اذهبي الى المحتوى
امانى يسرى محمد

{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ }

المشاركات التي تم ترشيحها

تقرأ قوله تعالى في سورة الفرقان :
{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27)}،
فما هذا اليوم؟ ولماذا يعض؟ وماذا ظلم ومن ظلمه؟ ولماذا عض على يديه ولم يعض على يد واحدة أو لم يعض على عدّة أصابع ،أو أصبع واحد؟

أسئلة كثيرة تعرض نفسها عليك في شريط متتابع تعرضها عليك أداة تصوير دقيقة تصور الحدث مشهداً نفسياً وجسمياً ، حركةً وشعوراً،تتغلغل في أعماق النفس مجلّيةً موقفاً مؤلماً في يوم عصيب تقف المخلوقات فيه إنساً وجِنّاً ،عُراةً غُرلاً، في موقف مخيف يقطع الأنفاس وتضطرب فيه القلوب والجوارح ،ويشيب لهوله الولدان، وينحسر فيه الجميع عن جزع واضطراب لا ينجو منه أحد.

والظالم نوعان : ظالم لنفسه وظالم لغيره، وغالباً ما يجتمع النوعان معاً ،فمن يظلم الناس ويتعدى حقوقه إلى حقوق غيره تنكمش نفسُه على الأنانية وحب الذات والنرجسية التي ترى ما عداه لا حقوق له ولا كيان، فليفعل ما يشاء دون رادع.هذا الظالم الذي جمع الظلم أحدَهما أو كليهما عرف نهايته المؤلمة قبل أن تعرض عليه أعماله، فيأكله الندم،ولن يُفيده، وتجتاحُه الحسرة ، وتغشاه الكآبة . وليس له إلا أن يعبر عما يعيشه من حالة المرارة من مصير مرعب ينتظره بين لحظة وأخرى، ليس له أن يتخطّاه ، ، فقد سبق السيف العذل، والشهود حاضرون ،والقاضي عادل، ولن يتغير الحكم ،ولو دفع ملء اللأرض ذهباً، ولا يجرؤ شافع أن يشفع، فالخلائق كلهم مسؤولون، وكلهم مشغول بنفسه يسعى إلى خلاصها ، قال سبحانه في سورة عَبَسَ :
{ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)} .

ولنتفحّص النادم قد امتقع لونُه وجحظت عيناه وارتجفت أعضاؤه وأخذ يعض يديه يدميهما ويكاد يقطعهما،أسفاً وحسرة على ما آل إليه ،وخوفاً واضطراباً من فجأة اللحظة التي تحمله إلى الحُطَمة ، أو تعلوه النار دون سابق إنذار..

يعود إلى الدنيا بذاكرته حيث عُرض عليه الإيمانُ فأبى ، وسُئل العملَ الصالح فعافه، وطولب بأداء الحقوق فتجبّر، أتاه الدعاة ينصحونه فسخر منهم ، وهددهم وتعالى عليهم فاعتقلهم وسجنهم ،وكمَّم أفاههم وقتل الكثير منهم ، وشرّد الباقين، ودمّر عليهم ،وأذاق الناس المرَّ والعلقم ، ولم يرحم أحداً.

تذكُرُ بعض الروايات أن عقبة بن أبي مُعيط كان يسكن في الحي الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا يوماً اصحابه وأهل الحيِّ إلى وليمة ، ومن بينهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فأبى رسول الله الدعوة ،فهو لا يأكل طعامَ كافر ، ورغب عقبة أن يستجيب الجميع لدعوته فذكر كلمة الإيمان ،وشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، فلبى النبي صلى الله عليه وسلم دعوته.
لكنّ أبَيَّ بن خلف وهو صاحب عقبة وصديقه عاتبه : اصبأت وتركت دين آبائك وأجدادك، ؟ حرامٌ عليَّ لقاؤك إلا أن ترد على محمد دينه وتأتيه فتطأ قفاه وتبزق في وجهه لا أرضى منك غير ذلك.
جاءه الشقيُّ فوجده ساجداً قرب الكعبة ففعل ذلك ،ورد الله عليه بزقته فحرقت وجه الكافر اللعين ، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم :
لا القاك خارج مكة إلا قتلتُك .فأُسِر يوم بدر، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليَّاً رضي الله عنه ،فقطع عنقه.كما أن أبيّاً رماه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد بسهم اصاب رقبته، فمات في الطريق عائداً إلى مكة.

يقول الظالم في موقف اليوم الأخير متحسراً على ما فعل مع الرسول ، كما قال تقدست أسماؤه :
{ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً } ،
لكن ذلك اليوم مضى ولن يعود " ليتَ وهل تنفع شيئاً ليتُ؟"
أو لمْ يكن الإيمان بالله ورسوله أولى؟ أو ليس العمل الصالح أجدى؟ أوليست صحبة الصالحين أنفع ، ولات حين مندم

يقول الظالم والألم يأخذه كل مأخذ كما قال عز وجلّ :
{ يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً (28)} (الفرقان) ،
فقد كان أبيٌّ وأمثالُه شياطين الإنس يضلون من يصاحبُهم ،وما ينبغي للعاقل أن يتخذهم مجالسين ولا صِحاباً .
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
( لا تُصاحِبْ إلَّا مؤمنًا ولا يأكُلْ طعامَك إلَّا تقيٌّ )

واقرأ معي اعتراف الظالم بخطئه ، ولن ينفعه ذلك ، قال جل ثناؤه :
{ لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29)} (الفرقان)
ضَيّعَ الفرصة التي جاءته، فلم يغتنمها، وصاحَبَ شيطان الإنس، فابعده عن الحق وأضلّه،
وجاءت { خَذُولاً } ) في صيغة المبالغة.

