكافرين، فالإنسان يتخذ المكان الوثير مهاداً ليهنأ بنومه، أمّا الكافرُ فلِسُخْفِ عقله أخذ النار والعذاب مكان نومه، فتأمل!.

2ـ وكلمة (مهاد) أي: ممهد ومريح، ولذلك يسمون فراشَ الطفل المهد.

وهل المهاد بهذه الصورة يناسب العذاب؟ نعم؛ لأنّ الذي يجلس في المهاد لا إرادة له في أنْ يخرج منه كالطفل فلا قوة له أنْ يغادر الفراش، فإذا كان المهادُ بهذه الصورة في النار فهو بئس المهاد.

السؤال الثالث:

ما الفرق بين ختامي الآيتين: آية لقمان 6 و آية البقرة 206، حيث بدأت كلتاهما بالمفرد، لكن انتهت آية لقمان بالجمع ؟

الجواب:

أولا: استعراض الآيات:

قال تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشتَرِي لَهوَ ٱلحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيرِ عِلمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ﴾  [لقمان:6] . 

 ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُۥ فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلخِصَامِ﴾ [البقرة: 204].

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتهُ ٱلعِزَّةُ بِٱلإِثمِۚ فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئسَ ٱلمِهَادُ﴾ [البقرة:206] .

ثانياً: البيان:

1ـ بدأت آية لقمان بالمفرد ﴿مَن يَشتَرِي﴾ [لقمان:6] وانتهت بالجمع ﴿أُوْلَٰٓئِكَ﴾ [لقمان:6] فهل هنالك رابط؟

نعم يوجد رابط؛ فإنه لما قال: ﴿لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾، هذا سيكون تهديداً له ولمن يضلهم، وليس له فقط ،فهو جمعهم في زمرته هو ومن يتبعه (المُضِل والضال)، إذن ليسا واحداً وإنما أصبحت جماعة، فناسب التهديد بصيغة الجمع له ولكل من يضله ﴿أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ﴾ [لقمان:6] .

2ـ في آيتي البقرة ( 204 ـ 206 )، قال: ﴿فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ﴾ [البقرة:206] بصيغة الإفراد؛ لأنه لم يذكر أحداً معه فبدأ بالمفرد وانتهى بالمفرد؛ لأنه لم يتعلق بالآخر .

والله أعلم .

 

 
..................

﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ [البقرة: 207]

السؤال الأول:

ما الفرق بين الرضوان والمرضات؟

الجواب:

1ـ الرضوان: مصدر وهو الرضى، بل الرضوانُ هو أعظمُ الرضى وأكبره فخُصّ بالله سبحانه وتعالى. ولم تستعمل في القرآن كلمة الرضوان إلا بمعنى الرضى من الله تعالى فقط. وقد وردت كلمة الرضوان في القرآن الكريم 13مرة.

2ـ أمّا كلمة: مرضات، فتأتي من الله ومن غيره، فهي ليست مختصة بالله تعالى، وإنما تأتي لله تعالى ولغيره. وقد وردت في القرآن الكريم خمس مرات، منها أربع مرات مع لفظ الجلالة في الآيات: [البقرة 207ـ البقرة 265ـ النساء 114ـ الممتحنة 1] ومرة واحدة مع أزواج النبي في آية التحريم 1.

شواهد قرآنية:

 ـ ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشرِي نَفۡسَهُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِۚ﴾ [البقرة:207].

 ـ ﴿تَبتَغِي مَرضَاتَ أَزوَٰجِكَۚ﴾ [التحريم:1].  

 3ـ والرضوان أعلى من الجنة، وفي الأثر: (إنكم لتحتاجون إلى علمائكم في الجنة كما تحتاجون إليهم في الدنيا، فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: يطُلّ الله تعالى على عباده أصحاب الجنة، فيقول: سلوني، فيحارون ماذا يسألونه وكل شيء موجود، فينظر بعضهم إلى بعض فيذهبون إلى علمائهم يقولون ما نسأل ربنا؟ فيقول العلماء: سلوه الرضا).

4ـ الفعل : ( يشري ) أي يبيع . ويدخل تحت هذه الآية كلُ مشقة يتحملها الإنسان في طلب الدين.

 

السؤال الثاني:

عادة في القرآن الكريم يجمع بين الصفتين: الرأفة والرحمة، فيقول: ﴿رَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾ فهل أفردت الرأفة عن الرحمة في القرآن؟

الجواب:

1ـ الرأفةُ خاصة: وهي دفع المكروه وإزالة الضرر، وأمّا الرحمة فعامة، كما قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرسَلنَٰكَ إِلَّا رَحمَةٗ لِّلعَٰلَمِينَ﴾ [الأنبياء:107].

2ـ أفردت الرأفة عن الرحمة في القرآن كله في موطنين لا غير:[ آية البقرة 207،  وآية آل عمران 30 ] وقال فيهما: ﴿وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ .

 قال تعالى:

ـ ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ [البقرة:207] .

ـ ﴿يَومَ تَجِدُ كُلُّ نَفسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيرٖ مُّحضَرا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَينَهَا وَبَينَهُۥٓ أَمَدَا بَعِيداۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ [آل عمران:30] .

 3ـ ما قال تعالى فيهما: ( رؤوف رحيم )  فلماذا؟ لو لاحظنا السياق الذي وردت فيه الآيتان يتضح الأمر.

آـ في سورة البقرة قال تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُۥ فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلخِصَامِ ٢٠٤ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلفَسَادَ ٢٠٥ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتهُ ٱلعِزَّةُ بِٱلإِثمِۚ فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئسَ ٱلمِهَادُ ٢٠٦ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ [البقرة: 204-207] فالسياق لا يحتمل رحمة؛ لأنه عندما يقول: ﴿فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ﴾ كيف يناسب الرحمة؟ لا يناسب ذكر الرحمة.

ب ـ وكذلك الأمر في سياق آية آل عمران 60، يتكلم فيها عن النفس التي عملت في حياتها سوءاً مع التحذير من ذلك، فلا يناسب ذلك ذكر الرحمة لهؤلاء.

والله أعلم.
 
تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×