الشيطانُ يعلن في النار أن وعد الله حق تركه الضالون ، وأنّ وعده كذب وزور يمس الهوى فأخلفهم إذ تبعوه فخسروا.

فليكن إلى الله مسيرنا ، والعمل الصالح زادنا ،والشرع القويم ملاذنا ..

اقول:
لجأت إليك يا رب العبادِ * وحبُك في الصدور وفي الفؤادِ
وذكرك قد جعلتُ خمير زادي * فهبني النور في سبُل الرشاد
وكن عوني على فعلِ السدادِ * وأكرمني إلهي في المعادِ

 الدكتور عثمان قدري مكانسي

>>>>>>>>>>>

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27)

إذا عُرضت لك الدنيا، فاذكر الموت، وإذا وقعت في الذنوب، فاذكر التوبة، وإذا كسبتَ المال، فاذكر الحساب، وإذا جلست إلى الطعام فاذكر الجائع والمسكين والفقير واليتيم، وإذا دعتك نفسك إلى ظلم الناس، فاذكر قدرة الله عليك الذي سلطك عليهم، ولو شاء لسلطهم عليك، وإذا نزل بك بلاء فاستعن بلا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا مرضت، فعالج نفسك بالصدقة، وإذا أصابتك مصيبةٌ، فقل: إنا لله وإنا إليه راجعون.

حينما يأتي يوم القيامة على ماذا يندم الإنسان؟ يندم على أثمن شيءٍ في الدنيا، لم يقل يا ليتني اشتريت بيتًا فخمًا، لا يقول الظالم يوم القيامة يا ليتني تزوجت فلانة بنت فلان، لا يقول الظالم يوم القيامة يا ليت كان عندي كذا، وكذا من العيال والمال والبساتين والعقار، الذي يقوله هو أثمن ما في الدنيا.
دققوا جيدًا فيما سيقول، هذا الذي سيقوله هو أثمن ما في حياتكم الدنيا، (يقول يا ليتني اتخذتُ مع الرسول سبيلا). لم يقل الله عز وجل يا ليتني اتخذت إلى الله سبيلا،(يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا)
لأنه لا سبيل إلى الله عز وجل، إلا بصحبة دليل، بصحبة عارفٍ بالله، بصحبة مُرشدٍ إلى الله عز وجل، (يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) ولم يقل يا ليتني اتخذت سبيلاً مع الرسول، لذلك قال علماء الأصول: إن العلم الشريف لا يؤخذ إلا عن الرجال، لا يؤخذ عن الكتب وحدها بل العلم في الصدور، وليس في السطور.
أثمن ما في الدنيا أن تعرف الله عز وجل، وأن تتخذ إليه سبيلا، وأن تصبر نفسك مع الذين يخشون ربهم، إن أثمن ما في الدنيا أن تكون مع الصادقين، وأن تكون متعلمًا، وعالمًا، أو متعلمًا أو مستمعًا، أو مُحبًا. إذا جئت إلى الدنيا، وخرجت منها ما هو أثمن شيء فيها؟ (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْر)، مهما يكن غنيًا، مهما يكن قويًا، مهما يكن صحيحًا، (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). أربعة أشياء؛ ما لم تكن عندك وهي الأيمان والأعمال الصالحة، والحق وهو العدل والإنصاف ورابعها: الصبر.. وهو الصبر على أداء التكاليف من صلاة وصيام وغيرهما والصبر على البعد عن المعاصي واجتنابها، هذه الأربعة إن لم تكن معك وأنت في الطريق إلى قبرك فأنت في خسارة كائنا من تكون، أنت في خسارةٍ محققة.
يا ليتني تعرفتُ على الله عز وجل، يا ليتني عَرفتُ الحلال، والحرام، فتركت الحرام واتبعت الحلال، يا ليتني عرفت الحق والباطل، فتركت الباطل واتبعت الحق، ليتني اتخذتُ مع الرسول سبيلا.
 وما شر ما في الدنيا؟ (يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانًا خليلاً) أن تصحب صاحبًا يدلك على طريق جهنم، ويحببك بالحرام، أن تصحب صاحبًا يزهدك بالآخرة، ويبيح لك المعاصي، ويغريك أن تخالف أمر الله عز وجل (يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانًا خليلا).

الإمام الغزالي رحمه الله يقول الحقيقة الكبرى والوحيدة في هذا الكون، ليس في الكون إلا الله ؛ أثمن ما في الحياة الدنيا أن تتعرف على الله تبارك وتعالى، أن تعرفه لتعرف كيف تعمل من أجله، فإذا عملت من أجله سعدت إلى الأبد، هذا هو كل ما في الدنيا. نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لقراءة القرآن الكريم والعمل به، وأن يكون شفيعًا لنا يوم القيامة يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.

     
          - من أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئاً كالظالم الذي يعض على يده يقول : { يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا } -ابن تيمية –
    
         
      فؤاد إبراهيم عُبيد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×